❞ كان الركاب يشاهدون الاثنين، ويتبادلون النظرات، وتصدر عنهم أصوات قلِقة خافتة راح طفلان يبكيان كانت «راي» تجلس وراء المتخاصمين ببضع أقدام، وبالقرب من الباب الخلفي كانت تراقب الشابين، وتعرف أن العراك سوف يبدأ عندما تتحطم أعصاب أحدهما، أو تخطئ يد أحدهما أو تتوقف قدرة أحدهما على التفاهم.... ❝ ⏤اوكتافيا بتلر
❞ كان الركاب يشاهدون الاثنين، ويتبادلون النظرات، وتصدر عنهم أصوات قلِقة خافتة راح طفلان يبكيان كانت «راي» تجلس وراء المتخاصمين ببضع أقدام، وبالقرب من الباب الخلفي كانت تراقب الشابين، وتعرف أن العراك سوف يبدأ عندما تتحطم أعصاب أحدهما، أو تخطئ يد أحدهما أو تتوقف قدرة أحدهما على التفاهم. ❝
❞ المليونير الكبير الذي يموت . . جمع حوله أولاده الأربعة و راح يُملي على أكبرهم وصيته الأخيرة التي سينسخ بها جميع وصاياه السابقة .
إنه يُملي بصوت متهدج ، و الأولاد قد فتحوا أفواههم من الدهشة و كأنما يستمعون إلى شخص آخر غير أبيهم الذي عرفوه .
قال الرجل في صوت مهدم :
_ هناك مليون دولار ستوزع عليكم بالتساوي أما السبعة ملايين دولار الباقية ، فوصيتي أن تُبنَى بها مدارس و مستشفيات و ملاجيء و دار مسنين و معهد لتعليم الحِرَف . و على الأخ الأكبر إنشاء هذه المؤسسات الخيرية و إدارتها و رعايتها لتكون صدقة جارية ينتفع بها اليتيم و المريض و المحتاج .
و ارتفع صوت الإبن الصغير معترضاً :
_ و لكن يا أبي لا أحد منا له خبرة بهذه الأشياء .
و استمر الأب يُملي بصوته المتهدج :
_ و الإثنين مليون دولار في الخزينة .. يبنى بها مسجد و مستوصف و مقرأه للقرآن .
و تلفت الأبناء كل واحد يتصفح وجه الآخر في استغراب ، و عاد صوت الإبن الأصغر ليعترض :
_ليس هذا ما تعلمنا منك خلال حياتنا معك .. لقد ربيتنا على أعمال أخرى .. و الآن تفاجئنا بدور جديد لا نستطيع أن نقوم به . أنت في حياتك لم تدخل مسجداً و لم تصل ركعة و لم تفتح مصحفاً .. و لم تعط مليماً لمحتاج .. و لم تحدثنا حرفاً واحداً عن الدين أو الخير .. و كل ما تعلمناه منك هو كيف نستلم البضاعة من قبرص و ندخل بها مُهرَّبة إلى مصر .. و كيف نوزعها على الأعوان .. و كيف نقود اللنشات السريعة و عربات النقل و المقطورات و الهليكوبتر ، و كيف نستعمل البنادق السريعة الطلقات و القنابل اليدوية و مدافع الهاون عند اللزوم .. و كيف نحول المائة جنيه إلى مليون و لو قتلنا في سبيل ذلك كل رجال خفر السواحل .. علمتنا ألا نخاف أي شيء و ألا نعبأ بحاكم و لا بمحكوم و لا بحكومة .. و أن كل الذمم يمكن شراؤها و أن الذمة التي لا تقبل المائة سوف تقبل الألف ، و التي لا تقبل الألف سوف تقبل المليون .. و أنه لا يوجد كبير يتكبر على المال .. و أن كل الناس حشرات يمكن اصطيادها بالعسل .. و من لا يقع في العسل يقع في السم .. و أن العالم غابة لا أمان فيها .. و أن الشعار الوحيد الذي يصلح للتعامل في هذه الغابة .. هو .. أُقتُل قبل أن تُقْتَل .
هذا ما علمتنا إياه و لا نرى جديداً قد جد حتى تقول لنا كلاماً آخر .
_ الجديد أني أموت .. أنا أبوكم يموت .. و غداً أصبح رمة يأكلها الدود . تراباً لا يختلف كثيراً عن التراب الذي تطأونه بنعالكم .
_ هذا ليس أمراً جديداً عليك . فقد كنت ترى الموت حولك كل يوم يختطف أعوانك .. واحداً بعد آخر .. و كنت تمشي بنفسك في جنازاتهم ، و كنت أحياناً تقتلهم . أنت الذي كنت تقتلهم بيدك .. أو تصدر الأمر بقتلهم بنفس اللسان الذي يملي علينا الآن هذا الكلام عن بناء المساجد و الملاجيء و دور الأيتام و المقاريء .
_ لأن هذه المرة أنا الذي أموت .. أنا الذي دوَّخ أجهزة الأمن في مصر و الشام و العراق و تونس و الجزائر و إيطاليا و ألمانيا و اليونان .. أنا الشبح الذي لم يكن أحد يستطيع أن يضع يده عليه .. أنا اليوم معتقل بالشلل و العمى و بكرسي لا أستطيع أن أبارحه .. و أنا أنزف الدم من أمعائي و أموت ببطء .. و أصحو و أعود إلى الغيبوبة .
و الدقائق التي تبقت لي قليلة معدودة . لقد كنت أصنع الموت للألوف .. هذا صحيح . و لكن رؤية الموت تختلف كثيراً عن تذوقه .
الفارق كبير .. و أنا لا أريدكم أن تذوقوه كما أذوقه .. لابد أن يتغير كل شيء .. لقد أخطأت يا أولادي .. أخطأت بفظاعة ربما اكتشفت خطي بعد فوات الأوان .. و لكن هذا لا يغير شيئاً من النهاية .. إن الخطأ هو الخطأ .. اسمعوا .. هذه الوصية الجديدة هي التي يجب أن تنفَّذ .. هذا أمر .
و حاول أن يخرِج الطبنجة من جيبه . فلم يستطع .. و طلب من ابنه الكبير أن يناوله الطبنجة .
