الطريق من القاهرة إلى مرسى مطروح بالسيارة طريق طويل... 💬 أقوال مصطفى محمود 📖 كتاب نقطة الغليان
- 📖 من ❞ كتاب نقطة الغليان ❝ مصطفى محمود 📖
█ الطريق من القاهرة إلى مرسى مطروح بالسيارة طريق طويل ممل تتشابه فيه المناظر مدى ساعات آفاق ممتدة الرمال شريط أزرق البحر يبدو يختفي اهتزازات صاعدة هابطة تهبط منها الأحشاء يُصاب الرأس بالدوار و لولا ذلك الرفيق الثِرثار ربما كان السائق قد أغفَى مقعد القيادة نائماً فرط الرتابة و مثل هذه المسافات الطويلة تحلو الثرثرة صاحبنا الثرثار رجل قلِق متوتر لا يعجبه شيء يرى الإنسان إلا عيوبه الدنيا جوانبها السالبة الكون شيئاً جديراً بالحمد فالكون مشروع فاشل الحياة صفقة خاسرة نهايتها الموت العَطَب الفساد يكتنف كل فالورد يذبُل الشمس تأفُل الجسد يشيخ الأرض تتبدل يبقى حاله يشرب دموعه مع ضحكة فأين الحكمة أين الإبداع الجمال علام التسبيح شكراً حمداً تعفير الجباه سجوداً ركوعاً كيف نشكر الخالق الميكروب السرطان الزلزال غرقاً حرقاً أما الآخر فهو النقيض مطمئن تكسوه دائماً ملامح الرضا الحمد القناعة رأيه أنه ليس الإمكان أبدع مما أن الله خلق أحسن صورة الشيخوخة كتاب نقطة الغليان مجاناً PDF اونلاين 2025 هو تأليف الدكتور مصطفى محمود وهو عبارة عن مجموعة قصصية يدور محورها الرئيس حول الهداية والإيمان بالله العلي القدير وبأقداره وبما قسمه للإنسان صورت القصص ما يشعر به المعاصر ضياع وعدمية وفقدان لمعنى وجوهرها وقدمت يكون سعيدا بغير هداية له الصحيح؛ فلا سعادة بمال أو حب سلطة دون التوجه تعالى والتقرب منه وإليه
❞ الطريق من القاهرة إلى مرسى مطروح بالسيارة طريق طويل ممل تتشابه فيه المناظر على مدى ساعات . آفاق ممتدة من الرمال و شريط أزرق من البحر يبدو و يختفي . و اهتزازات صاعدة هابطة تهبط منها الأحشاء ، و يُصاب الرأس بالدوار . و لولا ذلك الرفيق الثِرثار ربما كان السائق قد أغفَى على مقعد القيادة نائماً من فرط الرتابة .
و في مثل هذه المسافات الطويلة تحلو الثرثرة .
و صاحبنا الثرثار رجل قلِق متوتر لا يعجبه شيء و لا يرى من الإنسان إلا عيوبه ، و لا يرى في الدنيا إلا جوانبها السالبة و لا يرى في الكون شيئاً جديراً بالحمد . فالكون مشروع فاشل ، و الحياة صفقة خاسرة نهايتها الموت . و العَطَب و الفساد يكتنف كل شيء . فالورد يذبُل . و الشمس تأفُل . و الجسد يشيخ . و الأرض تتبدل . و لا شيء يبقى على حاله . و الإنسان يشرب دموعه مع كل ضحكة . فأين الحكمة . و أين الإبداع . و أين الجمال . و علام ذلك التسبيح شكراً و حمداً . و علام تعفير الجباه سجوداً و ركوعاً . و كيف نشكر الخالق على الميكروب و السرطان و الزلزال و الموت غرقاً و حرقاً .
أما صاحبنا الآخر فهو على النقيض ، رجل مطمئن تكسوه دائماً ملامح الرضا و الحمد و القناعة . و في رأيه أنه ليس في الإمكان أبدع مما كان . و أن الله خلق الكون و الإنسان على أحسن صورة . و أن الموت و الشيخوخة و المرض . هي ظِلال لابد منها لكمال الصورة . فما كانت الصحة لِتُعرَف لولا المرض . بل إن المرض يعطي للإنسان فيما يُعطي . المناعة و الحصانة . كما أنه يعلمه الصبر و الجَلَد . ثم هو الذي يخلق المناسبة للرحمة و التعاطف و البذل بين الناس . و حُكمِهِ حُكم لَسعَة البرد و الحر التي تنبه الجسد و تستفزه ليحتشد . و لو أخلد الإنسان إلى إعتدال دائم لاسترخت خلايا جسده و هلكت من الخمول و الترف . و شُكراً للميكروب فهو يخلق للعقل وظيفة عاجلة ليفكر و يبتكر و يحتال على الإنقاذ . و هل البنسلين و الكلورميسين و الأريومسين و كافة عائلة المضادات الحيوية إلا مخلفات ميكروبات . ! و هل يحصل النبات على سماده الطبيعي إلا بميكروبات في درنات الجذور تثبت النيتروجين و تسلمه لنبات سماداً جاهزاً . !
