█ حصريا تحميل كتاب مجاناً PDF اونلاين 2024
❞ كان من أسباب انصرافي عن القرآن في شبابي ما قرأته عن أنهار العسل و أنهار الخمر في الجنة.. و أنا لا أحب العسل و لا أحب الخمر.. فاعتبرت هذه سذاجات و انسحب حكمي على القرآن ثم على الدين كله.
و الساذج في واقع الأمر.. لم يكن إلا أنا.
فأنا لم أحاول أن أتفهم النص القرآني و لا أن أعكف حتى على ظاهر عبارته فما بال باطنها.. و كنت في عجلة من أمري.. و كان الانصراف غايتي و شهوتي.. و غطت هذه الشهوة على كل شيء فضاعت معالم الحقيقة من أمامي.. و فاتتني أمور كانت شديدة الوضوح.
فماذا يقول القرآن في الجنة؟
(( مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ فِيهَا أَنْهَارٌ مِّن مَّاء غَيْرِ آسِنٍ وَأَنْهَارٌ مِن لَّبَنٍ لَّمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ وَأَنْهَارٌ مِّنْ خَمْرٍ لَّذَّةٍ لِّلشَّارِبِينَ وَأَنْهَارٌ مِّنْ عَسَلٍ مُّصَفًّى وَلَهُمْ فِيهَا مِن كُلِّ الثَّمَرَاتِ وَمَغْفِرَةٌ مِّن رَّبِّهِمْ كَمَنْ هُوَ خَالِدٌ فِي النَّارِ وَسُقُوا مَاء حَمِيمًا فَقَطَّعَ أَمْعَاءهُمْ (15) )) [ محمد ]
و الآية تبدأ بأنها ضرب مثل. ((مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ.. )) و ليست إيرادا لأوصاف حرفية. فهذا أمر مستحيل لأن الجنة و الجحيم أمور غيبية بالنسبة لنا لا يمكن تصويرها في كلمات من قاموسنا.
تماما كما يسألك الطفل عن اللذة الجنسية.. فتحتار كيف تصفها له فهي بالنسبة له غيب خارج عن حدود خبراته تماما. و بعد أن تعجز عن توصيل المعنى إليه تقول على سبيل ضرب المثل و على سبيل التقريب.. إنها شيء مثل السكر.
لقد اخترت له شيئا من خبراته اليومية.
و مع ذلك فما أبعد المعنى.
و ما أبعد الفارق بين اللذة الجنسية و بين طعم السكر العادي المبتذل.
و بالمثل كان موقف القرآن في مخاطبة البدوي البسيط.
و كل أمنية البدوي الذي يعيش في هجير الصحراء أن يعثر على نبع ماء عذب. فكل ما يجد من مياه ما هي إلا ينابيع مالحة آسنة.
و كذلك اللبن.. فما أسرع ما يختمرو يتغير طعمه في حر الصحارى.. فيضرب له القرآن المثل من أعز ما يتمنى.
(( إِنَّ اللَّهَ لاَ يَسْتَحْيِي أَن يَضْرِبَ مَثَلاً مَّا بَعُوضَةً فَمَا فَوْقَهَا.. (26) )) [ البقرة ]
فكل الغاية هي تقريب تلك المعاني المستحيلة بقدر الإمكان.
و كل ما جاء عن الجنة و الجحيم ما هو إلا ألوان من ضرب المثال.. و ألوان من التقريب و ألوان من الرمز.
و في العهد القديم يصف ( أشعيا ) يوم الرضوان قائلا:
(( يصنع رب الجنود لجميع الشعوب في هذا الجبل وليمة سمائن و وليمة خمر و يمسح السيد الرب الدموع من كل الوجوه )).
و في تراتيل القديس ( أفرايم ):
(( و رأيت مساكن الصالحين.. رأيتهم تقطر منهم العطور و تزينهم ضفائر الفاكهة و الريحان.. و كل من عف عن الشهوات تلقته الحسان في صدر طهور )).
إنها صور مشتركة في جميع الأديان.
و لكن القرآن لا يتركنا في ضباب الأمثلة فما يلبث أن يقطع بالقول الفصل:
(( فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَّا أُخْفِيَ لَهُم مِّن قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاء بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (17) )) [ السجدة ]
إنه يحيل القضية كلها إلى غيب لا يمكن التعبير عنه بلغة الأرض.
هنا كل منى العين و القلب مما لا يمكن تصويره بألفاظ.
أما جهنم فهي شيء فظيع.. لا هي بالحياة و لا هي بالموت.
(( وَيَأْتِيهِ الْمَوْتُ مِن كُلِّ مَكَانٍ وَمَا هُوَ بِمَيِّتٍ وَمِن وَرَآئِهِ عَذَابٌ غَلِيظٌ (17) )) [ إبراهيم ]
(( فَاتَّقُواْ النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ.. (24) )) [ البقرة ]
ثم يشرح لنا أكثر:
(( لَهُم مِّن فَوْقِهِمْ ظُلَلٌ مِّنَ النَّارِ وَمِن تَحْتِهِمْ ظُلَلٌ ذَلِكَ يُخَوِّفُ اللَّهُ بِهِ عِبَادَهُ يَا عِبَادِ فَاتَّقُونِ (16) )) [ الزمر ]
ها هو ذا يبين لنا حقيقة جديدة.. فيقول إنه يورد الألفاظ للتخويف. و لكنه ليس تخويفا على غير أساس.
إنه مثل تخويفك لابنك حين تحذره من إهمال نظافة أسنانه و تقول له: إذا لم تنظف أسنانك بالفرشاة فإن السوس سوف يأكل أسنانك.. تقول ذلك محبة منك و رحمة لطفلك.
و بالطبع.. السوس لن يأكل أسنانه.. إنما هي ميكروبات و فيروسات غير مرئية.
و لكن التخويف كان على أساس.. لأن ما سوف يحدث له إذا أهمل نظافة أسنانه سيكون ألعن من أكل السوس.
و من جرب الآلام الرهيبة لضرس مسوس.. يعرف أنها أسوأ من كل ما سمع من تحذيرات.