و مد الإبن الكبير يده في جيب أبيه و أخرج الطبنجة و ناولها له .. فأمسكها الأب في إعزاز و راح يلوح بها و أصابعه على الزناد ، ثم ناولها لإبنه الكبير قائلاً :
_ من يخالف هذه الوصية أطلق عليه النار و لو كان أخاك .. هذا آخر أمر .. هذا آخر أمر لي في هذه الدنيا . اقتل . اقتل .. بلا تردد أي إرادة تقف في سبيل هذه الوصية .. هذه الأموال في البنوك و في الخزائن ليست ملكي لترثوها .. إنها سرقات .. لا تكفير لها إلا أن تبني كما هدمت و تصنع من الحياة بقدر ما أعدمت .
_ و العمارات :
قالها الإبن الأصغر بصوت مرتجف .
_ تباع في مزادات و يصنع بثمنها نفس الشيء
_ و كازينو القمار .. و أوبرج ميلانو .. و شركات بيع السلاح في لندن .. و شقة باريس و فيللا جنيف .. و شاليهات فلوريدا .
_ تباع كلها . لا نصيب لأحد فيها .. و لا يد لأحد عليها .. و لا تؤول لأحد منكم .. إنها ملكي وحدي و أنا وهبتها لنفس الأغراض .. و ثمنها يكفي لإنشاء جامعة .
_ و نحن ماذا يبقى لنا و كيف نعيش ؟!
_ إن المليون دولار التي ستقسمونها بينكم . تساوي أربعة ملايين جنيه مصري .. أي مليون جنيه مصري لكل واحد فيكم .. و هي بداية تكفي لأن يبدأ كل منكم حياة شريفة ..
و بدت كلمة الشرف غريبة و هي تخرج من فم " الضبع " صاحب أكبر عصابة مخدرات في الشرق الأوسط ، و بدا لها رنين غريب في جو الصمت و الرهبة مما جعل كل ابن يتلفت في وجه أخيه و يقلب شفتيه ، في انتظار معجزة .
و كانت المفاجأة مرعبة .. فقد سحب الضبع الطبنجة من يد الإبن الكبير و لوح بها في وجوههم و أطلق الرصاص في الهواء .. و في كل اتجاه .. مما جعلهم يتقافزون في رعب و يلتصقون بالجدران بينما تهدج صوت الرجُل و هو ينطق :
_ هذا آخر أمر .. آخر أمر لي قبل أن أموت و لابد أن ينفذ .
و اختنق صوته و انطلق يلهث .
ثم سكن فجأة و سقط رأسه على صدره و لفظ آخر أنفاسه في صمت .
و أطبقت لحظة ثلجية من الذهول و الرعب على الجميع .. لا حركة .. و لا صوت .. و لا شيء سوى أنفاس مرتجفة و نبضات مضطربة و نظرات زائغة ، ثم بدأ الإبن الأصغر يتحرك و يسعل و يلوح بيديه في الهواء و لا يجد كلاماً
ثم ما لبث أن جمع أشتات نفسه ثم انفجر قائلاً :
_ لقد فعل كل شيء ، لم يترك جريمة لم يرتكبها ، لم يدع لذة لم ينتهبها ، لم يدع امرأة لم يغتصبها ، لم يدع شراً لم يقارفه ، لم يدع رذيلة لم يلهث خلفها .. و الآن و في آخر لحظة حينما فقد القوة على عمل أي شيء ، و حينما فقد الأمل في أي متعة و فقد القدرة على أي لذة .. الآن فقط يقرر أن يبعثر كل أمواله و يحرمنا منها لأنه أصبح ولياً من أولياء الله شغله الشاغل بناء المساجد و مقارئ القرآن و الملاجئ و بيوت الأيتام ، شيء غير مفهوم .
_ الدكتور الذي كشف عليه بالأمس قال أنه قد أصابه ضمور في المخ .
_ هي أعراض هذيان بلا شك .
_ إنه يخرج من غيبوبة ليعود إلى غيبوبة . و لا يمكن أن يؤخذ كلامه مأخذ الجد .
قال الإبن الكبير في هدوء مريب :
_ و لماذا لا يؤخذ كلامه على أنه توبة حقيقية ؟!
فأجاب الإبن الأصغر في عصبية :
_ توبة رجل مشلول فقد القدرة على كل شيء .. لا يمكن أن تكون توبة حقيقية .
قال الإبن الأوسط مؤيداً :
_ فعلاً . التوبة عن الذنب لا تكون مفهومة إلا من رجل قادر على الذنب .. فهو يقلع عن ذنبه بإرادته و اختياره .. أما فاقد الإرادة و فاقد الاختيار و فاقد القدرة .. فهو كذاب إذا ادعى فضيلة .. و إذا ادعى توبة .
قال الإبن الكبير بنفس النبرة الهادئة :
_ التوبة مسألة نية . و لا يحكم على صدق النيات إلا الله .. و ليس من حقنا أن نكذب الرجل فلا أحد منا يطلع على قلبه .
_ إن قلبه بلون القطران . حياته كلها تقول هذا
قال الإبن الأصغر :
_ إن حالته مثل حالة رجل تاب عن نزول البحر حينما فقد القدرة على السباحة
فأجاب الإبن الأكبر :
_ لا يمكن أن تتهمه بالكذب إلا إذا استعاد قدرته على السباحة و لم ينفذ وعده .. و نفس الشيء .. لا يمكن أن نتهم أبانا بالكذب إلا إذا استعاد حياته و استعاد صحته .. ثم عاود جرائمه .. و لم ينفذ وعده .. و هو مالا سبيل إلى معرفته .
_ ماذا تعني ؟
_ أعني أن الوصية واجبة .. و لا سبيل إلى الطعن عليها .. و سوف أحرص على تنفيذها : و أخرج طبنجته و وضعها على المائدة مُردِفاً :
_ و على من يقف في وجه إرادة الميت .. أن يستعد ليلحق به .
و قفز الإبن الأصغر مرتاعاً و هو يردد في دهشة :
_ هل جننت .. هل فقدت عقلك .. هل صدقت هذا المعتوه ؟!
و خرجت من الأخوين الآخرين تمتمات مرتعشة :
_ هل نحرم أنفسنا من مائة مليون جنيه لمجرد نزوة توبة خرجت من دماغ مشلول .
