كان الرجل يجلس مكتوف اليدين .. معصوب العينين .. لا يعرف... 💬 أقوال مصطفى محمود 📖 كتاب نقطة الغليان
- 📖 من ❞ كتاب نقطة الغليان ❝ مصطفى محمود 📖
█ كان الرجل يجلس مكتوف اليدين معصوب العينين لا يعرف أين متى منْ الذي يضع فوهة المسدس رأسه إنما هو ظلام حالك صوت أجش يخرج من بطن الظُلمة : ●● أنت محمود السويفي ؟ ● نعم ●● تعترف أنك كافر مارق زنديق خارج دين الله تساند دولة الكُفر تؤيدها أنا أقول إله إلا محمد رسول فكيف أكون كافراً ؟ ●● لو كنت تقول إن محمداً بحق لاتبعته ● أتبعه قدر طاقتي يُطلق لحيته تحلقها تدَّعي إتباعه يركب البغلة أنتم تركبون القطار فهل خرجتم السُنّة بذلك ! إن معنى الأفعال الدالة الخُلُق القِيم ليست أية أفعال اللحية تدُل شيء كاسترو مُلحِد يُربي جيفارا أنكر وجود جميع أحاديثه تنفعه راسبوتين راهب الفِسق العهر له أطول لحية أنا أفهم ماذا تعني يصنعها يقصها مقص حلاق دقيقة تضيف أو تُعطي للإسلام تعيش عالم جاهلي أشنع العالَم الجاهلي عالَم سافل منحرف ضال ذلك مجنون معقول بدليل سيادتك فيه لكنك واحد الذين يقودون هذا بالكلمة كتاب نقطة الغليان مجاناً PDF اونلاين 2025 تأليف الدكتور مصطفى وهو عبارة عن مجموعة قصصية يدور محورها الرئيس حول الهداية والإيمان بالله العلي القدير وبأقداره وبما قسمه للإنسان صورت هذه القصص ما يشعر به الإنسان المعاصر ضياع وعدمية وفقدان لمعنى الحياة وجوهرها وقدمت أن يكون سعيدا بغير هداية إلى الطريق الصحيح؛ فلا سعادة بمال حب سلطة دون التوجه تعالى والتقرب منه وإليه
❞ كان الرجل يجلس مكتوف اليدين . معصوب العينين . لا يعرف أين و لا متى و لا منْ الذي يضع فوهة المسدس على رأسه . و إنما هو ظلام حالك . و صوت أجش يخرج من بطن الظُلمة :
●● هل أنت محمود السويفي ؟
● نعم .
●● تعترف أنك كافر مارق زنديق خارج على دين الله . و أنك تساند دولة الكُفر و تؤيدها ؟
● أنا أقول لا إله إلا الله محمد رسول الله . فكيف أكون كافراً ؟
●● لو كنت تقول إن محمداً رسول الله بحق لاتبعته .
● أنا أتبعه قدر طاقتي .
●● كان رسول الله يُطلق لحيته ، و أنت تحلقها فكيف تدَّعي إتباعه ؟
● و كان رسول الله يركب البغلة ، و أنتم تركبون القطار . فهل خرجتم على السُنّة بذلك . !
إن معنى السُنّة الأفعال الدالة على الخُلُق و القِيم و ليست أية أفعال . و اللحية لا تدُل على شيء . و كاسترو مُلحِد و يُربي لحيته . و جيفارا أنكر وجود الله في جميع أحاديثه ، فهل تنفعه لحيته . و راسبوتين راهب الفِسق و العهر له أطول لحية . أنا لا أفهم ماذا تعني لحية يصنعها و يقصها مقص حلاق في دقيقة . و ماذا تضيف أو تُعطي للإسلام .
●● تعترف أنك تعيش في عالم جاهلي ؟
● و أشنع من العالَم الجاهلي .
●● عالَم سافل . منحرف . ضال .
● و أشنع من ذلك . مجنون و لا معقول بدليل وجود سيادتك فيه .
●● و لكنك واحد من الذين يقودون هذا العالَم بالكلمة و الأمر و التوجيه و الإدارة .
● أحاول أن أُصلِح منه قدر استطاعتي .
●● أنت تشتغل في الإعلام . فما رأيك في الإعلام . ؟ ما رأيك في حال التليفزيون و السينما و المسرح و الصحيفة ؟ .
● تسالي يا لب . و لكننا نحاول من حين لآخر أن نقول شيئاً ذا قيمة .
●● ثم يضيع الكلام في طوفان الرقص و الطبل و الزمر و الهزل .
● هذا شأن العالَم دائماً من خمسة آلاف سنة . كانت الراقصة تكسب أكثر من الكاتب . و الطَبّال يكسب أكثر من الخبّاز و النجار و الحدّاد . و لو أنك دعوت أينشتين اليوم لندوة علمية . ثم دعوت امرأة عارية لحديث صحفي ، لَترَك الجمهور أينشتين و علمه و لتجمَعوا حول المرأة العارية بالألوف . و هذا ليس ذنبنا . و إنما سببه أن أكثر الناس من البهم و من أهل الهوى و من عبيد الشهوات . و هم لذلك يشجعون التافه من الأمور و ينصرفون عن الجاد .
●● و لهذا جئنا لنصلح العالَم .
● ليس بالرصاص و لا بالمدافع الرشاشة و لا بالمعتقلات و الإرهاب تُصنَع الفضائل . لن تجعل من الناس مسلمين مثل أبي بكر بقرار وزاري ، و لن تُصلِح هذا العالَم برفضه و تكفيره و إطلاق النار عليه . سيادتك لست مسلماً و إنما مجرم .
