قَالَ هِيَ رَاوَدَتْنِي عَن نَّفْسِي ۚ وَشَهِدَ... 💬 أقوال محمد رشيد رضا 📖 كتاب تفسير سورة يوسف
- 📖 من ❞ كتاب تفسير سورة يوسف ❝ محمد رشيد رضا 📖
█ قَالَ هِيَ رَاوَدَتْنِي عَن نَّفْسِي ۚ وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِّنْ أَهْلِهَا إِن كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِن قُبُلٍ فَصَدَقَتْ وَهُوَ مِنَ الْكَاذِبِينَ (26) قوله تعالى : قال هي راودتني عن نفسي وشهد شاهد من أهلها فيه ثلاث مسائل : الأولى العلماء لما برأت نفسها ; ولم تكن صادقة حبه لأن شأن المحب إيثار المحبوب نطق يوسف بالحق مقابلة بهتها وكذبها عليه نوف الشامي وغيره كأن السلام لم يبن كشف القضية فلما بغت به غضب فقال الحق الثانية قوله لأنهما تعارضا القول احتاج الملك إلى ليعلم الصادق الكاذب فشهد أي حكم حاكم لأنه منه وليس بشهادة وقد اختلف هذا الشاهد أقوال أربعة الأول أنه طفل المهد تكلم السهيلي وهو الصحيح للحديث الوارد النبي صلى الله وسلم يتكلم إلا ثلاثة وذكر فيهم وقال القشيري أبو نصر قيل كان صبيا الدار ابن خالتها وروى سعيد بن جبير عباس وهم صغار فذكر منهم فهذا قول الثاني أن قد القميص رواه أبي نجيح كتاب تفسير سورة مجاناً PDF اونلاين 2025 وصف pdfتاليف محمد رشيد رضا (نحن نقص عليك أحسن القصص بما أوحينا إليك القرآن)آية مليئة بالمعاني الكثيرة التي تيبن أروع حدثت تعرض سيدنا لظلم إخوته حتي يقربوا أباهم الشيطان أوهمهم بعيد عنهم ولكن لذالك القصة حكمة نشر الدين بلاد مصر حتى تحقق أمر بفضله وإرادته
❞ قَالَ هِيَ رَاوَدَتْنِي عَن نَّفْسِي ۚ وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِّنْ أَهْلِهَا إِن كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِن قُبُلٍ فَصَدَقَتْ وَهُوَ مِنَ الْكَاذِبِينَ (26) قوله تعالى : قال هي راودتني عن نفسي وشهد شاهد من أهلها فيه ثلاث مسائل : الأولى : قال العلماء : لما برأت نفسها ; ولم تكن صادقة في حبه - لأن من شأن المحب إيثار المحبوب - قال : هي راودتني عن نفسي نطق يوسف بالحق في مقابلة بهتها وكذبها عليه . قال نوف الشامي وغيره : كأن يوسف - عليه السلام - لم يبن عن كشف القضية ، فلما بغت به غضب فقال الحق . الثانية : قوله تعالى : وشهد شاهد من أهلها لأنهما لما تعارضا في القول احتاج الملك إلى شاهد ليعلم الصادق من الكاذب ، فشهد شاهد من أهلها . أي حكم حاكم من أهلها ; لأنه حكم منه وليس بشهادة . وقد اختلف في هذا الشاهد على أقوال أربعة : الأول - أنه طفل في المهد تكلم ; قال السهيلي : وهو الصحيح ; للحديث الوارد فيه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - وهو قوله : لم يتكلم في المهد إلا ثلاثة . . . وذكر فيهم شاهد يوسف . وقال القشيري أبو نصر : قيل فيه : كان صبيا في المهد في الدار وهو ابن خالتها ; وروى سعيد بن جبير عن ابن عباس عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال : تكلم أربعة وهم صغار . . . فذكر منهم شاهد يوسف ; فهذا قول . الثاني - أن الشاهد قد القميص ; رواه ابن أبي نجيح عن مجاهد ، وهو مجاز صحيح من جهة اللغة ; فإن لسان الحال أبلغ من لسان المقال ; وقد تضيف العرب الكلام إلى الجمادات وتخبر عنها بما هي عليه من الصفات ، وذلك كثير في أشعارها وكلامها ; ومن أحلاه قول بعضهم : قال الحائط للوتد لم تشقني ؟ قال له : سل من يدقني . إلا أن قول الله تعالى بعد ˝ من أهلها ˝ يبطل أن يكون القميص . الثالث - أنه خلق من خلق الله تعالى ليس بإنسي ولا بجني ; قاله مجاهد أيضا ، وهذا يرده قوله تعالى : ˝ من أهلها ˝ . الرابع - أنه رجل حكيم ذو عقل كان الوزير يستشيره في أموره ، وكان من جملة أهل المرأة وكان مع زوجها فقال : قد سمعت الاستبدار والجلبة من وراء الباب ، وشق القميص ، فلا يدرى أيكما كان قدام صاحبه ; فإن كان شق القميص من قدامه فأنت صادقة ، وإن كان من خلفه فهو صادق ، فنظروا إلى القميص فإذا هو مشقوق من خلف ; هذا قول الحسن وعكرمة وقتادة والضحاك ومجاهد أيضا والسدي . قال السدي : كان ابن عمها ; وروي عن ابن عباس ، وهو الصحيح في الباب ، والله أعلم . وروي عن ابن عباس - رواه عنه إسرائيل عن سماك عن عكرمة - قال : كان رجلا ذا لحية . وقال سفيان عن جابر عن ابن أبي مليكة عن ابن عباس أنه قال : كان من خاصة الملك . وقال عكرمة : لم يكن بصبي ، ولكن كان رجلا حكيما . وروى سفيان عن منصور عن مجاهد قال : كان رجلا . قال أبو جعفر النحاس : والأشبه بالمعنى - والله أعلم - أن يكون رجلا عاقلا حكيما شاوره الملك فجاء بهذه الدلالة ; ولو كان طفلا لكانت شهادته ليوسف - صلى الله عليه وسلم - تغني عن أن يأتي بدليل من العادة ; لأن كلام الطفل آية معجزة ، فكانت أوضح من الاستدلال بالعادة ; وليس هذا بمخالف للحديث تكلم أربعة وهم صغار منهم صاحب يوسف ، يكون المعنى : صغيرا ليس بشيخ ; وفي هذا دليل آخر وهو : أن ابن عباس - رضي الله عنهما - روى الحديث عن النبي - صلى الله عليه وسلم - وقد تواترت الرواية عنه أن صاحب يوسف ليس بصبي . قلت : قد روي عن ابن عباس وأبي هريرة وابن جبير وهلال بن يساف والضحاك أنه كان صبيا في المهد ; إلا أنه لو كان صبيا تكلم لكان الدليل نفس كلامه ، دون أن يحتاج إلى استدلال بالقميص ، وكان يكون ذلك خرق عادة ، ونوع معجزة ; والله أعلم . وسيأتي من تكلم في المهد من الصبيان في سورة [ البروج ] إن شاء الله . الثالثة : إذا تنزلنا على أن يكون الشاهد طفلا صغيرا فلا يكون فيه دلالة على العمل بالأمارات كما ذكرنا ; وإذا كان رجلا فيصح أن يكون حجة بالحكم بالعلامة في اللقطة وكثير من المواضع ; حتى قال مالك في اللصوص : إذا وجدت معهم أمتعة فجاء قوم فادعوها ، وليست لهم بينة فإن السلطان يتلوم لهم في ذلك ; فإن لم يأت غيرهم دفعها إليهم . وقال محمد في متاع البيت إذا اختلفت فيه المرأة والرجل : إن ما كان للرجال فهو للرجل ، وما كان للنساء فهو للمرأة ، وما كان للرجل والمرأة فهو للرجل . وكان شريح وإياس بن معاوية يعملان على العلامات في الحكومات ; وأصل ذلك هذه الآية ، والله أعلم . قوله تعالى : إن كان قميصه قد من قبل كان في موضع جزم بالشرط ، وفيه من النحو ما يشكل ، لأن حروف الشرط ترد الماضي إلى المستقبل ، وليس هذا في كان ; فقال المبرد محمد بن يزيد : هذا لقوة كان ، وأنه يعبر بها عن جميع الأفعال . وقال الزجاج : المعنى إن يكن ; أي إن يعلم ، والعلم لم يقع ، وكذا الكون لأنه يؤدي عن العلم . ˝ قد من قبل ˝ فخبر عن كان بالفعل الماضي ; كما قال زهير : وكان طوى كشحا على مستكنة فلا هو أبداها ولم يتقدم وقرأ يحيى بن يعمر وابن أبي إسحاق من ˝ قبل ˝ بضم القاف والباء واللام ،. ❝
❞ قَالَ هِيَ رَاوَدَتْنِي عَن نَّفْسِي ۚ وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِّنْ أَهْلِهَا إِن كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِن قُبُلٍ فَصَدَقَتْ وَهُوَ مِنَ الْكَاذِبِينَ (26) قوله تعالى : قال هي راودتني عن نفسي وشهد شاهد من أهلها فيه ثلاث مسائل : الأولى : قال العلماء : لما برأت نفسها ; ولم تكن صادقة في حبه - لأن من شأن المحب إيثار المحبوب - قال : هي راودتني عن نفسي نطق يوسف بالحق في مقابلة بهتها وكذبها عليه . قال نوف الشامي وغيره : كأن يوسف - عليه السلام - لم يبن عن كشف القضية ، فلما بغت به غضب فقال الحق . الثانية : قوله تعالى : وشهد شاهد من أهلها لأنهما لما تعارضا في القول احتاج الملك إلى شاهد ليعلم الصادق من الكاذب ، فشهد شاهد من أهلها . أي حكم حاكم من أهلها ; لأنه حكم منه وليس بشهادة . وقد اختلف في هذا الشاهد على أقوال أربعة : الأول - أنه طفل في المهد تكلم ; قال السهيلي : وهو الصحيح ; للحديث الوارد فيه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - وهو قوله : لم يتكلم في المهد إلا ثلاثة . . . وذكر فيهم شاهد يوسف . وقال القشيري أبو نصر : قيل فيه : كان صبيا في المهد في الدار وهو ابن خالتها ; وروى سعيد بن جبير عن ابن عباس عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال : تكلم أربعة وهم صغار . . . فذكر منهم شاهد يوسف ; فهذا قول . الثاني - أن الشاهد قد القميص ; رواه ابن أبي نجيح عن مجاهد ، وهو مجاز صحيح من جهة اللغة ; فإن لسان الحال أبلغ من لسان المقال ; وقد تضيف العرب الكلام إلى الجمادات وتخبر عنها بما هي عليه من الصفات ، وذلك كثير في أشعارها وكلامها ; ومن أحلاه قول بعضهم : قال الحائط للوتد لم تشقني ؟ قال له : سل من يدقني . إلا أن قول الله تعالى بعد " من أهلها " يبطل أن يكون القميص . الثالث - أنه خلق من خلق الله تعالى ليس بإنسي ولا بجني ; قاله مجاهد أيضا ، وهذا يرده قوله تعالى : " من أهلها " . الرابع - أنه رجل حكيم ذو عقل كان الوزير يستشيره في أموره ، وكان من جملة أهل المرأة وكان مع زوجها فقال : قد سمعت الاستبدار والجلبة من وراء الباب ، وشق القميص ، فلا يدرى أيكما كان قدام صاحبه ; فإن كان شق القميص من قدامه فأنت صادقة ، وإن كان من خلفه فهو صادق ، فنظروا إلى القميص فإذا هو مشقوق من خلف ; هذا قول الحسن وعكرمة وقتادة والضحاك ومجاهد أيضا والسدي . قال السدي : كان ابن عمها ; وروي عن ابن عباس ، وهو الصحيح في الباب ، والله أعلم . وروي عن ابن عباس - رواه عنه إسرائيل عن سماك عن عكرمة - قال : كان رجلا ذا لحية . وقال سفيان عن جابر عن ابن أبي مليكة عن ابن عباس أنه قال : كان من خاصة الملك . وقال عكرمة : لم يكن بصبي ، ولكن كان رجلا حكيما . وروى سفيان عن منصور عن مجاهد قال : كان رجلا . قال أبو جعفر النحاس : والأشبه بالمعنى - والله أعلم - أن يكون رجلا عاقلا حكيما شاوره الملك فجاء بهذه الدلالة ; ولو كان طفلا لكانت شهادته ليوسف - صلى الله عليه وسلم - تغني عن أن يأتي بدليل من العادة ; لأن كلام الطفل آية معجزة ، فكانت أوضح من الاستدلال بالعادة ; وليس هذا بمخالف للحديث تكلم أربعة وهم صغار منهم صاحب يوسف ، يكون المعنى : صغيرا ليس بشيخ ; وفي هذا دليل آخر وهو : أن ابن عباس - رضي الله عنهما - روى الحديث عن النبي - صلى الله عليه وسلم - وقد تواترت الرواية عنه أن صاحب يوسف ليس بصبي . قلت : قد روي عن ابن عباس وأبي هريرة وابن جبير وهلال بن يساف والضحاك أنه كان صبيا في المهد ; إلا أنه لو كان صبيا تكلم لكان الدليل نفس كلامه ، دون أن يحتاج إلى استدلال بالقميص ، وكان يكون ذلك خرق عادة ، ونوع معجزة ; والله أعلم . وسيأتي من تكلم في المهد من الصبيان في سورة [ البروج ] إن شاء الله . الثالثة : إذا تنزلنا على أن يكون الشاهد طفلا صغيرا فلا يكون فيه دلالة على العمل بالأمارات كما ذكرنا ; وإذا كان رجلا فيصح أن يكون حجة بالحكم بالعلامة في اللقطة وكثير من المواضع ; حتى قال مالك في اللصوص : إذا وجدت معهم أمتعة فجاء قوم فادعوها ، وليست لهم بينة فإن السلطان يتلوم لهم في ذلك ; فإن لم يأت غيرهم دفعها إليهم . وقال محمد في متاع البيت إذا اختلفت فيه المرأة والرجل : إن ما كان للرجال فهو للرجل ، وما كان للنساء فهو للمرأة ، وما كان للرجل والمرأة فهو للرجل . وكان شريح وإياس بن معاوية يعملان على العلامات في الحكومات ; وأصل ذلك هذه الآية ، والله أعلم . قوله تعالى : إن كان قميصه قد من قبل كان في موضع جزم بالشرط ، وفيه من النحو ما يشكل ، لأن حروف الشرط ترد الماضي إلى المستقبل ، وليس هذا في كان ; فقال المبرد محمد بن يزيد : هذا لقوة كان ، وأنه يعبر بها عن جميع الأفعال . وقال الزجاج : المعنى إن يكن ; أي إن يعلم ، والعلم لم يقع ، وكذا الكون لأنه يؤدي عن العلم . " قد من قبل " فخبر عن كان بالفعل الماضي ; كما قال زهير : وكان طوى كشحا على مستكنة فلا هو أبداها ولم يتقدم وقرأ يحيى بن يعمر وابن أبي إسحاق من " قبل " بضم القاف والباء واللام ،. ❝ ⏤محمد رشيد رضا
❞ قَالَ هِيَ رَاوَدَتْنِي عَن نَّفْسِي ۚ وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِّنْ أَهْلِهَا إِن كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِن قُبُلٍ فَصَدَقَتْ وَهُوَ مِنَ الْكَاذِبِينَ (26) قوله تعالى : قال هي راودتني عن نفسي وشهد شاهد من أهلها فيه ثلاث مسائل : الأولى : قال العلماء : لما برأت نفسها ; ولم تكن صادقة في حبه - لأن من شأن المحب إيثار المحبوب - قال : هي راودتني عن نفسي نطق يوسف بالحق في مقابلة بهتها وكذبها عليه . قال نوف الشامي وغيره : كأن يوسف - عليه السلام - لم يبن عن كشف القضية ، فلما بغت به غضب فقال الحق . الثانية : قوله تعالى : وشهد شاهد من أهلها لأنهما لما تعارضا في القول احتاج الملك إلى شاهد ليعلم الصادق من الكاذب ، فشهد شاهد من أهلها . أي حكم حاكم من أهلها ; لأنه حكم منه وليس بشهادة . وقد اختلف في