❞ أنكر أينشتين في نظريته إمكان الحركة المطلقة ..
فمن المستحيل أن نعرف أن جسمًا ما في حالة حركة أو في حالة سكون إلا بالرجوع إلى جسم آخر ..
وتاريخنا مع الأرض يؤكد كلام أينشتين .. لقد ظللنا نعتقد قرونًا طويلة بأن الأرض ساكنة حتى اكتشفنا حركتها عن طريق رصد النجوم والكواكب حولها ..
ولو أن أرضنا كانت تدور وحدها في فضاء الكون لما أمكن على الإطلاق معرفة حركتها من سكونها .. لانعدام أي مرجع نقيس به ..
ولكان من المؤكد أننا سوف نظل جاهلين بحالنا .. وكان هناك استثناء واحد ..
أن تبطئ الأرض في حركتها فجأة .. أو تُسرِع فجأة .. أو تضطرب حركتها .. فندرك عن طريق تثاقل أجسامنا وقصورنا الذاتي أننا على جسم متحرك ..
شأننا شأن راكب الطائرة الذي يستطيع أن يكتشف حركتها دون حاجة إلى أن يطل من النافذة، أو يرجع إلى مرجع .. بمجرد أن تغير الطائرة من سرعتها أو اتجاهها أو ارتفاعها ..
ومثل راكب القطار الذي يجلس في مقصورة مغلقة .. جاهلًا بحركة قطاره حتى يبدأ القطار في التباطؤ أو ينحرف عن مسيره .. فيدرك أن قطاره يتحرك ..
وكان معنى هذا الإستثناء أن الحركة يمكن أن تكون مطلقة إذا كانت غير منتظمة ..
فهي في هذه الحالة يمكن إدراكها بالرجوع إلى ذاتها .. وبدون حاجة إلى مرجع خارجي ..
ولهذا وضع أينشتين نظريته الأولى " النسبية الخاصة " وقصرها على الأجسام التي تتحرك بحركة منتظمة ..
وقال فيها : " إن قوانين الكون واحدة لكل الأجسام التي تتحرك بحركة منتظمة " .
ولكن هذا الشذوذ في القاعدة .. ظل يؤرق باله .. فهو لا يعتقد في كون معقّد وإنما يؤمن بكون بسيط .. ويرى أن البساطة أعمق من التعقيد، وأن تعدد القوانين وتناقضها في كون واحد يدل على عقل رياضي سطحي عاجز عن إدراك الحقيقة .
وبعد سنوات من التفكير والحساب وإعادة النظر .. قدم نظريته الجريئة في " النسبية العامة " التي أعلن فيها أن : " قوانين الكون واحدة لكل الأجسام بصرف النظر عن حالات حركتها " .
وبذلك عاد فأكد رفضه لكل ما هو مطلَق .. حتى هذا الإستثناء الواحد .. الحركة غير المنتظمة .. هي الأخرى أصبحت نسبية لا يمكن الجزم بها بدون مرجع خارجي ..
** ** **
ولتقريب هذا الإشكال الجديد إلى الذهن تخيل أينشتين أرجوحة مربوطة بحبال إلى عمود رأسي .. وأن هذه الأرجوحة تدور حول العمود كما تدور أراجيح الأطفال في المولد .. مع فارق واحد : أنها مغلقة تمامًا وأن الجالس بداخلها لا يرى ما يدور خارجها .. وأنها موجودة في الفضاء بعيدًا عن أي جاذبية ..
ماذا سوف يحدث لعدد من العلماء جالسين في تلك الأرجوحة ؟
إنهم سوف يلاحظون أن أجسامهم تتثاقل دائمًا نحو أرضية الأرجوحة، وأنه إذا ألقوا بأي شيء فإنه يسقط دائمًا نحو الأرضية .. وإذا انطلقت رصاصة لتخترق جدار الأرجوحة فإنها سوف تميل نحو أرضيتها على شكل قطع مكافئ .. وسوف يكون تعليلهم لهذه الظاهرة أن هناك قوى جاذبية في هذه الأرضية ..
وهم لن يفطنوا إلى أن الأرضية هي الجدار الخارجي لأرجوحتهم نظرًا لأن الحواس تقرن دائمًا أي تثاقل بأنه اتجاه إلى تحت ( وهو شبيه لما يحدث لنا على الأرض .. فنحن أثناء دوران الأرض تكون رءوسنا إلى أسفل وأقدامنا إلى أعلى .. ومع ذلك يخيل إلينا العكس .. أن أقدامنا إلى أسفل دائمًا نتيجة الإحساس بالتثاقل الناتج عن الجاذبية ) .
وهكذا .. سوف تكون جميع حسابات هؤلاء العلماء مؤكدة بأنهم خاضعون لقوى الجاذبية ..
ولكن من يلاحظ هذه الأرجوحة من الخارج سوف يُخَطّئ كل حساباتهم .. وسوف يرى أنهم خاضعون للقصور الذاتي المعروف بإسم " القوة الطاردة المركزية " .. وهي القوة التي تطرد الأجسام المتحركة في دائرة إلى خارج الدائرة ..
ومعنى هذا أن هناك إمكانية للخلط دائمًا بين الحركة الناتجة من الجاذبية والحركة الناتجة من القصور الذاتي .. وأنه لا يمكن التفرقة بين اثنين بدون مرجع خارجي .
فإذا عدنا إلى الإشكال الأول .. وهو إشكال الحركة غير المنتظمة وتخيلنا الأرض التي تسير وحدها في الفضاء .. وتخيلنا الإستثناء الذي ترتب عليه إدراكنا لهذه الحركة .. وهو أن تبطئ أو تسرع .. أو تضطرب في حركتها .. فإن هذا الإستثناء لا يكون دلالة على أن حركتنا مطلقة .. إذ أن الخلط مازال قائمًا ..
فمن المحتمل أن يكون ما حسبناه حركة أرضية ( نتيجة القصور الذاتي ) هو في الواقع اضطراب في مجال الجاذبية لنجم بعيد غير مرئي .. ( مثل ما يحدث في حركة مياه البحر من مدّ وجزر نتيجة التقلبات في مجال جاذبية القمر ) .
إن التمييز بين الحركة الناتجة عن القصور الذاتي، والحركة الناتجة عن الجاذبية .. مستحيل .. بدون مرجع نهائي .
وبذلك لا تكون هناك وسيلة إلى إدراك الحركة المطلقة حتى من خلال الحركة غير المنتظمة .
وبذلك تصبح نظرية أينشتين نظرية عامة شاملة لكل قوانين الكون .. لا نظرية خاصة بالأجسام ذات الحركة المنتظمة ..
** ** **
والبرهان الثاني يأخذه أينشتين من ظاهرة طبيعية معروفة .. هي سقوط الأجسام نحو الأرض بسرعة واحدة مهما اختلفت كتلاتها ..
كرة من الحديد تسقط نحو الأرض .. بنفس السرعة التي تسقط بها كرة من الخشب مماثلة لها في الحجم .. بنفس السرعة التي تسقط بها قنبلة مدفع ..
وإذا كانت قطعة من الورق تسقط نحو الأرض ببطء فالسبب أن مسطحها كبير ومقاومة الهواء لسقوطها كبير مما يؤدي إلى هذا البطء في سقوطها .. ولكن لو كورناها تمامًا فإنها سوف تسقط نحو الأرض بنفس السرعة التي تسقط بها كرة الحديد .
ولقد كانت هذه السرعة الواحدة التي تسقط بها جميع الأجسام مصدر مشكلة عويصة في الطبيعة ..
إذ أن هذه الظاهرة هي عكس الظاهرة المعروفة في حركة الأجسام الأفقية .. وتفاوت سرعتها تبعًا لكتلتها ..
فالقوة التي تدفع كرة صغيرة عدة أميال إلى الأمام .. لا تكاد تحرك عربة سكة حديد إلا عدة سنتيمترات .. نتيجة أن عربة السكة الحديد تقاوم الحركة بقصورها الذاتي الأكبر بكثير من قصور كرة صغيرة ذات كتلة صغيرة ..
وقد حل نيوتن هذا الإشكال بقانونه الذي قال فيه : إن قوة الجاذبية الواقعة على جسم تزداد كلما ازداد قصوره الذاتي ..
والنتيجة أن الأرض تشد الكرة الحديد بقوة أكبر من الكرة الخشب .. ولذلك تسقط الكرتان بسرعة واحدة .. لأنه ولو أن الكرة الحديد قصورها أكبر ومقاومتها للحركة أكبر إلا أن القوة التي تشدها أكبر ..
وهذا القانون الذي أعلنه نيوتن باسم " تكافؤ الجاذبية والقصور الذاتي " .. هو دليل آخر على إمكانية الخلط بين القوتين .
