❞ شروط الحج خمسة؛
الشرط الأول الإسلام بمعنى أنه لا يجوز لغير المسلمين أداء مناسك الحج.
الشرط الثاني العقل فلا حج على مجنون حتى يشفى من مرضه.
الشرط الثالث البلوغ فلا يجب الحج على الصبي حتى يحتلم.
الشرط الرابع الحرية فلا يجب الحج على المملوك حتى يعتق.
أما الشرط الخامس؛ الاستطاعة بمعنى أن الحج يجب على كل شخص مسلم قادر ومستطيع. أداء مناسك الحج.. ❝ ⏤أبو حامد الغزالى
❞ شروط الحج خمسة؛
الشرط الأول الإسلام بمعنى أنه لا يجوز لغير المسلمين أداء مناسك الحج.
الشرط الثاني العقل فلا حج على مجنون حتى يشفى من مرضه.
الشرط الثالث البلوغ فلا يجب الحج على الصبي حتى يحتلم.
الشرط الرابع الحرية فلا يجب الحج على المملوك حتى يعتق.
أما الشرط الخامس؛ الاستطاعة بمعنى أن الحج يجب على كل شخص مسلم قادر ومستطيع. أداء مناسك الحج. ❝
❞ إثبات لفظ الجسمية ونفيه بدعة لم يتكلم به أحد من السلف.. الإباضية يقتاتون على الكذب والمغالطات ليستقيم لهم دينهم. ❝ ⏤أبو العباس أحمد بن عبد الحليم بن عبد السلام بن تيمية الحراني
❞ إثبات لفظ الجسمية ونفيه بدعة لم يتكلم به أحد من السلف. الإباضية يقتاتون على الكذب والمغالطات ليستقيم لهم دينهم. ❝
⏤
أبو العباس أحمد بن عبد الحليم بن عبد السلام بن تيمية الحراني
❞ “ستكون مباراة افتتاح الملعب مع فريق أوروبي سيحضر على نفقة أبو رجيلة. وافق فريق ((دوكلا براج)) التشيكي. ولتكن ضربة البداية من السماء وليست على الأرض، اتفق أبو رجيلة مع طائرة أن تحلق فوق المدرجات وتلقي من السماء الكرة التي ستُلعب بها المباراة. كان يومًا للذكرى انتهى بفوز الزمالك بثلاثة أهداف نظيفة.”. ❝ ⏤عمر طاهر
❞ ستكون مباراة افتتاح الملعب مع فريق أوروبي سيحضر على نفقة أبو رجيلة. وافق فريق ((دوكلا براج)) التشيكي. ولتكن ضربة البداية من السماء وليست على الأرض، اتفق أبو رجيلة مع طائرة أن تحلق فوق المدرجات وتلقي من السماء الكرة التي ستُلعب بها المباراة. كان يومًا للذكرى انتهى بفوز الزمالك بثلاثة أهداف نظيفة.”. ❝
❞ قَالَ قَائِلٌ مِّنْهُمْ لَا تَقْتُلُوا يُوسُفَ وَأَلْقُوهُ فِي غَيَابَتِ الْجُبِّ يَلْتَقِطْهُ بَعْضُ السَّيَّارَةِ إِن كُنتُمْ فَاعِلِينَ (10)
قوله تعالى : قال قائل منهم لا تقتلوا يوسف وألقوه في غيابة الجب يلتقطه بعض السيارة إن كنتم فاعلين فيه ثلاث عشرة مسألة :
الأولى : قوله تعالى : قال قائل منهم لا تقتلوا يوسف القائل هو يهوذا ، وهو أكبر ولد يعقوب ; قاله ابن عباس . وقيل : روبيل ، وهو ابن خالته ، وهو الذي قال : " فلن أبرح الأرض " الآية . وقيل : شمعون .
وألقوه في غيابة الجب قرأ أهل مكة وأهل البصرة وأهل الكوفة في غيابة الجب . وقرأ أهل المدينة " في غيابات الجب " واختار أبو عبيد التوحيد ; لأنه على موضع واحد ألقوه فيه ، وأنكر الجمع لهذا . قال النحاس : وهذا تضييق في اللغة ; " وغيابات " على الجمع يجوز من وجهين : حكى سيبويه سير عليه عشيانات وأصيلانات ، يريد عشية وأصيلا ، فجعل كل وقت منها عشية وأصيلا ; فكذا جعل كل موضع مما يغيب غيابة . والآخر - أن يكون في الجب غيابات ( جماعة ) . ويقال : غاب يغيب غيبا وغيابة وغيابا ; كما قال الشاعر :
ألا فالبثا شهرين أو نصف ثالث أنا ذاكما قد غيبتني غيابيا
قال الهروي : والغيابة شبه لجف أو طاق في البئر فويق الماء ، يغيب الشيء عن العين . وقال ابن عزيز : كل شيء غيب عنك شيئا فهو غيابة . قلت : ومنه قيل للقبر غيابة ; قال الشاعر :
فإن أنا يوما غيبتني غيابتي فسيروا بسيري في العشيرة والأهل
والجب الركية التي لم تطو ، فإذا طويت فهي في بئر ; فقال الأعشى :
لئن كنت في جب ثمانين قامة ورقيت أسباب السماء بسلم
وسميت جبا لأنها قطعت في الأرض قطعا ; وجمع الجب جببة وجباب وأجباب ; وجمع بين الغيابة والجب لأنه أراد ألقوه في موضع مظلم من الجب حتى لا يلحقه نظر الناظرين . قيل : هو بئر بيت المقدس ، وقيل : هو بالأردن ; قاله وهب بن منبه . مقاتل : وهو على ثلاثة فراسخ من منزل يعقوب .
الثانية : قوله تعالى : يلتقطه بعض السيارة إن كنتم فاعلين جزم على جواب الأمر . وقرأ مجاهد وأبو رجاء والحسن وقتادة : " تلتقطه " بالتاء ، وهذا محمول على المعنى ; لأن بعض السيارة سيارة ; وقال سيبويه : سقطت بعض أصابعه ، وأنشد :
وتشرق بالقول الذي قد أذعته كما شرقت صدر القناة من الدم
وقال آخر :
أرى مر السنين أخذن مني كما أخذ السرار من الهلال
ولم يقل شرق ولا أخذت . والسيارة الجمع الذي يسيرون في الطريق للسفر ; وإنما قال القائل هذا حتى لا يحتاجوا إلى حمله إلى موضع بعيد ويحصل المقصود ; فإن من التقطه من السيارة يحمله إلى موضع بعيد ; وكان هذا وجها في التدبير حتى لا يحتاجوا إلى الحركة بأنفسهم ، فربما لا يأذن لهم أبوهم ، وربما يطلع على قصدهم .
الثالثة : وفي هذا ما يدل على أن إخوة يوسف ما كانوا أنبياء لا أولا ولا آخرا ; لأن الأنبياء لا يدبرون في قتل مسلم ، بل كانوا مسلمين ، فارتكبوا معصية ثم تابوا . وقيل : كانوا أنبياء ، ولا يستحيل في العقل زلة نبي ، فكانت هذه زلة منهم ; وهذا يرده أن الأنبياء معصومون من الكبائر على ما قدمناه . وقيل : ما كانوا في ذلك الوقت أنبياء ثم نبأهم الله ; وهذا أشبه ، والله أعلم .
الرابعة : قال ابن وهب قال مالك : طرح يوسف في الجب وهو غلام ، وكذلك روى ابن القاسم عنه ، يعني أنه كان صغيرا ; والدليل عليه قوله تعالى : لا تقتلوا يوسف وألقوه في غيابة الجب يلتقطه بعض السيارة قال : ولا يلتقط إلا الصغير ; وقوله : وأخاف أن يأكله الذئب وذلك أمر يختص بالصغار ; وقولهم : أرسله معنا غدا يرتع ويلعب وإنا له لحافظون .
