❞ غزوة ذات السلاسل ..
وهي وراء وادي القُرى بضم السين الأولى وفتحها لغتان ، وبينها وبين المدينة عشرة أيام ، وكانت في جمادى الآخرة سنة ثمان ، قال ابن سعد : بلغ رسول الله ﷺ أن جمعاً من قضاعة قد تجمَّعُوا يُرِيدُونَ أن يدنُوا إلى أطراف المدينة ، فدعا رسول الله ﷺ عمرو بن العاص ، فعقد له لواء أبيض ، وجعل معه راية سوداء ، وبعثه في ثلاثمئة من سَراة المهاجرين والأنصار ، ومعهم ثلاثون فرساً ، وأمره أن يستعين بمن مر به من بلي ، وعُذْرَة ، ويَلْقَينِ ، فسار الليل ، وكَمَن النهار ، فلما قَرُبَ مِن القوم ، بلغه أن لهم جمعاً كثيراً ، فبعث رافع بن مَكِيثِ الجُهَني إلى رسول الله ﷺ يستمده ، فبعث إليه أبا عبيدة بن الجراح في مئتين ، وعقد له لواء ، وبعث له سَراة المهاجرين والأنصار ، وفيهم أبو بكر وعمر وأمره أن يلحق بعمرو ، وأن يكونا جميعاً ولا يختلفا ، فلما لحق به ، أراد أبو عبيدة أن يَؤُم الناس ، فقال عمرو : إنما قَدِمْتَ عليَّ مدداً وأنا الأمير ، فأطاعه أبو عبيدة ، فكان عمرو يُصلِّي بالناس وسار حتى وطىء بلاد قضاعة ، فدوخها حتى أتى إلى أقصى بلادهم ، ولقي في آخر ذلك جمعاً ، فحمل عليهم المسلمون فهربوا في البلاد ، وتفرَّقُوا ، وبعثَ عوف بن مالك الأشجعي بريداً إلى رسول الله ﷺ فأخبره بقُفولهم وسلامتهم وما كان في غزاتهم ، وذكر ابن إسحاق نزولهم على ماء لِجُذام يقال له : السلسل ، قال : وبذلك سميت ذات السلاسل .
وفي هذه الغزوة احتلم أمير الجيش عمرو بن العاص ، وكانت ليلة باردة ، فخاف على نفسه من الماء ، فتيمم وصلى بأصحابه الصبح ، فذكروا ذلك للنبي ﷺ ، فقال ﷺ يا عمرو ، صَلَّيْتَ بِأَصْحَابِكَ وَأَنْتَ جنب ؟ ) ، فأخبره بالذي منعه من الاغتسال ، وقال : سمعتُ الله يقول { وَلَا نَقْتُلُوا أَنفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ رَحِيمًا } ، فَضَحِكَ رسول الله ﷺ ولم يَقُل شيئاً. ❝ ⏤محمد ابن قيم الجوزية
❞ غزوة ذات السلاسل ..
وهي وراء وادي القُرى بضم السين الأولى وفتحها لغتان ، وبينها وبين المدينة عشرة أيام ، وكانت في جمادى الآخرة سنة ثمان ، قال ابن سعد : بلغ رسول الله ﷺ أن جمعاً من قضاعة قد تجمَّعُوا يُرِيدُونَ أن يدنُوا إلى أطراف المدينة ، فدعا رسول الله ﷺ عمرو بن العاص ، فعقد له لواء أبيض ، وجعل معه راية سوداء ، وبعثه في ثلاثمئة من سَراة المهاجرين والأنصار ، ومعهم ثلاثون فرساً ، وأمره أن يستعين بمن مر به من بلي ، وعُذْرَة ، ويَلْقَينِ ، فسار الليل ، وكَمَن النهار ، فلما قَرُبَ مِن القوم ، بلغه أن لهم جمعاً كثيراً ، فبعث رافع بن مَكِيثِ الجُهَني إلى رسول الله ﷺ يستمده ، فبعث إليه أبا عبيدة بن الجراح في مئتين ، وعقد له لواء ، وبعث له سَراة المهاجرين والأنصار ، وفيهم أبو بكر وعمر وأمره أن يلحق بعمرو ، وأن يكونا جميعاً ولا يختلفا ، فلما لحق به ، أراد أبو عبيدة أن يَؤُم الناس ، فقال عمرو : إنما قَدِمْتَ عليَّ مدداً وأنا الأمير ، فأطاعه أبو عبيدة ، فكان عمرو يُصلِّي بالناس وسار حتى وطىء بلاد قضاعة ، فدوخها حتى أتى إلى أقصى بلادهم ، ولقي في آخر ذلك جمعاً ، فحمل عليهم المسلمون فهربوا في البلاد ، وتفرَّقُوا ، وبعثَ عوف بن مالك الأشجعي بريداً إلى رسول الله ﷺ فأخبره بقُفولهم وسلامتهم وما كان في غزاتهم ، وذكر ابن إسحاق نزولهم على ماء لِجُذام يقال له : السلسل ، قال : وبذلك سميت ذات السلاسل .