و نظر إليه الإبن الأكبر نظرة ثلجية و أجاب في بطء ثقيل :
_ و منذ متى كنا نلجأ إلى القضاء أو نحتكم إلى القانون أو نأخذ برأي العدل .
_ لم تعد هناك وصية .. انتهى كل شيء .
فأردف الإبن الأكبر في نبرة كرنين الفولاذ :
_ أنا الوصية .. و أنا القانون .. و أنا العدل .
و فجأة و في حركة غير محسوبة ، أخرج الإبن الأصغر مسدسه و أطلق رصاصة على أخيه الأكبر أصابت كتفه . و جاء الرد فورياً من الطبنجة في يد الأخ الأكبر سيلاً من الطلقات .. و انبطح الأخوة أرضاً يتبادلون الرصاص .
و أسفرت المذبحة عن ثلاثة قتلى و أفلت الأخ الأصغر من الموت .. ليسرع الخطى إلى الخزينة .. و إلى مخاب الدولارات في الجدران .. يفرغ كل شيء في حقيبة كبيرة و ليقفز بها إلى عربته المرسيدس و ليدوس على البنزين بأقصى سرعة و قد بسط أمامه خريطة كبيرة .. و راح ينظر فيها .. باحثاً عن خط سير مأمون إلى الصحراء الليبية عبر الحدود .. كانت ليبيا بعد فتح الحدود و إزالة الجمارك هي أكثر الأهداف أمناً .
و لم يتردد .
و أطلق لسيارته العنان و قد راوده الشعور بالأمن لأول مرة بعد ليلة عاصفة .. لم يكن يفكر في أي شيء .. و لم يكن نادماً على أي شيء .
كان يشعر بنفسه فقط .
و هكذا عاش دائماً لا يفكر إلا في نفسه و في لحظته .
و كان يؤمن بالحكمة التي علمها له أبوه .. أن كل الناس حشرات يمكن إصطيادها بالعسل . و من لا يقع منها في العسل يقع في السم .
و لم يحدث أن شعر مرة واحده بروابط العائلة أو صلة الدم .. و ما كان أبوه و اخوته إلا مجرد وسائل للثراء السريع و جمع الدولارات .. مجرد أعضاء عصابة يجتمعون و ينفضون على خطط القتل و الإجرام .. و يعود كل واحد آخر الليل إلى بيته لينام بلا ذرة ندم .
الشمس تغرب و ساعات أخرى بطيئة ثقيلة و مؤشر البنزين يقترب من الصفر و اللمبة الحمراء تضيء .
الخريطة تقول أن ما تبقى لبلوغ الحدود قليل ، ربما عشرة كيلومترات .. فإنه يستطيع أن يحمل حقيبته و يمشي الباقي على قدميه .. و ساعات أخرى قلقة متوترة .
و تتوقف العربة كخنزير أسود في صحراء حالكة الظلمة .
و يحمل حقيبته و ينزل .. ليمشي و قد وضع الخريطة في جيبه .
ساعة أخرى .. ساعتان .. ثلاث ساعات .. و تتهاوى ساقاه و يتكوم فينام على تل من الرمال الناعمة .. فاقد الوعي تماماً .
و ما تكاد تمر دقائق حتى ينتفض من لدغة تلسعه كالنار .
بطرف عينيه يرى ثعبان الطريشة يعود أدراجه ليغوص في الرمل بعد أن فعل فعلته .
إنه يعلم ماذا ستفعل به لدغة الطريشة من ثعبان بهذا الحجم الذي رآه .
لا أمل إنتهى كل شيء .
و زحف على بطنه ليفتح الحقيبة و يلقي نظرة أخيرة على ملايين الدولارات المكدسة . و بدأ السم يسري في دمه ليصل إلى مركز التنفس و يصيب عضلات التنفس بالشلل .
و بدأ صوته يتحشرج و يحتضر و يسلم الروح .
و هبت دوامة عاتية من الرمال بعثرت محتويات الحقيبة لتنتشر على مساحة شاسعة من الصحراء و تبعثر أكوام الدولارات إلى هباء .. أمام عينين تخمدان .
و مات آخر أبناء عائلة الضبع .
و عرف أخـيراً الفرق بيـن .. رؤيـــة المـــوت و بيـن تـذوقــه ..
و كـم كـان الفــارق كبيـــراً ...
..
قصة / نهاية الشبح .
من كتاب / الذين ضحكوا حتى البكاء
للدكتور / مصطفى محمود (رحمه الله). ❝ ⏤مصطفى محمود
❞ المليونير الكبير الذي يموت . . جمع حوله أولاده الأربعة و راح يُملي على أكبرهم وصيته الأخيرة التي سينسخ بها جميع وصاياه السابقة .
إنه يُملي بصوت متهدج ، و الأولاد قد فتحوا أفواههم من الدهشة و كأنما يستمعون إلى شخص آخر غير أبيهم الذي عرفوه .
قال الرجل في صوت مهدم :
_ هناك مليون دولار ستوزع عليكم بالتساوي أما السبعة ملايين دولار الباقية ، فوصيتي أن تُبنَى بها مدارس و مستشفيات و ملاجيء و دار مسنين و معهد لتعليم الحِرَف . و على الأخ الأكبر إنشاء هذه المؤسسات الخيرية و إدارتها و رعايتها لتكون صدقة جارية ينتفع بها اليتيم و المريض و المحتاج .
و ارتفع صوت الإبن الصغير معترضاً :
_ و لكن يا أبي لا أحد منا له خبرة بهذه الأشياء .
و استمر الأب يُملي بصوته المتهدج :
_ و الإثنين مليون دولار في الخزينة . يبنى بها مسجد و مستوصف و مقرأه للقرآن .
