قال صديقي الدكتور:
_ألا توافقني أن الإسلام كان موقفه رجعيا مع المرأة ؟
وبدأ يعد على أصابعه
-حكاية تعدد الزوجات وبقاء المرأة في البيت .. والحجاب والطلاق
في يد الرجل .. والضرب والهجر في المضاجع .. وحكاية ما ملكت
أيمانكم .. وحكاية الرجال قوامون على النساء .. ونصيب الرجل
المضاعف في الميراث.
قلت له وأنا أستجمع نفسي:
التهم هذه المرة كثيرة .. والكلام فيها يطول .. ولنبدأ من البداية ..
من قبل الإسلام .. وأظنك تعرف تماما أن الإسلام جاء على
جاهلية ، والبنت التي تولد نصيبها الوأد والدفن في الرمل ،
والرجل يتزوج إلعشرة والعشرين ويكره جواريه على البغاء ويقبض
الثمن .. فكان ما جاء به الإسلام من إباحة الزواج بأربع تقييدا
وليس تعديدا .. وكان إنقاذ للمرأة من العار والموت والاستعباد
والمذلة.
وهل المرأة الآن في أوروبا أسعد حالا في الانحلال الشائع هناك
وتعدد العشيقات الذي أصبح واقع الأمر في أغلب الزيجات أليس
اكرم للمرأة أن تكون زوجة ثانية لمن تحب .. لها حقوق الزوجة
واحترامها من أن تكون عشيقة في السر تختلس المتعة من وراء
الجدران.
ومع ذلك فالإسلام جعل من التعدد إباحة شبه معطلة وذلك بأن
شرط شرطا صعب التحقيق وهو العدل بين النساء.
(وإن خفتم ألا تعدلوا فواحدة) .. ( ولن تستطيعوا أن تعدلوا بين
النساء ولو حرصتم )
فنفى قدرة العدل حتى عن الحريص فلم يبق إلا من هو أكثر من
حريص كالأنبياء والأولياء ومن في دربهم.
أما البقاء في البيوت فهو أمر وارد لزوجات النبي باعتبارهن مثلا
عليا.
(وقرن في بيوتكن ).
وهي إشارة إلى أن الوضع الأمثل للمرأة هي أن تكون أما وربة
بيت تفرغ لبيتها ولأولادها
ويمكن أن نتصور حال أمة نساؤها في الشوارع والمكاتب
وأطفالها في دور الحضانة والملاجئ .. أتكون أحسن حالا او امة
النساء فيها أمهات وربات بيوت والأطفال فيها يتربون في حضانة
أمهاتهم والأسرة فيها متكاملة الخدمات.
الرد واضح.
ومع ذلك فالإسلام لم يمنع المقتضيات التي تدعو إلى خروج
المرأة وعملها .. وقد كانت في الإسلام فقيهات وشاعرات .. وكانت
النساء يخرجن في الحروب .. ويخرجن للعلم.
إنما توجهت الآية إلى نساء النبي كمثل عليا ، وبين المثال
والممكن والواقع درجات متعددة
وقد خرجت نساء النبي مع النبي في غزواته.
وينسحب على هذا أن الخروج لمعونة الزوج في كفاح شريف هو
أمر لا غبار عليه.
أما الحجاب فهو لصالح المرأة.
وقد أباح الإسلام كشف الوجه واليدين وأمر بستر ما عدا ذلك.
ومعلوم أن الممنوع مرغوب وأن ستر مواطن الفتنة يزيدها جاذبية
وبين القبائل البدائية وبسبب العري الكامل يفتر الشوق تماما
وينتهي الفضول ونرى الرجل لا يخالط زوجته إلا مرة في الشهر
وإذا حملت قاطعها سنتين.
وعلى الشواطئ في الصيف حينما يتراكم اللحم العاري المباح
للعيون يفقد الجسم العريان جاذبيته وطرافته وفتنته ويصبح أمرا
عاديا لا يثير الفضول.
ولا شك أنه من صالح المرأة أن تكون مرغوبة أكثر وألا تتحول إلى
شيء عادي لا يثير.
أما حق الرجل في الطلاق فيقابله حق المرأة أيضا على الطرف
الآخر فيمكن للمرأة أن تطلب الطلاق بالمحكمة وتحصل عليه إذا
أبدت المبررات الكافية.
ويمكن للمرأة أن تشترط الاحتفاظ بعصمتها عند العقد .. وبذلك
يكون لها حق الرجل في الطلاق.
والإسلام يعطي الزوجة حقوقا لا تحصل عليها الزوجة في أوروبا –
فالزوجة عندنا تأخذ مهرا .. وعندهم تدفع دوطة ..والزوجة عندنا
لها حق التصرف في أملاكها .. وعندهم تفقد هذا الحق بمجرد
الزواج ويصبح الزوج هو القيم على أملاكها .
أما الضرب والهجر في المضاجع فهو معاملة المرأة الناشز فقط ..
أما المرأة السوية فلها عند الرجل المودة والرحمة.
والضرب والهجر في المضاجع من معجزات القرآن في فهم
النشوز .. وهو يتفق مع أحدث ما وصل إليه علم النفس العصري
في فهم المسلك المرضي للمرأة.
وكما تعلم يقسم علم النفس هذا المسلك المرضي إلى نوعين:
"المسلك الخضوعي " وهو ما يسمى في الاصطلاح العلمي "
وهو تلك الحالة المرضية التي تلتذ فيها "masochism ماسوشزم
المرأة بأن تضرب وتعذب وتكون الطرف الخاضع.
والنوع الثاني هو:
"المسلك التحكمي " وهو ما يسمى في الاصطلاح العلمي "
وهو تلك الحالة المرضية التي تلتذ فيها المرأة " sadism سادزم
بأن تتحكم وتسيطر وتتجبر وتتسلط وتوقع الأذى بالغير.
ومثل هذه المرأة لا حل لها سوى انتزاع شوكتها وكسر سلاحها
التي تتحكم به ، وسلاح المرأة أنوثتها وذلك بهجرها في المضجع
فلا يعود لها سلاح تتحكم به..
أما المرأة الأخرى التي لا تجد لذتها إلا في الخضوع والضرب فإن
الضرب لها علاج .. ومن هنا كانت كلمة القرآن:
(واهجروهن في المضاجع واضربوهن ).
اعجازا علميا وتلخيصا في كلمتين لكل ما أتى به علم النفس في
مجلدات عن المرأة الناشز وعلاجها.
أما حكاية " ما ملكت أيمانكم " التي أشار إليها السائل فإنها تجرنا
إلى قضية الرق في الإسلام .. واتهام المستشرقين للإسلام بأنه
دعا إلى الرق .. والحقيقة أن الإسلام لم يدع إلى الرق .. بل كان
الدين الوحيد الذي دعا إلى تصفية الرق.
ولو قرأنا الإنجيل .. وما قاله بولس الرسول في رسائله إلى أهل
افسس وما أوصى به العبيد لوجدناه يدعو العبيد دعوة صريحة
إلى طاعة سادتهم كما الرب.
"أيها العبيد .. أطيعوا سادتكم بخوف ورعدة في بساطة قلوبكم
كما الرب. "
ولم يأمر الإنجيل بتصفية الرق كنظام وإنما أقصى ما طالب به كان
الأمر بالمحبة وحسن المعاملة بين العبيد وسادتهم.
وفي التوراة المتداولة كان نصيب الأحرار أسوأ من نصيب العبيد ..
ومن وصايا التوراة أن البلد التي تستسلم بلا حرب يكون حظ أهلها
أن يساقوا رقيقا وأسارى والتي تدافع عن نفسها بالسيف ثم
تستسلم يعرض أهلها على السلاح ويقتل شيوخها وشبابها
ونساؤها وأطفالها ويذبحوا تذبيحا.
كان الاسترقاق إذا حقيقة ثابتة قبل مجيء الإسلام وكانت الأديان
السابقة توصي بولاء العبد لسيده.
فنزل القرآن ليكون أول كتاب سماوي يتكلم عن فك الرقاب وعتق
الرقاب.
ولم يحرم القرآن الرق بالنص والصريح .. ولم يأمر بتسريح الرقيق
.. لأن تسريحهم فجأة وبأمر قرآني في ذلك الوقت وهم مئات
الآلاف بدون صناعة وبدون عمل اجتماعي وبدون توظيف
يستوعبهم كان معناه كارثة اجتماعية وكان معناه خروج مئات
الألوف من الشحاذين في الطرقات يستجدون الناس ويمارسون
السرقة والدعارة ليجدوا اللقمة . وهو أمر أسوأ من الرق ، فكان
الحل القرآني هو قفل باب الرق ثم تصفية الموجود منه .. وكان
مصدر الرق في ذلك العصر هو استرقاق الأسرى في الحروب
فأمر القرآن بأن يطلق الأسير أو تؤخذ فيه فدية وبأن لا يؤخذ
الأسرى أرقاء.
(فإما منا بعد .. وإما فداء ).
فإما أن تمن على الأسير فتطلقه لوجه الله .. وإما تأخذ فيه فدية.
أما الرقيق الموجود بالفعل فتكون تصفيته بالتدرج وذلك بجعل فك
الرقاب وعتق الرقاب كفارة الذنوب صغيرها وكبيرها وبهذا ينتهي
الرق بالتدريج.