وفي هذه الغزوة احتلم أمير الجيش عمرو بن العاص ، وكانت ليلة باردة ، فخاف على نفسه من الماء ، فتيمم وصلى بأصحابه الصبح ، فذكروا ذلك للنبي ﷺ ، فقال ﷺ يا عمرو ، صَلَّيْتَ بِأَصْحَابِكَ وَأَنْتَ جنب ؟ ) ، فأخبره بالذي منعه من الاغتسال ، وقال : سمعتُ الله يقول { وَلَا نَقْتُلُوا أَنفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ رَحِيمًا } ، فَضَحِكَ رسول الله ﷺ ولم يَقُل شيئاً . ❝
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على رسول الله، أما بعد، أيها المصلون والمصليات، خصال كثيرة، رتب عليها أجور عظيمة، فرط فيها الكثير مع سلامة الجوارح، وقبل ذكر تلك الخصال، أذكر أمرين اثنين، الأمر الأول: يقول بعض أهل العلم: إن جميع المكلفين ينقسمون إلى أقسام ثلاثة، القسم الأول محافظ على الواجبات، مكتف بها عن غيرها.
والقسم الثاني مفرط في الواجبات، والقسم الثالث خير الأقسام، من أدى الواجبات وتكثَّر من النوافل والمستحبات.
واستنبط هذا بعضهم من قوله تعالى في سورة فاطر: ﴿ ثم أورثنا الكتاب الذين اصطفينا من عبادنا فمنهم ظالم لنفسه﴾ قالوا: من فرط في الواجبات، ﴿ ومنهم مقتصد﴾، من اكتفى بالواجبات، ﴿ ومنهم سابق بالخيرات﴾، من أدى الواجبات وتكثر من النوافل والمستحبات.
الأمر الثاني أن أفضل الناس بعد الرسل، هم الصحابة رضي الله تعالى عنهم، والصحابة أحرص الناس على الخير، أبر الناس قلوبًا وأصدقهم ألسنة، كان بعضهم إذا بلغه خبرٌ من الخير لم يعمل به ندم، من شواهد ذلك قول ابن عمر لما بلغه الحديث: « من صلى على جنازة فله قيرطان»، أي شيعها، فله قيراط، قال ابن عمر: لقد فرطنا في قراريط كثيرة، يقول ابن حجر: وهذا من بالغ حرص ابن عمر في طمعه في تحصيل الأجر والثواب، أو كما قال رحمه الله.
سأذكر لي ولكم بعض الخصال، تلك الخصال لا تكلفنا جهدًا بدنيًا ولا ماليًا ومع هذا فالأجر المترتب عليها عظيم.
من هذه الخصال ما يتعلق بيوم الجمعة، يوم الجمعة كما قال عليه الصلاة والسلام: « أفضل الأيام يوم الجمعة، فيها خلق آدم، وفيها أدخل الجنة، وفيه أخرج منها، ولا تقوم الساعة إلا في يوم الجمعة».
هذا الحديث الذي سأذكره لكم الآن، يقول العراقي – شيخ الحافظ ابن حجر عليهما رحمة الله – فيما أذكر: إن هذا الحديث هو أكثر حديثٍ في الإسلام أجرًا، وأقله عملاً، لاحظ الخصال المذكورة في الحديث لا تكلفنا تعبًا، الحديث رواه الإمام أحمد في مسنده عن أوس بن أوس رضي الله تعالى عنه، قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: « من غسل يوم الجمعة واغتسل – الاغتسال – وبكر وابتكر، ومشى ولم يركب»، يقول ابن العربي المالكي: إذا كان الجامع بعيدًا، أو شمسًا، وهناك شمس، فلو ركب الإنسان وكان قصده المشي، لكن المشقة، له الأجر.
إذن من غسّل يوم الجمعة واغتسل، وبكر وابتكر، ومشى ولم يركب، ثم دنى من الإمام وأنصت ولم يلغ، كان له بكل خطوة أجر سنة بصيامها وقيامها.
فالأجر جزيل والرب كريم، لكن العبد هو المطفف.
أيضًا عمل آخر أجره عظيم وهو يسير، قضاء الحاجة للمسلمين، السعي في تخليصهم، أو في تحقيق مطالبهم كل على قدر جهده، وبخاصة ضعفاء المسلمين، ليس لهم رهط، ليس لهم واسطة، ليس لهم حسب ولا جاه في المجتمع، إن خطب لا يزوج، وإن تكلم لا يُسمع له، وإن شفع لا يُشفع، هذا بالدرجة الأولى الأجر فيه عظيم، قال عليه الصلاة والسلام: « ابغوني الضعفاء فيكم، فإنما تنصرون بضعفائكم بدعائهم وإخلاصهم»، يقول بعض أهل العلم: وإنما كان دعاء الضعيف حريًا بالإجابة؛ لأنه يدعو من نياط قلبه، يشعر بالغبن والقهر، وفي المقابل إذا قضيت حاجته، يدعو بإخلاص وإلحاح فيقبل الله دعائه.
