❞ محمد بن علي السنوسي ، هو مؤسس الحركة السنوسيه في إفريقيا ، وأخذ علي عاتقه الدعوة للاسلام ، وتصحيح المفاهيم الخاطئة التي استشرت وقتها ،، وأقام مايسمي بالزوايا ،وهي منارات للعلم ، كان يتم فيها تحفيظ القرآن ، وتعليم العديد من العلوم الحرف ، لقد ساهمت هذه الدعوة بشكل كبير ، في الحركة الجهادية ، ضذ الاستعمار الايطالي في ليبيا ، والفرنسي في الجزائر ، توفي في ليبيا ، وهو من أصول جزائريه ، وقد كان يترحل ، من مكان لاخر ، لدعوة للاسلام ، فأقام زوايا ، في سعودية واليمن ، وليبيا والجزائر ، والتشاد ، شخصية قيادية ، وذات فكر ، لها بصمة في العالم الاسلامي وبالاخص ، في المغرب العربي ، وليبيا ، ومن أشهر المشاركين في حركة السنوسيه ، المجاهد عمر المختار. ❝ ⏤علي محمد الصلابي
❞ محمد بن علي السنوسي ، هو مؤسس الحركة السنوسيه في إفريقيا ، وأخذ علي عاتقه الدعوة للاسلام ، وتصحيح المفاهيم الخاطئة التي استشرت وقتها ،، وأقام مايسمي بالزوايا ،وهي منارات للعلم ، كان يتم فيها تحفيظ القرآن ، وتعليم العديد من العلوم الحرف ، لقد ساهمت هذه الدعوة بشكل كبير ، في الحركة الجهادية ، ضذ الاستعمار الايطالي في ليبيا ، والفرنسي في الجزائر ، توفي في ليبيا ، وهو من أصول جزائريه ، وقد كان يترحل ، من مكان لاخر ، لدعوة للاسلام ، فأقام زوايا ، في سعودية واليمن ، وليبيا والجزائر ، والتشاد ، شخصية قيادية ، وذات فكر ، لها بصمة في العالم الاسلامي وبالاخص ، في المغرب العربي ، وليبيا ، ومن أشهر المشاركين في حركة السنوسيه ، المجاهد عمر المختار . ❝
❞ الملك محمد إدريس الأول (12 مارس 1890 م - 25 مايو 1983 م) هو أول حاكم لليبيا بعد الاستقلال عن إيطاليا وعن قوات الحلفاء في 24 ديسمبر/كانون الأول 1951 م وحتى 1969 م. وهو من العائلة السنوسية، من سلالة محمد بن علي السنوسي، مؤسس الطريقة السنوسية. وورث موقع جده.
نشأ في كنف أبيه الذي كان قائما على أمر الدعوة السنوسية في ليبيا، وعلى يديه وصلت إلى ذروة قوتها وانتشارها.
قد التحق إدريس السنوسي بالكتاب، فأتم حفظ القرآن الكريم بزاوية ˝الكفرة˝، مركز الدعوة السنوسية، ثم واصل تعليمه على يد العلماء السنوسيين، ثم رحل إلى برقة سنة (1320 هـ - 1902م)، وتوفي في ذات العام والده ˝السيد المهدي˝ بعد أن بلغت الدعوة في عهده الذروة والانتشار، ووصل عدد ˝الزوايا˝ إلى 146 زاوية موزعة في برقة وطرابلس وفزان والكفرة ومصر والسودان وبلاد العرب، وانتقلت رئاسة الدعوة إلى السيد أحمد الشريف السنوسي، وصار وصيا على ابن عمه إدريس وجعله تحت عنايته ورعايته. قاد أحمد الشريف السنوسي في فترة من فترات إمارته للحركة السنوسية المجاهدين الليبيين وبعد هزيمته في المعركة التي قادها ضد الإنجليز في مصر تنازل لابن عمه محمد إدريس السنوسي.
وبعد قيام الحرب العالمية الأولى سحبت إيطاليا كثيرا من قواتها بليبيا بسبب اشتراكها في هذه الحرب، وفي الوقت نفسه رأى السنوسيون أن يساعدوا الدولة العثمانية التي دخلت الحرب أيضا، فقام السيد أحمد الشريف بحملة عسكرية على مصر منها معركة وادي الماجد، كان الغرض منها إرغام بريطانيا على القتال في حدود مصر الغربية، ومن ثم شغلها عن الحملة التركية الألمانية على قناة السويس، غير أن هذه الحملة فشلت، وعاد السيد أحمد شريف إلى بلاده منهزما، تاركا مهمة قيادة الدعوة السنوسية إلى ابن عمه محمد إدريس السنوسي وتحت إلحاح مشايخ وزعماء برقة، فاستطاع أن يقبض على الأمور بيد قوية ويضرب على أيدي المفسدين فأنقذ البلاد من خطر التشرذم والحرب الاهلية _ وبعد أن أفنت الحرب والاوبئة ثلث سكان برقة _، واتخذ من مدينة اجدابيا مقرا لإمارته الناشئة، وأخذ يشن الغارات على معسكرات الإيطاليين.
تولى إدريس السنوسي إمارة الحركة السنوسيّة في عام 1916م من ابن عمه السيد أحمد الشريف. دخل إدريس بن المهدي السنوسي في النصف الثاني من عشرينات القرن الماضي في مفاوضات مع إيطاليا. منها مفاوضات الزويتينة (من يوليو إلى سبتمبر 1916م).. مفاوضات في ضواحي مدينة طبرق منطقة عكرمة (من يناير إلى أبريل 1917م)، مفاوضات الرجمة (1914) وكان أهم شروطها هو الاعتراف بالسيد/ إدريس السنوسي كأمير سنوسي لإدارة الحكم الذاتي بحيث يشمل نطاقها واحات: الجغبوب وجالو والكفرة ويكون مقرها في إجدابيا، واتفاقية أبو مريم واجتماع إدريس السنوسي بوزير المستعمرات الإيطالية أمندولا في عام 1922 م في منطقة غوط الساس بالقرب من جردس العبيد. لم تستمر حكومة إجدابيا طويلاً لأنّ إيطاليا أرادت التخلص من اتفاقاتهاوذلك بعد زحف ارتال الفاشيين على روما. فقرر إدريس السنوسي الرحيل إلى مصر وكلف شقيقه الأصغر محمّد الرضا السنوسي وكيلاً عنه على شؤون الحركة السنوسيّة في برقة، وعين عمر المختار نائباً له وقائداً للجهاد العسكري في شهر نوفمبر 1922م
لما قامت الحرب العالمية الثانية في عام 1939م راهن الأمير إدريس السنوسي على الحلفاء وأعلن فيما بعد انضمامه إليهم وعقد اتفاقا مع البريطانيين. ودخل إلى ليبيا بجيش أسسه في المنفى (الجيش السنوسي) في 9 أغسطس 1940م متحالفاً مع البريطانيين لطرد الغزاة الإيطاليين. ولما انتهت الحرب بهزيمة إيطاليا، وخروجها من ليبيا، عاد إدريس السنوسي إلى ليبيا في (شعبان 1364 هـ الموافق يوليو 1944 م)، وأصبحت ليبيا منذ ذلك التاريخ تحت حكم الإدارة البريطانيّة والفرنسية (الحلفاء). تحصلَ في نوفمبر 1920م على حكم ذاتي (حكومة إجدابيا)، ثم أعلن استقلال ولاية برقة في 11 أكتوبر 1949م، وانتقلت سلطات الإدارة العسكريّة البريطانية إلى حكومة برقة،
مفاوضات بين إدريس وإيطاليا
ولما أوشكت الحرب العالمية الأولى على الانتهاء، ولم تكن المعارك بين الليبيين والإيطاليين حاسمة، لجأ الطرفان إلى مائدة المفاوضات، وعقدا هدنة في سنة (1336 هـ/ 1917 م) يعلنان فيها أنهما راغبان في وقف القتال والامتناع عن الحرب. وتضمنت هذه الهدنة عدة بنود، منها أن يقف الإيطاليون عند النقط التي كانوا يحتلونها، وأن يبقى على المحاكم الشرعية، وأن تفتح المدارس العملية والمهنية في برقة، وأن تعيد إيطاليا الزوايا السنوسية والأراضي التابعة لها، وأن تعفى من الضرائب، وفي مقابل ذلك يتعهد السنوسيون بتسريح جنودهم وتجريد القبائل من السلاح.
غير أن بنود هذه الهدنة لم تجد من ينفذها، فعاود الطرفان المفاوضات من جديد وعقدا اتفاقا جديدا سنة (1339 هـ/ 1920 م) عرف باتفاق ˝الرجمة˝ بموجبه قسمت برقة إلى قسمين: شمالي، وفيه السواحل وبعض الجبل الأخضر، ويخضع للسيادة الإيطالية، وجنوبي، ويشمل: الجغبوب، وأوجلة، وجالوا، والكفرة، ويكون إدارة مستقلة هي الإمارة السنوسية، ويتمتع محمد إدريس بلقب ˝أمير˝ مع حفظ حقه في التجول في جميع أنحاء برقة، ويتدخل في إدارة المنطقة الإيطالية متى شعر أن مصلحة أهالي البلاد تتطلب ذلك، وفي الوقت نفسه تعهد الأمير بأن يحل قواته العسكرية، على أن يحتفظ بألف جندي فقط يستخدمهم في شئون الإدارة وحفظ النظام.
إدريس زعيما للبلاد
محمد إدريس السنوسي.
لم تنجح هذه الاتفاقيات في تهدئة الأوضاع في البلاد وتوفير الاستقرار، وكانت أصابع إيطاليا وراء زرع بذور الشقاق في البلاد، وأدرك العقلاء أنه لا بد من توحيد الصف لمواجهة الغازي المحتل فعقد مؤتمر في ˝غريان˝ حضره زعماء الحركة الوطنية من قادة الجهاد في طرابلس، وذلك في (ربيع الأول 1339 هـ=نوفمبر 1920 م)، واتخذ فيه القرار التالي: ˝إن الحالة التي آلت إليها البلاد لا يمكن تحسينها إلا بإقامة حكومة قادرة ومؤسسة على ما يحقق الشرع الإسلامي من الأصول بزعامة رجل مسلم منتخب من الأمة، لا يعزل إلا بحجة شرعية وإقرار مجلس النواب، وتكون له السلطة الدينية والمدنية والعسكرية بأكملها بموجب دستور تقره الأمة بواسطة نوابها، وأن يشمل حكمه جميع البلاد بحدودها المعروفة˝.
وقد انبثق عن هذا المؤتمر هيئة الإصلاح المركزية، قامت سنة (1341 هـ= 1922) بمبايعة إدريس السنوسي أميرا للقطرين طرابلس وبرقة، وذلك من أجل توحيد العمل في الدفاع عن البلاد، والجهاد ضد المحتلين.
وكان قبول السنوسي لهذه البيعة وتوحيد الجهود هو ما تخشاه إيطاليا، وأدرك السنوسي بقبوله هذا أن إيطاليا لا بد أن تضمر الشر، وأنه صار هدفا، فذهب إلى مصر لمواصلة الجهاد من هناك، تاركا عمر المختار يقود حركة المقاومة فوق الأراضي الليبية، وكانت القضية الليبية تلقى عونا وتعاطفا من جانب المصريين.
وبعد أن استولى الفاشيون على الحكم في إيطاليا سنة (1341 هـ / 1922 م) اشتدت وطأة الاحتلال في ليبيا، وعادت المذابح البشرية تطل من جديد، واستولى المحتلون على الزوايا السنوسية وأعلنوا إلغاء جميع الاتفاقات التي عقدتها الحكومة الإيطالية مع السنوسيين، وكان من نتيجة ذلك أن اشتعلت حركة الجهاد، وكلما عجز المحتلون على وقف المقاومة أمعنوا في أساليب الإبادة، والإفناء ومحاربة اللغة العربية والإسلام، والعمل على تنصير المسلمين.
السنوسي في مصر
وبعد أن استقر إدريس السنوسي في القاهرة أصبحت حركته محدودة بعد أن فرض عليه الاحتلال البريطاني في مصر عدم الاشتغال بالسياسة، وكان من حين إلى آخر يكتب في الصحف المصرية حول قضية بلاده.
ولم اشتعلت الحرب العالمية الثانية نشط إدريس السنوسي وعقد اجتماعا في داره بالإسكندرية حضره ما يقرب من 40 شيخا من المهاجرين الليبيين، وذلك في (6 من رمضان 1359 هـ / 20 أكتوبر 1939 م) وانتهى الحاضرون إلى تفويض الأمير في أن يقوم بمفاوضة الحكومة المصرية والحكومة البريطانية لتكوين جيش سنوسي، يشترك في استرجاع الوطن بمجرد دخول إيطاليا الحرب ضد الحلفاء.