الخامسة : الالتقاط تناول الشيء من الطريق ; ومنه اللقيط واللقطة ، ونحن نذكر من أحكامها ما دلت عليه الآية والسنة ، وما قال في ذلك أهل العلم واللغة ; قال ابن عرفة : الالتقاط وجود الشيء على غير طلب ، ومنه قوله تعالى : يلتقطه بعض السيارة أي يجده من غير أن يحتسبه . وقد اختلف العلماء في اللقيط ; فقيل : أصله الحرية لغلبة الأحرار على العبيد ; وروي عن الحسن بن علي أنه قضى بأن اللقيط حر ، وتلا وشروه بثمن بخس دراهم معدودة وإلى هذا ذهب أشهب صاحب مالك ; وهو قول عمر بن الخطاب ، وكذلك روي عن علي وجماعة . وقال إبراهيم النخعي : إن نوى رقه فهو مملوك ، وإن نوى الحسبة فهو حر . وقال مالك في موطئه : الأمر عندنا في المنبوذ أنه حر ، وأن ولاءه لجماعة المسلمين ، هم يرثونه ويعقلون عنه ، وبه قال الشافعي ; واحتج بقوله - عليه السلام - : وإنما الولاء لمن أعتق قال : فنفى الولاء عن غير المعتق . واتفق مالك والشافعي وأصحابهما على أن اللقيط لا يوالي أحدا ، ولا يرثه أحد بالولاء . وقال أبو حنيفة وأصحابه وأكثر الكوفيين : اللقيط يوالي من شاء ، فمن والاه فهو يرثه ويعقل عنه ; وعند أبي حنيفة له أن ينتقل بولائه حيث شاء ، ما لم يعقل عنه الذي والاه ، فإن عقل عنه جناية لم يكن له أن ينتقل عنه بولائه أبدا . وذكر أبو بكر بن أبي شيبة عن علي - رضي الله عنه - : المنبوذ حر ، فإن أحب أن يوالي الذي التقطه والاه ، وإن أحب أن يوالي غيره والاه ; ونحوه عن عطاء ، وهو قول ابن شهاب وطائفة من أهل المدينة ، وهو حر . قال ابن العربي : إنما كان أصل اللقيط الحرية لغلبة الأحرار على العبيد ، فقضى بالغالب ، كما حكم أنه مسلم أخذا بالغالب ; فإن كان في قرية فيها نصارى ومسلمون ، قال ابن القاسم : يحكم بالأغلب ; فإن وجد عليه زي اليهود فهو يهودي ، وإن وجد عليه زي النصارى فهو نصراني ، وإلا فهو مسلم ، إلا أن يكون أكثر أهل القرية على غير الإسلام . وقال غيره : لو لم يكن فيها إلا مسلم واحد قضي للقيط بالإسلام تغليبا لحكم الإسلام الذي يعلو ولا يعلى عليه ، وهو مقتضى قولأشهب ; قال أشهب : هو مسلم أبدا ، لأني أجعله مسلما على كل حال ، كما أجعله حرا على كل حال . واختلف الفقهاء في المنبوذ تدل البينة على أنه عبد ; فقالت طائفة من أهل المدينة : لا يقبل قولها في ذلك ، وإلى هذا ذهب أشهب لقول عمر : هو حر ; ومن قضي بحريته لم تقبل البينة في أنه عبد . وقال ابن القاسم : تقبل البينة في ذلك وهو قول الشافعي والكوفي .
السادسة : قال مالك في اللقيط : إذا أنفق عليه الملتقط ثم أقام رجل البينة أنه ابنه فإن الملتقط يرجع على الأب إن كان طرحه متعمدا ، وإن لم يكن طرحه ولكنه ضل منه فلا شيء على الأب ، والملتقط متطوع بالنفقة . وقال أبو حنيفة : إذا أنفق على اللقيط فهو متطوع ، إلا أن يأمره الحاكم . وقال الأوزاعي : كل من أنفق على من لا تجب عليه نفقة رجع بما أنفق . وقال الشافعي : إن لم يكن للقيط مال وجبت نفقته في بيت المال ، فإن لم يكن ففيه قولان : أحدهما - يستقرض له في ذمته . والثاني - يقسط على المسلمين من غير عوض .
السابعة : وأما اللقطة والضوال فقد اختلف العلماء في حكمهما ; فقالت طائفة من أهل العلم : اللقطة والضوال سواء في المعنى ، والحكم فيهما سواء ; وإلى هذا ذهب أبو جعفر الطحاوي ، وأنكر قول أبي عبيد القاسم بن سلام - أن الضالة لا تكون إلا في الحيوان واللقطة في غير الحيوان - وقال هذا غلط ; واحتج بقوله - صلى الله عليه وسلم - في حديث الإفك للمسلمين : إن أمكم ضلت قلادتها فأطلق ذلك على القلادة .
الثامنة : أجمع العلماء على أن اللقطة ما لم تكن تافها يسيرا أو شيئا لا بقاء لها فإنها تعرف حولا كاملا ، وأجمعوا أن صاحبها إن جاء فهو أحق بها من ملتقطها إذا ثبت له أنه صاحبها ، وأجمعوا أن ملتقطها إن أكلها بعد الحول وأراد صاحبها أن يضمنه فإن ذلك له ، وإن تصدق بها فصاحبها مخير بين التضمين وبين أن ينزل على أجرها ، فأي ذلك تخير كان ذلك له بإجماع ; ولا تنطلق يد ملتقطها عليها بصدقة ، ولا تصرف قبل الحول . وأجمعوا أن ضالة الغنم المخوف عليها له أكلها .
التاسعة : واختلف الفقهاء في الأفضل من تركها أو أخذها ; فمن ذلك أن في الحديث دليلا على إباحة التقاط اللقطة وأخذ الضالة ما لم تكن إبلا . وقال في الشاة : ( لك أو لأخيك أو للذئب ) يحضه على أخذها ، ولم يقل في شيء دعوه حتى يضيع أو يأتيه ربه . ولو كان ترك اللقطة أفضل لأمر به رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كما قال في ضالة الإبل ، والله أعلم . وجملة مذهب أصحاب مالك أنه في سعة ، إن شاء أخذها وإن شاء تركها ; هذا قول إسماعيل بن إسحاق - رحمه الله - . وقال المزني عن الشافعي : لا أحب لأحد ترك اللقطة إن وجدها إذا كان أمينا عليها ; قال : وسواء قليل اللقطة وكثيرها .
العاشرة : روى الأئمة مالك وغيره عن زيد بن خالد الجهني قال : جاء رجل إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فسأله عن اللقطة فقال : اعرف عفاصها ووكاءها ثم عرفها سنة فإن جاء صاحبها وإلا فشأنك بها قال : فضالة الغنم يا رسول الله ؟ قال : لك أو لأخيك أو للذئب قال : فضالة الإبل ؟ قال : ما لك ولها معها سقاؤها وحذاؤها ترد الماء وتأكل الشجر حتى يلقاها ربها . وفي حديث أبي قال : احفظ عددها ووعاءها ووكاءها فإن جاء صاحبها وإلا فاستمتع بها ففي هذا الحديث زيادة العدد ; خرجه مسلم وغيره . وأجمع العلماء أن عفاص اللقطة ووكاءها من إحدى علاماتها وأدلها عليها ; فإذا أتى صاحب اللقطة بجميع أوصافها دفعت له ; قال ابن القاسم : يجبر على دفعها ; فإن جاء مستحق يستحقها ببينة أنها كانت له لم يضمن الملتقط شيئا ، وهل يحلف مع الأوصاف أو لا ؟ قولان : الأول لأشهب ، والثاني لابن القاسم ، ولا تلزمه بينة عند مالك وأصحابه وأحمد بن حنبل وغيرهم . وقال أبو حنيفة والشافعي : لا تدفع له إلا إذا أقام بينة أنها له ; وهو بخلاف نص الحديث ; ولو كانت البينة شرطا في الدفع لما كان لذكر العفاص والوكاء والعدد معنى ; فإنه يستحقها بالبينة على كل حال ; ولما جاز سكوت النبي - صلى الله عليه وسلم - عن ذلك ، فإنه تأخير البيان عن وقت الحاجة . والله أعلم .
الحادية عشرة : نص الحديث على الإبل والغنم وبين حكمهما ، وسكت عما عداهما من الحيوان . وقد اختلف علماؤنا في البقر هل تلحق بالإبل أو بالغنم ؟ قولان ; وكذلك اختلف أئمتنا في التقاط الخيل والبغال والحمير ، وظاهر قول ابن القاسم أنها تلتقط ، وقال أشهب وابن كنانة : لا تلتقط ; وقول ابن القاسم أصح ; لقوله - عليه السلام - : احفظ على أخيك المؤمن ضالته .
الثانية عشرة : واختلف العلماء في النفقة على الضوال ; فقال مالك فيما ذكر عنه ابن القاسم : إن أنفق الملتقط على الدواب والإبل وغيرها فله أن يرجع على صاحبها بالنفقة ، وسواء أنفق عليها بأمر السلطان أو بغير أمره ; قال : وله أن يحبس بالنفقة ما أنفق عليه ويكون أحق به كالرهن . وقال الشافعي : إذا أنفق على الضوال من أخذها فهو متطوع ; حكاه عنه الربيع . وقال المزني عنه : إذا أمره الحاكم بالنفقة كانت دينا ، وما ادعى قبل منه إذا كان مثله قصدا . وقال أبو حنيفة : إذا أنفق على اللقطة والإبل بغير أمر القاضي فهو متطوع ، وإن أنفق بأمر القاضي فذلك دين على صاحبها إذا جاء ، وله أن يحبسها إذا حضر صاحبها ، والنفقة عليها ثلاثة أيام ونحوها ، حتى يأمر القاضي ببيع الشاة وما أشبهها ويقضي بالنفقة .
