❞ “جلس كارم امام البحر بينما شعر آينور يداعب وجهه ..منذ يومين كان العدوي يجلس في مأوي قمامه ويفكر انه فقد كل ما يجعله بشريا والآن بين ذراعيه ترقد آينور كالقطه مرتديه رداء البحر وتريح رأسها علي صدرها بينما جسدها الناعم الصغير يدغدغ جسده كرائحه قطعه لحم مشوي تداعب انف صائم ..تنهد كارم وتحركت يده لاعلي واسفل علي ظهرها ..حيوات كثيره عاشها العدوي
.. حياه مختلفه اثر الاخري .. الكثير من الاشياء التي رآها .... وتلك الاشياء التي فعلها اخري .
.ثم انحني كي يقبلها.. عندما فعل هذا تحرك جسدها مما ادري لانفصال رأسها وسقوط جسدها بينما ظلت رأسها في يد كارم ..
لامس شفتيها وقبلها ..
تتراجع الكاميرا للوراء وتنقسم الشاشه لنصفين .. علي اليسار نري كارم يقبل آينور وعلي اليمين نري الرجل في الرداء الاسود
يقترب من بعيد ..
آينور كانت متوسطه الطول
.. شعر اسود قصير وجسد نحيف .. انف صغير وفم مستدير .. عينان ضيقتان .
. قميص اسود وسروال رمادي كارم كان يرتدي
.. الشاطيء كان خالي .. والشمس تحتضر معلنه نهايه اليوم .. هنالك غراب من بعيد ينوح في صمت .. امواج الشاطيء تهيج من حين لآخر مع اقتراب الرجل ذو الرداء الاسود ثم تهديء مره اخري ..
الرجل ذو الرداء الاسود كان فارع القامه .. شديد النحافه .. متين البنيان ..
يرتدي معطف اسود طويل وساعه ذهبيه ..
حذاء
اسود جلدي .. ياقه قميصه الازرق مرفوعه لاعلي بفخر ..مستطيل الوجه ..عينان سوداتين لا حياه فيهم.
اراح كارم رأس آينور جوار جسدها وغمغم : سأجد من فعل بك هذا ..
ثم اغمض عينيه .. دمائها علي وجهه .. في الظلام داخل عقل كارم نري اشياء كثيره تتلاحم وتمر امام عينيه .. دماء .. اشلاء .. قبله .. تآوهات فتاه .. بحر .. قطار يمر علي طريق من الجثث .. بكاء .. سيرك .. طفل يسير لوحده ..قطه .. زجاجه خمر .. مسجد .. سياره تحترق .. ساطور ملوث ببقايا بشريه ..بعل الذباب.. ظلام ..
فتح كارم عينيه ..غمغم لآينور : سوف اجد بك من فعل هذا ..
جواره كان يجلس الرجل ذو الرداء الاسود .. وتبادل الاثنان النظرات بينما تتراجع الكاميرا للوراء ثم تشمل المشهد من منظور الطائر المحلق .. وتحلق مبتعده اتجاه البحر”
― خالد أمين, سلسله روايات المجهول اكس
“تجلس المذيعه مع الكاتب في غرفته ويعطيها الاخير كوب من العصير مبتسما ..
المذيعه : احداث تلك الروايه كلها علي متن قطار ما .. ولكن كل هذا الرعب .. الا تري ان الخوف عامل غير صحي بالنسبه لقرائك؟
الكاتب: ولكن الرواية بها العديد من العوامل الاخري بخلاف الخوف .. كالفزع والصدمه والغموض والتشويق والعنف ..
- اه .. رائع .. ولكن ما الجدوي؟
- يا سيدتي العزيزه علينا جميعا ان نهرب من الواقع بشكل او بآخر ..
- لكن السلسله ليست خياليه ..اقصد لا يوجد شيء خارق للطبيعه بها ..وعلي الرغم من هذا كثير ممن قرأوها قالوا انها صادمه للغايه ..