قضاء حاجة المسلمين، اسمع إلى هذا الحديث، قال صلى الله عليه وسلم : « لئن أمشي في حاجة أخي حتى أقضيها، أحب إلي من أعتكف في مسجدي هذا شهرًا». الحرم النبي صيام شهر وقيامه، إذا صدق العبد في إخلاصه وفي ابتغائه لمرضاة الله في قضاء حاجة أخيه، فأبشروا بأمر من الله بما يسرك.
ثم من تمام البشرى أن الإنسان منا إذا سعى في شفاعة سواء قبلت أو ردت، الأجر لك حاصل، يقول الله تعالى: ﴿ من يشفع شفاعة حسنة يكن له نصيب منها﴾، قد تقبل وقد لا تقبل، والرسول صلى الله عليه وسلم يقول: « اشفعوا تؤجروا»، يقول القرطبي: فتحصيل الأجر مرتب على وجود الشفاعة لا على قبولها.
أيضًا عمل يسير وأجر يسير، حديث عبادة بن الصامت رضي الله تعالى عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « من استغفر للمسلمين والمسلمات، كتب الله له حسنة عن كل مسلم ومسلمة»، يشمل الأحياء والأموات، بل ومن يأتي بعده، فلا تحرم نفسك من الخير وأنت قادر على تحصيله.
أيضًا عمل يسير وأجر جزيل: إنظار المعسر، إذا أقرضت إنسانًا قرضًا، ثم قبل حلول الأجل قلت له: وضعت عنك شيئًا من المال، أو زدت في الأجل فسحة، أنت مأجور، إذا حل الأجل المتفق عليه ثم أخرته فالأجر مضاعف لك مرتين، عن أبي اليسر رضي الله عنه، قال: قال صلى الله عليه وسلم: « من أنظر معسرًا أو وضع عنه كان له بكل يوم صدقة - صدقة ما قدرها؟ الله أعلم - فإذا حل الأجل، ثم أنظره، كان له بكل يوم مثله»، يعني مضاعف الأجر عن المرة السابقة.
أيضًا من الأعمال اليسرة التي رتب عليها أجور جزيلة: قراءة الآيتين من آخر البقرة ﴿ آمن الرسول﴾، والآية الأخرى: ﴿ لا يكلف الله﴾، جاء في الحديث عن أبي مسعود البدري رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم : « من قرأ الآيتين الآخيرتين من سورة البقرة في ليلة كفتاه» يقول أهل العلم: كفتاه عما فاته من قيام الليل، والصحيح كفتاه عن كل شيء، ترد عليه ما يأتيه من السوء، وتعوضه عما فقد من الخير، وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء.
أيضًا من الأعمال اليسرة التي رتب عليها الأجور الكثيرة: زيارة المريض بنية التقرب، لا تظن أن زيارة المريض أمرها يسير، والدليل عظيم الأجر المترتب عليها، عن ثوبان رضي الله تعالى عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم : « من عاد مريضًا أو زار أخًا له في الله، ناداه مناد: أن طبت وطاب ممشاك وتبوأت من الجنة منزلاً».
وحديث أنس الآخر: « شيعه سبعون ألف ملك إن زاره في السماء حتى يصبح – والعكس إن زاره في الصباح حتى يمسي».
وأيضًا من تلك الأعمال اليسرة التي رتب عليها الأجور الجزيلة: المصافحة، السلام سلامان، سلام قولي: إلقاء السلام، وسلام فعلي: المصافحة، قال صلى الله عليه وسلم : « إذا التقى المسلمان فتصافحا تناثرت خطاياهما كما يتناثر ورق الشجر»، وفي لفظ: « إلا تحاتت خطاياهما إلا كما تحات الشجرة ورقها»، أو كما قال صلى الله عليه وسلم.
بعد هذا أختم في كلمتي هذه وأقول: إن موسمنا هذا، شهر رمضان، هذه الليلة طوينا نصفها، وبقي النصف الآخر، فالله نسأل الله أن يتقبل منا ما مضى، وأن يعيننا، وأن يتقبل منا ما تبقى.
وهذا الشهر كما قال عليه الصلاة والسلام – فيما رواه الطبراني –: « إن لربكم في دهركم لنفحات، فتعرضوا لنفحاته، وسلوا الله أن يستر عوراتكم، وأن يأمِّن روعاتكم».