وإلى أن تأتي تلك النهاية فماذا تكون معاملة السيد لما ملكت
يمينه .. أباح له الإسلام أن يعاشرها كزوجته.
وهذه حكاية " ما ملكت أيمانكم " التي أشار إليها السائل ولا شك
أن معاشرة المرأة الرقيق كالزوجة كان في تلك الأيام تكريما لا
إهانة.
وينبغي ألا ننسى موقف الإسلام من العبد الرقيق وكيف جعل منه
أخا بعد أن كان عبدا يداس بالقدم.
(إنما المؤمنون إخوة ).
(هو الذي خلقكم من نفس واحدة).
(لا يتخذ بعضنا بعضا أربابا من دون الله).
وقد ضرب محمد عليه الصلاة والسلام المثل حينما تبنى عبدا
رقيقا هو زيد بن حارثة فأعتقه وجعل منه ابنه .. ثم زوجه من
الحرة سليلة البيت الشريف زينب بنت جحش.
كل هذا ليكسر هذه العنجهية والعصبية .. وليجعل من تحرير العبيد
موقفا يقتدى به .. وليقول بالفعل وبالمثال أن رسالته عتق الرقاب
أما أن الرجال قوامون على النساء فهي حقيقة في كل مكان في
البلاد الإسلامية . وفي البلاد المسيحية . وفي البلاد التي لا تعرف
إلها ولا دينا.
في موسكو الملحدة الحكام رجال من أيام لينين وستالين
وخروشوف وبولجانين إلى اليوم ، وفي فرنسا الحكام رجال ،
وفي لندن الحكام رجال ، وفي كل مكان من الأرض الرجال هم
الذين يحكمون ويشرعون ويخترعون ، وجميع الأنبياء كانوا رجالا ،
وجميع الفلاسفة كانوا رجالا ، حتى الملحنين " مع أن التلحين
صنعة خيال لا يحتاج إلى ......" رجال ، وكما يقول العقاد ساخرا :
حتى صناعة الطهي والحياكة والموضة وهي تخصصات نسائية
تفوق فيها الرجال ثم انفردوا بها .
وهي ظواهر لا دخل للشريعة الإسلامية فيها .. فهي ظواهر عامة
في كل بقاع الدنيا حيث لا تحكم شريعة إسلامية ولا يحكم قرآن.
إنما هي حقائق أن الرجل قوام على المرأة بحكم الطبيعة
واللياقة والحاكمية التي خصه بها الخالق.
وإذا ظهرت وزيرة أو زعيمة أو حاكمة فإنها تكون الطرافة التي
تروى أخبارها والإستثناء الذي يؤكد القاعدة .
والإسلام لم يفعل أكثر من أنه سجل هذه القاعدة وهذا يفسر لنا
بعد ذلك لماذا أعطى القرآن الرجل ضعف النصيب في الميراث ..
لأنه هو الذي ينفق ولأنه هو الذي يعول .. ولأنه هو الذي يعمل.
كان موقف الإسلام من المرأة هو العدل.
وكانت سيرة النبي مع نسائه هي المحبة والحنان .. الذي
يؤثر عنه قوله:
"حبب إلي من دنياكم النساء والطيب وجعلت قرة عيني في
الصلاة. "
فذكر النساء مع الطيب والعطر والصلاة وهذا غاية الإعزاز ، وكان
آخر ما قاله في آخر خطبة له قبل موته هو التوصية بالنساء.
وإذا كان الله قد اختار المرأة للبيت والرجل للشارع فلأنه عهد إلى
الرجل أمانة التعمير والبناء والإنشاء بينما عهد إلى المرأة أمانة
أكبر وأعظم هي تنشئة الإنسان نفسه.
وإنه من الأعظم لشأن المرأة أن تؤتمن على هذه الأمانة.
فهل ظلم الإسلام النساء ؟!!
من كتاب / حوار مع صديقي الملحد
للدكتور / مصطفى محمود (رحمه الله). ❝ ⏤مصطفى محمود
❞ حوار مع صديقي الملحد
قال صديقي الدكتور: _ألا توافقني أن الإسلام كان موقفه رجعيا مع المرأة ؟ وبدأ يعد على أصابعه
- حكاية تعدد الزوجات وبقاء المرأة في البيت .. والحجاب والطلاق
في يد الرجل .. والضرب والهجر في المضاجع .. وحكاية ما ملكت أيمانكم .. وحكاية الرجال قوامون على النساء .. ونصيب الرجل المضاعف في الميراث. قلت له وأنا أستجمع نفسي: التهم هذه المرة كثيرة .. والكلام فيها يطول .. ولنبدأ من البداية .. من قبل الإسلام .. وأظنك تعرف تماما أن الإسلام جاء على جاهلية ، والبنت التي تولد نصيبها الوأد والدفن في الرمل ، والرجل يتزوج إلعشرة والعشرين ويكره جواريه على البغاء ويقبض الثمن .. فكان ما جاء به الإسلام من إباحة الزواج بأربع تقييدا وليس تعديدا .. وكان إنقاذ للمرأة من العار والموت والاستعباد والمذلة. وهل المرأة الآن في أوروبا أسعد حالا في الانحلال الشائع هناك وتعدد العشيقات الذي أصبح واقع الأمر في أغلب الزيجات أليس اكرم للمرأة أن تكون زوجة ثانية لمن تحب .. لها حقوق الزوجة واحترامها من أن تكون عشيقة في السر تختلس المتعة من وراء الجدران. ومع ذلك فالإسلام جعل من التعدد إباحة شبه معطلة وذلك بأن شرط شرطا صعب التحقيق وهو العدل بين النساء. (وإن خفتم ألا تعدلوا فواحدة) .. ( ولن تستطيعوا أن تعدلوا بين النساء ولو حرصتم ) فنفى قدرة العدل حتى عن الحريص فلم يبق إلا من هو أكثر من حريص كالأنبياء والأولياء ومن في دربهم. أما البقاء في البيوت فهو أمر وارد لزوجات النبي باعتبارهن مثلا عليا. (وقرن في بيوتكن ). وهي إشارة إلى أن الوضع الأمثل للمرأة هي أن تكون أما وربة بيت تفرغ لبيتها ولأولادها ويمكن أن نتصور حال أمة نساؤها في الشوارع والمكاتب وأطفالها في دور الحضانة والملاجئ .. أتكون أحسن حالا او امة النساء فيها أمهات وربات بيوت والأطفال فيها يتربون في حضانة أمهاتهم والأسرة فيها متكاملة الخدمات. الرد واضح. ومع ذلك فالإسلام لم يمنع المقتضيات التي تدعو إلى خروج المرأة وعملها .. وقد كانت في الإسلام فقيهات وشاعرات .. وكانت النساء يخرجن في الحروب .. ويخرجن للعلم. إنما توجهت الآية إلى نساء النبي كمثل عليا ، وبين المثال والممكن والواقع درجات متعددة وقد خرجت نساء النبي مع النبي في غزواته. وينسحب على هذا أن الخروج لمعونة الزوج في كفاح شريف هو أمر لا غبار عليه. أما الحجاب فهو لصالح المرأة. وقد أباح الإسلام كشف الوجه واليدين وأمر بستر ما عدا ذلك. ومعلوم أن الممنوع مرغوب وأن ستر مواطن الفتنة يزيدها جاذبية وبين القبائل البدائية وبسبب العري الكامل يفتر الشوق تماما وينتهي الفضول ونرى الرجل لا يخالط زوجته إلا مرة في الشهر وإذا حملت قاطعها سنتين. وعلى الشواطئ في الصيف حينما يتراكم اللحم العاري المباح للعيون يفقد الجسم العريان جاذبيته وطرافته وفتنته ويصبح أمرا عاديا لا يثير الفضول. ولا شك أنه من صالح المرأة أن تكون مرغوبة أكثر وألا تتحول إلى شيء عادي لا يثير. أما حق الرجل في الطلاق فيقابله حق المرأة أيضا على الطرف الآخر فيمكن للمرأة أن تطلب الطلاق بالمحكمة وتحصل عليه إذا أبدت المبررات الكافية. ويمكن للمرأة أن تشترط الاحتفاظ بعصمتها عند العقد .. وبذلك يكون لها حق الرجل في الطلاق. والإسلام يعطي الزوجة حقوقا لا تحصل عليها الزوجة في أوروبا – فالزوجة عندنا تأخذ مهرا .. وعندهم تدفع دوطة ..