* إن للشر دائماً وجهاً آخر خَفيّاً . هو عين الخير .
و لولا الزلازل و البراكين التي تُنَفِس عن الضغط الزائد في باطن الأرض لانفجرت الأرض بِمَن عليها من ملاين السنين .
و كما يقول الفيلسوف الحكيم أبو حامد الغزالي : كلما ازداد القوس إعوجاجاً أعطى السهم تَوتُراً و اندِفاعاً أكثر ليصيب هدفه ، و ذلك هو الكمال الذي يَخفَى في باطن النقص .
و لهذا قال الغزالي : إنه ليس في الإمكان أبدع مما كان ، و أن الدنيا بما فيها من نقص هي أكمل مثال لدنيا زائلة .
● قال الرجل الثِرثار : كل هذا كلام في كلام . و أُحِب أن أرى الآن لو كُسِرَت ذراعُك أو كُفَ بَصرُك . ماذا تقول . ؟
● قال الرجل الهادئ : أقول الحمد لله لطفت يا رب في قضائك و أبقيت لي ذراعاً سليمة . و أخذت بصري و أبقيت سمعي . فشكراً على ما أبقيت . و لك الحكمة فيما أخذت .
● قال الثرثار : هذا دجل صريح . و أراهن أنك أكبر دجال فيما تقول . و أُراهن أن الموقف سوف يختلف كثيراً إذا أصابك شيء من هذا . و أنك سوف تَسُب الدين و المِلّة .
● قال الرجل المطمئن : حاشا لله أن أفعل شيئاً من ذلك . و أنا أُحسِن الظن بالله . و أرى جماله في كل شيء . و أرى رحمته تسبق عدله . و لُطفِه يسبق رحمته في كل قضاء . و لا أراه ظالِماً أبداً . تعالى ربي عن الظُلم عُلُواً كبيراً .
و لم يُجِب الرجل الثِرثار . فقد وقعت العربة في مطب فجأة و انحرفت عجلة القيادة . و ظهرت عربة قادمة بسرعة من الإتجاه الآخر . و فقد السائق السيطرة على توجيه عربته تماماً . و رآها تخرج من يده إلى خارج الطريق المرصوف ثم تميل ميلاً شديداً لتنقلب و تبدأ في الدوران حول نفسها عدة مرات لتستقر على بعد مائة متر في الرمال .
و خرج الرجل الثرثار شاحِباً يرتجف و هو يتحسس نفسه و يدهش كيف لم يُصَب بِخدش . أما الرجل المطمئن فكان فاقد الوعي يتنفس بصعوبة و يخرج من فمه شخير . و انطلق الرجل في فزع إلى أقرب نقطة مرور و اتصل تليفونياً بأقرب وحدة صحية ، و كانت وحدة العلمين على بُعد عشرة كيلو مترات .
و جاءت عربة الإسعاف . و قال طبيب الوحدة بعد الفحص الأوَلي إن هناك تمزُقاً بالكلية اليُمنى و نزيفاً ، و إن الحل الوحيد هو نقل المصاب فوراً إلى الإسكندرية و إجراء جراحة إستئصال عاجلة للكلية .
و في الغُرفة رقم ˝7˝ بعنبر الجراحة بمستشفى الجامعة . كان المُصاب مسجى على فراشه بعد أن خرج من غرفة العمليات . و كان لا يزال في غفوة البنج . و إلى جواره جلس صديقه الثرثار في انتظار اللحظة التي يفتح فيها عينيه ، و كان أول ما قال الرجل حينما فتح عينيه :
● الحمد لله .
و كان الرجل الثرثار يجلس مبهوتاً ، و كان لا يزال يرتجف من هول ما رأى و ما سَمِع و هو يتأرجح على عتبة الموت . و كان لا يزال يتحسس جسده السليم و لا يُصدِق كيف خرج سليماً ، و كان الطبيب يتحدث بالتليفون إلى قسم الباثولوجي . و وضع الطبيب التليفون و ظهرت على وجهه دهشة لا حد لها . قال الطبيب و قد اتسعت حدقتاه :
● هذا أمر عجيب . أمرٌ لا يُصَدَق .!
● قال الرجل الثرثار . كيف . ماذا تعني . ماذا حدث ؟
● قال الطبيب و هو يبتلع لعابه من الإنفعال : الكلية التي أستُئصِلَت .
● قال الرجل الثرثار في فضول : ما خطبها . ؟
● قال الطبيب : يقول تقرير الباثولوجي . إنه كان بها سرطان وليد في أول مراحله .
و خيَّم الصمت على الثلاثة برهة و كأن على رؤسهم الطير .
● ثم استأنف الطبيب الكلام : لولا هذا الحادث الذي إستأصلنا بسببه الكلية لكان المصاب سيهلك بالسرطان حتماً . هذا عجيب . هذا حادث إنقاذ . هذا حادث مُلاطَفة . و ليس نكبة . إن ما حدث كان خيراً لا حد له .
