❞ وممايجعل المسلم قوياً ان يبتعد عن حياة الخلاعة والفجور ، وان يألف مسالك النزاهة والاستقامة فإن الرجل الخرب الذمة او الساقط المروءة لاقوة له ولو لبس جلود السباع ، ومشى فى ركاب الملوك. ❝ ⏤محمد الغزالى السقا
❞ وممايجعل المسلم قوياً ان يبتعد عن حياة الخلاعة والفجور ، وان يألف مسالك النزاهة والاستقامة فإن الرجل الخرب الذمة او الساقط المروءة لاقوة له ولو لبس جلود السباع ، ومشى فى ركاب الملوك. ❝
❞ تَتِمَّة الفوائد الفقهية لقصة الحديبية ..
🔸️ومنها : أن الأصل مشاركته ﷺ أُمَّتِه له في الأحكام ، إلا ما خصه الدليل ، ولذلك قالت أم سلمة : اخرج ولا تُكَلِّمْ أحداً حتى تَحْلق رأسك وتنحر هديك ، وعلمت أن الناس سيتابعونه ، فإن قيل : فكيف فعلوا ذلك اقتداء بفعله ، ولم يمتثلوه حين أمرهم به ؟ قيل : هذا هو السبب الذي لأجله ظنَّ من ظنّ أنهم أخروا الامتثال طمعاً في النسخ ، فلما فعل النبي ﷺ ذلك ، عَلِمُوا حينئذ أنه حكم مُسْتَقِرٌ غيرُ منسوخ ، وقد تقدم فساد هذا الظن ، ولكن لما تغيظ ﷺ عليهم ، وخرج ولم يكلمهم ، وأراهم أنه بادر إلى امتثال ما أمر به ، وأنه لم يُؤخر كتأخيرهم ، وأن اتباعهم له وطاعتهم تُوجِبُ اقتداءهم به ، بادروا حينئذ إلى الاقتداء به وامتثال أمره 🔸️ومنها : جواز صلح الكُفَّارِ على رد من جاء منهم إلى المسلمين ، وألا يُرد مَنْ ذهب من المسلمين إليهم ، هذا في غير النساء ، وأما النساء ، فلا يجوز اشتراط رَدّهن إلى الكفار ، وهذا موضع النسخ خاصة في هذا العقد بنص القرآن ، ولا سبيل إلى دعوى النسخ في غيره بغير موجب🔸️ومنها : أن خُروج البُضع من ملك الزوج متقوم ولذلك أوجب الله سبحانه رد المهر على من هاجرت امرأته ، وحيل بينه وبينها ، وعلى من ارتدت امرأته من المسلمين إذا استحق الكفارُ عليهم رد مهور من هاجر إليهم من أزواجهم ، وأخبر أن ذلك حكمه الذي حكم به بينهم ، ثم لم ينسخه شيء ، وفي إيجابه ردَّ ما أعطى الأزواج من ذلك دليل على تقومه بالمسمى ، لا بمهر المثل🔸️ومنها : أن ردَّ من جاء من الكفار إلى الإمام لا يتناول من خرج منهم مسلماً إلى غير بلد الإمام ، وأنه إذا جاء إلى بلد الإمام ، لا يجب عليه رده بدون الطلب ، فإن النبي ﷺ لم يرد أبا بصير حين جاءه ، ولا أكرهه على الرجوع ، ولكن لما جاؤوا في طلبه ، مكنهم من أخذه ولم يُكرهه على الرجوع🔸️ومنها أن المعاهدين إذا تسلَّموه وتمكنوا منه ، فقتل أحداً منهم لم يضمنه بدّية ولا قَودٍ ، ولم يضمنه الإمام ، بل يكون حكمه في ذلك حكم قتله لهم في ديارهم حيث لا حكم للإمام عليهم ، فإن أبا بصير قتل أحد الرجلين المعاهَدَيْنِ بذي الحُلَيْفَةِ ، وهي مِن حُكم المدينة ، ولكن كان قد تسلموه ، وفصل عن يد الإمام وحكمه🔸️ومنها: أن المعاهَدِينَ إذا عاهدوا الإمام فخرجت منهم طائفة ، فحاربتهم ، وغَنمَتْ أموالهم ، ولم يَتَحَيَّزوا إلى الإمام ، لم يجب على الإمام دفعهم عنهم ، ومنعهم منهم ، وسواء دخلوا في عَقدِ الإمام وعهده ودينه ، أو لم يدخلوا ، والعهد الذي كان بين النبي ﷺ وبين المشركين ، لم يكن عهداً بين أبي بصير وأصحابه وبينهم وعلى هذا فإذا كان بين بعض ملوك و المسلمين وبعض أهل الذمة من النصارى وغيرِهم عهد ، جاز لملك آخر من ملوك المسلمين أن يَغْزُوَهُم ، ويغنَمَ أموالهم إذا لم يكن بينه وبينهم عهد ، كما أفتى به شيخ الإسلام في نصارى ملطية وسبيهم ، مستدلاً بقصة أبي بصير مع المشركين. ❝ ⏤محمد ابن قيم الجوزية
❞ تَتِمَّة الفوائد الفقهية لقصة الحديبية .
