❞ كتاب السر من تأليف منتجة الأفلام الأسترالية (روندا بايرن)، والتي تنتمي لحركة الفكر الجديد، والتي يؤمن أصحابها بمجموعة من المبادئ (الميتافيزيقية) والمختصة بطرائق العلاج، وتطوير الذات، وتأثير الفكرة في الماديات، وكتاب (السر) يدور حول هذه المفاهيم، ويروج لها وفق منظومة هذه الحركة، والكتاب كما ذكرتَ كُتب له الانتشار الواسع على المستوى العالمي، وترجم مؤخراً إلى اللغة العربية، وبالنظر في الكتاب، وتأمل ما فيه تبين وجود جملة من الانحرافات العقدية والعلمية الخطيرة، أهمها :
1. دعوة الكتاب إلى ترك العمل، والإعراض عن تحصيل الأسباب لنيل المطلوب، والاتكال على الأماني والأحلام، وذلك وفق قانون -مزعوم- يسمونه (قانون الجذب)، والذي ينص على (أن الشبيه يجذب إليه شبيهه) ، وأن (كلَّ شيءٍ يحدث في حياتك فأنت من قمت بجذبه إلى حياتك، وقد انجذب إليك عن طريق الصور التي احتفظت بها في عقلك، أي ما تفكر فيه، فأياً كان الشيءُ الذي يدور بعقلك فإنك تجذبه إليك). وأصحاب هذا المبدأ يعتقدون أن الفكرة الواقعة في العقل تؤثر بذاتها في محيط الإنسان وما حوله، وأن الإنسان يستطيع بفكرته المجردة أن يجتذب إليه ما يريد من الخيرات من غير عمل، ويزعمون أن الفكرة لها تردد، وأنها تنطلق من عقل الإنسان على شكل موجة كهرومغناطيسية، وأنها تجتذب من خير الكون وشره مما هو على نفس الموجة، فإذا كنت تفكر تفكيراً إيجابياً فأنت تطلق موجة ذات تردد إيجابي تجذب إليك الإيجابيات، وإذا كنت تفكر بفكرة سلبية فأنت تطلق موجة سلبية تجذب إليك السلبيات. ولا شك أن هذا الكلام مصادم للعلوم التجريبية وبديهة العقل ، وأن اعتقاده أو العمل بأفكاره مصادم للشرع.
أما مصادمته للشرع ، فلأن الله تعالى أمر بالعمل والسعي في الأرض ، ورتب الرزق على بذل الأسباب ، وليس على الأماني والخيالات ، قال تعالى : ( هو الذي جعل لكم الأرض ذلولاً فامشوا في مناكبها وكلوا من رزقه ) الملك/15
وأما مصادمته للعقل فلأن الاعتماد على الأماني والأحلام يعني خراب العالم ، وتعطل مصالح أهله ، وإهدار ما أنجزته البشرية خلال قرون من معارف وعلوم وحضارات ، إذ مقتضى هذه النظرية ، أن المريض لا يطلب الدواء ولا يحتاج إليه ، والناس لا يحتاجون إلى مهندسين وبنائين وعمال ، فما على المحتاج إلا أن يفكر تفكير إيجابياً فيما يريد ، ثم يطلب من الكون - عياذا بالله - تحقيق مراده ، دون عمل أو بذل .
وأصحاب هذه الدعوة يتناقضون حين يقولون للمريض المشرف على الموت لا تتوقف عن الدواء ، وإلا فمقتضى فكرتهم ترك التداوي وإغلاق المستشفيات ، وتحويل كليات الطب إلى مقاعد للتفكير والاسترخاء لطلب الأماني والأحلام أو ما يسمونه الأفكار الايجابية ، وقس على هذا غيره من الأعمال ؛ فظهر بهذا أنها دعوة مصادمة للعقل ، مخالفة للحس ، لا تستقيم عليها حياة الناس ، وصدق القائل :
إذا تمنيتُ بتُّ الليل مغتبطاً *** إن المُنى رأس أموال المفاليسِ
2. غلو الكتاب في تعظيم ذات الإنسان، وإعطائه هالة من القداسة والعظمة، واعتقاد أنه ذو قدرات مطلقة، وطاقات هائلة، تبلغ به حد القدرة على الإيجاد والخلق، فكل ما يقع بالإنسان من خير وشر فهو من خلقِه وإيجاده ، يقول الكتاب مثلاً: (أي شيءٍ نركز عليه فإننا نخلقه) [السر 141] ، ولا شك أن هذا انحراف كبير، وشرك بالله تعالى في ربوبيته ، وصدق الله تعالى : ( فلا تجعلوا لله أنداداً وأنتم تعلمون )
3. الدعوة إلى عقيدة وحدة الوجود الباطلة بالقول أن الخالق والمخلوق شيء واحد، وأن الإنسان هو الله في جسد مادي، تعالى الله، وقد ترددت هذه الدعوى في أكثر من مكان، وبأساليب مختلفة.