** ** **
إنتهت نظرية أينشتين الثانية المعروفة " بالنسبية العامة " إلى نفي معرفة كل ما هو مطلق .. وإلى اعتبار الكون خاضعًا لقوانين واحدة برغم اختلاف الحركة في داخله .. وإلى استحالة معرفة الحركة من السكون بدون مرجع خارج عن نطاق الحركة وعن نطاق هذا السكون ..
ولكن أينشتين فتح على نفسه بابًا خطيرًا من الشك ..
فهذا الخلط بين الجاذبية والقصور الذاتي .. فتح بابًا للتساؤل .. من أين نعلم إذًا أن ما نقيسه على الأرض هو ظواهر لقوة جاذبية .. لماذا لا تكون ظواهر قصورية .. !
إن وجود الجاذبية يصبح أمرًا مشكوكًا فيه من أساسه .. وعلى أينشتين أن يملأ هذه الفجوة الرهيبة التي فتحها .. عليه أن يواجه عملاقًا اسمه نيوتن و يرد عليه ..
والإشكال الثاني .. هو هذا التفكك الذي اعترى الحقيقة على يد النسبية .. فانفرطت إلى كلمات خاوية .. المكان، والزمان، والكتلة .. حتى الكتلة انفرطت هي الأخرى فأصبحت حركة .. مجرد خواء .
كيف يعود أينشتين فيبني من هذا الخواء كونًا مأهولًا معقولًا ملموسًا كالكون الذي نراه .. ؟!
وكيف يصبح لهذا الكون شكل .. وأعمدة الشكل .. وهي الصلابة المادية .. قد انهارت وتبخرت .. إلى طاقة وإشعاع غير منظور .. ؟!
إن أينشتين عمد إلى البساطة فانتهى إلى الغموض ..
وهدِفَ إلى الحقيقة فأخذ بيدها إلى هوة من الشكّ .
..
مقال .. الحركة المطلقة .
من كتاب / أينشتين والنسبية
لـلدكتور / مصطفى محمود (رحمه الله). ❝ ⏤مصطفى محمود
❞ أنكر أينشتين في نظريته إمكان الحركة المطلقة .
فمن المستحيل أن نعرف أن جسمًا ما في حالة حركة أو في حالة سكون إلا بالرجوع إلى جسم آخر .
وتاريخنا مع الأرض يؤكد كلام أينشتين . لقد ظللنا نعتقد قرونًا طويلة بأن الأرض ساكنة حتى اكتشفنا حركتها عن طريق رصد النجوم والكواكب حولها .
ولو أن أرضنا كانت تدور وحدها في فضاء الكون لما أمكن على الإطلاق معرفة حركتها من سكونها . لانعدام أي مرجع نقيس به .
ولكان من المؤكد أننا سوف نظل جاهلين بحالنا . وكان هناك استثناء واحد .
أن تبطئ الأرض في حركتها فجأة . أو تُسرِع فجأة . أو تضطرب حركتها . فندرك عن طريق تثاقل أجسامنا وقصورنا الذاتي أننا على جسم متحرك .
شأننا شأن راكب الطائرة الذي يستطيع أن يكتشف حركتها دون حاجة إلى أن يطل من النافذة، أو يرجع إلى مرجع . بمجرد أن تغير الطائرة من سرعتها أو اتجاهها أو ارتفاعها .
ومثل راكب القطار الذي يجلس في مقصورة مغلقة . جاهلًا بحركة قطاره حتى يبدأ القطار في التباطؤ أو ينحرف عن مسيره . فيدرك أن قطاره يتحرك .
وكان معنى هذا الإستثناء أن الحركة يمكن أن تكون مطلقة إذا كانت غير منتظمة .
فهي في هذه الحالة يمكن إدراكها بالرجوع إلى ذاتها . وبدون حاجة إلى مرجع خارجي .
ولهذا وضع أينشتين نظريته الأولى ˝ النسبية الخاصة ˝ وقصرها على الأجسام التي تتحرك بحركة منتظمة .
وقال فيها : ˝ إن قوانين الكون واحدة لكل الأجسام التي تتحرك بحركة منتظمة ˝ .
ولكن هذا الشذوذ في القاعدة . ظل يؤرق باله . فهو لا يعتقد في كون معقّد وإنما يؤمن بكون بسيط . ويرى أن البساطة أعمق من التعقيد، وأن تعدد القوانين وتناقضها في كون واحد يدل على عقل رياضي سطحي عاجز عن إدراك الحقيقة .
وبعد سنوات من التفكير والحساب وإعادة النظر . قدم نظريته الجريئة في ˝ النسبية العامة ˝ التي أعلن فيها أن : ˝ قوانين الكون واحدة لكل الأجسام بصرف النظر عن حالات حركتها ˝ .
وبذلك عاد فأكد رفضه لكل ما هو مطلَق . حتى هذا الإستثناء الواحد . الحركة غير المنتظمة . هي الأخرى أصبحت نسبية لا يمكن الجزم بها بدون مرجع خارجي .
** *
ولتقريب هذا الإشكال الجديد إلى الذهن تخيل أينشتين أرجوحة مربوطة بحبال إلى عمود رأسي . وأن هذه الأرجوحة تدور حول العمود كما تدور أراجيح الأطفال في المولد . مع فارق واحد : أنها مغلقة تمامًا وأن الجالس بداخلها لا يرى ما يدور خارجها . وأنها موجودة في الفضاء بعيدًا عن أي جاذبية .
ماذا سوف يحدث لعدد من العلماء جالسين في تلك الأرجوحة ؟
إنهم سوف يلاحظون أن أجسامهم تتثاقل دائمًا نحو أرضية الأرجوحة، وأنه إذا ألقوا بأي شيء فإنه يسقط دائمًا نحو الأرضية . وإذا انطلقت رصاصة لتخترق جدار الأرجوحة فإنها سوف تميل نحو أرضيتها على شكل قطع مكافئ . وسوف يكون تعليلهم لهذه الظاهرة أن هناك قوى جاذبية في هذه الأرضية .
وهم لن يفطنوا إلى أن الأرضية هي الجدار الخارجي لأرجوحتهم نظرًا لأن الحواس تقرن دائمًا أي تثاقل بأنه اتجاه إلى تحت ( وهو شبيه لما يحدث لنا على الأرض . فنحن أثناء دوران الأرض تكون رءوسنا إلى أسفل وأقدامنا إلى أعلى . ومع ذلك يخيل إلينا العكس . أن أقدامنا إلى أسفل دائمًا نتيجة الإحساس بالتثاقل الناتج عن الجاذبية ) .
وهكذا . سوف تكون جميع حسابات هؤلاء العلماء مؤكدة بأنهم خاضعون لقوى الجاذبية .
ولكن من يلاحظ هذه الأرجوحة من الخارج سوف يُخَطّئ كل حساباتهم . وسوف يرى أنهم خاضعون للقصور الذاتي المعروف بإسم ˝ القوة الطاردة المركزية ˝ . وهي القوة التي تطرد الأجسام المتحركة في دائرة إلى خارج الدائرة .
ومعنى هذا أن هناك إمكانية للخلط دائمًا بين الحركة الناتجة من الجاذبية والحركة الناتجة من القصور الذاتي . وأنه لا يمكن التفرقة بين اثنين بدون مرجع خارجي .
فإذا عدنا إلى الإشكال الأول . وهو إشكال الحركة غير المنتظمة وتخيلنا الأرض التي تسير وحدها في الفضاء . وتخيلنا الإستثناء الذي ترتب عليه إدراكنا لهذه الحركة . وهو أن تبطئ أو تسرع . أو تضطرب في حركتها . فإن هذا الإستثناء لا يكون دلالة على أن حركتنا مطلقة . إذ أن الخلط مازال قائمًا .
فمن المحتمل أن يكون ما حسبناه حركة أرضية ( نتيجة القصور الذاتي ) هو في الواقع اضطراب في مجال الجاذبية لنجم بعيد غير مرئي . ( مثل ما يحدث في حركة مياه البحر من مدّ وجزر نتيجة التقلبات في مجال جاذبية القمر ) .
إن التمييز بين الحركة الناتجة عن القصور الذاتي، والحركة الناتجة عن الجاذبية . مستحيل . بدون مرجع نهائي .
وبذلك لا تكون هناك وسيلة إلى إدراك الحركة المطلقة حتى من خلال الحركة غير المنتظمة .
وبذلك تصبح نظرية أينشتين نظرية عامة شاملة لكل قوانين الكون . لا نظرية خاصة بالأجسام ذات الحركة المنتظمة .