إنه تخويف العزيز الرحيم من شيء سوف يحدث بالفعل و سيكون أسوأ من جميع ما قيل و كتب.. مما لا عين رأت و لا أذن سمعت و لا خطر على قلب بشر.
إن العذاب حق.. و الثواب حق.
و هنا يعترض معترض.
ألا يتنافى مع رحمة الله و مع عظمته أن يعذب.. و يعذب من !.. إنسانا مسكينا لا يساوي ذرة أو هباء في مملكة الله اللانهائية.
و هو اعتراض كان يشغلني دائما و كان يصرفني دائما عن قبول فكرة العذاب و بالتالي عن القرآن و عن الدين كله.
و السؤال يحتاج منا إلى أن نتعمق في معنى كلمة عذاب.
و الله بالفعل لا يعذب.
إنما هو فقط يعدل.
و لو أنه ساوى في آخرته بين ظالم و مظلوم.. و بين قتيل و القاتل الذي قتله.. لو أنه فعل ذلك بحجة الرحمة لكان أبعد ما يمكن عن الرحمة.. و عن العدل.. فالمساواة بين غير المتساويين ظلم فادح.. تعالى الله عن أن يقع فيه.
ثم هي الفوضى أن يكون الأبيض في عين الله كالأسود، و الأعمى كالبصير، و الميت كالحي، و الذي يسمع كمن لا يسمع.
و الكون ينفي الفوضى.
تأمل كل جزئية في الكون تكشف لك عن النظام المحكم و القانون الذي لا يفوته واحد من ألف من المليجرام.
و حركة إليكترون من مدار إلى مدار في داخل الذرة لا تتم إلا بحساب، فهو لا بد أن يعطي حزمة من الطاقة ليقفز إلى الخارج قفزة مساوية، و لا بد له أن يمتص حزمة أخرى ليقفز إلى الداخل قفزة مساوية.. إنه محاسب في حركاته.. و هو إليكترون.. فما بال الإنسان العاقل و هو بالنسبة للإليكترون كالمجرة و الفلك بالنسبة للإنسان.. و قد نفخ الله فيه من روحه فهو شيء عظيم.. و ليس في هوان الذرة و لا الإليكترون.
ثم ما معنى أن يموت مظلوما و ظالما فيصبح ترابا بلا بعث و يذهب ما حصله من خير و شر و علم و حكمة سدى.
إنها تكون مجرد سخافة.
(( وَقَالُوا مَا هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا يُهْلِكُنَا إِلَّا الدَّهْرُ وَمَا لَهُم بِذَلِكَ مِنْ عِلْمٍ إِنْ هُمْ إِلَّا يَظُنُّونَ (24) )) [ الجاثية ]
و هو ظن خاطئ.. لأن الحياة تكون به مجرد لعبة عبثية و باطل في باطل.
(( أَيَحْسَبُ الْإِنسَانُ أَن يُتْرَكَ سُدًى (36) )) [ القيامة ]
و العقل المتأمل لا يقول هذا أبدا. إنه ليتفكر في خلق الكون و نواميس الفلك المحكمة و يهتف من أعماقه:
(( رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ.. (191) )) [ آل عمران ]
مستحيل أن ينتهي كل هذا إلى باطل.. لا بد أن هناك استمرار بطريقة ما.. و لا بد أن يتضح لنا الحكمة من كل هذا في ميقاتها.
إتها قضية عدالة و قضية منطق و ليست قضية تعذيب لهدف التعذيب، و الذي سوف يحدث لنا بعد البعث هو أن كل واحد ستلازمه رتبته و درجته التي حصلها في الدنيا لا أكثر.
(( فَقَدْ كَذَّبْتُمْ فَسَوْفَ يَكُونُ لِزَامًا (77) )) [ الفرقان ]
فمن عاش لا يسمع و لا يعقل و لا يبصر الحق سوف يحشره الله أعمى:
(( وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى (124) قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنتُ بَصِيرًا (125) قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنسَى (126) )) [ طه ]
إنها مجرد صفتك تلازمك (( سوف يكون لزاما )).
إن الله لا يعذبك.. و لكنك تعذب نفسك بجهلك.
(( وَمَا ظَلَمْنَاهُمْ وَلَكِن كَانُواْ أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ (118) )) [ النحل ]
من عاش حيوانا لا هم له إلا أن يأكل و يضاجع فهو في الحياة الثانية له رتبة الحيوان أو الرتبة السفلى بالنسبة لغيره ممن عاشوا يتأملون و يعقلون.
(( وَمَن كَانَ فِي هَذِهِ أَعْمَى فَهُوَ فِي الآخِرَةِ أَعْمَى وَأَضَلُّ سَبِيلاً (72) )) [ الإسراء ]
و في الآخرة تتزايد الفروق و تتضاعف.. فما بين اثنين سوف يكون أكثر بمراحل من فارق الدرجة بين حيوان و إنسان.
(( انظُرْ كَيْفَ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَلَلآخِرَةُ أَكْبَرُ دَرَجَاتٍ وَأَكْبَرُ تَفْضِيلاً (21) )) [ الإسراء ]
(( سَيُصِيبُ الَّذِينَ أَجْرَمُواْ صَغَارٌ عِندَ اللّهِ.. (124) )) [ الأنعام ]
إن هذا الصغار سيعذب و يحرق.. لأنه سيكون حسرة على صاحبه حينما يرى مكانته و مكانة الآخرين و مقدار ما خسر و مقدار ما كسبوا.
(( رَبَّنَا إِنَّكَ مَن تُدْخِلِ النَّارَ فَقَدْ أَخْزَيْتَهُ.. (192) )) [ آل عمران ]
الله يعتبر الخزي في هذه الآية أشد من النار إيلاما.
و كما يصف الإنجيل هذا العالم الآخر (( عالم البكاء و صرير الأسنان )). المجرم فيه يصر على أسنانه ندما على ما يرى من هوان شأنه أمام الدرجات العالية التي أصابها الآخرون. و يصف القرآن أهل الجنة في تلك الدرجات بأنهم المقربون. المقربون من الله.. من الحق.
(( فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِندَ مَلِيكٍ مُّقْتَدِرٍ (55) )) [ القمر ]
و يروي لنا أن الله يكلمهم و ينظر إليهم و أنهم على أسرة الملك متقابلون قد نزع الله ما في قلوبهم من غل فأصبحوا إخوانا متحابين.
و يصف الجنة بأنها دار السلام.. و أنه لا حرب فيها و لا كذب و لا لغو و لا سباب.
و بعد أن يستطرد في الآية الثانية و السبعين من سورة التوبة في وصف الجنات التي تجري من تحتها الأنهار و المساكن الطيبة في جنات عدن يختم الآية قائلا:
(( وَرِضْوَانٌ مِّنَ اللّهِ أَكْبَرُ (72) )) [ التوبة ]
و المعنى واضح.. إن مقام الرضا.. رضا الله أعظم من كل تلك اللذات المادية.
ثم يتأكد المعنى من هذه الآية في سورة الإسراء التي توصي بالتهجد في الليل.
(( وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَّكَ عَسَى أَن يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَّحْمُودًا (79) )) [ الإسراء ]
إنها إذن مسألة مقامات. كل واحد يبعث على رتبته و مقامه.
الله لا يعذب للعذاب.
و إنما يأتي العذاب و احتراق الصدر من إحساس من هم في أسافل الدرجات بالغيرة و الحسد و الهوان و الخسران الأبدي الذي لا مخرج منه.. و سوف يحرق هذا الإحساس الصدور كما تحرقها النار و أكثر.. و سوف يكون هو النكال و التنكيل.. ينكل الواحد منا بنفسه بالدرجة التي وضع نفسه فيها و التي انحدر إليها بأعماله في الدنيا.
و مما يدل على أن النار في الآخرة هي غير ما نعرف من نارنا هذه الآيات من سورة الأعراف:
(( وَشَهِدُواْ عَلَى أَنفُسِهِمْ أَنَّهُمْ كَانُواْ كَافِرِينَ (37) قَالَ ادْخُلُواْ فِي أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِكُم مِّن الْجِنِّ وَالإِنسِ فِي النَّارِ كُلَّمَا دَخَلَتْ أُمَّةٌ لَّعَنَتْ أُخْتَهَا حَتَّى إِذَا ادَّارَكُواْ فِيهَا جَمِيعًا ( حتى إذا أدرك بعضهم بعضا ) قَالَتْ أُخْرَاهُمْ لأُولاَهُمْ رَبَّنَا هَؤُلاء أَضَلُّونَا فَآتِهِمْ عَذَابًا ضِعْفًا مِّنَ النَّارِ قَالَ لِكُلٍّ ضِعْفٌ وَلَكِن لاَّ تَعْلَمُونَ (38) )) [ الأعراف ]
إنه حوار و مكالمة في النار تجرى بين المعذبين.. و في مثل نارنا لا يمكن أن يجرى حوار بين اثنين يحترقان.
و المعنى الثاني العميق في الآية (( لكل ضعف و لكن لا تعلمون )).
إن أمامنا اثنين يتعذب الواحد منهما ضعف الآخر مع أنهما في المكان نفسه، و معنى هذا أن العذاب في الشخص و ليس في المكان ذاته.. و هذا لا ينفي أن يكون العذاب المذكور حسيا، بل إنه من الممكن أن يكون معنويا و حسيا في نفس الوقت ( كما يحدث أن يتعرض اثنان للحر اللافح فيصاب أحدهما بالصداع على حين يتحمل الآخر بسبب اختلاف درجات اللياقة عند الإثنين ) و الصداع ألم حسي و معنوي.
و لا ينفي أن يكون نارا و لكنها نار غير ما نعرف من نارنا.
و يروي القرآن عن أهل الجنة و كيف أنهم يتذكرون و هم يأكلون فاكهة الجنة أنهم قد رزقوا أنواع هذه الفاكهة حينما كانوا على الأرض ( مع الفارق في الجودة ).
و كيف أن لهم زوجات في الجنة و لكنهن زوجات مطهرات ( لسن كزوجات الأرض يعانين الحيض و المخاض شكسات غيورات متسلطات ).
تقول الآية عن هؤلاء الصالحين في الجنة:
(( كُلَّمَا رُزِقُواْ مِنْهَا مِن ثَمَرَةٍ رِّزْقاً قَالُواْ هَذَا الَّذِي رُزِقْنَا مِن قَبْلُ وَأُتُواْ بِهِ مُتَشَابِهاً وَلَهُمْ فِيهَا أَزْوَاجٌ مُّطَهَّرَةٌ وَهُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (25) )) [ البقرة ]
و الجنة بهذه الصورة هي درجة و مقام.. فيها كل ما نعرف على الأرض و لكن مع تفاوت هائل في الرتبة.. تفاوت يفوق التصور.. تفاوت مثل التفاوت بين الزمن و الأبد و مثل التفاوت الذي ذكرناه بين طعم قطعة السكر و طعم اللذة الجنسية الحادة بالنسبة لبالغ.
و إذا ذكر العسل في مثل هذه الجنة فهو عسل و لكم لا كما نعرف من عسل، و اللبن هو اللبن و لكن لا كما نعرف من لبن، و النساء لا كما نعرف من نساء.
إنها ستكون أشياء مدهشة كالغيب بالنسبة لما نعلم.. يقول الشاعر عن امرأة يحبها إن جسمها يضيء كأنها صيغت من النور.. إنها أحلام يمكن أن تكون هناك حقائق.
و بالمثل ما يروي القرآن عن النار.. فهي نار لا كما نعرف من نار.. نار تنبت فيها شجرة لها ثمر ( شجرة الزقوم ).. و فيها ماء حميم يشربه أهلها.. و المعذبون فيها يتكلمون و يتحاورون فأجسادهم لا يمكن أن تكون لها نفس كيمياء الأجساد كما نعلمها و إلا لتبخرت دخانا في لحظات و لما استطاعوا أن يتبادلوا كلمة.