وبدأ الأمير في إعداد الجيوش لمساندة الحلفاء في الحرب، وأقيم معسكر للتدريب في إمبابة بمصر بلغ المتطوعون فيه ما يزيد عن 4 آلاف ليبي وكانو من الليبيين المهاجرين بمصر من أبناء القبائل الليبية المهاجرة بمصر من الرماح وأولاد علي والسننة والحرابي وبدعم من الجبالية بمصر والبراعصة أولاد خضرة والجوازي وعيت فايد والزعيرات (العبيدات) والسمالوس والجبيهات وحبون والإشراف وغيرهم من قبائل برقة المهاجرة الي مصر من ظلم الاتراك العثمانيين ومن ثم الإيطاليين لتشكيل ˝الجيش السنوسي˝ بمعونة الجنرال الإنجليزي ˝ميتلاند ولسون˝ وكانوا فيما بعد عونا كبيرا للحلفاء في حملاتهم ضد قوى ˝المحور˝ في شمال أفريقيا، وساهموا مساهمة فعلية في الحرب، بالإضافة إلى ما قدمه المدنيون في ليبيا والقبائل الليبية بمصر من خدمات كبيرة للجيوش المحاربة ضد إيطاليا لتحرير ليبيا من إيطاليا ولاحقا بعد وقوع الالاف من الليبين بالاسر وتم نقلهم الي شرق قناة السويس قام بزيارتهم الأمير ادريس ويرافقة اعيان القبائل الليبية المهاجرة بمصر وانضم البرقاويين الي جيش السنوسي اما الاخرين فقد اثروا السلامة وتغير اسم الجيش الي جيش التحرير.
...
السيّد عُمر بن مُختار بن عُمر المنفي الهلالي (20 أغسطس 1858-الموافق 10 محرم 1275هـ - 16 سبتمبر 1931- الموافق 3 جمادى الأولى 1350هـ)، الشهير بعُمر المُختار، المُلقب بشيخ الشهداء، وشيخ المُجاهدين، وأسد الصحراء، هو قائد أدوار السنوسية في ليبيا، وأحد أشهر المقاومين العرب والمُسلمين. ينتمي إلى بيت فرحات من قبيلة منفة الهلالية التي تنتقل في بادية برقة.
حارب عُمر المُختار الطليان ˝الإيطاليين˝ مذ كان عمره 53 عامًا لأكثر من عشرين عامًا في عدد كبير من المعارك، إلى أن قُبض عليه من قِبل الجنود الطليان، وأُجريت له محاكمة صوريّة انتهت بإصدار حكم بإعدامه شنقًا، فنُفذت فيه العقوبة على الرغم من أنه كان كبير السن ومريضًا، فقد بلغ في حينها 73 عامًا وعانى من الحمّى. وكان الهدف من إعدام عمر المُختار إضعاف الروح المعنويَّة للمقاومين الليبيين والقضاء على الحركات المناهضة للحُكم الإيطالي، لكن النتيجة جاءت عكسيَّة، فقد ارتفعت حدَّة الثورات، وانتهى الأمر بأن طُردت القوات الإيطالية من البلاد.
حصد عُمر المُختار إعجاب وتعاطف الكثير من الناس أثناء حياته، وأشخاص أكثر بعد إعدامه، فأخبار الشيخ الطاعن في السن الذي يُقاتل في سبيل بلاده ودينه استقطبت انتباه الكثير من المسلمين والعرب الذين كانوا يعانون من نير الاحتلال الأوروبي في حينها، وحثّت المقاومين على التحرّك، وبعد وفاته حصدت صورته وهو مُعلّقٌ على حبل المشنقة تعاطف أشخاص أكثر، من العالَمَين الشرقي والغربي على حد سواء، فَكَبُرَ المُختار في أذهان الناس وأصبح بطلًا شهيدًا. رثا عدد من الشُعراء المُختار بعد إعدامه، وظهرت شخصيَّته في فيلم من إخراج مصطفى العقَّاد من عام 1981 حمل عنوان ˝أسد الصحراء˝، وفيه جسَّد الممثل المكسيكي - الأمريكي أنطوني كوين دور عُمر المُختار.
في الساعة الخامسة مساءً في 15 سبتمبر 1931 جرت محاكمة عمر المختار التي أعد لها الطليان مكان بناء برلمان برقة القديم، وكانت محاكمة صورية شكلًا وموضوعًا، إذ كان الطليان قد أعدوا المشنقة وانتهوا من ترتيبات الإعدام قبل بدء المحاكمة وصدور الحكم على المختار، ويبدو ذلك جليًّا من خلال حديث غراتسياني مع المختار خلال مقابلتهما، حين قال له: «إني لأرجو أن تظل شجاعًا مهما حدث لك أو نزل بك»، فأجابه المختار: «إن شاء الله».
جيء بعمر المختار إلى قاعة الجلسة مكبلًا بالحديد، وحوله الحرس من كل جانب، وأُحضر أحد التراجمة الرسميين ليتولّى الترجمة للمختار وللقضاة، فلمَّا افتتحت الجلسة وبدأ استجواب المختار، بلغ التأثر بالترجمان، حدًا جعله لايستطيع إخفاء تأثره وظهر عليه الارتباك، فأمر رئيس المحكمة باستبعاده وإحضار ترجمان آخر فوقع الاختيار على أحد اليهود من بين الحاضرين في الجلسة، فقام بدور المترجم، وكان عمر المختار جريئًا صريحًا، يصحح للمحكمة بعض الوقائع، خصوصًا حادث الطيارين الإيطاليين أوبر وبياتي، الذين أسرهما المجاهدون قبل ذلك. وبعد استجواب المختار ومناقشته، وقف المدعي العام بيدندو، فطلب الحكم على عمر المختار بالإعدام. وكان لحضور المختار في المحكمة أمام خصومه أثرٌ في نفوسهم، فرؤية شيخ طاعن في السن مُكبَّل بالسلاسل، صريحٌ وشجاع عندما يتكلم، كان لها وقعٌ على الكثير من الحاضرين، ولعلَّ أبرز ما يُظهر ذلك هو أنه عندما جاء دور المحامي المعهود إليه بالدفاع عن المختار، وكان ضابطًا إيطاليًّا شابًا من رتبة نقيب يُدعى روبرتو لونتانو، حاول أن يُبقي على حياة المختار، فطالب بالحكم عليه بالسجن المؤبَّد نظرًا لشيخوخته وكِبر سنّه، متحججًا بأنَّ هذا عقاب أشد قساوةً من الإعدام. غير أنَّ المدعي العام، تدخل وقطع الحديث على المحامي وطلب من رئيس المحكمة أن يمنعه من إتمام مرافعته مستندًا في طلبه هذا إلى أنَّ الدفاع خرج عن الموضوع، وليس من حقه أن يتكلم عن كبر سن عمر المختار وشيخوخته ووافقت المحكمة. عندئذٍ وقف المحامي وقال: «إنَّ هذا المُتهم الذي انتدبت للدفاع عنه: إنما يُدافع عن حقيقة كلّنا نعرفها، وهي الوطن الذي طالما ضحينا نحن في سبيل تحريره، إنَّ هذا الرجل هو ابن لهذه الأرض قبل أن تطأها أقدامكم، وهو يعتبر كل من احتلها عنوة عدوًا له، ومن حقه أن يُقاومه بكل ما يملك من قوَّة، حتى يُخرجه منها أو يهلك دونها، إن هذا حق منحته إياه الطبيعة والإنسانية.. إنَّ العدالة الحقة لا تخضع للغوغاء وإني آمل أن تحذروا حكم التاريخ، فهو لا يرحم، إنَّ عجلته تدور وتسجّل ما يحدث في هذا العالم المضطرب». وهنا كثر الضجيج ضدَّ المحامي ودفاعه، لكنه استمر بالكلام والدفاع عن المختار، فقام النائب العام ليحتج، فقاطعه القاضي برفع الجلسة للمداولة، وبعد مضي فترة قصيرة من الانتظار دخل القاضي والمستشاران والمدعي العام بينما المحامي لم يحضر لتلاوة الحكم القاضي بإعدام عمر المختار شنقًا حتى الموت، وعندما تُرجم الحكم إلى عمر المختار اكتفى بالقول: «إنَّ الحكم إلّا لله.. لا لحكمكم المُزيَّف.. إنَّا لله وإنَّا إليه راجعون».
في صباح اليوم التالي للمحاكمة، أي الأربعاء في 16 سبتمبر 1931، اتُخذت جميع التدابير اللازمة بمركز سلوق لتنفيذ الحكم بإحضار جميع أقسام الجيش والميليشيا والطيران، وأُحضر 20 ألف من الأهالي وجميع المُعتقلين السياسيين خصيصًا من أماكن مختلفة لمشاهدة تنفيذ الحكم في قائدهم. وأُحضر المُختار مُكبَّل الأيادي وفي تمام الساعة التاسعة صباحًا سُلَّم إلى الجلّاد، وبمجرد وصوله إلى موقع المشنقة أخذت الطائرات تحلق في الفضاء فوق ساحة الإعدام على انخفاض، وبصوت مدوّي لمنع الأهالي من الاستماع إلى عمر المختار إذا تحدث إليهم أو قال كلامًا يسمعونه، لكنه لم ينبس بكلمة، وسار إلى منصة الإعدام وهو ينطق الشهادتين، وقيل عن بعض الناس الذين كان على مقربة منه انه كان يؤذن في صوت خافت آذان الصلاة عندما صعد إلى الحبل، والبعض قال أنه تمتم بالآية القرآنية: Ra bracket.png يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ Aya-27.png ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً Aya-28.png La bracket.png، وبعد دقائق كان قد عُلّق على المشنقة وفارق الحياة.
سبق إعدام المختار أوامر شديدة الحزم بتعذيب وضرب كل من يبدي الحزن أو يظهر البكاء عند تنفيذ الحكم، فقد ضرب جربوع عبد الجليل ضربًا مبرحًا بسبب بكائه عند إعدام عمر المختار. ولكن علت أصوات الاحتجاج ولم تكبحها سياط الطليان، فصرخت فاطمة داروها العباريَّة وندبت فجيعة الوطن عندما علا المختار مشنوقًا، ووصفها الطليان ˝بالمرأة التي كسرت جدار الصمت˝. يقول الدكتور العنيزي: «لقد أرغم الطليان الأهالي والأعيان المُعتقلين في معسكرات الاعتقال والنازلين في بنغازي على حضور المحاكمة، وحضور التنفيذ وكنت أحد أولئك الذين أرغمهم الطليان على المحاكمة، ولكني وقد استبد بي الحزن شأني في ذلك شأن سائر أبناء جلدتي، لم أكن أستطيع رؤية البطل المجاهد على حبل المشنقة فمرضت، ولم يعفني الطليان من حضور التنفيذ في ذلك اليوم المشؤوم، إلا عندما تيقنوا من مرضي وعجزي عن الحضور».
حاولت إيطاليا الاستفادة من مقتل عمر المختار، فعملت على استمالة المجاهدين إليها وإقناعهم إنَّ المقاومة لا فائدة تُرجى منها بعد أن سقط الرأس المُدبّر، لكن المجاهدين أبوا واجتمعوا وانتخبوا الشيخ يوسف بورحيل المسماري قائدًا للجهاد الإسلامي ووكيلًا عامًا للجهاد. وعلى أثر هذا التنصيب كلَّف الشيخ عبد الحميد العبَّار بالرحيل نحو شرق البلاد للقيام بحث الناس على الانخراط في جيش المجاهدين وحمل السلاح لمكافحة الجيوش والجهاد في سبيل العقيدة الإسلامية والدين. ولم يكن لمقتل المختار الأثر الذي توقعه الطليان، فلم يخف عزمهم أو يتلاشى، بل ازدادوا تصميمًا على القتال وتحرير البلاد من المحتل الأجنبي، فواصلت الحكومة الإيطالية حملات الانتقام ضدهم، حتى كانت الموقعة الحاسمة عند الحدود المصريَّة قرب الأسلاك الشائكة، فاجتاز الأسلاك بعض المجاهدين وقتل منهم عدد وأُسر عدد آخر، ولم يبقى إلّا الشيوخ القادة الأربعة، وهم: عبد الحميد العبَّار ويوسف بورحيل وعصمان الشامي وحمد بوخير الله. فقُتل الأخير ويوسف بورحيل وجُرح عصمان الشامي فأخذ أسيرًا، وأما عبد الحميد العبَّار فاستطاع أن يجتاز الأسلاك الشائكة بجواده نحو مصر. وبهذه النهاية انكسرت شوكة المجاهدين وتعثرت خطواتهم وأخمدت حركة الجهاد في ليبيا، واستتب الأمر لإيطاليا حتى حين، فعملت على خلق هويَّة جديدة للبلاد وحاربت الإسلام بعدة وسائل طيلة 11 عامًا، لكنها سرعان ما انشغلت بنشوب الحرب العالمية الثانية، التي خرجت منها خاسرة بعد بضع سنوات، وانسحبت كليًّا من ليبيا بتاريخ 7 أبريل عام 1943. ❝ ⏤علي محمد الصلابي
❞ الملك محمد إدريس الأول (12 مارس 1890 م 25 مايو 1983 م) هو أول حاكم لليبيا بعد الاستقلال عن إيطاليا وعن قوات الحلفاء في 24 ديسمبر/كانون الأول 1951 م وحتى 1969 م. وهو من العائلة السنوسية، من سلالة محمد بن علي السنوسي، مؤسس الطريقة السنوسية. وورث موقع جده.
نشأ في كنف أبيه الذي كان قائما على أمر الدعوة السنوسية في ليبيا، وعلى يديه وصلت إلى ذروة قوتها وانتشارها.