** *
والبرهان الثاني يأخذه أينشتين من ظاهرة طبيعية معروفة . هي سقوط الأجسام نحو الأرض بسرعة واحدة مهما اختلفت كتلاتها .
كرة من الحديد تسقط نحو الأرض . بنفس السرعة التي تسقط بها كرة من الخشب مماثلة لها في الحجم . بنفس السرعة التي تسقط بها قنبلة مدفع .
وإذا كانت قطعة من الورق تسقط نحو الأرض ببطء فالسبب أن مسطحها كبير ومقاومة الهواء لسقوطها كبير مما يؤدي إلى هذا البطء في سقوطها . ولكن لو كورناها تمامًا فإنها سوف تسقط نحو الأرض بنفس السرعة التي تسقط بها كرة الحديد .
ولقد كانت هذه السرعة الواحدة التي تسقط بها جميع الأجسام مصدر مشكلة عويصة في الطبيعة .
إذ أن هذه الظاهرة هي عكس الظاهرة المعروفة في حركة الأجسام الأفقية . وتفاوت سرعتها تبعًا لكتلتها .
فالقوة التي تدفع كرة صغيرة عدة أميال إلى الأمام . لا تكاد تحرك عربة سكة حديد إلا عدة سنتيمترات . نتيجة أن عربة السكة الحديد تقاوم الحركة بقصورها الذاتي الأكبر بكثير من قصور كرة صغيرة ذات كتلة صغيرة .
وقد حل نيوتن هذا الإشكال بقانونه الذي قال فيه : إن قوة الجاذبية الواقعة على جسم تزداد كلما ازداد قصوره الذاتي .
والنتيجة أن الأرض تشد الكرة الحديد بقوة أكبر من الكرة الخشب . ولذلك تسقط الكرتان بسرعة واحدة . لأنه ولو أن الكرة الحديد قصورها أكبر ومقاومتها للحركة أكبر إلا أن القوة التي تشدها أكبر .
وهذا القانون الذي أعلنه نيوتن باسم ˝ تكافؤ الجاذبية والقصور الذاتي ˝ . هو دليل آخر على إمكانية الخلط بين القوتين .
** *
إنتهت نظرية أينشتين الثانية المعروفة ˝ بالنسبية العامة ˝ إلى نفي معرفة كل ما هو مطلق . وإلى اعتبار الكون خاضعًا لقوانين واحدة برغم اختلاف الحركة في داخله . وإلى استحالة معرفة الحركة من السكون بدون مرجع خارج عن نطاق الحركة وعن نطاق هذا السكون .
ولكن أينشتين فتح على نفسه بابًا خطيرًا من الشك .
فهذا الخلط بين الجاذبية والقصور الذاتي . فتح بابًا للتساؤل . من أين نعلم إذًا أن ما نقيسه على الأرض هو ظواهر لقوة جاذبية . لماذا لا تكون ظواهر قصورية . !
إن وجود الجاذبية يصبح أمرًا مشكوكًا فيه من أساسه . وعلى أينشتين أن يملأ هذه الفجوة الرهيبة التي فتحها . عليه أن يواجه عملاقًا اسمه نيوتن و يرد عليه .
والإشكال الثاني . هو هذا التفكك الذي اعترى الحقيقة على يد النسبية . فانفرطت إلى كلمات خاوية . المكان، والزمان، والكتلة . حتى الكتلة انفرطت هي الأخرى فأصبحت حركة . مجرد خواء .
كيف يعود أينشتين فيبني من هذا الخواء كونًا مأهولًا معقولًا ملموسًا كالكون الذي نراه . ؟!
وكيف يصبح لهذا الكون شكل . وأعمدة الشكل . وهي الصلابة المادية . قد انهارت وتبخرت . إلى طاقة وإشعاع غير منظور . ؟!
إن أينشتين عمد إلى البساطة فانتهى إلى الغموض .
وهدِفَ إلى الحقيقة فأخذ بيدها إلى هوة من الشكّ .
.
مقال . الحركة المطلقة .
من كتاب / أينشتين والنسبية
لـلدكتور / مصطفى محمود (رحمه الله). ❝
❞ والنتيجة هي مفاجأة أكثر إدهاشًا من كل المفاجآت السابقة ..
الكتلة مرادفة للوزن في لغة الكلام العادي .. والذين يذكرون بعض المعلومات التي أخذوها في كتب الطبيعة يعلمون أن للكتلة تعريفًا مختلفًا ..
فهي : خاصية مقاومة الحركة .. هكذا يسميها الفقهاء .
وقد تعلمنا من هؤلاء الفقهاء أن الكتلة كمٌ ثابت .. وأنها لا تتأثر بحركة الجسم أو بسكونه .. فهي صفة جوهرية فيه .
ولكن أينشتين الذي قلب وجه الفقه الطبيعي أثبت أن الكتلة نسبية مثل الزمان والمكان .. وأنها مقدار متغير، وأنها تتغير بحركة الجسم .
كلما ازدادت سرعة الجسم كلما ازدادت كتلته ..
ولا تبدو هذه الفروق في السرع الصغيرة المألوفة حولنا ولهذا تفوتنا فلا نلاحظها .. ولكنها في السرَع العالية التي تقترب من سرعة الضوء تصبح فروقاً هائلة .. حتى إذا بلغت سرعة الجسم مثل سرعة الضوء فإن كتلته تصبح لا نهائية .. وبالتالي تصبح مقاومته للحركة لا نهائية وبالتالي يتوقف .
وهذه فرضية مستحيلة طبعًا .. لأنه لا يوجد جسم يمكنه أن يتحرك بسرعة الضوء ..
واستطاع أينشتين أن يقدم المعادلة الدقيقة التي تبين العلاقة بين كتلة الجسم وسرعته ..
لينك المعادلة :
http://im35.gulfup.com/MlRL9.jpg
حيث أن ك1 هي كتلة الجسم وهو متحرك ، ك كتلته وهو ساكن ، ع سرعته ، ص سرعة الضوء .
والذين يذكرون أوليات علم الجبر يعلمون أن ع حينما تكون مقاديرها صغيرة لا تؤثر بكثير في المعادلة .. ولكن حينما تقترب ع من سرعة الضوء فإن النتيجة تتضخم بشكل هائل وتصبح قيمة الجذر التربيعي أقرب إلى الصفر .. وتصبح الكتلة الجديدة هي ك مقسومة على صفر .. أي لا نهاية ..
ولم تلبث المعامل أن قدمت لنا التجربة الملموسة التي تثبت صدق هذه المعادلة .. وبهذا خرجت بها من حيز الافتراضات الجبرية إلى حيز الحقائق العلمية المعترف بها ..
أثبتت التجارب أن القذائف المشعة التي تطلقها مادة الراديوم واليورانيوم ( وهي دقائق مادية متناهية في الصِغَر تنطلق بسرعة قريبة من سرعة الضوء ) تزداد كتلتها بما يتفق مع حسابات أينشتين ..
وخطا أينشتين خطوة أخرى في تفكيره النظري قائلًا :
إنه مادام الجسم يكتسب مزيدًا من الكتلة حينما يكتسب مزيدًا من الحركة .. وبما أن الحركة شكل من أشكال الطاقة .. فإن معنى هذا أن الجسم حينما يكتسب طاقة يكتسب في نفس الوقت كتلة ..
أي أن الطاقة يمكن أن تتحول إلى كتلة، والكتلة يمكن أن تتحول إلى طاقة .
وما لبث أن قدم المعادلة التاريخية لهذه العلاقة بين الطاقة والكتلة .. وهي المعادلة التي صُنِعت القنبلة الذرية على أساسها :
طـ = ك X ص2 .
أو أن الطاقة المتحصلة من كتلة معينة تساوي حاصل ضرب هذه الكتلة بالجرام في مربع سرعة الضوء بالسنتيمتر/ ثانية ..
ويلاحَظ هنا أن الطاقة الناتجة من تفجير جرام واحد كمية هائلة جدًا .. وأنها يمكن أن تحرق مدينة .. أو تزوِّد مديرية كاملة بالوقود لمدة سنة .
فإذا أردنا أن نحسب كمية الكتلة المتحصلة من تركيز كمية الطاقة، فإن المعادلة تكون أن .. الكتلة تساوي الطاقة مقسومة على سرعة الضوء بالسنتيمتر ثانية .. أي مقدار ضئيل جدًا ..
والمعادلة تفسر لنا السر في أزلية هذا الكون وقِدَمه ..
السر أن هذا العدد الهائل من النجوم مضت عليه آماد طويلة من بلايين السنين وهو يشع نورًا وطاقة وحرارة .. ولم تبد عليه مخايل الفناء بعد ..