القلوب مقبلة، والجوارح مهذبة، والنفوس وجلة، ومع ذلك لا يستغل بعض الناس هذا الشهر في التخلص مما تلوثت فيه جوارحه، أو قلبه من الحرمات، فما كان مقصرًا في حق أم أو أب، أو متلوث في مال، أو في مظلمة أي كان نوعها، فإن هذا الشهر من أعظم الفرص الزمانية للتخلص منها، والتحلل من صاحبها، فمن كان مقصرًا فليبادر، وليعلم أن الله لطيف بعباده، وأن الله يقبل توبة من تاب، شكر الله لكم ومعذرة للإطالة، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
المصدر
https://halakat.taimiah.org/index.aspx?function=item&id=1617. ❝ ⏤لا حول ولا قوة الا بالله
❞ بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على رسول الله، أما بعد، أيها المصلون والمصليات، خصال كثيرة، رتب عليها أجور عظيمة، فرط فيها الكثير مع سلامة الجوارح، وقبل ذكر تلك الخصال، أذكر أمرين اثنين، الأمر الأول: يقول بعض أهل العلم: إن جميع المكلفين ينقسمون إلى أقسام ثلاثة، القسم الأول محافظ على الواجبات، مكتف بها عن غيرها.
والقسم الثاني مفرط في الواجبات، والقسم الثالث خير الأقسام، من أدى الواجبات وتكثَّر من النوافل والمستحبات.
واستنبط هذا بعضهم من قوله تعالى في سورة فاطر: ﴿ ثم أورثنا الكتاب الذين اصطفينا من عبادنا فمنهم ظالم لنفسه﴾ قالوا: من فرط في الواجبات، ﴿ ومنهم مقتصد﴾، من اكتفى بالواجبات، ﴿ ومنهم سابق بالخيرات﴾، من أدى الواجبات وتكثر من النوافل والمستحبات.
الأمر الثاني أن أفضل الناس بعد الرسل، هم الصحابة رضي الله تعالى عنهم، والصحابة أحرص الناس على الخير، أبر الناس قلوبًا وأصدقهم ألسنة، كان بعضهم إذا بلغه خبرٌ من الخير لم يعمل به ندم، من شواهد ذلك قول ابن عمر لما بلغه الحديث: « من صلى على جنازة فله قيرطان»، أي شيعها، فله قيراط، قال ابن عمر: لقد فرطنا في قراريط كثيرة، يقول ابن حجر: وهذا من بالغ حرص ابن عمر في طمعه في تحصيل الأجر والثواب، أو كما قال رحمه الله.
سأذكر لي ولكم بعض الخصال، تلك الخصال لا تكلفنا جهدًا بدنيًا ولا ماليًا ومع هذا فالأجر المترتب عليها عظيم.
من هذه الخصال ما يتعلق بيوم الجمعة، يوم الجمعة كما قال عليه الصلاة والسلام: « أفضل الأيام يوم الجمعة، فيها خلق آدم، وفيها أدخل الجنة، وفيه أخرج منها، ولا تقوم الساعة إلا في يوم الجمعة».
هذا الحديث الذي سأذكره لكم الآن، يقول العراقي – شيخ الحافظ ابن حجر عليهما رحمة الله – فيما أذكر: إن هذا الحديث هو أكثر حديثٍ في الإسلام أجرًا، وأقله عملاً، لاحظ الخصال المذكورة في الحديث لا تكلفنا تعبًا، الحديث رواه الإمام أحمد في مسنده عن أوس بن أوس رضي الله تعالى عنه، قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: « من غسل يوم الجمعة واغتسل – الاغتسال – وبكر وابتكر، ومشى ولم يركب»، يقول ابن العربي المالكي: إذا كان الجامع بعيدًا، أو شمسًا، وهناك شمس، فلو ركب الإنسان وكان قصده المشي، لكن المشقة، له الأجر.
إذن من غسّل يوم الجمعة واغتسل، وبكر وابتكر، ومشى ولم يركب، ثم دنى من الإمام وأنصت ولم يلغ، كان له بكل خطوة أجر سنة بصيامها وقيامها.
فالأجر جزيل والرب كريم، لكن العبد هو المطفف.
أيضًا عمل آخر أجره عظيم وهو يسير، قضاء الحاجة للمسلمين، السعي في تخليصهم، أو في تحقيق مطالبهم كل على قدر جهده، وبخاصة ضعفاء المسلمين، ليس لهم رهط، ليس لهم واسطة، ليس لهم حسب ولا جاه في المجتمع، إن خطب لا يزوج، وإن تكلم لا يُسمع له، وإن شفع لا يُشفع، هذا بالدرجة الأولى الأجر فيه عظيم، قال عليه الصلاة والسلام: « ابغوني الضعفاء فيكم، فإنما تنصرون بضعفائكم بدعائهم وإخلاصهم»، يقول بعض أهل العلم: وإنما كان دعاء الضعيف حريًا بالإجابة؛ لأنه يدعو من نياط قلبه، يشعر بالغبن والقهر، وفي المقابل إذا قضيت حاجته، يدعو بإخلاص وإلحاح فيقبل الله دعائه.