🔸️ومنها : أن الأصل مشاركته ﷺ أُمَّتِه له في الأحكام ، إلا ما خصه الدليل ، ولذلك قالت أم سلمة : اخرج ولا تُكَلِّمْ أحداً حتى تَحْلق رأسك وتنحر هديك ، وعلمت أن الناس سيتابعونه ، فإن قيل : فكيف فعلوا ذلك اقتداء بفعله ، ولم يمتثلوه حين أمرهم به ؟ قيل : هذا هو السبب الذي لأجله ظنَّ من ظنّ أنهم أخروا الامتثال طمعاً في النسخ ، فلما فعل النبي ﷺ ذلك ، عَلِمُوا حينئذ أنه حكم مُسْتَقِرٌ غيرُ منسوخ ، وقد تقدم فساد هذا الظن ، ولكن لما تغيظ ﷺ عليهم ، وخرج ولم يكلمهم ، وأراهم أنه بادر إلى امتثال ما أمر به ، وأنه لم يُؤخر كتأخيرهم ، وأن اتباعهم له وطاعتهم تُوجِبُ اقتداءهم به ، بادروا حينئذ إلى الاقتداء به وامتثال أمره 🔸️ومنها : جواز صلح الكُفَّارِ على رد من جاء منهم إلى المسلمين ، وألا يُرد مَنْ ذهب من المسلمين إليهم ، هذا في غير النساء ، وأما النساء ، فلا يجوز اشتراط رَدّهن إلى الكفار ، وهذا موضع النسخ خاصة في هذا العقد بنص القرآن ، ولا سبيل إلى دعوى النسخ في غيره بغير موجب🔸️ومنها : أن خُروج البُضع من ملك الزوج متقوم ولذلك أوجب الله سبحانه رد المهر على من هاجرت امرأته ، وحيل بينه وبينها ، وعلى من ارتدت امرأته من المسلمين إذا استحق الكفارُ عليهم رد مهور من هاجر إليهم من أزواجهم ، وأخبر أن ذلك حكمه الذي حكم به بينهم ، ثم لم ينسخه شيء ، وفي إيجابه ردَّ ما أعطى الأزواج من ذلك دليل على تقومه بالمسمى ، لا بمهر المثل🔸️ومنها : أن ردَّ من جاء من الكفار إلى الإمام لا يتناول من خرج منهم مسلماً إلى غير بلد الإمام ، وأنه إذا جاء إلى بلد الإمام ، لا يجب عليه رده بدون الطلب ، فإن النبي ﷺ لم يرد أبا بصير حين جاءه ، ولا أكرهه على الرجوع ، ولكن لما جاؤوا في طلبه ، مكنهم من أخذه ولم يُكرهه على الرجوع🔸️ومنها أن المعاهدين إذا تسلَّموه وتمكنوا منه ، فقتل أحداً منهم لم يضمنه بدّية ولا قَودٍ ، ولم يضمنه الإمام ، بل يكون حكمه في ذلك حكم قتله لهم في ديارهم حيث لا حكم للإمام عليهم ، فإن أبا بصير قتل أحد الرجلين المعاهَدَيْنِ بذي الحُلَيْفَةِ ، وهي مِن حُكم المدينة ، ولكن كان قد تسلموه ، وفصل عن يد الإمام وحكمه🔸️ومنها: أن المعاهَدِينَ إذا عاهدوا الإمام فخرجت منهم طائفة ، فحاربتهم ، وغَنمَتْ أموالهم ، ولم يَتَحَيَّزوا إلى الإمام ، لم يجب على الإمام دفعهم عنهم ، ومنعهم منهم ، وسواء دخلوا في عَقدِ الإمام وعهده ودينه ، أو لم يدخلوا ، والعهد الذي كان بين النبي ﷺ وبين المشركين ، لم يكن عهداً بين أبي بصير وأصحابه وبينهم وعلى هذا فإذا كان بين بعض ملوك و المسلمين وبعض أهل الذمة من النصارى وغيرِهم عهد ، جاز لملك آخر من ملوك المسلمين أن يَغْزُوَهُم ، ويغنَمَ أموالهم إذا لم يكن بينه وبينهم عهد ، كما أفتى به شيخ الإسلام في نصارى ملطية وسبيهم ، مستدلاً بقصة أبي بصير مع المشركين. ❝
❞ لو كنت مؤمناً تحولت إلى الإلحاد لأخذوني بالأحضان .. و لقالوا هذا هو المفكر الشريف بحق .. هذا هو رائد النقد الذاتي
و لكن لما كان نقدنا لذواتنا على غير هواهم ، أصابهم عمَى الألوان ، فرأوا الأبيض أسود ، و رأوا الفضيلة رذيلة ، و الذِمّة خيانة .. ❝ ⏤مصطفى محمود
❞ لو كنت مؤمناً تحولت إلى الإلحاد لأخذوني بالأحضان . و لقالوا هذا هو المفكر الشريف بحق . هذا هو رائد النقد الذاتي
و لكن لما كان نقدنا لذواتنا على غير هواهم ، أصابهم عمَى الألوان ، فرأوا الأبيض أسود ، و رأوا الفضيلة رذيلة ، و الذِمّة خيانة. ❝
❞ المليونير الكبير الذي يموت . . جمع حوله أولاده الأربعة و راح يُملي على أكبرهم وصيته الأخيرة التي سينسخ بها جميع وصاياه السابقة .