والسر هو أن النجوم تحترق بطريقة أخرى غير احتراق السجاير .. والكبريت .. فالكبريت يشتعل بطريقة كيميائية .. والنار التي تخرج منه هي حرارة اتحاد عناصر بعضها ببعض .. هي حرارة إتحاد الكبريت بالأوكسجين لينتج ثاني أكسيد الكربون ..
الكبريت لا يفنَى وإنما يتحول إلى مركبات أخرى .. هي الدخان .
أما احتراق الشمس والنجوم فإنه احتراق فَناء ..
ذرات الشمس والنجوم تتحطم وتتدفق شعاعًا في كل أقطار الكون، وهذا النوع من الاحتراق النووي بطيء جدًا .. لأن قليلًا جدً جدًا من المادة يملأ الفضاء بالكثير جدًا جدًا من الطاقة ..
فالنجوم تخسر قليلًا جدًا من مادتها كل يوم .. وهذا سر عمرها الطويل الأزلي، ولو كانت الشمس تحترق بالطريقة التي تحترق بها السجائر وعيدان الكبريت لانطفأت في لحظة ولتحولت الأرض إلى صقيع وانقرض ما عليها من صنوف الحياة .
ولقد كان انفجار قنبلة هيروشيما ، واختراع القنبلة الهيدروجينية بعد ذلك ، ثم قنبلة النيوترون بداية فتح رهيب في عالَم الطاقة .
لقد سلَّم أينشتين مفاتيح جهنم للعلماء .. وللساسة المخبولين .. وللمجانين من هواة الحروب .. بهذه المعادلة البسيطة ..
وأصبح ممكنًا بالحساب والأرقام معرفة كمية المادة اللازمة لنسف دولة وإفناء شعب .. وهي في العادة قليل من جرامات اليورانيوم والماء الثقيل والكوبالت .. أقل مما يملأ قبضة اليد ..
وانفتح في نفس الوقت باب لبحوث الفضاء .. وأصبح السفر في صواريخ هائلة تنطلق بسرعة خارقة وتخرج من جاذبية الأرض ممكنًا .. نتيجة اختراع صنوف جديدة من الوقود الذرّي .
لكن أهم من هذه التطبيقات العملية .. كانت هناك نتيجة نظرية خطيرة ترتبت على هذه الخطوة ..
أن الحاجز بين المادة والطاقة قد سقط نهائيًا .. وأصبحت المادة هي الطاقة ، والطاقة هي المادة .
لا فرق بين الصوت والضوء والحرارة والحركة والمغنطيسية والكهرباء .. وبين المادة الخاملة التي لا يخرج منها صوت ولا تندّ عنها حركة .
فالمادة هي كل هذه الظواهر مختزنة مركَّزة .
المادة هي الحركة مضغوطة محبوسة .
هي قمقم سليمان فيه عفريت .
وأينشتين هو الذي أطلق تعزيمة الرموز والطلاسم الجبرية فانفتح القمقم وخرج العفريت .
المادة ليست مادة ..
إنها حركة ..
ما الفرق بين أن نقول ذلك ، وبين أن نقول إنها روح .. ؟!
الروح تعبير صوفي نقصد به الفعالية الخالصة التي بلا جسد ..
والمادة اتضح أنها فعالية خالصة ( حركة ) وأن جسمها الملموس وَهم من أوهام الحواس ..
الألفاظ تختلط ببعضها .. وكل شيء جائز .
ومنذ اللحظة التي حطم فيها أينشتين السدّ الوهميّ بين المادة والطاقة ، انهار كل يقين حسي ملموس .. وتحولت الدنيا إلى خواء مشحون بطاقة غير مرئية .. مثل الجن والعفاريت ..
مرة يسميها العِلم موجات مغناطيسية كهربائية .. ومرة يسميها أشعة كونية .. ومرة يسميها أشعة إكس .. ومرة يسميها جزيئات بيتا .. ومرة يسميها أشعة جاما ..
وأغلبها أشياء تقتل في الظلام دون أن تدركها الحواس .. وهذه الأشياء هي نفسها المادة الساذجة الخاملة التي نتداولها بين أيدينا كل يوم ..
وسط هذا التشويش والغموض وَجَدت بعض المعضلات العلمية تفسيرها .. المشكلة التي أثارها ماكس بلانك : هل طبيعة الضوء ذرية .. أو موجية .. ؟!
مثل هذا الازدواج أصبح طبيعيًا .. فالضوء مادة وفي نفس الوقت طاقة .. ولابد أن يحمل أثر هذه الطبيعة المزدوجة .. وهي ازدواج وليس تناقضًا ..
لأن الذرة ليست شكلًا ثابتًا وحيدًا للمادة .. وإنما هي في ذات الوقت يمكن أن تتبعثر أمواجًا ..
مقال / الكتلة
من كتاب / اينشتين والنسبيه
للدكتور/ مصطفى محمود (رحمه الله). ❝ ⏤مصطفى محمود
❞ والنتيجة هي مفاجأة أكثر إدهاشًا من كل المفاجآت السابقة .
الكتلة مرادفة للوزن في لغة الكلام العادي . والذين يذكرون بعض المعلومات التي أخذوها في كتب الطبيعة يعلمون أن للكتلة تعريفًا مختلفًا .
فهي : خاصية مقاومة الحركة . هكذا يسميها الفقهاء .
وقد تعلمنا من هؤلاء الفقهاء أن الكتلة كمٌ ثابت . وأنها لا تتأثر بحركة الجسم أو بسكونه . فهي صفة جوهرية فيه .
ولكن أينشتين الذي قلب وجه الفقه الطبيعي أثبت أن الكتلة نسبية مثل الزمان والمكان . وأنها مقدار متغير، وأنها تتغير بحركة الجسم .
كلما ازدادت سرعة الجسم كلما ازدادت كتلته .
ولا تبدو هذه الفروق في السرع الصغيرة المألوفة حولنا ولهذا تفوتنا فلا نلاحظها . ولكنها في السرَع العالية التي تقترب من سرعة الضوء تصبح فروقاً هائلة . حتى إذا بلغت سرعة الجسم مثل سرعة الضوء فإن كتلته تصبح لا نهائية . وبالتالي تصبح مقاومته للحركة لا نهائية وبالتالي يتوقف .
وهذه فرضية مستحيلة طبعًا . لأنه لا يوجد جسم يمكنه أن يتحرك بسرعة الضوء .
واستطاع أينشتين أن يقدم المعادلة الدقيقة التي تبين العلاقة بين كتلة الجسم وسرعته .
لينك المعادلة :
http://im35.gulfup.com/MlRL9.jpg
حيث أن ك1 هي كتلة الجسم وهو متحرك ، ك كتلته وهو ساكن ، ع سرعته ، ص سرعة الضوء .
والذين يذكرون أوليات علم الجبر يعلمون أن ع حينما تكون مقاديرها صغيرة لا تؤثر بكثير في المعادلة . ولكن حينما تقترب ع من سرعة الضوء فإن النتيجة تتضخم بشكل هائل وتصبح قيمة الجذر التربيعي أقرب إلى الصفر . وتصبح الكتلة الجديدة هي ك مقسومة على صفر . أي لا نهاية .
ولم تلبث المعامل أن قدمت لنا التجربة الملموسة التي تثبت صدق هذه المعادلة . وبهذا خرجت بها من حيز الافتراضات الجبرية إلى حيز الحقائق العلمية المعترف بها .
أثبتت التجارب أن القذائف المشعة التي تطلقها مادة الراديوم واليورانيوم ( وهي دقائق مادية متناهية في الصِغَر تنطلق بسرعة قريبة من سرعة الضوء ) تزداد كتلتها بما يتفق مع حسابات أينشتين .
وخطا أينشتين خطوة أخرى في تفكيره النظري قائلًا :
إنه مادام الجسم يكتسب مزيدًا من الكتلة حينما يكتسب مزيدًا من الحركة . وبما أن الحركة شكل من أشكال الطاقة . فإن معنى هذا أن الجسم حينما يكتسب طاقة يكتسب في نفس الوقت كتلة .
أي أن الطاقة يمكن أن تتحول إلى كتلة، والكتلة يمكن أن تتحول إلى طاقة .
وما لبث أن قدم المعادلة التاريخية لهذه العلاقة بين الطاقة والكتلة . وهي المعادلة التي صُنِعت القنبلة الذرية على أساسها :
طـ = ك X ص2 .
أو أن الطاقة المتحصلة من كتلة معينة تساوي حاصل ضرب هذه الكتلة بالجرام في مربع سرعة الضوء بالسنتيمتر/ ثانية .