●● أنا أقول لا إله إلا الله محمد رسول الله ، فكيف أكون مجرماً ؟
● أنتَ تقول لا إله إلا نحن و مَنْ خالفنا كَفَر و مَنْ خرج عنا تزندق و مَنْ عارضنا عليه اللعنة . أنت طالب سُلطة و سيطرة و جبروت . و تلك شهوات نهى الله عنها . فقال لنبيه : ﴿ و ما أنت عليهم بجبَّار ﴾ ( ق - 45 ) و قال له : ﴿ لست عليهم بمسيطر ﴾ ( الغاشية - 22 ) و حدد دوره قائلاً : ﴿ إنما أنت منذر ﴾ ( الرعد - 7 ) ﴿ إنْ عليك إلا البلاغ ﴾ ( الشورى - 48 ) و أطلق الحرية لكافة الناس في الإستجابة أو الرفض فقال : ﴿ و قُل الحق من ربكم فمن شاء فليؤمن و من شاء فليكفر ﴾ ( الكهف - 29 )
و قال : ﴿ لكم دينُكُم و لِيَ دينِ ﴾ ( الكافرون - 6 ) و قال : ﴿ لا يضرُكُم مَنْ ضَلَّ إذا اهتديتم ﴾ ( المائدة - 105 ) ثم أفرد الله نفسه بالعلم و البَت في قضية التكفير ، فقال : ﴿ هو أعلم بمن ضل عن سبيله و هو أعلم بمن اهتدى ﴾ ( النجم - 30 ) و قال : ﴿ فلا تُزَكوا أنفسكم هو أعلم بمن اتقى ﴾ ( النجم 32 ) و لكنكم تزكون أنفسكم على الأمة كلها . و تكفرونها كلها ، و تدَّعون لأنفسكم العصمة .
●● تعترف أنك رجل كثير الأخطاء و أن ماضيك مثقل و حاضرك لا يبرأ من الشُبهة ؟
● كُل ابن آدم خطّاء و خير الخطائين عند الله التوابون . و أنا أتوب إلى الله كل يوم و كل ساعة .
●● و لكنك شربت الخمر و زنيت .
● لستُ أدعي عصمة و لا ولاية و لا نبوّة و لا قيادة . و ما أنا إلا صارخ في بَريّة يحمل على ظهره أوزاره ، و لكنه يرتجي المغفرة و يدعو إلى الخير .
●● تدعو إلى العِفّة و قد زنيت . و تنهى عن الخمر و قد شربتها . ؟ فماذا يكون شأنك إلا كما قال رسول الله عن علماء آخر الزمان ، بأنهم كغثاء السيل لا خير فيهم .
● صدق رسول الله . و الله إننا كغثاء السيل و لكن ما حيلتنا و قد طم السيل و جرف الجميع ، و لوَّث الجميع ، و ما بقي واحد إلا مسّتهُ شبهة ، أو تلوَّث منه البال و الخاطر .
●● هذا إعتراف بأن هذا العصر لا يصلُح إلا أن يكون حطباً لجهنم . أليست هذه إدانة شاملة ؟ .
● لا يُدين إلا الدَيّان و لا يحكم بالنار إلا رب النار ، و قد قال ربنا عن نفسه : ﴿ و إني لغفّارٌ لمن تاب و آمن و عَمِلَ صالِحاً ثُم اهتدى ﴾ ( طه – 82 ) . و قال عن نفسه إنه لا يُسأَل عما يفعل . و قال إنه يغفر لمن يشاء ، و يُعَذِب من يشاء . و قال رحمتي وَسِعت كل شيء . و ليس من حقك أن تحجُر على رحمة الله و لا أن تُدخلنا النار و تُدخِل نفسك الجنة ، إلا إذا كنت قد تألهت و تصورت نفسك وصياً على العالمين .
●● لقد اعترفت بأنك شربت الخمر و زنيت .
● من لم يرتكب منكم خطيئة فليرمنا بحَجَر .
فأجاب الرجُل في زَهو و اختيال :
●● أنا لم أرتكب خطيئة .
● تلك الدعوى هي كُبرى خطيئاتك و سوف تُحاسب عنها حساباً عسيراً .
●● أبعُلماء أمثالِكم نحارب الكُفّار ؟
● إذا كُنا سيئين فالكُفار أسوأ و الله ينصر السيئ على الأسوأ . و الله عليم بضعف الناس و هو القائل : ﴿ اتقوا الله حق تُقاته ﴾ ( آل عمران – 102 ) . ذلك القول للأنبياء و لستُ منهم ، إنما أنا بشر عادي أَخطأَ و أصاب ، و عمل عملاً صالحاً و آخر سيئاً . عسى الله أن يتوب عليه . ثم خَبِرني لماذا تجعل من نفسك منتقماً . و هل أعطاك الله الوكالة عنه أم أعطيتها لنفسك . و بأي حق تتغطرس علينا هكذا و تُطلِق التهم عن يمين و شمال و أنت حدث قليل التجربة لم تتجاوز السابعة عشرة من عمرك ثم تُفتينا في الإسلام و أنت لم تحفظ بعد قرآناً و لا درست سُنّة و لا جلست إلى علماء و لا سهرت على مرجِع . و تختال بعفتك و طهارتك و أنت لم تتعرض بعد لما تعرضنا له من مُغرَيات . و ما حُكم عِفّة بلا مكابدة . و طهارة بلا ابتلاء إلا أن تكون مراهقة و غروراً .
●● أنتم تلوون ألسنتكم بالعِلم و أنتم زُناة فاسقون مكانكم جهنم و سأشيعك بهذه الرصاصة إلى مكانك .
● أعرفتَ مكاني الذي ستشيعني إليه برصاصتك . ؟! ذلك و اللهِ غرور آخر و ادِّعاء بعلم الآخرة بعد ادعائك لعلم الدنيا .
●● ابكِ على مصيرك .
● و الله ما أَلقَى الله باكياً ، بل ألقاه راجياً رحمته و هو الذي أنشأني من تراب الأرض و يعلم ضعفي ، و هو القائل : ﴿ و خُلِقَ الإنسانُ ضعيفا ﴾ ( النساء – 28 9 . و الله ما أكُف عن الأمل في رحمة الله أبداً .
●● ذلك ظن الذين كفروا .
● بل هو قول الذين آمنوا و سيُخلِف الله ظنّك و الله خلّاف الظنون .
# و شد الرجل أصابعه على زناد المسدس في غيظ ليقول في كلمة أخيرة :
●● ألَكَ مطلب أخير ؟
● أنت أهوَن عند الله من أن أطلب منك شيئاً و هذه الدنيا أتفه من أن ألتفت إليها بطمع .
●● أحاقدٌ أنت عليّ ؟
● بل إنك لَتُحسِن إليَّ بهذه الرصاصة و تتصدق عليَّ بهذه الشهادة ، و تعطيني الفرصة لأدفع في كلمة حق أغلى ثمن ، و تلك نعمة من الله أشكره عليها . الحمد لله على ما أعطى و ما أخذ .
# و ضغط الرجل على الزناد في غيظ ، فانطلقت الرصاصة و سقط رَجُل ، و زاد عدد المجرمين واحداً .
و لم ينصلح في العالَم أي شيئ . بل زاد ضلالاً على ضلال .