● و ابتسم الرجل المطمئن إبتسامة واهنة في فراشه و قال : الحمد لله . إن الله يعاملني بنياتي ، فقد كنت دائماً أُحسِن الظن به . و التفت إلى صاحبه الثرثار قائلا : أرأيت يا صديقي . فذلك هو الخير الباطن في الشر .
و سكت الطبيب ساهِماً .
و بُهِتَ الذي كَفَر . فلم يجد ما يقول .
*****
قصة / ملاطفة من كتـــاب / نقـطــة الغـليــان للدكتور / مصطفى محمود (رحمه الله). ❝
❞ الطريق من القاهرة إلى مرسى مطروح بالسيارة طريق طويل ممل تتشابه فيه المناظر على مدى ساعات .. آفاق ممتدة من الرمال و شريط أزرق من البحر يبدو و يختفي .. و اهتزازات صاعدة هابطة تهبط منها الأحشاء ، و يُصاب الرأس بالدوار .. و لولا ذلك الرفيق الثِرثار ربما كان السائق قد أغفَى على مقعد القيادة نائماً من فرط الرتابة . و في مثل هذه المسافات الطويلة تحلو الثرثرة .. و صاحبنا الثرثار رجل قلِق متوتر لا يعجبه شيء و لا يرى من الإنسان إلا عيوبه ، و لا يرى في الدنيا إلا جوانبها السالبة و لا يرى في الكون شيئاً جديراً بالحمد .. فالكون مشروع فاشل ، و الحياة صفقة خاسرة نهايتها الموت .. و العَطَب و الفساد يكتنف كل شيء .. فالورد يذبُل .. و الشمس تأفُل .. و الجسد يشيخ .. و الأرض تتبدل .. و لا شيء يبقى على حاله .. و الإنسان يشرب دموعه مع كل ضحكة .. فأين الحكمة .. و أين الإبداع .. و أين الجمال .. و علام ذلك التسبيح شكراً و حمداً .. و علام تعفير الجباه سجوداً و ركوعاً .. و كيف نشكر الخالق على الميكروب و السرطان و الزلزال و الموت غرقاً و حرقاً .. أما صاحبنا الآخر فهو على النقيض ، رجل مطمئن تكسوه دائماً ملامح الرضا و الحمد و القناعة .. و في رأيه أنه ليس في الإمكان أبدع مما كان .. و أن الله خلق الكون و الإنسان على أحسن صورة .. و أن الموت و الشيخوخة و المرض .. هي ظِلال لابد منها لكمال الصورة .. فما كانت الصحة لِتُعرَف لولا المرض .. بل إن المرض يعطي للإنسان فيما يُعطي .. المناعة و الحصانة .. كما أنه يعلمه الصبر و الجَلَد .. ثم هو الذي يخلق المناسبة للرحمة و التعاطف و البذل بين الناس .. و حُكمِهِ حُكم لَسعَة البرد و الحر التي تنبه الجسد و تستفزه ليحتشد .. و لو أخلد الإنسان إلى إعتدال دائم لاسترخت خلايا جسده و هلكت من الخمول و الترف .. و شُكراً للميكروب فهو يخلق للعقل وظيفة عاجلة ليفكر و يبتكر و يحتال على الإنقاذ .. و هل البنسلين و الكلورميسين و الأريومسين و كافة عائلة المضادات الحيوية إلا مخلفات ميكروبات .. ! و هل يحصل النبات على سماده الطبيعي إلا بميكروبات في درنات الجذور تثبت النيتروجين و تسلمه لنبات سماداً جاهزاً .. ! ** إن للشر دائماً وجهاً آخر خَفيّاً .. هو عين الخير . و لولا الزلازل و البراكين التي تُنَفِس عن الضغط الزائد في باطن الأرض لانفجرت الأرض بِمَن عليها من ملاين السنين . و كما يقول الفيلسوف الحكيم أبو حامد الغزالي : كلما ازداد القوس إعوجاجاً أعطى السهم تَوتُراً و اندِفاعاً أكثر ليصيب هدفه ، و ذلك هو الكمال الذي يَخفَى في باطن النقص . و لهذا قال الغزالي : إنه ليس في الإمكان أبدع مما كان ، و أن الدنيا بما فيها من نقص هي أكمل مثال لدنيا زائلة . ● قال الرجل الثِرثار : كل هذا كلام في كلام .. و أُحِب أن أرى الآن لو كُسِرَت ذراعُك أو كُفَ بَصرُك .. ماذا تقول .. ؟ ● قال الرجل الهادئ : أقول الحمد لله لطفت يا رب في قضائك و أبقيت لي ذراعاً سليمة .. و أخذت بصري و أبقيت سمعي .. فشكراً على ما أبقيت .. و لك الحكمة فيما أخذت . ● قال الثرثار : هذا دجل صريح .. و أراهن أنك أكبر دجال فيما تقول .. و أُراهن أن الموقف سوف يختلف كثيراً إذا أصابك شيء من هذا .. و أنك سوف تَسُب الدين و المِلّة . ● قال الرجل المطمئن : حاشا لله أن أفعل شيئاً من ذلك .. و أنا أُحسِن الظن بالله .. و أرى جماله في كل شيء .. و أرى رحمته تسبق عدله .. و لُطفِه يسبق رحمته في كل قضاء .. و لا أراه ظالِماً أبداً .. تعالى ربي عن الظُلم عُلُواً كبيراً . و لم يُجِب الرجل الثِرثار .. فقد وقعت العربة في مطب فجأة و انحرفت عجلة القيادة .. و ظهرت عربة قادمة بسرعة من الإتجاه الآخر .. و فقد السائق السيطرة على توجيه عربته تماماً .. و رآها تخرج من يده إلى خارج الطريق المرصوف ثم تميل ميلاً شديداً لتنقلب و تبدأ في الدوران حول نفسها عدة مرات لتستقر على بعد مائة متر في الرمال . و خرج الرجل الثرثار شاحِباً يرتجف و هو يتحسس نفسه و يدهش كيف لم يُصَب بِخدش .. أما الرجل المطمئن فكان فاقد الوعي يتنفس بصعوبة و يخرج من فمه شخير . و انطلق الرجل في فزع إلى أقرب نقطة مرور و اتصل تليفونياً بأقرب وحدة صحية ، و كانت وحدة العلمين على بُعد عشرة كيلو مترات . و جاءت عربة الإسعاف .. و قال طبيب الوحدة بعد الفحص الأوَلي إن هناك تمزُقاً بالكلية اليُمنى و نزيفاً ، و إن الحل الوحيد هو نقل المصاب فوراً إلى الإسكندرية و إجراء جراحة إستئصال عاجلة للكلية .. و في الغُرفة رقم "7" بعنبر الجراحة بمستشفى الجامعة .. كان المُصاب مسجى على فراشه بعد أن خرج من غرفة العمليات .. و كان لا يزال في غفوة البنج . و إلى جواره جلس صديقه الثرثار في انتظار اللحظة التي يفتح فيها عينيه ، و كان أول ما قال الرجل حينما فتح عينيه : ● الحمد لله . و كان الرجل الثرثار يجلس مبهوتاً ، و كان لا يزال يرتجف من هول ما رأى و ما سَمِع و هو يتأرجح على عتبة الموت .. و كان لا يزال يتحسس جسده السليم و لا يُصدِق كيف خرج سليماً ، و كان الطبيب يتحدث بالتليفون إلى قسم الباثولوجي . و وضع الطبيب التليفون و ظهرت على وجهه دهشة لا حد لها .. قال الطبيب و قد اتسعت حدقتاه : ● هذا أمر عجيب .. أمرٌ لا يُصَدَق .! ● قال الرجل الثرثار .. كيف .. ماذا تعني .. ماذا حدث ؟ ● قال الطبيب و هو يبتلع لعابه من الإنفعال : الكلية التي أستُئصِلَت .. ● قال الرجل الثرثار في فضول : ما خطبها .. ؟ ● قال الطبيب : يقول تقرير الباثولوجي .. إنه كان بها سرطان وليد في أول مراحله . و خيَّم الصمت على الثلاثة برهة و كأن على رؤسهم الطير .. ● ثم استأنف الطبيب الكلام : لولا هذا الحادث الذي إستأصلنا بسببه الكلية لكان المصاب سيهلك بالسرطان حتماً .. هذا عجيب .. هذا حادث إنقاذ .. هذا حادث مُلاطَفة .. و ليس نكبة . إن ما حدث كان خيراً لا حد له .. ● و ابتسم الرجل المطمئن إبتسامة واهنة في فراشه و قال : الحمد لله . إن الله يعاملني بنياتي ، فقد كنت دائماً أُحسِن الظن به . و التفت إلى صاحبه الثرثار قائلا : أرأيت يا صديقي .. فذلك هو الخير الباطن في الشر .. و سكت الطبيب ساهِماً . و بُهِتَ الذي كَفَر .. فلم يجد ما يقول .. ***** قصة / ملاطفة من كتـــاب / نقـطــة الغـليــان للدكتور / مصطفى محمود (رحمه الله). ❝ ⏤مصطفى محمود
❞ الطريق من القاهرة إلى مرسى مطروح بالسيارة طريق طويل ممل تتشابه فيه المناظر على مدى ساعات . آفاق ممتدة من الرمال و شريط أزرق من البحر يبدو و يختفي . و اهتزازات صاعدة هابطة تهبط منها الأحشاء ، و يُصاب الرأس بالدوار . و لولا ذلك الرفيق الثِرثار ربما كان السائق قد أغفَى على مقعد القيادة نائماً من فرط الرتابة .
و في مثل هذه المسافات الطويلة تحلو الثرثرة .