هذا الشاهد على أقوال أربعة : الأول - أنه طفل في المهد تكلم ; قال السهيلي : وهو الصحيح ; للحديث الوارد فيه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - وهو قوله : لم يتكلم في المهد إلا ثلاثة . . . وذكر فيهم شاهد يوسف . وقال القشيري أبو نصر : قيل فيه : كان صبيا في المهد في الدار وهو ابن خالتها ; وروى سعيد بن جبير عن ابن عباس عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال : تكلم أربعة وهم صغار . . . فذكر منهم شاهد يوسف ; فهذا قول . الثاني - أن الشاهد قد القميص ; رواه ابن أبي نجيح عن مجاهد ، وهو مجاز صحيح من جهة اللغة ; فإن لسان الحال أبلغ من لسان المقال ; وقد تضيف العرب الكلام إلى الجمادات وتخبر عنها بما هي عليه من الصفات ، وذلك كثير في أشعارها وكلامها ; ومن أحلاه قول بعضهم : قال الحائط للوتد لم تشقني ؟ قال له : سل من يدقني . إلا أن قول الله تعالى بعد ˝ من أهلها ˝ يبطل أن يكون القميص . الثالث - أنه خلق من خلق الله تعالى ليس بإنسي ولا بجني ; قاله مجاهد أيضا ، وهذا يرده قوله تعالى : ˝ من أهلها ˝ . الرابع - أنه رجل حكيم ذو عقل كان الوزير يستشيره في أموره ، وكان من جملة أهل المرأة وكان مع زوجها فقال : قد سمعت الاستبدار والجلبة من وراء الباب ، وشق القميص ، فلا يدرى أيكما كان قدام صاحبه ; فإن كان شق القميص من قدامه فأنت صادقة ، وإن كان من خلفه فهو صادق ، فنظروا إلى القميص فإذا هو مشقوق من خلف ; هذا قول الحسن وعكرمة وقتادة والضحاك ومجاهد أيضا والسدي . قال السدي : كان ابن عمها ; وروي عن ابن عباس ، وهو الصحيح في الباب ، والله أعلم . وروي عن ابن عباس - رواه عنه إسرائيل عن سماك عن عكرمة - قال : كان رجلا ذا لحية . وقال سفيان عن جابر عن ابن أبي مليكة عن ابن عباس أنه قال : كان من خاصة الملك . وقال عكرمة : لم يكن بصبي ، ولكن كان رجلا حكيما . وروى سفيان عن منصور عن مجاهد قال : كان رجلا . قال أبو جعفر النحاس : والأشبه بالمعنى - والله أعلم - أن يكون رجلا عاقلا حكيما شاوره الملك فجاء بهذه الدلالة ; ولو كان طفلا لكانت شهادته ليوسف - صلى الله عليه وسلم - تغني عن أن يأتي بدليل من العادة ; لأن كلام الطفل آية معجزة ، فكانت أوضح من الاستدلال بالعادة ; وليس هذا بمخالف للحديث تكلم أربعة وهم صغار منهم صاحب يوسف ، يكون المعنى : صغيرا ليس بشيخ ; وفي هذا دليل آخر وهو : أن ابن عباس - رضي الله عنهما - روى الحديث عن النبي - صلى الله عليه وسلم - وقد تواترت الرواية عنه أن صاحب يوسف ليس بصبي . قلت : قد روي عن ابن عباس وأبي هريرة وابن جبير وهلال بن يساف والضحاك أنه كان صبيا في المهد ; إلا أنه لو كان صبيا تكلم لكان الدليل نفس كلامه ، دون أن يحتاج إلى استدلال بالقميص ، وكان يكون ذلك خرق عادة ، ونوع معجزة ; والله أعلم . وسيأتي من تكلم في المهد من الصبيان في سورة [ البروج ] إن شاء الله . الثالثة : إذا تنزلنا على أن يكون الشاهد طفلا صغيرا فلا يكون فيه دلالة على العمل بالأمارات كما ذكرنا ; وإذا كان رجلا فيصح أن يكون حجة بالحكم بالعلامة في اللقطة وكثير من المواضع ; حتى قال مالك في اللصوص : إذا وجدت معهم أمتعة فجاء قوم فادعوها ، وليست لهم بينة فإن السلطان يتلوم لهم في ذلك ; فإن لم يأت غيرهم دفعها إليهم . وقال محمد في متاع البيت إذا اختلفت فيه المرأة والرجل : إن ما كان للرجال فهو للرجل ، وما كان للنساء فهو للمرأة ، وما كان للرجل والمرأة فهو للرجل . وكان شريح وإياس بن معاوية يعملان على العلامات في الحكومات ; وأصل ذلك هذه الآية ، والله أعلم . قوله تعالى : إن كان قميصه قد من قبل كان في موضع جزم بالشرط ، وفيه من النحو ما يشكل ، لأن حروف الشرط ترد الماضي إلى المستقبل ، وليس هذا في كان ; فقال المبرد محمد بن يزيد : هذا لقوة كان ، وأنه يعبر بها عن جميع الأفعال . وقال الزجاج : المعنى إن يكن ; أي إن يعلم ، والعلم لم يقع ، وكذا الكون لأنه يؤدي عن العلم . ˝ قد من قبل ˝ فخبر عن كان بالفعل الماضي ; كما قال زهير : وكان طوى كشحا على مستكنة فلا هو أبداها ولم يتقدم وقرأ يحيى بن يعمر وابن أبي إسحاق من ˝ قبل ˝ بضم القاف والباء واللام ،. ❝
