█ _ حجاج حسن محمد 2020 حصريا رواية ❞ بلدة ترمس ❝ عن دار بدائل للنشر والتوزيع 2024 ترمس: تدور أحداث "الحكاية الأم" حول الفتى النجار الذي يعيش قرية فقيرة "بلدة ترمس" تفصلها بحيرة عالم الجن لكن يحلم بعبور البحيرة إلى الجانب الآخر حيث من أجل أن يمد جسوراً بين كلا العالمين يواجه أهوالاً قبل وبعد رحلته كادت تودي بحياته وعرضته للدفن حياً مكعبات الثلج روايات فانتازيا حديثة مجاناً PDF اونلاين كثيراً ما نقرأ كتباً تشدنا تغمرنا بعوالمها وتؤثر فينا أياماً بعد قراءتها ربما تغيرنا الأبد ولعل أكثر أنواع الكتب التي تمتع قارئيها هي كتب الخيال والفانتازيا ولدينا ذلك القسم أحدث الفانتازيا كانت الأكثر قراءة ومبيعاً العالم فى السنوات الأخيرة
❞ لم تندم على على ترك بلدة الناس، والذهاب مع من أحبها وأحبته لتعيش معه في البحيرة، حيث مملكة الجن، تؤكد أن حبيبها الذي تزوجها يحبها فعلًا وهو جني طيب من سلالة ترمس وأسلاجا، وأن بناتهما الثلاث الجميلات نسبة للجن قد تزوجن من شباب الجن الذين بهم دماء آدمية وأنجبن فأعطينها أحفادًا ذكورًا وإناثًا، وأنها حين أنجبت أول فتياتها عرفت كيف هو حب الأم فحزنت أنها أحزنت أمها بفراقها المفاجئ . ❝
❞ الظلام سائد والأمطار مستمرة والأرض موحلة والزحام حول القبر يزداد، والجثة الممدة رائقة مطمئنة وجهها بشوش راضي. المزدحمون بما فيهم من رجال أشداء وشباب، من الهيبة لا يستطيع التقدم أكثر من الجثمان المهيب، الكل كوّن حول الجثة حلقة واسعة، تقدم أحد أحفاد ترمس بمصباح وقربه في خوف من وجه الجثة. همس أولا ثم بصوت عال أقسم بأن الجثة لجده ترمس. تقدم عدد من العواجيز الذين شاهدوه حقيقة وهم صغار, فأكدوا أن الجثة جثة بطلهم ترمس النجار. ساعة زمن في الليلة الباردة، وناس البلدة ومعهم الغرباء من التجار، يتلون الآيات الدينية؛ فهو صاحب الفضل على الجميع، وبسببه نمت البلدة وتعملقت، وصارت مصدر رزق للألوف، وينبوع ثروات للتجار وأصحاب المهن. سمعوا من الأعالي ما يشبه تراتيل زقزقات عصفورية، وصفير خافت خاشع يصاحبه. نظروا حيث السماء السوداء، خالية من القمر، فقط نجوم متناثرات تبرق في تَعَبّد. شاهدوا أضواء خفيفة لينة كأوشحة زرقاء تتمايل تقترب مع النسائم والزقزقات الرقيقة الحانية مستمرة . ❝
❞ (كوكبة من الجن آتية، أكيد هم عائلة تِرمس النجار الجنيّة. أوسعوا دائرتهم أكثر حول الجثة الممدة على المقبرة. هبطت أشباح الأضواء الزرقاء على علو ذراع من الأرض فارتفعت الجثة لأعلى قليلا ليتمدد تحتها بساط حريري لامع بلون الذهب والفضة يحتويها زرقة شفافة. ارتفع البساط حاملا جثة تِرمس النجار وطار بها وكأنه بساط الريح الحريري، وحوله الجن في الأوشحة اللامعة. البشر على الأرض ينظرون لأعلى يتابعون الجنازة اللامعة السابحة في الفضاء الأسود الشفيف، يسبحون ويهللون لله خالق كل الكائنات وأصل كل المعجزات. جنازة لم تحدث ولم تتخيل من قبل. الجنازة الزرقاء تعبر سماء البلدة ثم سماء البحيرة جنوبا، وتتخطى من علوها مزنق الجبال العالية لتختفي، فيكون هذا هو الذهاب الثاني والأخير لتِرمس النجار، حيث لا عودة بعدها.)) . ❝