- لا يجب ان تكون خارقه للطبيعه كي تكون صادمه
- ولكن في الآن ذاته هناك عوامل رومانسيه ومغامره في السلسله ..اسيقع كارم في حب ماجي يوما ما؟
يبتسم الكاتب ولا يرد .. ترشف المذيعه من قدح العصير فيرتطم الاصبع المقطوع في الكوب بفمها .. تصرخ الفتاه في هستيريا ويقوم الكاتب بهدوء ويطفيء نور الغرفه ...
جزء من لقاء صحفي عن رواية الشيطان في ردائه الأسود”. ❝ ⏤خالد أمين
❞ “جلس كارم امام البحر بينما شعر آينور يداعب وجهه ..منذ يومين كان العدوي يجلس في مأوي قمامه ويفكر انه فقد كل ما يجعله بشريا والآن بين ذراعيه ترقد آينور كالقطه مرتديه رداء البحر وتريح رأسها علي صدرها بينما جسدها الناعم الصغير يدغدغ جسده كرائحه قطعه لحم مشوي تداعب انف صائم ..تنهد كارم وتحركت يده لاعلي واسفل علي ظهرها ..حيوات كثيره عاشها العدوي
.. حياه مختلفه اثر الاخري .. الكثير من الاشياء التي رآها .... وتلك الاشياء التي فعلها اخري .
.ثم انحني كي يقبلها.. عندما فعل هذا تحرك جسدها مما ادري لانفصال رأسها وسقوط جسدها بينما ظلت رأسها في يد كارم ..
لامس شفتيها وقبلها ..
تتراجع الكاميرا للوراء وتنقسم الشاشه لنصفين .. علي اليسار نري كارم يقبل آينور وعلي اليمين نري الرجل في الرداء الاسود
يقترب من بعيد ..
آينور كانت متوسطه الطول
.. شعر اسود قصير وجسد نحيف .. انف صغير وفم مستدير .. عينان ضيقتان .
. قميص اسود وسروال رمادي كارم كان يرتدي
.. الشاطيء كان خالي .. والشمس تحتضر معلنه نهايه اليوم .. هنالك غراب من بعيد ينوح في صمت .. امواج الشاطيء تهيج من حين لآخر مع اقتراب الرجل ذو الرداء الاسود ثم تهديء مره اخري ..
الرجل ذو الرداء الاسود كان فارع القامه .. شديد النحافه .. متين البنيان ..
يرتدي معطف اسود طويل وساعه ذهبيه ..
حذاء
اسود جلدي .. ياقه قميصه الازرق مرفوعه لاعلي بفخر ..مستطيل الوجه ..عينان سوداتين لا حياه فيهم.
اراح كارم رأس آينور جوار جسدها وغمغم : سأجد من فعل بك هذا ..
ثم اغمض عينيه .. دمائها علي وجهه .. في الظلام داخل عقل كارم نري اشياء كثيره تتلاحم وتمر امام عينيه .. دماء .. اشلاء .. قبله .. تآوهات فتاه .. بحر .. قطار يمر علي طريق من الجثث .. بكاء .. سيرك .. طفل يسير لوحده ..قطه .. زجاجه خمر .. مسجد .. سياره تحترق .. ساطور ملوث ببقايا بشريه ..بعل الذباب.. ظلام ..
فتح كارم عينيه ..غمغم لآينور : سوف اجد بك من فعل هذا ..
جواره كان يجلس الرجل ذو الرداء الاسود .. وتبادل الاثنان النظرات بينما تتراجع الكاميرا للوراء ثم تشمل المشهد من منظور الطائر المحلق .. وتحلق مبتعده اتجاه البحر”
― خالد أمين, سلسله روايات المجهول اكس
“تجلس المذيعه مع الكاتب في غرفته ويعطيها الاخير كوب من العصير مبتسما ..
المذيعه : احداث تلك الروايه كلها علي متن قطار ما .. ولكن كل هذا الرعب .. الا تري ان الخوف عامل غير صحي بالنسبه لقرائك؟
الكاتب: ولكن الرواية بها العديد من العوامل الاخري بخلاف الخوف .. كالفزع والصدمه والغموض والتشويق والعنف ..
اه .. رائع .. ولكن ما الجدوي؟
يا سيدتي العزيزه علينا جميعا ان نهرب من الواقع بشكل او بآخر ..