والزوجة عندنا لها حق التصرف في أملاكها .. وعندهم تفقد هذا الحق بمجرد الزواج ويصبح الزوج هو القيم على أملاكها . أما الضرب والهجر في المضاجع فهو معاملة المرأة الناشز فقط .. أما المرأة السوية فلها عند الرجل المودة والرحمة. والضرب والهجر في المضاجع من معجزات القرآن في فهم النشوز .. وهو يتفق مع أحدث ما وصل إليه علم النفس العصري في فهم المسلك المرضي للمرأة. وكما تعلم يقسم علم النفس هذا المسلك المرضي إلى نوعين: "المسلك الخضوعي " وهو ما يسمى في الاصطلاح العلمي " وهو تلك الحالة المرضية التي تلتذ فيها "masochism ماسوشزم المرأة بأن تضرب وتعذب وتكون الطرف الخاضع. والنوع الثاني هو: "المسلك التحكمي " وهو ما يسمى في الاصطلاح العلمي " وهو تلك الحالة المرضية التي تلتذ فيها المرأة " sadism سادزم بأن تتحكم وتسيطر وتتجبر وتتسلط وتوقع الأذى بالغير. ومثل هذه المرأة لا حل لها سوى انتزاع شوكتها وكسر سلاحها التي تتحكم به ، وسلاح المرأة أنوثتها وذلك بهجرها في المضجع فلا يعود لها سلاح تتحكم به.. أما المرأة الأخرى التي لا تجد لذتها إلا في الخضوع والضرب فإن الضرب لها علاج .. ومن هنا كانت كلمة القرآن: (واهجروهن في المضاجع واضربوهن ). اعجازا علميا وتلخيصا في كلمتين لكل ما أتى به علم النفس في مجلدات عن المرأة الناشز وعلاجها. أما حكاية " ما ملكت أيمانكم " التي أشار إليها السائل فإنها تجرنا إلى قضية الرق في الإسلام .. واتهام المستشرقين للإسلام بأنه دعا إلى الرق .. والحقيقة أن الإسلام لم يدع إلى الرق .. بل كان الدين الوحيد الذي دعا إلى تصفية الرق. ولو قرأنا الإنجيل .. وما قاله بولس الرسول في رسائله إلى أهل افسس وما أوصى به العبيد لوجدناه يدعو العبيد دعوة صريحة إلى طاعة سادتهم كما الرب. "أيها العبيد .. أطيعوا سادتكم بخوف ورعدة في بساطة قلوبكم كما الرب. " ولم يأمر الإنجيل بتصفية الرق كنظام وإنما أقصى ما طالب به كان الأمر بالمحبة وحسن المعاملة بين العبيد وسادتهم. وفي التوراة المتداولة كان نصيب الأحرار أسوأ من نصيب العبيد .. ومن وصايا التوراة أن البلد التي تستسلم بلا حرب يكون حظ أهلها أن يساقوا رقيقا وأسارى والتي تدافع عن نفسها بالسيف ثم تستسلم يعرض أهلها على السلاح ويقتل شيوخها وشبابها ونساؤها وأطفالها ويذبحوا تذبيحا. كان الاسترقاق إذا حقيقة ثابتة قبل مجيء الإسلام وكانت الأديان السابقة توصي بولاء العبد لسيده. فنزل القرآن ليكون أول كتاب سماوي يتكلم عن فك الرقاب وعتق الرقاب. ولم يحرم القرآن الرق بالنص والصريح .. ولم يأمر بتسريح الرقيق .. لأن تسريحهم فجأة وبأمر قرآني في ذلك الوقت وهم مئات الآلاف بدون صناعة وبدون عمل اجتماعي وبدون توظيف يستوعبهم كان معناه كارثة اجتماعية وكان معناه خروج مئات الألوف من الشحاذين في الطرقات يستجدون الناس ويمارسون السرقة والدعارة ليجدوا اللقمة . وهو أمر أسوأ من الرق ، فكان الحل القرآني هو قفل باب الرق ثم تصفية الموجود منه .. وكان مصدر الرق في ذلك العصر هو استرقاق الأسرى في الحروب فأمر القرآن بأن يطلق الأسير أو تؤخذ فيه فدية وبأن لا يؤخذ الأسرى أرقاء. (فإما منا بعد .. وإما فداء ). فإما أن تمن على الأسير فتطلقه لوجه الله .. وإما تأخذ فيه فدية. أما الرقيق الموجود بالفعل فتكون تصفيته بالتدرج وذلك بجعل فك الرقاب وعتق الرقاب كفارة الذنوب صغيرها وكبيرها وبهذا ينتهي الرق بالتدريج. وإلى أن تأتي تلك النهاية فماذا تكون معاملة السيد لما ملكت يمينه .. أباح له الإسلام أن يعاشرها كزوجته. وهذه حكاية " ما ملكت أيمانكم " التي أشار إليها السائل ولا شك أن معاشرة المرأة الرقيق كالزوجة كان في تلك الأيام تكريما لا إهانة. وينبغي ألا ننسى موقف الإسلام من العبد الرقيق وكيف جعل منه أخا بعد أن كان عبدا يداس بالقدم. (إنما المؤمنون إخوة ). (هو الذي خلقكم من نفس واحدة). (لا يتخذ بعضنا بعضا أربابا من دون الله). وقد ضرب محمد عليه الصلاة والسلام المثل حينما تبنى عبدا رقيقا هو زيد بن حارثة فأعتقه وجعل منه ابنه .. ثم زوجه من الحرة سليلة البيت الشريف زينب بنت جحش. كل هذا ليكسر هذه العنجهية والعصبية .. وليجعل من تحرير العبيد موقفا يقتدى به .. وليقول بالفعل وبالمثال أن رسالته عتق الرقاب أما أن الرجال قوامون على النساء فهي حقيقة في كل مكان في البلاد الإسلامية . وفي البلاد المسيحية . وفي البلاد التي لا تعرف إلها ولا دينا. في موسكو الملحدة الحكام رجال من أيام لينين وستالين وخروشوف وبولجانين إلى اليوم ، وفي فرنسا الحكام رجال ، وفي لندن الحكام رجال ، وفي كل مكان من الأرض الرجال هم الذين يحكمون ويشرعون ويخترعون ، وجميع الأنبياء كانوا رجالا ، وجميع الفلاسفة كانوا رجالا ، حتى الملحنين " مع أن التلحين صنعة خيال لا يحتاج إلى ......" رجال ، وكما يقول العقاد ساخرا : حتى صناعة الطهي والحياكة والموضة وهي تخصصات نسائية تفوق فيها الرجال ثم انفردوا بها . وهي ظواهر لا دخل للشريعة الإسلامية فيها .. فهي ظواهر عامة في كل بقاع الدنيا حيث لا تحكم شريعة إسلامية ولا يحكم قرآن. إنما هي حقائق أن الرجل قوام على المرأة بحكم الطبيعة واللياقة والحاكمية التي خصه بها الخالق. وإذا ظهرت وزيرة أو زعيمة أو حاكمة فإنها تكون الطرافة التي تروى أخبارها والإستثناء الذي يؤكد القاعدة . والإسلام لم يفعل أكثر من أنه سجل هذه القاعدة وهذا يفسر لنا بعد ذلك لماذا أعطى القرآن الرجل ضعف النصيب في الميراث .. لأنه هو الذي ينفق ولأنه هو الذي يعول .. ولأنه هو الذي يعمل. كان موقف الإسلام من المرأة هو العدل. وكانت سيرة النبي مع نسائه هي المحبة والحنان .. الذي يؤثر عنه قوله: "حبب إلي من دنياكم النساء والطيب وجعلت قرة عيني في الصلاة. " فذكر النساء مع الطيب والعطر والصلاة وهذا غاية الإعزاز ، وكان آخر ما قاله في آخر خطبة له قبل موته هو التوصية بالنساء. وإذا كان الله قد اختار المرأة للبيت والرجل للشارع فلأنه عهد إلى الرجل أمانة التعمير والبناء والإنشاء بينما عهد إلى المرأة أمانة أكبر وأعظم هي تنشئة الإنسان نفسه. وإنه من الأعظم لشأن المرأة أن تؤتمن على هذه الأمانة. فهل ظلم الإسلام النساء ؟!!