ويلاحَظ هنا أن الطاقة الناتجة من تفجير جرام واحد كمية هائلة جدًا . وأنها يمكن أن تحرق مدينة . أو تزوِّد مديرية كاملة بالوقود لمدة سنة .
فإذا أردنا أن نحسب كمية الكتلة المتحصلة من تركيز كمية الطاقة، فإن المعادلة تكون أن . الكتلة تساوي الطاقة مقسومة على سرعة الضوء بالسنتيمتر ثانية . أي مقدار ضئيل جدًا .
والمعادلة تفسر لنا السر في أزلية هذا الكون وقِدَمه .
السر أن هذا العدد الهائل من النجوم مضت عليه آماد طويلة من بلايين السنين وهو يشع نورًا وطاقة وحرارة . ولم تبد عليه مخايل الفناء بعد .
والسر هو أن النجوم تحترق بطريقة أخرى غير احتراق السجاير . والكبريت . فالكبريت يشتعل بطريقة كيميائية . والنار التي تخرج منه هي حرارة اتحاد عناصر بعضها ببعض . هي حرارة إتحاد الكبريت بالأوكسجين لينتج ثاني أكسيد الكربون .
الكبريت لا يفنَى وإنما يتحول إلى مركبات أخرى . هي الدخان .
أما احتراق الشمس والنجوم فإنه احتراق فَناء .
ذرات الشمس والنجوم تتحطم وتتدفق شعاعًا في كل أقطار الكون، وهذا النوع من الاحتراق النووي بطيء جدًا . لأن قليلًا جدً جدًا من المادة يملأ الفضاء بالكثير جدًا جدًا من الطاقة .
فالنجوم تخسر قليلًا جدًا من مادتها كل يوم . وهذا سر عمرها الطويل الأزلي، ولو كانت الشمس تحترق بالطريقة التي تحترق بها السجائر وعيدان الكبريت لانطفأت في لحظة ولتحولت الأرض إلى صقيع وانقرض ما عليها من صنوف الحياة .
ولقد كان انفجار قنبلة هيروشيما ، واختراع القنبلة الهيدروجينية بعد ذلك ، ثم قنبلة النيوترون بداية فتح رهيب في عالَم الطاقة .
لقد سلَّم أينشتين مفاتيح جهنم للعلماء . وللساسة المخبولين . وللمجانين من هواة الحروب . بهذه المعادلة البسيطة .
وأصبح ممكنًا بالحساب والأرقام معرفة كمية المادة اللازمة لنسف دولة وإفناء شعب . وهي في العادة قليل من جرامات اليورانيوم والماء الثقيل والكوبالت . أقل مما يملأ قبضة اليد .
وانفتح في نفس الوقت باب لبحوث الفضاء . وأصبح السفر في صواريخ هائلة تنطلق بسرعة خارقة وتخرج من جاذبية الأرض ممكنًا . نتيجة اختراع صنوف جديدة من الوقود الذرّي .
لكن أهم من هذه التطبيقات العملية . كانت هناك نتيجة نظرية خطيرة ترتبت على هذه الخطوة .
أن الحاجز بين المادة والطاقة قد سقط نهائيًا . وأصبحت المادة هي الطاقة ، والطاقة هي المادة .
لا فرق بين الصوت والضوء والحرارة والحركة والمغنطيسية والكهرباء . وبين المادة الخاملة التي لا يخرج منها صوت ولا تندّ عنها حركة .
فالمادة هي كل هذه الظواهر مختزنة مركَّزة .
المادة هي الحركة مضغوطة محبوسة .
هي قمقم سليمان فيه عفريت .
وأينشتين هو الذي أطلق تعزيمة الرموز والطلاسم الجبرية فانفتح القمقم وخرج العفريت .
المادة ليست مادة .
إنها حركة .
ما الفرق بين أن نقول ذلك ، وبين أن نقول إنها روح . ؟!
الروح تعبير صوفي نقصد به الفعالية الخالصة التي بلا جسد .
والمادة اتضح أنها فعالية خالصة ( حركة ) وأن جسمها الملموس وَهم من أوهام الحواس .
الألفاظ تختلط ببعضها . وكل شيء جائز .
ومنذ اللحظة التي حطم فيها أينشتين السدّ الوهميّ بين المادة والطاقة ، انهار كل يقين حسي ملموس . وتحولت الدنيا إلى خواء مشحون بطاقة غير مرئية . مثل الجن والعفاريت .
مرة يسميها العِلم موجات مغناطيسية كهربائية . ومرة يسميها أشعة كونية . ومرة يسميها أشعة إكس . ومرة يسميها جزيئات بيتا . ومرة يسميها أشعة جاما .
وأغلبها أشياء تقتل في الظلام دون أن تدركها الحواس . وهذه الأشياء هي نفسها المادة الساذجة الخاملة التي نتداولها بين أيدينا كل يوم .
وسط هذا التشويش والغموض وَجَدت بعض المعضلات العلمية تفسيرها . المشكلة التي أثارها ماكس بلانك : هل طبيعة الضوء ذرية . أو موجية . ؟!
مثل هذا الازدواج أصبح طبيعيًا . فالضوء مادة وفي نفس الوقت طاقة . ولابد أن يحمل أثر هذه الطبيعة المزدوجة . وهي ازدواج وليس تناقضًا .
لأن الذرة ليست شكلًا ثابتًا وحيدًا للمادة . وإنما هي في ذات الوقت يمكن أن تتبعثر أمواجًا .
مقال / الكتلة
من كتاب / اينشتين والنسبيه
للدكتور/ مصطفى محمود (رحمه الله). ❝
❞ هل نحن نرى الدنيا على حقيقتها ؟
هل هذه السماء زرقاء فعلًا .. وهل الحقول خضراء .. وهل الرمال صفراء ؟
وهل العسل حلو .. والعلقَم مُر ؟
هل الماء سائل .. والجليد صلب ؟
وهل الخشب مادة جامدة كما تقول لنا حواسّنا ؟
وهل حجارة الأرض مادة موات، لا حركة فيها ولا دبيب ؟
وهل الزجاج شفاف كما يبدو لنا .. والجدران صمّاء كما نراها ؟
وهل الخط المستقيم هو أقصر مسافة بين نقطتين كما تقول لنا الهندسة التقليدية التي تعلمناها .. وهل مجموع زوايا المثلث تساوي 2 ق ؟
وهل أحداث الكون كلها ممتدة في زمن واحد .. بحيث يمكن أن تتواقت بعضها مع بعض في آن واحد في أماكن متفرقة .. كما يتواقت خروج الموظفين مثلًا من مختلف الوزارات في ذات الوقت والساعة .. فنقارن أحداثًا تجري في الأرض مع أحداث تجري في المريخ .. والزهرة وسديم الجبار .. ونقول إنها حدثت في وقت واحد .. أو أن أحدها كان قبل الآخر ..
وهل يمكننا أن نقطع في يقين أن جسمًا ما من الأجسام يتحرك وأن جسمًا آخر لا يتحرك ؟
♦♦ كل هذه الأسئلة التي يُخيّل لك أنك تستطيع الإجابة عنها في بساطة، والتي كان العلماء يظنون أنهم قد انتهوا منها من زمن .. قد تحولت الآن إلى ألغاز ..
لقد انهار اليقين العلمي القديم ..
والمطرقة التي حطمت هذا اليقين، وكشفت لنا عن أنه كان يقينا ساذجا، هي عقل أينشتين الجبار ..
ونظريته التي غيرت الصورة الموضوعة للعالم .. نظرية النسبية .
*********
والنظرية النسبية قد عاشت سنوات منذ بداية وضعها في سنة 1905 إلى الآن في برج عاجي لا يقربها إلا المختصون ..
وكان القارئ العادي يسمع عنها في خوف كما يسمع عن الكِهانات الغامضة والطقوس الماسونية .. ولا يجرؤ على الخوض فيها ..
ومن المأثور عن الدكتور "مشرفة" أنه كان يقول دائما إن هذه النظرية " النظرية النسبية " لا يفهمها في العالم كله إلا عشرة ..
ولكن النظرية النسبية ترتبت عليها القنبلة الذرية ..
إنها لم تعد نظرية .. وإنما تحولت إلى تطبيقات خطيرة تمس كيان كل فرد وتؤثر في مصيره .
لقد خرجت من حيز الفروض والمعادلات الرياضية لتتحول إلى واقع رهيب ..
وأصبح من حق كل فرد أن يعرف عنها شيئا .
ولقد تعددت المحاولات من العلماء لتبسيطها وتقريبها إلى الفهم .. من ادنجتون إلى جيمس جينز .. إلى لنكولن بارنت .. إلى راسِل ..