قصة / الرصــاصــة . . من كتـــاب / نـقـطــة الغـليــان للدكتور مصطفى محمود ( رحمه الله). ❝
❞ كان الرجل يجلس مكتوف اليدين .. معصوب العينين .. لا يعرف أين و لا متى و لا منْ الذي يضع فوهة المسدس على رأسه .. و إنما هو ظلام حالك .. و صوت أجش يخرج من بطن الظُلمة : ●● هل أنت محمود السويفي ؟ ● نعم . ●● تعترف أنك كافر مارق زنديق خارج على دين الله .. و أنك تساند دولة الكُفر و تؤيدها ؟ ● أنا أقول لا إله إلا الله محمد رسول الله .. فكيف أكون كافراً ؟ ●● لو كنت تقول إن محمداً رسول الله بحق لاتبعته . ● أنا أتبعه قدر طاقتي . ●● كان رسول الله يُطلق لحيته ، و أنت تحلقها فكيف تدَّعي إتباعه ؟ ● و كان رسول الله يركب البغلة ، و أنتم تركبون القطار .. فهل خرجتم على السُنّة بذلك .. ! إن معنى السُنّة الأفعال الدالة على الخُلُق و القِيم و ليست أية أفعال .. و اللحية لا تدُل على شيء .. و كاسترو مُلحِد و يُربي لحيته .. و جيفارا أنكر وجود الله في جميع أحاديثه ، فهل تنفعه لحيته .. و راسبوتين راهب الفِسق و العهر له أطول لحية .. أنا لا أفهم ماذا تعني لحية يصنعها و يقصها مقص حلاق في دقيقة .. و ماذا تضيف أو تُعطي للإسلام . ●● تعترف أنك تعيش في عالم جاهلي ؟ ● و أشنع من العالَم الجاهلي . ●● عالَم سافل .. منحرف .. ضال . ● و أشنع من ذلك .. مجنون و لا معقول بدليل وجود سيادتك فيه . ●● و لكنك واحد من الذين يقودون هذا العالَم بالكلمة و الأمر و التوجيه و الإدارة . ● أحاول أن أُصلِح منه قدر استطاعتي . ●● أنت تشتغل في الإعلام .. فما رأيك في الإعلام .. ؟ ما رأيك في حال التليفزيون و السينما و المسرح و الصحيفة ؟ .. ● تسالي يا لب .. و لكننا نحاول من حين لآخر أن نقول شيئاً ذا قيمة . ●● ثم يضيع الكلام في طوفان الرقص و الطبل و الزمر و الهزل . ● هذا شأن العالَم دائماً من خمسة آلاف سنة .. كانت الراقصة تكسب أكثر من الكاتب .. و الطَبّال يكسب أكثر من الخبّاز و النجار و الحدّاد .. و لو أنك دعوت أينشتين اليوم لندوة علمية .. ثم دعوت امرأة عارية لحديث صحفي ، لَترَك الجمهور أينشتين و علمه و لتجمَعوا حول المرأة العارية بالألوف .. و هذا ليس ذنبنا .. و إنما سببه أن أكثر الناس من البهم و من أهل الهوى و من عبيد الشهوات .. و هم لذلك يشجعون التافه من الأمور و ينصرفون عن الجاد . ●● و لهذا جئنا لنصلح العالَم . ● ليس بالرصاص و لا بالمدافع الرشاشة و لا بالمعتقلات و الإرهاب تُصنَع الفضائل .. لن تجعل من الناس مسلمين مثل أبي بكر بقرار وزاري ، و لن تُصلِح هذا العالَم برفضه و تكفيره و إطلاق النار عليه .. سيادتك لست مسلماً و إنما مجرم . ●● أنا أقول لا إله إلا الله محمد رسول الله ، فكيف أكون مجرماً ؟ ● أنتَ تقول لا إله إلا نحن و مَنْ خالفنا كَفَر و مَنْ خرج عنا تزندق و مَنْ عارضنا عليه اللعنة . أنت طالب سُلطة و سيطرة و جبروت .. و تلك شهوات نهى الله عنها .. فقال لنبيه : { و ما أنت عليهم بجبَّار } ( ق - 45 ) و قال له : { لست عليهم بمسيطر } ( الغاشية - 22 ) و حدد دوره قائلاً : { إنما أنت منذر } ( الرعد - 7 ) { إنْ عليك إلا البلاغ } ( الشورى - 48 ) و أطلق الحرية لكافة الناس في الإستجابة أو الرفض فقال : { و قُل الحق من ربكم فمن شاء فليؤمن و من شاء فليكفر } ( الكهف - 29 ) و قال : { لكم دينُكُم و لِيَ دينِ } ( الكافرون - 6 ) و قال : { لا يضرُكُم مَنْ ضَلَّ إذا اهتديتم } ( المائدة - 105 ) ثم أفرد الله نفسه بالعلم و البَت في قضية التكفير ، فقال : { هو أعلم بمن ضل عن سبيله و هو أعلم بمن اهتدى } ( النجم - 30 ) و قال : { فلا تُزَكوا أنفسكم هو أعلم بمن اتقى } ( النجم 32 ) و لكنكم تزكون أنفسكم على الأمة كلها .. و تكفرونها كلها ، و تدَّعون لأنفسكم العصمة . ●● تعترف أنك رجل كثير الأخطاء و أن ماضيك مثقل و حاضرك لا يبرأ من الشُبهة ؟ ● كُل ابن آدم خطّاء و خير الخطائين عند الله التوابون .. و أنا أتوب إلى الله كل يوم و كل ساعة . ●● و لكنك شربت الخمر و زنيت . ● لستُ أدعي عصمة و لا ولاية و لا نبوّة و لا قيادة .. و ما أنا إلا صارخ في بَريّة يحمل على ظهره أوزاره ، و لكنه يرتجي المغفرة و يدعو إلى الخير . ●● تدعو إلى العِفّة و قد زنيت .. و تنهى عن الخمر و قد شربتها .. ؟ فماذا يكون شأنك إلا كما قال رسول الله عن علماء آخر الزمان ، بأنهم كغثاء السيل لا خير فيهم . ● صدق رسول الله .. و الله إننا كغثاء السيل و لكن ما حيلتنا و قد طم السيل و جرف الجميع ، و لوَّث الجميع ، و ما بقي واحد إلا مسّتهُ شبهة ، أو تلوَّث منه البال و الخاطر . ●● هذا إعتراف بأن هذا العصر لا يصلُح إلا أن يكون حطباً لجهنم .. أليست هذه إدانة شاملة ؟ . ● لا يُدين إلا الدَيّان و لا يحكم بالنار إلا رب النار ، و قد قال ربنا عن نفسه : { و إني لغفّارٌ لمن تاب و آمن و عَمِلَ صالِحاً ثُم اهتدى } ( طه – 82 ) . و قال عن نفسه إنه لا يُسأَل عما يفعل .. و قال إنه يغفر لمن يشاء ، و يُعَذِب من يشاء .. و قال رحمتي وَسِعت كل شيء .. و ليس من حقك أن تحجُر على رحمة الله و لا أن تُدخلنا النار و تُدخِل نفسك الجنة ، إلا إذا كنت قد تألهت و تصورت نفسك وصياً على العالمين . ●● لقد اعترفت بأنك شربت الخمر و زنيت . ● من لم يرتكب منكم خطيئة فليرمنا بحَجَر . فأجاب الرجُل في زَهو و اختيال : ●● أنا لم أرتكب خطيئة . ● تلك الدعوى هي كُبرى خطيئاتك و سوف تُحاسب عنها حساباً عسيراً . ●● أبعُلماء أمثالِكم نحارب الكُفّار ؟ ● إذا كُنا سيئين فالكُفار أسوأ و الله ينصر السيئ على الأسوأ .. و الله عليم بضعف الناس و هو القائل : { اتقوا الله حق تُقاته } ( آل عمران – 102 ) . ذلك القول للأنبياء و لستُ منهم ، إنما أنا بشر عادي أَخطأَ و أصاب ، و عمل عملاً صالحاً و آخر سيئاً .. عسى الله أن يتوب عليه .. ثم خَبِرني لماذا تجعل من نفسك منتقماً .. و هل أعطاك الله الوكالة عنه أم أعطيتها لنفسك .. و بأي حق تتغطرس علينا هكذا و تُطلِق التهم عن يمين و شمال و أنت حدث قليل التجربة لم تتجاوز السابعة عشرة من عمرك ثم تُفتينا في الإسلام و أنت لم تحفظ بعد قرآناً و لا درست سُنّة و لا جلست إلى علماء و لا سهرت على مرجِع .. و تختال بعفتك و طهارتك و أنت لم تتعرض بعد لما تعرضنا له من مُغرَيات .. و ما حُكم عِفّة بلا مكابدة .. و طهارة بلا ابتلاء إلا أن تكون مراهقة و غروراً .. ●● أنتم تلوون ألسنتكم بالعِلم و أنتم زُناة فاسقون مكانكم جهنم و سأشيعك بهذه الرصاصة إلى مكانك . ● أعرفتَ مكاني الذي ستشيعني إليه برصاصتك .. ؟! ذلك و اللهِ غرور آخر و ادِّعاء بعلم الآخرة بعد ادعائك لعلم الدنيا . ●● ابكِ على مصيرك . ● و الله ما أَلقَى الله باكياً ، بل ألقاه راجياً رحمته و هو الذي أنشأني من تراب الأرض و يعلم ضعفي ، و هو القائل : { و خُلِقَ الإنسانُ ضعيفا } ( النساء – 28 9 . و الله ما أكُف عن الأمل في رحمة الله أبداً . ●● ذلك ظن الذين كفروا . ● بل هو قول الذين آمنوا و سيُخلِف الله ظنّك و الله خلّاف الظنون . # و شد الرجل أصابعه على زناد المسدس في غيظ ليقول في كلمة أخيرة : ●● ألَكَ مطلب أخير ؟ ● أنت أهوَن عند الله من أن أطلب منك شيئاً و هذه الدنيا أتفه من أن ألتفت إليها بطمع . ●● أحاقدٌ أنت عليّ ؟ ● بل إنك لَتُحسِن إليَّ بهذه الرصاصة و تتصدق عليَّ بهذه الشهادة ، و تعطيني الفرصة لأدفع في كلمة حق أغلى ثمن ، و تلك نعمة من الله أشكره عليها .. الحمد لله على ما أعطى و ما أخذ . # و ضغط الرجل على الزناد في غيظ ، فانطلقت الرصاصة و سقط رَجُل ، و زاد عدد المجرمين واحداً .. و لم ينصلح في العالَم أي شيئ .. بل زاد ضلالاً على ضلال . قصة / الرصــاصــة . .. من كتـــاب / نـقـطــة الغـليــان للدكتور مصطفى محمود ( رحمه الله). ❝ ⏤مصطفى محمود
❞ كان الرجل يجلس مكتوف اليدين . معصوب العينين . لا يعرف أين و لا متى و لا منْ الذي يضع فوهة المسدس على رأسه . و إنما هو ظلام حالك . و صوت أجش يخرج من بطن الظُلمة :
●● هل أنت محمود السويفي ؟
● نعم .
●● تعترف أنك كافر مارق زنديق خارج على دين الله . و أنك تساند دولة الكُفر و تؤيدها ؟
● أنا أقول لا إله إلا الله محمد رسول الله . فكيف أكون كافراً ؟
●● لو كنت تقول إن محمداً رسول الله بحق لاتبعته .
● أنا أتبعه قدر طاقتي .
●● كان رسول الله يُطلق لحيته ، و أنت تحلقها فكيف تدَّعي إتباعه ؟
● و كان رسول الله يركب البغلة ، و أنتم تركبون القطار . فهل خرجتم على السُنّة بذلك . !
إن معنى السُنّة الأفعال الدالة على الخُلُق و القِيم و ليست أية أفعال . و اللحية لا تدُل على شيء . و كاسترو مُلحِد و يُربي لحيته . و جيفارا أنكر وجود الله في جميع أحاديثه ، فهل تنفعه لحيته . و راسبوتين راهب الفِسق و العهر له أطول لحية . أنا لا أفهم ماذا تعني لحية يصنعها و يقصها مقص حلاق في دقيقة . و ماذا تضيف أو تُعطي للإسلام .
●● تعترف أنك تعيش في عالم جاهلي ؟
● و أشنع من العالَم الجاهلي .
●● عالَم سافل . منحرف . ضال .
● و أشنع من ذلك . مجنون و لا معقول بدليل وجود سيادتك فيه .
●● و لكنك واحد من الذين يقودون هذا العالَم بالكلمة و الأمر و التوجيه و الإدارة .
● أحاول أن أُصلِح منه قدر استطاعتي .