لكن السلسله ليست خياليه ..اقصد لا يوجد شيء خارق للطبيعه بها ..وعلي الرغم من هذا كثير ممن قرأوها قالوا انها صادمه للغايه ..
لا يجب ان تكون خارقه للطبيعه كي تكون صادمه
ولكن في الآن ذاته هناك عوامل رومانسيه ومغامره في السلسله ..اسيقع كارم في حب ماجي يوما ما؟
يبتسم الكاتب ولا يرد .. ترشف المذيعه من قدح العصير فيرتطم الاصبع المقطوع في الكوب بفمها .. تصرخ الفتاه في هستيريا ويقوم الكاتب بهدوء ويطفيء نور الغرفه ...
جزء من لقاء صحفي عن رواية الشيطان في ردائه الأسود” . ❝
❞ ثبت أن المستويات الأعلى من التعليم تشكّل حماية لا بأس بها ضد العته والألزهايمر،14 لدرجة أن تشريح الجثث كشف عن أشخاص من ذوي التعليم العالي تدهورَت أمخاخهم بدرجة كبيرة بفعل المرض، لكنهم لم يظهر عليهم أي علامات للمَرَض قبل الموت. ❝ ⏤دين برنيت
❞ ثبت أن المستويات الأعلى من التعليم تشكّل حماية لا بأس بها ضد العته والألزهايمر،14 لدرجة أن تشريح الجثث كشف عن أشخاص من ذوي التعليم العالي تدهورَت أمخاخهم بدرجة كبيرة بفعل المرض، لكنهم لم يظهر عليهم أي علامات للمَرَض قبل الموت . ❝
❞ الحيوانات الميتة في الجدران
-عندما قررت عائلة عزل منزلهم في عام 2015 اكتشفوا وجود عشرات من جثث الحيوانات النافقة موجودة داخل جدران .كانت الحيوانات الميتة ملفوفة في صحف من ثلاثينيات و اربعينيات القرن الماضي بعد ازالة العناصر.ارسلوا مئات القطع الاثرية و الجثث الى الخبير .ارجع خبير الحيوانات المتعفنة في جدرانها الى السحر الهولندي .وهي طقوس نشات في ثقافة بنسلفانيا الهولندية لعلاج الامراض و الحصول على حماية الجسدية والروحية. ❝ ⏤سرين بوجلال
❞ الحيوانات الميتة في الجدران
عندما قررت عائلة عزل منزلهم في عام 2015 اكتشفوا وجود عشرات من جثث الحيوانات النافقة موجودة داخل جدران .كانت الحيوانات الميتة ملفوفة في صحف من ثلاثينيات و اربعينيات القرن الماضي بعد ازالة العناصر.ارسلوا مئات القطع الاثرية و الجثث الى الخبير .ارجع خبير الحيوانات المتعفنة في جدرانها الى السحر الهولندي .وهي طقوس نشات في ثقافة بنسلفانيا الهولندية لعلاج الامراض و الحصول على حماية الجسدية والروحية . ❝
❞ أفرغ الرجل كأس الخمر الرديئة في جوفه و شرع يبكي و يتمتم نادماَ .. تُبت إليك يا رب .. لا أعود إلى شربها أبداً أعاهدك و أستغفرك ..
و بعد لحظات كان يملأ كأساً أخرى ليلقيها في جوفه ليعود فيستفغر باكيا مغمغماً .. سامحني يا رب .. هذه اخر مرة .. تبت إليك و رجعت إليك و أنبت إليك ..
ثم ما تلبث الغفلة أن تسيطر عليه و يعاوده ضعفه فيغالبه فيغلبه فينكب على كأس أخرى .. ثم يعود فيقف تائباً باكياً بالباب .
ذلك هو الشيخ مبروك .. و كانوا يسمونه " الشيخ " من باب السخرية بحاله .
ستون سنة و لكن هيكله المضعضع يوحي بأنه جاوز المائة .. جاء إلى الدنيا لقيطاً ملقى على الرصيف في لفة و قضى صباه في ملجأ للأيتام ثم في سجن للأحداث .