4. إحياء جملة من العقائد الشرقية والفلسفات الوثنية، كديانات البوذيين والهنادكة وغيرهم، وقد رأينا احتفاء أصحاب هذه الملل والأديان بكتاب (السر) هذا لما قام به من نشر لمبادئ هذه الأديان وترويج لها.
5. الدعوة إلى التعلق بالكون رغبة وسؤالاً وطلباً، فإذا أردت شيئاً فما عليك إلا أن تتوجه بطلبك للكون، والكون سيلبي طلبك ولا بد، والإسلام إنما يدعو لتعليق القلب بالله جل وعلا فإليه الرغبة والتوجه، والسؤال والطلب، والتوجه إلى غيره فيما لا يقدر عليه إلا هو سبحانه من الشرك، أعاذنا الله منه.
6. معارضة الكتاب لعقيدة القضاء والقدر، حيث ينكر الكتاب أن الله قد كتب مقادير الخلائق، وأنه سبحانه قد قدّر المقادير، فهو يرى كما يرى غلاة القدرية ممن ينكر القضاء والقدر أن ما يقع في الكون لم يدخل في علم الله من قبل ، ولم يسبق به كتاب ولا شك أن الإيمان بالقضاء والقدر ركن من أركان الإيمان لا يصح إيمان العبد إلا به.
7. دعوة الكتاب إلى الأنانية، والتمحور حول الذات، والانسلاخ من مختلف القيم الشرعية والضوابط الخلقية، واللهث خلف شهوات النفس وملذاتها، فمعيار الفعل أو الترك هو في مقدار ما يجلبه ذلك الشيء من البهجة واللذة، وبمقدار محبته، فما كان محبوباً فليفعل وما كان مبغوضاً فليجتنب، دون مراعاة للخلق والدين، ولا شك أن هذا معارض للقيم الشرعية والخلقية، فالمسلم مضبوط بإطار ديني وخلقي لا يصح له أن يخرج عنه ولا أن يتجاوزه، فما أمر الله به فهو الواجب، وما نهى عنه فهو المحرم، وما أباحه فهو المباح، والواجب الالتزام بأحكام الشريعة والدين.
هذا بعض ما اشتمل عليه الكتاب من انحرافات، وعليه فالواجب اطراحه، والإعراض عما فيه، ومن شاء أن يتعرف على حقيقة هذا الكتاب، ومدى ما فيه من انحرافٍ مفصلاً فبإمكانه الرجوع إلى بحث
خرافة السر: قراءة تحليلية لكتاب ˝السر˝ و˝قانون الجذب˝
منقول
المصدر: الإسلام سؤال وجواب
https://islamqa.info/ar/answers/112043/%D8%AD%D9%88%D9%84-%D9%83%D8%AA%D8%A7%D8%A8-%D8%A7%D9%84%D8%B3%D8%B1-%D9%88%D9%82%D8%A7%D9%86%D9%88%D9%86-%D8%A7%D9%84%D8%AC%D8%B0%D8%A8. ❝ ⏤روندا بايرن
❞ كتاب السر من تأليف منتجة الأفلام الأسترالية (روندا بايرن)، والتي تنتمي لحركة الفكر الجديد، والتي يؤمن أصحابها بمجموعة من المبادئ (الميتافيزيقية) والمختصة بطرائق العلاج، وتطوير الذات، وتأثير الفكرة في الماديات، وكتاب (السر) يدور حول هذه المفاهيم، ويروج لها وفق منظومة هذه الحركة، والكتاب كما ذكرتَ كُتب له الانتشار الواسع على المستوى العالمي، وترجم مؤخراً إلى اللغة العربية، وبالنظر في الكتاب، وتأمل ما فيه تبين وجود جملة من الانحرافات العقدية والعلمية الخطيرة، أهمها :