و صاحبنا الثرثار رجل قلِق متوتر لا يعجبه شيء و لا يرى من الإنسان إلا عيوبه ، و لا يرى في الدنيا إلا جوانبها السالبة و لا يرى في الكون شيئاً جديراً بالحمد . فالكون مشروع فاشل ، و الحياة صفقة خاسرة نهايتها الموت . و العَطَب و الفساد يكتنف كل شيء . فالورد يذبُل . و الشمس تأفُل . و الجسد يشيخ . و الأرض تتبدل . و لا شيء يبقى على حاله . و الإنسان يشرب دموعه مع كل ضحكة . فأين الحكمة . و أين الإبداع . و أين الجمال . و علام ذلك التسبيح شكراً و حمداً . و علام تعفير الجباه سجوداً و ركوعاً . و كيف نشكر الخالق على الميكروب و السرطان و الزلزال و الموت غرقاً و حرقاً .
أما صاحبنا الآخر فهو على النقيض ، رجل مطمئن تكسوه دائماً ملامح الرضا و الحمد و القناعة . و في رأيه أنه ليس في الإمكان أبدع مما كان . و أن الله خلق الكون و الإنسان على أحسن صورة . و أن الموت و الشيخوخة و المرض . هي ظِلال لابد منها لكمال الصورة . فما كانت الصحة لِتُعرَف لولا المرض . بل إن المرض يعطي للإنسان فيما يُعطي . المناعة و الحصانة . كما أنه يعلمه الصبر و الجَلَد . ثم هو الذي يخلق المناسبة للرحمة و التعاطف و البذل بين الناس . و حُكمِهِ حُكم لَسعَة البرد و الحر التي تنبه الجسد و تستفزه ليحتشد . و لو أخلد الإنسان إلى إعتدال دائم لاسترخت خلايا جسده و هلكت من الخمول و الترف . و شُكراً للميكروب فهو يخلق للعقل وظيفة عاجلة ليفكر و يبتكر و يحتال على الإنقاذ . و هل البنسلين و الكلورميسين و الأريومسين و كافة عائلة المضادات الحيوية إلا مخلفات ميكروبات . ! و هل يحصل النبات على سماده الطبيعي إلا بميكروبات في درنات الجذور تثبت النيتروجين و تسلمه لنبات سماداً جاهزاً . !
* إن للشر دائماً وجهاً آخر خَفيّاً . هو عين الخير .
و لولا الزلازل و البراكين التي تُنَفِس عن الضغط الزائد في باطن الأرض لانفجرت الأرض بِمَن عليها من ملاين السنين .
و كما يقول الفيلسوف الحكيم أبو حامد الغزالي : كلما ازداد القوس إعوجاجاً أعطى السهم تَوتُراً و اندِفاعاً أكثر ليصيب هدفه ، و ذلك هو الكمال الذي يَخفَى في باطن النقص .
و لهذا قال الغزالي : إنه ليس في الإمكان أبدع مما كان ، و أن الدنيا بما فيها من نقص هي أكمل مثال لدنيا زائلة .
● قال الرجل الثِرثار : كل هذا كلام في كلام . و أُحِب أن أرى الآن لو كُسِرَت ذراعُك أو كُفَ بَصرُك . ماذا تقول . ؟
● قال الرجل الهادئ : أقول الحمد لله لطفت يا رب في قضائك و أبقيت لي ذراعاً سليمة . و أخذت بصري و أبقيت سمعي . فشكراً على ما أبقيت . و لك الحكمة فيما أخذت .
● قال الثرثار : هذا دجل صريح . و أراهن أنك أكبر دجال فيما تقول . و أُراهن أن الموقف سوف يختلف كثيراً إذا أصابك شيء من هذا . و أنك سوف تَسُب الدين و المِلّة .
● قال الرجل المطمئن : حاشا لله أن أفعل شيئاً من ذلك . و أنا أُحسِن الظن بالله . و أرى جماله في كل شيء . و أرى رحمته تسبق عدله . و لُطفِه يسبق رحمته في كل قضاء . و لا أراه ظالِماً أبداً . تعالى ربي عن الظُلم عُلُواً كبيراً .
و لم يُجِب الرجل الثِرثار . فقد وقعت العربة في مطب فجأة و انحرفت عجلة القيادة . و ظهرت عربة قادمة بسرعة من الإتجاه الآخر . و فقد السائق السيطرة على توجيه عربته تماماً . و رآها تخرج من يده إلى خارج الطريق المرصوف ثم تميل ميلاً شديداً لتنقلب و تبدأ في الدوران حول نفسها عدة مرات لتستقر على بعد مائة متر في الرمال .
و خرج الرجل الثرثار شاحِباً يرتجف و هو يتحسس نفسه و يدهش كيف لم يُصَب بِخدش . أما الرجل المطمئن فكان فاقد الوعي يتنفس بصعوبة و يخرج من فمه شخير . و انطلق الرجل في فزع إلى أقرب نقطة مرور و اتصل تليفونياً بأقرب وحدة صحية ، و كانت وحدة العلمين على بُعد عشرة كيلو مترات .
و جاءت عربة الإسعاف . و قال طبيب الوحدة بعد الفحص الأوَلي إن هناك تمزُقاً بالكلية اليُمنى و نزيفاً ، و إن الحل الوحيد هو نقل المصاب فوراً إلى الإسكندرية و إجراء جراحة إستئصال عاجلة للكلية .