لم يدع منكراً إلا قارفه و لا مخاضة أو حال إلا انغرس فيها .
كان يخرج من سجن ليدخل سجناً و يخرج من تخشيبة ليلقى في تخشيبة و انتهى حاله إلى ان أصبح حارساً في قرافة ..
ينام و يأكل و يشرب و يسكن مع الموتى .. يحرس القبور نهاراً ثم يعود فينبشها ليلا ليبيع الجثث لطلبة الطب في مقابل جنيهات قليلة يسكر بها .
ذلك هو " الشيخ مبروك " صاحب ملف السوابق الحافل . و لكنه طراز خاص من المجرمين ..كان مجرما " غلباناً " دائم البكاء دائم الندم منكسر الوجه إلى الأرض يلازمه الشعور بأنه حشرة و بأنه لا يستحق شعاع الشمس الذي يطلعه الله عليه و لا نسمة الهواء التي يتنفسها و لا اللقمة الجافة التي يأكلها .
و لم يكن يرتكب ذنباً إلا كانت وراءه ضرورة ملحة تدفعه .. و حياته كلها كانت محاولة مستمرة للاستقامة دون جدوي . فهو يغالب طبعه و طبعه يغلبه . و يغالب ضعفه و ضعفه يغلبه . ثم يبكي في النهاية و يشعر بالخزي و الهوان . و يحاول أن ينسي ذلك الهوان بالشرب فيزداد بالشرب هوانا .
يشعر دائماً ان الله يراه .. و لا يدري من أين يأتيه ذلك الشعور .. و لا كيف يفعل ما يفعل أمام عين الله التي لا تنام .
شعوره الدائم الذي لا يفارقه هو الإشمئزاز من نفسه . و هو شعور ملازم له كالتنفس لا خلاص منه .. و كأنه صرصور غارق في مستنقع من الصمف كلما حاول الخلاص ازداد غرقا . لا ينجيه من الموت يأسا إلا إيمانه بأن ذنوبه مهما عظمت فإن عفو الله اعظم ..
و إن الله لا تنفعه طاعتنا و لا تضره ذنوبنا .. فهو غني بنفسه عن العالمين .. و هو الذي وسع كل شيء رحمة و علما .. و هو الوهاب الذي لا يحتاج لأحد .
لا يكف عن البكاء .
و لا يكف عن الوقوف بباب الرحمة و إن كان يشعر بأن يديه ملطختان بالآثام .. يعرف الناس تاريخه ويسخرون منه و لكنهم يعطفون عليه .. و البعض يقول له .. ادع لنا يا شيخ مبروك فيقول لهم .. يدعو لكم الشيخ مبروك .. و لكن لا أنا شيخ و لا أنا مبروك و يبكي و يمد يده المرتجفة تحت جلبابه ليخرج الزجاجة فيشربها ممزوجة بدموعه ثم يمضي يحث الخطى لائذاً بالجدران منكس الوجه إلى الارض ليختفي في ظلمة المقابر .. و هو يستغفر و يطلب العفو .
و اليوم كان على الشيخ مبروك أن يفتح حوش الحاج إبراهيم للمرة الخامسة ليلتقي الإبن الخامس للحاج .. تلك القصة التي كانت تتكرر كل عام .. كلما أنجب الحاج إبنا شق له لحداً .
و كان قلب الشيخ مبروك ينفطر حزناً على ذلك الأب الواله الغارق في دموعه .
قال الحاج و هو يبكي :
ذلك هو إبني الخامس .. بنتي الوحيده أصابها شلل الأطفال من شهور و أصبحت كسيحة تتحرك على كرسي بعجلات .. و بالأمس قال الطبيب .. إنه لا فائدة .. تآكلت جذور الأعصاب و لم يعد ينفع طب و لا دواء .. عن قريب نشق لها لحداً آخرا يا شيخ مبروك .. عن قريب آتي بها إليك محمولة .. يا رب رجمتك .
و ألقى الرجل بنفسه على صدر الشيخ مبروك وراح يبكي و ينهنه كطفل يتيم .