و تلفت الأبناء كل واحد يتصفح وجه الآخر في استغراب ، و عاد صوت الإبن الأصغر ليعترض :
_ليس هذا ما تعلمنا منك خلال حياتنا معك . لقد ربيتنا على أعمال أخرى . و الآن تفاجئنا بدور جديد لا نستطيع أن نقوم به . أنت في حياتك لم تدخل مسجداً و لم تصل ركعة و لم تفتح مصحفاً . و لم تعط مليماً لمحتاج . و لم تحدثنا حرفاً واحداً عن الدين أو الخير . و كل ما تعلمناه منك هو كيف نستلم البضاعة من قبرص و ندخل بها مُهرَّبة إلى مصر . و كيف نوزعها على الأعوان . و كيف نقود اللنشات السريعة و عربات النقل و المقطورات و الهليكوبتر ، و كيف نستعمل البنادق السريعة الطلقات و القنابل اليدوية و مدافع الهاون عند اللزوم . و كيف نحول المائة جنيه إلى مليون و لو قتلنا في سبيل ذلك كل رجال خفر السواحل . علمتنا ألا نخاف أي شيء و ألا نعبأ بحاكم و لا بمحكوم و لا بحكومة . و أن كل الذمم يمكن شراؤها و أن الذمة التي لا تقبل المائة سوف تقبل الألف ، و التي لا تقبل الألف سوف تقبل المليون . و أنه لا يوجد كبير يتكبر على المال . و أن كل الناس حشرات يمكن اصطيادها بالعسل . و من لا يقع في العسل يقع في السم . و أن العالم غابة لا أمان فيها . و أن الشعار الوحيد الذي يصلح للتعامل في هذه الغابة . هو . أُقتُل قبل أن تُقْتَل .
هذا ما علمتنا إياه و لا نرى جديداً قد جد حتى تقول لنا كلاماً آخر .
_ الجديد أني أموت . أنا أبوكم يموت . و غداً أصبح رمة يأكلها الدود . تراباً لا يختلف كثيراً عن التراب الذي تطأونه بنعالكم .
_ هذا ليس أمراً جديداً عليك . فقد كنت ترى الموت حولك كل يوم يختطف أعوانك . واحداً بعد آخر . و كنت تمشي بنفسك في جنازاتهم ، و كنت أحياناً تقتلهم . أنت الذي كنت تقتلهم بيدك . أو تصدر الأمر بقتلهم بنفس اللسان الذي يملي علينا الآن هذا الكلام عن بناء المساجد و الملاجيء و دور الأيتام و المقاريء .
_ لأن هذه المرة أنا الذي أموت . أنا الذي دوَّخ أجهزة الأمن في مصر و الشام و العراق و تونس و الجزائر و إيطاليا و ألمانيا و اليونان . أنا الشبح الذي لم يكن أحد يستطيع أن يضع يده عليه . أنا اليوم معتقل بالشلل و العمى و بكرسي لا أستطيع أن أبارحه . و أنا أنزف الدم من أمعائي و أموت ببطء . و أصحو و أعود إلى الغيبوبة .
و الدقائق التي تبقت لي قليلة معدودة . لقد كنت أصنع الموت للألوف . هذا صحيح . و لكن رؤية الموت تختلف كثيراً عن تذوقه .
الفارق كبير . و أنا لا أريدكم أن تذوقوه كما أذوقه . لابد أن يتغير كل شيء . لقد أخطأت يا أولادي . أخطأت بفظاعة ربما اكتشفت خطي بعد فوات الأوان . و لكن هذا لا يغير شيئاً من النهاية . إن الخطأ هو الخطأ . اسمعوا . هذه الوصية الجديدة هي التي يجب أن تنفَّذ . هذا أمر .
و حاول أن يخرِج الطبنجة من جيبه . فلم يستطع . و طلب من ابنه الكبير أن يناوله الطبنجة .
و مد الإبن الكبير يده في جيب أبيه و أخرج الطبنجة و ناولها له . فأمسكها الأب في إعزاز و راح يلوح بها و أصابعه على الزناد ، ثم ناولها لإبنه الكبير قائلاً :
_ من يخالف هذه الوصية أطلق عليه النار و لو كان أخاك . هذا آخر أمر . هذا آخر أمر لي في هذه الدنيا . اقتل . اقتل . بلا تردد أي إرادة تقف في سبيل هذه الوصية . هذه الأموال في البنوك و في الخزائن ليست ملكي لترثوها . إنها سرقات . لا تكفير لها إلا أن تبني كما هدمت و تصنع من الحياة بقدر ما أعدمت .
_ و العمارات :
قالها الإبن الأصغر بصوت مرتجف .
_ تباع في مزادات و يصنع بثمنها نفس الشيء
_ و كازينو القمار . و أوبرج ميلانو . و شركات بيع السلاح في لندن . و شقة باريس و فيللا جنيف . و شاليهات فلوريدا .
_ تباع كلها . لا نصيب لأحد فيها . و لا يد لأحد عليها . و لا تؤول لأحد منكم . إنها ملكي وحدي و أنا وهبتها لنفس الأغراض . و ثمنها يكفي لإنشاء جامعة .
_ و نحن ماذا يبقى لنا و كيف نعيش ؟!
_ إن المليون دولار التي ستقسمونها بينكم . تساوي أربعة ملايين جنيه مصري . أي مليون جنيه مصري لكل واحد فيكم . و هي بداية تكفي لأن يبدأ كل منكم حياة شريفة .
و بدت كلمة الشرف غريبة و هي تخرج من فم ˝ الضبع ˝ صاحب أكبر عصابة مخدرات في الشرق الأوسط ، و بدا لها رنين غريب في جو الصمت و الرهبة مما جعل كل ابن يتلفت في وجه أخيه و يقلب شفتيه ، في انتظار معجزة .
و كانت المفاجأة مرعبة . فقد سحب الضبع الطبنجة من يد الإبن الكبير و لوح بها في وجوههم و أطلق الرصاص في الهواء . و في كل اتجاه . مما جعلهم يتقافزون في رعب و يلتصقون بالجدران بينما تهدج صوت الرجُل و هو ينطق :
_ هذا آخر أمر . آخر أمر لي قبل أن أموت و لابد أن ينفذ .
و اختنق صوته و انطلق يلهث .
ثم سكن فجأة و سقط رأسه على صدره و لفظ آخر أنفاسه في صمت .