و معنى هذا أننا سوف نبعث أجسادا و لكن لا كالأجساد.. ربما كيانات لها ذات الهيئة و الصورة و لكن من مادة مختلفة هي بالنسبة لنا غيب.. إنها لن تكون الأجساد الترابية التي نتكون منها الآن في حياتنا الأرضية.
و لهذا يمكن أن تتضاعف المتع حسيا و معنويا بطريقة نجهلها.
كما تتضاعف درجات العذاب حسيا و معنويا عما نعلم و كما يتوزع الناس مراتب و درجات بحسب لياقتهم.. تكون لكل مرتبة مواصفاتها الحياتية التي تكفل لمن فيها حظوظا من السعادة أو الشقاء كل حسب قدره، و أتصور أن أعلى الناس قدرا في الجنة هم الذين سيرتفعون عن متع الحواس و جنة الحواس و يختار لهم الرحمن درجة الحياة الروحية الخالصة إلى جواره في سدرة المنتهى، حيث لا تكون اللذة هي لذة طعام و لا لذة شراب و لا لذة حور عين و إنما لذة النظر إلى الله في كماله و لذة تأمل الحق و الجمال و صورة الخير المطلق.
إنها لذة الجالس (( فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِندَ مَلِيكٍ مُّقْتَدِرٍ (55) )) [ القمر ]
و هي مرتبة المفضلين من الأنبياء و من في مقامهم.
و هكذا تشتمل الجنة على جميع الدرجات من المتع الحسية من مأكل و مشرب ارتفاعا حتى المتع الروحية الخالصة ينال كل منا ما تؤهله له رتبته.
كل هذه آيات كواشف ذات دلالة تدلنا على أن النار ليست هي نارنا و لا الجنة هي سوق الخضار و لا الله هو الباطش الإرهابي.
و إنما الله سوف يبعث كل واحد على رتبته و مقامه و درجته، لأن هذا عين العدل و هو العادل.
و إنما سوف يتأتى العذاب من تفاوت الرتب تفاوتا عظيما، ثم بالسقوط في تقييم أبدي لا مخرج منه يلزم صاحبه كما تلزم الإصبع بصمتها.
و هو عذاب أكيد و جحيم أكيد سوف نراه عيانا و يقينا:
(( كَلَّا لَوْ تَعْلَمُونَ عِلْمَ الْيَقِينِ (5) لَتَرَوُنَّ الْجَحِيمَ (6) ثُمَّ لَتَرَوُنَّهَا عَيْنَ الْيَقِينِ (7) )) [ التكاثر ]
و لأن الله يعلم أن هذا العذاب سوف يكون رهيبا.. فقد حذرنا و خوفنا بالألفاظ المجلجلة و أرسل لنا الأنبياء مبشرين منذرين مؤيدين بالمعجزات و الخوارق و الآيات و الكتب.. فعل ذلك رحمة منه و حنانا و عطفا.. و هو القائل في حديثه القدسي: (( سبقت رحمتي غضبي )).
و في سورة الفاتحة يصف نفسه أولا بأنه الرحمن الرحيم قبل أن يقول مالك يوم الدين.. و هو يوم الحساب.. يوم الغضب.. يوم يحق القول على العالمين بلا رجعة.
و لأنه رحيم فقد فتح باب التوبة و إصلاح الخطأ على مصراعيه.
(( قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا.. (53) )) [ الزمر ]
ثم أقام شروط المغفرة:
(( وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِّمَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا ثُمَّ اهْتَدَى (82) )) [ طه ]
و أمر بالصلاة.. ثم قال: (( وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ.. (45) )) [ العنكبوت ]
أن تتذكر أن هناك قوة إلهية و أن يشخص هذا المعنى في ذاكرتك و في أفعالك على الدوام.. ينجيك و يحقق لك شرط المؤمن و يكون أفضل من صلاة المصلي الذي ليس في قلبه ذكر.
و كلمة (( الذكر )) في القرآن كلمة عميقة المعنى و الدلالة. فالقرآن نفسه اسمه ذكر، و التدين و الإيمان هو مجرد تذكر:
(( إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُوْلُوا الْأَلْبَابِ (9) )) [ الزمر ]
(( وَإِذَا ذُكِّرُوا لَا يَذْكُرُونَ (13) )) [ الصافات ]
(( إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ (9) )) [ الحجر ]
(( وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِن مُّدَّكِرٍ (17) )) [ القمر ]
(( فَذَكِّرْ إِنَّمَا أَنتَ مُذَكِّرٌ (21) لَّسْتَ عَلَيْهِم بِمُصَيْطِرٍ (22) )) [ الغاشية ]
(( وَلِيَتَذَكَّرَ أُوْلُوا الْأَلْبَابِ (29) )) [ ص ]
(( إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَواْ إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِّنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُواْ فَإِذَا هُم مُّبْصِرُونَ (201) )) [ الأعراف ]
و هنا ينبغي أن نقف وقفة تأمل طويلة.
فما هو هذا التذكر المطلوب.
إن أحدث النظريات النفسية تقول لنا: إن المعارف كلها تكون مخبوءة مكنوزة داخل نفس الإنسان و لكن تحجبها عنه غرائزه و شهواته.. و لهذا فالتعلم هو في حقيقته تذكر. بارتفاع حجب النفس و شفوفها.. و لا يكون تعلما من عدم.
فالطفل لا يتعلم أن ( 2 + 2 = 4 ) و إنما هو فقط يتذكر حقيقة باطنة في روحه، ولد بها.
و بالمثل الإحساس بالجمال و الطرب هو نوع من التذكر المبهم لعالم القدس و ما فيه.. عالم الملكوت الذي كنا فيه قبل النزول إلى الأرحام.
و لهذا السبب فإن جمال المرأة مثلا هو جمال زائر و ليس جمالا مقيما لأنه ليس جمالها هي.. و إنما هو ظل ينعكس عليها من الملكوت.. ثم ما يلبث أن يفارقها حينما يتغلب قانون المادة و الشيخوخة و التراب.
قبل ميلادنا.. كانت لنا ثمة حياة كأرواح.
