❞ عندما جحظت عيناها في صدمة تعكس حالة من السريالية، لم تدرك ما سيكون عليه النتيجة. كيف سارت الأمور بهذه السرعة؟ كأنها ما زلت أعيش في حلمٍ أو كابوسٍ من صنع يد القدر. ابتلعت ريقها بتوتر، ونظرت له بضعف لا ينفصم، نظراتها تترجى، كأنها تأمل أن تسقط الكلمات من شفتيه، وتعيد الأمور إلى نصابها.
لكنه نهض بها برفقة الحيرة القاتلة، ليجلسا جنباً إلى جنب مع المأزون، كأنهما دُفعا نحو مصير لا يرحم. وحدها الكلمات الطافية من صوت إياد، الذي تحدث موجهاً حديثه للمأزون بدقةٍ ووضوح:
\"هيا، ابدأ.\"
زمن تلك اللحظة يختزن قوة الدراما، كل جملة تأخذ طابعها من الارتباك والتوتر الذي يرسم ملامح الصالة المتوترة. كانت القدرية في صمتهم، والاختيارات تتجلى أمامهم، كأنما تتوجب على حياة أن تتخطى واقعها بشجاعة، وتخوض تجربة أكثر تعقيداً من مجرد زواج، بل مشواراً قد يغير مجرى حياتها.
تنهد المأزون بعمق، كأنه يستجمع القوة لتدشين لحظة مصيرية في حياة الفتاة التي تتأرجح بين السكينة والفوضى. بدأ بعقد قرانهما، صوته يرتفع بالعزف على نغمة قانونية كانت بالنسبة لحياة صوتاً جليدياً يتسلل إلى أعماقها، ليترك أثراً على قلبها المرتجف. لم تمضِ لحظات حتى أطلق المأزون عقبه، قائلاً:
\"والآن، أعلنكما زوجاً وزوجة، مبارك لكما.\"
انزلقت دمعة بريئة على وجنتها، وكأنها لم تدرك سبب تلك العواطف التي جذبت قلبها بين الرغبة في الفرار والخوف من المجهول. لم يكن قلبها ينبض بسرعة فحسب، بل كان مقبوضاً في حين كانت تتخيل مآلات هذا الارتباط. هنا، بجانب إياد، أصبحت ملكاً له، وقدرت أن هذه الخطوة ستقيد حريتها. تمنت لو كانت قادرة على مقاومة الموقف الذي تبدى جلياً؛ لكنها كانت عاجزة عن الفعل.
أما إياد، فعندما سمع تلك العبارة، ارتفع قلبه متهللاً، يمزق قيود الشك والقلق. \"أصبحت لي، ولا شيء يستطيع فصلنا الآن.\"
أقسم في أعماقه أنه سيبذل قصارى جهده ليتحكم بأعصابه، وأن يكون هادئاً ولطيفاً قدر المستطاع، ليعفي حياة من خوفها المتنامي تحت وطأة تلك اللحظة.. ❝ ⏤وداد جلول
❞ عندما جحظت عيناها في صدمة تعكس حالة من السريالية، لم تدرك ما سيكون عليه النتيجة. كيف سارت الأمور بهذه السرعة؟ كأنها ما زلت أعيش في حلمٍ أو كابوسٍ من صنع يد القدر. ابتلعت ريقها بتوتر، ونظرت له بضعف لا ينفصم، نظراتها تترجى، كأنها تأمل أن تسقط الكلمات من شفتيه، وتعيد الأمور إلى نصابها.
لكنه نهض بها برفقة الحيرة القاتلة، ليجلسا جنباً إلى جنب مع المأزون، كأنهما دُفعا نحو مصير لا يرحم. وحدها الكلمات الطافية من صوت إياد، الذي تحدث موجهاً حديثه للمأزون بدقةٍ ووضوح:
˝هيا، ابدأ.˝
زمن تلك اللحظة يختزن قوة الدراما، كل جملة تأخذ طابعها من الارتباك والتوتر الذي يرسم ملامح الصالة المتوترة. كانت القدرية في صمتهم، والاختيارات تتجلى أمامهم، كأنما تتوجب على حياة أن تتخطى واقعها بشجاعة، وتخوض تجربة أكثر تعقيداً من مجرد زواج، بل مشواراً قد يغير مجرى حياتها.