و أطبقت لحظة ثلجية من الذهول و الرعب على الجميع . لا حركة . و لا صوت . و لا شيء سوى أنفاس مرتجفة و نبضات مضطربة و نظرات زائغة ، ثم بدأ الإبن الأصغر يتحرك و يسعل و يلوح بيديه في الهواء و لا يجد كلاماً
ثم ما لبث أن جمع أشتات نفسه ثم انفجر قائلاً :
_ لقد فعل كل شيء ، لم يترك جريمة لم يرتكبها ، لم يدع لذة لم ينتهبها ، لم يدع امرأة لم يغتصبها ، لم يدع شراً لم يقارفه ، لم يدع رذيلة لم يلهث خلفها . و الآن و في آخر لحظة حينما فقد القوة على عمل أي شيء ، و حينما فقد الأمل في أي متعة و فقد القدرة على أي لذة . الآن فقط يقرر أن يبعثر كل أمواله و يحرمنا منها لأنه أصبح ولياً من أولياء الله شغله الشاغل بناء المساجد و مقارئ القرآن و الملاجئ و بيوت الأيتام ، شيء غير مفهوم .
_ الدكتور الذي كشف عليه بالأمس قال أنه قد أصابه ضمور في المخ .
_ هي أعراض هذيان بلا شك .
_ إنه يخرج من غيبوبة ليعود إلى غيبوبة . و لا يمكن أن يؤخذ كلامه مأخذ الجد .
قال الإبن الكبير في هدوء مريب :
_ و لماذا لا يؤخذ كلامه على أنه توبة حقيقية ؟!
فأجاب الإبن الأصغر في عصبية :
_ توبة رجل مشلول فقد القدرة على كل شيء . لا يمكن أن تكون توبة حقيقية .
قال الإبن الأوسط مؤيداً :
_ فعلاً . التوبة عن الذنب لا تكون مفهومة إلا من رجل قادر على الذنب . فهو يقلع عن ذنبه بإرادته و اختياره . أما فاقد الإرادة و فاقد الاختيار و فاقد القدرة . فهو كذاب إذا ادعى فضيلة . و إذا ادعى توبة .
قال الإبن الكبير بنفس النبرة الهادئة :
_ التوبة مسألة نية . و لا يحكم على صدق النيات إلا الله . و ليس من حقنا أن نكذب الرجل فلا أحد منا يطلع على قلبه .
_ إن قلبه بلون القطران . حياته كلها تقول هذا
قال الإبن الأصغر :
_ إن حالته مثل حالة رجل تاب عن نزول البحر حينما فقد القدرة على السباحة
فأجاب الإبن الأكبر :
_ لا يمكن أن تتهمه بالكذب إلا إذا استعاد قدرته على السباحة و لم ينفذ وعده . و نفس الشيء . لا يمكن أن نتهم أبانا بالكذب إلا إذا استعاد حياته و استعاد صحته . ثم عاود جرائمه . و لم ينفذ وعده . و هو مالا سبيل إلى معرفته .
_ ماذا تعني ؟
_ أعني أن الوصية واجبة . و لا سبيل إلى الطعن عليها . و سوف أحرص على تنفيذها : و أخرج طبنجته و وضعها على المائدة مُردِفاً :
_ و على من يقف في وجه إرادة الميت . أن يستعد ليلحق به .
و قفز الإبن الأصغر مرتاعاً و هو يردد في دهشة :
_ هل جننت . هل فقدت عقلك . هل صدقت هذا المعتوه ؟!
و خرجت من الأخوين الآخرين تمتمات مرتعشة :
_ هل نحرم أنفسنا من مائة مليون جنيه لمجرد نزوة توبة خرجت من دماغ مشلول .
و نظر إليه الإبن الأكبر نظرة ثلجية و أجاب في بطء ثقيل :
_ و منذ متى كنا نلجأ إلى القضاء أو نحتكم إلى القانون أو نأخذ برأي العدل .
_ لم تعد هناك وصية . انتهى كل شيء .
فأردف الإبن الأكبر في نبرة كرنين الفولاذ :
_ أنا الوصية . و أنا القانون . و أنا العدل .
و فجأة و في حركة غير محسوبة ، أخرج الإبن الأصغر مسدسه و أطلق رصاصة على أخيه الأكبر أصابت كتفه . و جاء الرد فورياً من الطبنجة في يد الأخ الأكبر سيلاً من الطلقات . و انبطح الأخوة أرضاً يتبادلون الرصاص .
و أسفرت المذبحة عن ثلاثة قتلى و أفلت الأخ الأصغر من الموت . ليسرع الخطى إلى الخزينة . و إلى مخاب الدولارات في الجدران . يفرغ كل شيء في حقيبة كبيرة و ليقفز بها إلى عربته المرسيدس و ليدوس على البنزين بأقصى سرعة و قد بسط أمامه خريطة كبيرة . و راح ينظر فيها . باحثاً عن خط سير مأمون إلى الصحراء الليبية عبر الحدود . كانت ليبيا بعد فتح الحدود و إزالة الجمارك هي أكثر الأهداف أمناً .
و لم يتردد .
و أطلق لسيارته العنان و قد راوده الشعور بالأمن لأول مرة بعد ليلة عاصفة . لم يكن يفكر في أي شيء . و لم يكن نادماً على أي شيء .
كان يشعر بنفسه فقط .
و هكذا عاش دائماً لا يفكر إلا في نفسه و في لحظته .
و كان يؤمن بالحكمة التي علمها له أبوه . أن كل الناس حشرات يمكن إصطيادها بالعسل . و من لا يقع منها في العسل يقع في السم .
و لم يحدث أن شعر مرة واحده بروابط العائلة أو صلة الدم . و ما كان أبوه و اخوته إلا مجرد وسائل للثراء السريع و جمع الدولارات . مجرد أعضاء عصابة يجتمعون و ينفضون على خطط القتل و الإجرام . و يعود كل واحد آخر الليل إلى بيته لينام بلا ذرة ندم .
الشمس تغرب و ساعات أخرى بطيئة ثقيلة و مؤشر البنزين يقترب من الصفر و اللمبة الحمراء تضيء .
الخريطة تقول أن ما تبقى لبلوغ الحدود قليل ، ربما عشرة كيلومترات . فإنه يستطيع أن يحمل حقيبته و يمشي الباقي على قدميه . و ساعات أخرى قلقة متوترة .
و تتوقف العربة كخنزير أسود في صحراء حالكة الظلمة .
و يحمل حقيبته و ينزل . ليمشي و قد وضع الخريطة في جيبه .
ساعة أخرى . ساعتان . ثلاث ساعات . و تتهاوى ساقاه و يتكوم فينام على تل من الرمال الناعمة . فاقد الوعي تماماً .
و ما تكاد تمر دقائق حتى ينتفض من لدغة تلسعه كالنار .