قضاء حاجة المسلمين، اسمع إلى هذا الحديث، قال صلى الله عليه وسلم : « لئن أمشي في حاجة أخي حتى أقضيها، أحب إلي من أعتكف في مسجدي هذا شهرًا». الحرم النبي صيام شهر وقيامه، إذا صدق العبد في إخلاصه وفي ابتغائه لمرضاة الله في قضاء حاجة أخيه، فأبشروا بأمر من الله بما يسرك.
ثم من تمام البشرى أن الإنسان منا إذا سعى في شفاعة سواء قبلت أو ردت، الأجر لك حاصل، يقول الله تعالى: ﴿ من يشفع شفاعة حسنة يكن له نصيب منها﴾، قد تقبل وقد لا تقبل، والرسول صلى الله عليه وسلم يقول: « اشفعوا تؤجروا»، يقول القرطبي: فتحصيل الأجر مرتب على وجود الشفاعة لا على قبولها.
أيضًا عمل يسير وأجر يسير، حديث عبادة بن الصامت رضي الله تعالى عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « من استغفر للمسلمين والمسلمات، كتب الله له حسنة عن كل مسلم ومسلمة»، يشمل الأحياء والأموات، بل ومن يأتي بعده، فلا تحرم نفسك من الخير وأنت قادر على تحصيله.
أيضًا عمل يسير وأجر جزيل: إنظار المعسر، إذا أقرضت إنسانًا قرضًا، ثم قبل حلول الأجل قلت له: وضعت عنك شيئًا من المال، أو زدت في الأجل فسحة، أنت مأجور، إذا حل الأجل المتفق عليه ثم أخرته فالأجر مضاعف لك مرتين، عن أبي اليسر رضي الله عنه، قال: قال صلى الله عليه وسلم: « من أنظر معسرًا أو وضع عنه كان له بكل يوم صدقة صدقة ما قدرها؟ الله أعلم فإذا حل الأجل، ثم أنظره، كان له بكل يوم مثله»، يعني مضاعف الأجر عن المرة السابقة.
أيضًا من الأعمال اليسرة التي رتب عليها أجور جزيلة: قراءة الآيتين من آخر البقرة ﴿ آمن الرسول﴾، والآية الأخرى: ﴿ لا يكلف الله﴾، جاء في الحديث عن أبي مسعود البدري رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم : « من قرأ الآيتين الآخيرتين من سورة البقرة في ليلة كفتاه» يقول أهل العلم: كفتاه عما فاته من قيام الليل، والصحيح كفتاه عن كل شيء، ترد عليه ما يأتيه من السوء، وتعوضه عما فقد من الخير، وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء.
أيضًا من الأعمال اليسرة التي رتب عليها الأجور الكثيرة: زيارة المريض بنية التقرب، لا تظن أن زيارة المريض أمرها يسير، والدليل عظيم الأجر المترتب عليها، عن ثوبان رضي الله تعالى عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم : « من عاد مريضًا أو زار أخًا له في الله، ناداه مناد: أن طبت وطاب ممشاك وتبوأت من الجنة منزلاً».
وحديث أنس الآخر: « شيعه سبعون ألف ملك إن زاره في السماء حتى يصبح – والعكس إن زاره في الصباح حتى يمسي».
وأيضًا من تلك الأعمال اليسرة التي رتب عليها الأجور الجزيلة: المصافحة، السلام سلامان، سلام قولي: إلقاء السلام، وسلام فعلي: المصافحة، قال صلى الله عليه وسلم : « إذا التقى المسلمان فتصافحا تناثرت خطاياهما كما يتناثر ورق الشجر»، وفي لفظ: « إلا تحاتت خطاياهما إلا كما تحات الشجرة ورقها»، أو كما قال صلى الله عليه وسلم.
بعد هذا أختم في كلمتي هذه وأقول: إن موسمنا هذا، شهر رمضان، هذه الليلة طوينا نصفها، وبقي النصف الآخر، فالله نسأل الله أن يتقبل منا ما مضى، وأن يعيننا، وأن يتقبل منا ما تبقى.
وهذا الشهر كما قال عليه الصلاة والسلام – فيما رواه الطبراني –: « إن لربكم في دهركم لنفحات، فتعرضوا لنفحاته، وسلوا الله أن يستر عوراتكم، وأن يأمِّن روعاتكم».