من كتاب / حوار مع صديقي الملحد للدكتور / مصطفى محمود (رحمه الله) . ❝
معناه أن العدل موجود و الرحمة موجودة و المغفرة موجودة
معناه أن يطمئن القلب و ترتاح النفس و يسكن الفؤاد و يزول القلق فالحق لابد واصل لأصحابه
معناه لن تذهب الدموع سدى و لن يمضي الصبر بلا ثمرة و لن يكون الخير بلا مقابل و لن يمر الشر بلا رادع و لن تفلت الجريمة بلا قصاص
معناه أن الكرم هو الذي يحكم الوجود و ليس البخل .. و ليس من طبع الكريم أن يسلب ما يعطيه .. فإذا كان الله منحنا الحياة ، فهو لا يمكن أن يسلبها بالموت .. فلا يمكن أن يكون الموت سلبا للحياة .. و إنما هو انتقال بها إلى حياة أخرى بعد الموت ثم حياة أخرى بعد البعث ثم عروج في السماوات إلى ما لا نهاية
معناه أنه لا عبث في الوجود و إنما حكمة في كل شيء.. و حكمة من وراء كل شيء .. و حكمة في خلق كل شيء .. في الألم حكمة و في المرض الحكمة و في العذاب حكمة و في المعاناة حكمة و في القبح حكمة و في الفشل حكمة و في العجز حكمة و في القدرة حكمة
معناه ألا يكف الإعجاب و ألا تموت الدهشة و ألا يفتر الانبهار و ألا يتوقف الإجلال
فنحن أمام لوحة متجددة لأعظم المبدعين
معناه أن تسبح العين و تكبر الأذن و يحمد اللسان و يتيه الوجدان و يبهت الجنان
معناه أن يتدفق القلب بالمشاعر و تحتفل الأحاسيس بكل لحظة و تزف الروح كل يوم جديد كأنه عرس جديد
معناه ألا نعرف اليأس و لا نذوق القنوط
معناه أن تذوب همومنا في كنف رحمة الرحيم و مغفرة الغفار
ألا يقول لنا ربنا (( إن مع العسر يسرا )) .. و أن الضيق يأتي و في طياته الفرج فأي بشرى أبعث للاطمئنان من هذه البشرى
و لأن الله سبحانه واحد .. فلن يوجد في الوجود إله آخر ينقض وعده و لن ننقسم على أنفسنا و لن تتوزعنا الجهات و لن نتشتت بين ولاء لليمين و ولاء لليسار و تزلف للشرق و تزلف للغرب و توسل للأغنياء و ارتماء على أعتاب الأقوياء .. فكل القوة عنده و كل الغنى عنده و كل العلم عنده و كل ما نطمح إليه بين يديه .. و الهرب ليس منه بل إليه .. فهو الوطن و الحمى و الملجأ و المستند و الرصيد و الباب و الرحاب
و ذلك الإحساس معناه السكن و الطمأنينة و راحة البال و التفاؤل و الهمة و الإقبال و النشاط و العمل بلا ملل و بلا فتور و بلا كسل و تلك ثمرة ((لا إله إلا الله)) في نفس قائلها الذي يشعر بها و يتمثلها ، و يؤمن بها و يعيشها و تلك هي أخلاق المؤمن بلا إله إلا الله
و تلك هي الصيدلية التي تداوي كل أمراض النفوس و تشفى كل علل العقول و تبرئ كل أدواء القلوب
و تلك هي صيحة التحرير التي تحطم أغلال الأيدي و الأرجل و الأعناق و هي أيضاً مفتاح الطاقة المكنوزة في داخلنا و كلمة السر التي تحرك الجبال و تشق البحور و تغير ما لا يتغير
و لم يخلق إلى الآن العقار السحري الذي يحدث ذرة واحدة من هذا الأثر في النفس و كل عقاقير الأعصاب تداوي شيئاً و تفسد معه ألف شيء آخر .. و هي تداوي بالوهم و تريح الإنسان بأن تطفئ مصابيح عقله و تنومه و تخدره و تلقى به إلى قاع البحر موثوقا بحجر مغمى عليه شبه جثة
أما كلمة لا إله إلا الله فإنها تطلق الإنسان من عقاله و تحرره من جميع العبوديات الباطلة و تبشره بالمغفرة و تنجيه من الخوف و تحفظه من الوسواس و تؤيده بالملأ الأعلى و تجعله أطول من السماء هامة و أرسخ من الأرض ثباتا.. فمن استودع همه و غمه عند الله بات على ثقة و نام ملء جفنيه .
و لأن الله هو خالق الكون و مقدر الأقدار و محرك المصائر .. فليس في الإمكان أبدع مما كان .. لأنه المبدع بلا شبيه .. لا يفوقه في صنعته أحد .. فلن تعود الدنيا مسرحاً دموياً للشرور و إنما درساً رفيعاً من دروس الحكمة
و لأن الله موجود فإنك لست وحدك.. و إنما تحف بك العناية حيث سرت و تحرسك المشيئة حيث حللت
و ذلك معناه شعور مستمر بالإئتناس و الصحبة و الأمان .. لا هجر .. و لا غدر .. و لا ضياع .. و لا وحدة .. و لا وحشة و لا اكتئاب و ذلك حال أهل لا إله إلا الله ، يذوقون شميم الجنة في الدنيا قبل أن يدخلوها في الآخرة و هم الملوك بلا عروش و بلا صولجان.. و هم الراسخون المطمئنون الثابتون لا تزلزهم الزلازل و لا تحركهم النوازل
تلك هي الصيدلية الإلهية لكل من داهمه القلق .. فيها علاجه الوحيد .. و فيها الإكسير و الترياق و ماء الحياة الذي لا يظمأ بعده شاربه .. و فيها الرصيد الذهبي و المستند لكل ما نتبادل على الأرض من عملات ورقية زائلة متبدلة .. و فيها البوصلة و المؤشر و الدليل
و فيها الدواء لكل داء
■ ■ ■
من كتاب : علم نفس قرآني جديد
للدكتور / مصطفى محمود (رحمه الله ). ❝ ⏤مصطفى محمود
❞ هل تعلمون ما معنى أن الله موجود ؟
معناه أن العدل موجود و الرحمة موجودة و المغفرة موجودة معناه أن يطمئن القلب و ترتاح النفس و يسكن الفؤاد و يزول القلق فالحق لابد واصل لأصحابه
معناه لن تذهب الدموع سدى و لن يمضي الصبر بلا ثمرة و لن يكون الخير بلا مقابل و لن يمر الشر بلا رادع و لن تفلت الجريمة بلا قصاص
معناه أن الكرم هو الذي يحكم الوجود و ليس البخل .. و ليس من طبع الكريم أن يسلب ما يعطيه .. فإذا كان الله منحنا الحياة ، فهو لا يمكن أن يسلبها بالموت .. فلا يمكن أن يكون الموت سلبا للحياة .. و إنما هو انتقال بها إلى حياة أخرى بعد الموت ثم حياة أخرى بعد البعث ثم عروج في السماوات إلى ما لا نهاية
معناه أنه لا عبث في الوجود و إنما حكمة في كل شيء.. و حكمة من وراء كل شيء .. و حكمة في خلق كل شيء .. في الألم حكمة و في المرض الحكمة و في العذاب حكمة و في المعاناة حكمة و في القبح حكمة و في الفشل حكمة و في العجز حكمة و في القدرة حكمة
معناه ألا يكف الإعجاب و ألا تموت الدهشة و ألا يفتر الانبهار و ألا يتوقف الإجلال
فنحن أمام لوحة متجددة لأعظم المبدعين
معناه أن تسبح العين و تكبر الأذن و يحمد اللسان و يتيه الوجدان و يبهت الجنان معناه أن يتدفق القلب بالمشاعر و تحتفل الأحاسيس بكل لحظة و تزف الروح كل يوم جديد كأنه عرس جديد
معناه ألا نعرف اليأس و لا نذوق القنوط معناه أن تذوب همومنا في كنف رحمة الرحيم و مغفرة الغفار
ألا يقول لنا ربنا (( إن مع العسر يسرا )) .. و أن الضيق يأتي و في طياته الفرج فأي بشرى أبعث للاطمئنان من هذه البشرى
و لأن الله سبحانه واحد .. فلن يوجد في الوجود إله آخر ينقض وعده و لن ننقسم على أنفسنا و لن تتوزعنا الجهات و لن نتشتت بين ولاء لليمين و ولاء لليسار و تزلف للشرق و تزلف للغرب و توسل للأغنياء و ارتماء على أعتاب الأقوياء .. فكل القوة عنده و كل الغنى عنده و كل العلم عنده و كل ما نطمح إليه بين يديه .. و الهرب ليس منه بل إليه .. فهو الوطن و الحمى و الملجأ و المستند و الرصيد و الباب و الرحاب
و ذلك الإحساس معناه السكن و الطمأنينة و راحة البال و التفاؤل و الهمة و الإقبال و النشاط و العمل بلا ملل و بلا فتور و بلا كسل و تلك ثمرة ((لا إله إلا الله)) في نفس قائلها الذي يشعر بها و يتمثلها ، و يؤمن بها و يعيشها و تلك هي أخلاق المؤمن بلا إله إلا الله
و تلك هي الصيدلية التي تداوي كل أمراض النفوس و تشفى كل علل العقول و تبرئ كل أدواء القلوب
و تلك هي صيحة التحرير التي تحطم أغلال الأيدي و الأرجل و الأعناق و هي أيضاً مفتاح الطاقة المكنوزة في داخلنا و كلمة السر التي تحرك الجبال و تشق البحور و تغير ما لا يتغير
و لم يخلق إلى الآن العقار السحري الذي يحدث ذرة واحدة من هذا الأثر في النفس و كل عقاقير الأعصاب تداوي شيئاً و تفسد معه ألف شيء آخر .. و هي تداوي بالوهم و تريح الإنسان بأن تطفئ مصابيح عقله و تنومه و تخدره و تلقى به إلى قاع البحر موثوقا بحجر مغمى عليه شبه جثة
أما كلمة لا إله إلا الله فإنها تطلق الإنسان من عقاله و تحرره من جميع العبوديات الباطلة و تبشره بالمغفرة و تنجيه من الخوف و تحفظه من الوسواس و تؤيده بالملأ الأعلى و تجعله أطول من السماء هامة و أرسخ من الأرض ثباتا.. فمن استودع همه و غمه عند الله بات على ثقة و نام ملء جفنيه .