1. دعوة الكتاب إلى ترك العمل، والإعراض عن تحصيل الأسباب لنيل المطلوب، والاتكال على الأماني والأحلام، وذلك وفق قانون -مزعوم- يسمونه (قانون الجذب)، والذي ينص على (أن الشبيه يجذب إليه شبيهه) ، وأن (كلَّ شيءٍ يحدث في حياتك فأنت من قمت بجذبه إلى حياتك، وقد انجذب إليك عن طريق الصور التي احتفظت بها في عقلك، أي ما تفكر فيه، فأياً كان الشيءُ الذي يدور بعقلك فإنك تجذبه إليك). وأصحاب هذا المبدأ يعتقدون أن الفكرة الواقعة في العقل تؤثر بذاتها في محيط الإنسان وما حوله، وأن الإنسان يستطيع بفكرته المجردة أن يجتذب إليه ما يريد من الخيرات من غير عمل، ويزعمون أن الفكرة لها تردد، وأنها تنطلق من عقل الإنسان على شكل موجة كهرومغناطيسية، وأنها تجتذب من خير الكون وشره مما هو على نفس الموجة، فإذا كنت تفكر تفكيراً إيجابياً فأنت تطلق موجة ذات تردد إيجابي تجذب إليك الإيجابيات، وإذا كنت تفكر بفكرة سلبية فأنت تطلق موجة سلبية تجذب إليك السلبيات. ولا شك أن هذا الكلام مصادم للعلوم التجريبية وبديهة العقل ، وأن اعتقاده أو العمل بأفكاره مصادم للشرع.
أما مصادمته للشرع ، فلأن الله تعالى أمر بالعمل والسعي في الأرض ، ورتب الرزق على بذل الأسباب ، وليس على الأماني والخيالات ، قال تعالى : ( هو الذي جعل لكم الأرض ذلولاً فامشوا في مناكبها وكلوا من رزقه ) الملك/15
وأما مصادمته للعقل فلأن الاعتماد على الأماني والأحلام يعني خراب العالم ، وتعطل مصالح أهله ، وإهدار ما أنجزته البشرية خلال قرون من معارف وعلوم وحضارات ، إذ مقتضى هذه النظرية ، أن المريض لا يطلب الدواء ولا يحتاج إليه ، والناس لا يحتاجون إلى مهندسين وبنائين وعمال ، فما على المحتاج إلا أن يفكر تفكير إيجابياً فيما يريد ، ثم يطلب من الكون - عياذا بالله - تحقيق مراده ، دون عمل أو بذل .
وأصحاب هذه الدعوة يتناقضون حين يقولون للمريض المشرف على الموت لا تتوقف عن الدواء ، وإلا فمقتضى فكرتهم ترك التداوي وإغلاق المستشفيات ، وتحويل كليات الطب إلى مقاعد للتفكير والاسترخاء لطلب الأماني والأحلام أو ما يسمونه الأفكار الايجابية ، وقس على هذا غيره من الأعمال ؛ فظهر بهذا أنها دعوة مصادمة للعقل ، مخالفة للحس ، لا تستقيم عليها حياة الناس ، وصدق القائل :
إذا تمنيتُ بتُّ الليل مغتبطاً ** إن المُنى رأس أموال المفاليسِ
2. غلو الكتاب في تعظيم ذات الإنسان، وإعطائه هالة من القداسة والعظمة، واعتقاد أنه ذو قدرات مطلقة، وطاقات هائلة، تبلغ به حد القدرة على الإيجاد والخلق، فكل ما يقع بالإنسان من خير وشر فهو من خلقِه وإيجاده ، يقول الكتاب مثلاً: (أي شيءٍ نركز عليه فإننا نخلقه) [السر 141] ، ولا شك أن هذا انحراف كبير، وشرك بالله تعالى في ربوبيته ، وصدق الله تعالى : ( فلا تجعلوا لله أنداداً وأنتم تعلمون )
3. الدعوة إلى عقيدة وحدة الوجود الباطلة بالقول أن الخالق والمخلوق شيء واحد، وأن الإنسان هو الله في جسد مادي، تعالى الله، وقد ترددت هذه الدعوى في أكثر من مكان، وبأساليب مختلفة.
4. إحياء جملة من العقائد الشرقية والفلسفات الوثنية، كديانات البوذيين والهنادكة وغيرهم، وقد رأينا احتفاء أصحاب هذه الملل والأديان بكتاب (السر) هذا لما قام به من نشر لمبادئ هذه الأديان وترويج لها.