بطرف عينيه يرى ثعبان الطريشة يعود أدراجه ليغوص في الرمل بعد أن فعل فعلته .
إنه يعلم ماذا ستفعل به لدغة الطريشة من ثعبان بهذا الحجم الذي رآه .
لا أمل إنتهى كل شيء .
و زحف على بطنه ليفتح الحقيبة و يلقي نظرة أخيرة على ملايين الدولارات المكدسة . و بدأ السم يسري في دمه ليصل إلى مركز التنفس و يصيب عضلات التنفس بالشلل .
و بدأ صوته يتحشرج و يحتضر و يسلم الروح .
و هبت دوامة عاتية من الرمال بعثرت محتويات الحقيبة لتنتشر على مساحة شاسعة من الصحراء و تبعثر أكوام الدولارات إلى هباء . أمام عينين تخمدان .
و مات آخر أبناء عائلة الضبع .
و عرف أخـيراً الفرق بيـن . رؤيـــة المـــوت و بيـن تـذوقــه .
و كـم كـان الفــارق كبيـــراً ..
.
قصة / نهاية الشبح .
من كتاب / الذين ضحكوا حتى البكاء
للدكتور / مصطفى محمود (رحمه الله). ❝
❞ منصة واتباد
واتباد (Wattpad) هي منصة على الإنترنت تمكّن الكتّاب من نشر قصصهم بشكل مجاني، وتتيح للقرّاء قراءة هذه القصص بشكل مجاني أيضًا. تأسست واتباد في عام 2006 وأصبحت واحدة من أكبر وأشهر منصات القصص الإلكترونية على مستوى العالم.
ميزات واتباد تشمل:
1. *النشر الذاتي: * يمكن للكتّاب نشر قصصهم بشكل مستقل على واتباد دون الحاجة إلى ناشر تقليدي.
2. *التفاعل مع القرّاء: * يتيح واتباد للقرّاء تقديم تعليقات وتقييمات وإضافة القصص إلى قائمة القراءة لديهم.
3. *تنوع الأنواع: * تشمل القصص على واتباد مجموعة واسعة من الأنواع مثل الرومانسية، والفانتازيا، والعلمية، والرعب، والدراما، والخيال.
4. *الوصول المجاني: * يمكن للمستخدمين الوصول إلى محتوى القصص بشكل مجاني، مع إمكانية الحصول على إصدارات مدفوعة إذا كانت متاحة.
5. *تحويل القصص إلى أفلام أو مسلسلات: * قد تحصل بعض القصص على اهتمام من قبل الصناعة السينمائية والتلفزيونية لتحويلها إلى أفلام أو مسلسلات.
6. *المجتمع الأدبي: * تشكل واتباد مجتمعًا للكتّاب والقرّاء يتفاعلون مع بعضهم البعض ويتبادلون الخبرات والمشورة.
واتباد أصبحت منصة شهيرة وشعبية، خاصةً بين الشبان والشابات، وقد ساهمت في إطلاق مسيرات لكتّاب حققوا شهرة واسعة بفضل قصصهم على المنصة.. ❝ ⏤حساب محذوف
❞ منصة واتباد
واتباد (Wattpad) هي منصة على الإنترنت تمكّن الكتّاب من نشر قصصهم بشكل مجاني، وتتيح للقرّاء قراءة هذه القصص بشكل مجاني أيضًا. تأسست واتباد في عام 2006 وأصبحت واحدة من أكبر وأشهر منصات القصص الإلكترونية على مستوى العالم.
ميزات واتباد تشمل:
1. *النشر الذاتي: * يمكن للكتّاب نشر قصصهم بشكل مستقل على واتباد دون الحاجة إلى ناشر تقليدي.
2. *التفاعل مع القرّاء: * يتيح واتباد للقرّاء تقديم تعليقات وتقييمات وإضافة القصص إلى قائمة القراءة لديهم.
3. *تنوع الأنواع: * تشمل القصص على واتباد مجموعة واسعة من الأنواع مثل الرومانسية، والفانتازيا، والعلمية، والرعب، والدراما، والخيال.
4. *الوصول المجاني: * يمكن للمستخدمين الوصول إلى محتوى القصص بشكل مجاني، مع إمكانية الحصول على إصدارات مدفوعة إذا كانت متاحة.
5. *تحويل القصص إلى أفلام أو مسلسلات: * قد تحصل بعض القصص على اهتمام من قبل الصناعة السينمائية والتلفزيونية لتحويلها إلى أفلام أو مسلسلات.
6. *المجتمع الأدبي: * تشكل واتباد مجتمعًا للكتّاب والقرّاء يتفاعلون مع بعضهم البعض ويتبادلون الخبرات والمشورة.
واتباد أصبحت منصة شهيرة وشعبية، خاصةً بين الشبان والشابات، وقد ساهمت في إطلاق مسيرات لكتّاب حققوا شهرة واسعة بفضل قصصهم على المنصة. ❝
❞ وعندما ترقد هي في القبر سوف يبكي أقرباؤها أول يوم .. يتبادلون ابتسامات متحفظة ثاني يوم .. يتشاجرون على المعاش ثالث يوم .. ينسون كل شيء عنها رابع يوم ..
الإنسان وحيد ..
هذه حقيقة لا شك فيها !. ❝ ⏤أحمد خالد توفيق
❞ وعندما ترقد هي في القبر سوف يبكي أقرباؤها أول يوم . يتبادلون ابتسامات متحفظة ثاني يوم . يتشاجرون على المعاش ثالث يوم . ينسون كل شيء عنها رابع يوم .
الإنسان وحيد .
