❞ بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين
, وصلى الله وسلم وبارك على رسول الله
, أما بعد
, أيها المصلون والمصليات
, خصال كثيرة
, رتب عليها أجور عظيمة
, فرط فيها الكثير مع سلامة الجوارح
, وقبل ذكر تلك الخصال
, أذكر أمرين اثنين
, الأمر الأول: يقول بعض أهل العلم: إن جميع المكلفين ينقسمون إلى أقسام ثلاثة
, القسم الأول محافظ على الواجبات
, مكتف بها عن غيرها.
والقسم الثاني مفرط في الواجبات
, والقسم الثالث خير الأقسام
, من أدى الواجبات وتكثَّر من النوافل والمستحبات.
واستنبط هذا بعضهم من قوله تعالى في سورة فاطر: ﴿ ثم أورثنا الكتاب الذين اصطفينا من عبادنا فمنهم ظالم لنفسه﴾ قالوا: من فرط في الواجبات
, ﴿ ومنهم مقتصد﴾
, من اكتفى بالواجبات
, ﴿ ومنهم سابق بالخيرات﴾
, من أدى الواجبات وتكثر من النوافل والمستحبات.
الأمر الثاني أن أفضل الناس بعد الرسل
, هم الصحابة رضي الله تعالى عنهم
, والصحابة أحرص الناس على الخير
, أبر الناس قلوبًا وأصدقهم ألسنة
, كان بعضهم إذا بلغه خبرٌ من الخير لم يعمل به ندم
, من شواهد ذلك قول ابن عمر لما بلغه الحديث: « من صلى على جنازة فله قيرطان»
, أي شيعها
, فله قيراط
, قال ابن عمر: لقد فرطنا في قراريط كثيرة
, يقول ابن حجر: وهذا من بالغ حرص ابن عمر في طمعه في تحصيل الأجر والثواب
, أو كما قال رحمه الله.
سأذكر لي ولكم بعض الخصال
, تلك الخصال لا تكلفنا جهدًا بدنيًا ولا ماليًا ومع هذا فالأجر المترتب عليها عظيم.
من هذه الخصال ما يتعلق بيوم الجمعة
, يوم الجمعة كما قال عليه الصلاة والسلام: « أفضل الأيام يوم الجمعة
, فيها خلق آدم
, وفيها أدخل الجنة
, وفيه أخرج منها
, ولا تقوم الساعة إلا في يوم الجمعة».
هذا الحديث الذي سأذكره لكم الآن
, يقول العراقي – شيخ الحافظ ابن حجر عليهما رحمة الله – فيما أذكر: إن هذا الحديث هو أكثر حديثٍ في الإسلام أجرًا
, وأقله عملاً
, لاحظ الخصال المذكورة في الحديث لا تكلفنا تعبًا
, الحديث رواه الإمام أحمد في مسنده عن أوس بن أوس رضي الله تعالى عنه
, قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: « من غسل يوم الجمعة واغتسل – الاغتسال – وبكر وابتكر
, ومشى ولم يركب»
, يقول ابن العربي المالكي: إذا كان الجامع بعيدًا
, أو شمسًا
, وهناك شمس
, فلو ركب الإنسان وكان قصده المشي
, لكن المشقة
, له الأجر.
إذن من غسّل يوم الجمعة واغتسل
, وبكر وابتكر
, ومشى ولم يركب
, ثم دنى من الإمام وأنصت ولم يلغ
, كان له بكل خطوة أجر سنة بصيامها وقيامها.
فالأجر جزيل والرب كريم
, لكن العبد هو المطفف.
أيضًا عمل آخر أجره عظيم وهو يسير
, قضاء الحاجة للمسلمين
, السعي في تخليصهم
, أو في تحقيق مطالبهم كل على قدر جهده
, وبخاصة ضعفاء المسلمين
, ليس لهم رهط
, ليس لهم واسطة
, ليس لهم حسب ولا جاه في المجتمع
, إن خطب لا يزوج
, وإن تكلم لا يُسمع له
, وإن شفع لا يُشفع
, هذا بالدرجة الأولى الأجر فيه عظيم
, قال عليه الصلاة والسلام: « ابغوني الضعفاء فيكم
, فإنما تنصرون بضعفائكم بدعائهم وإخلاصهم»
, يقول بعض أهل العلم: وإنما كان دعاء الضعيف حريًا بالإجابة؛ لأنه يدعو من نياط قلبه
, يشعر بالغبن والقهر
, وفي المقابل إذا قضيت حاجته
, يدعو بإخلاص وإلحاح فيقبل الله دعائه.
قضاء حاجة المسلمين
, اسمع إلى هذا الحديث
, قال صلى الله عليه وسلم : « لئن أمشي في حاجة أخي حتى أقضيها
, أحب إلي من أعتكف في مسجدي هذا شهرًا». الحرم النبي صيام شهر وقيامه
, إذا صدق العبد في إخلاصه وفي ابتغائه لمرضاة الله في قضاء حاجة أخيه
, فأبشروا بأمر من الله بما يسرك.