القلوب مقبلة، والجوارح مهذبة، والنفوس وجلة، ومع ذلك لا يستغل بعض الناس هذا الشهر في التخلص مما تلوثت فيه جوارحه، أو قلبه من الحرمات، فما كان مقصرًا في حق أم أو أب، أو متلوث في مال، أو في مظلمة أي كان نوعها، فإن هذا الشهر من أعظم الفرص الزمانية للتخلص منها، والتحلل من صاحبها، فمن كان مقصرًا فليبادر، وليعلم أن الله لطيف بعباده، وأن الله يقبل توبة من تاب، شكر الله لكم ومعذرة للإطالة، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
المصدر
https://halakat.taimiah.org/index.aspx?function=item&id=1617 . ❝
❞ على المرء أن يشرب من الأقداح مهما كانت ملوثة لعينة الرائحة إن أراد أن يتحاشا الظمأ.. وعليه أن يتعلم الاغتسال بالمياه الآسنة كي يبقى طاهرا. ❝ ⏤أحمد خالد توفيق
❞ على المرء أن يشرب من الأقداح مهما كانت ملوثة لعينة الرائحة إن أراد أن يتحاشا الظمأ.. وعليه أن يتعلم الاغتسال بالمياه الآسنة كي يبقى طاهرا . ❝
❞ وَقَالَ يَا بَنِيَّ لَا تَدْخُلُوا مِن بَابٍ وَاحِدٍ وَادْخُلُوا مِنْ أَبْوَابٍ مُّتَفَرِّقَةٍ ۖ وَمَا أُغْنِي عَنكُم مِّنَ اللَّهِ مِن شَيْءٍ ۖ إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ ۖ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ ۖ وَعَلَيْهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُتَوَكِّلُونَ (67)
قوله تعالى : وقال يابني لا تدخلوا من باب واحد وادخلوا من أبواب متفرقة وما أغني عنكم من الله من شيء إن الحكم إلا لله عليه توكلت وعليه فليتوكل المتوكلون
فيه سبع مسائل :
الأولى : لما عزموا على الخروج خشي عليهم العين ; فأمرهم ألا يدخلوا مصر من باب واحد ، وكانت مصر لها أربعة أبواب ; وإنما خاف عليهم العين لكونهم أحد عشر رجلا لرجل واحد ; وكانوا أهل جمال وكمال وبسطة ; قاله ابن عباس والضحاك وقتادة وغيرهم .
الثانية : إذا كان هذا معنى الآية فيكون فيها دليل على التحرز من العين ، والعين حق ; وقد قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : إن العين لتدخل الرجل القبر ، والجمل القدر . وفي تعوذه - عليه السلام - : أعوذ بكلمات الله التامة من كل شيطان وهامة ومن كل عين لامة ما يدل على ذلك . وروى مالك عن محمد بن أبي أمامة بن سهل بن حنيف أنه سمع أباه يقول : اغتسل أبي سهل بن حنيف بالخزار فنزع جبة كانت عليه ، وعامر بن ربيعة ينظر ، قال : وكان سهل رجلا أبيض حسن الجلد قال فقال له عامر بن ربيعة : ما رأيت كاليوم ولا جلد عذراء ! فوعك سهل مكانه واشتد وعكه ، فأتي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأخبر أن سهلا وعك ، وأنه غير رائح معك يا رسول الله ; فأتاه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأخبره سهل بالذي كان من شأن عامر ; فقال رسول الله صلى الله عليه سلم : علام يقتل أحدكم أخاه ألا بركت إن العين حق ، توضأ له ، فتوضأ عامر ، فراح سهل مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ليس به بأس ; في رواية ( اغتسل ) فغسل له عامر وجهه ويديه ومرفقيه وركبتيه وأطراف رجليه وداخل إزاره في قدح ثم صب عليه ; فراح سهل مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ليس به بأس . وركب سعد بن أبي وقاص يوما فنظرت إليه امرأة فقالت : إن أميركم هذا ليعلم أنه أهضم الكشحين ; فرجع إلى منزله فسقط ، فبلغه ما قالت المرأة ، فأرسل إليها فغسلت له ; ففي هذين الحديثين أن العين حق ، وأنها تقتل كما قال النبي - صلى الله عليه وسلم - ; وهذا قول علماء الأمة ، ومذهب أهل السنة ; وقد أنكرته طوائف من المبتدعة ، وهم محجوجون بالسنة وإجماع علماء هذه الأمة ، وبما يشاهد من ذلك في الوجود ; فكم من رجل أدخلته العين القبر ، وكم من جمل ظهير أدخلته القدر ، لكن ذلك بمشيئة الله تعالى كما قال : وما هم بضارين به من أحد إلا بإذن الله . قال الأصمعي : رأيت رجلا عيونا سمع بقرة تحلب فأعجبه شخبها فقال : أيتهن هذه ؟ فقالوا : الفلانية لبقرة أخرى يورون عنها ، فهلكتا جميعا ، المورى بها والمورى عنها . قال الأصمعي . وسمعته يقول : إذا رأيت الشيء يعجبني وجدت حرارة تخرج من عيني .
الثالثة : واجب على كل مسلم أعجبه شيء أن يبرك ; فإنه إذا دعا بالبركة صرف المحذور لا محالة ; ألا ترى قوله - عليه السلام - لعامر : ألا بركت فدل على أن العين لا تضر ولا تعدو إذا برك العائن ، وأنها إنما تعدو إذا لم يبرك . والتبريك أن يقول : تبارك الله أحسن الخالقين ! اللهم بارك فيه .