هذه حقيقة لا شك فيها !. ❝
❞ ابتسموا مع كل كلمة خرجت من شريف، لكن فجأة، انطلقت صرخات ذات لتتغلب على الأجواء، مما جعلهم ينتفضون وكأنهم تعرضوا لصاعقة. ركضوا جميعاً في اتجاه الصوت، قلوبهم تتسارع ووجوههم تكتسي بالقلق، ليجدوا ذات في حالة من جنون الهستيريا، تحطم كل شيء حولها، كأن العالم من حولها يتفكك بلا هوادة. اقترب مهران منها ببطء، وعينيه المتسعة بالقلق، وكأن كل خطوة يخطوها نحوها كانت تحتاج إلى شجاعته. نطق بنبرة مفعمة بالشفقة، محاولاً أن يهدئ من روعها:
\"ذات، أهدي، علشان خاطري، أنا جنبك أهو.\"
حركت رأسها، ودموعها تسيل كأنها نهر لا ينتهي، وهي تصرخ بأقصى صوتها:
\"عاااايزه الجرعه حرام عليكم، بمووووت، لو بتحبني بجد يا مهران، هاتلي الجرعه، أنقذني من الوجع اللي حاسه بي...\"
وانهارت على الأرض، وكأن الروح تنسحب منها ببطء، مضيفة بدموع:
\"أبوس ايديكم، ارحموني من العذاب ده، روحي بتنسحب مني بالبطئ.\"
كانت بارعة في تصوير آلامها، وكأنها تضع كل معاناتها بين يدي من حولها، عازفة على أوتار الرحمة والعطف.
كاد مهران أن يندفع نحوها، لكن تردد عندما منعته مديحه، رغم تساؤلاتها الحائرة عن سبب وجود هذه الفتاة في منزل ابنها، إلا أن غريزة الأمومة داخلها غلبت على كافة الأفكار السلبية. اقتربت من ذات وجثت بجوارها، تراقب حالتها بعينين مليئتين بالشفقة، وحين أخذتها في حضنها برفق، شعرت وكأنها تحتضن كل آلام العالم. تربت على ظهرها بحنان، متحدثة بلكنة ساحرة، وتلقي عليها بعض الآيات القرآنية التي فارقت جدران الغرفة، لتمنح ذات شيئاً من السكينة. وبالفعل، بدأت ذات تهدأ داخل أحضان مديحه، مما أثار استغراب الجميع، فبدت وكأن السكون عاد ليخيم على المكان بعد عاصفة من الفوضى. تحدثت مديحه بنبرة هادئة وحنونة، قائلة:
\"أنا مش عارفه أيه وصلك للحالة اللي أنتي فيها دي، بس مدام أنتي موجودة هنا في شقة ابني، يبقى أنتي إنسانة كويسة ومهمة اوي عنده. وتستحقي الفرصة، علشان كده عايزاكي تقوي، أنتي في اختبار من ربنا هو صعب شوية، لكن نتيجة صبرك على الابتلاء ده جميلة اوي، أقوي يا بنتي وخليكي خصم قوي لتعاطي، حربية بكل عزيمة وإراده، كل ما تحسي أنك عايزة تخدي الجرعة، رددي الاذكار على لسانك، حفظاها؟\"
كانت كلماتها كبلسم للجروح، تعمل على التخفيف من ثقل الألم الذي كانت تحياه. نظرت لها ذات بتيه، وحركت رأسها بالنفي. لكن في عينيها كان هناك بريق من الأمل، يلوح في الأفق كأنما يضيء طريق مستقل نحو الشفاء. كانت تشعر بأن هناك من يفهمها، من يمد لها يد العون في أحلك الأوقات، رغم الفوضى التي تعيشها.
ابتسمت لها مديحه بابتسامة عطوفة، تحمل في طياتها كل الأمل والدعم، وتحدثت بصوت رقيق وحميم:
\"أنا هحفظهم ليكي، وهحفظك القرأن، وهعلمك الصلاة، وإن شاءالله هتعدي المحنه دي بأمر الله.\"
تمسكت ذات بها بقوة، وكأن مديحه هي طوق نجاة أرسل إليها من السماء، مما خفف من وطأة الآلام التي كانت تعانيها. تحت جناح مديحه، شعرت بالراحة والسكينة تتسلل إلى قلبها، وبدون أن تدري، غفلت عيناها وسقطت في نوم عميق كما لو كانت تبحر في عالم من الأحلام البعيدة حيث كل شيء يبدو أكثر إشراقاً وأمنًا.بينما كان مهران يتابع المشهد بسعادة غامرة تعكس مشاعره العميقة تجاههما، رآى والدته تحمل من الحنان والعطف ما يعوض محبوبته عن كل ما فقدته. انزاح قلبه بارتياح عندما رأى ذات غافية داخل حضن والدته، فاقترب منهم بهدوء، وقبّل رأس والدته كعلامة شكر وامتنان على ما قدمته من دعم واحتواء. ثم انحنى ليحمل ذات بلطف حذر ووديع، وضَعَها برقة على السرير، وقبل جبهتها بحب وحنان قبل أن يخرجوا جميعاً من الغرفة ويغلق الباب خلفهم، تاركين خلفهم لحظة ساحرة من الأمان والسكينة.نظر إلى والدته باحترام عميق، وقبل أن يتمكن من توضيح طبيعة علاقته مع ذات، تحدثت سريعاً، قائلة:
\"مش محتاج توضح حاجه يا ابني، عيونك قالت كل حاجه خوفك عليها وضحلي هي أيه بالنسبالك، ومتأكده من تربيتي ليك، وواثقه مش مهران مراد، اللى يعمل حاجه تغضب ربنا، ربنا يشفيها يا حبيبي ويجمع ما بينكم في خير.\"
ابتسم لها مهران بامتنان، شاكراً إياها على فهمها ودعمها، قائلاً:
\"ربنا يخليكي لي يا ست الكل، ومتقلقيش، ذات مراتي. مستحيل كنت هسيبها تعيش معايا في اوضي، ألا وكان بينا حاجه رسميه انا تربيتك انتي.\"
ربتت على ظهره بحنان، وكلماتها المحلية كانت تنم عن دفء العلاقات الأسرية:
\"ربنا يسعدكم يا حبيبي، ويرزقكم الذرية الصالحة.\"
احتضنها مهران بسعادة غامرة، وكأن العالم بأسره قد أصبح أكثر إشراقاً، وعادوا مرة أخرى للجلوس على مقاعدهم، يتبادلون الأحاديث حول شتى الأمور بسلاسة، مما أضفى روح التفاؤل والأمل على الغرفة بأسرها.. ❝ ⏤
❞ ابتسموا مع كل كلمة خرجت من شريف، لكن فجأة، انطلقت صرخات ذات لتتغلب على الأجواء، مما جعلهم ينتفضون وكأنهم تعرضوا لصاعقة. ركضوا جميعاً في اتجاه الصوت، قلوبهم تتسارع ووجوههم تكتسي بالقلق، ليجدوا ذات في حالة من جنون الهستيريا، تحطم كل شيء حولها، كأن العالم من حولها يتفكك بلا هوادة. اقترب مهران منها ببطء، وعينيه المتسعة بالقلق، وكأن كل خطوة يخطوها نحوها كانت تحتاج إلى شجاعته. نطق بنبرة مفعمة بالشفقة، محاولاً أن يهدئ من روعها:
˝ذات، أهدي، علشان خاطري، أنا جنبك أهو.˝
حركت رأسها، ودموعها تسيل كأنها نهر لا ينتهي، وهي تصرخ بأقصى صوتها:
˝عاااايزه الجرعه حرام عليكم، بمووووت، لو بتحبني بجد يا مهران، هاتلي الجرعه، أنقذني من الوجع اللي حاسه بي..˝
وانهارت على الأرض، وكأن الروح تنسحب منها ببطء، مضيفة بدموع:
˝أبوس ايديكم، ارحموني من العذاب ده، روحي بتنسحب مني بالبطئ.˝
كانت بارعة في تصوير آلامها، وكأنها تضع كل معاناتها بين يدي من حولها، عازفة على أوتار الرحمة والعطف.