ثم من تمام البشرى أن الإنسان منا إذا سعى في شفاعة سواء قبلت أو ردت
, الأجر لك حاصل
, يقول الله تعالى: ﴿ من يشفع شفاعة حسنة يكن له نصيب منها﴾
, قد تقبل وقد لا تقبل
, والرسول صلى الله عليه وسلم يقول: « اشفعوا تؤجروا»
, يقول القرطبي: فتحصيل الأجر مرتب على وجود الشفاعة لا على قبولها.
أيضًا عمل يسير وأجر يسير
, حديث عبادة بن الصامت رضي الله تعالى عنه
, قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « من استغفر للمسلمين والمسلمات
, كتب الله له حسنة عن كل مسلم ومسلمة»
, يشمل الأحياء والأموات
, بل ومن يأتي بعده
, فلا تحرم نفسك من الخير وأنت قادر على تحصيله.
أيضًا عمل يسير وأجر جزيل: إنظار المعسر
, إذا أقرضت إنسانًا قرضًا
, ثم قبل حلول الأجل قلت له: وضعت عنك شيئًا من المال
, أو زدت في الأجل فسحة
, أنت مأجور
, إذا حل الأجل المتفق عليه ثم أخرته فالأجر مضاعف لك مرتين
, عن أبي اليسر رضي الله عنه
, قال: قال صلى الله عليه وسلم: « من أنظر معسرًا أو وضع عنه كان له بكل يوم صدقة - صدقة ما قدرها؟ الله أعلم - فإذا حل الأجل
, ثم أنظره
, كان له بكل يوم مثله»
, يعني مضاعف الأجر عن المرة السابقة.
أيضًا من الأعمال اليسرة التي رتب عليها أجور جزيلة: قراءة الآيتين من آخر البقرة ﴿ آمن الرسول﴾
, والآية الأخرى: ﴿ لا يكلف الله﴾
, جاء في الحديث عن أبي مسعود البدري رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم : « من قرأ الآيتين الآخيرتين من سورة البقرة في ليلة كفتاه» يقول أهل العلم: كفتاه عما فاته من قيام الليل
, والصحيح كفتاه عن كل شيء
, ترد عليه ما يأتيه من السوء
, وتعوضه عما فقد من الخير
, وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء.
أيضًا من الأعمال اليسرة التي رتب عليها الأجور الكثيرة: زيارة المريض بنية التقرب
, لا تظن أن زيارة المريض أمرها يسير
, والدليل عظيم الأجر المترتب عليها
, عن ثوبان رضي الله تعالى عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم : « من عاد مريضًا أو زار أخًا له في الله
, ناداه مناد: أن طبت وطاب ممشاك وتبوأت من الجنة منزلاً».
وحديث أنس الآخر: « شيعه سبعون ألف ملك إن زاره في السماء حتى يصبح – والعكس إن زاره في الصباح حتى يمسي».
وأيضًا من تلك الأعمال اليسرة التي رتب عليها الأجور الجزيلة: المصافحة
, السلام سلامان
, سلام قولي: إلقاء السلام
, وسلام فعلي: المصافحة
, قال صلى الله عليه وسلم : « إذا التقى المسلمان فتصافحا تناثرت خطاياهما كما يتناثر ورق الشجر»
, وفي لفظ: « إلا تحاتت خطاياهما إلا كما تحات الشجرة ورقها»
, أو كما قال صلى الله عليه وسلم.
بعد هذا أختم في كلمتي هذه وأقول: إن موسمنا هذا
, شهر رمضان
, هذه الليلة طوينا نصفها
, وبقي النصف الآخر
, فالله نسأل الله أن يتقبل منا ما مضى
, وأن يعيننا
, وأن يتقبل منا ما تبقى.
وهذا الشهر كما قال عليه الصلاة والسلام – فيما رواه الطبراني –: « إن لربكم في دهركم لنفحات
, فتعرضوا لنفحاته
, وسلوا الله أن يستر عوراتكم
, وأن يأمِّن روعاتكم».
القلوب مقبلة
, والجوارح مهذبة
, والنفوس وجلة
, ومع ذلك لا يستغل بعض الناس هذا الشهر في التخلص مما تلوثت فيه جوارحه
, أو قلبه من الحرمات
, فما كان مقصرًا في حق أم أو أب
, أو متلوث في مال
, أو في مظلمة أي كان نوعها
, فإن هذا الشهر من أعظم الفرص الزمانية للتخلص منها
, والتحلل من صاحبها
, فمن كان مقصرًا فليبادر
, وليعلم أن الله لطيف بعباده
, وأن الله يقبل توبة من تاب
, شكر الله لكم ومعذرة للإطالة
, والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
المصدر
https://halakat.taimiah.org/index.aspx?function=item&id=1617. ❝