الرابعة : العائن إذا أصاب بعينه ولم يبرك فإنه يؤمر بالاغتسال ، ويجبر على ذلك إن أباه ; لأن الأمر على الوجوب ، لا سيما هذا ; فإنه قد يخاف على المعين الهلاك ، ولا ينبغي لأحد أن يمنع أخاه ما ينتفع به أخوه ولا يضره هو ، ولا سيما إذا كان بسببه وكان الجاني عليه .
الخامسة : من عرف بالإصابة بالعين منع من مداخلة الناس دفعا لضرره ; وقد قال بعض العلماء : يأمره الإمام بلزوم بيته ; وإن كان فقيرا رزقه ما يقوم به ، ويكف أذاه عن الناس . وقد قيل : إنه ينفى ; وحديث مالك الذي ذكرناه يرد هذه الأقوال ; فإنه - عليه السلام - لم يأمر في عامر بحبس ولا بنفي ، بل قد يكون الرجل الصالح عائنا ، وأنه لا يقدح فيه ولا يفسق به ; ومن قال : يحبس ويؤمر بلزوم بيته . فذلك احتياط ودفع ضرر ، والله أعلم .
السادسة : روى مالك عن حميد بن قيس المكي أنه قال : دخل على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بابني جعفر بن أبي طالب فقال لحاضنتهما : ما لي أراهما ضارعين فقالت حاضنتهما : يا رسول الله ! إنه تسرع إليهما العين ، ولم يمنعنا أن نسترقي لهما إلا أنا لا ندري ما يوافقك من ذلك ؟ فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : استرقوا لهما فإنه لو سبق شيء القدر سبقته العين . وهذا الحديث منقطع ، ولكنه محفوظ لأسماء بنت عميس الخثعمية عن النبي - صلى الله عليه وسلم - من وجوه ثابتة متصلة صحاح ; وفيه أن الرقى مما يستدفع به البلاء ، وأن العين تؤثر في الإنسان وتضرعه ، أي تضعفه وتنحله ; وذلك بقضاء الله تعالى وقدره . ويقال : إن العين أسرع إلى الصغار منها إلى الكبار ، والله أعلم .
السابعة : أمر - صلى الله عليه وسلم - في حديث أبي أمامة العائن بالاغتسال للمعين ، وأمر هنا بالاسترقاء ; قال علماؤنا : إنما يسترقى من العين إذا لم يعرف العائن ; وأما إذا عرف الذي أصابه بعينه فإنه يؤمر بالوضوء على حديث أبي أمامة ، والله أعلم .
قوله تعالى : وما أغني عنكم من الله من شيء أي من شيء أحذره عليكم ; أي لا ينفع الحذر مع القدر .
˝ إن الحكم ˝ أي الأمر والقضاء .
إلا لله عليه توكلت أي اعتمدت ووثقت . وعليه فليتوكل المتوكلون. ❝ ⏤محمد رشيد رضا
❞ وَقَالَ يَا بَنِيَّ لَا تَدْخُلُوا مِن بَابٍ وَاحِدٍ وَادْخُلُوا مِنْ أَبْوَابٍ مُّتَفَرِّقَةٍ ۖ وَمَا أُغْنِي عَنكُم مِّنَ اللَّهِ مِن شَيْءٍ ۖ إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ ۖ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ ۖ وَعَلَيْهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُتَوَكِّلُونَ (67)
قوله تعالى : وقال يابني لا تدخلوا من باب واحد وادخلوا من أبواب متفرقة وما أغني عنكم من الله من شيء إن الحكم إلا لله عليه توكلت وعليه فليتوكل المتوكلون
فيه سبع مسائل :
الأولى : لما عزموا على الخروج خشي عليهم العين ; فأمرهم ألا يدخلوا مصر من باب واحد ، وكانت مصر لها أربعة أبواب ; وإنما خاف عليهم العين لكونهم أحد عشر رجلا لرجل واحد ; وكانوا أهل جمال وكمال وبسطة ; قاله ابن عباس والضحاك وقتادة وغيرهم .