إنه يُملي بصوت متهدج ، و الأولاد قد فتحوا أفواههم من الدهشة و كأنما يستمعون إلى شخص آخر غير أبيهم الذي عرفوه .
قال الرجل في صوت مهدم :
_ هناك مليون دولار ستوزع عليكم بالتساوي أما السبعة ملايين دولار الباقية ، فوصيتي أن تُبنَى بها مدارس و مستشفيات و ملاجيء و دار مسنين و معهد لتعليم الحِرَف . و على الأخ الأكبر إنشاء هذه المؤسسات الخيرية و إدارتها و رعايتها لتكون صدقة جارية ينتفع بها اليتيم و المريض و المحتاج .
و ارتفع صوت الإبن الصغير معترضاً :
_ و لكن يا أبي لا أحد منا له خبرة بهذه الأشياء .
و استمر الأب يُملي بصوته المتهدج :
_ و الإثنين مليون دولار في الخزينة .. يبنى بها مسجد و مستوصف و مقرأه للقرآن .
و تلفت الأبناء كل واحد يتصفح وجه الآخر في استغراب ، و عاد صوت الإبن الأصغر ليعترض :
_ليس هذا ما تعلمنا منك خلال حياتنا معك .. لقد ربيتنا على أعمال أخرى .. و الآن تفاجئنا بدور جديد لا نستطيع أن نقوم به . أنت في حياتك لم تدخل مسجداً و لم تصل ركعة و لم تفتح مصحفاً .. و لم تعط مليماً لمحتاج .. و لم تحدثنا حرفاً واحداً عن الدين أو الخير .. و كل ما تعلمناه منك هو كيف نستلم البضاعة من قبرص و ندخل بها مُهرَّبة إلى مصر .. و كيف نوزعها على الأعوان .. و كيف نقود اللنشات السريعة و عربات النقل و المقطورات و الهليكوبتر ، و كيف نستعمل البنادق السريعة الطلقات و القنابل اليدوية و مدافع الهاون عند اللزوم .. و كيف نحول المائة جنيه إلى مليون و لو قتلنا في سبيل ذلك كل رجال خفر السواحل .. علمتنا ألا نخاف أي شيء و ألا نعبأ بحاكم و لا بمحكوم و لا بحكومة .. و أن كل الذمم يمكن شراؤها و أن الذمة التي لا تقبل المائة سوف تقبل الألف ، و التي لا تقبل الألف سوف تقبل المليون .. و أنه لا يوجد كبير يتكبر على المال .. و أن كل الناس حشرات يمكن اصطيادها بالعسل .. و من لا يقع في العسل يقع في السم .. و أن العالم غابة لا أمان فيها .. و أن الشعار الوحيد الذي يصلح للتعامل في هذه الغابة .. هو .. أُقتُل قبل أن تُقْتَل .
هذا ما علمتنا إياه و لا نرى جديداً قد جد حتى تقول لنا كلاماً آخر .
_ الجديد أني أموت .. أنا أبوكم يموت .. و غداً أصبح رمة يأكلها الدود . تراباً لا يختلف كثيراً عن التراب الذي تطأونه بنعالكم .
_ هذا ليس أمراً جديداً عليك . فقد كنت ترى الموت حولك كل يوم يختطف أعوانك .. واحداً بعد آخر .. و كنت تمشي بنفسك في جنازاتهم ، و كنت أحياناً تقتلهم . أنت الذي كنت تقتلهم بيدك .. أو تصدر الأمر بقتلهم بنفس اللسان الذي يملي علينا الآن هذا الكلام عن بناء المساجد و الملاجيء و دور الأيتام و المقاريء .