الثالثة عشرة : ليس في قوله - صلى الله عليه وسلم - في اللقطة بعد التعريف : فاستمتع بها أو فشأنك بها أو فهي لك أو فاستنفقها أو ثم كلها أو فهو مال الله يؤتيه من يشاء على ما في صحيح مسلم وغيره ، ما يدل على التمليك ، وسقوط الضمان عن الملتقط إذا جاء ربها ; فإن في حديث زيد بن خالد الجهني عن النبي - صلى الله عليه وسلم - : فإن لم تعرف فاستنفقها ولتكن وديعة عندك فإن جاء صاحبها يوما من الدهر فأدها إليه في رواية ثم كلها ، فإن جاء صاحبها فأدها إليه . خرجه البخاري ومسلم . وأجمع العلماء على أن صاحبها متى جاء فهو أحق بها ، إلا ما ذهب إليه داود من أن الملتقط يملك اللقطة بعد التعريف ; لتلك الظواهر ، ولا التفات لقوله ; لمخالفة الناس ، ولقوله - عليه السلام - : فأدها إليه .. ❝ ⏤محمد رشيد رضا
❞ قَالَ قَائِلٌ مِّنْهُمْ لَا تَقْتُلُوا يُوسُفَ وَأَلْقُوهُ فِي غَيَابَتِ الْجُبِّ يَلْتَقِطْهُ بَعْضُ السَّيَّارَةِ إِن كُنتُمْ فَاعِلِينَ (10)
قوله تعالى : قال قائل منهم لا تقتلوا يوسف وألقوه في غيابة الجب يلتقطه بعض السيارة إن كنتم فاعلين فيه ثلاث عشرة مسألة :
الأولى : قوله تعالى : قال قائل منهم لا تقتلوا يوسف القائل هو يهوذا ، وهو أكبر ولد يعقوب ; قاله ابن عباس . وقيل : روبيل ، وهو ابن خالته ، وهو الذي قال : ˝ فلن أبرح الأرض ˝ الآية . وقيل : شمعون .
وألقوه في غيابة الجب قرأ أهل مكة وأهل البصرة وأهل الكوفة في غيابة الجب . وقرأ أهل المدينة ˝ في غيابات الجب ˝ واختار أبو عبيد التوحيد ; لأنه على موضع واحد ألقوه فيه ، وأنكر الجمع لهذا . قال النحاس : وهذا تضييق في اللغة ; ˝ وغيابات ˝ على الجمع يجوز من وجهين : حكى سيبويه سير عليه عشيانات وأصيلانات ، يريد عشية وأصيلا ، فجعل كل وقت منها عشية وأصيلا ; فكذا جعل كل موضع مما يغيب غيابة . والآخر - أن يكون في الجب غيابات ( جماعة ) . ويقال : غاب يغيب غيبا وغيابة وغيابا ; كما قال الشاعر :
ألا فالبثا شهرين أو نصف ثالث أنا ذاكما قد غيبتني غيابيا
قال الهروي : والغيابة شبه لجف أو طاق في البئر فويق الماء ، يغيب الشيء عن العين . وقال ابن عزيز : كل شيء غيب عنك شيئا فهو غيابة . قلت : ومنه قيل للقبر غيابة ; قال الشاعر :
فإن أنا يوما غيبتني غيابتي فسيروا بسيري في العشيرة والأهل
والجب الركية التي لم تطو ، فإذا طويت فهي في بئر ; فقال الأعشى :
لئن كنت في جب ثمانين قامة ورقيت أسباب السماء بسلم
وسميت جبا لأنها قطعت في الأرض قطعا ; وجمع الجب جببة وجباب وأجباب ; وجمع بين الغيابة والجب لأنه أراد ألقوه في موضع مظلم من الجب حتى لا يلحقه نظر الناظرين . قيل : هو بئر بيت المقدس ، وقيل : هو بالأردن ; قاله وهب بن منبه . مقاتل : وهو على ثلاثة فراسخ من منزل يعقوب .
الثانية : قوله تعالى : يلتقطه بعض السيارة إن كنتم فاعلين جزم على جواب الأمر . وقرأ مجاهد وأبو رجاء والحسن وقتادة : ˝ تلتقطه ˝ بالتاء ، وهذا محمول على المعنى ; لأن بعض السيارة سيارة ; وقال سيبويه : سقطت بعض أصابعه ، وأنشد :
وتشرق بالقول الذي قد أذعته كما شرقت صدر القناة من الدم
وقال آخر :
أرى مر السنين أخذن مني كما أخذ السرار من الهلال
ولم يقل شرق ولا أخذت . والسيارة الجمع الذي يسيرون في الطريق للسفر ; وإنما قال القائل هذا حتى لا يحتاجوا إلى حمله إلى موضع بعيد ويحصل المقصود ; فإن من التقطه من السيارة يحمله إلى موضع بعيد ; وكان هذا وجها في التدبير حتى لا يحتاجوا إلى الحركة بأنفسهم ، فربما لا يأذن لهم أبوهم ، وربما يطلع على قصدهم .
الثالثة : وفي هذا ما يدل على أن إخوة يوسف ما كانوا أنبياء لا أولا ولا آخرا ; لأن الأنبياء لا يدبرون في قتل مسلم ، بل كانوا مسلمين ، فارتكبوا معصية ثم تابوا . وقيل : كانوا أنبياء ، ولا يستحيل في العقل زلة نبي ، فكانت هذه زلة منهم ; وهذا يرده أن الأنبياء معصومون من الكبائر على ما قدمناه . وقيل : ما كانوا في ذلك الوقت أنبياء ثم نبأهم الله ; وهذا أشبه ، والله أعلم .
الرابعة : قال ابن وهب قال مالك : طرح يوسف في الجب وهو غلام ، وكذلك روى ابن القاسم عنه ، يعني أنه كان صغيرا ; والدليل عليه قوله تعالى : لا تقتلوا يوسف وألقوه في غيابة الجب يلتقطه بعض السيارة قال : ولا يلتقط إلا الصغير ; وقوله : وأخاف أن يأكله الذئب وذلك أمر يختص بالصغار ; وقولهم : أرسله معنا غدا يرتع ويلعب وإنا له لحافظون .
الخامسة : الالتقاط تناول الشيء من الطريق ; ومنه اللقيط واللقطة ، ونحن نذكر من أحكامها ما دلت عليه الآية والسنة ، وما قال في ذلك أهل العلم واللغة ; قال ابن عرفة : الالتقاط وجود الشيء على غير طلب ، ومنه قوله تعالى : يلتقطه بعض السيارة أي يجده من غير أن يحتسبه . وقد اختلف العلماء في اللقيط ; فقيل : أصله الحرية لغلبة الأحرار على العبيد ; وروي عن الحسن بن علي أنه قضى بأن اللقيط حر ، وتلا وشروه بثمن بخس دراهم معدودة وإلى هذا ذهب أشهب صاحب مالك ; وهو قول عمر بن الخطاب ، وكذلك روي عن علي وجماعة . وقال إبراهيم النخعي : إن نوى رقه فهو مملوك ، وإن نوى الحسبة فهو حر . وقال مالك في موطئه : الأمر عندنا في المنبوذ أنه حر ، وأن ولاءه لجماعة المسلمين ، هم يرثونه ويعقلون عنه ، وبه قال الشافعي ; واحتج بقوله - عليه السلام - : وإنما الولاء لمن أعتق قال : فنفى الولاء عن غير المعتق . واتفق مالك والشافعي وأصحابهما على أن اللقيط لا يوالي أحدا ، ولا يرثه أحد بالولاء . وقال أبو حنيفة وأصحابه وأكثر الكوفيين : اللقيط يوالي من شاء ، فمن والاه فهو يرثه ويعقل عنه ; وعند أبي حنيفة له أن ينتقل بولائه حيث شاء ، ما لم يعقل عنه الذي والاه ، فإن عقل عنه جناية لم يكن له أن ينتقل عنه بولائه أبدا . وذكر أبو بكر بن أبي شيبة عن علي - رضي الله عنه - : المنبوذ حر ، فإن أحب أن يوالي الذي التقطه والاه ، وإن أحب أن يوالي غيره والاه ; ونحوه عن عطاء ، وهو قول ابن شهاب وطائفة من أهل المدينة ، وهو حر . قال ابن العربي : إنما كان أصل اللقيط الحرية لغلبة الأحرار على العبيد ، فقضى بالغالب ، كما حكم أنه مسلم أخذا بالغالب ; فإن كان في قرية فيها نصارى ومسلمون ، قال ابن القاسم : يحكم بالأغلب ; فإن وجد عليه زي اليهود فهو يهودي ، وإن وجد عليه زي النصارى فهو نصراني ، وإلا فهو مسلم ، إلا أن يكون أكثر أهل القرية على غير الإسلام . وقال غيره : لو لم يكن فيها إلا مسلم واحد قضي للقيط بالإسلام تغليبا لحكم الإسلام الذي يعلو ولا يعلى عليه ، وهو مقتضى قولأشهب ; قال أشهب : هو مسلم أبدا ، لأني أجعله مسلما على كل حال ، كما أجعله حرا على كل حال . واختلف الفقهاء في المنبوذ تدل البينة على أنه عبد ; فقالت طائفة من أهل المدينة : لا يقبل قولها في ذلك ، وإلى هذا ذهب أشهب لقول عمر : هو حر ; ومن قضي بحريته لم تقبل البينة في أنه عبد . وقال ابن القاسم : تقبل البينة في ذلك وهو قول الشافعي والكوفي .