و في ذلك تقول الآية القرآنية البديعة:
(( وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِن بَنِي آدَمَ مِن ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُواْ بَلَى شَهِدْنَا أَن تَقُولُواْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ (172) )) [ الأعراف ]
و الآية تروي ما كان في الغيب قبل الميلاد و قبل النزول إلى الدنيا.
و كل الخلائق مما خلق الله و يخلق و سيخلق مثل الذر في كفه ينظر إليهم و يشهدهم على أنفسهم.. ألست بربكم.. فيقولون بلى شهدنا.. و هو بهذا يأخذ عليهم ميثاقا غليظا لأنه يعلم أنه بعد الهبوط في الأرحام و انسدال حجاب اللحم الكثيف و نزول غشاوة الحواس و الشهوات و الغرائز و الأهواء أنهم سوف ينسون تماما.. و سوف يتخبطون في نكران وكفر و جهالة.
و هو.. رحمة منه يرسل لهم الأنبياء يذكرونهم.
و يقول لمحمد – صلى الله عليه و سلم - :
(( فَذَكِّرْ إِنَّمَا أَنتَ مُذَكِّرٌ (21) لَّسْتَ عَلَيْهِم بِمُصَيْطِرٍ (22) )) [ الغاشية ]
و يقول عن الإيمان إنه حياة.
(( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اسْتَجِيبُواْ لِلّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُم لِمَا يُحْيِيكُمْ.. (24) )) [ الأنفال ]
لأن اتصال الوجود الدنيوي بالتذكر بالوجود الملكوتي الأول ثم بالوجود الأخروي.. هو فطنة الإنسان إلى حياته بكاملها. و هي الحياة كل الحياة.
و الله ليس بحاجة إلى صلاتنا و لا إلى صيامنا و لكن نحن المحتاجون.. لعلنا في صلاتنا العميقة نتذكر و لعلنا بالعبادة و التوجه نتصل بنبع وجودنا.. و نستمد منه حياتنا.
إن الصلاة و العبادة استمداد. نحن الذين نحتاج إليها لتكون لنا حياة. و ليس الله.. لأن الله هو الحي بذاته المستغني بوجوده عن كل شيء.
أما نحن فلا يمكن أن تكون لنا حياة إلا بمدد منه.. من الله.. الحي الذي به الحياة.
و نفهم من هذا أن الله فرض الفروض ووضع شرائع العبادات من أجلنا و ليس من أجل أن يشعر بألوهيته. فهو في غنى عنا.. و في غنى عن أن يعذبنا.. و في غنى عن أن يطلب منا طلبا أو يفرض علينا فرضا.
(( مَّا يَفْعَلُ اللّهُ بِعَذَابِكُمْ إِن شَكَرْتُمْ وَآمَنتُمْ.. (147) )) [ النساء ]
لا مصلحة لله في تعذيب خلقه و لا حاجة له في ذلك.
و هو بالفعل لا يفرض علينا فرضا و لا يطالبنا بطلب و لا يقيم علينا عذابا، كل هذا يبدو من ظاهر العبارات فقط. أما باطن القرآن الذي يكشف نفسه لكل من جاهد في الفهم، إن الله هو الرحيم مطلق الرحمة، العادل مطلق العدل الذي يعطي مطلق العطاء و لا يأخذ شيئا و لا يحتاج لشيء.
و إذا كان في الدنيا ألوان من العذاب فهي من عيون رحمته.
(( وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنَ الْعَذَابِ الْأَدْنَى دُونَ الْعَذَابِ الْأَكْبَرِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ (21) )) [ السجدة ]
إنها محاولات لإيقاظ العقل الغافل لعله يتذكر و يرجع و ينجو بنفسه من عذاب أكبر في الطريق. عذاب لن يكون منه مخرج و لا مهرب. حينما تحق على كل واحد رتبته و درجته.
و نفهم من القرآن أن سنة الله أن يوقظ الغافلين في الأرض فيبتليهم بكل صنوف البؤس و المرض و العذاب لعلهم يفطنون إلى ما في الدنيا من زوال و ما وراءها من حقيقة باقية.. يفعل هذا رحمة بهم و لأنه يعلم ما ينتظرهم من ناموس عادل لن يلطف بهم.. حتى إذا نفذت فيهم كل هذه الآلام الدنيوية و لم يتيقظوا.. فتح الله عليهم أبواب كنوزه ليتمتعوا.. و حقت عليهم كلمته بالهلاك في الآخرة.
(( وَلَقَدْ أَرْسَلنَآ إِلَى أُمَمٍ مِّن قَبْلِكَ فَأَخَذْنَاهُمْ بِالْبَأْسَاء وَالضَّرَّاء لَعَلَّهُمْ يَتَضَرَّعُونَ (42) فَلَوْلا إِذْ جَاءهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُواْ وَلَكِن قَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ (43) فَلَمَّا نَسُواْ مَا ذُكِّرُواْ بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُواْ بِمَا أُوتُواْ أَخَذْنَاهُم بَغْتَةً فَإِذَا هُم مُّبْلِسُونَ (44) )) [ الأنعام ]
فما يبدو لنا أنه نعمة قد يكون في الحقيقة نقمة:
(( فَلاَ تُعْجِبْكَ أَمْوَالُهُمْ وَلاَ أَوْلاَدُهُمْ إِنَّمَا يُرِيدُ اللّهُ لِيُعَذِّبَهُم بِهَا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَتَزْهَقَ أَنفُسُهُمْ وَهُمْ كَافِرُونَ (55) )) [ التوبة ]
(( أَيَحْسَبُونَ أَنَّمَا نُمِدُّهُم بِهِ مِن مَّالٍ وَبَنِينَ (55) نُسَارِعُ لَهُمْ فِي الْخَيْرَاتِ بَل لَّا يَشْعُرُونَ (56) )) [ المؤمنون ]
(( إِنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدَادُواْ إِثْمًا وَلَهْمُ عَذَابٌ مُّهِينٌ (178) )) [ آل عمران ]
فليس الخير الظاهر في الدنيا و النعمة الغامرة بعلامة رضا الله في جميع الأحوال.. و لا عذاب الدنيا و بلائها بعلامة غضب الله في كل حال.. فقد يكون الخير غضبا و قد يكون البلاء لطفا.. و لا يكشف لك عن الحقيقة إلا صوت ضميرك.. إذا رأيت البلاء يطهرك فهو نعمة.. و إذا رأيت النعمة تطغيك فهي غضب.