قد التحق إدريس السنوسي بالكتاب، فأتم حفظ القرآن الكريم بزاوية ˝الكفرة˝، مركز الدعوة السنوسية، ثم واصل تعليمه على يد العلماء السنوسيين، ثم رحل إلى برقة سنة (1320 هـ 1902م)، وتوفي في ذات العام والده ˝السيد المهدي˝ بعد أن بلغت الدعوة في عهده الذروة والانتشار، ووصل عدد ˝الزوايا˝ إلى 146 زاوية موزعة في برقة وطرابلس وفزان والكفرة ومصر والسودان وبلاد العرب، وانتقلت رئاسة الدعوة إلى السيد أحمد الشريف السنوسي، وصار وصيا على ابن عمه إدريس وجعله تحت عنايته ورعايته. قاد أحمد الشريف السنوسي في فترة من فترات إمارته للحركة السنوسية المجاهدين الليبيين وبعد هزيمته في المعركة التي قادها ضد الإنجليز في مصر تنازل لابن عمه محمد إدريس السنوسي.
وبعد قيام الحرب العالمية الأولى سحبت إيطاليا كثيرا من قواتها بليبيا بسبب اشتراكها في هذه الحرب، وفي الوقت نفسه رأى السنوسيون أن يساعدوا الدولة العثمانية التي دخلت الحرب أيضا، فقام السيد أحمد الشريف بحملة عسكرية على مصر منها معركة وادي الماجد، كان الغرض منها إرغام بريطانيا على القتال في حدود مصر الغربية، ومن ثم شغلها عن الحملة التركية الألمانية على قناة السويس، غير أن هذه الحملة فشلت، وعاد السيد أحمد شريف إلى بلاده منهزما، تاركا مهمة قيادة الدعوة السنوسية إلى ابن عمه محمد إدريس السنوسي وتحت إلحاح مشايخ وزعماء برقة، فاستطاع أن يقبض على الأمور بيد قوية ويضرب على أيدي المفسدين فأنقذ البلاد من خطر التشرذم والحرب الاهلية _ وبعد أن أفنت الحرب والاوبئة ثلث سكان برقة _، واتخذ من مدينة اجدابيا مقرا لإمارته الناشئة، وأخذ يشن الغارات على معسكرات الإيطاليين.
تولى إدريس السنوسي إمارة الحركة السنوسيّة في عام 1916م من ابن عمه السيد أحمد الشريف. دخل إدريس بن المهدي السنوسي في النصف الثاني من عشرينات القرن الماضي في مفاوضات مع إيطاليا. منها مفاوضات الزويتينة (من يوليو إلى سبتمبر 1916م).. مفاوضات في ضواحي مدينة طبرق منطقة عكرمة (من يناير إلى أبريل 1917م)، مفاوضات الرجمة (1914) وكان أهم شروطها هو الاعتراف بالسيد/ إدريس السنوسي كأمير سنوسي لإدارة الحكم الذاتي بحيث يشمل نطاقها واحات: الجغبوب وجالو والكفرة ويكون مقرها في إجدابيا، واتفاقية أبو مريم واجتماع إدريس السنوسي بوزير المستعمرات الإيطالية أمندولا في عام 1922 م في منطقة غوط الساس بالقرب من جردس العبيد. لم تستمر حكومة إجدابيا طويلاً لأنّ إيطاليا أرادت التخلص من اتفاقاتهاوذلك بعد زحف ارتال الفاشيين على روما. فقرر إدريس السنوسي الرحيل إلى مصر وكلف شقيقه الأصغر محمّد الرضا السنوسي وكيلاً عنه على شؤون الحركة السنوسيّة في برقة، وعين عمر المختار نائباً له وقائداً للجهاد العسكري في شهر نوفمبر 1922م
لما قامت الحرب العالمية الثانية في عام 1939م راهن الأمير إدريس السنوسي على الحلفاء وأعلن فيما بعد انضمامه إليهم وعقد اتفاقا مع البريطانيين. ودخل إلى ليبيا بجيش أسسه في المنفى (الجيش السنوسي) في 9 أغسطس 1940م متحالفاً مع البريطانيين لطرد الغزاة الإيطاليين. ولما انتهت الحرب بهزيمة إيطاليا، وخروجها من ليبيا، عاد إدريس السنوسي إلى ليبيا في (شعبان 1364 هـ الموافق يوليو 1944 م)، وأصبحت ليبيا منذ ذلك التاريخ تحت حكم الإدارة البريطانيّة والفرنسية (الحلفاء). تحصلَ في نوفمبر 1920م على حكم ذاتي (حكومة إجدابيا)، ثم أعلن استقلال ولاية برقة في 11 أكتوبر 1949م، وانتقلت سلطات الإدارة العسكريّة البريطانية إلى حكومة برقة،
مفاوضات بين إدريس وإيطاليا
ولما أوشكت الحرب العالمية الأولى على الانتهاء، ولم تكن المعارك بين الليبيين والإيطاليين حاسمة، لجأ الطرفان إلى مائدة المفاوضات، وعقدا هدنة في سنة (1336 هـ/ 1917 م) يعلنان فيها أنهما راغبان في وقف القتال والامتناع عن الحرب. وتضمنت هذه الهدنة عدة بنود، منها أن يقف الإيطاليون عند النقط التي كانوا يحتلونها، وأن يبقى على المحاكم الشرعية، وأن تفتح المدارس العملية والمهنية في برقة، وأن تعيد إيطاليا الزوايا السنوسية والأراضي التابعة لها، وأن تعفى من الضرائب، وفي مقابل ذلك يتعهد السنوسيون بتسريح جنودهم وتجريد القبائل من السلاح.
غير أن بنود هذه الهدنة لم تجد من ينفذها، فعاود الطرفان المفاوضات من جديد وعقدا اتفاقا جديدا سنة (1339 هـ/ 1920 م) عرف باتفاق ˝الرجمة˝ بموجبه قسمت برقة إلى قسمين: شمالي، وفيه السواحل وبعض الجبل الأخضر، ويخضع للسيادة الإيطالية، وجنوبي، ويشمل: الجغبوب، وأوجلة، وجالوا، والكفرة، ويكون إدارة مستقلة هي الإمارة السنوسية، ويتمتع محمد إدريس بلقب ˝أمير˝ مع حفظ حقه في التجول في جميع أنحاء برقة، ويتدخل في إدارة المنطقة الإيطالية متى شعر أن مصلحة أهالي البلاد تتطلب ذلك، وفي الوقت نفسه تعهد الأمير بأن يحل قواته العسكرية، على أن يحتفظ بألف جندي فقط يستخدمهم في شئون الإدارة وحفظ النظام.
إدريس زعيما للبلاد
محمد إدريس السنوسي.
لم تنجح هذه الاتفاقيات في تهدئة الأوضاع في البلاد وتوفير الاستقرار، وكانت أصابع إيطاليا وراء زرع بذور الشقاق في البلاد، وأدرك العقلاء أنه لا بد من توحيد الصف لمواجهة الغازي المحتل فعقد مؤتمر في ˝غريان˝ حضره زعماء الحركة الوطنية من قادة الجهاد في طرابلس، وذلك في (ربيع الأول 1339 هـ=نوفمبر 1920 م)، واتخذ فيه القرار التالي: ˝إن الحالة التي آلت إليها البلاد لا يمكن تحسينها إلا بإقامة حكومة قادرة ومؤسسة على ما يحقق الشرع الإسلامي من الأصول بزعامة رجل مسلم منتخب من الأمة، لا يعزل إلا بحجة شرعية وإقرار مجلس النواب، وتكون له السلطة الدينية والمدنية والعسكرية بأكملها بموجب دستور تقره الأمة بواسطة نوابها، وأن يشمل حكمه جميع البلاد بحدودها المعروفة˝.
وقد انبثق عن هذا المؤتمر هيئة الإصلاح المركزية، قامت سنة (1341 هـ= 1922) بمبايعة إدريس السنوسي أميرا للقطرين طرابلس وبرقة، وذلك من أجل توحيد العمل في الدفاع عن البلاد، والجهاد ضد المحتلين.
وكان قبول السنوسي لهذه البيعة وتوحيد الجهود هو ما تخشاه إيطاليا، وأدرك السنوسي بقبوله هذا أن إيطاليا لا بد أن تضمر الشر، وأنه صار هدفا، فذهب إلى مصر لمواصلة الجهاد من هناك، تاركا عمر المختار يقود حركة المقاومة فوق الأراضي الليبية، وكانت القضية الليبية تلقى عونا وتعاطفا من جانب المصريين.
وبعد أن استولى الفاشيون على الحكم في إيطاليا سنة (1341 هـ / 1922 م) اشتدت وطأة الاحتلال في ليبيا، وعادت المذابح البشرية تطل من جديد، واستولى المحتلون على الزوايا السنوسية وأعلنوا إلغاء جميع الاتفاقات التي عقدتها الحكومة الإيطالية مع السنوسيين، وكان من نتيجة ذلك أن اشتعلت حركة الجهاد، وكلما عجز المحتلون على وقف المقاومة أمعنوا في أساليب الإبادة، والإفناء ومحاربة اللغة العربية والإسلام، والعمل على تنصير المسلمين.
السنوسي في مصر
وبعد أن استقر إدريس السنوسي في القاهرة أصبحت حركته محدودة بعد أن فرض عليه الاحتلال البريطاني في مصر عدم الاشتغال بالسياسة، وكان من حين إلى آخر يكتب في الصحف المصرية حول قضية بلاده.
ولم اشتعلت الحرب العالمية الثانية نشط إدريس السنوسي وعقد اجتماعا في داره بالإسكندرية حضره ما يقرب من 40 شيخا من المهاجرين الليبيين، وذلك في (6 من رمضان 1359 هـ / 20 أكتوبر 1939 م) وانتهى الحاضرون إلى تفويض الأمير في أن يقوم بمفاوضة الحكومة المصرية والحكومة البريطانية لتكوين جيش سنوسي، يشترك في استرجاع الوطن بمجرد دخول إيطاليا الحرب ضد الحلفاء.
وبدأ الأمير في إعداد الجيوش لمساندة الحلفاء في الحرب، وأقيم معسكر للتدريب في إمبابة بمصر بلغ المتطوعون فيه ما يزيد عن 4 آلاف ليبي وكانو من الليبيين المهاجرين بمصر من أبناء القبائل الليبية المهاجرة بمصر من الرماح وأولاد علي والسننة والحرابي وبدعم من الجبالية بمصر والبراعصة أولاد خضرة والجوازي وعيت فايد والزعيرات (العبيدات) والسمالوس والجبيهات وحبون والإشراف وغيرهم من قبائل برقة المهاجرة الي مصر من ظلم الاتراك العثمانيين ومن ثم الإيطاليين لتشكيل ˝الجيش السنوسي˝ بمعونة الجنرال الإنجليزي ˝ميتلاند ولسون˝ وكانوا فيما بعد عونا كبيرا للحلفاء في حملاتهم ضد قوى ˝المحور˝ في شمال أفريقيا، وساهموا مساهمة فعلية في الحرب، بالإضافة إلى ما قدمه المدنيون في ليبيا والقبائل الليبية بمصر من خدمات كبيرة للجيوش المحاربة ضد إيطاليا لتحرير ليبيا من إيطاليا ولاحقا بعد وقوع الالاف من الليبين بالاسر وتم نقلهم الي شرق قناة السويس قام بزيارتهم الأمير ادريس ويرافقة اعيان القبائل الليبية المهاجرة بمصر وانضم البرقاويين الي جيش السنوسي اما الاخرين فقد اثروا السلامة وتغير اسم الجيش الي جيش التحرير.
...
السيّد عُمر بن مُختار بن عُمر المنفي الهلالي (20 أغسطس 1858الموافق 10 محرم 1275هـ 16 سبتمبر 1931 الموافق 3 جمادى الأولى 1350هـ)، الشهير بعُمر المُختار، المُلقب بشيخ الشهداء، وشيخ المُجاهدين، وأسد الصحراء، هو قائد أدوار السنوسية في ليبيا، وأحد أشهر المقاومين العرب والمُسلمين. ينتمي إلى بيت فرحات من قبيلة منفة الهلالية التي تنتقل في بادية برقة.
حارب عُمر المُختار الطليان ˝الإيطاليين˝ مذ كان عمره 53 عامًا لأكثر من عشرين عامًا في عدد كبير من المعارك، إلى أن قُبض عليه من قِبل الجنود الطليان، وأُجريت له محاكمة صوريّة انتهت بإصدار حكم بإعدامه شنقًا، فنُفذت فيه العقوبة على الرغم من أنه كان كبير السن ومريضًا، فقد بلغ في حينها 73 عامًا وعانى من الحمّى. وكان الهدف من إعدام عمر المُختار إضعاف الروح المعنويَّة للمقاومين الليبيين والقضاء على الحركات المناهضة للحُكم الإيطالي، لكن النتيجة جاءت عكسيَّة، فقد ارتفعت حدَّة الثورات، وانتهى الأمر بأن طُردت القوات الإيطالية من البلاد.
حصد عُمر المُختار إعجاب وتعاطف الكثير من الناس أثناء حياته، وأشخاص أكثر بعد إعدامه، فأخبار الشيخ الطاعن في السن الذي يُقاتل في سبيل بلاده ودينه استقطبت انتباه الكثير من المسلمين والعرب الذين كانوا يعانون من نير الاحتلال الأوروبي في حينها، وحثّت المقاومين على التحرّك، وبعد وفاته حصدت صورته وهو مُعلّقٌ على حبل المشنقة تعاطف أشخاص أكثر، من العالَمَين الشرقي والغربي على حد سواء، فَكَبُرَ المُختار في أذهان الناس وأصبح بطلًا شهيدًا. رثا عدد من الشُعراء المُختار بعد إعدامه، وظهرت شخصيَّته في فيلم من إخراج مصطفى العقَّاد من عام 1981 حمل عنوان ˝أسد الصحراء˝، وفيه جسَّد الممثل المكسيكي الأمريكي أنطوني كوين دور عُمر المُختار.