السادسة : قال مالك في اللقيط : إذا أنفق عليه الملتقط ثم أقام رجل البينة أنه ابنه فإن الملتقط يرجع على الأب إن كان طرحه متعمدا ، وإن لم يكن طرحه ولكنه ضل منه فلا شيء على الأب ، والملتقط متطوع بالنفقة . وقال أبو حنيفة : إذا أنفق على اللقيط فهو متطوع ، إلا أن يأمره الحاكم . وقال الأوزاعي : كل من أنفق على من لا تجب عليه نفقة رجع بما أنفق . وقال الشافعي : إن لم يكن للقيط مال وجبت نفقته في بيت المال ، فإن لم يكن ففيه قولان : أحدهما - يستقرض له في ذمته . والثاني - يقسط على المسلمين من غير عوض .
السابعة : وأما اللقطة والضوال فقد اختلف العلماء في حكمهما ; فقالت طائفة من أهل العلم : اللقطة والضوال سواء في المعنى ، والحكم فيهما سواء ; وإلى هذا ذهب أبو جعفر الطحاوي ، وأنكر قول أبي عبيد القاسم بن سلام - أن الضالة لا تكون إلا في الحيوان واللقطة في غير الحيوان - وقال هذا غلط ; واحتج بقوله - صلى الله عليه وسلم - في حديث الإفك للمسلمين : إن أمكم ضلت قلادتها فأطلق ذلك على القلادة .
الثامنة : أجمع العلماء على أن اللقطة ما لم تكن تافها يسيرا أو شيئا لا بقاء لها فإنها تعرف حولا كاملا ، وأجمعوا أن صاحبها إن جاء فهو أحق بها من ملتقطها إذا ثبت له أنه صاحبها ، وأجمعوا أن ملتقطها إن أكلها بعد الحول وأراد صاحبها أن يضمنه فإن ذلك له ، وإن تصدق بها فصاحبها مخير بين التضمين وبين أن ينزل على أجرها ، فأي ذلك تخير كان ذلك له بإجماع ; ولا تنطلق يد ملتقطها عليها بصدقة ، ولا تصرف قبل الحول . وأجمعوا أن ضالة الغنم المخوف عليها له أكلها .
التاسعة : واختلف الفقهاء في الأفضل من تركها أو أخذها ; فمن ذلك أن في الحديث دليلا على إباحة التقاط اللقطة وأخذ الضالة ما لم تكن إبلا . وقال في الشاة : ( لك أو لأخيك أو للذئب ) يحضه على أخذها ، ولم يقل في شيء دعوه حتى يضيع أو يأتيه ربه . ولو كان ترك اللقطة أفضل لأمر به رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كما قال في ضالة الإبل ، والله أعلم . وجملة مذهب أصحاب مالك أنه في سعة ، إن شاء أخذها وإن شاء تركها ; هذا قول إسماعيل بن إسحاق - رحمه الله - . وقال المزني عن الشافعي : لا أحب لأحد ترك اللقطة إن وجدها إذا كان أمينا عليها ; قال : وسواء قليل اللقطة وكثيرها .
العاشرة : روى الأئمة مالك وغيره عن زيد بن خالد الجهني قال : جاء رجل إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فسأله عن اللقطة فقال : اعرف عفاصها ووكاءها ثم عرفها سنة فإن جاء صاحبها وإلا فشأنك بها قال : فضالة الغنم يا رسول الله ؟ قال : لك أو لأخيك أو للذئب قال : فضالة الإبل ؟ قال : ما لك ولها معها سقاؤها وحذاؤها ترد الماء وتأكل الشجر حتى يلقاها ربها . وفي حديث أبي قال : احفظ عددها ووعاءها ووكاءها فإن جاء صاحبها وإلا فاستمتع بها ففي هذا الحديث زيادة العدد ; خرجه مسلم وغيره . وأجمع العلماء أن عفاص اللقطة ووكاءها من إحدى علاماتها وأدلها عليها ; فإذا أتى صاحب اللقطة بجميع أوصافها دفعت له ; قال ابن القاسم : يجبر على دفعها ; فإن جاء مستحق يستحقها ببينة أنها كانت له لم يضمن الملتقط شيئا ، وهل يحلف مع الأوصاف أو لا ؟ قولان : الأول لأشهب ، والثاني لابن القاسم ، ولا تلزمه بينة عند مالك وأصحابه وأحمد بن حنبل وغيرهم . وقال أبو حنيفة والشافعي : لا تدفع له إلا إذا أقام بينة أنها له ; وهو بخلاف نص الحديث ; ولو كانت البينة شرطا في الدفع لما كان لذكر العفاص والوكاء والعدد معنى ; فإنه يستحقها بالبينة على كل حال ; ولما جاز سكوت النبي - صلى الله عليه وسلم - عن ذلك ، فإنه تأخير البيان عن وقت الحاجة . والله أعلم .
الحادية عشرة : نص الحديث على الإبل والغنم وبين حكمهما ، وسكت عما عداهما من الحيوان . وقد اختلف علماؤنا في البقر هل تلحق بالإبل أو بالغنم ؟ قولان ; وكذلك اختلف أئمتنا في التقاط الخيل والبغال والحمير ، وظاهر قول ابن القاسم أنها تلتقط ، وقال أشهب وابن كنانة : لا تلتقط ; وقول ابن القاسم أصح ; لقوله - عليه السلام - : احفظ على أخيك المؤمن ضالته .
الثانية عشرة : واختلف العلماء في النفقة على الضوال ; فقال مالك فيما ذكر عنه ابن القاسم : إن أنفق الملتقط على الدواب والإبل وغيرها فله أن يرجع على صاحبها بالنفقة ، وسواء أنفق عليها بأمر السلطان أو بغير أمره ; قال : وله أن يحبس بالنفقة ما أنفق عليه ويكون أحق به كالرهن . وقال الشافعي : إذا أنفق على الضوال من أخذها فهو متطوع ; حكاه عنه الربيع . وقال المزني عنه : إذا أمره الحاكم بالنفقة كانت دينا ، وما ادعى قبل منه إذا كان مثله قصدا . وقال أبو حنيفة : إذا أنفق على اللقطة والإبل بغير أمر القاضي فهو متطوع ، وإن أنفق بأمر القاضي فذلك دين على صاحبها إذا جاء ، وله أن يحبسها إذا حضر صاحبها ، والنفقة عليها ثلاثة أيام ونحوها ، حتى يأمر القاضي ببيع الشاة وما أشبهها ويقضي بالنفقة .
الثالثة عشرة : ليس في قوله - صلى الله عليه وسلم - في اللقطة بعد التعريف : فاستمتع بها أو فشأنك بها أو فهي لك أو فاستنفقها أو ثم كلها أو فهو مال الله يؤتيه من يشاء على ما في صحيح مسلم وغيره ، ما يدل على التمليك ، وسقوط الضمان عن الملتقط إذا جاء ربها ; فإن في حديث زيد بن خالد الجهني عن النبي - صلى الله عليه وسلم - : فإن لم تعرف فاستنفقها ولتكن وديعة عندك فإن جاء صاحبها يوما من الدهر فأدها إليه في رواية ثم كلها ، فإن جاء صاحبها فأدها إليه . خرجه البخاري ومسلم . وأجمع العلماء على أن صاحبها متى جاء فهو أحق بها ، إلا ما ذهب إليه داود من أن الملتقط يملك اللقطة بعد التعريف ; لتلك الظواهر ، ولا التفات لقوله ; لمخالفة الناس ، ولقوله - عليه السلام - : فأدها إليه. ❝
❞ غيرة عائشة
تشير الكثير من المواقف التي نقلتها كتب السير والتراجم التي أرّخت لتلك الفترة إلى وجود مظاهر لغيرة بين عائشة وزوجات النبي محمد الأخريات. وهو ما أقرت به عائشة حين صنّفت زوجاته في حزبين، الأول فيه عائشة وحفصة وصفية وسودة، والآخر ضم أم سلمة وبقية نساء النبي محمد.
أحب النبي محمد عائشة أكثر من نسائه، وهو ما أدركه المسلمون، فكانوا يؤخرون هداياهم حتى يكون في بيت عائشة، وهو ما أدركته أمهات المؤمنين، فندبن أم سلمة لتسأل النبي أن يكلم الناس في ذلك، فقال: «مَنْ أَرَادَ أَنْ يُهْدِيَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ هَدِيَّةً فَلْيُهْدِهَا إِلَيْهِ حَيْثُ كَانَ».