و لأن الله هو خالق الكون و مقدر الأقدار و محرك المصائر .. فليس في الإمكان أبدع مما كان .. لأنه المبدع بلا شبيه .. لا يفوقه في صنعته أحد .. فلن تعود الدنيا مسرحاً دموياً للشرور و إنما درساً رفيعاً من دروس الحكمة
و لأن الله موجود فإنك لست وحدك.. و إنما تحف بك العناية حيث سرت و تحرسك المشيئة حيث حللت
و ذلك معناه شعور مستمر بالإئتناس و الصحبة و الأمان .. لا هجر .. و لا غدر .. و لا ضياع .. و لا وحدة .. و لا وحشة و لا اكتئاب و ذلك حال أهل لا إله إلا الله ، يذوقون شميم الجنة في الدنيا قبل أن يدخلوها في الآخرة و هم الملوك بلا عروش و بلا صولجان.. و هم الراسخون المطمئنون الثابتون لا تزلزهم الزلازل و لا تحركهم النوازل
تلك هي الصيدلية الإلهية لكل من داهمه القلق .. فيها علاجه الوحيد .. و فيها الإكسير و الترياق و ماء الحياة الذي لا يظمأ بعده شاربه .. و فيها الرصيد الذهبي و المستند لكل ما نتبادل على الأرض من عملات ورقية زائلة متبدلة .. و فيها البوصلة و المؤشر و الدليل
❞ عجيب أمرنا نحن المسلمين !.. نعبد إلها واحدا.. و نطوف حول كعبة واحدة.. و نتوجه في صلاتنا إلى قبلة واحدة.. و نصطف في المسجد صفا واحدا.. و نقول جميعا: آمين.. في نفس واحد.. و مع ذلك لكل منا إسلام خاص به، يختلف عن إسلام الآخر ! و كل منا يفهم الإسلام على طريقته، و يباشره في حياته بمفهومه الخاص !
و قد تفرقت الجماعة الإسلامية إلى سنة و شيعة و أباضية و دروز، بل إن الشيعة نفسها تفرقت إلى زيدية و اثنى عشرية و إسماعيلية و علوية و بهرة و بكتاشية، و خرج منها غلاة عبدوا عليا، و رأوا فيه ابنا لله، و اعتقدوا أن الرسالة أخطأته و نزلت على محمد ! و الأكثرية التزمت جانب الاعتدال و قالت: بل كان أولى بالخلافة.. و لم تزد.. و بين هؤلاء و هؤلاء تعددت الفرق و بعيدا عن الطريق و المذهب اختلف الناس بين مدخلين للإسلام.. المدخل السلفي الأصولي، و المدخل الصوفي.
و في المدخل السلفي تمادى الأصوليون في الشكلية و في الالتزام الحرفي بالنصوص، و في ظاهر سلوكيات المسلم: طريقة إطلاقه لحيته، و تقصيره جلبابه.. و للمرأة: نقابها و حجابها.. و هي الشريعة ذاتها.. بينما اهتمت الصوفية بتطهير الباطن، و مجاهدة النفس، و التربية الخلقية و تحصيل المقامات.. مقامات التوبة و الإخلاص و الصدق و الصبر و الشكر و المراقبة و المحاسبة و التقوى و الورع.. و تركت الظاهر لأهل الظاهر، و قالوا: نحن عمدتنا القلب، و غايتنا اللب و ليس القشر.
و الكل مسلمون و لكن شتان بين فهم و فهم !
و أنا أرى الآن أن القرآن لم ينحصر في أي من هذين المسلكين، بل كان في مجموع آياته يمثل الوسط العدل بينهما، و الجامع الأمين بين طهارة الظاهر و طهارة الباطن.. و أن المذهبية و الحزبية أفسدت الإسلام تماما.
و القرآن في مجموع آياته شيء غير القرآن في آية واحدة مبتورة من سياقها، أو بضع آيات نزلت في مناسبة، أو حكم متشدد نزل في ضرورته.
و لا يمكن فهم الإسلام إلا من خلال القرآن كله بمجموع آياته.. فهو يفسر بعضه بعضا، و ما غمض في آية توضحه آية أخرى، و ما أجمل في آية تفصله آية ثانية.
و التشديد لا يجيء في القرآن إلا لضرورة.. أما السياق القرآني العام.........؟
فهو العفو و المغفرة و السماحة.
((.. هُوَ اجْتَبَاكُمْ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ مِّلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمينَ مِن قَبْلُ.. )) [ الحج : 78 ]
((لَيْسَ عَلَى الْأَعْمَى حَرَجٌ وَلَا عَلَى الْأَعْرَجِ حَرَجٌ وَلَا عَلَى الْمَرِيضِ حَرَجٌ )) [ النور : 61 ]
و سلوك النبي عليه الصلاة و السلام (( و هو المؤشر إلى التفسير الصحيح للقرآن )) هو الحلم بعينه، لا تزمت و لا تشدد و تنطع، و لا وقوف عند الفهم الحرفي للنصوص.. و كمثال: حكاية الرجل الذي جاء يحكي للرسول كيف اختلى بامرأة و نال منها ما يبتغي دون مباشرة.. فأطرق النبي – عليه الصلاة و السلام – و لم يعلق و قام للصلاة، فنزلت الآية:
(( وَأَقِمِ الصَّلاَةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِّنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ (114) )) [ هود ]
فنصح الرجل بالصلاة و الإكثار من النوافل، و لم يقم عليه النبي حد الزنا رغم اعترافه، و اعتبر ما حدث من (( اللمم ))، أي الذنوب التي تغفر، و التي تجبرها الصلاة و التوبة.
و يذكرنا هذا بالمسيح – عليه السلام – حينما رفض أن يرجم (( المجدلية )) الزانية، و قال لمن حوله: من كان منكم بلا خطيئة فليرمها بحجر !
و لم يشهد المسيح و لا نبينا – عليهما الصلاة و السلام – من بعده ذلك العصر الرديء الذي نعيش فيه، و الذي تدعو فيه أجهزة الإعلام و أغاني الإذاعة و أفلام السينما و تمثيليات التليفزيون – إلى العلاقات الحرة.. و الأقمار الفضائية التي تباشر الزنا علنا، و جهارا نهارا، و تغري الشباب بالصورة و الكلمة و الحركة إلى المسارعة في قضاء الشهوات، و إلى التسابق في المتع الحرام !
ماذا يكون موقف الشريعة من هذا العصر الذي شاعت فيه البلوى ؟!!
و ماذا يفعل الشباب.. و الزواج بعيد المنال.. هل يدخل في جب تحت الأرض ؟!!
و هل شبابنا في هذا الحال جناة، أم مجني عليهم ؟!
و فقه شيوع البلوى له مكان في شريعتنا، عملا بالمبدأ القرآني، حينما كانت الخمر بلاء شائعا في أول الدعوة، فنزلت الآيات مخففة، تعاتب شارب الخمر و لا تغلظ عليه، و تتدرج في التحريم على مراحل.. و يذكرنا هذا بالفقيه الإسلامي الذي سألوه أن يقيم حد الخمر على الحاكم التتري – و ذلك بعد إسلامه – فرفض، و آثر تركه في غيبوبة السكر ليكف ظلمه عن الناس، و قال: إن تطبيق الشريعة عليه و امتناعه عن الشرب و عودته إلى وعيه و عافيته، سوف تؤدي إلى منكر أشد، بعودته إلى جبروته و ظلمه.
و في هذا يقول العوام: (( نوم الظالم عبادة )) !
و منذ ذلك اليوم سارت كلمة ذلك الفقيه مثلا.. و أصبحت مبدأ مقررا من مبادئ الاجتهاد: له أنصاره.. إنه إذا أدى تطبيق الشريعة إلى منكر أشد كان عدم تطبيقها أولى.. و أنه لابد من فهم الشريعة الإسلامية في إطار مراد الله بها، و قصده من نزولها، و هو صلاح أمر العباد و ليس شقاءهم. فالله تعالى يقول:
(( ما أنزلنا عليك القرآن لتشقى )).. و هكذا كان شأن الاجتهاد عند المفسرين الأوائل.. و هكذا كان شأن العقل و الفهم و التدبر و التفكر.. و لم يظهر التشدد و التحجر و الانغلاق على الألفاظ، إلا مع قرون التخلف و توقف الاجتهاد، و ظهور الدعوات الأصولية التي تزايد على بعضها، و يسابق بعضها بعضا في الغلظة و في الرجم و الجلد.
و ليس في كلامنا تهوين من أمر الشريعة، فهي حبة قلب المسلم و سواد عينيه، و لا يملك المسلم العابد أمام كلمة ربه إلا السمع و الطاعة.. و إنما هي الغيرة على الكلمة و قداستها من أن تفهم على غير وجهها، و تستعمل في غير حقها، فتكون ذريعة إلى ظلم بريء.. بل نحن أشد حبا للشريعة من الذين يطبقونها في عمى.
و لقد تكاثر دعاة الأصولية الغلاظ، و تنافسوا في القسوة و في مطاردة المسلمين و إرهابهم بالنصوص، حتى نفروهم من دينهم !
و الله يعلم مسبقا ماذا سيكون شأن هذا العصر الذي نعيشه، من شيوع البلوى فيه، و من انتشار الفساد و الفقر و البطالة و الانحلال، و تكالب الأعداء على الإسلام من كل جانب، و هوان حال المسلمين و انقسامهم و تشتتهم و بوارهم.
و كل هذا يكشف عن عمق القرآن و رحابته و تعدد آفاقه، بحيث تغطي آياته التشريعية كل العصور.. و يكشف عن روح التسامح و إيثار فهم التشريع على الوجه الأصلح لحياة المسلمين.