في الساعة الخامسة مساءً في 15 سبتمبر 1931 جرت محاكمة عمر المختار التي أعد لها الطليان مكان بناء برلمان برقة القديم، وكانت محاكمة صورية شكلًا وموضوعًا، إذ كان الطليان قد أعدوا المشنقة وانتهوا من ترتيبات الإعدام قبل بدء المحاكمة وصدور الحكم على المختار، ويبدو ذلك جليًّا من خلال حديث غراتسياني مع المختار خلال مقابلتهما، حين قال له: «إني لأرجو أن تظل شجاعًا مهما حدث لك أو نزل بك»، فأجابه المختار: «إن شاء الله».
جيء بعمر المختار إلى قاعة الجلسة مكبلًا بالحديد، وحوله الحرس من كل جانب، وأُحضر أحد التراجمة الرسميين ليتولّى الترجمة للمختار وللقضاة، فلمَّا افتتحت الجلسة وبدأ استجواب المختار، بلغ التأثر بالترجمان، حدًا جعله لايستطيع إخفاء تأثره وظهر عليه الارتباك، فأمر رئيس المحكمة باستبعاده وإحضار ترجمان آخر فوقع الاختيار على أحد اليهود من بين الحاضرين في الجلسة، فقام بدور المترجم، وكان عمر المختار جريئًا صريحًا، يصحح للمحكمة بعض الوقائع، خصوصًا حادث الطيارين الإيطاليين أوبر وبياتي، الذين أسرهما المجاهدون قبل ذلك. وبعد استجواب المختار ومناقشته، وقف المدعي العام بيدندو، فطلب الحكم على عمر المختار بالإعدام. وكان لحضور المختار في المحكمة أمام خصومه أثرٌ في نفوسهم، فرؤية شيخ طاعن في السن مُكبَّل بالسلاسل، صريحٌ وشجاع عندما يتكلم، كان لها وقعٌ على الكثير من الحاضرين، ولعلَّ أبرز ما يُظهر ذلك هو أنه عندما جاء دور المحامي المعهود إليه بالدفاع عن المختار، وكان ضابطًا إيطاليًّا شابًا من رتبة نقيب يُدعى روبرتو لونتانو، حاول أن يُبقي على حياة المختار، فطالب بالحكم عليه بالسجن المؤبَّد نظرًا لشيخوخته وكِبر سنّه، متحججًا بأنَّ هذا عقاب أشد قساوةً من الإعدام. غير أنَّ المدعي العام، تدخل وقطع الحديث على المحامي وطلب من رئيس المحكمة أن يمنعه من إتمام مرافعته مستندًا في طلبه هذا إلى أنَّ الدفاع خرج عن الموضوع، وليس من حقه أن يتكلم عن كبر سن عمر المختار وشيخوخته ووافقت المحكمة. عندئذٍ وقف المحامي وقال: «إنَّ هذا المُتهم الذي انتدبت للدفاع عنه: إنما يُدافع عن حقيقة كلّنا نعرفها، وهي الوطن الذي طالما ضحينا نحن في سبيل تحريره، إنَّ هذا الرجل هو ابن لهذه الأرض قبل أن تطأها أقدامكم، وهو يعتبر كل من احتلها عنوة عدوًا له، ومن حقه أن يُقاومه بكل ما يملك من قوَّة، حتى يُخرجه منها أو يهلك دونها، إن هذا حق منحته إياه الطبيعة والإنسانية.. إنَّ العدالة الحقة لا تخضع للغوغاء وإني آمل أن تحذروا حكم التاريخ، فهو لا يرحم، إنَّ عجلته تدور وتسجّل ما يحدث في هذا العالم المضطرب». وهنا كثر الضجيج ضدَّ المحامي ودفاعه، لكنه استمر بالكلام والدفاع عن المختار، فقام النائب العام ليحتج، فقاطعه القاضي برفع الجلسة للمداولة، وبعد مضي فترة قصيرة من الانتظار دخل القاضي والمستشاران والمدعي العام بينما المحامي لم يحضر لتلاوة الحكم القاضي بإعدام عمر المختار شنقًا حتى الموت، وعندما تُرجم الحكم إلى عمر المختار اكتفى بالقول: «إنَّ الحكم إلّا لله.. لا لحكمكم المُزيَّف.. إنَّا لله وإنَّا إليه راجعون».
في صباح اليوم التالي للمحاكمة، أي الأربعاء في 16 سبتمبر 1931، اتُخذت جميع التدابير اللازمة بمركز سلوق لتنفيذ الحكم بإحضار جميع أقسام الجيش والميليشيا والطيران، وأُحضر 20 ألف من الأهالي وجميع المُعتقلين السياسيين خصيصًا من أماكن مختلفة لمشاهدة تنفيذ الحكم في قائدهم. وأُحضر المُختار مُكبَّل الأيادي وفي تمام الساعة التاسعة صباحًا سُلَّم إلى الجلّاد، وبمجرد وصوله إلى موقع المشنقة أخذت الطائرات تحلق في الفضاء فوق ساحة الإعدام على انخفاض، وبصوت مدوّي لمنع الأهالي من الاستماع إلى عمر المختار إذا تحدث إليهم أو قال كلامًا يسمعونه، لكنه لم ينبس بكلمة، وسار إلى منصة الإعدام وهو ينطق الشهادتين، وقيل عن بعض الناس الذين كان على مقربة منه انه كان يؤذن في صوت خافت آذان الصلاة عندما صعد إلى الحبل، والبعض قال أنه تمتم بالآية القرآنية: Ra bracket.png يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ Aya27.png ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً Aya28.png La bracket.png، وبعد دقائق كان قد عُلّق على المشنقة وفارق الحياة.
سبق إعدام المختار أوامر شديدة الحزم بتعذيب وضرب كل من يبدي الحزن أو يظهر البكاء عند تنفيذ الحكم، فقد ضرب جربوع عبد الجليل ضربًا مبرحًا بسبب بكائه عند إعدام عمر المختار. ولكن علت أصوات الاحتجاج ولم تكبحها سياط الطليان، فصرخت فاطمة داروها العباريَّة وندبت فجيعة الوطن عندما علا المختار مشنوقًا، ووصفها الطليان ˝بالمرأة التي كسرت جدار الصمت˝. يقول الدكتور العنيزي: «لقد أرغم الطليان الأهالي والأعيان المُعتقلين في معسكرات الاعتقال والنازلين في بنغازي على حضور المحاكمة، وحضور التنفيذ وكنت أحد أولئك الذين أرغمهم الطليان على المحاكمة، ولكني وقد استبد بي الحزن شأني في ذلك شأن سائر أبناء جلدتي، لم أكن أستطيع رؤية البطل المجاهد على حبل المشنقة فمرضت، ولم يعفني الطليان من حضور التنفيذ في ذلك اليوم المشؤوم، إلا عندما تيقنوا من مرضي وعجزي عن الحضور».
حاولت إيطاليا الاستفادة من مقتل عمر المختار، فعملت على استمالة المجاهدين إليها وإقناعهم إنَّ المقاومة لا فائدة تُرجى منها بعد أن سقط الرأس المُدبّر، لكن المجاهدين أبوا واجتمعوا وانتخبوا الشيخ يوسف بورحيل المسماري قائدًا للجهاد الإسلامي ووكيلًا عامًا للجهاد. وعلى أثر هذا التنصيب كلَّف الشيخ عبد الحميد العبَّار بالرحيل نحو شرق البلاد للقيام بحث الناس على الانخراط في جيش المجاهدين وحمل السلاح لمكافحة الجيوش والجهاد في سبيل العقيدة الإسلامية والدين. ولم يكن لمقتل المختار الأثر الذي توقعه الطليان، فلم يخف عزمهم أو يتلاشى، بل ازدادوا تصميمًا على القتال وتحرير البلاد من المحتل الأجنبي، فواصلت الحكومة الإيطالية حملات الانتقام ضدهم، حتى كانت الموقعة الحاسمة عند الحدود المصريَّة قرب الأسلاك الشائكة، فاجتاز الأسلاك بعض المجاهدين وقتل منهم عدد وأُسر عدد آخر، ولم يبقى إلّا الشيوخ القادة الأربعة، وهم: عبد الحميد العبَّار ويوسف بورحيل وعصمان الشامي وحمد بوخير الله. فقُتل الأخير ويوسف بورحيل وجُرح عصمان الشامي فأخذ أسيرًا، وأما عبد الحميد العبَّار فاستطاع أن يجتاز الأسلاك الشائكة بجواده نحو مصر. وبهذه النهاية انكسرت شوكة المجاهدين وتعثرت خطواتهم وأخمدت حركة الجهاد في ليبيا، واستتب الأمر لإيطاليا حتى حين، فعملت على خلق هويَّة جديدة للبلاد وحاربت الإسلام بعدة وسائل طيلة 11 عامًا، لكنها سرعان ما انشغلت بنشوب الحرب العالمية الثانية، التي خرجت منها خاسرة بعد بضع سنوات، وانسحبت كليًّا من ليبيا بتاريخ 7 أبريل عام 1943 . ❝
❞ ليبيا مازالت تتكلم العربية بالرغم من عشرات الغزاة الذين حاولو فرض لغاتهم بالسيف و المدفع و هي مسألة تدعو للتأمل فالعرب أتوا غزاة هم الآخرين و أتوا بالسيف و مع ذلك تقبلتهم ليبيا مفتوحة الذراعيين و تشربت لغتهم وحضارتهم ثم تحولت إلى مدافعة عن العرب و العربية أكثر من العرب الأوائل الذين غزوها. ❝ ⏤مصطفى محمود
❞ ليبيا مازالت تتكلم العربية بالرغم من عشرات الغزاة الذين حاولو فرض لغاتهم بالسيف و المدفع و هي مسألة تدعو للتأمل فالعرب أتوا غزاة هم الآخرين و أتوا بالسيف و مع ذلك تقبلتهم ليبيا مفتوحة الذراعيين و تشربت لغتهم وحضارتهم ثم تحولت إلى مدافعة عن العرب و العربية أكثر من العرب الأوائل الذين غزوها . ❝
❞ المليونير الكبير الذي يموت . . جمع حوله أولاده الأربعة و راح يُملي على أكبرهم وصيته الأخيرة التي سينسخ بها جميع وصاياه السابقة .
إنه يُملي بصوت متهدج ، و الأولاد قد فتحوا أفواههم من الدهشة و كأنما يستمعون إلى شخص آخر غير أبيهم الذي عرفوه .
قال الرجل في صوت مهدم :
_ هناك مليون دولار ستوزع عليكم بالتساوي أما السبعة ملايين دولار الباقية ، فوصيتي أن تُبنَى بها مدارس و مستشفيات و ملاجيء و دار مسنين و معهد لتعليم الحِرَف . و على الأخ الأكبر إنشاء هذه المؤسسات الخيرية و إدارتها و رعايتها لتكون صدقة جارية ينتفع بها اليتيم و المريض و المحتاج .
و ارتفع صوت الإبن الصغير معترضاً :
_ و لكن يا أبي لا أحد منا له خبرة بهذه الأشياء .
و استمر الأب يُملي بصوته المتهدج :
_ و الإثنين مليون دولار في الخزينة .. يبنى بها مسجد و مستوصف و مقرأه للقرآن .
و تلفت الأبناء كل واحد يتصفح وجه الآخر في استغراب ، و عاد صوت الإبن الأصغر ليعترض :
_ليس هذا ما تعلمنا منك خلال حياتنا معك .. لقد ربيتنا على أعمال أخرى .. و الآن تفاجئنا بدور جديد لا نستطيع أن نقوم به . أنت في حياتك لم تدخل مسجداً و لم تصل ركعة و لم تفتح مصحفاً .. و لم تعط مليماً لمحتاج .. و لم تحدثنا حرفاً واحداً عن الدين أو الخير .. و كل ما تعلمناه منك هو كيف نستلم البضاعة من قبرص و ندخل بها مُهرَّبة إلى مصر .. و كيف نوزعها على الأعوان .. و كيف نقود اللنشات السريعة و عربات النقل و المقطورات و الهليكوبتر ، و كيف نستعمل البنادق السريعة الطلقات و القنابل اليدوية و مدافع الهاون عند اللزوم .. و كيف نحول المائة جنيه إلى مليون و لو قتلنا في سبيل ذلك كل رجال خفر السواحل .. علمتنا ألا نخاف أي شيء و ألا نعبأ بحاكم و لا بمحكوم و لا بحكومة .. و أن كل الذمم يمكن شراؤها و أن الذمة التي لا تقبل المائة سوف تقبل الألف ، و التي لا تقبل الألف سوف تقبل المليون .. و أنه لا يوجد كبير يتكبر على المال .. و أن كل الناس حشرات يمكن اصطيادها بالعسل .. و من لا يقع في العسل يقع في السم .. و أن العالم غابة لا أمان فيها .. و أن الشعار الوحيد الذي يصلح للتعامل في هذه الغابة .. هو .. أُقتُل قبل أن تُقْتَل .
هذا ما علمتنا إياه و لا نرى جديداً قد جد حتى تقول لنا كلاماً آخر .