ورغم تلك المحبة، إلا أن ذلك لم يمنعها من الغيرة من زوجاته الأخريات، ففي حجة الوداع خرج النبي بزوجاته، وكانت عائشة على جمل خفيف ومعها متاع قليل، فيما كانت صفية على جمل بطيء ومعها متاع ثقيل، فأمر النبي محمد أن يتبادلا راحلتيهما حتى يسرع الركب. فغضبت عائشة، وقالت: «يَا لَعِبَادِ اللَّهِ، غَلَبَتْنَا هَذِهِ الْيَهُودِيَّةُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ»، فشرح لها النبي سبب ما فعل، فقالت: «أَلَسْتَ تَزْعُمُ أَنَّكَ رَسُولُ اللَّهِ؟»
فتبسم وقال: «أَفِي شَكٍّ أَنْتِ يَا أُمَّ عَبْدِ اللَّهِ؟»، فقالت: «أَلَسْتَ تَزْعُمُ أَنَّكَ رَسُولُ اللَّهِ أَفَهَلا عَدَلْتَ؟».
فسمعها أباها، فهمّ بضربها، فأوقفه النبي محمد وقال له: «إِنَّ الْغَيْرَى لا تُبْصِرُ أَسْفَلَ الْوَادِي مِنْ أَعْلاهُ».
وقد كانت عائشة أكثر زوجات النبي غيرة وأشدهن حساسية في ذلك، فيُروى أنها قالت: «مَا رَأَيْتُ صَانِعَةَ طَعَامٍ مِثْلَ صَفِيَّةَ، بَعَثَتْ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ بِإِنَاءٍ فِيهِ طَعَامٌ، فَضَرَبْتُهُ بِيَدِي فَكَسَرْتُهُ، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَا كَفَّارَةُ هَذَا؟
قَالَ: \"إِنَاءٌ مَكَانُ إِنَاءٍ، وَطَعَامٌ مَكَانُ طَعَامٍ\"».
كما كانت تغار من زوجته الأولى خديجة رغم وفاتها، وتقر بذلك وتحكي: «اسْتَأْذَنَتْ هَالَةُ بِنْتُ خُوَيْلِدٍ أُخْتُ خَدِيجَةَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ فعْرِفُ اسْتِئْذَانَ خَدِيجَةَ وَارْتَاعَ لِذَلِكَ، فَقَالَ: اللَّهُمَّ هَالَةَ.
قَالَتْ: فَغِرْت، فَقُلْت: مَا تَذْكُرُ مِنْ عَجُوزٍ مِنْ عَجَائِزِ قُرَيْشٍ حَمْرَاءَ الشِّدْقَيْنِ هَلَكَتْ فِي الدَّهْرِ، قَدْ أَبْدَلَك اللَّهُ خَيْرًا مِنْهَا».
فقال النبي محمد: «مَا أَبْدَلَنِي اللَّهُ بِهَا خَيْرًا مِنْهَا، لَقَدْ آمَنَتْ بِي حِينَ كَفَرَ النَّاسُ، وَصَدَّقَتْنِي حِينَ كَذَّبَنِي النَّاسُ، وَأَشْرَكَتْنِي فِي مَالِهَا حِينَ حَرَمَنِي النَّاسُ، وَرَزَقَنِي اللَّهُ وَلَدَهَا وَحَرَمَنِي وَلَدَ غَيْرِهَا.»
فقالت: «وَاللَّهِ لا أُعَاتِبُك فِيهَا بَعْدَ الْيَوْمِ».
وكما كانت عائشة تغير من أزواج النبي، كُنّ كذلك يغرن منها. أرسلن يومًا إليه فاطمة (أحب بناته)، وكان في بيت عائشة لتقول له: «يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ أَزْوَاجَكَ أَرْسَلْنَنِي إِلَيْكَ يَسْأَلْنَكَ الْعَدْلَ فِي ابْنَةِ أَبِي قُحَافَةَ»
فقال لها: «أَيْ بُنَيَّةُ أَلَسْتِ تُحِبِّينَ مَا أُحِبُّ»
فقالت: «بَلَى»
فقال: «فَأَحِبِّي هَذِهِ».
فرجعت فاطمة لهن، وأخبرتهن الخبر، فأرسلن زينب بنت جحش بنفس القول، ثم وقعت زينب بعائشة، فاستطالت عليها، فردّت عائشة، فتبسم النبي محمد وقال: «إِنَّهَا ابنَةُ أَبِيْ بَكْر».
وفي موقف آخر، غارت عائشة من مكث النبي محمد عند زوجته زينب بنت جحش التي كانت تسقيه عندها العسل، فتواصت هي وحفصة عند دخول النبي محمد على أي منهما أن تقل له: «إِنِّي أَجِدُ مِنْكَ رِيحَ مَغَافِيرَ، أَكَلْتَ مَغَافِيرَ»، فقال: «لا بَأْسَ شَرِبْتُ عَسَلا عِنْدَ زَيْنَبَ، وَلَنْ أَعُودَ لَهُ».
فنزل الوحي بآية:يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ تَبْتَغِي مَرْضَاةَ أَزْوَاجِكَ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ، قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ وَاللَّهُ مَوْلَاكُمْ وَهُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ، وَإِذْ أَسَرَّ النَّبِيُّ إِلَى بَعْضِ أَزْوَاجِهِ حَدِيثًا فَلَمَّا نَبَّأَتْ بِهِ وَأَظْهَرَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ عَرَّفَ بَعْضَهُ وَأَعْرَضَ عَنْ بَعْضٍ فَلَمَّا نَبَّأَهَا بِهِ قَالَتْ مَنْ أَنْبَأَكَ هَذَا قَالَ نَبَّأَنِيَ الْعَلِيمُ الْخَبِيرُ، إِنْ تَتُوبَا إِلَى اللَّهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا وَإِنْ تَظَاهَرَا عَلَيْهِ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ مَوْلَاهُ وَجِبْرِيلُ وَصَالِحُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمَلَائِكَةُ بَعْدَ ذَلِكَ ظَهِيرٌ ).
وقد ذكر الشوكاني في فتح القدير، أن النبي محمد قد أصاب جاريته مارية القبطية (أم ولده إبراهيم) في غرفة زوجته حفصة في يوم عائشة، فغضبت حفصة وقالت «يَا رَسُولَ اللَّهِ، لَقَدْ جِئْتَ إِلَيَّ بِشَيْءٍ مَا جِئْتَهُ إِلَى أَحَدٍ مِنْ أَزْوَاجِكَ فِي يَوْمِي وَفِي دَوْرِي عَلَى فِرَاشِي»
فقال: «أَلا تَرْضَيْنَ أَنْ أُحَرِّمَهَا فَلا أَقْرَبُهَا أَبَدًا؟»
فقالت حفصة: «بَلَى»
فحرَّمها النبي على نفسه، وقال لها: «لاَ تَذْكُرِي ذَلِكَ لأَحَدٍ» فذكرته لعائشة. فنزلت فيهما لنهيهما عن الخوض في هذا الأمر.
آية:( إِنْ تَتُوبَا إِلَى اللَّهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا وَإِنْ تَظَاهَرَا عَلَيْهِ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ مَوْلَاهُ وَجِبْرِيلُ وَصَالِحُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمَلَائِكَةُ بَعْدَ ذَلِكَ ظَهِيرٌ ).
حادثة الإفك
خرجت عائشة -رضيَ الله عنها- مع النبيّ -عليه الصّلاةُ والسّلام- في غزوةِ بني المُصطلق، كما جاء في حديث عائشة -رضيَ الله عنها- قالت-: (كانَ رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، إذَا أرَادَ أنْ يَخْرُجَ سَفَرًا أقْرَعَ بيْنَ أزْوَاجِهِ، فأيَّتُهُنَّ خَرَجَ سَهْمُهَا، خَرَجَ بهَا معهُ، فأقْرَعَ بيْنَنَا في غَزَاةٍ غَزَاهَا، فَخَرَجَ سَهْمِي)
وكان ذلك بعد أن فرض الله -تعالى- الحجاب على النّساء، وفي طريقِ العودة من الغزوة نزلت من هودجها لحاجةٍ ما، ولمَّا عادت إلى الهودجِ تفقّدت عقدها فلم تجده، فرجعت للبحثِ عنه، وفي أثناءِ ذلك حَمل الرّجال الهودج ووضعوه على البعيرِ وهم يعتقدون وجودها داخله؛ لِخفّتها وصِغر سِنِّها، ومضى المُسلمون تاركينها وراءهم في الصّحراء، فلمَّا وجدت عقدها ورجعت إلى مكانِ تجمُّع الصّحابة الكرام لم تجد أحداً.