تنهد المأزون بعمق، كأنه يستجمع القوة لتدشين لحظة مصيرية في حياة الفتاة التي تتأرجح بين السكينة والفوضى. بدأ بعقد قرانهما، صوته يرتفع بالعزف على نغمة قانونية كانت بالنسبة لحياة صوتاً جليدياً يتسلل إلى أعماقها، ليترك أثراً على قلبها المرتجف. لم تمضِ لحظات حتى أطلق المأزون عقبه، قائلاً:
˝والآن، أعلنكما زوجاً وزوجة، مبارك لكما.˝
انزلقت دمعة بريئة على وجنتها، وكأنها لم تدرك سبب تلك العواطف التي جذبت قلبها بين الرغبة في الفرار والخوف من المجهول. لم يكن قلبها ينبض بسرعة فحسب، بل كان مقبوضاً في حين كانت تتخيل مآلات هذا الارتباط. هنا، بجانب إياد، أصبحت ملكاً له، وقدرت أن هذه الخطوة ستقيد حريتها. تمنت لو كانت قادرة على مقاومة الموقف الذي تبدى جلياً؛ لكنها كانت عاجزة عن الفعل.
أما إياد، فعندما سمع تلك العبارة، ارتفع قلبه متهللاً، يمزق قيود الشك والقلق. ˝أصبحت لي، ولا شيء يستطيع فصلنا الآن.˝
أقسم في أعماقه أنه سيبذل قصارى جهده ليتحكم بأعصابه، وأن يكون هادئاً ولطيفاً قدر المستطاع، ليعفي حياة من خوفها المتنامي تحت وطأة تلك اللحظة. ❝
❞ أَنَسَّى الماضي ولكن لا تَنْسَ الدرس
من المحتمل أن أكون علمت معنى هذه المقولة متأخرًا؛ لكي تكمل في الحاضر لابد أن تنسَ الماضي الأليم، لكن كيف لإنسان نسيان ماضية الذي هو حاضره؟ تائهة، ومتألمة، ومكسورة وحزينة مفقودة أيضًا من داخلي، من المحتمل أن ترى كلماتي هذه بسيطة، لكن هذا ما أشعر به الآن، مجروحة من أكثر أشخاص كانوا السبب بالنسبة لي العالم بأكمله، وما زلت تلك الفتاة التي تسير بين زحام أفكارها، وبين ماضي تعيس ومؤلم بلا حياة، ما زلت كما كنت تلك الفتاة التي تهزمها عواطفها الحمقاء دائمًا، كل ما أهتف به عن الماضي رأيته في حاضري، لا أستطيع النسيان ربما حتى إن كنت أريد هذا، أريد أن أرتاح من كل هذا يا الله، بداخلي صراعات كثيرة لا يمكنني تجاوزها، أتدري أيتها النفس أنكِ منهكة من كل شيء حولك؟ ربما الماضي كان سيء نوعًا ما، لكنني كنت أسعد من الآن بكثير، كنت أشعر بالأمان أكثر من الآن، كنت كالطفلة دائمًا تتعلق بأشياء ليست لها، كنت أحب وأسامح وأثق بأناس حتى التغافل عن كل شيء حولي، لكن بالتأكيد الشيء الوحيد الذي تعلمته، الثقة من المحتمل عليكِ أيتها النفس أن تثقي دائمًا بأناس خطأ، لكنني من الآن لست أثق بأحد نوعًا ما، لم ينبض هذا القلب مرة أخرى، لم أتغافل عن كل شيء حولي، ربما كل ما صار معي غير أشياء كثيرة في ذاتي، لكن الشيء الوحيد الذي أثق به أن الحياة دائمًا تكون ليست عادلة، ولم نحصل دائمًا على ما نريده، سوف أجتاز كل الصعاب بمفردي، لقد تعلمت من البارحة، سأكون أفضل من الآن بكثير، وهذا وعد لذاتي، ما زلت سوف أتعلم من ضجيج هذه الحياة القاسية.