_ الجديد أني أموت .. أنا أبوكم يموت .. و غداً أصبح رمة يأكلها الدود . تراباً لا يختلف كثيراً عن التراب الذي تطأونه بنعالكم .
_ هذا ليس أمراً جديداً عليك . فقد كنت ترى الموت حولك كل يوم يختطف أعوانك .. واحداً بعد آخر .. و كنت تمشي بنفسك في جنازاتهم ، و كنت أحياناً تقتلهم . أنت الذي كنت تقتلهم بيدك .. أو تصدر الأمر بقتلهم بنفس اللسان الذي يملي علينا الآن هذا الكلام عن بناء المساجد و الملاجيء و دور الأيتام و المقاريء .
_ لأن هذه المرة أنا الذي أموت .. أنا الذي دوَّخ أجهزة الأمن في مصر و الشام و العراق و تونس و الجزائر و إيطاليا و ألمانيا و اليونان .. أنا الشبح الذي لم يكن أحد يستطيع أن يضع يده عليه .. أنا اليوم معتقل بالشلل و العمى و بكرسي لا أستطيع أن أبارحه .. و أنا أنزف الدم من أمعائي و أموت ببطء .. و أصحو و أعود إلى الغيبوبة .
و الدقائق التي تبقت لي قليلة معدودة . لقد كنت أصنع الموت للألوف .. هذا صحيح . و لكن رؤية الموت تختلف كثيراً عن تذوقه .
الفارق كبير .. و أنا لا أريدكم أن تذوقوه كما أذوقه .. لابد أن يتغير كل شيء .. لقد أخطأت يا أولادي .. أخطأت بفظاعة ربما اكتشفت خطي بعد فوات الأوان .. و لكن هذا لا يغير شيئاً من النهاية .. إن الخطأ هو الخطأ .. اسمعوا .. هذه الوصية الجديدة هي التي يجب أن تنفَّذ .. هذا أمر .
و حاول أن يخرِج الطبنجة من جيبه . فلم يستطع .. و طلب من ابنه الكبير أن يناوله الطبنجة .
و مد الإبن الكبير يده في جيب أبيه و أخرج الطبنجة و ناولها له .. فأمسكها الأب في إعزاز و راح يلوح بها و أصابعه على الزناد ، ثم ناولها لإبنه الكبير قائلاً :
_ من يخالف هذه الوصية أطلق عليه النار و لو كان أخاك .. هذا آخر أمر .. هذا آخر أمر لي في هذه الدنيا . اقتل . اقتل .. بلا تردد أي إرادة تقف في سبيل هذه الوصية .. هذه الأموال في البنوك و في الخزائن ليست ملكي لترثوها .. إنها سرقات .. لا تكفير لها إلا أن تبني كما هدمت و تصنع من الحياة بقدر ما أعدمت .
_ و العمارات :
قالها الإبن الأصغر بصوت مرتجف .
_ تباع في مزادات و يصنع بثمنها نفس الشيء
_ و كازينو القمار .. و أوبرج ميلانو .. و شركات بيع السلاح في لندن .. و شقة باريس و فيللا جنيف .. و شاليهات فلوريدا .
_ تباع كلها . لا نصيب لأحد فيها .. و لا يد لأحد عليها .. و لا تؤول لأحد منكم .. إنها ملكي وحدي و أنا وهبتها لنفس الأغراض .. و ثمنها يكفي لإنشاء جامعة .
_ و نحن ماذا يبقى لنا و كيف نعيش ؟!
_ إن المليون دولار التي ستقسمونها بينكم . تساوي أربعة ملايين جنيه مصري .. أي مليون جنيه مصري لكل واحد فيكم .. و هي بداية تكفي لأن يبدأ كل منكم حياة شريفة ..
و بدت كلمة الشرف غريبة و هي تخرج من فم " الضبع " صاحب أكبر عصابة مخدرات في الشرق الأوسط ، و بدا لها رنين غريب في جو الصمت و الرهبة مما جعل كل ابن يتلفت في وجه أخيه و يقلب شفتيه ، في انتظار معجزة .
و كانت المفاجأة مرعبة .. فقد سحب الضبع الطبنجة من يد الإبن الكبير و لوح بها في وجوههم و أطلق الرصاص في الهواء .. و في كل اتجاه .. مما جعلهم يتقافزون في رعب و يلتصقون بالجدران بينما تهدج صوت الرجُل و هو ينطق :
_ هذا آخر أمر .. آخر أمر لي قبل أن أموت و لابد أن ينفذ .
و اختنق صوته و انطلق يلهث .
ثم سكن فجأة و سقط رأسه على صدره و لفظ آخر أنفاسه في صمت .
و أطبقت لحظة ثلجية من الذهول و الرعب على الجميع .. لا حركة .. و لا صوت .. و لا شيء سوى أنفاس مرتجفة و نبضات مضطربة و نظرات زائغة ، ثم بدأ الإبن الأصغر يتحرك و يسعل و يلوح بيديه في الهواء و لا يجد كلاماً
ثم ما لبث أن جمع أشتات نفسه ثم انفجر قائلاً :
_ لقد فعل كل شيء ، لم يترك جريمة لم يرتكبها ، لم يدع لذة لم ينتهبها ، لم يدع امرأة لم يغتصبها ، لم يدع شراً لم يقارفه ، لم يدع رذيلة لم يلهث خلفها .. و الآن و في آخر لحظة حينما فقد القوة على عمل أي شيء ، و حينما فقد الأمل في أي متعة و فقد القدرة على أي لذة .. الآن فقط يقرر أن يبعثر كل أمواله و يحرمنا منها لأنه أصبح ولياً من أولياء الله شغله الشاغل بناء المساجد و مقارئ القرآن و الملاجئ و بيوت الأيتام ، شيء غير مفهوم .
_ الدكتور الذي كشف عليه بالأمس قال أنه قد أصابه ضمور في المخ .
_ هي أعراض هذيان بلا شك .
_ إنه يخرج من غيبوبة ليعود إلى غيبوبة . و لا يمكن أن يؤخذ كلامه مأخذ الجد .
قال الإبن الكبير في هدوء مريب :
_ و لماذا لا يؤخذ كلامه على أنه توبة حقيقية ؟!
فأجاب الإبن الأصغر في عصبية :
_ توبة رجل مشلول فقد القدرة على كل شيء .. لا يمكن أن تكون توبة حقيقية .
قال الإبن الأوسط مؤيداً :
_ فعلاً . التوبة عن الذنب لا تكون مفهومة إلا من رجل قادر على الذنب .. فهو يقلع عن ذنبه بإرادته و اختياره .. أما فاقد الإرادة و فاقد الاختيار و فاقد القدرة .. فهو كذاب إذا ادعى فضيلة .. و إذا ادعى توبة .
قال الإبن الكبير بنفس النبرة الهادئة :
_ التوبة مسألة نية . و لا يحكم على صدق النيات إلا الله .. و ليس من حقنا أن نكذب الرجل فلا أحد منا يطلع على قلبه .
_ إن قلبه بلون القطران . حياته كلها تقول هذا
قال الإبن الأصغر :
_ إن حالته مثل حالة رجل تاب عن نزول البحر حينما فقد القدرة على السباحة
فأجاب الإبن الأكبر :
_ لا يمكن أن تتهمه بالكذب إلا إذا استعاد قدرته على السباحة و لم ينفذ وعده .. و نفس الشيء .. لا يمكن أن نتهم أبانا بالكذب إلا إذا استعاد حياته و استعاد صحته .. ثم عاود جرائمه .. و لم ينفذ وعده .. و هو مالا سبيل إلى معرفته .
_ ماذا تعني ؟
_ أعني أن الوصية واجبة .. و لا سبيل إلى الطعن عليها .. و سوف أحرص على تنفيذها : و أخرج طبنجته و وضعها على المائدة مُردِفاً :
_ و على من يقف في وجه إرادة الميت .. أن يستعد ليلحق به .
و قفز الإبن الأصغر مرتاعاً و هو يردد في دهشة :
_ هل جننت .. هل فقدت عقلك .. هل صدقت هذا المعتوه ؟!
و خرجت من الأخوين الآخرين تمتمات مرتعشة :
_ هل نحرم أنفسنا من مائة مليون جنيه لمجرد نزوة توبة خرجت من دماغ مشلول .
و نظر إليه الإبن الأكبر نظرة ثلجية و أجاب في بطء ثقيل :
_ و منذ متى كنا نلجأ إلى القضاء أو نحتكم إلى القانون أو نأخذ برأي العدل .
_ لم تعد هناك وصية .. انتهى كل شيء .
فأردف الإبن الأكبر في نبرة كرنين الفولاذ :
_ أنا الوصية .. و أنا القانون .. و أنا العدل .
و فجأة و في حركة غير محسوبة ، أخرج الإبن الأصغر مسدسه و أطلق رصاصة على أخيه الأكبر أصابت كتفه . و جاء الرد فورياً من الطبنجة في يد الأخ الأكبر سيلاً من الطلقات .. و انبطح الأخوة أرضاً يتبادلون الرصاص .
و أسفرت المذبحة عن ثلاثة قتلى و أفلت الأخ الأصغر من الموت .. ليسرع الخطى إلى الخزينة .. و إلى مخاب الدولارات في الجدران .. يفرغ كل شيء في حقيبة كبيرة و ليقفز بها إلى عربته المرسيدس و ليدوس على البنزين بأقصى سرعة و قد بسط أمامه خريطة كبيرة .. و راح ينظر فيها .. باحثاً عن خط سير مأمون إلى الصحراء الليبية عبر الحدود .. كانت ليبيا بعد فتح الحدود و إزالة الجمارك هي أكثر الأهداف أمناً .
و لم يتردد .
و أطلق لسيارته العنان و قد راوده الشعور بالأمن لأول مرة بعد ليلة عاصفة .. لم يكن يفكر في أي شيء .. و لم يكن نادماً على أي شيء .
كان يشعر بنفسه فقط .
و هكذا عاش دائماً لا يفكر إلا في نفسه و في لحظته .
و كان يؤمن بالحكمة التي علمها له أبوه .. أن كل الناس حشرات يمكن إصطيادها بالعسل . و من لا يقع منها في العسل يقع في السم .
و لم يحدث أن شعر مرة واحده بروابط العائلة أو صلة الدم .. و ما كان أبوه و اخوته إلا مجرد وسائل للثراء السريع و جمع الدولارات .. مجرد أعضاء عصابة يجتمعون و ينفضون على خطط القتل و الإجرام .. و يعود كل واحد آخر الليل إلى بيته لينام بلا ذرة ندم .
الشمس تغرب و ساعات أخرى بطيئة ثقيلة و مؤشر البنزين يقترب من الصفر و اللمبة الحمراء تضيء .
الخريطة تقول أن ما تبقى لبلوغ الحدود قليل ، ربما عشرة كيلومترات .. فإنه يستطيع أن يحمل حقيبته و يمشي الباقي على قدميه .. و ساعات أخرى قلقة متوترة .
و تتوقف العربة كخنزير أسود في صحراء حالكة الظلمة .
و يحمل حقيبته و ينزل .. ليمشي و قد وضع الخريطة في جيبه .
ساعة أخرى .. ساعتان .. ثلاث ساعات .. و تتهاوى ساقاه و يتكوم فينام على تل من الرمال الناعمة .. فاقد الوعي تماماً .
و ما تكاد تمر دقائق حتى ينتفض من لدغة تلسعه كالنار .
بطرف عينيه يرى ثعبان الطريشة يعود أدراجه ليغوص في الرمل بعد أن فعل فعلته .
إنه يعلم ماذا ستفعل به لدغة الطريشة من ثعبان بهذا الحجم الذي رآه .
لا أمل إنتهى كل شيء .
و زحف على بطنه ليفتح الحقيبة و يلقي نظرة أخيرة على ملايين الدولارات المكدسة . و بدأ السم يسري في دمه ليصل إلى مركز التنفس و يصيب عضلات التنفس بالشلل .
و بدأ صوته يتحشرج و يحتضر و يسلم الروح .
و هبت دوامة عاتية من الرمال بعثرت محتويات الحقيبة لتنتشر على مساحة شاسعة من الصحراء و تبعثر أكوام الدولارات إلى هباء .. أمام عينين تخمدان .
و مات آخر أبناء عائلة الضبع .
و عرف أخـيراً الفرق بيـن .. رؤيـــة المـــوت و بيـن تـذوقــه ..
و كـم كـان الفــارق كبيـــراً ...
..
قصة / نهاية الشبح .
من كتاب / الذين ضحكوا حتى البكاء
للدكتور / مصطفى محمود (رحمه الله). ❝ ⏤مصطفى محمود
❞ المليونير الكبير الذي يموت . . جمع حوله أولاده الأربعة و راح يُملي على أكبرهم وصيته الأخيرة التي سينسخ بها جميع وصاياه السابقة .
إنه يُملي بصوت متهدج ، و الأولاد قد فتحوا أفواههم من الدهشة و كأنما يستمعون إلى شخص آخر غير أبيهم الذي عرفوه .
قال الرجل في صوت مهدم :
_ هناك مليون دولار ستوزع عليكم بالتساوي أما السبعة ملايين دولار الباقية ، فوصيتي أن تُبنَى بها مدارس و مستشفيات و ملاجيء و دار مسنين و معهد لتعليم الحِرَف . و على الأخ الأكبر إنشاء هذه المؤسسات الخيرية و إدارتها و رعايتها لتكون صدقة جارية ينتفع بها اليتيم و المريض و المحتاج .
