█ كتاب مسيرة الحياة مجاناً PDF اونلاين 2024
❞ محمداً صلى الله عليه وسلم لم يبعث لينسخ باطلاً بباطل ويبدل عدواناً بعدوان ، ويحرم شيئاً في مكان ويحله في مكان آخر ، ويبدل أثرة أمة بأثرة أمة أخرى ، لم يبعث زعيماً وطنياً أو قائداً سياسياً ، يجر النار إلى قرصه ويصغي الإناء إلى شقه ، ويخرج الناس من حكم الفرس والرومان إلى حكم عدنان وقحطان . وإنما أرسل إلى الناس كافة بشيراً ونذيراً ، وداعياً إلى الله بإذنه وسراجاً منيراً ، إنما أرسل ليخرج عباد الله جميعاً من عبادة العباد إلى عبادة الله وحده ، ويخرج الناس جميعاً من ضيق الدنيا إلى سعة الدنيا والآخرة ، ومن جور الأديان إلى عدل الإسلام ، يأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر ، ويحل لهم الطيبات ، ويحرم عليهم الخبائث ، ويضع عنهم إصرهم والأغلال التي كانت عليهم .
فلم يكن خطابه لأمة دون أمة ووطن دون وطن ، ولكن كان خطابه للنفس البشرية وللضمير الإنساني ، وكانت أمته العربية لانحطاطها وبؤسها أحق من يبدأ به مهمته الإصلاحية وجهاده العظيم ، وكانت أم القرى والجزيرة العربية لموقعها الجغرافي واستقلالها السياسي خير مركز لرسالته ، وكانت الأمة العربية بخصائصها النفسية ومزاياها الأدبية خير محل لدعوته وخير داعية لرسالته . ❝
❞ وكذلك العالم اليوم رغم اتساعه وتوفر وسائل السفر والانتقال من مكان إلى مكان، واتصال الشعوب والأمم بعضها ببعض أضيق بأهله منه بالأمس، قد ضيقته المادية التي لا تنظر إلا إلى قدمها ولا تؤمن إلا بفائدة صاحبها، ولا تعرف غير العكوف على الشهوات وعبادة الذات، وقد خنقته الأثرة التي لا تسمح لاثنين بالعيش في إقليم واسع، والوطنية الضيقة التي تنظر إلى كل أجنبي شزرا وتجحد له كل فضل وتحرمه كل حق.
ثم ضيق هذه الحياة المادية المسيطرون السياسيون الذين يحتكرون وسائل الحياة والرزق والقوت، يضيقون هذه الحياة لمن شاءوا ويوسعونها لمن شاءوا، ويبسطون الرزق -زعموا- لمن شاءوا ويقدرونه لمن شاءوا، فأصبحت المدن الواسعة أضيق من جحر ضب، وأصبح الناس في بلادهم في شبه حجر كحجر السغيه واليتيم، وضاقت على الناس الأرض بما رحبت وضاقت عليهم أنفسهم، وأصبح الناس في أغلال وأصفاد من المدينة والمملكة مهددين في كل وقت بمجاعات مصطنعة وحقيقية، وحروب خارجية وداخلية، وإضرابات أسبوعية ويومية . ❝