_ لأن هذه المرة أنا الذي أموت .. أنا الذي دوَّخ أجهزة الأمن في مصر و الشام و العراق و تونس و الجزائر و إيطاليا و ألمانيا و اليونان .. أنا الشبح الذي لم يكن أحد يستطيع أن يضع يده عليه .. أنا اليوم معتقل بالشلل و العمى و بكرسي لا أستطيع أن أبارحه .. و أنا أنزف الدم من أمعائي و أموت ببطء .. و أصحو و أعود إلى الغيبوبة .
و الدقائق التي تبقت لي قليلة معدودة . لقد كنت أصنع الموت للألوف .. هذا صحيح . و لكن رؤية الموت تختلف كثيراً عن تذوقه .
الفارق كبير .. و أنا لا أريدكم أن تذوقوه كما أذوقه .. لابد أن يتغير كل شيء .. لقد أخطأت يا أولادي .. أخطأت بفظاعة ربما اكتشفت خطي بعد فوات الأوان .. و لكن هذا لا يغير شيئاً من النهاية .. إن الخطأ هو الخطأ .. اسمعوا .. هذه الوصية الجديدة هي التي يجب أن تنفَّذ .. هذا أمر .
و حاول أن يخرِج الطبنجة من جيبه . فلم يستطع .. و طلب من ابنه الكبير أن يناوله الطبنجة .
و مد الإبن الكبير يده في جيب أبيه و أخرج الطبنجة و ناولها له .. فأمسكها الأب في إعزاز و راح يلوح بها و أصابعه على الزناد ، ثم ناولها لإبنه الكبير قائلاً :
_ من يخالف هذه الوصية أطلق عليه النار و لو كان أخاك .. هذا آخر أمر .. هذا آخر أمر لي في هذه الدنيا . اقتل . اقتل .. بلا تردد أي إرادة تقف في سبيل هذه الوصية .. هذه الأموال في البنوك و في الخزائن ليست ملكي لترثوها .. إنها سرقات .. لا تكفير لها إلا أن تبني كما هدمت و تصنع من الحياة بقدر ما أعدمت .
_ و العمارات :
قالها الإبن الأصغر بصوت مرتجف .
_ تباع في مزادات و يصنع بثمنها نفس الشيء
_ و كازينو القمار .. و أوبرج ميلانو .. و شركات بيع السلاح في لندن .. و شقة باريس و فيللا جنيف .. و شاليهات فلوريدا .
_ تباع كلها . لا نصيب لأحد فيها .. و لا يد لأحد عليها .. و لا تؤول لأحد منكم .. إنها ملكي وحدي و أنا وهبتها لنفس الأغراض .. و ثمنها يكفي لإنشاء جامعة .
_ و نحن ماذا يبقى لنا و كيف نعيش ؟!
_ إن المليون دولار التي ستقسمونها بينكم . تساوي أربعة ملايين جنيه مصري .. أي مليون جنيه مصري لكل واحد فيكم .. و هي بداية تكفي لأن يبدأ كل منكم حياة شريفة ..
و بدت كلمة الشرف غريبة و هي تخرج من فم " الضبع " صاحب أكبر عصابة مخدرات في الشرق الأوسط ، و بدا لها رنين غريب في جو الصمت و الرهبة مما جعل كل ابن يتلفت في وجه أخيه و يقلب شفتيه ، في انتظار معجزة .
و كانت المفاجأة مرعبة .. فقد سحب الضبع الطبنجة من يد الإبن الكبير و لوح بها في وجوههم و أطلق الرصاص في الهواء .. و في كل اتجاه .. مما جعلهم يتقافزون في رعب و يلتصقون بالجدران بينما تهدج صوت الرجُل و هو ينطق :
_ هذا آخر أمر .. آخر أمر لي قبل أن أموت و لابد أن ينفذ .
و اختنق صوته و انطلق يلهث .
ثم سكن فجأة و سقط رأسه على صدره و لفظ آخر أنفاسه في صمت .
و أطبقت لحظة ثلجية من الذهول و الرعب على الجميع .. لا حركة .. و لا صوت .. و لا شيء سوى أنفاس مرتجفة و نبضات مضطربة و نظرات زائغة ، ثم بدأ الإبن الأصغر يتحرك و يسعل و يلوح بيديه في الهواء و لا يجد كلاماً
ثم ما لبث أن جمع أشتات نفسه ثم انفجر قائلاً :
_ لقد فعل كل شيء ، لم يترك جريمة لم يرتكبها ، لم يدع لذة لم ينتهبها ، لم يدع امرأة لم يغتصبها ، لم يدع شراً لم يقارفه ، لم يدع رذيلة لم يلهث خلفها .. و الآن و في آخر لحظة حينما فقد القوة على عمل أي شيء ، و حينما فقد الأمل في أي متعة و فقد القدرة على أي لذة .. الآن فقط يقرر أن يبعثر كل أمواله و يحرمنا منها لأنه أصبح ولياً من أولياء الله شغله الشاغل بناء المساجد و مقارئ القرآن و الملاجئ و بيوت الأيتام ، شيء غير مفهوم .