5. الدعوة إلى التعلق بالكون رغبة وسؤالاً وطلباً، فإذا أردت شيئاً فما عليك إلا أن تتوجه بطلبك للكون، والكون سيلبي طلبك ولا بد، والإسلام إنما يدعو لتعليق القلب بالله جل وعلا فإليه الرغبة والتوجه، والسؤال والطلب، والتوجه إلى غيره فيما لا يقدر عليه إلا هو سبحانه من الشرك، أعاذنا الله منه.
6. معارضة الكتاب لعقيدة القضاء والقدر، حيث ينكر الكتاب أن الله قد كتب مقادير الخلائق، وأنه سبحانه قد قدّر المقادير، فهو يرى كما يرى غلاة القدرية ممن ينكر القضاء والقدر أن ما يقع في الكون لم يدخل في علم الله من قبل ، ولم يسبق به كتاب ولا شك أن الإيمان بالقضاء والقدر ركن من أركان الإيمان لا يصح إيمان العبد إلا به.
7. دعوة الكتاب إلى الأنانية، والتمحور حول الذات، والانسلاخ من مختلف القيم الشرعية والضوابط الخلقية، واللهث خلف شهوات النفس وملذاتها، فمعيار الفعل أو الترك هو في مقدار ما يجلبه ذلك الشيء من البهجة واللذة، وبمقدار محبته، فما كان محبوباً فليفعل وما كان مبغوضاً فليجتنب، دون مراعاة للخلق والدين، ولا شك أن هذا معارض للقيم الشرعية والخلقية، فالمسلم مضبوط بإطار ديني وخلقي لا يصح له أن يخرج عنه ولا أن يتجاوزه، فما أمر الله به فهو الواجب، وما نهى عنه فهو المحرم، وما أباحه فهو المباح، والواجب الالتزام بأحكام الشريعة والدين.
هذا بعض ما اشتمل عليه الكتاب من انحرافات، وعليه فالواجب اطراحه، والإعراض عما فيه، ومن شاء أن يتعرف على حقيقة هذا الكتاب، ومدى ما فيه من انحرافٍ مفصلاً فبإمكانه الرجوع إلى بحث
خرافة السر: قراءة تحليلية لكتاب ˝السر˝ و˝قانون الجذب˝
❞ محمد الورداشي
التداوي بالكتابة:
ذات حصة دراسية مخصصة للنصوص القرائية، توقفت رفقة تلاميذي عند نص شعري معنون ب\"قلت للشعر\"، وهو قصيدة شعرية للشاعر التونسي الكبير أبي القاسم الشابي. فحدث أن طرحت سؤالا على التلاميذ في إطار مناقشة القصيدة: لماذا يكتب الأدباء والكتاب والشعراء ليلا؟ ولم يلجأون إلى فعل الكتابة أصلا؟
تعددت الإجابات المقدمة من قبل التلاميذ؛ إذ أجاب بعضهم بأن الليل وقت الهدوء ومن ثم التركيز على فعل التفكير والتذكر..إلخ؟ وقال آخرون إن غياب النوم هو الباعث على فعل الكتابة.
وأمام تعدد الإجابات، ارتأيت أن أبسط سؤالا ثالثا، كان الهدف من طرحه هو معرفة الأنشطة التي يقوم بها التلاميذ الساهرون ليلا، وكيف يصرفون الأرق والملل عن أنفسهم. فكانت الإجابات أيضا متباينة ومختلفة بين من يقضي ليله في مواقع التواصل الاجتماعي، وبين من يشاهد التلفاز، ومن يتأمل سقف غرفته، ومن يعد رسوم السقف وزخرفته.. إلخ. فقلت لهم متسائلا: لماذا لا تكتبون شيئا ما؟ مثلا؛ أن تأخذوا ورقة وقلما، ثم تشرعون في كتابة الخواطر والمشاعر التي تختلج أنفسكم في تلكم اللحظة بالذات.
استرعاني استغراب المتعلمين، واندهاشهم من كلامي. فانطلق أوضح قصدي قائلا: إن ثمة علاجات متعددة ضد الملل والأرق، بل ضد الفراغ الذي يعد مدخلا تتسلل منه مختلف المشاعر السلبية التي تنخر النفس الإنسانية؛ فمثلا، هناك من يجد علاجه في تلاوة القرآن الكريم، ومن يلفاه في الاستماع إلى قطعة موسيقية مفضلة لديه، ومن يسامر قريبا له يسكن معه البيت نفسه، ولكنّ هناك أناسا كثيرين يجدون دواءهم وضالتهم في القراءة والكتابة. وهكذا، نكون أمام التداوي بالكتابة حينما نفرغ كل همومنا ومشاغلنا، ونملأ فراغنا المهول بفعل الكتابة.