❞ ((هذه الواقعة طارت ودخلت كل بيت في بلدة ترمس، صارت حديث كل لسان سواء كان لسان ذكر أو لسان أنثى، عدد من أئمة المساجد لاكو سيرة أمي بدون تحديد اسمها، بينوا كم هي عاصية والله غاضب عليها، وسيعاقبها عقابًا غليظًا في الآخرة.)) . ❝
❞ ˝من هذه الحكاية سلك الكاتب تفريعات حكائية لا تنفصل عن المناخ العام للسرد، وتتصل بالحكاية الأم، من بينها حكاية حنون الغنية، وحكاية الحالمة، وحكاية الحالم المعطوب الدماغ. وعبر ثنائية الإنس والجن أبرز مقارنات ضمنية بين كلا العالمين نكأ عبرها جراح الواقع، وكشف ما تزخر به النفس من تناقضات، تتراوح بين الخير والشر، الحب والحقد، القبح والجمال. ففي البلدة الإنسية الفقيرة والضعيفة تعيش النساء مكسورات الخاطر تحت ضغط الرجال واستكبارهم، ولا حق لهن في الحب ولا في الاختيار. أما في مملكة الجن القوية فالملكة امرأة، ومفجرة الثورة ضد الظلم، ووراثة العرش أمومية وليست ذكورية، ويكفل القانون للمرأة الجنية أن تحب وأن تمنح حمايتها لأي كائن تقع في حبه، فلا يمسه أذى ولا سوء˝ . ❝
❞ ((ترااك ... تراك تراك ... تراااك
كفوف ناس البلد، ناس الجنوب، ناسنا ياصالحة، فى رقصة الكف يصفقون بقوة وحماس، الترااك منغمة تطرقع فى الساحة الرملية المنارة بشفق الكلوبات ولجين القمر. ترااك ... تراك تراك ... تراااك. كل ناس البلد هنا، رجال، نساء، أطفال، شيوخ، مرضى. فلا تفوت ليلة العرس من جنوبى أبدا، أرواح الأجداد تطل علينا راضية من تل الجبانة، تهبط إلينا مع اشتعال الرقص. يخالطوننا فى شوق. ليلة العرس تجذب ناس البلد؛ وحتى ناس النهر ساكنو القاع اللدن يخرجون من الماء مبللين زرافات ووحدانا. نحس بهم تحتنا على الضفتين يركبون الغصون والسعف. صغارهم على الشواشى فترقص بهم نشوى وهى تنثر قطرات الندى لآلئ .. ي ي ش ش ش ... ي ي ش ش ش ... نصيح بهم.. (مرهبا آمون نتُّو) مرحبا يا ناس النهر. يشتد الرقص اشتعالا فننجذب فى حالة وجد منظوم نشط غارق فى دوىّ وهدير الدفوف تووم - تك ... توم - تاك. وفرقعة الكفوف ترااك ... تراك تراك ... تراااك ... نربك أهل التيار ، أهل العالم السفلى يا حفيظ يارب! ينفلتون من أسفل قاع الجبل منطلقين كالقذائف الشيطانية من فوهات القمم العالية، يدورون فى الأركان النجومية، ثم ينتظمون على دائرة الأفق راقصين مغنين فى شعوذة. يغطينا محيط صداهم المرتد من الآفاق اللانهائية. ونحن فى رهبة ووجل نغنى أغنية الدعاء .. يا الله يا ساتر. اجعل بيننا وبينهم ساتراً . ❝
❞ ((فى ليلة كهذه، كانت ليلتنا يا صالحة، أمك العجوز وأختى وسط النساء تنثران الملح وماء عطر بنت السودان أصيل. يرقصن رقصة البلطى فى جمع النساء المغطى بالحلى. الذهب أشكال وأنواع. يبرق ويشوْشو .. شاو .. شاو .. شاو. والخلاخيل الفضية فى الأقدام رنينها صاف .. كلين كلين .. كلين كلين ...
لا يوجد جسد هامد، لا يوجد قلب خامد، لايوجد بدن لا يشارك، لا يوجد لسان لا يبارك، لا توجد روح ثقيلة. رقص الجميع مع الجميع.. للجميع.
زفونا ياصالحة الصدر. عريس وعروسة. زغاريد النساء أغاريد نحاسية تجلجل..