_ الدكتور الذي كشف عليه بالأمس قال أنه قد أصابه ضمور في المخ .
_ هي أعراض هذيان بلا شك .
_ إنه يخرج من غيبوبة ليعود إلى غيبوبة . و لا يمكن أن يؤخذ كلامه مأخذ الجد .
قال الإبن الكبير في هدوء مريب :
_ و لماذا لا يؤخذ كلامه على أنه توبة حقيقية ؟!
فأجاب الإبن الأصغر في عصبية :
_ توبة رجل مشلول فقد القدرة على كل شيء .. لا يمكن أن تكون توبة حقيقية .
قال الإبن الأوسط مؤيداً :
_ فعلاً . التوبة عن الذنب لا تكون مفهومة إلا من رجل قادر على الذنب .. فهو يقلع عن ذنبه بإرادته و اختياره .. أما فاقد الإرادة و فاقد الاختيار و فاقد القدرة .. فهو كذاب إذا ادعى فضيلة .. و إذا ادعى توبة .
قال الإبن الكبير بنفس النبرة الهادئة :
_ التوبة مسألة نية . و لا يحكم على صدق النيات إلا الله .. و ليس من حقنا أن نكذب الرجل فلا أحد منا يطلع على قلبه .
_ إن قلبه بلون القطران . حياته كلها تقول هذا
قال الإبن الأصغر :
_ إن حالته مثل حالة رجل تاب عن نزول البحر حينما فقد القدرة على السباحة
فأجاب الإبن الأكبر :
_ لا يمكن أن تتهمه بالكذب إلا إذا استعاد قدرته على السباحة و لم ينفذ وعده .. و نفس الشيء .. لا يمكن أن نتهم أبانا بالكذب إلا إذا استعاد حياته و استعاد صحته .. ثم عاود جرائمه .. و لم ينفذ وعده .. و هو مالا سبيل إلى معرفته .
_ ماذا تعني ؟
_ أعني أن الوصية واجبة .. و لا سبيل إلى الطعن عليها .. و سوف أحرص على تنفيذها : و أخرج طبنجته و وضعها على المائدة مُردِفاً :
_ و على من يقف في وجه إرادة الميت .. أن يستعد ليلحق به .
و قفز الإبن الأصغر مرتاعاً و هو يردد في دهشة :
_ هل جننت .. هل فقدت عقلك .. هل صدقت هذا المعتوه ؟!
و خرجت من الأخوين الآخرين تمتمات مرتعشة :
_ هل نحرم أنفسنا من مائة مليون جنيه لمجرد نزوة توبة خرجت من دماغ مشلول .
و نظر إليه الإبن الأكبر نظرة ثلجية و أجاب في بطء ثقيل :
_ و منذ متى كنا نلجأ إلى القضاء أو نحتكم إلى القانون أو نأخذ برأي العدل .
_ لم تعد هناك وصية .. انتهى كل شيء .
فأردف الإبن الأكبر في نبرة كرنين الفولاذ :
_ أنا الوصية .. و أنا القانون .. و أنا العدل .
و فجأة و في حركة غير محسوبة ، أخرج الإبن الأصغر مسدسه و أطلق رصاصة على أخيه الأكبر أصابت كتفه . و جاء الرد فورياً من الطبنجة في يد الأخ الأكبر سيلاً من الطلقات .. و انبطح الأخوة أرضاً يتبادلون الرصاص .
و أسفرت المذبحة عن ثلاثة قتلى و أفلت الأخ الأصغر من الموت .. ليسرع الخطى إلى الخزينة .. و إلى مخاب الدولارات في الجدران .. يفرغ كل شيء في حقيبة كبيرة و ليقفز بها إلى عربته المرسيدس و ليدوس على البنزين بأقصى سرعة و قد بسط أمامه خريطة كبيرة .. و راح ينظر فيها .. باحثاً عن خط سير مأمون إلى الصحراء الليبية عبر الحدود .. كانت ليبيا بعد فتح الحدود و إزالة الجمارك هي أكثر الأهداف أمناً .
و لم يتردد .
و أطلق لسيارته العنان و قد راوده الشعور بالأمن لأول مرة بعد ليلة عاصفة .. لم يكن يفكر في أي شيء .. و لم يكن نادماً على أي شيء .
