منقول من la5sly.com ، مساهمة من: حياه احمد “صباح الخير أيها الحزن” رواية يمكن قراءتها من دون ملل ومن دون الإحساس بالسقوط أو الخيبة
المؤلف : فرانسواز ساكان
تاريخ النشر : 1954
عدد صفحات الرواية : 160
– لا يمكن النظر إلى ”مرحبا ً أيها الحزن” على أنها رواية تقليدية على الإطلاق ، نظرا ً لظروف كتابتها و موضوعها في آن معاً ، فهي من جهة تدور حول عالم المراهقين المتقلب و المضطرب ، ورؤية لهذا العالم البراق من الداخل دون إقحام فلسفة التعقيد الناضج للكتاب الأكبر سنا ً على تفكير الشخصيات في أعمال تحاكي الفضاء نفسه ، و من جهة أخرى تتجاوز الرواية أحداثها لتكشف مع آخر عبارة فيها الستار عن تقييم خفي بين السطور للحياة العابثة في المجتمع الفرنسي البرجوازي إن صح التعبير ..
– تدور أحداث الرواية في مكان ما من الريفيرا الفرنسية الجميلة ، حول سيسيل ذات السبعة عشر عاما ً و حياة العبث التي تعيشها مع والدها ( الأب زير نساء معروف بخوضه علاقات متتالية ) ريموند و عشيقته الجميلة إيلزا ، قبل أن تقع في حب لطيف بريء مع سيريل الشاب المتزن و المستقيم ، لكن الأمور تتعقد فجأة بمجيء آن صديقة والدتها المتوفاة لقضاء إجازتها بينهم ، واضعة حدا ً للاستهتار الذي يتسيد حياة الجميع في المصيف ، بتأثير القوة الداخلية التي تتمتع بها و الحزم الذي تحقق به ما تؤمن به من مبادئ و مثل عليا .
– تنجح آن في إيقاع ريموند في حبها و تقنعه بالزواج منها دون صعوبة تذكر ، بينما تختفي إيلزا عن الأنظار قليلا ً دون أن تبالي كثيرا ً بما يجري من حولها ، لكن سيسيل تشعر – و هي الخارجة حديثا ً من مدرسة داخلية في أحد الأديرة – أن الحياة الجميلة الهانئة توشك على الانتهاء بتأثير القيود الشديدة التي تفرضها طريقة آن في الحياة ، فتبدأ في لاوعيها بالتمرد على ذلك الواقع المستقبلي ، و ترسم خطة للحيلولة دون ذلك ، تقوم أساسا ً على إيهام والدها بعلاقة حب بين إيلزا و سيريل ما يؤدي لاشتعال غيرته و ابتعاده عن آن ، و فعلا ً هذا ما يحصل ، لكن سيسيل لم تفكر بعواقب ما قامت به و خططت له ، حيث تصطدم فجأة بانتحار آن من شدة الحزن بإلقاء سيارتها فوق جرف صخري قرب المصيف ، لتعود الحياة العابثة إلى سيسيل و والدها مع مسحة عميقة من الحزن و الندم على الفرصة الذهبية التي أضاعاها للنجاة من الظلام الذي يغرقان فيه يوماً إثر يوم ..
: هذا الشعور المجهول حيث الملل والنعومة فيه تسيطران عليّ، أتراجع عن تسميته، عن إعطائه الإسم الجميل والقاسي ألا وهو الحزن. انه شعور متكامل وأناني الى درجة أنه يشعرني بالخجل، غير أن الحزن يبدو لي مشرفاً. لم أكن أعرفه هو، لكنني عرفت الملل والأسف وبكمية أقل الندم. اليوم، شيء ما تماماً مثل حرير ناعم ومزعج ينطوي عليّ ويجعلني أنفصل عن الآخرين
– في ذلك الصيف، كنت قد بلغت السابعة عشرة وكنت في غاية السعادة. أما “الآخرون” فكانوا أبي و”إلسا”، عشيقته. عليّ أن أشرح وبسرعة هذا الوضع لأنه قد يبدو على شيء من الخطأ للوهلة الأولى. كان والدي في الأربعين، وكان قد ترمّل قبل خمسة عشر عاماً. كان رجلاً شاباً، مليئاً بالحيوية، وبالاحتمالات، ولدى خروجي من المدرسة الداخلية، قبل عامين، لم يكن بإمكاني عدم تفهّم أنه يعيش مع امرأة. لكنني تقبّلت وبصعوبة كبرى فكرة أنه يغيّر عشيقته كل ستة أشهر! لكن سرعان ما تأقلمت مع جاذبيته ومع حياته الجديدة والسهلة. كان رجلاً خفيفاً، صادقاً في أعماله، دائم الفضولية وسريع العطب ويروق كثيراً النساء. لم أجد أي صعوبة في محبته، وبحنان، لأنه كان طيباً، كريماً، فرحاً ومليئاً بالحب تجاهي. لم أكن أتصور أنني قد أجد صديقاً أفضل منه أو مسلياً أكثر منه. وفي بداية ذلك الصيف، وصلت لطافته الزائدة الى حدّ أنه سألني إذا كانت رفقة إلسا، عشيقته الحالية، قد تزعجني أو تزعج عطلتي. لم أستطع إلاّ أن أشجعه لأنني كنت أعرف حاجته الى النساء، ومن ناحية ثانية، لم تكن إلسا من النوع المتعب إطلاقاً. كانت صبية ممشوقة الطول وصهباء، تحب الحياة من ناحية وهادئة من ناحية أخرى، وغالباً ما كانت تظهر في البارات في الشانزيليزيه. لطيفة. شديدة البساطة وغير مدّعية. وكنّا سعيدين بالرحيل، أنا وأبي لعيش مغامرة أياً كان نوعها. فاستأجر يللا ضخمة، بيضاء ومنفردة ورائعة على شاطئ المتوسط، وكنّا نحلم بمكان مشابه منذ بداية موسم الحر في شهر حزيران. كانت اليللا مبنية على هضبة مطلة على البحر ومخبأة من جهة الطريق العام بفضل غابة صنوبر صغيرة، حيث طريق صغير قد تستعمله القطعان يصل الى الشاطئ المليء بالصخور الحمراء حيث يتأرجح البحر.
– أيام العطلة الأولى كانت باهرة. كنّا نمضي ساعات طويلة على الشاطئ والحرارة تعتصرنا، تكتسب أجسادنا سمرة صحية وذهبية، باستثناء إلسا التي كانت تلتهب احمراراً وتشعر بآلام رهيبة. ومن جهته، كان والدي يقوم بتمارين وبحركات رياضية معقّدة في هدف أن يخفي بداية بروز بطنه وهذا ما لا يتناسب مع وضعيته وظروفه كرجل “دون جوان”. أما أنا، فكنت أنزل الى الماء منذ الفجر، الى ماء باردة وصافية أنغمس فيها وأبدأ بالقيام بحركات عشوائية لأنفض عني كل ظلال باريس وغبارها. كنت أتمدد على الرمال وآخذ منها كمية صغيرة في راحة يدي، أضغط عليها وأتركها تنساب وتتسرب من بين أصابعي مثل شلال صغير أصفر وناعم، وكنت أقول في نفسي الرمال تهرب وتتسرّب مثل الوقت، وكنت أقول أيضاً في نفسي إن هذه فكرة سهلة وأنه أمر جميل أن نحصل على أفكار سهلة، لأن كل ذلك كان في الصيف..