ثم يتكلم القرآن عن أهل الجحيم:
(( إِنَّ الَّذِينَ حَقَّتْ عَلَيْهِمْ كَلِمَتُ رَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ (96) وَلَوْ جَاءتْهُمْ كُلُّ آيَةٍ حَتَّى يَرَوُاْ الْعَذَابَ الأَلِيمَ (97) )) [ يونس ]
و إنهم إذ ينزل بهم عذاب الجحيم ليصطرخون متوسلين:
(( يَا لَيْتَنَا نُرَدُّ وَلاَ نُكَذِّبَ.. (27) )) [ الأنعام ]
(( وَلَوْ رُدُّواْ لَعَادُواْ لِمَا نُهُواْ عَنْهُ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ (28) )) [ الأنعام ]
إن الله يعلم أنهم لو ردوا للدنيا لعادوا إلى كبريائهم.
إنه جهل و إصرار على الجهل لا وسيلة لعلاجه.. لا الأنبياء و لا المعجزات و لا الخوارق و الآيات.. و لا حتى مرورهم على الجحيم بكاف لردهم إلى معرفة.
و من هنا يبدو البقاء في الجحيم رحمة، فهو بالنسبة لبعض الجبارين الوسيلة الوحيدة إلى المعرفة و التقويم.
إن الله رحيم دائما حتى في جحيمه.. و لهذا سمى نفسه (( الرحمن )).. أي الرحيم مطلق الرحمة في جميع الأحوال لمن يستحق و من لا يستحق.. يرحم من يستحق بالجنة و يرحم من لا يستحق بالجحيم.. فالجحيم كما رأينا هو تعريف لمن لا يعرف و لمن فشلت معه كل وسائل التعريف فهو نوع من الرحمة.. و لهذا يقول في أجمل آياته:
(( عَذَابِي أُصِيبُ بِهِ مَنْ أَشَاء وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ.. (156) )) [ الأعراف ]
فأدخل عذابه ضمن رحمته التي وسعت كل شيء، و يفسر لنا الحساب فيقول:
(( اقْرَأْ كَتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيبًا (14) )) [ الإسراء ]
و الحساب هنا يبدو أنه حساب النفس للنفس و تنكيل النفس بالنفس و مواجهة النفس للنفس.
لقد لزم كل واحد عمله كظله و لا خلاص.. و حق القول.. و نفذ العدل الأزلي.
و لكن هذه المعاني تضيع في النظرة المتعجلة و القراءة السطحية و الوقوف عند الحروف و عند جلجلة الألفاظ.
و الألفاظ التي وصف الله بها القيامة كلها ألفاظ رهيبة ذات جلجلة و صلصلة.. تقرع الآذان كالأجراس، فهي الساعة، و الواقعة، و القارعة، و الزلزلة، و الدمدمة، و الغاشية، و الراجفة، و الرادفة، و الزجرة، و السكرة، و الطامة، و الحاقة، و الصاخة.
هل سمعت لفظا اسمه (( الصاخة )) ؟!
إنه لفظ يخرق طبلة الأذن.. لأن الله علم أن الواحد منا في هذه الدنيا تتخطفه الشهوات و تبرق في عينيه المطامع فهو لا يعقل.. و هو أصم لا يسمع.
فهتف في أذنه بهذه الكلمة.. التي تكاد تخرق السمع من فرط ارتفاع ذبذبتها ليوقظه:
(( فَإِذَا جَاءتِ الصَّاخَّةُ (33) يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ (34) وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ (35) )) [ عبس ]
فعل هذا رحمة و لطفا و حنانا.. تعالى الله عن أن يعذبنا شهوة في عذاب.
و ما العذاب إلا لزوم ما يلزم و حلول الصفة بموصوفها و انتظام الأرواح في سلم درجاتها الحق و انسدال الستار على هذا العالم الذي يتبارى فيه الناس على نوال ما لا يستحقون.
و نعطي مثلا لهذا التفاوت في الرتب فيما يشعر به كل منا في حياته الخاصة.. من تفاوت المستويات التي يمكن أن يعيش فيها.. لا نقصد مستويات الدخل.. و إنما نقصد شيئا أعمق.. نقصد المستويات الوجودية ذاتها.
فالواحد منا يمكن أن يعيش على مستوى متطلبات جسده، كل همه أن يأكل و يشرب و يضاجع كالبهيمة.
و يمكن أن يسكت ذلك السعار الجسدي ليستسلم لسعار آخر هو سعار النفس بين غيرة و حسد و غضب و شماتة و رغبة في السيطرة و جوع للظهور و تعطش للشهرة و استئثار لأسباب القوة بتكديس الأموال و الممتلكات و تربص لاصطياد المناصب.
و أكثر الناس لا يرتفعون عن هذه الدرجة و يموتون عليها و لا يكون العقل عندهم إلا وسيلة احتيال لبلوغ هذه الاسباب.
و الحياة بالنسبة لهذه الكثرة من الناس غابة و الشعور الطبيعي هو العدوان و تنازع البقاء و الصراع.. و الهدف هو التهام كل ما يمكن التهامه و انتهاز ما يمكن انتهازه.. و الواحد منهم تجده يتأرجح كالبندول من لهيب رغبة إلى لهيب رغبة أخرى.. يسلمه مطمع إلى مطمع و هو في ضرام من هذه الرغبات لا ينتهي.
و هناك قلة قليلة تكتشف زيف هذه الحياة و تصحو على إدراك واضح بأن هذا اللون من الحياة عبودية لا حرية.. و أنها كانت حياة أشبه بالسخرة و الأشغال الشاقة خضوعا لغرائز همجية لا تشبع و أطماع لا مضمون لها و لا معنى و لا قيمة.. كلها إلى زوال.