وكان أينشتين نفسه يحاول أن يبسط ما في نظريته من غموض .. وكان يقول إن قَصْر المعلومات على عدد قليل من العلماء بحجة التعمق والتخصص .. يؤدي إلى عزلة العِلم .. ويؤدي إلى موت روح الشعب الفلسفية وفقره الروحي، وكان يكره الكهانة العلمية والتلَفُح بالغموض، والادعاء .. والتعاظم ..
وكان يقول إن الحقيقة بسيطة .
وفي آخر محاولاته التي أتمها في عام 1949 كان يبحث عن قانون واحد يفسر به كل علاقات الكون .
ونظرية النسبية ليست كلها معادلات .. وإنما لها جوانب فلسفية .
وحتى المعادلات الرياضية .. يقول أينشتين أنها انبعثت في ذهنه نتيجة شطحاته التي حاول فيها أن يتصور الكون على صورة جديدة ..
وأمام هذه الشطحات الفلسفية سوف نقف قليلًا .. تاركين المعادلات الرياضية لأربابها من القادرين عليها، محاولين أن نشرح بعض ما أراد ذلك العالِم العظيم أن يقوله، على قدر الإمكان، إمكان فهمنا .
وسوف نبدأ من البداية .. من قبل أينشتين .. من السؤال الذي بدأنا به المقال :
هل نحن نرى الدنيا على حقيقتها ؟
هل هذه السماء زرقاء فعلًا .. وهل الحقول خضراء .. وهل الرمال صفراء ؟
وهل العسل حلو .. والعلقَم مُر ؟
هل الماء سائل .. والجليد صلب ؟
وهل الخشب مادة جامدة كما تقول لنا حواسّنا ؟
وهل حجارة الأرض مادة موات، لا حركة فيها ؟
وهل الزجاج شفاف .. والجدران صمّاء ؟
# # # # #
لا ..
ليست هذه هي الحقيقة ..
هذا ما نراه .. وما نحسه بالفعل .. ولكنه ليس كل الحقيقة ..
فالنور الأبيض الذي نراه أبيض .. إذا مررناه خلال منشور زجاجي .. يتحلل إلى سبعة ألوان .. هي ألوان الطيف المعروفة .. الأصفر والبرتقالي والأحمر والأخضر والأزرق والبنفسجي .. إلخ .
فإذا حاولنا أن ندرس ماهية هذه الألوان، لم نجد أنها ألوان .. وإنما وجدناها موجات لا تختلف في شيء إلا في طولها ..
ذبذبات متفاوتة في ترددها .. وهذه كل الحكاية .. ولكن عيننا لا تستطيع أن ترى هذه الأمواج كأمواج .. ولا تستطيع أن تحس بهذه الذبذبات كذبذبات .. وانما كل ما يحدث أن الخلايا العصبية في قاع العين تتأثر بكل نوع من هذه الذبذبات بطريقة مختلفة ..
ومراكز البصر في المخ تترجم هذا التأثر العصبي على شكل ألوان ..
ولكن هذه المؤثرات الضوئية ليست ألوانًا .. وإنما هي محض موجات واهتزازات .. والمخ بلغته الإصطلاحية .. لكي يميزها عن بعضها .. يطلق عليها هذه التعريفات التي هي عبارة عن تصورات .. وهذه هي حكاية الألوان ..
والحقول التي نراها خضراء ليست خضراء .. وإنما كل ما يحدث أن أوراق النباتات تمتص كل أمواج الضوء بكافة أطوالها ما عدا تلك الموجة ذات الطول المعين التي تدخل عيننا وتؤثر في خلاياها فيكون لها هذا التأثير الذي هو في اصطلاح المخ "أخضر" ..
وبالمثل .. أي لون .. ليس له لون .. وإنما هو مؤثِر يفرقه المخ عن غيره بهذه الطريقة الاصطلاحية .. بأن يلونه .. ويتضح هذا الخلط أكثر حينما ننتقل إلى المثل الثاني .. العســل ..
فالعسل في فمنا حلو .. ونحن نتلذذ به ونلحسه لحسًا ونمصمصه بلساننا .. ولكن دودة المش لها رأي مختلف تمامًا في العسل .. بدليل أنها لا تقربه ولا تذوقه بعكس المش الذي تغوص فيه وتلتهمه التهامًا وتبيض وتفقس وتعشش فيه .
الحلاوة إذًا لا يمكن أن تكون صفة مطلقة موضوعية في العسل .. وإنما هي صفة نسبية نِسبةً إلى أعضاء التذوق في لساننا .. إنها ترجمتنا الإصطلاحية الخاصة للمؤثرات التي تُحدِثها ذرات العسل فينا ..
وقد يكون لهذه المؤثرات بالنسبة للأعضاء الحسيّة في حيوان آخر طعمًا مختلفًا هو بالمرارة أشبه ..
♦ فإذا جئنا للسؤال الثالث لنسأل أنفسنا .. هل الماء سائل .. وهل الجليد صلب .. فإن المشكلة تتضح أكثر ..
فالماء والبخار والجليد .. مادة كيميائية واحدة تركيبها الكيميائي ( اتحاد الأيدروجين بالأوكسجين 1:2 ) .. وما بينها من اختلاف ليس اختلافًا في حقيقتها وإنما هو اختلافًا في كيفيتها ..
فحينما نضع الماء على النار فإننا نعطيه حرارة .. أو بمعنى آخر طاقة .. فتزداد حركة جزيئاته وبالتالي تتفرق وتتفركش نتيجة اندفاعها الشديد في كل اتجاه ويكون نتيجة هذه الفركشة عند لحظة معينة أن تتفكك تمامًا وتتحول إلى جزيئات سابحة بعيدة عن بعضها (غاز) .. فإذا فقدت هذه الحرارة الكامنة التي أخذتها عن طريق النار حتى تصل في لحظة إلى درجة من التقارب نترجمها بحواسنا على أنها (صلابة) .
الحالة الغازية والسائلة والصلبة هي ظواهر كيفية لحقيقة واحدة .. هي درجة تقارب الجزيئات من بعضها البعض لمادة واحدة هي الماء ..
وشفافية الماء وعتامة الثلج سببها أن جزيئات الماء متباعدة لدرجة تسمح لنا بالرؤية من خلالها .
ولا يعني هذا أن جزيئات الثلج متلاصقة .. وإنما هي متباعدة هي الأخرى ولكن بدرجة أقل .
وجزيئات كل المواد حتى الحديد مخلخلة ومنفصلة عن بعضها .. بل إن الجزئ نفسه مؤلف من ذرات منفصلة .. والذرّة مؤلفة من بروتونات وإلكترونات هي الأخرى منفصلة ومخلخلة ومتباعدة تباعد الشمس عن كواكبها .
كل المواد الصُلبة عبارة عن خلاء منثورة فيه ذرّات .. ولو أن حِسّنَا البصري مكتمل لأمكننا أن نرى من خلال الجدران لأن نسيجها مخلخل كنسيج الغربال ..
ولو كنا نرى عن طريق أشعة إكس لا عن طريق النور العادي لرأينا بعضنا عبارة عن هياكل عظمية، لأن أشغة اكس تخترق المسافات الجزيئية في اللحم .. وتراه في شفافية الزجاج ..
♦ مرة أخرى ..
رؤيتنا العاجزة هي التي ترى الجدران صماء .. وهي ليست صمّاء .. بل هي مخلخلة أقصى درجات التخلخل .. ولكن وسائلنا المحدودة والأشعة التي نرى عن طريقها .. لا تنفد فيها، وإنما تنعكس على سطوحها وتبدو لنا وكأنها ســدّ يقف في طريق رؤيتنا .
إنها جميعًا أحكام نسبية تلك التي نطلقها على الأشياء .. ( نسبة إلى حواسنا المحدودة ) وليست أحكامًا حقيقية ..
والعالَم الذي نراه ليس هو العالَم الحقيقي .. وإنما هو عالَم اصطلاحي بَحتْ .. نعيش فيه معتقَلين في الرموز التي يختلقها عقلنا .. ليدلنا على الأشياء التي لا يعرف لها ماهية أو كَنَهًا .
والرسّام التجريدي على حق حينما يحاول أن يعبر عما يراه .. على طريقته .. فهو يدرك بالفطرة أن ما يراه بعينه ليس هو كل الحقيقة، وبالتالي فهو ليس ملزِمًا له .. وفي إمكانه أن يتلَمّس الحقيقة .. لا بعينه .. وإنما بعقله .. وربما بعقله الباطن .. أو وجدانه .. أو روحه ..
وهو لا يكون مجنونـــًا .. وقد نكون نحن المجــانين .
ورجل العلم له وسائل أخرى غير رجل الفن ..