لى للى للى للى للى للى)) . ❝
❞ ((يا سلـ ااام ... يا سلـ ااام ... يا سلـ ااام
وفى العشيات المقمرة، أكون وسط أترابى. صبيان مفتونون باخضرار شواربهم. تحت شجرتى الدوم نجلس. نغنى مووايل (أسمر اللونا) نتغزل فى سماحة وجه الحبيبة السمراء التى لا نسميها. وأنت وسطهن على قرب تحت الجميزة الباسقة. عذارى متشوقات هائمات مع دقات الدف الحانى. كل منكن تفهم أن الموال لها .. وحدها. الوجد فى بحة صوت مغنينا الذى يبدأ كما يبدأ كل موال جنوبى الجندل: يا سلـ ااام . ينتشى كل سامع. ولم لا? والسلام اسم من أسماء إلهانا? الحرارة المنسابة منَّا ونحن بعد كل مقطع نردد: يا سلـ ااام، فى حرفنة. حرف النداء يأخذ جذوعنا للأمام بميل ناحيتكن. السين من السلسبيل. واللام مشعبة من الأفواه الرطبة. الألف الممدودة صاعدة موازية لصعود أيادينا حتى الأصداغ بجوار العيون المسدلة الجفون. تتهدل أكمام جلابيبنا مع ارتخاء حرف المد المنغم وقد حمل معه الكثير من سخونة الحشا فيخفف عنا. ومع الميم القاطعة، تهبط الأيادي سريعاً لتبين كمْ .. كم طربنا. نأسر قلوبكن فتفيض بينابيع العطاء المكنون. تهتز أجسادكن يمنة ويسرة. تصفقن بالكفوف المخضبة بالحناء مع إيقاع نداء دُفنا. تتجاوبن معنا. ورغم مساحة الرمال الفاصلة بين الدوم والجميز، نكون جمعاً واحداً سابحاً فى بحر الليل الجياش. نذوب. نترقرق صبابة، نتشوق إلى الحلال فى يوم علَّة قريب المنال.
جداتنا على بعد قريب. يرون أشباحنا واضحة. يبتسمن، يهمسن لبعضهن على أيامهن التى ولت كحلم لذيذ رحل قمره وتبخر إثر نهار مشمس واحد. ينظرن إلى الأجيال النامية الزاهية. وبتجاربهن القديمة وحنكتهن يتوقعن ما سيكون بيننا يوما قائلات: فووزية لبنيامين. نبرة - تارى لحسين ابن العمدة. هوّا لسليمتو. صالحة لابن زبيدة ...
يا سلـ ااام ... يا سلـ ااام ... يا سلـ ااام
وااااء ... وااااء ... وااااء ...
يا بشرى. ألقيت سيجارة البانجو وقفزت صارخاً.. العاطى هو. الرازق هو. والحميد هو. ضحك عمى بلال أبو صالحة. قال: ألم أقل لك اصبر ? عانقنى باكياً. خرجت أختى (مسكا) من الحجرة مبللة بالعرق. ارتمت على تقبلنى.. مبروك علينا ابنتك زبيدة.
واااء ... واااء ... واااء)) . ❝
❞ ((˝القمر بوبا˝ أشهر قلادة عند النوبيين: ذهبية ثقيلة، تتدلى من أعناق النساء على الصدر، كل صبية تتطلع شوقًا وتسأل الأيام في لهفة: متى أنمو فتاة محددة التضاريس، فتعطيني أمي قلادة ˝القمر بوبا˝ أحس بثقلها على صدرى، أنزل حلبة الرقص، وأرقص مشاركة في كل الرقصات فتتواثب الحلية الثقيلة على صدري، تشاغبه وتقلبه، أزداد نشوة ولهفة فأعطي الفن الراقص الناطق)) . ❝
❞ ((نظراتها فيها رجاء له بأن يعود إليها، أبعد طفلته وقام وجلس بجوارها، أحاط كتفها بذراعة، فلانت له عسى أن تجد عنده أمانًا مفتقدًا، زلنبح ينفخ غيظًا، ويتأثر بكل ما يحدث تحته، أمالت عصفة رأسها أسفلها باكية، لم تقل له حقيقة ما حدث، فقط تبكي، بعد إلحاح كان تصريحها الغامض: ˝البيت صار مسكونًا بشيطان˝.)) . ❝
❞ ((تخرج عصفة من البيت وتسير هائمة حول بيتها، لا تجيب من يلقي عليها التحية، وإن حاولت امرأة أن تمسك بكتفها أو ذراعها لتعيدها، تبعد اليد في إصرار وتستمر في سيرها ناظرة إلى لا شيء، حين تتعب تعود صامتة كما بدأت سيرها اليومي الليلي صامتة، لم يكن ما تفعله عصفة غريبًا عند أهل قرية الربوة، فهي عندهم امرأة ممسوسة بالشيطان الذي لبسها وسكن فيها، فذهب بعقلها، وأفسد حياتها.)) . ❝
❞ ((اسمع يا فتى يا غبي، ستفعل ما أريده منك.