و ارتفع صوت الإبن الصغير معترضاً :
_ و لكن يا أبي لا أحد منا له خبرة بهذه الأشياء .
و استمر الأب يُملي بصوته المتهدج :
_ و الإثنين مليون دولار في الخزينة .. يبنى بها مسجد و مستوصف و مقرأه للقرآن .
و تلفت الأبناء كل واحد يتصفح وجه الآخر في استغراب ، و عاد صوت الإبن الأصغر ليعترض :
_ليس هذا ما تعلمنا منك خلال حياتنا معك .. لقد ربيتنا على أعمال أخرى .. و الآن تفاجئنا بدور جديد لا نستطيع أن نقوم به . أنت في حياتك لم تدخل مسجداً و لم تصل ركعة و لم تفتح مصحفاً .. و لم تعط مليماً لمحتاج .. و لم تحدثنا حرفاً واحداً عن الدين أو الخير .. و كل ما تعلمناه منك هو كيف نستلم البضاعة من قبرص و ندخل بها مُهرَّبة إلى مصر .. و كيف نوزعها على الأعوان .. و كيف نقود اللنشات السريعة و عربات النقل و المقطورات و الهليكوبتر ، و كيف نستعمل البنادق السريعة الطلقات و القنابل اليدوية و مدافع الهاون عند اللزوم .. و كيف نحول المائة جنيه إلى مليون و لو قتلنا في سبيل ذلك كل رجال خفر السواحل .. علمتنا ألا نخاف أي شيء و ألا نعبأ بحاكم و لا بمحكوم و لا بحكومة .. و أن كل الذمم يمكن شراؤها و أن الذمة التي لا تقبل المائة سوف تقبل الألف ، و التي لا تقبل الألف سوف تقبل المليون .. و أنه لا يوجد كبير يتكبر على المال .. و أن كل الناس حشرات يمكن اصطيادها بالعسل .. و من لا يقع في العسل يقع في السم .. و أن العالم غابة لا أمان فيها .. و أن الشعار الوحيد الذي يصلح للتعامل في هذه الغابة .. هو .. أُقتُل قبل أن تُقْتَل .
هذا ما علمتنا إياه و لا نرى جديداً قد جد حتى تقول لنا كلاماً آخر .
_ الجديد أني أموت .. أنا أبوكم يموت .. و غداً أصبح رمة يأكلها الدود . تراباً لا يختلف كثيراً عن التراب الذي تطأونه بنعالكم .
_ هذا ليس أمراً جديداً عليك . فقد كنت ترى الموت حولك كل يوم يختطف أعوانك .. واحداً بعد آخر .. و كنت تمشي بنفسك في جنازاتهم ، و كنت أحياناً تقتلهم . أنت الذي كنت تقتلهم بيدك .. أو تصدر الأمر بقتلهم بنفس اللسان الذي يملي علينا الآن هذا الكلام عن بناء المساجد و الملاجيء و دور الأيتام و المقاريء .
_ لأن هذه المرة أنا الذي أموت .. أنا الذي دوَّخ أجهزة الأمن في مصر و الشام و العراق و تونس و الجزائر و إيطاليا و ألمانيا و اليونان .. أنا الشبح الذي لم يكن أحد يستطيع أن يضع يده عليه .. أنا اليوم معتقل بالشلل و العمى و بكرسي لا أستطيع أن أبارحه .. و أنا أنزف الدم من أمعائي و أموت ببطء .. و أصحو و أعود إلى الغيبوبة .
و الدقائق التي تبقت لي قليلة معدودة . لقد كنت أصنع الموت للألوف .. هذا صحيح . و لكن رؤية الموت تختلف كثيراً عن تذوقه .
الفارق كبير .. و أنا لا أريدكم أن تذوقوه كما أذوقه .. لابد أن يتغير كل شيء .. لقد أخطأت يا أولادي .. أخطأت بفظاعة ربما اكتشفت خطي بعد فوات الأوان .. و لكن هذا لا يغير شيئاً من النهاية .. إن الخطأ هو الخطأ .. اسمعوا .. هذه الوصية الجديدة هي التي يجب أن تنفَّذ .. هذا أمر .
و حاول أن يخرِج الطبنجة من جيبه . فلم يستطع .. و طلب من ابنه الكبير أن يناوله الطبنجة .
و مد الإبن الكبير يده في جيب أبيه و أخرج الطبنجة و ناولها له .. فأمسكها الأب في إعزاز و راح يلوح بها و أصابعه على الزناد ، ثم ناولها لإبنه الكبير قائلاً :
_ من يخالف هذه الوصية أطلق عليه النار و لو كان أخاك .. هذا آخر أمر .. هذا آخر أمر لي في هذه الدنيا . اقتل . اقتل .. بلا تردد أي إرادة تقف في سبيل هذه الوصية .. هذه الأموال في البنوك و في الخزائن ليست ملكي لترثوها .. إنها سرقات .. لا تكفير لها إلا أن تبني كما هدمت و تصنع من الحياة بقدر ما أعدمت .
_ و العمارات :
قالها الإبن الأصغر بصوت مرتجف .
_ تباع في مزادات و يصنع بثمنها نفس الشيء
_ و كازينو القمار .. و أوبرج ميلانو .. و شركات بيع السلاح في لندن .. و شقة باريس و فيللا جنيف .. و شاليهات فلوريدا .
_ تباع كلها . لا نصيب لأحد فيها .. و لا يد لأحد عليها .. و لا تؤول لأحد منكم .. إنها ملكي وحدي و أنا وهبتها لنفس الأغراض .. و ثمنها يكفي لإنشاء جامعة .
_ و نحن ماذا يبقى لنا و كيف نعيش ؟!
_ إن المليون دولار التي ستقسمونها بينكم . تساوي أربعة ملايين جنيه مصري .. أي مليون جنيه مصري لكل واحد فيكم .. و هي بداية تكفي لأن يبدأ كل منكم حياة شريفة ..
و بدت كلمة الشرف غريبة و هي تخرج من فم " الضبع " صاحب أكبر عصابة مخدرات في الشرق الأوسط ، و بدا لها رنين غريب في جو الصمت و الرهبة مما جعل كل ابن يتلفت في وجه أخيه و يقلب شفتيه ، في انتظار معجزة .
و كانت المفاجأة مرعبة .. فقد سحب الضبع الطبنجة من يد الإبن الكبير و لوح بها في وجوههم و أطلق الرصاص في الهواء .. و في كل اتجاه .. مما جعلهم يتقافزون في رعب و يلتصقون بالجدران بينما تهدج صوت الرجُل و هو ينطق :
_ هذا آخر أمر .. آخر أمر لي قبل أن أموت و لابد أن ينفذ .
و اختنق صوته و انطلق يلهث .
ثم سكن فجأة و سقط رأسه على صدره و لفظ آخر أنفاسه في صمت .
و أطبقت لحظة ثلجية من الذهول و الرعب على الجميع .. لا حركة .. و لا صوت .. و لا شيء سوى أنفاس مرتجفة و نبضات مضطربة و نظرات زائغة ، ثم بدأ الإبن الأصغر يتحرك و يسعل و يلوح بيديه في الهواء و لا يجد كلاماً
ثم ما لبث أن جمع أشتات نفسه ثم انفجر قائلاً :
_ لقد فعل كل شيء ، لم يترك جريمة لم يرتكبها ، لم يدع لذة لم ينتهبها ، لم يدع امرأة لم يغتصبها ، لم يدع شراً لم يقارفه ، لم يدع رذيلة لم يلهث خلفها .. و الآن و في آخر لحظة حينما فقد القوة على عمل أي شيء ، و حينما فقد الأمل في أي متعة و فقد القدرة على أي لذة .. الآن فقط يقرر أن يبعثر كل أمواله و يحرمنا منها لأنه أصبح ولياً من أولياء الله شغله الشاغل بناء المساجد و مقارئ القرآن و الملاجئ و بيوت الأيتام ، شيء غير مفهوم .
_ الدكتور الذي كشف عليه بالأمس قال أنه قد أصابه ضمور في المخ .
_ هي أعراض هذيان بلا شك .
_ إنه يخرج من غيبوبة ليعود إلى غيبوبة . و لا يمكن أن يؤخذ كلامه مأخذ الجد .
قال الإبن الكبير في هدوء مريب :
_ و لماذا لا يؤخذ كلامه على أنه توبة حقيقية ؟!
فأجاب الإبن الأصغر في عصبية :
_ توبة رجل مشلول فقد القدرة على كل شيء .. لا يمكن أن تكون توبة حقيقية .
قال الإبن الأوسط مؤيداً :
_ فعلاً . التوبة عن الذنب لا تكون مفهومة إلا من رجل قادر على الذنب .. فهو يقلع عن ذنبه بإرادته و اختياره .. أما فاقد الإرادة و فاقد الاختيار و فاقد القدرة .. فهو كذاب إذا ادعى فضيلة .. و إذا ادعى توبة .
قال الإبن الكبير بنفس النبرة الهادئة :
_ التوبة مسألة نية . و لا يحكم على صدق النيات إلا الله .. و ليس من حقنا أن نكذب الرجل فلا أحد منا يطلع على قلبه .
_ إن قلبه بلون القطران . حياته كلها تقول هذا
قال الإبن الأصغر :
_ إن حالته مثل حالة رجل تاب عن نزول البحر حينما فقد القدرة على السباحة
فأجاب الإبن الأكبر :
_ لا يمكن أن تتهمه بالكذب إلا إذا استعاد قدرته على السباحة و لم ينفذ وعده .. و نفس الشيء .. لا يمكن أن نتهم أبانا بالكذب إلا إذا استعاد حياته و استعاد صحته .. ثم عاود جرائمه .. و لم ينفذ وعده .. و هو مالا سبيل إلى معرفته .
_ ماذا تعني ؟
_ أعني أن الوصية واجبة .. و لا سبيل إلى الطعن عليها .. و سوف أحرص على تنفيذها : و أخرج طبنجته و وضعها على المائدة مُردِفاً :
_ و على من يقف في وجه إرادة الميت .. أن يستعد ليلحق به .
و قفز الإبن الأصغر مرتاعاً و هو يردد في دهشة :
_ هل جننت .. هل فقدت عقلك .. هل صدقت هذا المعتوه ؟!
و خرجت من الأخوين الآخرين تمتمات مرتعشة :
_ هل نحرم أنفسنا من مائة مليون جنيه لمجرد نزوة توبة خرجت من دماغ مشلول .
و نظر إليه الإبن الأكبر نظرة ثلجية و أجاب في بطء ثقيل :
_ و منذ متى كنا نلجأ إلى القضاء أو نحتكم إلى القانون أو نأخذ برأي العدل .
_ لم تعد هناك وصية .. انتهى كل شيء .
فأردف الإبن الأكبر في نبرة كرنين الفولاذ :
_ أنا الوصية .. و أنا القانون .. و أنا العدل .
و فجأة و في حركة غير محسوبة ، أخرج الإبن الأصغر مسدسه و أطلق رصاصة على أخيه الأكبر أصابت كتفه . و جاء الرد فورياً من الطبنجة في يد الأخ الأكبر سيلاً من الطلقات .. و انبطح الأخوة أرضاً يتبادلون الرصاص .
و أسفرت المذبحة عن ثلاثة قتلى و أفلت الأخ الأصغر من الموت .. ليسرع الخطى إلى الخزينة .. و إلى مخاب الدولارات في الجدران .. يفرغ كل شيء في حقيبة كبيرة و ليقفز بها إلى عربته المرسيدس و ليدوس على البنزين بأقصى سرعة و قد بسط أمامه خريطة كبيرة .. و راح ينظر فيها .. باحثاً عن خط سير مأمون إلى الصحراء الليبية عبر الحدود .. كانت ليبيا بعد فتح الحدود و إزالة الجمارك هي أكثر الأهداف أمناً .
و لم يتردد .
و أطلق لسيارته العنان و قد راوده الشعور بالأمن لأول مرة بعد ليلة عاصفة .. لم يكن يفكر في أي شيء .. و لم يكن نادماً على أي شيء .
كان يشعر بنفسه فقط .
و هكذا عاش دائماً لا يفكر إلا في نفسه و في لحظته .
و كان يؤمن بالحكمة التي علمها له أبوه .. أن كل الناس حشرات يمكن إصطيادها بالعسل . و من لا يقع منها في العسل يقع في السم .
و لم يحدث أن شعر مرة واحده بروابط العائلة أو صلة الدم .. و ما كان أبوه و اخوته إلا مجرد وسائل للثراء السريع و جمع الدولارات .. مجرد أعضاء عصابة يجتمعون و ينفضون على خطط القتل و الإجرام .. و يعود كل واحد آخر الليل إلى بيته لينام بلا ذرة ندم .
الشمس تغرب و ساعات أخرى بطيئة ثقيلة و مؤشر البنزين يقترب من الصفر و اللمبة الحمراء تضيء .
الخريطة تقول أن ما تبقى لبلوغ الحدود قليل ، ربما عشرة كيلومترات .. فإنه يستطيع أن يحمل حقيبته و يمشي الباقي على قدميه .. و ساعات أخرى قلقة متوترة .
و تتوقف العربة كخنزير أسود في صحراء حالكة الظلمة .