و هو يكشف أيضا عن المرونة و عدم الجمود، و رفض الغلظة إلا في ضرورتها القصوى حين يقتل القاتل ظلما و بغيا فيتوجب القصاص.. و لهذا اختلف الناس أمام فهم القرآن ، و انعكست نفس كل قارئ في لون تفسيره.. فغلاظ القوم لم يشهدوا من القرآن إلا آيات النكال.. و الرحماء شهدوا رحابة التشريع، و انفساح آفاق التفسير أمام الفهم الأرحب و الأرحم.. و اختلفوا، و الكتاب الذي يقرأونه واحد.. و ما اختلفوا بسبب الكتاب بل بسبب نفوسهم ! و هذه مشكلة الحكومات الأصولية و الفرق المتشددة، و مرضى النفوس و مرضى القلوب، و هواة التشفي من كل جنس !
و لقد نزلت الآيات بهذا التلوين لتمتحن القلوب، و لتمتحن النفوس، و لتختبر المعادن.. و القرآن هو الشاهد على الكل، و هو الحجة.. و لا يصلح القرآن ذريعة لظلم أو جبروت، بل هو قاموس الرحمة بعينه.
و المختلفون من أهل الشقاق و النفاق شهدت أعمالهم على كفرهم.. فما اختاروا بغلظتهم القرآن حكما، بل اختاروا نفوسهم، و آثروا رغباتهم الانتقامية، و اتخذوا من القرآن ستارا و ذريعة لقساوتهم !
و صدق الله العظيم في خطابه لرسوله:
(( مَا أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَى (2) )) [ طه ]
فالقرآن هو الباب إلى النعيم، و لا يمكن أن يكون بابا للشقاء، و لا بابا لكل هذا الخلاف و الفرقة و الانقسام.. و لا بابا لكل هذا الإرهاب و الإجرام و القساوة.. و إنما اختلفت النفوس التي تقرأ و تفهم و تفسر.
و لهذا قال ربنا عن قرآنه:
(( يُضِلُّ بِهِ كَثِيراً وَيَهْدِي بِهِ كَثِيراً وَمَا يُضِلُّ بِهِ إِلاَّ الْفَاسِقِينَ (26) )) [ البقرة ]
و ما أكثر فساق و مجرمي هذا الزمان، الذين اتخذوا من القرآن ذريعة لإجرامهم و ستارا لإرهابهم ! و هؤلاء هم الذين أضلهم الله بقرآنه.. و كشفهم أمام الناس و أمام نفوسهم، و فضح ضلالهم و كفرهم.
و لا مفر من الاختلاف، بحكم اختلاف النفوس و اختلاف الطبائع، قال ربنا عن الناس:
((.. وَلاَ يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ (118) إِلاَّ مَن رَّحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ لأَمْلأنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ (119) )) [ هود ]
و هذا الاختلاف أزلي، من قبل أن تولد النفوس و تجيء إلى الدنيا، و سببه ثبوت وصف تلك النفوس في علم الله من الأزل، و هذا الوصف هو ما أرادته النفوس لنفسها أزلا، و ليس ما أراده الله لها. فالله لا يريد إلا الخير لكل الخلق.. و لقد فطر البشر على الحرية و الاختيار، و كانت النتيجة أن اختلفوا حسب أهوائهم.
قال ربنا: (( و لذلك خلقهم )) ليميز الخبيث من الطيب، و لتكون خاتمة كل مخلوق على وفاق نيته.
و كانت العاقبة في النهاية أن امتلأت بهم جهنم، و لم يدخل الجنة إلا القليل، و استلزم الأمر (( الفرز )) و التصنيف، و تفاضل الرتب و المنازل، لأن هذا كان مقتضى العدل، و الله أعدل العادلين.
و كان البديل الآخر أن يستووا عند الله رغم اختلافهم.. أن يستوي القاتل و القتيل، و الظالم و المظلوم، و أن يستوي البر و الفاجر، و هو الأمر المحال !
تعالى ربنا عن مثل ذلك العبث علوا كبيرا.
قال ربنا: (( و لا يزالون مختلفين إلا من رحم ربك )).. و معنى ذلك أن داخل الجنة لن يدخلها بعمله وحده بل بفضل الله و رحمته، و تلك هي النسمة الربيعية الجميلة التي تهب من أول صفحة في القرآن إلى آخر صفحة.. من أول مفتتح الفاتحة.. بسم الله الرحمن الرحيم.. إلى آخر كلمة.. و الحمد لله رب العالمين بعد أن يتم الحساب. و لقد اختار ربنا لرحمته من استحقها من الخلق.. و هو أعلم بقلوب خلقه، و لولا رحمة ربك لهلكنا جميعا.
و بين النار و الجنة ذلك الخيط الرفيع بين المؤتلف و المختلف.. بين الذين أسلموا للحق و انسجموا معه في كتيبة الخير، و بين الذين أعرضوا و تفرقوا و اقتتلوا.. و ليس بالشعارات و لا بالبطاقات سيكون دخول الجنة ! فما أكثر الذين حملوا شعار لا إله إلا الله و خانوه، و حملوا بطاقة المسلم و لم يسلموا لشيء سوى هوى نفوسهم !
و تظل الوسطية و الاعتدال هي النغمة القرآنية السائدة من أول آياته إلى آخرها.. و الذين تطرفوا في الأخذ بالظاهر، و الذين تطرفوا في الأخذ بالباطن – إنما أخذوا من القرآن ما ناسبهم، و لم يأخذوا به كله.
و محمد – عليه الصلاة و السلام – و هو القرآن الحي الذي يمشي على الأرض – ما عرفناه إرهابيا، و لا عرفناه مجذوبا غائبا عن الوعي في سكرة الوجد مثل مجاذيب الطرق الصوفية، إنما عرفناه يقظا متنبها، حاضر الذهن، عقله مع الناس و قلبه مع ربه، يعيش الواقع و يلتحم بالدنيا، و مع ذلك لا يغفل عن خالقه لحظة.
و ذلك هو الصراط المستقيم.. لا يمين فيه و لا يسار.. بل خط رفيع كالسيف.. من أصابه فقد عرف جادة الإسلام.. و لهذا جعله الله أسوة لنا جميعا، و اختاره قدوة و مثالا.. و أرسله نبيا.. و قال له ما لم يقل لرسول:
(( و إنك لعلى خلق عظيم )). و من أخطأ فهو مسلم بقدر اقترابه من هذا الوسط الأمثل، و هو صاحب الأخلاق بقدر حظه من الاعتدال.
و الأخلاق في أصلها هي الأسماء الحسنى لله.. الكريم، الحليم، الرحيم، الودود، الرؤوف، الصبور، الشكور، البر، العفو، الغفور، الغفار، الرزاق، الحكم، العدل، النافع، الهادي، الرشيد.. فكل هذه أخلاق مثلى.. و لله المثل الأعلى.. و بقدر ما يحصل العبد من هذه الأخلاق يكون عند الله عبدا ربانيا.. و يكون عند الله مسلما حقا.
و في الحديث: (( تخلقوا بأخلاق الله.. إن ربي على صراط مستقيم )). و جمعية تلك الأخلاق هي الأصولية الحقيقية في ديانتنا إلى جانب الإسلام لله في كل شيء، و توحيده و تمجيده، و تسبيحه و عبادته و طاعته، و الإيمان بكتبه و رسله و القدر خيره و شره، و الآخرة و البعث و الحساب..
هذه هي الأصولية.. و لا دخل لها بإرهاب و لا بتطرف، و لا بمظهرية كاذبة، و لا بشكليات فجة..
و يجمع النبي – عليه الصلاة و السلام – كل هذا في جملة واحدة: (( قل: آمنت بالله ثم استقم )).
فيضع كل مكارم الأخلاق تحت كلمة الاستقامة، و كل مقررات الإسلام في كلمة الإيمان.. و ذلك لتأكيد أن الإسلام دين فطرة و بساطة، و ليس فلسفة و حذلقة و تنطعا و جدلا.. فالأمر أبسط من كل هذا.. بل هو ثلاث كلمات !
و أصحاب النيات السليمة يفهمون هذا ببداهتهم و لا حاجة لهم بجدل و لا بتنطع.. و أصحاب النيات الخبيثة.. المشكلة فيهم، و ليست في الدين.. و بين الاثنين ذلك الخيط الرفيع بين الجنة و النار.
و لذلك قال ربنا في أهل الجنة: (( إن الذين سبقت لهم منا الحسنى أولئك عنها مبعدون )) – أي عن النار مبعدون –
كان هذا أمرا سبق نزولهم إلى الدنيا و هم مجرد نفوس.. و من قبل أن ينزلوا إلى عالم الامتحان و الابتلاء و دنيا أسفل سافلين.
هم إذن أهل الجنة من قديم.. و الآخرون أهل النار من قديم.. و إنما قضى الله بالامتحان و الابتلاء حتى تنقطع الحجة.. و حتى لا يكون لأحد عذر.
و يبقى بعد ذلك السؤال: كيف كنا في ذلك الأزل قبل الخلق ؟ و كيف تفاضلنا ؟ و متى ؟ و أين ؟
أم أنه لا أين، و لا متى في الأزل.. حيث لا حيث.. و حيث لا مكان و لا زمان ؟! و تلك من أسرار الغيب التي لا يعلمها إلا الله، و لن يكشف عنها الستار إلا بعد الموت و البعث.. و العرض مستمر.. و القصة ممتدة فصولا.. و فيها مصيرنا كله.