فتبدأ هذه القلة القليلة في إسكات هذا الصوت و في تكبيل هذه النفس الهائجة، و قد اكتشفت أنها حجاب على الرؤية و تشويش على الفهم.
و هكذا ترتفع هذه القلة القليلة في الرتبة لتعيش بمنطق آخر.. هو أن تعطي لا أن تأخذ.. و تحب لا أن تكره.. و تصبح هموم هذه القلة هي إدراك الحقيقة.
و على هذه القلة تنزل سكينة القلب فيتذكر الواحد منهم ماضيه حينما كان عبدا لسعار نفسه و كأنه خارج من جحيم !
و مثل هؤلاء يموتون و قد انعتقوا من وهم النفس و الجسد و بلغوا خلاصهم الروحي و أيقنوا حقيقة ذواتهم كأرواح كانت تبتلى في تجربة.
و ما أشبه الجسد – في الرتبة – بالتراب.. و النفس بالنار و الروح بالنور و هي مجرد ألفاظ للتقريب.. و لكنها تكشف لنا أن حكاية الرتب هي حكاية حقيقية.. و أن كل من يموت على رتبة يبعث عليها و أن هذا هو عين العدل و ليس تجبرا.. و قد يكون العذاب فوق الوصف إذا تجردت النفوس من أجسادها الترابية و لم يبق منها إلا سعار خالص و جوع بحت و اضطرام مطلق برغبات لا ترتوي ثم عدوان بين نفوس شرسة لا هدنة بينها و لا سلام و لا مصالحة إلى الأبد.. على عكس أرواح تتعايش في محبة و تتأمل الحق في عالم ملكوتي.
أكاد أجزم بأن ألفاظ القرآن بما فيها من جلجلة و صلصلة حينما تصف الجحيم إنما هي نذير حقيقي بعذاب فوق التصور و سوف نعذبه لأنفسنا بأنفسنا عدلا و صدقا على رتبة استحقها كل منا بعمله.. و أكاد أضع يدي على الحقيقة.. لا ريب فيها.
تعالى الله عن أن يعذبنا شهوة في عذاب.. و هو الحق العدل الحكم.
و في أخبار داود أن الله قال له:
(( يا داود أبلغ أهل أرضي أني حبيب لمن أحبني و جليس لمن جالسني و صاحب لمن صاحبني و مختار لمن اختارني.. و مطيع لمن أطاعني.. من طلبني بالحق وجدني و من طلب غيري لم يجدني )).
أنعم به من رب رحيم.. و تقدس و تعالى عن الظلم و العدوان.
~~ . ❝
❞ الخط الفارسي
خط الفارسي أو خط التعليق ظهر في بلاد فارس في القرن السابع الهجري (الثالث عشر الميلادي)، إذ استخلصه حسن الفارسي من خطوط النسخ والرقاع والثلث. وهو خط جميل تمتاز حروفه بالدقة والامتداد. كما يمتاز بسهولته ووضوحه وانعدام التعقيد فيه. ولا يتحمّل التشكيل، رغم اختلافه مع خط الرقعة كما يعد من أفضل الخطوط في العالم وأفضلها من دون منافس ويلقي اعجاب الكثير من الخطاطين العرب ولا يخلو اي معرض ثقافي أو ادبي عن لوحة مكتوبة بالخط الفارسي. يعد من أجمل الخطوط التي لها طابع خاص يتميز به عن غيره، إذ يتميز بالرشاقة في حروفه فتبدو وكأنها تنحدر في اتجاه واحد، وتزيد من جماله الخطوط اللينة والمدورة فيه، لأنها أطوع في الرسم وأكثر مرونة لاسيما إذا رسمت بدقة وأناقة وحسن توزيع، وقد يعمد الخطاط في استعماله إلى الزخرفة للوصول إلى القوة في التعبير بالإفادة من التقويسات والدوائر، فضلاً عن رشاقة الرسم، فقد يربط الفنان بين حروف الكلمة الواحدة والكلمتين ليصل إلى تأليف إطار أو خطوط منحنية وملتفة يُظهر فيها عبقريته في الخيال والإبداع.
كان الإيرانيون قبل الإسلام يكتبون بالخط (البهلوي) فلما جاء الإسلام وآمنوا به، انقلبوا على هذا الخط فأهملوه، وكتبوا بالخط العربي، وقد طوّر الإيرانيون هذا الخط، فاقتبسوا له من جماليات خط النسخ ما جعله سلس القياد، جميل المنظر، لم يسبقهم إلى رسم حروفه أحد، وقد (وضع أصوله وأبعاده الخطاط البارع الشهير مير علي الهراوي التبريزي المتوفى سنة 919 هجرية).
نتيجة لانهماك الإيرانيين في فن الخط الفارسي الذي احتضنوه واختصوا به، فقد مرّ بأطوار مختلفة، ازداد تجذراً وأصالة، واخترعوا منه خطوطاً أخرى مأخوذة عنه، أو هي إن صح التعبير امتداد له، فمن تلك الخطوط:
خط الشكستة: اخترعوه من خطي التعليق والديواني. وفي هذا الخط شيء من صعوبة القراءة، فبقي بسبب ذلك محصوراً في إيران، ولم يكتب به أحد من خطاطي العرب أو ينتشر بينهم.
الخط الفارسي المتناظر: كتبوا به الآيات والأشعار والحكم المتناظرة في الكتابة، بحيث ينطبق آخر حرف في الكلمة الأولى مع آخر حرف في الكلمة الأخيرة، وكأنهم يطوون الصفحة من الوسط ويطبعونها على يسارها. ويسمى (خط المرآة الفارسي).
الخط الفارسي المختزل: كتب به الخطاطون الإيرانيون اللوحات التي تتشابه حروف كلماتها بحيث يقرأ الحرف الواحد بأكثر من كلمة، ويقوم بأكثر من دوره في كتابة الحروف الأخرى، ويكتب عوضاً عنها. وفي هذا الخط صعوبة كبيرة للخطاط والقارئ على السواء.