❞ وَقَالَ الَّذِي اشْتَرَاهُ مِن مِّصْرَ لِامْرَأَتِهِ أَكْرِمِي مَثْوَاهُ عَسَىٰ أَن يَنفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَدًا ۚ وَكَذَٰلِكَ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِي الْأَرْضِ وَلِنُعَلِّمَهُ مِن تَأْوِيلِ الْأَحَادِيثِ ۚ وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَىٰ أَمْرِهِ وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ (21) قوله تعالى : وقال الذي اشتراه من مصر لامرأته أكرمي مثواه عسى أن ينفعنا أو نتخذه ولدا وكذلك مكنا ليوسف في الأرض ولنعلمه من تأويل الأحاديث والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون قوله تعالى : وقال الذي اشتراه من مصر لامرأته أكرمي مثواه قيل : الاشتراء هنا بمعنى الاستبدال ; إذ لم يكن ذلك عقدا ، مثل : أولئك الذين اشتروا الضلالة بالهدى . وقيل : إنهم ظنوه في ظاهر الحال اشتراء ، فجرى هذا اللفظ على ظاهر الظن . قال الضحاك : هذا الذي اشتراه ملك مصر ، ولقبه العزيز . السهيلي : واسمه قطفير . وقال ابن إسحاق : إطفير بن رويحب اشتراه لامرأته راعيل ; ذكره الماوردي . وقيل : كان اسمها زليخاء . وكان الله ألقى محبة يوسف على قلب العزيز ، فأوصى به أهله ; ذكره القشيري . وقد ذكر القولين في اسمها الثعلبي وغيره . وقال ابن عباس : إنما اشتراه قطفير وزير ملك مصر ، وهو الريان بن الوليد . وقيل : الوليد بن الريان ، وهو رجل من العمالقة . وقيل : هو فرعون موسى ; لقول موسى : ولقد جاءكم يوسف من قبل بالبينات وأنه عاش أربعمائة سنة . وقيل : فرعون موسى من أولاد فرعون يوسف ، على ما يأتي في [ غافر ] بيانه . وكان هذا العزيز الذي اشترى يوسف على خزائن الملك ; واشترى يوسف من مالك بن دعر بعشرين دينارا ، وزاده حلة ونعلين . وقيل : اشتراه من أهل الرفقة . وقيل : تزايدوا في ثمنه فبلغ أضعاف وزنه مسكا وعنبرا وحريرا وورقا وذهبا ولآلئ وجواهر لا يعلم قيمتها إلا الله ; فابتاعه قطفير من مالك بهذا الثمن ; قاله وهب بن منبه . وقال وهب أيضا وغيره : ولما اشترى مالك بن دعر يوسف من إخوته كتب بينهم وبينه كتابا : هذا ما اشترى مالك بن دعر من بني يعقوب ، وهم فلان وفلان مملوكا لهم بعشرين درهما ، وقد شرطوا له أنه آبق ، وأنه لا ينقلب به إلا مقيدا مسلسلا ، وأعطاهم على ذلك عهد الله . قال : فودعهم يوسف عند ذلك ، وجعل يقول : حفظكم الله وإن ضيعتموني ، نصركم الله وإن خذلتموني ، رحمكم الله وإن لم ترحموني ; قالوا : فألقت الأغنام ما في بطونها دما عبيطا لشدة هذا التوديع ، وحملوه على قتب بغير غطاء ولا وطاء ، مقيدا مكبلا مسلسلا ، فمر على مقبرة آل كنعان فرأى قبر أمه - وقد كان وكل به أسود يحرسه فغفل الأسود - فألقى يوسف نفسه على قبر أمه فجعل يتمرغ ويعتنق القبر ويضطرب ويقول : يا أماه ! ارفعي رأسك تري ولدك مكبلا مقيدا مسلسلا مغلولا ; فرقوا بيني وبين والدي ، فاسألي الله أن يجمع بيننا في مستقر رحمته إنه أرحم الراحمين ، فتفقده الأسود على البعير فلم يره ، فقفا أثره ، فإذا هو بياض على قبر ، فتأمله فإذا هو إياه ، فركضه برجله في التراب ومرغه وضربه ضربا وجيعا ; فقال له : لا تفعل ! والله ما هربت ولا أبقت وإنما مررت بقبر أمي فأحببت أن أودعها ، ولن أرجع إلى ما تكرهون ; فقال الأسود : والله إنك لعبد سوء ، تدعو أباك مرة وأمك أخرى ! فهلا كان هذا عند مواليك ; فرفع يديه إلى السماء وقال : اللهم إن كانت لي عندك خطيئة أخلقت بها وجهي فأسألك بحق آبائي إبراهيم وإسحاق ويعقوب أن تغفر لي وترحمني ; فضجت الملائكة في السماء ، ونزل جبريل فقال له : يا يوسف غض صوتك فلقد أبكيت ملائكة السماء أفتريد أن أقلب الأرض فأجعل عاليها سافلها ؟ قال : تثبت يا جبريل ، فإن الله حليم لا يعجل ; فضرب الأرض بجناحه فأظلمت ، وارتفع الغبار ، وكسفت الشمس ، وبقيت القافلة لا يعرف بعضها بعضا ; فقال رئيس القافلة : من أحدث منكم حدثا ؟ - فإني أسافر منذ كيت وكيت ما أصابني قط مثل هذا - فقال الأسود : أنا لطمت ذلك الغلام العبراني فرفع يده إلى السماء وتكلم بكلام لا أعرفه ، ولا أشك أنه دعا علينا ; فقال له : ما أردت إلا هلاكنا ايتنا به ، فأتاه به ، فقال له : يا غلام لقد لطمك فجاءنا ما رأيت ; فإن كنت تقتص فاقتص ممن شئت ، وإن كنت تعفو فهو الظن بك ; قال : قد عفوت رجاء أن يعفو الله عني ; فانجلت الغبرة ، وظهرت الشمس ، وأضاء مشارق الأرض ومغاربها ، وجعل التاجر يزوره بالغداة والعشي ويكرمه ، حتى وصل إلى مصر فاغتسل في نيلها وأذهب الله عنه كآبة السفر ، ورد عليه جماله ، ودخل به البلد نهارا فسطع نوره على الجدران ، وأوقفوه للبيع فاشتراه قطفير وزير الملك ; قاله ابن عباس على ما تقدم . وقيل : إن هذا الملك لم يمت حتى آمن واتبع يوسف على دينه ، ثم مات الملك ويوسف يومئذ على خزائن الأرض ; فملك بعده قابوس وكان كافرا ، فدعاه يوسف إلى الإسلام فأبى . أكرمي مثواه أي منزله ومقامه بطيب المطعم واللباس الحسن ; وهو مأخوذ من ثوى بالمكان أي أقام به ; وقد تقدم في [ آل عمران ] وغيره . عسى أن ينفعنا أي يكفينا بعض المهمات إذا بلغ . أو نتخذه ولدا قال ابن عباس : كان حصورا لا يولد له ، وكذا قال ابن إسحاق : كان قطفير لا يأتي النساء ولا يولد له . فإن قيل : كيف قال أو نتخذه ولدا وهو ملكه ، والولدية مع العبدية تتناقض ؟ قيل له : يعتقه ثم يتخذه ولدا بالتبني ; وكان التبني في الأمم معلوما عندهم ، وكذلك كان في أول الإسلام ، على ما يأتي بيانه في [ الأحزاب ] إن شاء الله تعالى . وقال عبد الله بن مسعود : أحسن الناس فراسة ثلاثة ; العزيز حين تفرس في يوسف فقال : عسى أن ينفعنا أو نتخذه ولدا ، وبنت شعيب حين قالت لأبيها في موسى استأجره إن خير من استأجرت القوي الأمين ، وأبو بكر حين استخلف عمر . قال ابن العربي : عجبا للمفسرين في اتفاقهم على جلب هذا الخبر ، والفراسة هي علم غريب على ما يأتي بيانه في سورة [ الحجر ] وليس كذلك فيما نقلوه ; لأن الصديق إنما ولى عمر بالتجربة في الأعمال ، والمواظبة على الصحبة وطولها ، والاطلاع على ما شاهد منه من العلم والمنة ، وليس ذلك من طريق الفراسة ; وأما بنت شعيب فكانت معها العلامة البينة على ما يأتي بيانه في [ القصص ] . وأما أمر العزيز فيمكن أن يجعل فراسة ; لأنه لم يكن معه علامة ظاهرة . والله أعلم . قوله تعالى : وكذلك مكنا ليوسف في الأرض الكاف في موضع نصب ; أي وكما أنقذناه من إخوته ومن الجب فكذلك مكنا له ; أي عطفنا عليه قلب الملك الذي اشتراه حتى تمكن من الأمر والنهي في البلد الذي الملك مستول عليه . ولنعلمه من تأويل الأحاديث أي فعلنا ذلك تصديقا لقول يعقوب : ويعلمك من تأويل الأحاديث . وقيل : المعنى مكناه لنوحي إليه بكلام منا ، ونعلمه تأويله . وتفسيره ، وتأويل الرؤيا ، وتم الكلام . والله غالب على أمره الهاء راجعة إلى الله تعالى ; أي لا يغلب الله شيء ، بل هو الغالب على أمر نفسه فيما يريده أن يقول له : كن فيكون . وقيل : ترجع إلى يوسف ; أي الله غالب على أمر يوسف يدبره ويحوطه ولا يكله إلى غيره ، حتى لا يصل إليه كيد كائد . ولكن أكثر الناس لا يعلمون أي لا يطلعون على غيبه . وقيل : المراد بالأكثر الجميع ; لأن أحدا لا يعلم الغيب . وقيل : هو مجرى على ظاهره ; إذ قد يطلع من يريد على بعض غيبه . وقيل : المعنى ولكن أكثر الناس لا يعلمون أن الله غالب على أمره ، وهم المشركون ومن لا يؤمن بالقدر . وقالت الحكماء في هذه الآية : والله غالب على أمره حيث أمره يعقوب ألا يقص رؤياه على إخوته فغلب أمر الله حتى قص ، ثم أراد إخوته قتله فغلب أمر الله حتى صار ملكا وسجدوا بين يديه ، ثم أراد الإخوة أن يخلو لهم وجه أبيهم فغلب أمر الله حتى ضاق عليهم قلب أبيهم ، وافتكره بعد سبعين سنة أو ثمانين سنة ، فقال : يا أسفا على يوسف ثم تدبروا أن يكونوا من بعده قوما صالحين ، أي تائبين فغلب أمر الله حتى نسوا الذنب وأصروا عليه حتى أقروا بين يدي يوسف في آخر الأمر بعد سبعين سنة ، وقالوا لأبيهم : إنا كنا خاطئين ثم أرادوا أن يخدعوا أباهم بالبكاء والقميص فغلب أمر الله فلم ينخدع ، وقال : بل سولت لكم أنفسكم أمرا ثم احتالوا في أن تزول محبته من قلب أبيهم فغلب أمر الله فازدادت المحبة والشوق في قلبه ، ثم دبرت امرأة العزيز أنها إن ابتدرته بالكلام غلبته ، فغلب أمر الله حتى قال العزيز : استغفري لذنبك إنك كنت من الخاطئين ، ثم دبر يوسف أن يتخلص من السجن بذكر الساقي فغلب أمر الله فنسي الساقي ، ولبث يوسف في السجن بضع سنين .. ❝ ⏤محمد رشيد رضا