الفنان يبحث عن الحقيقة معتمدًا على وسائله .. عن طريق الإلهام .. والروح .. والوجدان .
ورجل العلم يلجأ إلى الحسابات والمعادلات .. والفروض النظرية .. التي يحاول أن يتثبت منها بتجارب عملية .
وأينشتين في مغامرته العقلية لم يكن يختلف كثيرًا عن الرسّام التجريدي في مغامرته الفنية .
ومعظم ما كتبه أينشتين في معادلاته كان في الحقيقة تجريدًا للواقع على شكل أرقام وحدود رياضية .. ومحاولة جادة من رجل العلم في أن يهزم العلاقات المألوفة للأشياء ويزيحها لتبدو من خلفها لمحات من الحقيقة المدهشة التي تتخفى في ثياب العادة والألفة ..
وماذا هناك في الواقع المحسوس المألوف ؟
إننا لا نرى الأشياء مشوهة عن أصلها فقط .. وإنما لا نراها إطلاقًا .. وأحيانًا يكون ما نراه لا وجود له بالمرة ..
فهناك غير ألوان الطيف السبعة .. أمواج أقصر من أن ندركها .. هي فوق البنفسجية .. وأمواج أخرى أطول من أن ندركها .. هي تحت الحمراء .. وتكون النتيجة ألا نراها مع أنها موجودة ويمكن إثباتها باللوح الفوتوغرافي الحساس .. وبالترمومتر ..
وعلى العكس نرى أحيانًا أشياء لا وجود لها ..
فبعض النجوم التي نراها بالتلسكوب في أعماق السماء تبعد عنا بمقدار 500 مليون سنة ضوئية .. أي أن الضوء المنبعث منها يحتاج إلى خمسمائة مليون سنة ليصل إلى عيوننا .. وبالتالي فالضوء الذي نلمحها به هو ضوء خرج منها منذ هذا العدد الهائل من السنين .. فنحن لا نراها في الحقيقة .. وإنما نرى ماضيها السحيق الموغَل في القِدَم ..
أما ماهيتها الآن .. فالله وحده يعلم .. وربما تكون قد انفجرت واختفت .. أو انطفأت .. أو ارتحلت بعيدًا في أطراف ذلك الخلاء الأبدي وخرجت من مجال الرؤية بكل وسائلها .. فحالها الآن لا يمكن أن يصلنا خبره إلا بعد مضي خمسمائة مليون سنة ..
إننا قد نكون محملقين في شيء يلمع دون أن يكون له وجود بالمرة .
إلى هذه الدرجة يبلغ عدم اليقين ..
وإلى هذه الدرجة يمكن أن تضللنا الحواس ..
ما دليلنا في هذا التِيه .. ؟!
وكيف نهتدي إلى الحقيقة في هذه الظلمات المطبقة ؟!
مقال / أينشتين والنظرية النسبية .
من كتاب : اينشتين والنسبيه.
للدكتور / مصطفى محمود (رحمه الله). ❝ ⏤مصطفى محمود
❞ هل نحن نرى الدنيا على حقيقتها ؟
هل هذه السماء زرقاء فعلًا . وهل الحقول خضراء . وهل الرمال صفراء ؟
وهل العسل حلو . والعلقَم مُر ؟
هل الماء سائل . والجليد صلب ؟
وهل الخشب مادة جامدة كما تقول لنا حواسّنا ؟
وهل حجارة الأرض مادة موات، لا حركة فيها ولا دبيب ؟
وهل الزجاج شفاف كما يبدو لنا . والجدران صمّاء كما نراها ؟
وهل الخط المستقيم هو أقصر مسافة بين نقطتين كما تقول لنا الهندسة التقليدية التي تعلمناها . وهل مجموع زوايا المثلث تساوي 2 ق ؟
وهل أحداث الكون كلها ممتدة في زمن واحد . بحيث يمكن أن تتواقت بعضها مع بعض في آن واحد في أماكن متفرقة . كما يتواقت خروج الموظفين مثلًا من مختلف الوزارات في ذات الوقت والساعة . فنقارن أحداثًا تجري في الأرض مع أحداث تجري في المريخ . والزهرة وسديم الجبار . ونقول إنها حدثت في وقت واحد . أو أن أحدها كان قبل الآخر .
وهل يمكننا أن نقطع في يقين أن جسمًا ما من الأجسام يتحرك وأن جسمًا آخر لا يتحرك ؟
♦♦ كل هذه الأسئلة التي يُخيّل لك أنك تستطيع الإجابة عنها في بساطة، والتي كان العلماء يظنون أنهم قد انتهوا منها من زمن . قد تحولت الآن إلى ألغاز .
لقد انهار اليقين العلمي القديم .
والمطرقة التي حطمت هذا اليقين، وكشفت لنا عن أنه كان يقينا ساذجا، هي عقل أينشتين الجبار .
ونظريته التي غيرت الصورة الموضوعة للعالم . نظرية النسبية .
*********
والنظرية النسبية قد عاشت سنوات منذ بداية وضعها في سنة 1905 إلى الآن في برج عاجي لا يقربها إلا المختصون .
وكان القارئ العادي يسمع عنها في خوف كما يسمع عن الكِهانات الغامضة والطقوس الماسونية . ولا يجرؤ على الخوض فيها .
ومن المأثور عن الدكتور ˝مشرفة˝ أنه كان يقول دائما إن هذه النظرية ˝ النظرية النسبية ˝ لا يفهمها في العالم كله إلا عشرة .
ولكن النظرية النسبية ترتبت عليها القنبلة الذرية .
إنها لم تعد نظرية . وإنما تحولت إلى تطبيقات خطيرة تمس كيان كل فرد وتؤثر في مصيره .
لقد خرجت من حيز الفروض والمعادلات الرياضية لتتحول إلى واقع رهيب .
وأصبح من حق كل فرد أن يعرف عنها شيئا .
ولقد تعددت المحاولات من العلماء لتبسيطها وتقريبها إلى الفهم . من ادنجتون إلى جيمس جينز . إلى لنكولن بارنت . إلى راسِل .
وكان أينشتين نفسه يحاول أن يبسط ما في نظريته من غموض . وكان يقول إن قَصْر المعلومات على عدد قليل من العلماء بحجة التعمق والتخصص . يؤدي إلى عزلة العِلم . ويؤدي إلى موت روح الشعب الفلسفية وفقره الروحي، وكان يكره الكهانة العلمية والتلَفُح بالغموض، والادعاء . والتعاظم .
وكان يقول إن الحقيقة بسيطة .
وفي آخر محاولاته التي أتمها في عام 1949 كان يبحث عن قانون واحد يفسر به كل علاقات الكون .
ونظرية النسبية ليست كلها معادلات . وإنما لها جوانب فلسفية .
وحتى المعادلات الرياضية . يقول أينشتين أنها انبعثت في ذهنه نتيجة شطحاته التي حاول فيها أن يتصور الكون على صورة جديدة .
وأمام هذه الشطحات الفلسفية سوف نقف قليلًا . تاركين المعادلات الرياضية لأربابها من القادرين عليها، محاولين أن نشرح بعض ما أراد ذلك العالِم العظيم أن يقوله، على قدر الإمكان، إمكان فهمنا .
وسوف نبدأ من البداية . من قبل أينشتين . من السؤال الذي بدأنا به المقال :
هل نحن نرى الدنيا على حقيقتها ؟
هل هذه السماء زرقاء فعلًا . وهل الحقول خضراء . وهل الرمال صفراء ؟
وهل العسل حلو . والعلقَم مُر ؟
هل الماء سائل . والجليد صلب ؟
وهل الخشب مادة جامدة كما تقول لنا حواسّنا ؟
وهل حجارة الأرض مادة موات، لا حركة فيها ؟
وهل الزجاج شفاف . والجدران صمّاء ؟
# # # # #
لا .
ليست هذه هي الحقيقة .
هذا ما نراه . وما نحسه بالفعل . ولكنه ليس كل الحقيقة .
فالنور الأبيض الذي نراه أبيض . إذا مررناه خلال منشور زجاجي . يتحلل إلى سبعة ألوان . هي ألوان الطيف المعروفة . الأصفر والبرتقالي والأحمر والأخضر والأزرق والبنفسجي . إلخ .
فإذا حاولنا أن ندرس ماهية هذه الألوان، لم نجد أنها ألوان . وإنما وجدناها موجات لا تختلف في شيء إلا في طولها .
ذبذبات متفاوتة في ترددها . وهذه كل الحكاية . ولكن عيننا لا تستطيع أن ترى هذه الأمواج كأمواج . ولا تستطيع أن تحس بهذه الذبذبات كذبذبات . وانما كل ما يحدث أن الخلايا العصبية في قاع العين تتأثر بكل نوع من هذه الذبذبات بطريقة مختلفة .