ضعوا أيديكم على قلوبكم.. فليس الأمر بالهزل !
مقال/ الخيط الرفيع بين الجنة و النار
من كتاب / سواح في دنيا الله
للدكتور / مصطفى محمود (رحمه الله). ❝ ⏤مصطفى محمود
❞ عجيب أمرنا نحن المسلمين !.. نعبد إلها واحدا.. و نطوف حول كعبة واحدة.. و نتوجه في صلاتنا إلى قبلة واحدة.. و نصطف في المسجد صفا واحدا.. و نقول جميعا: آمين.. في نفس واحد.. و مع ذلك لكل منا إسلام خاص به، يختلف عن إسلام الآخر ! و كل منا يفهم الإسلام على طريقته، و يباشره في حياته بمفهومه الخاص !
و قد تفرقت الجماعة الإسلامية إلى سنة و شيعة و أباضية و دروز، بل إن الشيعة نفسها تفرقت إلى زيدية و اثنى عشرية و إسماعيلية و علوية و بهرة و بكتاشية، و خرج منها غلاة عبدوا عليا، و رأوا فيه ابنا لله، و اعتقدوا أن الرسالة أخطأته و نزلت على محمد ! و الأكثرية التزمت جانب الاعتدال و قالت: بل كان أولى بالخلافة.. و لم تزد.. و بين هؤلاء و هؤلاء تعددت الفرق و بعيدا عن الطريق و المذهب اختلف الناس بين مدخلين للإسلام.. المدخل السلفي الأصولي، و المدخل الصوفي.
و في المدخل السلفي تمادى الأصوليون في الشكلية و في الالتزام الحرفي بالنصوص، و في ظاهر سلوكيات المسلم: طريقة إطلاقه لحيته، و تقصيره جلبابه.. و للمرأة: نقابها و حجابها.. و هي الشريعة ذاتها.. بينما اهتمت الصوفية بتطهير الباطن، و مجاهدة النفس، و التربية الخلقية و تحصيل المقامات.. مقامات التوبة و الإخلاص و الصدق و الصبر و الشكر و المراقبة و المحاسبة و التقوى و الورع.. و تركت الظاهر لأهل الظاهر، و قالوا: نحن عمدتنا القلب، و غايتنا اللب و ليس القشر.
و الكل مسلمون و لكن شتان بين فهم و فهم ! و أنا أرى الآن أن القرآن لم ينحصر في أي من هذين المسلكين، بل كان في مجموع آياته يمثل الوسط العدل بينهما، و الجامع الأمين بين طهارة الظاهر و طهارة الباطن.. و أن المذهبية و الحزبية أفسدت الإسلام تماما.
و القرآن في مجموع آياته شيء غير القرآن في آية واحدة مبتورة من سياقها، أو بضع آيات نزلت في مناسبة، أو حكم متشدد نزل في ضرورته. و لا يمكن فهم الإسلام إلا من خلال القرآن كله بمجموع آياته.. فهو يفسر بعضه بعضا، و ما غمض في آية توضحه آية أخرى، و ما أجمل في آية تفصله آية ثانية.
و التشديد لا يجيء في القرآن إلا لضرورة.. أما السياق القرآني العام.........؟ فهو العفو و المغفرة و السماحة. ((.. هُوَ اجْتَبَاكُمْ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ مِّلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمينَ مِن قَبْلُ.. )) [ الحج : 78 ] ((لَيْسَ عَلَى الْأَعْمَى حَرَجٌ وَلَا عَلَى الْأَعْرَجِ حَرَجٌ وَلَا عَلَى الْمَرِيضِ حَرَجٌ )) [ النور : 61 ]
و سلوك النبي عليه الصلاة و السلام (( و هو المؤشر إلى التفسير الصحيح للقرآن )) هو الحلم بعينه، لا تزمت و لا تشدد و تنطع، و لا وقوف عند الفهم الحرفي للنصوص.. و كمثال: حكاية الرجل الذي جاء يحكي للرسول كيف اختلى بامرأة و نال منها ما يبتغي دون مباشرة.. فأطرق النبي – عليه الصلاة و السلام – و لم يعلق و قام للصلاة، فنزلت الآية: (( وَأَقِمِ الصَّلاَةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِّنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ (114) )) [ هود ] فنصح الرجل بالصلاة و الإكثار من النوافل، و لم يقم عليه النبي حد الزنا رغم اعترافه، و اعتبر ما حدث من (( اللمم ))، أي الذنوب التي تغفر، و التي تجبرها الصلاة و التوبة.
و يذكرنا هذا بالمسيح – عليه السلام – حينما رفض أن يرجم (( المجدلية )) الزانية، و قال لمن حوله: من كان منكم بلا خطيئة فليرمها بحجر !
و لم يشهد المسيح و لا نبينا – عليهما الصلاة و السلام – من بعده ذلك العصر الرديء الذي نعيش فيه، و الذي تدعو فيه أجهزة الإعلام و أغاني الإذاعة و أفلام السينما و تمثيليات التليفزيون – إلى العلاقات الحرة.. و الأقمار الفضائية التي تباشر الزنا علنا، و جهارا نهارا، و تغري الشباب بالصورة و الكلمة و الحركة إلى المسارعة في قضاء الشهوات، و إلى التسابق في المتع الحرام !
ماذا يكون موقف الشريعة من هذا العصر الذي شاعت فيه البلوى ؟!! و ماذا يفعل الشباب.. و الزواج بعيد المنال.. هل يدخل في جب تحت الأرض ؟!! و هل شبابنا في هذا الحال جناة، أم مجني عليهم ؟!
و فقه شيوع البلوى له مكان في شريعتنا، عملا بالمبدأ القرآني، حينما كانت الخمر بلاء شائعا في أول الدعوة، فنزلت الآيات مخففة، تعاتب شارب الخمر و لا تغلظ عليه، و تتدرج في التحريم على مراحل.. و يذكرنا هذا بالفقيه الإسلامي الذي سألوه أن يقيم حد الخمر على الحاكم التتري – و ذلك بعد إسلامه – فرفض، و آثر تركه في غيبوبة السكر ليكف ظلمه عن الناس، و قال: إن تطبيق الشريعة عليه و امتناعه عن الشرب و عودته إلى وعيه و عافيته، سوف تؤدي إلى منكر أشد، بعودته إلى جبروته و ظلمه. و في هذا يقول العوام: (( نوم الظالم عبادة )) !
و منذ ذلك اليوم سارت كلمة ذلك الفقيه مثلا.. و أصبحت مبدأ مقررا من مبادئ الاجتهاد: له أنصاره.. إنه إذا أدى تطبيق الشريعة إلى منكر أشد كان عدم تطبيقها أولى.. و أنه لابد من فهم الشريعة الإسلامية في إطار مراد الله بها، و قصده من نزولها، و هو صلاح أمر العباد و ليس شقاءهم. فالله تعالى يقول: (( ما أنزلنا عليك القرآن لتشقى )).. و هكذا كان شأن الاجتهاد عند المفسرين الأوائل.. و هكذا كان شأن العقل و الفهم و التدبر و التفكر.. و لم يظهر التشدد و التحجر و الانغلاق على الألفاظ، إلا مع قرون التخلف و توقف الاجتهاد، و ظهور الدعوات الأصولية التي تزايد على بعضها، و يسابق بعضها بعضا في الغلظة و في الرجم و الجلد.
و ليس في كلامنا تهوين من أمر الشريعة، فهي حبة قلب المسلم و سواد عينيه، و لا يملك المسلم العابد أمام كلمة ربه إلا السمع و الطاعة.. و إنما هي الغيرة على الكلمة و قداستها من أن تفهم على غير وجهها، و تستعمل في غير حقها، فتكون ذريعة إلى ظلم بريء.. بل نحن أشد حبا للشريعة من الذين يطبقونها في عمى.
و لقد تكاثر دعاة الأصولية الغلاظ، و تنافسوا في القسوة و في مطاردة المسلمين و إرهابهم بالنصوص، حتى نفروهم من دينهم !
و الله يعلم مسبقا ماذا سيكون شأن هذا العصر الذي نعيشه، من شيوع البلوى فيه، و من انتشار الفساد و الفقر و البطالة و الانحلال، و تكالب الأعداء على الإسلام من كل جانب، و هوان حال المسلمين و انقسامهم و تشتتهم و بوارهم.
و كل هذا يكشف عن عمق القرآن و رحابته و تعدد آفاقه، بحيث تغطي آياته التشريعية كل العصور.. و يكشف عن روح التسامح و إيثار فهم التشريع على الوجه الأصلح لحياة المسلمين.
و هو يكشف أيضا عن المرونة و عدم الجمود، و رفض الغلظة إلا في ضرورتها القصوى حين يقتل القاتل ظلما و بغيا فيتوجب القصاص.. و لهذا اختلف الناس أمام فهم القرآن ، و انعكست نفس كل قارئ في لون تفسيره.. فغلاظ القوم لم يشهدوا من القرآن إلا آيات النكال.. و الرحماء شهدوا رحابة التشريع، و انفساح آفاق التفسير أمام الفهم الأرحب و الأرحم.. و اختلفوا، و الكتاب الذي يقرأونه واحد.. و ما اختلفوا بسبب الكتاب بل بسبب نفوسهم ! و هذه مشكلة الحكومات الأصولية و الفرق المتشددة، و مرضى النفوس و مرضى القلوب، و هواة التشفي من كل جنس !