أن تكتب معناه أنك ترغب في تفريغ نفسك مما يثقلها، وتسعى إلى مشاركته مع الآخرين علهم يحملون معك قسطا منه، أو يفكرون في حلول فعالة له.
إن الكتابة، أيها التلاميذ وأيتها التلميذات، ملاذ ومأوى آمنان مطمئنان لمن لا مؤنس له ولا رفيق.. إنها بلسم يشفي الجروح العميقة التي تتركها الحياة وبناتها التي تأتي تباعا، ومن ثم، تأتي الكتابة لتحقق للنفس البشرية الهائمة توازنا ما، وتنتشلها من قسوة الفراغ والخواء.
أن تكتب معناه أن لك هما يثقلك، ورسالة محددة تروم إبلاغها إلى الآخرين. والنتيجة أن الكتابة تتحول إلى مصرف للآلام والأوجاع، ومساعد على تحمل عنت الدهر وصروفه.
وما دام الإنسان موجودا، فإن عليه أن يكتب وجوده، ويقدم صورة عن نفسه باعتباره ذاتا حربائية: تحزن وتفرح، تنعم وتشقى، تضحك وتبكي، وترغب وتمل، وتقبل وتدبر.. إلخ. ومنه، تأتي الكتابة بحسبانها فعلا يحتضن تقلبات النفس البشرية، وخلاصا تبتغيه الأنفس التي ضاقت بها الأرض بما رحبت.
اكتبوا ما يحضركم في الليل البهيم، لكي تحققوا كوجيطا متمثلا في المعادلة التالية: أنا أكتب إذن أنا حي. وهذه حكاية أخرى سنقف عليها في فرصة أخرى.. ❝ ⏤محمد الورداشي
❞ محمد الورداشي
التداوي بالكتابة:
ذات حصة دراسية مخصصة للنصوص القرائية، توقفت رفقة تلاميذي عند نص شعري معنون ب˝قلت للشعر˝، وهو قصيدة شعرية للشاعر التونسي الكبير أبي القاسم الشابي. فحدث أن طرحت سؤالا على التلاميذ في إطار مناقشة القصيدة: لماذا يكتب الأدباء والكتاب والشعراء ليلا؟ ولم يلجأون إلى فعل الكتابة أصلا؟
تعددت الإجابات المقدمة من قبل التلاميذ؛ إذ أجاب بعضهم بأن الليل وقت الهدوء ومن ثم التركيز على فعل التفكير والتذكر.إلخ؟ وقال آخرون إن غياب النوم هو الباعث على فعل الكتابة.
وأمام تعدد الإجابات، ارتأيت أن أبسط سؤالا ثالثا، كان الهدف من طرحه هو معرفة الأنشطة التي يقوم بها التلاميذ الساهرون ليلا، وكيف يصرفون الأرق والملل عن أنفسهم. فكانت الإجابات أيضا متباينة ومختلفة بين من يقضي ليله في مواقع التواصل الاجتماعي، وبين من يشاهد التلفاز، ومن يتأمل سقف غرفته، ومن يعد رسوم السقف وزخرفته. إلخ. فقلت لهم متسائلا: لماذا لا تكتبون شيئا ما؟ مثلا؛ أن تأخذوا ورقة وقلما، ثم تشرعون في كتابة الخواطر والمشاعر التي تختلج أنفسكم في تلكم اللحظة بالذات.
استرعاني استغراب المتعلمين، واندهاشهم من كلامي. فانطلق أوضح قصدي قائلا: إن ثمة علاجات متعددة ضد الملل والأرق، بل ضد الفراغ الذي يعد مدخلا تتسلل منه مختلف المشاعر السلبية التي تنخر النفس الإنسانية؛ فمثلا، هناك من يجد علاجه في تلاوة القرآن الكريم، ومن يلفاه في الاستماع إلى قطعة موسيقية مفضلة لديه، ومن يسامر قريبا له يسكن معه البيت نفسه، ولكنّ هناك أناسا كثيرين يجدون دواءهم وضالتهم في القراءة والكتابة. وهكذا، نكون أمام التداوي بالكتابة حينما نفرغ كل همومنا ومشاغلنا، ونملأ فراغنا المهول بفعل الكتابة.