و يحمل حقيبته و ينزل .. ليمشي و قد وضع الخريطة في جيبه .
ساعة أخرى .. ساعتان .. ثلاث ساعات .. و تتهاوى ساقاه و يتكوم فينام على تل من الرمال الناعمة .. فاقد الوعي تماماً .
و ما تكاد تمر دقائق حتى ينتفض من لدغة تلسعه كالنار .
بطرف عينيه يرى ثعبان الطريشة يعود أدراجه ليغوص في الرمل بعد أن فعل فعلته .
إنه يعلم ماذا ستفعل به لدغة الطريشة من ثعبان بهذا الحجم الذي رآه .
لا أمل إنتهى كل شيء .
و زحف على بطنه ليفتح الحقيبة و يلقي نظرة أخيرة على ملايين الدولارات المكدسة . و بدأ السم يسري في دمه ليصل إلى مركز التنفس و يصيب عضلات التنفس بالشلل .
و بدأ صوته يتحشرج و يحتضر و يسلم الروح .
و هبت دوامة عاتية من الرمال بعثرت محتويات الحقيبة لتنتشر على مساحة شاسعة من الصحراء و تبعثر أكوام الدولارات إلى هباء .. أمام عينين تخمدان .
و مات آخر أبناء عائلة الضبع .
و عرف أخـيراً الفرق بيـن .. رؤيـــة المـــوت و بيـن تـذوقــه ..
و كـم كـان الفــارق كبيـــراً ...
..
قصة / نهاية الشبح .
من كتاب / الذين ضحكوا حتى البكاء
للدكتور / مصطفى محمود (رحمه الله) . ❝
أبو حفص عمر بن الخطاب العدوي القرشي، المُلقب بالفاروق، هو ثاني الخلفاء الراشدين ومن كبار أصحاب الرسول محمد، وأحد أشهر الأشخاص والقادة في التاريخ الإسلامي ومن أكثرهم تأثيرًا ونفوذًا. هو أحد العشرة المبشرين بالجنة، ومن علماء الصحابة وزهّادهم. تولّى الخلافة الإسلامية بعد وفاة أبي بكر الصديق في 23 أغسطس سنة 634م، الموافق للثاني والعشرين من جمادى الآخرة سنة 13 هـ. كان ابن الخطّاب قاضيًا خبيرًا وقد اشتهر بعدله وإنصافه الناس من المظالم، سواء كانوا مسلمين أو غير مسلمين، وكان ذلك أحد أسباب تسميته بالفاروق، لتفريقه بين الحق والباطل.
هو مؤسس التقويم الهجري، وفي عهده بلغ الإسلام مبلغًا عظيمًا، وتوسع نطاق الدولة الإسلامية حتى شمل كامل العراق ومصر وليبيا والشام وفارس وخراسان وشرق الأناضول وجنوب أرمينية وسجستان، وهو الذي أدخل القدس تحت حكم المسلمين لأول مرة وهي ثالث أقدس المدن في الإسلام، وبهذا استوعبت الدولة الإسلامية كامل أراضي الإمبراطورية الفارسية الساسانية وحوالي ثلثيّ أراضي الامبراطورية البيزنطية. تجلّت عبقرية عمر بن الخطاب العسكرية في حملاته المنظمة المتعددة التي وجهها لإخضاع الفرس الذين فاقوا المسلمين قوة، فتمكن من فتح كامل إمبراطوريتهم خلال أقل من سنتين، كما تجلّت قدرته وحنكته السياسية والإدارية عبر حفاظه على تماسك ووحدة دولة كان حجمها يتنامى يومًا بعد يوم ويزداد عدد سكانها وتتنوع أعراقها.
لقبه ˝الفاروق˝ وكنيته ˝أبو حفص˝، أما كنيته، فقد قيل أن الرسول محمد كنّاه بذلك يوم بدر ويرجع سبب إطلاق المسلمين السنّة لقب ˝الفاروق˝ على عمر ابن الخطاب، لأنه حسب الروايات أنه أظهر الإسلام في مكة وفرّق بين الحق والباطل. وكان الناس يهابونه، فعندما آمن وجاء إلى الرسول في دار الأرقم بن أبي الارقم قال له: «ألسنا على حق؟» قال: «بلى» قال: «والذي بعثك بالحق لنخرجن». وخرج المسلمون في صفين صف يتقدمه حمزة بن عبد المطلب وصف يتقدمه عمر فيعتبرون أن فرق الله به بين الكفر والإيمان. وقيل أول من سماه بذلك النبي محمد. فقد روى ابن عساكر في تاريخ دمشق وأبو نعيم في حلية الأولياء عن ابن عباس أنه قال:
«سألت عمر رضي الله عنه ˝لأي شيء سميت الفاروق؟˝ قال: ˝أسلم حمزة قبلي بثلاثة أيام، ثم شرح الله صدري للإسلام˝، فقلت: ˝الله لا إله إلا هو له الأسماء الحسنى، فما في الأرض نسمة أحب إلي من نسمة رسول الله صلى الله عليه وسلم˝، قلت: ˝أين رسول الله صلى الله عليه وسلم؟˝ قالت أختي: ˝هو في دار الأرقم بن الأرقم عند الصفا˝، فأتيت الدار وحمزة في أصحابه جلوس في الدار، ورسول الله صلى الله عليه وسلم في البيت، فضربت الباب فاستجمع القوم، فقال لهم حمزة: ˝مالكم؟˝ قالوا: ˝عمر˝، قال: ˝فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخذ بمجامع ثيابه ثم نثره فما تمالك أن وقع على ركبته˝، فقال: ˝ما أنت بمنته يا عمر؟˝ قال: ˝فقلت: أشهد أن لا إله إلا الله وحده لاشريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله˝. قال: ˝فكبّر أهل الدار تكبيرة سمعها أهل المسجد˝، قال: ˝فقلت: يا رسول الله ألسنا على الحق إن متنا وإن حيينا؟˝ قال: ˝بلى، والذي نفسي بيده إنكم على الحق إن متم وإن حييتم˝، قال: ˝فقلت: ففيم الاختفاء؟ والذي بعثك بالحق لتخرجن˝، فاخرجناه في صفين حمزة في أحدهما، وأنا في الآخر، له كديد ككديد الطحين حتى دخلنا المسجد، قال: ˝فنظرت إلى قريش وإلى حمزة فأصابتهم كآبة لم يصبهم مثلها فسماني رسول اللهصلى الله عليه وسلم يومئذ الفاروق. وفرق الله بين الحق والباطل.˝»
وروى الطبري في تاريخه، وابن أبي شيبة في تاريخ المدينة وابن سعد وابن الأثير في أسد الغابة في معرفة الصحابة عن أبي عمرو ذكوان قال:« ˝قلت لعائشة: ˝من سمى عمر الفاروق؟˝ قالت: النبي صلى الله عليه وسلم˝.» وروى ابن عساكر في تاريخ دمشق والمتقي الهندي في كنز العمال عن النزال بن سبرة قال: «وافقنا من علي يومًا أطيب نفسًا ومزاجًا فقلنا يا أمير المؤمنين حدثنا عن عمر بن الخطاب قال: ˝ذاك امرؤ سماه الله الفاروق فرق به بين الحق والباطل˝.» وقيل سماه به أهل الكتاب. قال ابن سعد في الطبقات الكبرى: « قال ابن شهاب: ˝بلغنا أن أهل الكتاب كانوا أول من قال لعمر الفاروق، وكان المسلمون يأثرون ذلك من قولهم، ولم يبلغنا أن رسول الله ذكر من ذلك شيئاً ولم يبلغنا˝» وقيل سماه به جبريل عليه السلام، رواه البغوي.
أمير المؤمنين
على خلاف مع الشيعة، يرى أهل السنة أن عمر بن الخطاب أول من سُمي بأمير المؤمنين، فبعد وفاة النبي محمد خلفه أبو بكر والذي كان يُلقب بخليفة رسول الله كما يروي ذلك أهل السنة. فلما توفي أبو بكر أوصى للخلافة بعده لعمر بن الخطاب، فقيل لعمر ˝خليفة خليفة رسول الله˝. فاعترض عمر على ذلك قائلاً: «فمن جاء بعد عمر قيل له خليفة خليفة خليفة رسول الله فيطول هذا ولكن أجمعوا على اسم تدعون به الخليفة يدعى به من بعده الخلفاء» فقال بعض أصحاب الرسول: «نحن المؤمنون وعمر أميرنا». فدُعي عمر أمير المؤمنين.
وروى البخاري في الأدب المفرد والحاكم في المستدرك والطبراني في المعجم الكبير وغيرهم: أن عمر بن عبد العزيز سأل أبا بكر بن سليمان بن أبي حثمة : لم كان أبو بكر يكتب: من أبي بكر خليفة رسول الله، ثم كان عمر يكتب بعده: من عمر بن الخطاب خليفة أبي بكر، من أول من كتب: أمير المؤمنين؟ فقال: «حدثتني جدتي الشفاء، وكانت من المهاجرات الأول، وكان عمر بن الخطاب رضي الله عنه إذا هو دخل السوق دخل عليها، قالت: ˝كتب عمر بن الخطاب إلى عامل العراقين: أن ابعث إلي برجلين جلدين نبيلين، أسألهما عن العراق وأهله، فبعث إليه صاحب العراقين بلبيد بن ربيعة، وعدي بن حاتم، فقدما المدينة فأناخا راحلتيهما بفناء المسجد، ثم دخلا المسجد فوجدا عمرو بن العاص، فقالا له: يا عمرو، استأذن لنا على أمير المؤمنين عمر، فوثب عمرو فدخل على عمر فقال: السلام عليك يا أمير المؤمنين، فقال له عمر: ما بدا لك في هذا الاسم يا ابن العاص؟ لتخرجن مما قلت، قال: نعم، قدم لبيد بن ربيعة، وعدي بن حاتم، فقالا لي: استأذن لنا على أمير المؤمنين، فقلت: أنتما والله أصبتما اسمه، وإنه الأمير، ونحن المؤمنون˝». فجرى الكتاب من ذلك اليوم. وقال الذهبي في ˝تاريخ الإسلام ووفيات المشاهير والأعلام˝: قال الزهري: ˝أول من حيا عمر بأمير المؤمنين المغيرة بن شعبة˝.
في حين يرى الشيعة على أن علي بن أبي طالب هو أول من لقب بأمير المؤمنين. ويُروى كذلك أن عبد الله بن جحش الأسدي هو أول من سُمي بأمير المؤمنين في السرية التي بعثه فيها النبي محمد إلى نخلة حسب الأحاديث الصحيحة الواردة في كتب السنة
زوجاته وذريته
تزوج وطلق ما مجموعه سبع نساء في الجاهلية والإسلام وله ثلاثة عشر ولدًا، أما نسائه فهن:
قبل الإسلام
قريبة بنت أبي أمية بن المغيرة بن مخزوم المخزومية القرشية، أخت أم سلمة، بقيت قريبة على شركها، وقد تزوجها عمر في الجاهلية، فلما أسلم عمر بقيت هي على شركها زوجة له، حتى نزلت الآية: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا جَاءَكُمُ الْمُؤْمِنَاتُ مُهَاجِرَاتٍ فَامْتَحِنُوهُنَّ اللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِهِنَّ فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَاتٍ فَلَا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ لَا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ وَلَا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ وَآتُوهُمْ مَا أَنْفَقُوا وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ أَنْ تَنْكِحُوهُنَّ إِذَا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ وَلَا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوَافِرِ وَاسْأَلُوا مَا أَنْفَقْتُمْ وَلْيَسْأَلُوا مَا أَنْفَقُوا ذَلِكُمْ حُكْمُ اللَّهِ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ﴾، وذلك بعد صلح الحديبية فطلّقها ثم تزوجها معاوية بن أبي سفيان وكان مشركاً، ثم طلقها. ولم يرد أنها ولدت لعمر.
أم كلثوم مليكة بنت جرول الخزاعية: تزوجها في الجاهلية ولدت له زيدًا، وعبيد الله، ثم طلقها بعد صلح الحديبية بعد نزول الآية: ﴿ولا تُمَسِّكُوا بِعِصَمِ الْكَوَافِرِ﴾، فتزوجها أبو جهم بن حذيفة وهو من قومها وكان مثلها مشركًا.
زينب بنت مظعون بن حبيب بن وهب بن حذافة بن جمح الجمحية القرشية: أخت عثمان بن مظعون، تزوجها بالجاهلية في مكة، ثم أسلما وهاجرا معًا إلى المدينة المنورة ومعهما ابنهما عبد الله بن عمر. وولدت له حفصة وعبد الرحمن وعبد الله.
بعد الإسلام
جميلة بنت ثابت بن أبي الأقلح الأوسية الأنصارية: وهي أخت عاصم بن ثابت كان اسمها عاصية فسماها النبي محمد جميلة، تزوجها في السنة السابعة من الهجرة ولدت له ولدًا واحدًا في العهد النبوي هو عاصم ثم طلقها عمر. فتزوجت بعده زيد بن حارثة فولد له عبد الرحمن بن زيد فهو أخو عاصم بن عمر.
عاتكة بنت زيد وهي ابنة زيد بن عمرو بن نفيل بن عدي العدوية القرشية. وأخت سعيد بن زيد أحد العشرة المبشرين بالجنة، زوجة عبد الله بن أبي بكر من قبله، ولدت له ولدًا واحدًا هو عياض بن عمر. تزوجت من الزبير بن العوام بعد وفاة عمر.