●● أنت تشتغل في الإعلام . فما رأيك في الإعلام . ؟ ما رأيك في حال التليفزيون و السينما و المسرح و الصحيفة ؟ .
● تسالي يا لب . و لكننا نحاول من حين لآخر أن نقول شيئاً ذا قيمة .
●● ثم يضيع الكلام في طوفان الرقص و الطبل و الزمر و الهزل .
● هذا شأن العالَم دائماً من خمسة آلاف سنة . كانت الراقصة تكسب أكثر من الكاتب . و الطَبّال يكسب أكثر من الخبّاز و النجار و الحدّاد . و لو أنك دعوت أينشتين اليوم لندوة علمية . ثم دعوت امرأة عارية لحديث صحفي ، لَترَك الجمهور أينشتين و علمه و لتجمَعوا حول المرأة العارية بالألوف . و هذا ليس ذنبنا . و إنما سببه أن أكثر الناس من البهم و من أهل الهوى و من عبيد الشهوات . و هم لذلك يشجعون التافه من الأمور و ينصرفون عن الجاد .
●● و لهذا جئنا لنصلح العالَم .
● ليس بالرصاص و لا بالمدافع الرشاشة و لا بالمعتقلات و الإرهاب تُصنَع الفضائل . لن تجعل من الناس مسلمين مثل أبي بكر بقرار وزاري ، و لن تُصلِح هذا العالَم برفضه و تكفيره و إطلاق النار عليه . سيادتك لست مسلماً و إنما مجرم .
●● أنا أقول لا إله إلا الله محمد رسول الله ، فكيف أكون مجرماً ؟
● أنتَ تقول لا إله إلا نحن و مَنْ خالفنا كَفَر و مَنْ خرج عنا تزندق و مَنْ عارضنا عليه اللعنة . أنت طالب سُلطة و سيطرة و جبروت . و تلك شهوات نهى الله عنها . فقال لنبيه : ﴿ و ما أنت عليهم بجبَّار ﴾ ( ق - 45 ) و قال له : ﴿ لست عليهم بمسيطر ﴾ ( الغاشية - 22 ) و حدد دوره قائلاً : ﴿ إنما أنت منذر ﴾ ( الرعد - 7 ) ﴿ إنْ عليك إلا البلاغ ﴾ ( الشورى - 48 ) و أطلق الحرية لكافة الناس في الإستجابة أو الرفض فقال : ﴿ و قُل الحق من ربكم فمن شاء فليؤمن و من شاء فليكفر ﴾ ( الكهف - 29 )
و قال : ﴿ لكم دينُكُم و لِيَ دينِ ﴾ ( الكافرون - 6 ) و قال : ﴿ لا يضرُكُم مَنْ ضَلَّ إذا اهتديتم ﴾ ( المائدة - 105 ) ثم أفرد الله نفسه بالعلم و البَت في قضية التكفير ، فقال : ﴿ هو أعلم بمن ضل عن سبيله و هو أعلم بمن اهتدى ﴾ ( النجم - 30 ) و قال : ﴿ فلا تُزَكوا أنفسكم هو أعلم بمن اتقى ﴾ ( النجم 32 ) و لكنكم تزكون أنفسكم على الأمة كلها . و تكفرونها كلها ، و تدَّعون لأنفسكم العصمة .
●● تعترف أنك رجل كثير الأخطاء و أن ماضيك مثقل و حاضرك لا يبرأ من الشُبهة ؟
● كُل ابن آدم خطّاء و خير الخطائين عند الله التوابون . و أنا أتوب إلى الله كل يوم و كل ساعة .
●● و لكنك شربت الخمر و زنيت .
● لستُ أدعي عصمة و لا ولاية و لا نبوّة و لا قيادة . و ما أنا إلا صارخ في بَريّة يحمل على ظهره أوزاره ، و لكنه يرتجي المغفرة و يدعو إلى الخير .
●● تدعو إلى العِفّة و قد زنيت . و تنهى عن الخمر و قد شربتها . ؟ فماذا يكون شأنك إلا كما قال رسول الله عن علماء آخر الزمان ، بأنهم كغثاء السيل لا خير فيهم .
● صدق رسول الله . و الله إننا كغثاء السيل و لكن ما حيلتنا و قد طم السيل و جرف الجميع ، و لوَّث الجميع ، و ما بقي واحد إلا مسّتهُ شبهة ، أو تلوَّث منه البال و الخاطر .
●● هذا إعتراف بأن هذا العصر لا يصلُح إلا أن يكون حطباً لجهنم . أليست هذه إدانة شاملة ؟ .
● لا يُدين إلا الدَيّان و لا يحكم بالنار إلا رب النار ، و قد قال ربنا عن نفسه : ﴿ و إني لغفّارٌ لمن تاب و آمن و عَمِلَ صالِحاً ثُم اهتدى ﴾ ( طه – 82 ) . و قال عن نفسه إنه لا يُسأَل عما يفعل . و قال إنه يغفر لمن يشاء ، و يُعَذِب من يشاء . و قال رحمتي وَسِعت كل شيء . و ليس من حقك أن تحجُر على رحمة الله و لا أن تُدخلنا النار و تُدخِل نفسك الجنة ، إلا إذا كنت قد تألهت و تصورت نفسك وصياً على العالمين .
●● لقد اعترفت بأنك شربت الخمر و زنيت .
● من لم يرتكب منكم خطيئة فليرمنا بحَجَر .
فأجاب الرجُل في زَهو و اختيال :
●● أنا لم أرتكب خطيئة .
● تلك الدعوى هي كُبرى خطيئاتك و سوف تُحاسب عنها حساباً عسيراً .
●● أبعُلماء أمثالِكم نحارب الكُفّار ؟
● إذا كُنا سيئين فالكُفار أسوأ و الله ينصر السيئ على الأسوأ . و الله عليم بضعف الناس و هو القائل : ﴿ اتقوا الله حق تُقاته ﴾ ( آل عمران – 102 ) . ذلك القول للأنبياء و لستُ منهم ، إنما أنا بشر عادي أَخطأَ و أصاب ، و عمل عملاً صالحاً و آخر سيئاً . عسى الله أن يتوب عليه . ثم خَبِرني لماذا تجعل من نفسك منتقماً . و هل أعطاك الله الوكالة عنه أم أعطيتها لنفسك . و بأي حق تتغطرس علينا هكذا و تُطلِق التهم عن يمين و شمال و أنت حدث قليل التجربة لم تتجاوز السابعة عشرة من عمرك ثم تُفتينا في الإسلام و أنت لم تحفظ بعد قرآناً و لا درست سُنّة و لا جلست إلى علماء و لا سهرت على مرجِع . و تختال بعفتك و طهارتك و أنت لم تتعرض بعد لما تعرضنا له من مُغرَيات . و ما حُكم عِفّة بلا مكابدة . و طهارة بلا ابتلاء إلا أن تكون مراهقة و غروراً .