وفي ذلك روت عائشة رضي الله عنها: (فتيممت منزلي الذي كنت فيه، وظننت أنّهم سيفقدوني فيرجعون إلي، فبينما أنا جالسةٌ في منزلي غلبتني عيني فنمت، وكان صحابيّ هو صفوان بن المعطل السلميّ يمشي خلف الجيش يتابع مسيره، ويتفقّد أحوال من تأخّر عنه، فوجد عائشة نائمةٌ فعرفها، فاسترجع صفوان فاستيقظت على صوته، فتقول عائشة: فخمرت وجهي بجلبابي، والله ما تكلّمنا بكلمةٍ، ولا سمعت منه كلمة غير استرجاعه، وهوى حتى أناخ راحلته، فوطأ على يدها، فقمت إليها فركبتها، فانطلق يقود بي الراحلة حتى أتينا الجيش).
وكان ممّن رأى مجيء عائشة -رضي الله عنها- مع صفوان منافقٌ يُدعى عبد الله بن أبيّ بن سلول، فعندما رآهما نازلين أشاع خبراً كذباً: أنّ صفوان قد فعل الفاحشة بعائشة رضي الله عنها، وهو الإفك الذي أثير حولها، وهي منه بريئةٌ، ومعنى الإفك الكذب والافتراء، فكان هذا كذباً لا أساس له ولا استبيان.
عندما وصل المسلمون المدينة، مرضت عائشة -رضي الله عنها- مرضاً شديداً أقعدها في فراشها شهراً كاملاً، فلم تكن تخرج أو ترى الناس من حولها، ولم تعلم بما يُقال عنها، إلّا متأخّراً بعد شفائها، لكنّها كانت تشعر أنّ رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- قد جافاها قليلاً، ولم تكن تعرف سبب ذلك، وقد علمت عائشة الأخبار عندما خرجت بعدما اقترب شفاؤها خرجت مع أمّ مسطحٍ لحاجتهما، وبينما هما تمشيان إذ عثرت أم مسطح بثوبها، فقالت: تعس مسطح، فقالت لها عائشة: بئس ما قلت، أتسبين رجلاً شهد بدراً؟ فقالت لها أمّه: أولم تسمعي ما قال مسطح فيك؟ فقالت: لا والله، فأخبرتها بخبر الحادثة، ولم تكن تعلم به من قبل، فقالت أنّها ازدادت مرضاً إلى مرضها، وعرفت ما كان.
حال عائشة بعد معرفتها الخبر
حين عملت عائشة -رضي الله عنها- بما قيل فيها، استأذنت رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- أن تمرَض في بيت أهلها، فأذن لها، وكانت تريد أن تستبين الخبر من والدتها ووالدها، فأخبرتها والدتها بكلّ ما كان، فتقول عائشة أنّها لم تنم ليلتها، حتى أصبحت باكيةً لا تدري ما تفعل، وكان النبيّ -صلى الله عليه وسلّم- وهو في تلك الحال أيضاً قد تأخّر عنه الوحي، فشاور أصاحبه فيما يفعل، هل يترك زوجته عائشة أم يبقيها، ثمّ صعد إلى منبره، فقال: (يا معشرَ المسلمين، مَن يَعْذُرُني مِن رجلٍ قد بلَغَني عنه أذاه في أهلي، واللهِ ما علمتُ على أهلي إلّا خيراً، ولقد ذكروا رجلاً ما علمتُ عليه إلّا خيراً وما يَدْخُلُ على أهلي إلّا معي)،
فضجّ الناس؛ كلٌّ يريد أن يرضي رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، ولو بضرب رقاب بعضهم بعضاً، فأسكتهم رسول الله وقد أهمّه ما أهمّه.
وأمّا عائشة -رضي الله عنها- فلا تزال على حالها لا تسكن لها دمعة. ظلّت عائشة على هذا الحال ليلتين أُخريين حتى جاء رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- عندها، يقول لها: (أمّا بعد، يا عائشة، إنّه بلغني عنك كذا وكذا، فإن كنت بريئة، فسيبرئك الله، وإن كنت ألممت بذنب، فاستغفري الله وتوبي إليه، فإنّ العبد إذا اعترف ثمّ تاب، تاب الله عليه)، فاضطربت عائشة بعد هذا الكلام، وقلّص دمعها، وأجابت: وأنا جارية حديثة السّنّ لا أقرأ من القرآن كثيراً: إنّي والله لقد علمت:
(إنِّي واللَّهِ لقَدْ عَلِمْتُ أنَّكُمْ سَمِعْتُمْ ما يَتَحَدَّثُ به النَّاسُ، ووَقَرَ في أنْفُسِكُمْ وصَدَّقْتُمْ به، ولَئِنْ قُلتُ لَكُمْ إنِّي بَرِيئَةٌ، واللَّهُ يَعْلَمُ إنِّي لَبَرِيئَةٌ لا تُصَدِّقُونِي بذلكَ، ولَئِنِ اعْتَرَفْتُ لَكُمْ بأَمْرٍ، واللَّهُ يَعْلَمُ أنِّي بَرِيئَةٌ لَتُصَدِّقُنِّي، واللَّهِ ما أجِدُ لي ولَكُمْ مَثَلًا، إلَّا أبَا يُوسُفَ إذْ قَالَ: {فَصَبْرٌ جَمِيلٌ، واللَّهُ المُسْتَعَانُ علَى ما تَصِفُونَ} [يوسف]
وقالت ذلك وهي تعلم بداخلها أنَّ الله -تعالى- سيُبرّئها.
ثمّ اضطجعت على فراشها تبكي.
نزول براءة السيدة عائشة
أنزل الله -تعالى- في كتابه الكريم آياتٍ تُبرّئ السيّدة عائشة -رضي الله عنها-؛ جزاءً على صبرها وتوكّلها على اللهِ -تعالى-، وكانت عائشة -رضي الله عنها- تقول في نفسها أنَّ الله -تعالى- سيُبرّئها، ولكنَّها قالت: (ولكن والله ما كنت أظن أنَّ الله منزل في شأني وحياً يُتلى)، فكانت ترى نفسها أقلّ شأناً من أن يتكلّم الله -عزّ وجلّ- بأمرها في قرآنٍ يُتلى إلى قيام الساعة، وتوقّعت تبرئتها برؤية النبيّ -عليه الصّلاةُ والسّلام- ذلك في المنام.
ولمَّا نزل الوحي ببراءةِ السيّدة عائشة -رضيَ الله عنها-، ذهبَ النبيّ -عليه السلام- إليها، وقالَ لها: (أبشري يا عائشة! أمَّا الله فقد برّأك)
وأنزلَ اللهُ -تعالى- عشر آياتٍ من سورة النور في تبرئتِها، وبدأت بقوله -تعالى-: (إِنَّ الَّذِينَ جَاءُوا بِالْإِفْكِ عُصْبَةٌ مِّنكُمْ لَا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَّكُم بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ لِكُلِّ امْرِئٍ مِّنْهُم مَّا اكْتَسَبَ مِنَ الْإِثْمِ وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذَابٌ عَظِيمٌ* لَّوْلَا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بِأَنفُسِهِمْ خَيْرًا وَقَالُوا هَـذَا إِفْكٌ مُّبِينٌ)،
إلى قولهِ -تعالى-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ وَمَن يَتَّبِعْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ فَإِنَّهُ يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّـهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ مَا زَكَى مِنكُم مِّنْ أَحَدٍ أَبَدًا وَلَـكِنَّ اللَّـهَ يُزَكِّي مَن يَشَاءُ وَاللَّـهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ).
فقد بيَّنت الآيات بشكلٍ واضحٍ وصريح براءة السيّدة عائشة -رضيَ الله عنها- ممَّا اتَّهمهُ بها أصحابُ الإفك، فطلبت أُمّ السيّدة عائشة -رضيَ الله عنها- منها أن تقوم وتشكر النبيّ -عليه الصّلاة والسّلام-، فقالت: لا أحمدُ إلَّا الله؛ ممَّا يدلُ على صفاءِ عقيدتها، وإيمانها وتوكّلها على اللهِ -تعالى.
فلما أنزل الله هذا في براءتي قال أبو بكر الصديق رضي الله عنه -وكان ينفق على مسطح بن أثاثة لقرابته منه وفقره-: والله، لا أنفق على مسطح شيئا أبدا بعد الذي قال لعائشة ما قال.
فأنزل الله: وَلَا يَأْتَلِ أُولُو الْفَضْلِ مِنْكُمْ وَالسَّعَةِ أَنْ يُؤْتُوا أُولِي الْقُرْبَى وَالْمَسَاكِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلَا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ .
قال أبو بكر: بلى والله إني أحب أن يغفر الله لي، فرجع إلى مسطح النفقة التي كان ينفق عليه، وقال: والله لا أنزعها منه أبدا.
