❞ نحو المجهول تائهة بين الزقاق، تحاصرني الظلال، ويأسرني الدجى، صرخاتٌ تتردد بين أضلعي، كأصداء أرواحٍ عالقة بين العوالم، والسموم تخنق أنفاسي كضبابٍ ثقيل يطبق على صدري، أفرُّ من الورى كرحّالةٍ هائم، أهرب من وجوه البشر وأصادق الطبيعة، أتنقل بلا وجهة، حتى قادتني البوصلة إلى حيث يشع النور، حيث البحر يفتح ذراعيه لي، والنسمات المالحة تلفح وجهي كهمسات وداعٍ لزمنٍ مضى، كأنني عثرتُ أخيرًا على موطني الضائع، هناك…محت الشمس بضوئها الدجى، كأنها تغسل خطايا الليل، وغسلت مياه البحر روحي، فصار الملح ندبي، والوحدة ظلي، والسفر أنفاسي، لوَّنتُ دربي بمراكب الحياة، وغُصتُ في أسرار البحر كغواصٍ يبحث في الأعماق عن ملامحه المفقودة، ومع كل موجةٍ تعانقني، أدركتُ أن البحر توأمي، في غضبه وسرِّه وتقلباته، لكننا نفترق في الغدر، فقد قطعنا عهدًا ألا يخونني، كما أثق أنا به، لكن البحر خانني، جرفني إلى جوفه، كاد يسحبني إلى عالمه الأزلي، حيث لا عودة، كنتُ عائمًا على حافة العدم، والمياه تسحبني نحو العتمة، هناك… حيث يقولون: \"مثلث برمودا،\" كنت سأصبح طيفًا يُروى عنه، مجرَّد ذكرى على صفحات الغرقى، لن أعود، أم أن هناك من سينتشلني؟ لا أدري، لكن ما أدركته أن البحر ليس سوى انعكاسٍ لأصدقائي الذين فررتُ منهم، تمامًا كما خذلوني، خذلني هو أيضًا، وها أنا أعود للسير في الطبيعة، بين الصحارى والأشجار، أراقب البحر من بعيد، لكنه لم يعد صديقي، كأنني أعاتبه بصمت، وكأنه يفهمني، نحن الآن غريبان، نظل ندور حول بعضنا دون اقتراب، لا أدري متى ستنتهي وجهتي، ولا إلى أين تأخذني قدماي، لكنني أعرف شيئًا واحدًا، أني لن أخطئ مرةً أخرى في اختيار من أثق به. لـِ ندى العطفي بيلا. ❝ ⏤Nada Elatfe
❞ نحو المجهول
تائهة بين الزقاق، تحاصرني الظلال، ويأسرني الدجى، صرخاتٌ تتردد بين أضلعي، كأصداء أرواحٍ عالقة بين العوالم، والسموم تخنق أنفاسي كضبابٍ ثقيل يطبق على صدري، أفرُّ من الورى كرحّالةٍ هائم، أهرب من وجوه البشر وأصادق الطبيعة، أتنقل بلا وجهة، حتى قادتني البوصلة إلى حيث يشع النور، حيث البحر يفتح ذراعيه لي، والنسمات المالحة تلفح وجهي كهمسات وداعٍ لزمنٍ مضى، كأنني عثرتُ أخيرًا على موطني الضائع، هناك…محت الشمس بضوئها الدجى، كأنها تغسل خطايا الليل، وغسلت مياه البحر روحي، فصار الملح ندبي، والوحدة ظلي، والسفر أنفاسي، لوَّنتُ دربي بمراكب الحياة، وغُصتُ في أسرار البحر كغواصٍ يبحث في الأعماق عن ملامحه المفقودة، ومع كل موجةٍ تعانقني، أدركتُ أن البحر توأمي، في غضبه وسرِّه وتقلباته، لكننا نفترق في الغدر، فقد قطعنا عهدًا ألا يخونني، كما أثق أنا به، لكن البحر خانني، جرفني إلى جوفه، كاد يسحبني إلى عالمه الأزلي، حيث لا عودة، كنتُ عائمًا على حافة العدم، والمياه تسحبني نحو العتمة، هناك… حيث يقولون: ˝مثلث برمودا،˝ كنت سأصبح طيفًا يُروى عنه، مجرَّد ذكرى على صفحات الغرقى، لن أعود، أم أن هناك من سينتشلني؟ لا أدري، لكن ما أدركته أن البحر ليس سوى انعكاسٍ لأصدقائي الذين فررتُ منهم، تمامًا كما خذلوني، خذلني هو أيضًا، وها أنا أعود للسير في الطبيعة، بين الصحارى والأشجار، أراقب البحر من بعيد، لكنه لم يعد صديقي، كأنني أعاتبه بصمت، وكأنه يفهمني، نحن الآن غريبان، نظل ندور حول بعضنا دون اقتراب، لا أدري متى ستنتهي وجهتي، ولا إلى أين تأخذني قدماي، لكنني أعرف شيئًا واحدًا، أني لن أخطئ مرةً أخرى في اختيار من أثق به.