●● أنتم تلوون ألسنتكم بالعِلم و أنتم زُناة فاسقون مكانكم جهنم و سأشيعك بهذه الرصاصة إلى مكانك .
● أعرفتَ مكاني الذي ستشيعني إليه برصاصتك . ؟! ذلك و اللهِ غرور آخر و ادِّعاء بعلم الآخرة بعد ادعائك لعلم الدنيا .
●● ابكِ على مصيرك .
● و الله ما أَلقَى الله باكياً ، بل ألقاه راجياً رحمته و هو الذي أنشأني من تراب الأرض و يعلم ضعفي ، و هو القائل : ﴿ و خُلِقَ الإنسانُ ضعيفا ﴾ ( النساء – 28 9 . و الله ما أكُف عن الأمل في رحمة الله أبداً .
●● ذلك ظن الذين كفروا .
● بل هو قول الذين آمنوا و سيُخلِف الله ظنّك و الله خلّاف الظنون .
# و شد الرجل أصابعه على زناد المسدس في غيظ ليقول في كلمة أخيرة :
●● ألَكَ مطلب أخير ؟
● أنت أهوَن عند الله من أن أطلب منك شيئاً و هذه الدنيا أتفه من أن ألتفت إليها بطمع .
●● أحاقدٌ أنت عليّ ؟
● بل إنك لَتُحسِن إليَّ بهذه الرصاصة و تتصدق عليَّ بهذه الشهادة ، و تعطيني الفرصة لأدفع في كلمة حق أغلى ثمن ، و تلك نعمة من الله أشكره عليها . الحمد لله على ما أعطى و ما أخذ .
# و ضغط الرجل على الزناد في غيظ ، فانطلقت الرصاصة و سقط رَجُل ، و زاد عدد المجرمين واحداً .
و لم ينصلح في العالَم أي شيئ . بل زاد ضلالاً على ضلال .
قصة / الرصــاصــة . . من كتـــاب / نـقـطــة الغـليــان للدكتور مصطفى محمود ( رحمه الله). ❝
❞ الطريق من القاهرة إلى مرسى مطروح بالسيارة طريق طويل ممل تتشابه فيه المناظر على مدى ساعات .. آفاق ممتدة من الرمال و شريط أزرق من البحر يبدو و يختفي .. و اهتزازات صاعدة هابطة تهبط منها الأحشاء ، و يُصاب الرأس بالدوار .. و لولا ذلك الرفيق الثِرثار ربما كان السائق قد أغفَى على مقعد القيادة نائماً من فرط الرتابة . و في مثل هذه المسافات الطويلة تحلو الثرثرة .. و صاحبنا الثرثار رجل قلِق متوتر لا يعجبه شيء و لا يرى من الإنسان إلا عيوبه ، و لا يرى في الدنيا إلا جوانبها السالبة و لا يرى في الكون شيئاً جديراً بالحمد .. فالكون مشروع فاشل ، و الحياة صفقة خاسرة نهايتها الموت .. و العَطَب و الفساد يكتنف كل شيء .. فالورد يذبُل .. و الشمس تأفُل .. و الجسد يشيخ .. و الأرض تتبدل .. و لا شيء يبقى على حاله .. و الإنسان يشرب دموعه مع كل ضحكة .. فأين الحكمة .. و أين الإبداع .. و أين الجمال .. و علام ذلك التسبيح شكراً و حمداً .. و علام تعفير الجباه سجوداً و ركوعاً .. و كيف نشكر الخالق على الميكروب و السرطان و الزلزال و الموت غرقاً و حرقاً .. أما صاحبنا الآخر فهو على النقيض ، رجل مطمئن تكسوه دائماً ملامح الرضا و الحمد و القناعة .. و في رأيه أنه ليس في الإمكان أبدع مما كان .. و أن الله خلق الكون و الإنسان على أحسن صورة .. و أن الموت و الشيخوخة و المرض .. هي ظِلال لابد منها لكمال الصورة .. فما كانت الصحة لِتُعرَف لولا المرض .. بل إن المرض يعطي للإنسان فيما يُعطي .. المناعة و الحصانة .. كما أنه يعلمه الصبر و الجَلَد .. ثم هو الذي يخلق المناسبة للرحمة و التعاطف و البذل بين الناس .. و حُكمِهِ حُكم لَسعَة البرد و الحر التي تنبه الجسد و تستفزه ليحتشد .. و لو أخلد الإنسان إلى إعتدال دائم لاسترخت خلايا جسده و هلكت من الخمول و الترف .. و شُكراً للميكروب فهو يخلق للعقل وظيفة عاجلة ليفكر و يبتكر و يحتال على الإنقاذ .. و هل البنسلين و الكلورميسين و الأريومسين و كافة عائلة المضادات الحيوية إلا مخلفات ميكروبات .. ! و هل يحصل النبات على سماده الطبيعي إلا بميكروبات في درنات الجذور تثبت النيتروجين و تسلمه لنبات سماداً جاهزاً .. ! ** إن للشر دائماً وجهاً آخر خَفيّاً .. هو عين الخير . و لولا الزلازل و البراكين التي تُنَفِس عن الضغط الزائد في باطن الأرض لانفجرت الأرض بِمَن عليها من ملاين السنين . و كما يقول الفيلسوف الحكيم أبو حامد الغزالي : كلما ازداد القوس إعوجاجاً أعطى السهم تَوتُراً و اندِفاعاً أكثر ليصيب هدفه ، و ذلك هو الكمال الذي يَخفَى في باطن النقص . و لهذا قال الغزالي : إنه ليس في الإمكان أبدع مما كان ، و أن الدنيا بما فيها من نقص هي أكمل مثال لدنيا زائلة . ● قال الرجل الثِرثار : كل هذا كلام في كلام .. و أُحِب أن أرى الآن لو كُسِرَت ذراعُك أو كُفَ بَصرُك .. ماذا تقول .. ؟ ● قال الرجل الهادئ : أقول الحمد لله لطفت يا رب في قضائك و أبقيت لي ذراعاً سليمة .. و أخذت بصري و أبقيت سمعي .. فشكراً على ما أبقيت .. و لك الحكمة فيما أخذت . ● قال الثرثار : هذا دجل صريح .. و أراهن أنك أكبر دجال فيما تقول .. و أُراهن أن الموقف سوف يختلف كثيراً إذا أصابك شيء من هذا .. و أنك سوف تَسُب الدين و المِلّة . ● قال الرجل المطمئن : حاشا لله أن أفعل شيئاً من ذلك .. و أنا أُحسِن الظن بالله .. و أرى جماله في كل شيء .. و أرى رحمته تسبق عدله .. و لُطفِه يسبق رحمته في كل قضاء .. و لا أراه ظالِماً أبداً .. تعالى ربي عن الظُلم عُلُواً كبيراً . و لم يُجِب الرجل الثِرثار .. فقد وقعت العربة في مطب فجأة و انحرفت عجلة القيادة .. و ظهرت عربة قادمة بسرعة من الإتجاه الآخر .. و فقد السائق السيطرة على توجيه عربته تماماً .. و رآها تخرج من يده إلى خارج الطريق المرصوف ثم تميل ميلاً شديداً لتنقلب و تبدأ في الدوران حول نفسها عدة مرات لتستقر على بعد مائة متر في الرمال . و خرج الرجل الثرثار شاحِباً يرتجف و هو يتحسس نفسه و يدهش كيف لم يُصَب بِخدش .. أما الرجل المطمئن فكان فاقد الوعي يتنفس بصعوبة و يخرج من فمه شخير . و انطلق الرجل في فزع إلى أقرب نقطة مرور و اتصل تليفونياً بأقرب وحدة صحية ، و كانت وحدة العلمين على بُعد عشرة كيلو مترات . و جاءت عربة الإسعاف .. و قال طبيب الوحدة بعد الفحص الأوَلي إن هناك تمزُقاً بالكلية اليُمنى و نزيفاً ، و إن الحل الوحيد هو نقل المصاب فوراً إلى الإسكندرية و إجراء جراحة إستئصال عاجلة للكلية .. و في الغُرفة رقم "7" بعنبر الجراحة بمستشفى الجامعة .. كان المُصاب مسجى على فراشه بعد أن خرج من غرفة العمليات .. و كان لا يزال في غفوة البنج . و إلى جواره جلس صديقه الثرثار في انتظار اللحظة التي يفتح فيها عينيه ، و كان أول ما قال الرجل حينما فتح عينيه : ● الحمد لله . و كان الرجل الثرثار يجلس مبهوتاً ، و كان لا يزال يرتجف من هول ما رأى و ما سَمِع و هو يتأرجح على عتبة الموت .. و كان لا يزال يتحسس جسده السليم و لا يُصدِق كيف خرج سليماً ، و كان الطبيب يتحدث بالتليفون إلى قسم الباثولوجي . و وضع الطبيب التليفون و ظهرت على وجهه دهشة لا حد لها .. قال الطبيب و قد اتسعت حدقتاه : ● هذا أمر عجيب .. أمرٌ لا يُصَدَق .! ● قال الرجل الثرثار .. كيف .. ماذا تعني .. ماذا حدث ؟ ● قال الطبيب و هو يبتلع لعابه من الإنفعال : الكلية التي أستُئصِلَت .. ● قال الرجل الثرثار في فضول : ما خطبها .. ؟ ● قال الطبيب : يقول تقرير الباثولوجي .. إنه كان بها سرطان وليد في أول مراحله . و خيَّم الصمت على الثلاثة برهة و كأن على رؤسهم الطير .. ● ثم استأنف الطبيب الكلام : لولا هذا الحادث الذي إستأصلنا بسببه الكلية لكان المصاب سيهلك بالسرطان حتماً .. هذا عجيب .. هذا حادث إنقاذ .. هذا حادث مُلاطَفة .. و ليس نكبة . إن ما حدث كان خيراً لا حد له .. ● و ابتسم الرجل المطمئن إبتسامة واهنة في فراشه و قال : الحمد لله . إن الله يعاملني بنياتي ، فقد كنت دائماً أُحسِن الظن به . و التفت إلى صاحبه الثرثار قائلا : أرأيت يا صديقي .. فذلك هو الخير الباطن في الشر .. و سكت الطبيب ساهِماً . و بُهِتَ الذي كَفَر .. فلم يجد ما يقول .. ***** قصة / ملاطفة من كتـــاب / نقـطــة الغـليــان للدكتور / مصطفى محمود (رحمه الله). ❝ ⏤مصطفى محمود
❞ الطريق من القاهرة إلى مرسى مطروح بالسيارة طريق طويل ممل تتشابه فيه المناظر على مدى ساعات . آفاق ممتدة من الرمال و شريط أزرق من البحر يبدو و يختفي . و اهتزازات صاعدة هابطة تهبط منها الأحشاء ، و يُصاب الرأس بالدوار . و لولا ذلك الرفيق الثِرثار ربما كان السائق قد أغفَى على مقعد القيادة نائماً من فرط الرتابة .
و في مثل هذه المسافات الطويلة تحلو الثرثرة .
و صاحبنا الثرثار رجل قلِق متوتر لا يعجبه شيء و لا يرى من الإنسان إلا عيوبه ، و لا يرى في الدنيا إلا جوانبها السالبة و لا يرى في الكون شيئاً جديراً بالحمد . فالكون مشروع فاشل ، و الحياة صفقة خاسرة نهايتها الموت . و العَطَب و الفساد يكتنف كل شيء . فالورد يذبُل . و الشمس تأفُل . و الجسد يشيخ . و الأرض تتبدل . و لا شيء يبقى على حاله . و الإنسان يشرب دموعه مع كل ضحكة . فأين الحكمة . و أين الإبداع . و أين الجمال . و علام ذلك التسبيح شكراً و حمداً . و علام تعفير الجباه سجوداً و ركوعاً . و كيف نشكر الخالق على الميكروب و السرطان و الزلزال و الموت غرقاً و حرقاً .