هكذا نزل جبريل -عليه السّلام- بآياتٍ ببراءة السيدة عائشة رضي الله عنها، وانتهى الابتلاء الذي مرّ به رسول الله صلّى الله عليه وسلّم
#أمهات_المؤمنين
#صفاءفوزى. ❝ ⏤مجموعة من المؤلفين
❞ غيرة عائشة
تشير الكثير من المواقف التي نقلتها كتب السير والتراجم التي أرّخت لتلك الفترة إلى وجود مظاهر لغيرة بين عائشة وزوجات النبي محمد الأخريات. وهو ما أقرت به عائشة حين صنّفت زوجاته في حزبين، الأول فيه عائشة وحفصة وصفية وسودة، والآخر ضم أم سلمة وبقية نساء النبي محمد.
أحب النبي محمد عائشة أكثر من نسائه، وهو ما أدركه المسلمون، فكانوا يؤخرون هداياهم حتى يكون في بيت عائشة، وهو ما أدركته أمهات المؤمنين، فندبن أم سلمة لتسأل النبي أن يكلم الناس في ذلك، فقال: «مَنْ أَرَادَ أَنْ يُهْدِيَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ هَدِيَّةً فَلْيُهْدِهَا إِلَيْهِ حَيْثُ كَانَ».
ورغم تلك المحبة، إلا أن ذلك لم يمنعها من الغيرة من زوجاته الأخريات، ففي حجة الوداع خرج النبي بزوجاته، وكانت عائشة على جمل خفيف ومعها متاع قليل، فيما كانت صفية على جمل بطيء ومعها متاع ثقيل، فأمر النبي محمد أن يتبادلا راحلتيهما حتى يسرع الركب. فغضبت عائشة، وقالت: «يَا لَعِبَادِ اللَّهِ، غَلَبَتْنَا هَذِهِ الْيَهُودِيَّةُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ»، فشرح لها النبي سبب ما فعل، فقالت: «أَلَسْتَ تَزْعُمُ أَنَّكَ رَسُولُ اللَّهِ؟» فتبسم وقال: «أَفِي شَكٍّ أَنْتِ يَا أُمَّ عَبْدِ اللَّهِ؟»، فقالت: «أَلَسْتَ تَزْعُمُ أَنَّكَ رَسُولُ اللَّهِ أَفَهَلا عَدَلْتَ؟».
فسمعها أباها، فهمّ بضربها، فأوقفه النبي محمد وقال له: «إِنَّ الْغَيْرَى لا تُبْصِرُ أَسْفَلَ الْوَادِي مِنْ أَعْلاهُ».
وقد كانت عائشة أكثر زوجات النبي غيرة وأشدهن حساسية في ذلك، فيُروى أنها قالت: «مَا رَأَيْتُ صَانِعَةَ طَعَامٍ مِثْلَ صَفِيَّةَ، بَعَثَتْ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ بِإِنَاءٍ فِيهِ طَعَامٌ، فَضَرَبْتُهُ بِيَدِي فَكَسَرْتُهُ، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَا كَفَّارَةُ هَذَا؟
قَالَ: ˝إِنَاءٌ مَكَانُ إِنَاءٍ، وَطَعَامٌ مَكَانُ طَعَامٍ˝».
كما كانت تغار من زوجته الأولى خديجة رغم وفاتها، وتقر بذلك وتحكي: «اسْتَأْذَنَتْ هَالَةُ بِنْتُ خُوَيْلِدٍ أُخْتُ خَدِيجَةَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ فعْرِفُ اسْتِئْذَانَ خَدِيجَةَ وَارْتَاعَ لِذَلِكَ، فَقَالَ: اللَّهُمَّ هَالَةَ.
قَالَتْ: فَغِرْت، فَقُلْت: مَا تَذْكُرُ مِنْ عَجُوزٍ مِنْ عَجَائِزِ قُرَيْشٍ حَمْرَاءَ الشِّدْقَيْنِ هَلَكَتْ فِي الدَّهْرِ، قَدْ أَبْدَلَك اللَّهُ خَيْرًا مِنْهَا».
فقال النبي محمد: «مَا أَبْدَلَنِي اللَّهُ بِهَا خَيْرًا مِنْهَا، لَقَدْ آمَنَتْ بِي حِينَ كَفَرَ النَّاسُ، وَصَدَّقَتْنِي حِينَ كَذَّبَنِي النَّاسُ، وَأَشْرَكَتْنِي فِي مَالِهَا حِينَ حَرَمَنِي النَّاسُ، وَرَزَقَنِي اللَّهُ وَلَدَهَا وَحَرَمَنِي وَلَدَ غَيْرِهَا.» فقالت: «وَاللَّهِ لا أُعَاتِبُك فِيهَا بَعْدَ الْيَوْمِ».
وكما كانت عائشة تغير من أزواج النبي، كُنّ كذلك يغرن منها. أرسلن يومًا إليه فاطمة (أحب بناته)، وكان في بيت عائشة لتقول له: «يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ أَزْوَاجَكَ أَرْسَلْنَنِي إِلَيْكَ يَسْأَلْنَكَ الْعَدْلَ فِي ابْنَةِ أَبِي قُحَافَةَ» فقال لها: «أَيْ بُنَيَّةُ أَلَسْتِ تُحِبِّينَ مَا أُحِبُّ» فقالت: «بَلَى» فقال: «فَأَحِبِّي هَذِهِ».
فرجعت فاطمة لهن، وأخبرتهن الخبر، فأرسلن زينب بنت جحش بنفس القول، ثم وقعت زينب بعائشة، فاستطالت عليها، فردّت عائشة، فتبسم النبي محمد وقال: «إِنَّهَا ابنَةُ أَبِيْ بَكْر».
وفي موقف آخر، غارت عائشة من مكث النبي محمد عند زوجته زينب بنت جحش التي كانت تسقيه عندها العسل، فتواصت هي وحفصة عند دخول النبي محمد على أي منهما أن تقل له: «إِنِّي أَجِدُ مِنْكَ رِيحَ مَغَافِيرَ، أَكَلْتَ مَغَافِيرَ»، فقال: «لا بَأْسَ شَرِبْتُ عَسَلا عِنْدَ زَيْنَبَ، وَلَنْ أَعُودَ لَهُ».
وقد ذكر الشوكاني في فتح القدير، أن النبي محمد قد أصاب جاريته مارية القبطية (أم ولده إبراهيم) في غرفة زوجته حفصة في يوم عائشة، فغضبت حفصة وقالت «يَا رَسُولَ اللَّهِ، لَقَدْ جِئْتَ إِلَيَّ بِشَيْءٍ مَا جِئْتَهُ إِلَى أَحَدٍ مِنْ أَزْوَاجِكَ فِي يَوْمِي وَفِي دَوْرِي عَلَى فِرَاشِي» فقال: «أَلا تَرْضَيْنَ أَنْ أُحَرِّمَهَا فَلا أَقْرَبُهَا أَبَدًا؟» فقالت حفصة: «بَلَى» فحرَّمها النبي على نفسه، وقال لها: «لاَ تَذْكُرِي ذَلِكَ لأَحَدٍ» فذكرته لعائشة. فنزلت فيهما لنهيهما عن الخوض في هذا الأمر.
آية:( إِنْ تَتُوبَا إِلَى اللَّهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا وَإِنْ تَظَاهَرَا عَلَيْهِ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ مَوْلَاهُ وَجِبْرِيلُ وَصَالِحُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمَلَائِكَةُ بَعْدَ ذَلِكَ ظَهِيرٌ ).
حادثة الإفك
خرجت عائشة -رضيَ الله عنها- مع النبيّ -عليه الصّلاةُ والسّلام- في غزوةِ بني المُصطلق، كما جاء في حديث عائشة -رضيَ الله عنها- قالت-: (كانَ رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، إذَا أرَادَ أنْ يَخْرُجَ سَفَرًا أقْرَعَ بيْنَ أزْوَاجِهِ، فأيَّتُهُنَّ خَرَجَ سَهْمُهَا، خَرَجَ بهَا معهُ، فأقْرَعَ بيْنَنَا في غَزَاةٍ غَزَاهَا، فَخَرَجَ سَهْمِي)
وكان ذلك بعد أن فرض الله -تعالى- الحجاب على النّساء، وفي طريقِ العودة من الغزوة نزلت من هودجها لحاجةٍ ما، ولمَّا عادت إلى الهودجِ تفقّدت عقدها فلم تجده، فرجعت للبحثِ عنه، وفي أثناءِ ذلك حَمل الرّجال الهودج ووضعوه على البعيرِ وهم يعتقدون وجودها داخله؛ لِخفّتها وصِغر سِنِّها، ومضى المُسلمون تاركينها وراءهم في الصّحراء، فلمَّا وجدت عقدها ورجعت إلى مكانِ تجمُّع الصّحابة الكرام لم تجد أحداً.