كان يشعر بنفسه فقط .
و هكذا عاش دائماً لا يفكر إلا في نفسه و في لحظته .
و كان يؤمن بالحكمة التي علمها له أبوه .. أن كل الناس حشرات يمكن إصطيادها بالعسل . و من لا يقع منها في العسل يقع في السم .
و لم يحدث أن شعر مرة واحده بروابط العائلة أو صلة الدم .. و ما كان أبوه و اخوته إلا مجرد وسائل للثراء السريع و جمع الدولارات .. مجرد أعضاء عصابة يجتمعون و ينفضون على خطط القتل و الإجرام .. و يعود كل واحد آخر الليل إلى بيته لينام بلا ذرة ندم .
الشمس تغرب و ساعات أخرى بطيئة ثقيلة و مؤشر البنزين يقترب من الصفر و اللمبة الحمراء تضيء .
الخريطة تقول أن ما تبقى لبلوغ الحدود قليل ، ربما عشرة كيلومترات .. فإنه يستطيع أن يحمل حقيبته و يمشي الباقي على قدميه .. و ساعات أخرى قلقة متوترة .
و تتوقف العربة كخنزير أسود في صحراء حالكة الظلمة .
و يحمل حقيبته و ينزل .. ليمشي و قد وضع الخريطة في جيبه .
ساعة أخرى .. ساعتان .. ثلاث ساعات .. و تتهاوى ساقاه و يتكوم فينام على تل من الرمال الناعمة .. فاقد الوعي تماماً .
و ما تكاد تمر دقائق حتى ينتفض من لدغة تلسعه كالنار .
بطرف عينيه يرى ثعبان الطريشة يعود أدراجه ليغوص في الرمل بعد أن فعل فعلته .
إنه يعلم ماذا ستفعل به لدغة الطريشة من ثعبان بهذا الحجم الذي رآه .
لا أمل إنتهى كل شيء .
و زحف على بطنه ليفتح الحقيبة و يلقي نظرة أخيرة على ملايين الدولارات المكدسة . و بدأ السم يسري في دمه ليصل إلى مركز التنفس و يصيب عضلات التنفس بالشلل .
و بدأ صوته يتحشرج و يحتضر و يسلم الروح .
و هبت دوامة عاتية من الرمال بعثرت محتويات الحقيبة لتنتشر على مساحة شاسعة من الصحراء و تبعثر أكوام الدولارات إلى هباء .. أمام عينين تخمدان .
و مات آخر أبناء عائلة الضبع .
و عرف أخـيراً الفرق بيـن .. رؤيـــة المـــوت و بيـن تـذوقــه ..
و كـم كـان الفــارق كبيـــراً ...
..
قصة / نهاية الشبح .
من كتاب / الذين ضحكوا حتى البكاء
للدكتور / مصطفى محمود (رحمه الله). ❝ ⏤مصطفى محمود
❞ المليونير الكبير الذي يموت . . جمع حوله أولاده الأربعة و راح يُملي على أكبرهم وصيته الأخيرة التي سينسخ بها جميع وصاياه السابقة .
إنه يُملي بصوت متهدج ، و الأولاد قد فتحوا أفواههم من الدهشة و كأنما يستمعون إلى شخص آخر غير أبيهم الذي عرفوه .
قال الرجل في صوت مهدم :
_ هناك مليون دولار ستوزع عليكم بالتساوي أما السبعة ملايين دولار الباقية ، فوصيتي أن تُبنَى بها مدارس و مستشفيات و ملاجيء و دار مسنين و معهد لتعليم الحِرَف . و على الأخ الأكبر إنشاء هذه المؤسسات الخيرية و إدارتها و رعايتها لتكون صدقة جارية ينتفع بها اليتيم و المريض و المحتاج .
و ارتفع صوت الإبن الصغير معترضاً :
_ و لكن يا أبي لا أحد منا له خبرة بهذه الأشياء .
و استمر الأب يُملي بصوته المتهدج :
_ و الإثنين مليون دولار في الخزينة . يبنى بها مسجد و مستوصف و مقرأه للقرآن .