أما صاحبنا الآخر فهو على النقيض ، رجل مطمئن تكسوه دائماً ملامح الرضا و الحمد و القناعة . و في رأيه أنه ليس في الإمكان أبدع مما كان . و أن الله خلق الكون و الإنسان على أحسن صورة . و أن الموت و الشيخوخة و المرض . هي ظِلال لابد منها لكمال الصورة . فما كانت الصحة لِتُعرَف لولا المرض . بل إن المرض يعطي للإنسان فيما يُعطي . المناعة و الحصانة . كما أنه يعلمه الصبر و الجَلَد . ثم هو الذي يخلق المناسبة للرحمة و التعاطف و البذل بين الناس . و حُكمِهِ حُكم لَسعَة البرد و الحر التي تنبه الجسد و تستفزه ليحتشد . و لو أخلد الإنسان إلى إعتدال دائم لاسترخت خلايا جسده و هلكت من الخمول و الترف . و شُكراً للميكروب فهو يخلق للعقل وظيفة عاجلة ليفكر و يبتكر و يحتال على الإنقاذ . و هل البنسلين و الكلورميسين و الأريومسين و كافة عائلة المضادات الحيوية إلا مخلفات ميكروبات . ! و هل يحصل النبات على سماده الطبيعي إلا بميكروبات في درنات الجذور تثبت النيتروجين و تسلمه لنبات سماداً جاهزاً . !
* إن للشر دائماً وجهاً آخر خَفيّاً . هو عين الخير .
و لولا الزلازل و البراكين التي تُنَفِس عن الضغط الزائد في باطن الأرض لانفجرت الأرض بِمَن عليها من ملاين السنين .
و كما يقول الفيلسوف الحكيم أبو حامد الغزالي : كلما ازداد القوس إعوجاجاً أعطى السهم تَوتُراً و اندِفاعاً أكثر ليصيب هدفه ، و ذلك هو الكمال الذي يَخفَى في باطن النقص .
و لهذا قال الغزالي : إنه ليس في الإمكان أبدع مما كان ، و أن الدنيا بما فيها من نقص هي أكمل مثال لدنيا زائلة .
● قال الرجل الثِرثار : كل هذا كلام في كلام . و أُحِب أن أرى الآن لو كُسِرَت ذراعُك أو كُفَ بَصرُك . ماذا تقول . ؟
● قال الرجل الهادئ : أقول الحمد لله لطفت يا رب في قضائك و أبقيت لي ذراعاً سليمة . و أخذت بصري و أبقيت سمعي . فشكراً على ما أبقيت . و لك الحكمة فيما أخذت .
● قال الثرثار : هذا دجل صريح . و أراهن أنك أكبر دجال فيما تقول . و أُراهن أن الموقف سوف يختلف كثيراً إذا أصابك شيء من هذا . و أنك سوف تَسُب الدين و المِلّة .
● قال الرجل المطمئن : حاشا لله أن أفعل شيئاً من ذلك . و أنا أُحسِن الظن بالله . و أرى جماله في كل شيء . و أرى رحمته تسبق عدله . و لُطفِه يسبق رحمته في كل قضاء . و لا أراه ظالِماً أبداً . تعالى ربي عن الظُلم عُلُواً كبيراً .
و لم يُجِب الرجل الثِرثار . فقد وقعت العربة في مطب فجأة و انحرفت عجلة القيادة . و ظهرت عربة قادمة بسرعة من الإتجاه الآخر . و فقد السائق السيطرة على توجيه عربته تماماً . و رآها تخرج من يده إلى خارج الطريق المرصوف ثم تميل ميلاً شديداً لتنقلب و تبدأ في الدوران حول نفسها عدة مرات لتستقر على بعد مائة متر في الرمال .
و خرج الرجل الثرثار شاحِباً يرتجف و هو يتحسس نفسه و يدهش كيف لم يُصَب بِخدش . أما الرجل المطمئن فكان فاقد الوعي يتنفس بصعوبة و يخرج من فمه شخير . و انطلق الرجل في فزع إلى أقرب نقطة مرور و اتصل تليفونياً بأقرب وحدة صحية ، و كانت وحدة العلمين على بُعد عشرة كيلو مترات .
و جاءت عربة الإسعاف . و قال طبيب الوحدة بعد الفحص الأوَلي إن هناك تمزُقاً بالكلية اليُمنى و نزيفاً ، و إن الحل الوحيد هو نقل المصاب فوراً إلى الإسكندرية و إجراء جراحة إستئصال عاجلة للكلية .
و في الغُرفة رقم ˝7˝ بعنبر الجراحة بمستشفى الجامعة . كان المُصاب مسجى على فراشه بعد أن خرج من غرفة العمليات . و كان لا يزال في غفوة البنج . و إلى جواره جلس صديقه الثرثار في انتظار اللحظة التي يفتح فيها عينيه ، و كان أول ما قال الرجل حينما فتح عينيه :
● الحمد لله .
و كان الرجل الثرثار يجلس مبهوتاً ، و كان لا يزال يرتجف من هول ما رأى و ما سَمِع و هو يتأرجح على عتبة الموت . و كان لا يزال يتحسس جسده السليم و لا يُصدِق كيف خرج سليماً ، و كان الطبيب يتحدث بالتليفون إلى قسم الباثولوجي . و وضع الطبيب التليفون و ظهرت على وجهه دهشة لا حد لها . قال الطبيب و قد اتسعت حدقتاه :
● هذا أمر عجيب . أمرٌ لا يُصَدَق .!
● قال الرجل الثرثار . كيف . ماذا تعني . ماذا حدث ؟
● قال الطبيب و هو يبتلع لعابه من الإنفعال : الكلية التي أستُئصِلَت .
● قال الرجل الثرثار في فضول : ما خطبها . ؟
● قال الطبيب : يقول تقرير الباثولوجي . إنه كان بها سرطان وليد في أول مراحله .
و خيَّم الصمت على الثلاثة برهة و كأن على رؤسهم الطير .
● ثم استأنف الطبيب الكلام : لولا هذا الحادث الذي إستأصلنا بسببه الكلية لكان المصاب سيهلك بالسرطان حتماً . هذا عجيب . هذا حادث إنقاذ . هذا حادث مُلاطَفة . و ليس نكبة . إن ما حدث كان خيراً لا حد له .
● و ابتسم الرجل المطمئن إبتسامة واهنة في فراشه و قال : الحمد لله . إن الله يعاملني بنياتي ، فقد كنت دائماً أُحسِن الظن به . و التفت إلى صاحبه الثرثار قائلا : أرأيت يا صديقي . فذلك هو الخير الباطن في الشر .
و سكت الطبيب ساهِماً .
و بُهِتَ الذي كَفَر . فلم يجد ما يقول .
*****
قصة / ملاطفة من كتـــاب / نقـطــة الغـليــان للدكتور / مصطفى محمود (رحمه الله). ❝