وإن لم أفعل؟
ستجد نفسك قتيلًا مدفونًا في حديقة بيتي هذا، دفنت ثلاثة قبلك أصرّوا على قول لا، الجثث الآدمية أفضل سماد للزرع)) . ❝
❞ ((أحنى زلنبح رأسه ثم قفز في الفضاء ليطير بعيدًا، وقبيلة الشياطين تتابعه، وعلى علو شاهق يتوقف ويلتفت ناظرًا إلى قبيلته التي صارت بعيدة جدًا كأنها مجموعات من النمل، وقطرات من الدموع تتساقط من عينيه.)) . ❝
❞ ((أنت أهنتَ قبيلتنا بين القبائل، ولم تنتقم الانتقام الكافي الذي وعدتَ شكاكيت به، بل أهنتها إهانة خاصة، بوقوعك في براثن فتنة المرأة التي قتلتْ ابنتها. - يا زعيمنا المفدَّى، أعترف بخطئي، ولم أستكمل الانتقام بعدما تسببت في مقتل ابنة تلك المرأة، لكن ألا تفكرون بأنني فعلت فعلة في صالح قبيلتنا، بل في صالح قبائل الشياطين الخمس؟ - كيف؟ - ما ستنجبه عَصْفة... دَوّت صرخة غضب من شكاكيت ثم وجَّهت كلامها إلى زلنبح: - أيها الخائن الوضيع، أيها الحقير، تعشق من قَتَلت حفيدتك؟ إن عُدت إلى قبيلتنا سأطلّق ابنك هذا الخائر الضعيف مثلك، ابنك الذي يرفض التبرؤ منك أيها الوضيع، أبو الوضيع. زوجها سلايس يحني رأسه خجلًا، أشار الزعيم إلى شكاكيت لتهدأ وواصل حواره: - لا تصرح باسمها، فاسمها يضايقنا. - أمرك، ما ستنجبه تلك المرأة، سواء كان ذكرًا أم أنثى، سوف يكون شيطانًا وسط البشر، أي سيتمكن من طعن البشر بوسوسته من داخلهم، إنه حربة مسنونة منّا في ظهر البشر. - كلامك مُبالَغ فيه. - بل هو ما سيكون.)) . ❝
❞ استمرت الثقافة النوبية تطلّ في رواية ˝زلنبح˝ برأسها بشكل ضمني غير مباشر، إذ تخلّل النسيج الروائي بعض الطقوس التي طالما اهتم واحتفى بها المجتمع النوبي، مثل الرقص والأعياد والمهرجانات والأعراس. أما اللغة التي اعتمدها الكاتب، فكانت الفصحى السلسة شديدة العذوبة كثيفة الدلالة، كما كانت دائماً في كل نصوص حجاج أدول وكان يبرز دوماً خلالها ارتفاع الحس الإنساني الذي يعبّر بصورة أو بأخرى عن المجتمع النوبي ويميّز أهله بشكل خاص . ❝
❞ اختار الكاتب لشخوصه أسماء تتصل بالطبيعة الخيالية للنص مثل ˝زلنبح˝، ˝شينكا˝، ˝حوحو˝، ˝تايرو˝، ˝خنزب˝، ˝كروب˝ و˝سفساف˝، وفي مواضع أخرى من السرد كان فيها الواقع أكثر حضوراً، تخيَّر الكاتب لشخوصه أسماء لها دلالات حية، جاء بعضها متّسقاً مع معناه مثل ˝عصفة˝ الفاتنة التي سلبت فتنتها عقل الشيطان وعصفت به، ˝محفوظة˝ التي حافظت الأم على حياتها بالتضحيات الثمينة، ˝ظريفة˝ المرأة السمحة التي لا تحمل حقداً ولا ضغينة. بينما حملت أسماء أخرى دلالات عكسية مثل ˝حلالي˝ الماجنة و˝مكين˝ الضعيف. واستمراراً لاستخدام الدلالة، لجأ الكاتب إلى الأحلام والكوابيس ليبرز من خلالها الجانب الإنساني من شخصية ˝زلنبح˝ وجلده لذاته ورفض عقله الباطن لكل سلوك يحرّضه عليه عقله الواعي. ولم تبثّ أحلام الشخصية المحورية في النص الدلالات وحسب، وإنما عزَّزت الجانب الخرافي من الأحداث الذي ينسجم مع الخط العام للسرد وأضفت عليه مزيداً من المتعة والتشويق. الألوان أيضاً كانت إحدى أدوات الكاتب الرمزية التي أجاد توظيفها داخل النص، فشخوصه الشيطانية ترتدي اللون الأحمر ذا الدلالة النارية لتؤكد طاقة الشر والهيمنة، و˝زلنبح˝ حين يركن إلى نصفه الشيطاني لا يرتدي سوى الأحمر، وفي طريقه لاستعادة إنسانيته، يتخلّى عن هذا اللون . ❝