و تلفت الأبناء كل واحد يتصفح وجه الآخر في استغراب ، و عاد صوت الإبن الأصغر ليعترض :
_ليس هذا ما تعلمنا منك خلال حياتنا معك . لقد ربيتنا على أعمال أخرى . و الآن تفاجئنا بدور جديد لا نستطيع أن نقوم به . أنت في حياتك لم تدخل مسجداً و لم تصل ركعة و لم تفتح مصحفاً . و لم تعط مليماً لمحتاج . و لم تحدثنا حرفاً واحداً عن الدين أو الخير . و كل ما تعلمناه منك هو كيف نستلم البضاعة من قبرص و ندخل بها مُهرَّبة إلى مصر . و كيف نوزعها على الأعوان . و كيف نقود اللنشات السريعة و عربات النقل و المقطورات و الهليكوبتر ، و كيف نستعمل البنادق السريعة الطلقات و القنابل اليدوية و مدافع الهاون عند اللزوم . و كيف نحول المائة جنيه إلى مليون و لو قتلنا في سبيل ذلك كل رجال خفر السواحل . علمتنا ألا نخاف أي شيء و ألا نعبأ بحاكم و لا بمحكوم و لا بحكومة . و أن كل الذمم يمكن شراؤها و أن الذمة التي لا تقبل المائة سوف تقبل الألف ، و التي لا تقبل الألف سوف تقبل المليون . و أنه لا يوجد كبير يتكبر على المال . و أن كل الناس حشرات يمكن اصطيادها بالعسل . و من لا يقع في العسل يقع في السم . و أن العالم غابة لا أمان فيها . و أن الشعار الوحيد الذي يصلح للتعامل في هذه الغابة . هو . أُقتُل قبل أن تُقْتَل .
هذا ما علمتنا إياه و لا نرى جديداً قد جد حتى تقول لنا كلاماً آخر .
_ الجديد أني أموت . أنا أبوكم يموت . و غداً أصبح رمة يأكلها الدود . تراباً لا يختلف كثيراً عن التراب الذي تطأونه بنعالكم .
_ هذا ليس أمراً جديداً عليك . فقد كنت ترى الموت حولك كل يوم يختطف أعوانك . واحداً بعد آخر . و كنت تمشي بنفسك في جنازاتهم ، و كنت أحياناً تقتلهم . أنت الذي كنت تقتلهم بيدك . أو تصدر الأمر بقتلهم بنفس اللسان الذي يملي علينا الآن هذا الكلام عن بناء المساجد و الملاجيء و دور الأيتام و المقاريء .
_ لأن هذه المرة أنا الذي أموت . أنا الذي دوَّخ أجهزة الأمن في مصر و الشام و العراق و تونس و الجزائر و إيطاليا و ألمانيا و اليونان . أنا الشبح الذي لم يكن أحد يستطيع أن يضع يده عليه . أنا اليوم معتقل بالشلل و العمى و بكرسي لا أستطيع أن أبارحه . و أنا أنزف الدم من أمعائي و أموت ببطء . و أصحو و أعود إلى الغيبوبة .
و الدقائق التي تبقت لي قليلة معدودة . لقد كنت أصنع الموت للألوف . هذا صحيح . و لكن رؤية الموت تختلف كثيراً عن تذوقه .
الفارق كبير . و أنا لا أريدكم أن تذوقوه كما أذوقه . لابد أن يتغير كل شيء . لقد أخطأت يا أولادي . أخطأت بفظاعة ربما اكتشفت خطي بعد فوات الأوان . و لكن هذا لا يغير شيئاً من النهاية . إن الخطأ هو الخطأ . اسمعوا . هذه الوصية الجديدة هي التي يجب أن تنفَّذ . هذا أمر .
و حاول أن يخرِج الطبنجة من جيبه . فلم يستطع . و طلب من ابنه الكبير أن يناوله الطبنجة .
و مد الإبن الكبير يده في جيب أبيه و أخرج الطبنجة و ناولها له . فأمسكها الأب في إعزاز و راح يلوح بها و أصابعه على الزناد ، ثم ناولها لإبنه الكبير قائلاً :
_ من يخالف هذه الوصية أطلق عليه النار و لو كان أخاك . هذا آخر أمر . هذا آخر أمر لي في هذه الدنيا . اقتل . اقتل . بلا تردد أي إرادة تقف في سبيل هذه الوصية . هذه الأموال في البنوك و في الخزائن ليست ملكي لترثوها . إنها سرقات . لا تكفير لها إلا أن تبني كما هدمت و تصنع من الحياة بقدر ما أعدمت .
_ و العمارات :
قالها الإبن الأصغر بصوت مرتجف .
_ تباع في مزادات و يصنع بثمنها نفس الشيء
_ و كازينو القمار . و أوبرج ميلانو . و شركات بيع السلاح في لندن . و شقة باريس و فيللا جنيف . و شاليهات فلوريدا .
_ تباع كلها . لا نصيب لأحد فيها . و لا يد لأحد عليها . و لا تؤول لأحد منكم . إنها ملكي وحدي و أنا وهبتها لنفس الأغراض . و ثمنها يكفي لإنشاء جامعة .
_ و نحن ماذا يبقى لنا و كيف نعيش ؟!