ومن وجوه تطور الخط الفارسي (التعليق) مع خط النسخ أن ابتدعوا منهما خط النستعليق وهو فارسي أيضاً. وقد برع الخطاط مير عماد الحسني سيفي قزويني في هذا الخط وفاق به غيره، ووضع له قاعدة جميلة، تعرف عند الخطاطين باسمه. وهي (قاعدة عماد).
وكان أشهر من كان يكتبه بعد الخطاطين الإيرانيين محمد هاشم الخطاط البغدادي ومحمد بدوي الديراني بدمشق، ولكن يبقي السبق للخطاطين الإيرانين بلا منازع . ❝
❞ دافعي عن إنسانيتكِ ما وسعكِ ذلك. ساعدي الآخرين ليفعلوا الشيء نفسه. أحبي أسرتكِ الكبيرة. دافعي عن كل معنى نبيل وجميل تركته لكِ هذه الأسرة الرائعة. تعاطفي معها، حتى في كبواتها. انظري للحظات ضعفها برأفة، فهي – مثلكِ أنتِ - طالما واجهت خيارات صعبة دفعتها للتردد والخوف، وارتكاب الأخطاء، بل والتورط في الخطايا أحيانًا . ❝
❞ فقه الإستمتاع بالحياة (الشيخ هشام المحجوبي)
بسم الله الرحمن الرحيم
إن من المفاهيم المغلوطة عن الإسلام التضييق على المسلم في الإستمتاع بالحياة فهذا المفهوم الخاطىء ناتج عن مرض الفوبيا من الإسلام و دعاية تشويه هذا الدين العظيم ، فالدارس للقرآن الكريم وسنة خير المرسلين ، يعلم علم اليقين أن الإسلام وسع على المسلمين حيز الإستمتاع بالحياة ، و جعل حد ذلك مصلحة الفرد و المجتمع ، فإن نتج عن الإستمتاع ضرر او ظلم فإنه يُحَرِّمُه ، مثال ذلك أباح الإسلام جميع المشروبات و إسثثنى من ذلك الخمور و المسكرات ، لأنها ترجع بالضرر على الإنسان و على المجتمع ، و وجه ضررها أنها تسبب الامراض الخطيرة و حوادث السير و الجرائم و الخصومات بين أفراد المجتمع ، و تضييع الصلوات و العبادات و الواجبات العائلية و حبب الإسلام المسلم في الزواج و حرم الزنى لأن فيها ظلما للأعراض و تضييعا للمرأة و لأنساب الناس و صحتهم ، إذا نستفيد أن الإسلام الحنيف حفظ للناس حقهم الكامل في الإستمتاع بالحياة ما لم يكن في هذا الإستمتاع ضررا عليهم ، و هنا لنا وقفة مع بعض النصوص الكريمة المبينة لهذا الأصل ، قال تعالى (يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا ۖ إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ) و قال أيضا(وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا) و قال جل و علا ( وَلَا تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ ٱلدُّنْيَا ۖ وَأَحْسِن كَمَآ أَحْسَنَ ٱللَّهُ إِلَيْكَ ۖ وَلَا تَبْغِ ٱلْفَسَادَ فِى ٱلْأَرْضِ ۖ إِنَّ ٱللَّهَ لَا يُحِبُّ ٱلْمُفْسِدِينَ) و قال سبحانه (فَٱنكِحُواْ مَا طَابَ لَكُم مِّنَ ٱلنِّسَآءِ مَثْنَىٰ وَثُلَٰثَ وَرُبَٰعَ ۖ) وقال سبحانه (قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ ثُمَّ انظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ) و قال سبحانه (فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِن فَضْلِ اللَّهِ وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَّعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) إن الله تعالى أنزل الإسلام لإسعاد الناس و إصلاح أحوال مجتمعاتهم و تيسير أمورهم و التخفيف عليهم و يكفينا هذا الأمر النبوي الكريم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (يسروا و لا تعسروا و بشروا ولا تُنَفِّرُوا) وصلى الله وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى اله وصحبه اجمعين.
In the name of Allah, the Most Merciful, the Most Compassionate. One of the misconceptions about Islam is that it restricts Muslims from enjoying life. This mistaken concept is the result of Islamophobia and the propaganda that aims to distort this great religion. The student of the Holy Quran and the Sunnah of the Prophet Muhammad, peace be upon him, knows with certainty that Islam allows Muslims to enjoy life and that this enjoyment should serve the interests of the individual and the community. If harm or injustice results from this enjoyment, then it is prohibited. For example, Islam allows all drinks except for alcoholic beverages because they harm individuals and society, causing serious illnesses, traffic accidents, crimes, and disputes among community members. Islam encourages Muslims to get married and forbids adultery because it harms people˝s dignity, wastes women˝s time and health, and affects their lineage. We can see that Islam preserves people˝s right to fully enjoy life as long as it does not harm them. Let us look at some Quranic verses that clearly indicate this principle. Allah says: ˝O messengers, eat from the good things and do righteous deeds. Indeed, I am Knowing of what you do.˝ (23:51) He also says: ˝And eat and drink, but be not excessive.˝ (7:31) And He says: ˝And do not forget your share of the world. And do good as Allah has done good to you. And desire not corruption in the land. Indeed, Allah does not like corrupters.˝ (28:77) Allah also says: ˝So marry the women who please you, two or three or four.˝ (4:3) And He says: ˝Say, ˝Travel through the land and observe how He began creation. Then Allah will produce the final creation. Indeed Allah, over all things, is competent.˝˝ (29:20) And He says: ˝So when you have finished [your duties], then stand up [for worship]. And to your Lord direct your longing.˝ Indeed, Allah sent Islam to make people happy, to reform their societies, to facilitate their affairs, and to ease their burdens. The Prophet Muhammad, peace be upon him, said, ˝Make things easy and do not make them difficult. Give glad tidings and do not cause people to run away.˝ May Allah bestow peace and blessings upon our Prophet Muhammad, his family, and his companions.
#فقه_الإسلام #الاستمتاع_بالحياة #الدين_الحنيف #القرآن_الكريم #السنة_النبوية
#IslamicJurisprudence #EnjoyingLife #PureReligion #HolyQuran #PropheticTradition . ❝