█ حصريا تحميل كتاب مجاناً PDF اونلاين 2024
❞ اقْتُلُوا يُوسُفَ أَوِ اطْرَحُوهُ أَرْضًا يَخْلُ لَكُمْ وَجْهُ أَبِيكُمْ وَتَكُونُوا مِن بَعْدِهِ قَوْمًا صَالِحِينَ (9)
قوله تعالى : اقتلوا يوسف في الكلام حذف ; أي قال قائل منهم : اقتلوا يوسف ليكون أحسم لمادة الأمر .
أو اطرحوه أرضا أي في أرض ، فأسقط الخافض وانتصب الأرض ; وأنشد سيبويه فيما حذف منه ˝ في ˝ :
لدن بهز الكف يعسل متنه فيه كما عسل الطريق الثعلب
قال النحاس : إلا أنه في الآية حسن كثير ; لأنه يتعدى إلى مفعولين ، أحدهما بحرف ، فإذا حذفت الحرف تعدى الفعل إليه . والقائل قيل : هو شمعون ، قال وهب بن منبه . وقال كعب الأحبار ; دان . وقال مقاتل : روبيل ; والله أعلم . والمعنى أرضا تبعد عن أبيه ; فلا بد من هذا الإضمار لأنه كان عند أبيه في أرض .
˝ يخل ˝ جزم لأنه جواب الأمر ; معناه : يخلص ويصفو .
لكم وجه أبيكم فيقبل عليكم بكليته .
وتكونوا من بعده أي من بعد الذنب ، وقيل : من بعد يوسف .
قوما صالحين أي تائبين ; أي تحدثوا توبة بعد ذلك فيقبلها الله منكم ; وفي هذا دليل على أن توبة القاتل مقبولة ، لأن الله تعالى لم ينكر هذا القول منهم . وقيل : صالحين أي يصلح شأنكم عند أبيكم من غير أثرة ولا تفضيل . ❝
❞ ارْجِعُوا إِلَىٰ أَبِيكُمْ فَقُولُوا يَا أَبَانَا إِنَّ ابْنَكَ سَرَقَ وَمَا شَهِدْنَا إِلَّا بِمَا عَلِمْنَا وَمَا كُنَّا لِلْغَيْبِ حَافِظِينَ (81)
ارْجِعُوا إِلَى أَبِيكُمْ
قاله الذي قال : ˝ فلن أبرح الأرض ˝ .فَقُولُوا يَا أَبَانَا إِنَّ ابْنَكَ
وقرأ ابن عباس والضحاك وأبو رزين ˝ إن ابنك سرق ˝ النحاس : وحدثني محمد بن أحمد بن عمر قال حدثنا ابن شاذان قال حدثنا أحمد بن أبي سريج البغدادي قال : سمعت , الكسائي يقرأ : ˝ يا أبانا إن ابنك سرق ˝ بضم السين وتشديد الراء مكسورة ; على ما لم يسم فاعله ; أي نسب , إلى السرقة ورمي بها ; مثل خونته وفسقته وفجرته إذا نسبته إلى هذه الخلال .
وقال الزجاج : ˝ سرق ˝ يحتمل معنيين : أحدهما : علم منه السرق , والآخر : اتهم بالسرق .
قال الجوهري : والسرق والسرقة بكسر الراء فيهما هو اسم الشيء المسروق , والمصدر يسرق سرقا بالفتح .سَرَقَ وَمَا شَهِدْنَا إِلَّا بِمَا
فيه أربع مسائل : الأولى : قوله تعالى : ˝ وما شهدنا إلا بما علمنا ˝ يريدون ما شهدنا قط إلا بما علمنا , وأما الآن فقد شهدنا بالظاهر وما نعلم الغيب ; كأنهم وقعت لهم تهمة من قول بنيامين : دس هذا في رحلي من دس بضاعتكم في رحالكم ; قال معناه ابن إسحاق .
وقيل المعنى : ما شهدنا عند يوسف بأن السارق يسترق إلا بما علمنا من دينك ; قاله ابن زيد .
الثانية : تضمنت هذه الآية جواز الشهادة بأي وجه حصل العلم بها ; فإن الشهادة مرتبطة بالعلم عقلا وشرعا , فلا تسمع إلا ممن علم , ولا تقبل إلا منهم , وهذا هو الأصل في الشهادات ; ولهذا قال أصحابنا : شهادة الأعمى جائزة , وشهادة المستمع جائزة , وشهادة الأخرس إذا فهمت إشارته جائزة ; وكذلك الشهادة على الخط - إذا تيقن أنه خطه أو خط فلان - صحيحة فكل من حصل له العلم بشيء جاز أن يشهد به وإن لم يشهده المشهود عليه ; قال الله تعالى : ˝ إلا من شهد بالحق وهم يعلمون ˝ [ الزخرف : 86 ] وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( ألا أخبركم بخير الشهداء خير الشهداء الذي يأتي بشهادته قبل أن يسألها ) وقد مضى في ˝ البقرة ˝ .