❞ وَقَالَ الَّذِي اشْتَرَاهُ مِن مِّصْرَ لِامْرَأَتِهِ أَكْرِمِي مَثْوَاهُ عَسَىٰ أَن يَنفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَدًا ۚ وَكَذَٰلِكَ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِي الْأَرْضِ وَلِنُعَلِّمَهُ مِن تَأْوِيلِ الْأَحَادِيثِ ۚ وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَىٰ أَمْرِهِ وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ (21) قوله تعالى : وقال الذي اشتراه من مصر لامرأته أكرمي مثواه عسى أن ينفعنا أو نتخذه ولدا وكذلك مكنا ليوسف في الأرض ولنعلمه من تأويل الأحاديث والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون قوله تعالى : وقال الذي اشتراه من مصر لامرأته أكرمي مثواه قيل : الاشتراء هنا بمعنى الاستبدال ; إذ لم يكن ذلك عقدا ، مثل : أولئك الذين اشتروا الضلالة بالهدى . وقيل : إنهم ظنوه في ظاهر الحال اشتراء ، فجرى هذا اللفظ على ظاهر الظن . قال الضحاك : هذا الذي اشتراه ملك مصر ، ولقبه العزيز . السهيلي : واسمه قطفير . وقال ابن إسحاق : إطفير بن رويحب اشتراه لامرأته راعيل ; ذكره الماوردي . وقيل : كان اسمها زليخاء . وكان الله ألقى محبة يوسف على قلب العزيز ، فأوصى به أهله ; ذكره القشيري . وقد ذكر القولين في اسمها الثعلبي وغيره . وقال ابن عباس : إنما اشتراه قطفير وزير ملك مصر ، وهو الريان بن الوليد . وقيل : الوليد بن الريان ، وهو رجل من العمالقة . وقيل : هو فرعون موسى ; لقول موسى : ولقد جاءكم يوسف من قبل بالبينات وأنه عاش أربعمائة سنة . وقيل : فرعون موسى من أولاد فرعون يوسف ، على ما يأتي في [ غافر ] بيانه . وكان هذا العزيز الذي اشترى يوسف على خزائن الملك ; واشترى يوسف من مالك بن دعر بعشرين دينارا ، وزاده حلة ونعلين . وقيل : اشتراه من أهل الرفقة . وقيل : تزايدوا في ثمنه فبلغ أضعاف وزنه مسكا وعنبرا وحريرا وورقا وذهبا ولآلئ وجواهر لا يعلم قيمتها إلا الله ; فابتاعه قطفير من مالك بهذا الثمن ; قاله وهب بن منبه . وقال وهب أيضا وغيره : ولما اشترى مالك بن دعر يوسف من إخوته كتب بينهم وبينه كتابا : هذا ما اشترى مالك بن دعر من بني يعقوب ، وهم فلان وفلان مملوكا لهم بعشرين درهما ، وقد شرطوا له أنه آبق ، وأنه لا ينقلب به إلا مقيدا مسلسلا ، وأعطاهم على ذلك عهد الله . قال : فودعهم يوسف عند ذلك ، وجعل يقول : حفظكم الله وإن ضيعتموني ، نصركم الله وإن خذلتموني ، رحمكم الله وإن لم ترحموني ; قالوا : فألقت الأغنام ما في بطونها دما عبيطا لشدة هذا التوديع ، وحملوه على قتب بغير غطاء ولا وطاء ، مقيدا مكبلا مسلسلا ، فمر على مقبرة آل كنعان فرأى قبر أمه - وقد كان وكل به أسود يحرسه فغفل الأسود - فألقى يوسف نفسه على قبر أمه فجعل يتمرغ ويعتنق القبر ويضطرب ويقول : يا أماه ! ارفعي رأسك تري ولدك مكبلا مقيدا مسلسلا مغلولا ; فرقوا بيني وبين والدي ، فاسألي الله أن يجمع بيننا في مستقر رحمته إنه أرحم الراحمين ، فتفقده الأسود على البعير فلم يره ، فقفا أثره ، فإذا هو بياض على قبر ، فتأمله فإذا هو إياه ، فركضه برجله في التراب ومرغه وضربه ضربا وجيعا ; فقال له : لا تفعل ! والله ما هربت ولا أبقت وإنما مررت بقبر أمي فأحببت أن أودعها ، ولن أرجع إلى ما تكرهون ; فقال الأسود : والله إنك لعبد سوء ، تدعو أباك مرة وأمك أخرى ! فهلا كان هذا عند مواليك ; فرفع يديه إلى السماء وقال : اللهم إن كانت لي عندك خطيئة أخلقت بها وجهي فأسألك بحق آبائي إبراهيم وإسحاق ويعقوب أن تغفر لي وترحمني ; فضجت الملائكة في السماء ، ونزل جبريل فقال له : يا يوسف غض صوتك فلقد أبكيت ملائكة السماء أفتريد أن أقلب الأرض فأجعل عاليها سافلها ؟ قال : تثبت يا جبريل ، فإن الله حليم لا يعجل ; فضرب الأرض بجناحه فأظلمت ، وارتفع الغبار ، وكسفت الشمس ، وبقيت القافلة لا يعرف بعضها بعضا ; فقال رئيس القافلة : من أحدث منكم حدثا ؟ - فإني أسافر منذ كيت وكيت ما أصابني قط مثل هذا - فقال الأسود : أنا لطمت ذلك الغلام العبراني فرفع يده إلى السماء وتكلم بكلام لا أعرفه ، ولا أشك أنه دعا علينا ; فقال له : ما أردت إلا هلاكنا ايتنا به ، فأتاه به ، فقال له : يا غلام لقد لطمك فجاءنا ما رأيت ; فإن كنت تقتص فاقتص ممن شئت ، وإن كنت تعفو فهو الظن بك ; قال : قد عفوت رجاء أن يعفو الله عني ; فانجلت الغبرة ، وظهرت الشمس ، وأضاء مشارق الأرض ومغاربها ، وجعل التاجر يزوره بالغداة والعشي ويكرمه ، حتى وصل إلى مصر فاغتسل في نيلها وأذهب الله عنه كآبة السفر ، ورد عليه جماله ، ودخل به البلد نهارا فسطع نوره على الجدران ، وأوقفوه للبيع فاشتراه قطفير وزير الملك ; قاله ابن عباس على ما تقدم . وقيل : إن هذا الملك لم يمت حتى آمن واتبع يوسف على دينه ، ثم مات الملك ويوسف يومئذ على خزائن الأرض ; فملك بعده قابوس وكان كافرا ، فدعاه يوسف إلى الإسلام فأبى . أكرمي مثواه أي منزله ومقامه بطيب المطعم واللباس الحسن ; وهو مأخوذ من ثوى بالمكان أي أقام به ; وقد تقدم في [ آل عمران ] وغيره . عسى أن ينفعنا أي يكفينا بعض المهمات إذا بلغ . أو نتخذه ولدا قال ابن عباس : كان حصورا لا يولد له ، وكذا قال ابن إسحاق : كان قطفير لا يأتي النساء ولا يولد له . فإن قيل : كيف قال أو نتخذه ولدا وهو ملكه ، والولدية مع العبدية تتناقض ؟ قيل له : يعتقه ثم يتخذه ولدا بالتبني ; وكان التبني في الأمم معلوما عندهم ، وكذلك كان في أول الإسلام ، على ما يأتي بيانه في [ الأحزاب ] إن شاء الله تعالى . وقال عبد الله بن مسعود : أحسن الناس فراسة ثلاثة ; العزيز حين تفرس في يوسف فقال : عسى أن ينفعنا أو نتخذه ولدا ، وبنت شعيب حين قالت لأبيها في موسى استأجره إن خير من استأجرت القوي الأمين ، وأبو بكر حين استخلف عمر . قال ابن العربي : عجبا للمفسرين في اتفاقهم على جلب هذا الخبر ، والفراسة هي علم غريب على ما يأتي بيانه في سورة [ الحجر ] وليس كذلك فيما نقلوه ; لأن الصديق إنما ولى عمر بالتجربة في الأعمال ، والمواظبة على الصحبة وطولها ، والاطلاع على ما شاهد منه من العلم والمنة ، وليس ذلك من طريق الفراسة ; وأما بنت شعيب فكانت معها العلامة البينة على ما يأتي بيانه في [ القصص ] . وأما أمر العزيز فيمكن أن يجعل فراسة ; لأنه لم يكن معه علامة ظاهرة . والله أعلم . قوله تعالى : وكذلك مكنا ليوسف في الأرض الكاف في موضع نصب ; أي وكما أنقذناه من إخوته ومن الجب فكذلك مكنا له ; أي عطفنا عليه قلب الملك الذي اشتراه حتى تمكن من الأمر والنهي في البلد الذي الملك مستول عليه . ولنعلمه من تأويل الأحاديث أي فعلنا ذلك تصديقا لقول يعقوب : ويعلمك من تأويل الأحاديث . وقيل : المعنى مكناه لنوحي إليه بكلام منا ، ونعلمه تأويله . وتفسيره ، وتأويل الرؤيا ، وتم الكلام . والله غالب على أمره الهاء راجعة إلى الله تعالى ; أي لا يغلب الله شيء ، بل هو الغالب على أمر نفسه فيما يريده أن يقول له : كن فيكون . وقيل : ترجع إلى يوسف ; أي الله غالب على أمر يوسف يدبره ويحوطه ولا يكله إلى غيره ، حتى لا يصل إليه كيد كائد . ولكن أكثر الناس لا يعلمون أي لا يطلعون على غيبه . وقيل : المراد بالأكثر الجميع ; لأن أحدا لا يعلم الغيب . وقيل : هو مجرى على ظاهره ; إذ قد يطلع من يريد على بعض غيبه . وقيل : المعنى ولكن أكثر الناس لا يعلمون أن الله غالب على أمره ، وهم المشركون ومن لا يؤمن بالقدر . وقالت الحكماء في هذه الآية : والله غالب على أمره حيث أمره يعقوب ألا يقص رؤياه على إخوته فغلب أمر الله حتى قص ، ثم أراد إخوته قتله فغلب أمر الله حتى صار ملكا وسجدوا بين يديه ، ثم أراد الإخوة أن يخلو لهم وجه أبيهم فغلب أمر الله حتى ضاق عليهم قلب أبيهم ، وافتكره بعد سبعين سنة أو ثمانين سنة ، فقال : يا أسفا على يوسف ثم تدبروا أن يكونوا من بعده قوما صالحين ، أي تائبين فغلب أمر الله حتى نسوا الذنب وأصروا عليه حتى أقروا بين يدي يوسف في آخر الأمر بعد سبعين سنة ، وقالوا لأبيهم : إنا كنا خاطئين ثم أرادوا أن يخدعوا أباهم بالبكاء والقميص فغلب أمر الله فلم ينخدع ، وقال : بل سولت لكم أنفسكم أمرا ثم احتالوا في أن تزول محبته من قلب أبيهم فغلب أمر الله فازدادت المحبة والشوق في قلبه ، ثم دبرت امرأة العزيز أنها إن ابتدرته بالكلام غلبته ، فغلب أمر الله حتى قال العزيز : استغفري لذنبك إنك كنت من الخاطئين ، ثم دبر يوسف أن يتخلص من السجن بذكر الساقي فغلب أمر الله فنسي الساقي ، ولبث يوسف في السجن بضع سنين. ❝