گ\' #رِحاب_مُحمد
#كيان_خطوط. ❝ ⏤مجموعة من المؤلفين
❞ أَنَسَّى الماضي ولكن لا تَنْسَ الدرس
من المحتمل أن أكون علمت معنى هذه المقولة متأخرًا؛ لكي تكمل في الحاضر لابد أن تنسَ الماضي الأليم، لكن كيف لإنسان نسيان ماضية الذي هو حاضره؟ تائهة، ومتألمة، ومكسورة وحزينة مفقودة أيضًا من داخلي، من المحتمل أن ترى كلماتي هذه بسيطة، لكن هذا ما أشعر به الآن، مجروحة من أكثر أشخاص كانوا السبب بالنسبة لي العالم بأكمله، وما زلت تلك الفتاة التي تسير بين زحام أفكارها، وبين ماضي تعيس ومؤلم بلا حياة، ما زلت كما كنت تلك الفتاة التي تهزمها عواطفها الحمقاء دائمًا، كل ما أهتف به عن الماضي رأيته في حاضري، لا أستطيع النسيان ربما حتى إن كنت أريد هذا، أريد أن أرتاح من كل هذا يا الله، بداخلي صراعات كثيرة لا يمكنني تجاوزها، أتدري أيتها النفس أنكِ منهكة من كل شيء حولك؟ ربما الماضي كان سيء نوعًا ما، لكنني كنت أسعد من الآن بكثير، كنت أشعر بالأمان أكثر من الآن، كنت كالطفلة دائمًا تتعلق بأشياء ليست لها، كنت أحب وأسامح وأثق بأناس حتى التغافل عن كل شيء حولي، لكن بالتأكيد الشيء الوحيد الذي تعلمته، الثقة من المحتمل عليكِ أيتها النفس أن تثقي دائمًا بأناس خطأ، لكنني من الآن لست أثق بأحد نوعًا ما، لم ينبض هذا القلب مرة أخرى، لم أتغافل عن كل شيء حولي، ربما كل ما صار معي غير أشياء كثيرة في ذاتي، لكن الشيء الوحيد الذي أثق به أن الحياة دائمًا تكون ليست عادلة، ولم نحصل دائمًا على ما نريده، سوف أجتاز كل الصعاب بمفردي، لقد تعلمت من البارحة، سأكون أفضل من الآن بكثير، وهذا وعد لذاتي، ما زلت سوف أتعلم من ضجيج هذه الحياة القاسية.
گ˝ #رِحاب_مُحمد #كيان_خطوط. ❝
❞ إلهي ..
إنك ترى نفسي و لا يراها سواك .
تراها كالبيت الكبير الذي تصدعت منه الجدران و تهاوت السقوف و انكفأت الموائد .
بيتاً مهجوراً يتعاوى فيه الذئاب و يلهو فيه القردة و تغرد العصافير .
ساعةً تتلألأ فيه الأنوار و تموج فيه أشعة القمر .
و ساعةً أخرى مظلماً مطموساً محطم المصابيح تسرح فيه العناكب .
مرةً تحنو عليه يد الربيع فتتفتح الزهور على نوافذه و تصدح البلابل و تغزل الديدان الحرير و تفرز النحلات الطنانة العسل.
و مرةً أخرى يأتي عليه الزلزال فلا يكاد يخلف جداراً قائماً لولا ذلك الحبل الممدود الذي ينزل بالنجدة من سماوات رحمتك .
حبل لا إله إلا أنت سبحانك .
أنت الفاعل سبحانك و أنت مجري الأقدار و الأحكام .. و أنت الذي امتحنت و قويت و أضعفت و سترت و كشفت .. و ما أنا إلا السلب و العدم .. و كل توفيق لي كان منك و كل هداية لي كانت بفضلك و كل نور كان من نورك .. ما أنا إلا العين و المحل و كل ما جرى علي من استحقاقي و كل ما أظهرت فيّ كان بعدلك و رحمتك .. ما كان لي من الأمر شيء .
و هل لنا من الأمر شيء !؟
مولاي .. يقولون إن أكبر الخطايا هي خطايا العارفين .. و لكني أسألك يارب أين العارف أو الجاهل الذي استطاع أن يسلم من الفتنة دون رحمة منك .. و أنت الذي سويت نفوسنا و خلقتها و وصفتها بأنها
( لأمارة بالسوء إلا ما رحم ربي ) .
و أين من له الحول و القوة بدونك .. و هذا جبريل يقول لنبيك لا حول من معصية إلا بعصمة الله و لا قوة على طاعة الله إلا بتمكين الله .
و هل استعصم الذين استعصموا إلا بعصمتك و هل تاب الذين تابوا إلا بتوبتك .. و هل استغفروا إلا بمغفرتك .
إلهي .. لقد تنفست أول ما تنفست بك و نطقت بك و سمعت بك و أبصرت بك و مشيت بك و اهتديت بك .. و ضللت عندما خرجت عن أمرك .
سألتك يارب بعبوديتي أن ترفع عني غضبك .. فها أنا ذا و قد خلعت عن نفسي كل الدعاوي و تبرأت من كل حوْل و طوْل و لبست الذل في رحاب قدرتك .