الثالثة : اختلف قول مالك في شهادة المرور ; وهو أن يقول : مررت بفلان فسمعته يقول كذا فإن استوعب القول شهد في أحد قوليه , وفي القول الآخر لا يشهد حتى يشهداه .
والصحيح أداء الشهادة عند الاستيعاب ; وبه قال جماعة العلماء , وهو الحق ; لأنه قد حصل المطلوب وتعين عليه أداء العلم ; فكان خير الشهداء إذا أعلم المشهود له , وشر الشهداء إذا كتمها والله أعلم ,
الرابعة : إذا ادعى رجل شهادة لا يحتملها عمره ردت ; لأنه ادعى باطلا فأكذبه العيان ظاهرا .عَلِمْنَا وَمَا كُنَّا لِلْغَيْبِ
أي لم نعلم وقت أخذناه منك أنه يسرق فلا نأخذه .
وقال مجاهد وقتادة : ما كنا نعلم أن ابنك يسترق ويصير أمرنا إلى هذا , وإنما قلنا : نحفظ أخانا فيما نطيق .
وقال ابن عباس : يعنون أنه سرق ليلا وهم نيام , والغيب هو الليل بلغة حمير ; وعنه : ما كنا نعلم ما يصنع في ليله ونهاره وذهابه وإيابه .
وقيل : ما دام بمرأى منا لم يجر خلل , فلما غاب عنا خفيت عنا حالاته .
وقيل معناه : قد أخذت السرقة من رحله , ونحن أخرجناها وننظر إليها , ولا علم لنا بالغيب , فلعلهم سرقوه ولم يسرق . ❝
❞ قَالَ لَا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ ۖ يَغْفِرُ اللَّهُ لَكُمْ ۖ وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ (92)
قوله تعالى : قال لا تثريب عليكم اليوم أي قال يوسف - وكان حليما موفقا : لا تثريب عليكم اليوم وتم الكلام . ومعنى " اليوم " : الوقت . والتثريب التعيير والتوبيخ ، أي لا تعيير ولا توبيخ ولا لوم عليكم اليوم ; قال سفيان الثوري وغيره ; ومنه قوله - عليه السلام - : إذا زنت أمة أحدكم فليجلدها الحد ولا يثرب عليها أي لا يعيرها ; وقال بشر :
فعفوت عنهم عفو غير مثرب وتركتهم لعقاب يوم سرمد
وقال الأصمعي : ثربت عليه وعربت عليه بمعنى إذا قبحت عليه فعله . وقال الزجاج : المعنى لا إفساد لما بيني وبينكم من الحرمة ، وحق الإخوة ، ولكم عندي العفو والصفح ; وأصل التثريب الإفساد ، وهي لغة أهل الحجاز . وعن ابن عباس أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أخذ بعضادتي الباب يوم فتح مكة ، وقد لاذ الناس بالبيت فقال : الحمد لله الذي صدق وعده ونصر عبده وهزم الأحزاب وحده ثم قال : ماذا تظنون يا معشر قريش قالوا : خيرا ، أخ كريم ، وابن أخ كريم وقد قدرت ; قال : " وأنا أقول كما قال أخي يوسف لا تثريب عليكم اليوم " فقال عمر - رضي الله عنه - : ففضت عرقا من الحياء من قول رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ذلك أني قد كنت قلت لهم حين دخلنا مكة : اليوم ننتقم منكم ونفعل ، فلما قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ما قال استحييت من قولي .
يغفر الله لكم مستقبل فيه معنى الدعاء ; سأل الله أن يستر عليهم ويرحمهم . وأجاز الأخفش الوقف على " عليكم " والأول هو المستعمل ; فإن في الوقف على " عليكم " والابتداء ب اليوم يغفر الله لكم جزما بالمغفرة في اليوم ، وذلك لا يكون إلا عن وحي ، وهذا بين . وقال عطاء الخراساني : طلب الحوائج من الشباب أسهل منه من الشيوخ ; ألم تر قول يوسف : لا تثريب عليكم اليوم يغفر الله لكم وقال يعقوب : سوف أستغفر لكم ربي . ❝
❞ وَلَأَجْرُ الْآخِرَةِ خَيْرٌ لِّلَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ (57)
قوله تعالى : ولأجر الآخرة خير أي ما نعطيه في الآخرة خير وأكثر مما أعطيناه في الدنيا ; لأن أجر الآخرة دائم ، وأجر الدنيا ينقطع ; وظاهر الآية العموم في كل مؤمن متق ; وأنشدوا :
أما في رسول الله يوسف أسوة لمثلك محبوسا على الظلم والإفك أقام جميل الصبر في الحبس برهة
فآل به الصبر الجميل إلى الملك
وكتب بعضهم إلى صديق له :
وراء مضيق الخوف متسع الأمن وأول مفروح به آخر الحزن
فلا تيأسن فالله ملك يوسفا خزائنه بعد الخلاص من السجن
وأنشد بعضهم :
إذا الحادثات بلغن النهى وكادت تذوب لهن المهج
وحل البلاء وقل العزاء فعند التناهي يكون الفرج
والشعر في هذا المعنى كثير . ❝