ومراكز البصر في المخ تترجم هذا التأثر العصبي على شكل ألوان .
ولكن هذه المؤثرات الضوئية ليست ألوانًا . وإنما هي محض موجات واهتزازات . والمخ بلغته الإصطلاحية . لكي يميزها عن بعضها . يطلق عليها هذه التعريفات التي هي عبارة عن تصورات . وهذه هي حكاية الألوان .
والحقول التي نراها خضراء ليست خضراء . وإنما كل ما يحدث أن أوراق النباتات تمتص كل أمواج الضوء بكافة أطوالها ما عدا تلك الموجة ذات الطول المعين التي تدخل عيننا وتؤثر في خلاياها فيكون لها هذا التأثير الذي هو في اصطلاح المخ ˝أخضر˝ .
وبالمثل . أي لون . ليس له لون . وإنما هو مؤثِر يفرقه المخ عن غيره بهذه الطريقة الاصطلاحية . بأن يلونه . ويتضح هذا الخلط أكثر حينما ننتقل إلى المثل الثاني . العســل .
فالعسل في فمنا حلو . ونحن نتلذذ به ونلحسه لحسًا ونمصمصه بلساننا . ولكن دودة المش لها رأي مختلف تمامًا في العسل . بدليل أنها لا تقربه ولا تذوقه بعكس المش الذي تغوص فيه وتلتهمه التهامًا وتبيض وتفقس وتعشش فيه .
الحلاوة إذًا لا يمكن أن تكون صفة مطلقة موضوعية في العسل . وإنما هي صفة نسبية نِسبةً إلى أعضاء التذوق في لساننا . إنها ترجمتنا الإصطلاحية الخاصة للمؤثرات التي تُحدِثها ذرات العسل فينا .
وقد يكون لهذه المؤثرات بالنسبة للأعضاء الحسيّة في حيوان آخر طعمًا مختلفًا هو بالمرارة أشبه .
♦ فإذا جئنا للسؤال الثالث لنسأل أنفسنا . هل الماء سائل . وهل الجليد صلب . فإن المشكلة تتضح أكثر .
فالماء والبخار والجليد . مادة كيميائية واحدة تركيبها الكيميائي ( اتحاد الأيدروجين بالأوكسجين 1:2 ) . وما بينها من اختلاف ليس اختلافًا في حقيقتها وإنما هو اختلافًا في كيفيتها .
فحينما نضع الماء على النار فإننا نعطيه حرارة . أو بمعنى آخر طاقة . فتزداد حركة جزيئاته وبالتالي تتفرق وتتفركش نتيجة اندفاعها الشديد في كل اتجاه ويكون نتيجة هذه الفركشة عند لحظة معينة أن تتفكك تمامًا وتتحول إلى جزيئات سابحة بعيدة عن بعضها (غاز) . فإذا فقدت هذه الحرارة الكامنة التي أخذتها عن طريق النار حتى تصل في لحظة إلى درجة من التقارب نترجمها بحواسنا على أنها (صلابة) .
الحالة الغازية والسائلة والصلبة هي ظواهر كيفية لحقيقة واحدة . هي درجة تقارب الجزيئات من بعضها البعض لمادة واحدة هي الماء .
وشفافية الماء وعتامة الثلج سببها أن جزيئات الماء متباعدة لدرجة تسمح لنا بالرؤية من خلالها .
ولا يعني هذا أن جزيئات الثلج متلاصقة . وإنما هي متباعدة هي الأخرى ولكن بدرجة أقل .
وجزيئات كل المواد حتى الحديد مخلخلة ومنفصلة عن بعضها . بل إن الجزئ نفسه مؤلف من ذرات منفصلة . والذرّة مؤلفة من بروتونات وإلكترونات هي الأخرى منفصلة ومخلخلة ومتباعدة تباعد الشمس عن كواكبها .
كل المواد الصُلبة عبارة عن خلاء منثورة فيه ذرّات . ولو أن حِسّنَا البصري مكتمل لأمكننا أن نرى من خلال الجدران لأن نسيجها مخلخل كنسيج الغربال .
ولو كنا نرى عن طريق أشعة إكس لا عن طريق النور العادي لرأينا بعضنا عبارة عن هياكل عظمية، لأن أشغة اكس تخترق المسافات الجزيئية في اللحم . وتراه في شفافية الزجاج .
♦ مرة أخرى .
رؤيتنا العاجزة هي التي ترى الجدران صماء . وهي ليست صمّاء . بل هي مخلخلة أقصى درجات التخلخل . ولكن وسائلنا المحدودة والأشعة التي نرى عن طريقها . لا تنفد فيها، وإنما تنعكس على سطوحها وتبدو لنا وكأنها ســدّ يقف في طريق رؤيتنا .
إنها جميعًا أحكام نسبية تلك التي نطلقها على الأشياء . ( نسبة إلى حواسنا المحدودة ) وليست أحكامًا حقيقية .
والعالَم الذي نراه ليس هو العالَم الحقيقي . وإنما هو عالَم اصطلاحي بَحتْ . نعيش فيه معتقَلين في الرموز التي يختلقها عقلنا . ليدلنا على الأشياء التي لا يعرف لها ماهية أو كَنَهًا .
والرسّام التجريدي على حق حينما يحاول أن يعبر عما يراه . على طريقته . فهو يدرك بالفطرة أن ما يراه بعينه ليس هو كل الحقيقة، وبالتالي فهو ليس ملزِمًا له . وفي إمكانه أن يتلَمّس الحقيقة . لا بعينه . وإنما بعقله . وربما بعقله الباطن . أو وجدانه . أو روحه .
وهو لا يكون مجنونـــًا . وقد نكون نحن المجــانين .
ورجل العلم له وسائل أخرى غير رجل الفن .
الفنان يبحث عن الحقيقة معتمدًا على وسائله . عن طريق الإلهام . والروح . والوجدان .
ورجل العلم يلجأ إلى الحسابات والمعادلات . والفروض النظرية . التي يحاول أن يتثبت منها بتجارب عملية .
وأينشتين في مغامرته العقلية لم يكن يختلف كثيرًا عن الرسّام التجريدي في مغامرته الفنية .
ومعظم ما كتبه أينشتين في معادلاته كان في الحقيقة تجريدًا للواقع على شكل أرقام وحدود رياضية . ومحاولة جادة من رجل العلم في أن يهزم العلاقات المألوفة للأشياء ويزيحها لتبدو من خلفها لمحات من الحقيقة المدهشة التي تتخفى في ثياب العادة والألفة .
وماذا هناك في الواقع المحسوس المألوف ؟
إننا لا نرى الأشياء مشوهة عن أصلها فقط . وإنما لا نراها إطلاقًا . وأحيانًا يكون ما نراه لا وجود له بالمرة .
فهناك غير ألوان الطيف السبعة . أمواج أقصر من أن ندركها . هي فوق البنفسجية . وأمواج أخرى أطول من أن ندركها . هي تحت الحمراء . وتكون النتيجة ألا نراها مع أنها موجودة ويمكن إثباتها باللوح الفوتوغرافي الحساس . وبالترمومتر .
وعلى العكس نرى أحيانًا أشياء لا وجود لها .
فبعض النجوم التي نراها بالتلسكوب في أعماق السماء تبعد عنا بمقدار 500 مليون سنة ضوئية . أي أن الضوء المنبعث منها يحتاج إلى خمسمائة مليون سنة ليصل إلى عيوننا . وبالتالي فالضوء الذي نلمحها به هو ضوء خرج منها منذ هذا العدد الهائل من السنين . فنحن لا نراها في الحقيقة . وإنما نرى ماضيها السحيق الموغَل في القِدَم .
أما ماهيتها الآن . فالله وحده يعلم . وربما تكون قد انفجرت واختفت . أو انطفأت . أو ارتحلت بعيدًا في أطراف ذلك الخلاء الأبدي وخرجت من مجال الرؤية بكل وسائلها . فحالها الآن لا يمكن أن يصلنا خبره إلا بعد مضي خمسمائة مليون سنة .
إننا قد نكون محملقين في شيء يلمع دون أن يكون له وجود بالمرة .
إلى هذه الدرجة يبلغ عدم اليقين .
وإلى هذه الدرجة يمكن أن تضللنا الحواس .
ما دليلنا في هذا التِيه . ؟!
وكيف نهتدي إلى الحقيقة في هذه الظلمات المطبقة ؟!
مقال / أينشتين والنظرية النسبية .
من كتاب : اينشتين والنسبيه.