إنك لن تضيعني و أنا عبدك .
لن تضيع عبداً ذل لربوبيتك و خشع لجلالك .
و كيف يضيع عبد عند مولىً رحيم فكيف إذا كان هذا المولى هو أرحم الراحمين .
ربّ اجذبني إليك بحبلك الممدود لأخرج من ظلمتي إلى نورك و من عدميتي إلى وجودك و من هواني إلى عزتك .. فأنت العزيز حقاً الذي لن تضرك ذنوبي و لن تنفعك حسناتي .
إن كل ذنوبنا يارب لن تنقص من ملكك .
و كل حسناتنا لن تزيد من سلطانك .
فأنت أنت المتعال على كل ما خلقت المستغني عن كل ما صنعت .
و أنت القائل :
هؤلاء في الجنة و لا أبالي و هؤلاء في النار و لا أبالي .
و أنت القائل على لسان نبيك :
( ما يعبأ بكم ربي لولا دعاؤكم )
فها أنا أدعوك فلا أكف عن الدعاء .. فأنا المحتاج.. أنا المشكلة .. و أنا المسألة .
أنا العدم و أنت الوجود فلا تضيعني .
عاوني يارب على أن اتخطى نفسي إلى نفسي .. أتخطى نفسي الأمارة الطامعة في حيازة الدنيا إلى نفسي الطامعة فيك في جوارك و رحمتك و نورك و وجهك .
لقد جربت حيازة كل شيء فما ازددت إلا فقراً و كلما طاوعت رغائبي ازدادت جوعاً و إلحاحاً و تنوعاً .
حينما طاوعت شهوتي إلى المال ازددت بالغنى طمعاً و حرصاً و حينما طاوعت شهوتي إلى النساء ازددت بالإشباع عطشاً و تطلعاً إلى التلوين و التغيير .. و كأنما أشرب من ماء مالح فأزداد على الشرب ظمأً على ظمأ .
و ما حسبته حرية كان عبودية و خضوعاً للحيوان المختفي تحت جلدي ثم هبوطاً إلى درك الآلية المادية و إلى سجن الضرورات و ظلمة الحشوة الطينية و غلظتها .
كنت أسقط و أنا أحسب أني أحلق و أرفرف .
و خدعني شيطاني حينما غلف هذه الرغبات بالشعر و زوقها بالخيال الكاذب و زينها بالعطور و زفها في أبهة الكلمات و بخور العواطف ، و لكن صحوة الندم كانت توقظني المرة بعد المرة على اللاشيء و الخواء .
إلهي .. لم تعد الدنيا و لا نفسي الطامعة في الدنيا و لا العلوم التي تسخر لي هذه الدنيا و لا الكلمات التي احتال بها على هذه الدنيا .. مرادي و لا بضاعتي .
و إنما أنت وحدك مرادي و مقصودي و مطلوبي فعاوني بك عليك و خلصني بك من سواك و أخرجني بنورك من عبوديتي لغيرك فكل طلب لغيرك خسار .
أنت أنت وحدك .. و ما أرتضي مشوار هذه الدنيا إلا لدلالة هذا المشوار عليك و ما يبهرني الجمال إلا لصدوره عنك و ما أقصد الخير و لا العدل و الحرية و لا الحق إلا لأنها تجليات و أحكام أسمائك الحسنى يامن تسميت بأنك الحق .
و لكن تلك هجرة لا أقدر عليها بدونك و نظرة لا أقوى عليها بغير معونتك .. فعاوني و اشدد أزري .. فحسبي النية و المبادرة فذلك جهد الفقير .. فليس أفقر مني .. و هل بعد العدم فقر .. و قد جئت إلى الدنيا معدماً و أخرج منها معدماً و أجوزها معدماً .. زادي منك و قوتي منك و رؤيتي منك و نوري منك .
و اليوم جاءت الهجرة الكبرى التي أعبر فيها بحار الدنيا دون أن أبتل و أخوض نارها دون أن أحترق .. فكيف السبيل إلى ذلك دون يدك مضمومة إلى يدي .
و هل يدي إلا من صنع يدك ؟ .. و هل يدي إلا من يدك ؟!
و هل هناك إلا يد واحدة ؟
لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين .
سبحانك لا أرى لي يداً .
سبحانك لا أرى سواك .
لا إله إلا الله .
لا إله إلا الله حقاً و صدقاً .