قال الحاج في دموعه :
أدع لها بالشفاء يا شيخ مبروك .. لعل الله يشفيها بدعوتك ..
قال الشيخ مبروك و الخزي يملأ نبراته :
أنت اولى بالدعوة يا حاج .. أنت حجيت بيت الله .. و زرت النبي .. أما أنا فحجي كان إلي السجون و زياراتى للملاجئ و الأحداث و حظى من تقوى الله هو ما تري .. فكيف أجرؤ أن أرفع وجهى إليه بدعاء .
فعاد الحاج يقول باكيا :
بُحَّ صوتي بالدعاء و جاهدت نفسي صلاة و صوما فما استمعت السماء لدعائي ..
ادع لها انت يا شيخ مبروك فالله رب قلوب .. بحق الله ادع لها ولاتخيب رجاء اب ملكوم .
فرفع الشيخ مبروك يديه إلي السماء واجماً خزيان وتوجه إلي الله بتظرات خجلى وتمتم بدعوى مخضلة بالدمع متهدجة بالانكسار:
يا رب اشفها لا شاف سواك و عافها فلا معاف سواك .. و بكى الرجلان كما لم يبكيا منذ وُلِدا .
و في اليوم التالي شهدت القرافة الحاج ابراهيم يبحث عن الشيخ مبروك .. و يفتش عنه كالمجنون و هويقول لكل من يلقاه :أين الشيخ مبروك ؟ .. أين الشيخ مبروك دلوني على مكانه .. بنتي شفيت من الشلل .. قامت من كرسيها و مشت وحدها و قال الدكتور هي معجزة.أين الشيخ مبروك .. أين أجد الشيخ مبروك .
و لكن الشيخ مبروك كان قد مات و لقى ربه في فجر ذلك اليوم و دفن حيث لفظ أنفاسه و هو يتمتم باكياً كعادته كلما وضع خده لينام .
رب اغفر لي فمن يغفر الذنوب إلا انت .
رب إن ذنوبي و إن كثرت فانها لن تضرك و طاعاتي و ان كثرت فانها لن تنفعك فانت الغني عن العالمين .
رب مهما عظمت ذنوبي فان عفوك أعظم و مهما كبرت آثامي فان إحسانك أكبر .
سبحانك وسعت كل شيء رحمة و علما .. فارحم ضعفي وعجزي وفاقتي و انت القائل : " وَ خُلِقَ الْإِنْسَانُ ضَعِيفًا " (28) النساء
رب اقبلني من المنكسرين الخائفين المشفقين الوجلين ..
يا رب انت الرب و انا العبد .. انت الوجود و انا العدم .. سبحانك لا أملك من نفسي شيئا و لا املك لنفسي شيئا.رب اسلمت نفسي اليك .. و أسلمت ضعفي اليك .. و أسلمت حقيقتي اليك .. و اسلمت ارادتى اليك .. و أسلمت روحى إليك .. لا حول و لا قوة إلا بكك .. بك أحيا و بك أموت و بك أُبعَث .. و بك أنال المغفرة و بك أدخل الجنة .
و طلع فجر ذلك اليوم معه آخر أنفاس الشيخ مبروك يسلمها إلي ربه .
و انتهت قصة رجل من الخطائين كان أقرب إلي الله من كثير من الطائعين من أهل الغرور بطاعتهم .
رجل غفر الله له لأنه عرف مقامه .. و كانت حياته كلها إنحناءً و إنكساراً و دخولاً من الباب الضيق .
قصة / المبروك
من كتاب / نقطة الغليان
للدكتور / مصطفى محمود (رحمه الله). ❝ ⏤مصطفى محمود
❞ أفرغ الرجل كأس الخمر الرديئة في جوفه و شرع يبكي و يتمتم نادماَ .. تُبت إليك يا رب .. لا أعود إلى شربها أبداً أعاهدك و أستغفرك ..
و بعد لحظات كان يملأ كأساً أخرى ليلقيها في جوفه ليعود فيستفغر باكيا مغمغماً .. سامحني يا رب .. هذه اخر مرة .. تبت إليك و رجعت إليك و أنبت إليك ..