أن تكتب معناه أنك ترغب في تفريغ نفسك مما يثقلها، وتسعى إلى مشاركته مع الآخرين علهم يحملون معك قسطا منه، أو يفكرون في حلول فعالة له.
إن الكتابة، أيها التلاميذ وأيتها التلميذات، ملاذ ومأوى آمنان مطمئنان لمن لا مؤنس له ولا رفيق. إنها بلسم يشفي الجروح العميقة التي تتركها الحياة وبناتها التي تأتي تباعا، ومن ثم، تأتي الكتابة لتحقق للنفس البشرية الهائمة توازنا ما، وتنتشلها من قسوة الفراغ والخواء.
أن تكتب معناه أن لك هما يثقلك، ورسالة محددة تروم إبلاغها إلى الآخرين. والنتيجة أن الكتابة تتحول إلى مصرف للآلام والأوجاع، ومساعد على تحمل عنت الدهر وصروفه.
وما دام الإنسان موجودا، فإن عليه أن يكتب وجوده، ويقدم صورة عن نفسه باعتباره ذاتا حربائية: تحزن وتفرح، تنعم وتشقى، تضحك وتبكي، وترغب وتمل، وتقبل وتدبر. إلخ. ومنه، تأتي الكتابة بحسبانها فعلا يحتضن تقلبات النفس البشرية، وخلاصا تبتغيه الأنفس التي ضاقت بها الأرض بما رحبت.
اكتبوا ما يحضركم في الليل البهيم، لكي تحققوا كوجيطا متمثلا في المعادلة التالية: أنا أكتب إذن أنا حي. وهذه حكاية أخرى سنقف عليها في فرصة أخرى. ❝
❞ خبر: وإني لأعرف جارية من ذوات المناصب والجمال والشرف من بنات القواد، وقد بلغ بها حب فتى من إخواني جداً من أبناء الكتاب مبلغ هيجان المرار الأسود، وكادت تختلط. واشتهر الأمر وشاع جداً حتى علمه الأباعد، إلى أن تدوركت بالعلاج، وهذا إنما يتولد عن إدمان الفكر، فإذا غلبت الفكرة وتمكن الخلط وترك التداوي خرج الأمر عن حد الحب إلى حد الوله والجنون، وإذا أغفل التداوي في الأول إلى المعاناة قوى جداً ولم يوجد له دواء سوى الوصال. ومن بعض ما كتبت إليه قطعة، منها: قد سلبت الفؤاد منـهـا اخـتـلاسـاً أي خـــلـــق يعـــيش دون فـــــؤاد فأغـثـهـا بـالـوصـل تـحـي شـريفـاً وتـفـز بـالــثـــواب يوم الـــمـــعـــاد وأراهـا تـــعـــتـــاض أن دام هـــذا من خـلاخـيلـهـا حـلــي الأقـــياد أنت حـقـاً مـتـيم الـشـمـس حـتـى عشقها بين ذا الورى لك بادي. ❝ ⏤ابن حزم الظاهري الأندلسي
❞ خبر: وإني لأعرف جارية من ذوات المناصب والجمال والشرف من بنات القواد، وقد بلغ بها حب فتى من إخواني جداً من أبناء الكتاب مبلغ هيجان المرار الأسود، وكادت تختلط. واشتهر الأمر وشاع جداً حتى علمه الأباعد، إلى أن تدوركت بالعلاج، وهذا إنما يتولد عن إدمان الفكر، فإذا غلبت الفكرة وتمكن الخلط وترك التداوي خرج الأمر عن حد الحب إلى حد الوله والجنون، وإذا أغفل التداوي في الأول إلى المعاناة قوى جداً ولم يوجد له دواء سوى الوصال. ومن بعض ما كتبت إليه قطعة، منها: قد سلبت الفؤاد منـهـا اخـتـلاسـاً أي خـــلـــق يعـــيش دون فـــــؤاد فأغـثـهـا بـالـوصـل تـحـي شـريفـاً وتـفـز بـالــثـــواب يوم الـــمـــعـــاد وأراهـا تـــعـــتـــاض أن دام هـــذا من خـلاخـيلـهـا حـلــي الأقـــياد أنت حـقـاً مـتـيم الـشـمـس حـتـى عشقها بين ذا الورى لك بادي. ❝