و ذاتك هي واحدة الحسن .
الحسن كله منها .
و الحب كله لها .
و يدك هي واحدة المشيئة .
الفعل كله منها و القوة كلها بها و إن تعددت الأيدي في الظاهر و ظن الظانون تعدد المشيئات .. و إن تعدد المحبون و تعددت المحبوبات .. ما يركع الكل إلا على بابك و ما يلثم الكل إلا أعتابك .. مؤمنون و كفرة .. و إن ظن الكافر أنه يلثم ديناراً أو يقبل خداً فإنما هي أيادي رحمتك أو أيادي لعنتك هي ما يلثم و يقبل دون أن يدري .
و إنما هي أسماء و أفعال و أوصاف .
و المسمى واحد .
و الفاعل واحد .
و الموصوف واحد .
لا إله إلا هو .
لا إله إلا الله .
الحمد له في الأول و الآخر .
رفعت الأقلام و طويت الصحف و انتهت الكلمات
. ❝ ⏤مصطفى محمود
❞ إلهي .
إنك ترى نفسي و لا يراها سواك .
تراها كالبيت الكبير الذي تصدعت منه الجدران و تهاوت السقوف و انكفأت الموائد .
بيتاً مهجوراً يتعاوى فيه الذئاب و يلهو فيه القردة و تغرد العصافير .
ساعةً تتلألأ فيه الأنوار و تموج فيه أشعة القمر .
و ساعةً أخرى مظلماً مطموساً محطم المصابيح تسرح فيه العناكب .
مرةً تحنو عليه يد الربيع فتتفتح الزهور على نوافذه و تصدح البلابل و تغزل الديدان الحرير و تفرز النحلات الطنانة العسل.
و مرةً أخرى يأتي عليه الزلزال فلا يكاد يخلف جداراً قائماً لولا ذلك الحبل الممدود الذي ينزل بالنجدة من سماوات رحمتك .
حبل لا إله إلا أنت سبحانك .
أنت الفاعل سبحانك و أنت مجري الأقدار و الأحكام . و أنت الذي امتحنت و قويت و أضعفت و سترت و كشفت . و ما أنا إلا السلب و العدم . و كل توفيق لي كان منك و كل هداية لي كانت بفضلك و كل نور كان من نورك . ما أنا إلا العين و المحل و كل ما جرى علي من استحقاقي و كل ما أظهرت فيّ كان بعدلك و رحمتك . ما كان لي من الأمر شيء .
و هل لنا من الأمر شيء !؟
مولاي . يقولون إن أكبر الخطايا هي خطايا العارفين . و لكني أسألك يارب أين العارف أو الجاهل الذي استطاع أن يسلم من الفتنة دون رحمة منك . و أنت الذي سويت نفوسنا و خلقتها و وصفتها بأنها
( لأمارة بالسوء إلا ما رحم ربي ) .
و أين من له الحول و القوة بدونك . و هذا جبريل يقول لنبيك لا حول من معصية إلا بعصمة الله و لا قوة على طاعة الله إلا بتمكين الله .
و هل استعصم الذين استعصموا إلا بعصمتك و هل تاب الذين تابوا إلا بتوبتك . و هل استغفروا إلا بمغفرتك .
إلهي . لقد تنفست أول ما تنفست بك و نطقت بك و سمعت بك و أبصرت بك و مشيت بك و اهتديت بك . و ضللت عندما خرجت عن أمرك .
سألتك يارب بعبوديتي أن ترفع عني غضبك . فها أنا ذا و قد خلعت عن نفسي كل الدعاوي و تبرأت من كل حوْل و طوْل و لبست الذل في رحاب قدرتك .
إنك لن تضيعني و أنا عبدك .
لن تضيع عبداً ذل لربوبيتك و خشع لجلالك .
و كيف يضيع عبد عند مولىً رحيم فكيف إذا كان هذا المولى هو أرحم الراحمين .
ربّ اجذبني إليك بحبلك الممدود لأخرج من ظلمتي إلى نورك و من عدميتي إلى وجودك و من هواني إلى عزتك . فأنت العزيز حقاً الذي لن تضرك ذنوبي و لن تنفعك حسناتي .
إن كل ذنوبنا يارب لن تنقص من ملكك .
و كل حسناتنا لن تزيد من سلطانك .
فأنت أنت المتعال على كل ما خلقت المستغني عن كل ما صنعت .
و أنت القائل :
هؤلاء في الجنة و لا أبالي و هؤلاء في النار و لا أبالي .