ثم ما تلبث الغفلة أن تسيطر عليه و يعاوده ضعفه فيغالبه فيغلبه فينكب على كأس أخرى .. ثم يعود فيقف تائباً باكياً بالباب .
ذلك هو الشيخ مبروك .. و كانوا يسمونه " الشيخ " من باب السخرية بحاله .
ستون سنة و لكن هيكله المضعضع يوحي بأنه جاوز المائة .. جاء إلى الدنيا لقيطاً ملقى على الرصيف في لفة و قضى صباه في ملجأ للأيتام ثم في سجن للأحداث .
لم يدع منكراً إلا قارفه و لا مخاضة أو حال إلا انغرس فيها .
كان يخرج من سجن ليدخل سجناً و يخرج من تخشيبة ليلقى في تخشيبة و انتهى حاله إلى ان أصبح حارساً في قرافة ..
ينام و يأكل و يشرب و يسكن مع الموتى .. يحرس القبور نهاراً ثم يعود فينبشها ليلا ليبيع الجثث لطلبة الطب في مقابل جنيهات قليلة يسكر بها .
ذلك هو " الشيخ مبروك " صاحب ملف السوابق الحافل . و لكنه طراز خاص من المجرمين ..كان مجرما " غلباناً " دائم البكاء دائم الندم منكسر الوجه إلى الأرض يلازمه الشعور بأنه حشرة و بأنه لا يستحق شعاع الشمس الذي يطلعه الله عليه و لا نسمة الهواء التي يتنفسها و لا اللقمة الجافة التي يأكلها .
و لم يكن يرتكب ذنباً إلا كانت وراءه ضرورة ملحة تدفعه .. و حياته كلها كانت محاولة مستمرة للاستقامة دون جدوي . فهو يغالب طبعه و طبعه يغلبه . و يغالب ضعفه و ضعفه يغلبه . ثم يبكي في النهاية و يشعر بالخزي و الهوان . و يحاول أن ينسي ذلك الهوان بالشرب فيزداد بالشرب هوانا .
يشعر دائماً ان الله يراه .. و لا يدري من أين يأتيه ذلك الشعور .. و لا كيف يفعل ما يفعل أمام عين الله التي لا تنام .
شعوره الدائم الذي لا يفارقه هو الإشمئزاز من نفسه . و هو شعور ملازم له كالتنفس لا خلاص منه .. و كأنه صرصور غارق في مستنقع من الصمف كلما حاول الخلاص ازداد غرقا . لا ينجيه من الموت يأسا إلا إيمانه بأن ذنوبه مهما عظمت فإن عفو الله اعظم ..
و إن الله لا تنفعه طاعتنا و لا تضره ذنوبنا .. فهو غني بنفسه عن العالمين .. و هو الذي وسع كل شيء رحمة و علما .. و هو الوهاب الذي لا يحتاج لأحد .
لا يكف عن البكاء .
و لا يكف عن الوقوف بباب الرحمة و إن كان يشعر بأن يديه ملطختان بالآثام .. يعرف الناس تاريخه ويسخرون منه و لكنهم يعطفون عليه .. و البعض يقول له .. ادع لنا يا شيخ مبروك فيقول لهم .. يدعو لكم الشيخ مبروك .. و لكن لا أنا شيخ و لا أنا مبروك و يبكي و يمد يده المرتجفة تحت جلبابه ليخرج الزجاجة فيشربها ممزوجة بدموعه ثم يمضي يحث الخطى لائذاً بالجدران منكس الوجه إلى الارض ليختفي في ظلمة المقابر .. و هو يستغفر و يطلب العفو .
و اليوم كان على الشيخ مبروك أن يفتح حوش الحاج إبراهيم للمرة الخامسة ليلتقي الإبن الخامس للحاج .. تلك القصة التي كانت تتكرر كل عام .. كلما أنجب الحاج إبنا شق له لحداً .
و كان قلب الشيخ مبروك ينفطر حزناً على ذلك الأب الواله الغارق في دموعه .