وفي ذلك روت عائشة رضي الله عنها: (فتيممت منزلي الذي كنت فيه، وظننت أنّهم سيفقدوني فيرجعون إلي، فبينما أنا جالسةٌ في منزلي غلبتني عيني فنمت، وكان صحابيّ هو صفوان بن المعطل السلميّ يمشي خلف الجيش يتابع مسيره، ويتفقّد أحوال من تأخّر عنه، فوجد عائشة نائمةٌ فعرفها، فاسترجع صفوان فاستيقظت على صوته، فتقول عائشة: فخمرت وجهي بجلبابي، والله ما تكلّمنا بكلمةٍ، ولا سمعت منه كلمة غير استرجاعه، وهوى حتى أناخ راحلته، فوطأ على يدها، فقمت إليها فركبتها، فانطلق يقود بي الراحلة حتى أتينا الجيش).
وكان ممّن رأى مجيء عائشة -رضي الله عنها- مع صفوان منافقٌ يُدعى عبد الله بن أبيّ بن سلول، فعندما رآهما نازلين أشاع خبراً كذباً: أنّ صفوان قد فعل الفاحشة بعائشة رضي الله عنها، وهو الإفك الذي أثير حولها، وهي منه بريئةٌ، ومعنى الإفك الكذب والافتراء، فكان هذا كذباً لا أساس له ولا استبيان.
عندما وصل المسلمون المدينة، مرضت عائشة -رضي الله عنها- مرضاً شديداً أقعدها في فراشها شهراً كاملاً، فلم تكن تخرج أو ترى الناس من حولها، ولم تعلم بما يُقال عنها، إلّا متأخّراً بعد شفائها، لكنّها كانت تشعر أنّ رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- قد جافاها قليلاً، ولم تكن تعرف سبب ذلك، وقد علمت عائشة الأخبار عندما خرجت بعدما اقترب شفاؤها خرجت مع أمّ مسطحٍ لحاجتهما، وبينما هما تمشيان إذ عثرت أم مسطح بثوبها، فقالت: تعس مسطح، فقالت لها عائشة: بئس ما قلت، أتسبين رجلاً شهد بدراً؟ فقالت لها أمّه: أولم تسمعي ما قال مسطح فيك؟ فقالت: لا والله، فأخبرتها بخبر الحادثة، ولم تكن تعلم به من قبل، فقالت أنّها ازدادت مرضاً إلى مرضها، وعرفت ما كان.
حال عائشة بعد معرفتها الخبر
حين عملت عائشة -رضي الله عنها- بما قيل فيها، استأذنت رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- أن تمرَض في بيت أهلها، فأذن لها، وكانت تريد أن تستبين الخبر من والدتها ووالدها، فأخبرتها والدتها بكلّ ما كان، فتقول عائشة أنّها لم تنم ليلتها، حتى أصبحت باكيةً لا تدري ما تفعل، وكان النبيّ -صلى الله عليه وسلّم- وهو في تلك الحال أيضاً قد تأخّر عنه الوحي، فشاور أصاحبه فيما يفعل، هل يترك زوجته عائشة أم يبقيها، ثمّ صعد إلى منبره، فقال: (يا معشرَ المسلمين، مَن يَعْذُرُني مِن رجلٍ قد بلَغَني عنه أذاه في أهلي، واللهِ ما علمتُ على أهلي إلّا خيراً، ولقد ذكروا رجلاً ما علمتُ عليه إلّا خيراً وما يَدْخُلُ على أهلي إلّا معي)،
فضجّ الناس؛ كلٌّ يريد أن يرضي رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، ولو بضرب رقاب بعضهم بعضاً، فأسكتهم رسول الله وقد أهمّه ما أهمّه.
وأمّا عائشة -رضي الله عنها- فلا تزال على حالها لا تسكن لها دمعة. ظلّت عائشة على هذا الحال ليلتين أُخريين حتى جاء رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- عندها، يقول لها: (أمّا بعد، يا عائشة، إنّه بلغني عنك كذا وكذا، فإن كنت بريئة، فسيبرئك الله، وإن كنت ألممت بذنب، فاستغفري الله وتوبي إليه، فإنّ العبد إذا اعترف ثمّ تاب، تاب الله عليه)، فاضطربت عائشة بعد هذا الكلام، وقلّص دمعها، وأجابت: وأنا جارية حديثة السّنّ لا أقرأ من القرآن كثيراً: إنّي والله لقد علمت:
(إنِّي واللَّهِ لقَدْ عَلِمْتُ أنَّكُمْ سَمِعْتُمْ ما يَتَحَدَّثُ به النَّاسُ، ووَقَرَ في أنْفُسِكُمْ وصَدَّقْتُمْ به، ولَئِنْ قُلتُ لَكُمْ إنِّي بَرِيئَةٌ، واللَّهُ يَعْلَمُ إنِّي لَبَرِيئَةٌ لا تُصَدِّقُونِي بذلكَ، ولَئِنِ اعْتَرَفْتُ لَكُمْ بأَمْرٍ، واللَّهُ يَعْلَمُ أنِّي بَرِيئَةٌ لَتُصَدِّقُنِّي، واللَّهِ ما أجِدُ لي ولَكُمْ مَثَلًا، إلَّا أبَا يُوسُفَ إذْ قَالَ: ﴿فَصَبْرٌ جَمِيلٌ، واللَّهُ المُسْتَعَانُ علَى ما تَصِفُونَ﴾ [يوسف]
وقالت ذلك وهي تعلم بداخلها أنَّ الله -تعالى- سيُبرّئها.
ثمّ اضطجعت على فراشها تبكي.
نزول براءة السيدة عائشة
أنزل الله -تعالى- في كتابه الكريم آياتٍ تُبرّئ السيّدة عائشة -رضي الله عنها-؛ جزاءً على صبرها وتوكّلها على اللهِ -تعالى-، وكانت عائشة -رضي الله عنها- تقول في نفسها أنَّ الله -تعالى- سيُبرّئها، ولكنَّها قالت: (ولكن والله ما كنت أظن أنَّ الله منزل في شأني وحياً يُتلى)، فكانت ترى نفسها أقلّ شأناً من أن يتكلّم الله -عزّ وجلّ- بأمرها في قرآنٍ يُتلى إلى قيام الساعة، وتوقّعت تبرئتها برؤية النبيّ -عليه الصّلاةُ والسّلام- ذلك في المنام.
ولمَّا نزل الوحي ببراءةِ السيّدة عائشة -رضيَ الله عنها-، ذهبَ النبيّ -عليه السلام- إليها، وقالَ لها: (أبشري يا عائشة! أمَّا الله فقد برّأك)
وأنزلَ اللهُ -تعالى- عشر آياتٍ من سورة النور في تبرئتِها، وبدأت بقوله -تعالى-: (إِنَّ الَّذِينَ جَاءُوا بِالْإِفْكِ عُصْبَةٌ مِّنكُمْ لَا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَّكُم بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ لِكُلِّ امْرِئٍ مِّنْهُم مَّا اكْتَسَبَ مِنَ الْإِثْمِ وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذَابٌ عَظِيمٌ* لَّوْلَا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بِأَنفُسِهِمْ خَيْرًا وَقَالُوا هَـذَا إِفْكٌ مُّبِينٌ)،
إلى قولهِ -تعالى-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ وَمَن يَتَّبِعْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ فَإِنَّهُ يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّـهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ مَا زَكَى مِنكُم مِّنْ أَحَدٍ أَبَدًا وَلَـكِنَّ اللَّـهَ يُزَكِّي مَن يَشَاءُ وَاللَّـهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ).
فقد بيَّنت الآيات بشكلٍ واضحٍ وصريح براءة السيّدة عائشة -رضيَ الله عنها- ممَّا اتَّهمهُ بها أصحابُ الإفك، فطلبت أُمّ السيّدة عائشة -رضيَ الله عنها- منها أن تقوم وتشكر النبيّ -عليه الصّلاة والسّلام-، فقالت: لا أحمدُ إلَّا الله؛ ممَّا يدلُ على صفاءِ عقيدتها، وإيمانها وتوكّلها على اللهِ -تعالى.
فلما أنزل الله هذا في براءتي قال أبو بكر الصديق رضي الله عنه -وكان ينفق على مسطح بن أثاثة لقرابته منه وفقره-: والله، لا أنفق على مسطح شيئا أبدا بعد الذي قال لعائشة ما قال.
فأنزل الله: وَلَا يَأْتَلِ أُولُو الْفَضْلِ مِنْكُمْ وَالسَّعَةِ أَنْ يُؤْتُوا أُولِي الْقُرْبَى وَالْمَسَاكِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلَا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ .
قال أبو بكر: بلى والله إني أحب أن يغفر الله لي، فرجع إلى مسطح النفقة التي كان ينفق عليه، وقال: والله لا أنزعها منه أبدا.
هكذا نزل جبريل -عليه السّلام- بآياتٍ ببراءة السيدة عائشة رضي الله عنها، وانتهى الابتلاء الذي مرّ به رسول الله صلّى الله عليه وسلّم