كاد مهران أن يندفع نحوها، لكن تردد عندما منعته مديحه، رغم تساؤلاتها الحائرة عن سبب وجود هذه الفتاة في منزل ابنها، إلا أن غريزة الأمومة داخلها غلبت على كافة الأفكار السلبية. اقتربت من ذات وجثت بجوارها، تراقب حالتها بعينين مليئتين بالشفقة، وحين أخذتها في حضنها برفق، شعرت وكأنها تحتضن كل آلام العالم. تربت على ظهرها بحنان، متحدثة بلكنة ساحرة، وتلقي عليها بعض الآيات القرآنية التي فارقت جدران الغرفة، لتمنح ذات شيئاً من السكينة. وبالفعل، بدأت ذات تهدأ داخل أحضان مديحه، مما أثار استغراب الجميع، فبدت وكأن السكون عاد ليخيم على المكان بعد عاصفة من الفوضى. تحدثت مديحه بنبرة هادئة وحنونة، قائلة:
˝أنا مش عارفه أيه وصلك للحالة اللي أنتي فيها دي، بس مدام أنتي موجودة هنا في شقة ابني، يبقى أنتي إنسانة كويسة ومهمة اوي عنده. وتستحقي الفرصة، علشان كده عايزاكي تقوي، أنتي في اختبار من ربنا هو صعب شوية، لكن نتيجة صبرك على الابتلاء ده جميلة اوي، أقوي يا بنتي وخليكي خصم قوي لتعاطي، حربية بكل عزيمة وإراده، كل ما تحسي أنك عايزة تخدي الجرعة، رددي الاذكار على لسانك، حفظاها؟˝
كانت كلماتها كبلسم للجروح، تعمل على التخفيف من ثقل الألم الذي كانت تحياه. نظرت لها ذات بتيه، وحركت رأسها بالنفي. لكن في عينيها كان هناك بريق من الأمل، يلوح في الأفق كأنما يضيء طريق مستقل نحو الشفاء. كانت تشعر بأن هناك من يفهمها، من يمد لها يد العون في أحلك الأوقات، رغم الفوضى التي تعيشها.
ابتسمت لها مديحه بابتسامة عطوفة، تحمل في طياتها كل الأمل والدعم، وتحدثت بصوت رقيق وحميم:
˝أنا هحفظهم ليكي، وهحفظك القرأن، وهعلمك الصلاة، وإن شاءالله هتعدي المحنه دي بأمر الله.˝
تمسكت ذات بها بقوة، وكأن مديحه هي طوق نجاة أرسل إليها من السماء، مما خفف من وطأة الآلام التي كانت تعانيها. تحت جناح مديحه، شعرت بالراحة والسكينة تتسلل إلى قلبها، وبدون أن تدري، غفلت عيناها وسقطت في نوم عميق كما لو كانت تبحر في عالم من الأحلام البعيدة حيث كل شيء يبدو أكثر إشراقاً وأمنًا.بينما كان مهران يتابع المشهد بسعادة غامرة تعكس مشاعره العميقة تجاههما، رآى والدته تحمل من الحنان والعطف ما يعوض محبوبته عن كل ما فقدته. انزاح قلبه بارتياح عندما رأى ذات غافية داخل حضن والدته، فاقترب منهم بهدوء، وقبّل رأس والدته كعلامة شكر وامتنان على ما قدمته من دعم واحتواء. ثم انحنى ليحمل ذات بلطف حذر ووديع، وضَعَها برقة على السرير، وقبل جبهتها بحب وحنان قبل أن يخرجوا جميعاً من الغرفة ويغلق الباب خلفهم، تاركين خلفهم لحظة ساحرة من الأمان والسكينة.نظر إلى والدته باحترام عميق، وقبل أن يتمكن من توضيح طبيعة علاقته مع ذات، تحدثت سريعاً، قائلة:
˝مش محتاج توضح حاجه يا ابني، عيونك قالت كل حاجه خوفك عليها وضحلي هي أيه بالنسبالك، ومتأكده من تربيتي ليك، وواثقه مش مهران مراد، اللى يعمل حاجه تغضب ربنا، ربنا يشفيها يا حبيبي ويجمع ما بينكم في خير.˝
ابتسم لها مهران بامتنان، شاكراً إياها على فهمها ودعمها، قائلاً:
˝ربنا يخليكي لي يا ست الكل، ومتقلقيش، ذات مراتي. مستحيل كنت هسيبها تعيش معايا في اوضي، ألا وكان بينا حاجه رسميه انا تربيتك انتي.˝
ربتت على ظهره بحنان، وكلماتها المحلية كانت تنم عن دفء العلاقات الأسرية:
˝ربنا يسعدكم يا حبيبي، ويرزقكم الذرية الصالحة.˝
احتضنها مهران بسعادة غامرة، وكأن العالم بأسره قد أصبح أكثر إشراقاً، وعادوا مرة أخرى للجلوس على مقاعدهم، يتبادلون الأحاديث حول شتى الأمور بسلاسة، مما أضفى روح التفاؤل والأمل على الغرفة بأسرها. ❝