أم حكيم بنت الحارث بن هشام بن مخزوم المخزومية القرشية: كانت تحت عكرمة بن أبي جهل، فقتل عنها في معركة اليرموك، فخلف عليها خالد بن سعيد بن العاص، فقتل عنها يوم مرج الصفر، فتزوجها عمر بن الخطاب، فولدت له فاطمة بنت عمر.
أم كلثوم بنت علي بن أبي طالب الهاشمية القرشية:(1). تزوجها وهي صغيرة السن، وذلك في السنة السابعة عشرة للهجرة، وبقيت عنده إلى أن قتل، وهي آخر أزواجه، ونقل الزهري وغيره: أنها ولدت لعمر زيد، ورقية. ❝ ⏤محمد حسين هيكل
❞ الفاروق عمر
أبو حفص عمر بن الخطاب العدوي القرشي، المُلقب بالفاروق، هو ثاني الخلفاء الراشدين ومن كبار أصحاب الرسول محمد، وأحد أشهر الأشخاص والقادة في التاريخ الإسلامي ومن أكثرهم تأثيرًا ونفوذًا. هو أحد العشرة المبشرين بالجنة، ومن علماء الصحابة وزهّادهم. تولّى الخلافة الإسلامية بعد وفاة أبي بكر الصديق في 23 أغسطس سنة 634م، الموافق للثاني والعشرين من جمادى الآخرة سنة 13 هـ. كان ابن الخطّاب قاضيًا خبيرًا وقد اشتهر بعدله وإنصافه الناس من المظالم، سواء كانوا مسلمين أو غير مسلمين، وكان ذلك أحد أسباب تسميته بالفاروق، لتفريقه بين الحق والباطل.
هو مؤسس التقويم الهجري، وفي عهده بلغ الإسلام مبلغًا عظيمًا، وتوسع نطاق الدولة الإسلامية حتى شمل كامل العراق ومصر وليبيا والشام وفارس وخراسان وشرق الأناضول وجنوب أرمينية وسجستان، وهو الذي أدخل القدس تحت حكم المسلمين لأول مرة وهي ثالث أقدس المدن في الإسلام، وبهذا استوعبت الدولة الإسلامية كامل أراضي الإمبراطورية الفارسية الساسانية وحوالي ثلثيّ أراضي الامبراطورية البيزنطية. تجلّت عبقرية عمر بن الخطاب العسكرية في حملاته المنظمة المتعددة التي وجهها لإخضاع الفرس الذين فاقوا المسلمين قوة، فتمكن من فتح كامل إمبراطوريتهم خلال أقل من سنتين، كما تجلّت قدرته وحنكته السياسية والإدارية عبر حفاظه على تماسك ووحدة دولة كان حجمها يتنامى يومًا بعد يوم ويزداد عدد سكانها وتتنوع أعراقها.
لقبه ˝الفاروق˝ وكنيته ˝أبو حفص˝، أما كنيته، فقد قيل أن الرسول محمد كنّاه بذلك يوم بدر ويرجع سبب إطلاق المسلمين السنّة لقب ˝الفاروق˝ على عمر ابن الخطاب، لأنه حسب الروايات أنه أظهر الإسلام في مكة وفرّق بين الحق والباطل. وكان الناس يهابونه، فعندما آمن وجاء إلى الرسول في دار الأرقم بن أبي الارقم قال له: «ألسنا على حق؟» قال: «بلى» قال: «والذي بعثك بالحق لنخرجن». وخرج المسلمون في صفين صف يتقدمه حمزة بن عبد المطلب وصف يتقدمه عمر فيعتبرون أن فرق الله به بين الكفر والإيمان. وقيل أول من سماه بذلك النبي محمد. فقد روى ابن عساكر في تاريخ دمشق وأبو نعيم في حلية الأولياء عن ابن عباس أنه قال:
«سألت عمر رضي الله عنه ˝لأي شيء سميت الفاروق؟˝ قال: ˝أسلم حمزة قبلي بثلاثة أيام، ثم شرح الله صدري للإسلام˝، فقلت: ˝الله لا إله إلا هو له الأسماء الحسنى، فما في الأرض نسمة أحب إلي من نسمة رسول الله صلى الله عليه وسلم˝، قلت: ˝أين رسول الله صلى الله عليه وسلم؟˝ قالت أختي: ˝هو في دار الأرقم بن الأرقم عند الصفا˝، فأتيت الدار وحمزة في أصحابه جلوس في الدار، ورسول الله صلى الله عليه وسلم في البيت، فضربت الباب فاستجمع القوم، فقال لهم حمزة: ˝مالكم؟˝ قالوا: ˝عمر˝، قال: ˝فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخذ بمجامع ثيابه ثم نثره فما تمالك أن وقع على ركبته˝، فقال: ˝ما أنت بمنته يا عمر؟˝ قال: ˝فقلت: أشهد أن لا إله إلا الله وحده لاشريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله˝. قال: ˝فكبّر أهل الدار تكبيرة سمعها أهل المسجد˝، قال: ˝فقلت: يا رسول الله ألسنا على الحق إن متنا وإن حيينا؟˝ قال: ˝بلى، والذي نفسي بيده إنكم على الحق إن متم وإن حييتم˝، قال: ˝فقلت: ففيم الاختفاء؟ والذي بعثك بالحق لتخرجن˝، فاخرجناه في صفين حمزة في أحدهما، وأنا في الآخر، له كديد ككديد الطحين حتى دخلنا المسجد، قال: ˝فنظرت إلى قريش وإلى حمزة فأصابتهم كآبة لم يصبهم مثلها فسماني رسول اللهصلى الله عليه وسلم يومئذ الفاروق. وفرق الله بين الحق والباطل.˝»
وروى الطبري في تاريخه، وابن أبي شيبة في تاريخ المدينة وابن سعد وابن الأثير في أسد الغابة في معرفة الصحابة عن أبي عمرو ذكوان قال:« ˝قلت لعائشة: ˝من سمى عمر الفاروق؟˝ قالت: النبي صلى الله عليه وسلم˝.» وروى ابن عساكر في تاريخ دمشق والمتقي الهندي في كنز العمال عن النزال بن سبرة قال: «وافقنا من علي يومًا أطيب نفسًا ومزاجًا فقلنا يا أمير المؤمنين حدثنا عن عمر بن الخطاب قال: ˝ذاك امرؤ سماه الله الفاروق فرق به بين الحق والباطل˝.» وقيل سماه به أهل الكتاب. قال ابن سعد في الطبقات الكبرى: « قال ابن شهاب: ˝بلغنا أن أهل الكتاب كانوا أول من قال لعمر الفاروق، وكان المسلمون يأثرون ذلك من قولهم، ولم يبلغنا أن رسول الله ذكر من ذلك شيئاً ولم يبلغنا˝» وقيل سماه به جبريل عليه السلام، رواه البغوي.
أمير المؤمنين
على خلاف مع الشيعة، يرى أهل السنة أن عمر بن الخطاب أول من سُمي بأمير المؤمنين، فبعد وفاة النبي محمد خلفه أبو بكر والذي كان يُلقب بخليفة رسول الله كما يروي ذلك أهل السنة. فلما توفي أبو بكر أوصى للخلافة بعده لعمر بن الخطاب، فقيل لعمر ˝خليفة خليفة رسول الله˝. فاعترض عمر على ذلك قائلاً: «فمن جاء بعد عمر قيل له خليفة خليفة خليفة رسول الله فيطول هذا ولكن أجمعوا على اسم تدعون به الخليفة يدعى به من بعده الخلفاء» فقال بعض أصحاب الرسول: «نحن المؤمنون وعمر أميرنا». فدُعي عمر أمير المؤمنين.
وروى البخاري في الأدب المفرد والحاكم في المستدرك والطبراني في المعجم الكبير وغيرهم: أن عمر بن عبد العزيز سأل أبا بكر بن سليمان بن أبي حثمة : لم كان أبو بكر يكتب: من أبي بكر خليفة رسول الله، ثم كان عمر يكتب بعده: من عمر بن الخطاب خليفة أبي بكر، من أول من كتب: أمير المؤمنين؟ فقال: «حدثتني جدتي الشفاء، وكانت من المهاجرات الأول، وكان عمر بن الخطاب رضي الله عنه إذا هو دخل السوق دخل عليها، قالت: ˝كتب عمر بن الخطاب إلى عامل العراقين: أن ابعث إلي برجلين جلدين نبيلين، أسألهما عن العراق وأهله، فبعث إليه صاحب العراقين بلبيد بن ربيعة، وعدي بن حاتم، فقدما المدينة فأناخا راحلتيهما بفناء المسجد، ثم دخلا المسجد فوجدا عمرو بن العاص، فقالا له: يا عمرو، استأذن لنا على أمير المؤمنين عمر، فوثب عمرو فدخل على عمر فقال: السلام عليك يا أمير المؤمنين، فقال له عمر: ما بدا لك في هذا الاسم يا ابن العاص؟ لتخرجن مما قلت، قال: نعم، قدم لبيد بن ربيعة، وعدي بن حاتم، فقالا لي: استأذن لنا على أمير المؤمنين، فقلت: أنتما والله أصبتما اسمه، وإنه الأمير، ونحن المؤمنون˝». فجرى الكتاب من ذلك اليوم. وقال الذهبي في ˝تاريخ الإسلام ووفيات المشاهير والأعلام˝: قال الزهري: ˝أول من حيا عمر بأمير المؤمنين المغيرة بن شعبة˝.
في حين يرى الشيعة على أن علي بن أبي طالب هو أول من لقب بأمير المؤمنين. ويُروى كذلك أن عبد الله بن جحش الأسدي هو أول من سُمي بأمير المؤمنين في السرية التي بعثه فيها النبي محمد إلى نخلة حسب الأحاديث الصحيحة الواردة في كتب السنة
زوجاته وذريته
تزوج وطلق ما مجموعه سبع نساء في الجاهلية والإسلام وله ثلاثة عشر ولدًا، أما نسائه فهن:
قبل الإسلام
قريبة بنت أبي أمية بن المغيرة بن مخزوم المخزومية القرشية، أخت أم سلمة، بقيت قريبة على شركها، وقد تزوجها عمر في الجاهلية، فلما أسلم عمر بقيت هي على شركها زوجة له، حتى نزلت الآية: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا جَاءَكُمُ الْمُؤْمِنَاتُ مُهَاجِرَاتٍ فَامْتَحِنُوهُنَّ اللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِهِنَّ فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَاتٍ فَلَا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ لَا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ وَلَا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ وَآتُوهُمْ مَا أَنْفَقُوا وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ أَنْ تَنْكِحُوهُنَّ إِذَا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ وَلَا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوَافِرِ وَاسْأَلُوا مَا أَنْفَقْتُمْ وَلْيَسْأَلُوا مَا أَنْفَقُوا ذَلِكُمْ حُكْمُ اللَّهِ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ﴾، وذلك بعد صلح الحديبية فطلّقها ثم تزوجها معاوية بن أبي سفيان وكان مشركاً، ثم طلقها. ولم يرد أنها ولدت لعمر.
أم كلثوم مليكة بنت جرول الخزاعية: تزوجها في الجاهلية ولدت له زيدًا، وعبيد الله، ثم طلقها بعد صلح الحديبية بعد نزول الآية: ﴿ولا تُمَسِّكُوا بِعِصَمِ الْكَوَافِرِ﴾، فتزوجها أبو جهم بن حذيفة وهو من قومها وكان مثلها مشركًا.
زينب بنت مظعون بن حبيب بن وهب بن حذافة بن جمح الجمحية القرشية: أخت عثمان بن مظعون، تزوجها بالجاهلية في مكة، ثم أسلما وهاجرا معًا إلى المدينة المنورة ومعهما ابنهما عبد الله بن عمر. وولدت له حفصة وعبد الرحمن وعبد الله.
بعد الإسلام
جميلة بنت ثابت بن أبي الأقلح الأوسية الأنصارية: وهي أخت عاصم بن ثابت كان اسمها عاصية فسماها النبي محمد جميلة، تزوجها في السنة السابعة من الهجرة ولدت له ولدًا واحدًا في العهد النبوي هو عاصم ثم طلقها عمر. فتزوجت بعده زيد بن حارثة فولد له عبد الرحمن بن زيد فهو أخو عاصم بن عمر.
عاتكة بنت زيد وهي ابنة زيد بن عمرو بن نفيل بن عدي العدوية القرشية. وأخت سعيد بن زيد أحد العشرة المبشرين بالجنة، زوجة عبد الله بن أبي بكر من قبله، ولدت له ولدًا واحدًا هو عياض بن عمر. تزوجت من الزبير بن العوام بعد وفاة عمر.
أم حكيم بنت الحارث بن هشام بن مخزوم المخزومية القرشية: كانت تحت عكرمة بن أبي جهل، فقتل عنها في معركة اليرموك، فخلف عليها خالد بن سعيد بن العاص، فقتل عنها يوم مرج الصفر، فتزوجها عمر بن الخطاب، فولدت له فاطمة بنت عمر.
أم كلثوم بنت علي بن أبي طالب الهاشمية القرشية:(1). تزوجها وهي صغيرة السن، وذلك في السنة السابعة عشرة للهجرة، وبقيت عنده إلى أن قتل، وهي آخر أزواجه، ونقل الزهري وغيره: أنها ولدت لعمر زيد، ورقية . ❝