و في الغُرفة رقم ˝7˝ بعنبر الجراحة بمستشفى الجامعة . كان المُصاب مسجى على فراشه بعد أن خرج من غرفة العمليات . و كان لا يزال في غفوة البنج . و إلى جواره جلس صديقه الثرثار في انتظار اللحظة التي يفتح فيها عينيه ، و كان أول ما قال الرجل حينما فتح عينيه :
● الحمد لله .
و كان الرجل الثرثار يجلس مبهوتاً ، و كان لا يزال يرتجف من هول ما رأى و ما سَمِع و هو يتأرجح على عتبة الموت . و كان لا يزال يتحسس جسده السليم و لا يُصدِق كيف خرج سليماً ، و كان الطبيب يتحدث بالتليفون إلى قسم الباثولوجي . و وضع الطبيب التليفون و ظهرت على وجهه دهشة لا حد لها . قال الطبيب و قد اتسعت حدقتاه :
● هذا أمر عجيب . أمرٌ لا يُصَدَق .!
● قال الرجل الثرثار . كيف . ماذا تعني . ماذا حدث ؟
● قال الطبيب و هو يبتلع لعابه من الإنفعال : الكلية التي أستُئصِلَت .
● قال الرجل الثرثار في فضول : ما خطبها . ؟
● قال الطبيب : يقول تقرير الباثولوجي . إنه كان بها سرطان وليد في أول مراحله .
و خيَّم الصمت على الثلاثة برهة و كأن على رؤسهم الطير .
● ثم استأنف الطبيب الكلام : لولا هذا الحادث الذي إستأصلنا بسببه الكلية لكان المصاب سيهلك بالسرطان حتماً . هذا عجيب . هذا حادث إنقاذ . هذا حادث مُلاطَفة . و ليس نكبة . إن ما حدث كان خيراً لا حد له .
● و ابتسم الرجل المطمئن إبتسامة واهنة في فراشه و قال : الحمد لله . إن الله يعاملني بنياتي ، فقد كنت دائماً أُحسِن الظن به . و التفت إلى صاحبه الثرثار قائلا : أرأيت يا صديقي . فذلك هو الخير الباطن في الشر .
و سكت الطبيب ساهِماً .
و بُهِتَ الذي كَفَر . فلم يجد ما يقول .
*****
قصة / ملاطفة من كتـــاب / نقـطــة الغـليــان للدكتور / مصطفى محمود (رحمه الله). ❝
❞ كان التشخيص سرطانا بالثدي من الدرجة الثانية وقال لها الطبيب هناك احتمال لنجاح جراحة استئصال كامل ولا يجب ان نضيع الفرصة قالت لخطيبها ودموعها علي خديها : اتتزوجني وانا هكذا ؟؟؟ قال في يقين : نعم حبيبتي قالت : سوف اضع مكانه ثديا صناعيا من رغوة المطاط قال : وهل اللحم والدم الا نوع اخر من الرغوة الخلوية نحن نصور انفسنا اوهاما وما الحق الا الروح التي تسكن البدن والنفس التي تسكن القلب واستأصل الجراح الثدي ومعه احزمة من الغدد الليمفاوية وحاول ان يحاصر المرض بالأشعة ولكن الخلايا السرطانية كانت قد سرحت في الدم وما لبثت ان ظهرت تجمعات خلوية سرطانية في الرئتين . وبصقت الفتاة دما ثم ظهرت تجمعات دموية في العمود الفقري فما عادت تستطيع ان تقوم او تقف وبدأت تعاني الاما حادة وتصحو بضع ساعات لتغيب بعد ذلك اغلب يومها وليلها في المورفين قالت لخطيبها : لا فائدة سوف اموت ......اتحبني؟؟؟؟؟ قال ودموعه علي خديه : سوف احبك اكثر قالت : كيف تحبني بعد ان اموت ... كيف تحبني بلا جسد ... اصلاة في غير محراب ...اطواف بدون كعبة ؟؟؟؟ قال : لقد هدموا احجار الكعبة عدة مرات في التاريخ فهل انتهي الايمان وهل انتهي الطواف ..... انما الطواف حول البقعة وليس حول الحجر انما الطواف حول نقطة في التصور حول مركز الاهتمام .... وكما يطوف القمر حول الارض وكما تطوف الارض حول الشمس وكما يطوف الاصغر حول الأكبر كذلك تطوف كل المخلوقات حول الاكبر من كل شئ وكلنا طوافون حول المشيئة الالهية اردنا ام ابينا..... وما الكعبة الا الرمز وانا اطوف حول حجارة ولو تهدمت لما تغير في نظري شئ وسأظل أطوف حول مشيئة ربي للأبد قالت في حزن: كنت تقبل شفتي بلذة قال : بل كنت اقبل روحك قالت: وكيف ستقبل الروح اليوم بلا شفتين؟؟؟؟؟؟ قال: اننا لا نفقد حبنا لساكن الضريح اذا لم نقبل نحاس الضريح ؟؟؟؟ قالت: هذا شعر اخشي الا يصمد للواقع قال: هذا حق قالت:اصارحك بأن حبي لك يختلف كثيرا عن ذلك الحب فأنا كنت أريدك لحما ودما كنت احب ريقك يجري في دمي وعرق يديك علي وسادتي انا لا استطيع انا اصلي في غير محراب ولا استطيع ان اعبد دون ان الثم الحجر الاسود واشعر بريق شفتي علي سطحه العنبري قال: اصدقك ربما كان هذا هو الفرق بين الرجل والمرأة فالرجل يستطيع ان يحب في تجريد والمرأة لا تستطيع ان تحب الا تجسيدا لأنها هي ذاتها رحم الحياة التي تلد الأجساد المرأة جسم الدنيا والرجل عقلها ولهذا استطاع مجنون ليلي ان يهيم في ليلي ويضيع حياته في حبها دون ان يمسها ولم تستطع هي بل تزوجت وانجبت مثل جنسها من بنات البشر . قالت: نعم ولهذا قرأت عن الحب العذري ولم افهمه قط ولا اصدق اي امرأة تتكلم عن الحب العذري ابدا وعادت تبكي مغمغمة يا ويلي يا ويلي من حرماني منك انه عدم انه ظلمة لا اطيقها اتوسل اليك يا حبيبي تزوجني الليلة وتزوجا بين ضباب الأفيون والمسكنات وألام السرطان ونشوة اللقاء الجسدي العارم وكانا اشبه بحياة تعانق الموت علي شفا جرف هار ولهذا كانت لذاتهما مضاعفة ولهفاتهما محترقة وكأنها لثمات خاطفة من خلال قضبان لسجين برئ ذاهب الي الاعدام وكأنما احترمت قوانين الغيب هذا اللقاء فتوقفت نمو الخلايا السرطانية بضعة ايام ليتيح لهما فسحة لذلك الحوار المحترق بين الحياة والموت وكأنما قال الحب للموت توقف لحظة فتوقف وكانت تقول له ......كم ألعن هذا الافيون لأنه يحجبني عن الالم كما يحجبني عنك ولأنه يقيم حولي استارا من الوهم فأشعر كأنما امسكك بقفاز وليس بيدي كم اريد ان اباشرك بلا وسائط وبلا حجب فأصير انا انت بالحق والحقيقة وبالدم والجسد ويصير كلانا كائنا واحدا فيقول لها وهو يبكي ........... في الجنة سوف يباشر بعضنا بعض بلا وسائط وبلا حجب فنتوحد كأرواح اما في الدنيا فغلالة الاجساد والطين تفرقنا ولا امل فتقول في يأس ....... جنتي هي انت؟؟؟؟؟؟؟ورغبتي هي ان تتوحد طينتي وطينتك لتكونا سبيكة واحدة مالي انا والارواح فيقول مندهشا اوثنية انت؟؟؟؟؟؟؟ فتقول بل امرأة لقد ارادني الله ان اكون دنيا لك فكيف تريدني اكون لك اخرة فيقول متذكرا تلك هي حواء فعلا التي ربطت ادم الي الارض الي قيام الساعة ما اجملك من حواء ونزلت سطوة الغيب فانهار الجرف بين الموت والحياة واصبحت جثة لا يسمع لها صوت ولا يري لها كيان وتحول الحوار الي كلام مبتور من طرف واحد هو يصرخ وهي لا تجيب ثم هو وحده يكلم ترابا ثم علامة تعجب امام الباب الذي لا يعود منه احد . ثم سؤال ... ولا جواب . .. قصة / " الحب والموت " كتاب / " نقطة الغليان " للدكتور / مصطفــــى محمـــــود (رحمه الله ). ❝ ⏤مصطفى محمود
❞ كان التشخيص سرطانا بالثدي من الدرجة الثانية وقال لها الطبيب هناك احتمال لنجاح جراحة استئصال كامل ولا يجب ان نضيع الفرصة قالت لخطيبها ودموعها علي خديها : اتتزوجني وانا هكذا ؟؟؟ قال في يقين : نعم حبيبتي قالت : سوف اضع مكانه ثديا صناعيا من رغوة المطاط قال : وهل اللحم والدم الا نوع اخر من الرغوة الخلوية نحن نصور انفسنا اوهاما وما الحق الا الروح التي تسكن البدن والنفس التي تسكن القلب واستأصل الجراح الثدي ومعه احزمة من الغدد الليمفاوية وحاول ان يحاصر المرض بالأشعة ولكن الخلايا السرطانية كانت قد سرحت في الدم وما لبثت ان ظهرت تجمعات خلوية سرطانية في الرئتين . وبصقت الفتاة دما