❞ تلعب المرأة دوراً محورياً في الأحداث، فهي الأم التي تضحي بنفسها وتطلق لدى الابن ˝ضرغام الأول˝ شرارة الثورة والانتقام، وهي الزوجة التي تعمل جنباً إلى جنب مع زوجها لبناء وإعمار الربوة، وهي جزء من المقاومة التي تصدّت للشياطين ودحرتهم بزغاريدها المؤلمة. هي الأخت التي تستمع لبوح أخيها، والأم التي تستميت في إعلاء الجانب البشري على نزعات الشيطنة وهي العاشقة التي تسامح وتعفو وتصلح مفاسد النفس وتدرأ آثامها. ومن خلال هذا النموذج، مرّر الكاتب فلسفته التي ترسّخ مفهوم الحب وقدرته على تهذيب النفس واستعادة إنسانيتها والانتصار على نوازع الشر فيها . ❝
❞ يجسّد النص جوهر الصراع بين متناقضات العالم وأيضاً متناقضات النفس الواحدة، فيطرح زحاماً من هذه المتناقضات، بدا بعضها في البيئية المكانية للنص التي كانت تحمل في طياتها الثراء الفاحش والفقر المدقع، الشجاعة والاستكانة، المروءة والخسة، ثم ينقل السرد حالة الصراع التي تحدث داخل النفس البشرية ذاتها، بين نوازعها الدنيئة وضميرها الحي. ويبلغ الصراع ذروته عبر الشخصية المحورية ˝زلنبح˝ المنقسمة إلى نصفين: أحدهما شيطاني بانتمائه إلى ˝زلنبح˝ الشيطان الأب، والآخر إنساني ينتمي إلى ˝عصفة˝ الأم، ليكابد ويلات هذا الانقسام الذي يسفر عن شتاتٍ يضيع في دواماته عند محاولة كل قسم منه الانتصار على الآخر. وعلى الرغم من الطبيعة الغرائبية للشخصية وانتمائها إلى عوالم الخيال، فإنها ليست بعيدة تماماً من جوهر الإنسان المتأرجح بين الخير والشر، بين نزعاته الناقصة ولومه لتلك النزعات محاولاً التسامي عنها . ❝
❞ ((المكلفان أساسا بالتعذيب جلادان ضخمان هما توأم متشابه، أما رئيسهما فهو أبو هما عشماوي وكانه توأم ثالث لهما لولا كبر السن والسمنة الزائدة، الثلاثة كل منهم عاري الرأس يرتدي سروالا أسود ونصفه العلوي عارٍ ومليء بالشعر الغزير، الأب الشعر الأبيض في بداية الانتشار في شعر رأسه وصدره، أوثقا يدي الأخوين خلف ظهريهما، والصباح بدأ ينير المدينة، موكب الشنق يخترق الطرقات، الحرس السلطاني على الخيول يتقدم وخلفهم حماران او على ظهريهما المتهمان ورأسهما ناحية مؤخرة الحمارين إذلالًا! خلف الحمارين عدد من حرس السجن على الأقدام يسيرون يرهبون الناس بالسيوف والبُلط المشهرة وبالقسوة المنحوتة على سحناتهم وبأجسادهم المنفوخة بالشحم واللحم، الناس متجهون لجلب رزقهم بالعمل الشاق، وقفوا رجالا ونساء وأطفال على الجانبين يتابعون مسيرة الإعدام في حسرة، فهذا هو مصير من يثور على السلطان بوهان أو ينطق بحرف معترضا على دوام الذل والهوان.)) . ❝