و لقد نزلت الآيات بهذا التلوين لتمتحن القلوب، و لتمتحن النفوس، و لتختبر المعادن.. و القرآن هو الشاهد على الكل، و هو الحجة.. و لا يصلح القرآن ذريعة لظلم أو جبروت، بل هو قاموس الرحمة بعينه.
و المختلفون من أهل الشقاق و النفاق شهدت أعمالهم على كفرهم.. فما اختاروا بغلظتهم القرآن حكما، بل اختاروا نفوسهم، و آثروا رغباتهم الانتقامية، و اتخذوا من القرآن ستارا و ذريعة لقساوتهم ! و صدق الله العظيم في خطابه لرسوله: (( مَا أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَى (2) )) [ طه ] فالقرآن هو الباب إلى النعيم، و لا يمكن أن يكون بابا للشقاء، و لا بابا لكل هذا الخلاف و الفرقة و الانقسام.. و لا بابا لكل هذا الإرهاب و الإجرام و القساوة.. و إنما اختلفت النفوس التي تقرأ و تفهم و تفسر. و لهذا قال ربنا عن قرآنه: (( يُضِلُّ بِهِ كَثِيراً وَيَهْدِي بِهِ كَثِيراً وَمَا يُضِلُّ بِهِ إِلاَّ الْفَاسِقِينَ (26) )) [ البقرة ] و ما أكثر فساق و مجرمي هذا الزمان، الذين اتخذوا من القرآن ذريعة لإجرامهم و ستارا لإرهابهم ! و هؤلاء هم الذين أضلهم الله بقرآنه.. و كشفهم أمام الناس و أمام نفوسهم، و فضح ضلالهم و كفرهم.
و لا مفر من الاختلاف، بحكم اختلاف النفوس و اختلاف الطبائع، قال ربنا عن الناس: ((.. وَلاَ يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ (118) إِلاَّ مَن رَّحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ لأَمْلأنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ (119) )) [ هود ]
و هذا الاختلاف أزلي، من قبل أن تولد النفوس و تجيء إلى الدنيا، و سببه ثبوت وصف تلك النفوس في علم الله من الأزل، و هذا الوصف هو ما أرادته النفوس لنفسها أزلا، و ليس ما أراده الله لها. فالله لا يريد إلا الخير لكل الخلق.. و لقد فطر البشر على الحرية و الاختيار، و كانت النتيجة أن اختلفوا حسب أهوائهم.
قال ربنا: (( و لذلك خلقهم )) ليميز الخبيث من الطيب، و لتكون خاتمة كل مخلوق على وفاق نيته. و كانت العاقبة في النهاية أن امتلأت بهم جهنم، و لم يدخل الجنة إلا القليل، و استلزم الأمر (( الفرز )) و التصنيف، و تفاضل الرتب و المنازل، لأن هذا كان مقتضى العدل، و الله أعدل العادلين.
و كان البديل الآخر أن يستووا عند الله رغم اختلافهم.. أن يستوي القاتل و القتيل، و الظالم و المظلوم، و أن يستوي البر و الفاجر، و هو الأمر المحال ! تعالى ربنا عن مثل ذلك العبث علوا كبيرا.
قال ربنا: (( و لا يزالون مختلفين إلا من رحم ربك )).. و معنى ذلك أن داخل الجنة لن يدخلها بعمله وحده بل بفضل الله و رحمته، و تلك هي النسمة الربيعية الجميلة التي تهب من أول صفحة في القرآن إلى آخر صفحة.. من أول مفتتح الفاتحة.. بسم الله الرحمن الرحيم.. إلى آخر كلمة.. و الحمد لله رب العالمين بعد أن يتم الحساب. و لقد اختار ربنا لرحمته من استحقها من الخلق.. و هو أعلم بقلوب خلقه، و لولا رحمة ربك لهلكنا جميعا.
و بين النار و الجنة ذلك الخيط الرفيع بين المؤتلف و المختلف.. بين الذين أسلموا للحق و انسجموا معه في كتيبة الخير، و بين الذين أعرضوا و تفرقوا و اقتتلوا.. و ليس بالشعارات و لا بالبطاقات سيكون دخول الجنة ! فما أكثر الذين حملوا شعار لا إله إلا الله و خانوه، و حملوا بطاقة المسلم و لم يسلموا لشيء سوى هوى نفوسهم !
و تظل الوسطية و الاعتدال هي النغمة القرآنية السائدة من أول آياته إلى آخرها.. و الذين تطرفوا في الأخذ بالظاهر، و الذين تطرفوا في الأخذ بالباطن – إنما أخذوا من القرآن ما ناسبهم، و لم يأخذوا به كله.
و محمد – عليه الصلاة و السلام – و هو القرآن الحي الذي يمشي على الأرض – ما عرفناه إرهابيا، و لا عرفناه مجذوبا غائبا عن الوعي في سكرة الوجد مثل مجاذيب الطرق الصوفية، إنما عرفناه يقظا متنبها، حاضر الذهن، عقله مع الناس و قلبه مع ربه، يعيش الواقع و يلتحم بالدنيا، و مع ذلك لا يغفل عن خالقه لحظة.
و ذلك هو الصراط المستقيم.. لا يمين فيه و لا يسار.. بل خط رفيع كالسيف.. من أصابه فقد عرف جادة الإسلام.. و لهذا جعله الله أسوة لنا جميعا، و اختاره قدوة و مثالا.. و أرسله نبيا.. و قال له ما لم يقل لرسول: (( و إنك لعلى خلق عظيم )). و من أخطأ فهو مسلم بقدر اقترابه من هذا الوسط الأمثل، و هو صاحب الأخلاق بقدر حظه من الاعتدال.
و الأخلاق في أصلها هي الأسماء الحسنى لله.. الكريم، الحليم، الرحيم، الودود، الرؤوف، الصبور، الشكور، البر، العفو، الغفور، الغفار، الرزاق، الحكم، العدل، النافع، الهادي، الرشيد.. فكل هذه أخلاق مثلى.. و لله المثل الأعلى.. و بقدر ما يحصل العبد من هذه الأخلاق يكون عند الله عبدا ربانيا.. و يكون عند الله مسلما حقا.
و في الحديث: (( تخلقوا بأخلاق الله.. إن ربي على صراط مستقيم )). و جمعية تلك الأخلاق هي الأصولية الحقيقية في ديانتنا إلى جانب الإسلام لله في كل شيء، و توحيده و تمجيده، و تسبيحه و عبادته و طاعته، و الإيمان بكتبه و رسله و القدر خيره و شره، و الآخرة و البعث و الحساب.. هذه هي الأصولية.. و لا دخل لها بإرهاب و لا بتطرف، و لا بمظهرية كاذبة، و لا بشكليات فجة..
و يجمع النبي – عليه الصلاة و السلام – كل هذا في جملة واحدة: (( قل: آمنت بالله ثم استقم )). فيضع كل مكارم الأخلاق تحت كلمة الاستقامة، و كل مقررات الإسلام في كلمة الإيمان.. و ذلك لتأكيد أن الإسلام دين فطرة و بساطة، و ليس فلسفة و حذلقة و تنطعا و جدلا.. فالأمر أبسط من كل هذا.. بل هو ثلاث كلمات !
و أصحاب النيات السليمة يفهمون هذا ببداهتهم و لا حاجة لهم بجدل و لا بتنطع.. و أصحاب النيات الخبيثة.. المشكلة فيهم، و ليست في الدين.. و بين الاثنين ذلك الخيط الرفيع بين الجنة و النار.
و لذلك قال ربنا في أهل الجنة: (( إن الذين سبقت لهم منا الحسنى أولئك عنها مبعدون )) – أي عن النار مبعدون –
كان هذا أمرا سبق نزولهم إلى الدنيا و هم مجرد نفوس.. و من قبل أن ينزلوا إلى عالم الامتحان و الابتلاء و دنيا أسفل سافلين. هم إذن أهل الجنة من قديم.. و الآخرون أهل النار من قديم.. و إنما قضى الله بالامتحان و الابتلاء حتى تنقطع الحجة.. و حتى لا يكون لأحد عذر.
و يبقى بعد ذلك السؤال: كيف كنا في ذلك الأزل قبل الخلق ؟ و كيف تفاضلنا ؟ و متى ؟ و أين ؟ أم أنه لا أين، و لا متى في الأزل.. حيث لا حيث.. و حيث لا مكان و لا زمان ؟! و تلك من أسرار الغيب التي لا يعلمها إلا الله، و لن يكشف عنها الستار إلا بعد الموت و البعث.. و العرض مستمر.. و القصة ممتدة فصولا.. و فيها مصيرنا كله.
ضعوا أيديكم على قلوبكم.. فليس الأمر بالهزل !
مقال/ الخيط الرفيع بين الجنة و النار من كتاب / سواح في دنيا الله للدكتور / مصطفى محمود (رحمه الله) . ❝