قال الحاج و هو يبكي :
ذلك هو إبني الخامس .. بنتي الوحيده أصابها شلل الأطفال من شهور و أصبحت كسيحة تتحرك على كرسي بعجلات .. و بالأمس قال الطبيب .. إنه لا فائدة .. تآكلت جذور الأعصاب و لم يعد ينفع طب و لا دواء .. عن قريب نشق لها لحداً آخرا يا شيخ مبروك .. عن قريب آتي بها إليك محمولة .. يا رب رجمتك .
و ألقى الرجل بنفسه على صدر الشيخ مبروك وراح يبكي و ينهنه كطفل يتيم .
قال الحاج في دموعه :
أدع لها بالشفاء يا شيخ مبروك .. لعل الله يشفيها بدعوتك ..
قال الشيخ مبروك و الخزي يملأ نبراته :
أنت اولى بالدعوة يا حاج .. أنت حجيت بيت الله .. و زرت النبي .. أما أنا فحجي كان إلي السجون و زياراتى للملاجئ و الأحداث و حظى من تقوى الله هو ما تري .. فكيف أجرؤ أن أرفع وجهى إليه بدعاء .
فعاد الحاج يقول باكيا :
بُحَّ صوتي بالدعاء و جاهدت نفسي صلاة و صوما فما استمعت السماء لدعائي ..
ادع لها انت يا شيخ مبروك فالله رب قلوب .. بحق الله ادع لها ولاتخيب رجاء اب ملكوم .
فرفع الشيخ مبروك يديه إلي السماء واجماً خزيان وتوجه إلي الله بتظرات خجلى وتمتم بدعوى مخضلة بالدمع متهدجة بالانكسار:
يا رب اشفها لا شاف سواك و عافها فلا معاف سواك .. و بكى الرجلان كما لم يبكيا منذ وُلِدا .
و في اليوم التالي شهدت القرافة الحاج ابراهيم يبحث عن الشيخ مبروك .. و يفتش عنه كالمجنون و هويقول لكل من يلقاه :أين الشيخ مبروك ؟ .. أين الشيخ مبروك دلوني على مكانه .. بنتي شفيت من الشلل .. قامت من كرسيها و مشت وحدها و قال الدكتور هي معجزة.أين الشيخ مبروك .. أين أجد الشيخ مبروك .
و لكن الشيخ مبروك كان قد مات و لقى ربه في فجر ذلك اليوم و دفن حيث لفظ أنفاسه و هو يتمتم باكياً كعادته كلما وضع خده لينام .
رب اغفر لي فمن يغفر الذنوب إلا انت .
رب إن ذنوبي و إن كثرت فانها لن تضرك و طاعاتي و ان كثرت فانها لن تنفعك فانت الغني عن العالمين .
رب مهما عظمت ذنوبي فان عفوك أعظم و مهما كبرت آثامي فان إحسانك أكبر .
سبحانك وسعت كل شيء رحمة و علما .. فارحم ضعفي وعجزي وفاقتي و انت القائل : " وَ خُلِقَ الْإِنْسَانُ ضَعِيفًا " (28) النساء
رب اقبلني من المنكسرين الخائفين المشفقين الوجلين ..
يا رب انت الرب و انا العبد .. انت الوجود و انا العدم .. سبحانك لا أملك من نفسي شيئا و لا املك لنفسي شيئا.رب اسلمت نفسي اليك .. و أسلمت ضعفي اليك .. و أسلمت حقيقتي اليك .. و اسلمت ارادتى اليك .. و أسلمت روحى إليك .. لا حول و لا قوة إلا بكك .. بك أحيا و بك أموت و بك أُبعَث .. و بك أنال المغفرة و بك أدخل الجنة .
و طلع فجر ذلك اليوم معه آخر أنفاس الشيخ مبروك يسلمها إلي ربه .
و انتهت قصة رجل من الخطائين كان أقرب إلي الله من كثير من الطائعين من أهل الغرور بطاعتهم .
رجل غفر الله له لأنه عرف مقامه .. و كانت حياته كلها إنحناءً و إنكساراً و دخولاً من الباب الضيق .
قصة / المبروك
من كتاب / نقطة الغليان
للدكتور / مصطفى محمود (رحمه الله) . ❝