و أنت القائل على لسان نبيك :
( ما يعبأ بكم ربي لولا دعاؤكم )
فها أنا أدعوك فلا أكف عن الدعاء . فأنا المحتاج. أنا المشكلة . و أنا المسألة .
أنا العدم و أنت الوجود فلا تضيعني .
عاوني يارب على أن اتخطى نفسي إلى نفسي . أتخطى نفسي الأمارة الطامعة في حيازة الدنيا إلى نفسي الطامعة فيك في جوارك و رحمتك و نورك و وجهك .
لقد جربت حيازة كل شيء فما ازددت إلا فقراً و كلما طاوعت رغائبي ازدادت جوعاً و إلحاحاً و تنوعاً .
حينما طاوعت شهوتي إلى المال ازددت بالغنى طمعاً و حرصاً و حينما طاوعت شهوتي إلى النساء ازددت بالإشباع عطشاً و تطلعاً إلى التلوين و التغيير . و كأنما أشرب من ماء مالح فأزداد على الشرب ظمأً على ظمأ .
و ما حسبته حرية كان عبودية و خضوعاً للحيوان المختفي تحت جلدي ثم هبوطاً إلى درك الآلية المادية و إلى سجن الضرورات و ظلمة الحشوة الطينية و غلظتها .
كنت أسقط و أنا أحسب أني أحلق و أرفرف .
و خدعني شيطاني حينما غلف هذه الرغبات بالشعر و زوقها بالخيال الكاذب و زينها بالعطور و زفها في أبهة الكلمات و بخور العواطف ، و لكن صحوة الندم كانت توقظني المرة بعد المرة على اللاشيء و الخواء .
إلهي . لم تعد الدنيا و لا نفسي الطامعة في الدنيا و لا العلوم التي تسخر لي هذه الدنيا و لا الكلمات التي احتال بها على هذه الدنيا . مرادي و لا بضاعتي .
و إنما أنت وحدك مرادي و مقصودي و مطلوبي فعاوني بك عليك و خلصني بك من سواك و أخرجني بنورك من عبوديتي لغيرك فكل طلب لغيرك خسار .
أنت أنت وحدك . و ما أرتضي مشوار هذه الدنيا إلا لدلالة هذا المشوار عليك و ما يبهرني الجمال إلا لصدوره عنك و ما أقصد الخير و لا العدل و الحرية و لا الحق إلا لأنها تجليات و أحكام أسمائك الحسنى يامن تسميت بأنك الحق .
و لكن تلك هجرة لا أقدر عليها بدونك و نظرة لا أقوى عليها بغير معونتك . فعاوني و اشدد أزري . فحسبي النية و المبادرة فذلك جهد الفقير . فليس أفقر مني . و هل بعد العدم فقر . و قد جئت إلى الدنيا معدماً و أخرج منها معدماً و أجوزها معدماً . زادي منك و قوتي منك و رؤيتي منك و نوري منك .
و اليوم جاءت الهجرة الكبرى التي أعبر فيها بحار الدنيا دون أن أبتل و أخوض نارها دون أن أحترق . فكيف السبيل إلى ذلك دون يدك مضمومة إلى يدي .
و هل يدي إلا من صنع يدك ؟ . و هل يدي إلا من يدك ؟!
و هل هناك إلا يد واحدة ؟
لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين .
سبحانك لا أرى لي يداً .
سبحانك لا أرى سواك .
لا إله إلا الله .
لا إله إلا الله حقاً و صدقاً .
و ذاتك هي واحدة الحسن .
الحسن كله منها .
و الحب كله لها .
و يدك هي واحدة المشيئة .
الفعل كله منها و القوة كلها بها و إن تعددت الأيدي في الظاهر و ظن الظانون تعدد المشيئات . و إن تعدد المحبون و تعددت المحبوبات . ما يركع الكل إلا على بابك و ما يلثم الكل إلا أعتابك . مؤمنون و كفرة . و إن ظن الكافر أنه يلثم ديناراً أو يقبل خداً فإنما هي أيادي رحمتك أو أيادي لعنتك هي ما يلثم و يقبل دون أن يدري .
و إنما هي أسماء و أفعال و أوصاف .
و المسمى واحد .
و الفاعل واحد .
و الموصوف واحد .
لا إله إلا هو .
لا إله إلا الله .
الحمد له في الأول و الآخر .
رفعت الأقلام و طويت الصحف و انتهت الكلمات. ❝