الثانية : إذا كان هذا معنى الآية فيكون فيها دليل على التحرز من العين ، والعين حق ; وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إن العين لتدخل الرجل القبر ، والجمل القدر . وفي تعوذه عليه السلام : أعوذ بكلمات الله التامة من كل شيطان وهامة ومن كل عين لامة ما يدل على ذلك . وروى مالك عن محمد بن أبي أمامة بن سهل بن حنيف أنه سمع أباه يقول : اغتسل أبي سهل بن حنيف بالخزار فنزع جبة كانت عليه ، وعامر بن ربيعة ينظر ، قال : وكان سهل رجلا أبيض حسن الجلد قال فقال له عامر بن ربيعة : ما رأيت كاليوم ولا جلد عذراء ! فوعك سهل مكانه واشتد وعكه ، فأتي رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبر أن سهلا وعك ، وأنه غير رائح معك يا رسول الله ; فأتاه رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبره سهل بالذي كان من شأن عامر ; فقال رسول الله صلى الله عليه سلم : علام يقتل أحدكم أخاه ألا بركت إن العين حق ، توضأ له ، فتوضأ عامر ، فراح سهل مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ليس به بأس ; في رواية ( اغتسل ) فغسل له عامر وجهه ويديه ومرفقيه وركبتيه وأطراف رجليه وداخل إزاره في قدح ثم صب عليه ; فراح سهل مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ليس به بأس . وركب سعد بن أبي وقاص يوما فنظرت إليه امرأة فقالت : إن أميركم هذا ليعلم أنه أهضم الكشحين ; فرجع إلى منزله فسقط ، فبلغه ما قالت المرأة ، فأرسل إليها فغسلت له ; ففي هذين الحديثين أن العين حق ، وأنها تقتل كما قال النبي صلى الله عليه وسلم ; وهذا قول علماء الأمة ، ومذهب أهل السنة ; وقد أنكرته طوائف من المبتدعة ، وهم محجوجون بالسنة وإجماع علماء هذه الأمة ، وبما يشاهد من ذلك في الوجود ; فكم من رجل أدخلته العين القبر ، وكم من جمل ظهير أدخلته القدر ، لكن ذلك بمشيئة الله تعالى كما قال : وما هم بضارين به من أحد إلا بإذن الله . قال الأصمعي : رأيت رجلا عيونا سمع بقرة تحلب فأعجبه شخبها فقال : أيتهن هذه ؟ فقالوا : الفلانية لبقرة أخرى يورون عنها ، فهلكتا جميعا ، المورى بها والمورى عنها . قال الأصمعي . وسمعته يقول : إذا رأيت الشيء يعجبني وجدت حرارة تخرج من عيني .
الثالثة : واجب على كل مسلم أعجبه شيء أن يبرك ; فإنه إذا دعا بالبركة صرف المحذور لا محالة ; ألا ترى قوله عليه السلام لعامر : ألا بركت فدل على أن العين لا تضر ولا تعدو إذا برك العائن ، وأنها إنما تعدو إذا لم يبرك . والتبريك أن يقول : تبارك الله أحسن الخالقين ! اللهم بارك فيه .
الرابعة : العائن إذا أصاب بعينه ولم يبرك فإنه يؤمر بالاغتسال ، ويجبر على ذلك إن أباه ; لأن الأمر على الوجوب ، لا سيما هذا ; فإنه قد يخاف على المعين الهلاك ، ولا ينبغي لأحد أن يمنع أخاه ما ينتفع به أخوه ولا يضره هو ، ولا سيما إذا كان بسببه وكان الجاني عليه .
الخامسة : من عرف بالإصابة بالعين منع من مداخلة الناس دفعا لضرره ; وقد قال بعض العلماء : يأمره الإمام بلزوم بيته ; وإن كان فقيرا رزقه ما يقوم به ، ويكف أذاه عن الناس . وقد قيل : إنه ينفى ; وحديث مالك الذي ذكرناه يرد هذه الأقوال ; فإنه عليه السلام لم يأمر في عامر بحبس ولا بنفي ، بل قد يكون الرجل الصالح عائنا ، وأنه لا يقدح فيه ولا يفسق به ; ومن قال : يحبس ويؤمر بلزوم بيته . فذلك احتياط ودفع ضرر ، والله أعلم .
السادسة : روى مالك عن حميد بن قيس المكي أنه قال : دخل على رسول الله صلى الله عليه وسلم بابني جعفر بن أبي طالب فقال لحاضنتهما : ما لي أراهما ضارعين فقالت حاضنتهما : يا رسول الله ! إنه تسرع إليهما العين ، ولم يمنعنا أن نسترقي لهما إلا أنا لا ندري ما يوافقك من ذلك ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : استرقوا لهما فإنه لو سبق شيء القدر سبقته العين . وهذا الحديث منقطع ، ولكنه محفوظ لأسماء بنت عميس الخثعمية عن النبي صلى الله عليه وسلم من وجوه ثابتة متصلة صحاح ; وفيه أن الرقى مما يستدفع به البلاء ، وأن العين تؤثر في الإنسان وتضرعه ، أي تضعفه وتنحله ; وذلك بقضاء الله تعالى وقدره . ويقال : إن العين أسرع إلى الصغار منها إلى الكبار ، والله أعلم .
السابعة : أمر صلى الله عليه وسلم في حديث أبي أمامة العائن بالاغتسال للمعين ، وأمر هنا بالاسترقاء ; قال علماؤنا : إنما يسترقى من العين إذا لم يعرف العائن ; وأما إذا عرف الذي أصابه بعينه فإنه يؤمر بالوضوء على حديث أبي أمامة ، والله أعلم .
قوله تعالى : وما أغني عنكم من الله من شيء أي من شيء أحذره عليكم ; أي لا ينفع الحذر مع القدر .
˝ إن الحكم ˝ أي الأمر والقضاء .
إلا لله عليه توكلت أي اعتمدت ووثقت . وعليه فليتوكل المتوكلون . ❝