ثم ظهرت تجمعات دموية في العمود الفقري فما عادت تستطيع ان تقوم او تقف وبدأت تعاني الاما حادة وتصحو بضع ساعات لتغيب بعد ذلك اغلب يومها وليلها في المورفين قالت لخطيبها : لا فائدة سوف اموت ...اتحبني؟؟؟؟؟ قال ودموعه علي خديه : سوف احبك اكثر قالت : كيف تحبني بعد ان اموت .. كيف تحبني بلا جسد .. اصلاة في غير محراب ..اطواف بدون كعبة ؟؟؟؟ قال : لقد هدموا احجار الكعبة عدة مرات في التاريخ فهل انتهي الايمان وهل انتهي الطواف ... انما الطواف حول البقعة وليس حول الحجر انما الطواف حول نقطة في التصور حول مركز الاهتمام .. وكما يطوف القمر حول الارض وكما تطوف الارض حول الشمس وكما يطوف الاصغر حول الأكبر كذلك تطوف كل المخلوقات حول الاكبر من كل شئ وكلنا طوافون حول المشيئة الالهية اردنا ام ابينا... وما الكعبة الا الرمز وانا اطوف حول حجارة ولو تهدمت لما تغير في نظري شئ وسأظل أطوف حول مشيئة ربي للأبد قالت في حزن: كنت تقبل شفتي بلذة قال : بل كنت اقبل روحك قالت: وكيف ستقبل الروح اليوم بلا شفتين؟؟؟؟؟؟ قال: اننا لا نفقد حبنا لساكن الضريح اذا لم نقبل نحاس الضريح ؟؟؟؟ قالت: هذا شعر اخشي الا يصمد للواقع قال: هذا حق قالت:اصارحك بأن حبي لك يختلف كثيرا عن ذلك الحب فأنا كنت أريدك لحما ودما كنت احب ريقك يجري في دمي وعرق يديك علي وسادتي انا لا استطيع انا اصلي في غير محراب ولا استطيع ان اعبد دون ان الثم الحجر الاسود واشعر بريق شفتي علي سطحه العنبري قال: اصدقك ربما كان هذا هو الفرق بين الرجل والمرأة فالرجل يستطيع ان يحب في تجريد والمرأة لا تستطيع ان تحب الا تجسيدا لأنها هي ذاتها رحم الحياة التي تلد الأجساد المرأة جسم الدنيا والرجل عقلها ولهذا استطاع مجنون ليلي ان يهيم في ليلي ويضيع حياته في حبها دون ان يمسها ولم تستطع هي بل تزوجت وانجبت مثل جنسها من بنات البشر .
قالت: نعم ولهذا قرأت عن الحب العذري ولم افهمه قط ولا اصدق اي امرأة تتكلم عن الحب العذري ابدا
وعادت تبكي مغمغمة يا ويلي يا ويلي من حرماني منك انه عدم انه ظلمة لا اطيقها اتوسل اليك يا حبيبي تزوجني الليلة
وتزوجا بين ضباب الأفيون والمسكنات وألام السرطان ونشوة اللقاء الجسدي العارم وكانا اشبه بحياة تعانق الموت علي شفا جرف هار ولهذا كانت لذاتهما مضاعفة ولهفاتهما محترقة وكأنها لثمات خاطفة من خلال قضبان لسجين برئ ذاهب الي الاعدام وكأنما احترمت قوانين الغيب هذا اللقاء فتوقفت نمو الخلايا السرطانية بضعة ايام ليتيح لهما فسحة لذلك الحوار المحترق بين الحياة والموت وكأنما قال الحب للموت توقف لحظة فتوقف
وكانت تقول له ...كم ألعن هذا الافيون لأنه يحجبني عن الالم كما يحجبني عنك ولأنه يقيم حولي استارا من الوهم فأشعر كأنما امسكك بقفاز وليس بيدي كم اريد ان اباشرك بلا وسائط وبلا حجب فأصير انا انت بالحق والحقيقة وبالدم والجسد ويصير كلانا كائنا واحدا
فيقول لها وهو يبكي ...... في الجنة سوف يباشر بعضنا بعض بلا وسائط وبلا حجب فنتوحد كأرواح اما في الدنيا فغلالة الاجساد والطين تفرقنا ولا امل فتقول في يأس .... جنتي هي انت؟؟؟؟؟؟؟ورغبتي هي ان تتوحد طينتي وطينتك لتكونا سبيكة واحدة مالي انا والارواح فيقول مندهشا اوثنية انت؟؟؟؟؟؟؟ فتقول بل امرأة لقد ارادني الله ان اكون دنيا لك فكيف تريدني اكون لك اخرة فيقول متذكرا تلك هي حواء فعلا التي ربطت ادم الي الارض الي قيام الساعة ما اجملك من حواء
ونزلت سطوة الغيب فانهار الجرف بين الموت والحياة واصبحت جثة لا يسمع لها صوت ولا يري لها كيان وتحول الحوار الي كلام مبتور من طرف واحد هو يصرخ وهي لا تجيب ثم هو وحده يكلم ترابا
ثم علامة تعجب امام الباب الذي لا يعود منه احد . ثم سؤال .. ولا جواب . . قصة / ˝ الحب والموت ˝ كتاب / ˝ نقطة الغليان ˝ للدكتور / مصطفــــى محمـــــود (رحمه الله ). ❝