_ إن المليون دولار التي ستقسمونها بينكم . تساوي أربعة ملايين جنيه مصري . أي مليون جنيه مصري لكل واحد فيكم . و هي بداية تكفي لأن يبدأ كل منكم حياة شريفة .
و بدت كلمة الشرف غريبة و هي تخرج من فم ˝ الضبع ˝ صاحب أكبر عصابة مخدرات في الشرق الأوسط ، و بدا لها رنين غريب في جو الصمت و الرهبة مما جعل كل ابن يتلفت في وجه أخيه و يقلب شفتيه ، في انتظار معجزة .
و كانت المفاجأة مرعبة . فقد سحب الضبع الطبنجة من يد الإبن الكبير و لوح بها في وجوههم و أطلق الرصاص في الهواء . و في كل اتجاه . مما جعلهم يتقافزون في رعب و يلتصقون بالجدران بينما تهدج صوت الرجُل و هو ينطق :
_ هذا آخر أمر . آخر أمر لي قبل أن أموت و لابد أن ينفذ .
و اختنق صوته و انطلق يلهث .
ثم سكن فجأة و سقط رأسه على صدره و لفظ آخر أنفاسه في صمت .
و أطبقت لحظة ثلجية من الذهول و الرعب على الجميع . لا حركة . و لا صوت . و لا شيء سوى أنفاس مرتجفة و نبضات مضطربة و نظرات زائغة ، ثم بدأ الإبن الأصغر يتحرك و يسعل و يلوح بيديه في الهواء و لا يجد كلاماً
ثم ما لبث أن جمع أشتات نفسه ثم انفجر قائلاً :
_ لقد فعل كل شيء ، لم يترك جريمة لم يرتكبها ، لم يدع لذة لم ينتهبها ، لم يدع امرأة لم يغتصبها ، لم يدع شراً لم يقارفه ، لم يدع رذيلة لم يلهث خلفها . و الآن و في آخر لحظة حينما فقد القوة على عمل أي شيء ، و حينما فقد الأمل في أي متعة و فقد القدرة على أي لذة . الآن فقط يقرر أن يبعثر كل أمواله و يحرمنا منها لأنه أصبح ولياً من أولياء الله شغله الشاغل بناء المساجد و مقارئ القرآن و الملاجئ و بيوت الأيتام ، شيء غير مفهوم .
_ الدكتور الذي كشف عليه بالأمس قال أنه قد أصابه ضمور في المخ .
_ هي أعراض هذيان بلا شك .
_ إنه يخرج من غيبوبة ليعود إلى غيبوبة . و لا يمكن أن يؤخذ كلامه مأخذ الجد .
قال الإبن الكبير في هدوء مريب :
_ و لماذا لا يؤخذ كلامه على أنه توبة حقيقية ؟!
فأجاب الإبن الأصغر في عصبية :
_ توبة رجل مشلول فقد القدرة على كل شيء . لا يمكن أن تكون توبة حقيقية .
قال الإبن الأوسط مؤيداً :
_ فعلاً . التوبة عن الذنب لا تكون مفهومة إلا من رجل قادر على الذنب . فهو يقلع عن ذنبه بإرادته و اختياره . أما فاقد الإرادة و فاقد الاختيار و فاقد القدرة . فهو كذاب إذا ادعى فضيلة . و إذا ادعى توبة .
قال الإبن الكبير بنفس النبرة الهادئة :
_ التوبة مسألة نية . و لا يحكم على صدق النيات إلا الله . و ليس من حقنا أن نكذب الرجل فلا أحد منا يطلع على قلبه .
_ إن قلبه بلون القطران . حياته كلها تقول هذا
قال الإبن الأصغر :
_ إن حالته مثل حالة رجل تاب عن نزول البحر حينما فقد القدرة على السباحة
فأجاب الإبن الأكبر :
_ لا يمكن أن تتهمه بالكذب إلا إذا استعاد قدرته على السباحة و لم ينفذ وعده . و نفس الشيء . لا يمكن أن نتهم أبانا بالكذب إلا إذا استعاد حياته و استعاد صحته . ثم عاود جرائمه . و لم ينفذ وعده . و هو مالا سبيل إلى معرفته .
_ ماذا تعني ؟
_ أعني أن الوصية واجبة . و لا سبيل إلى الطعن عليها . و سوف أحرص على تنفيذها : و أخرج طبنجته و وضعها على المائدة مُردِفاً :
_ و على من يقف في وجه إرادة الميت . أن يستعد ليلحق به .
و قفز الإبن الأصغر مرتاعاً و هو يردد في دهشة :
_ هل جننت . هل فقدت عقلك . هل صدقت هذا المعتوه ؟!
و خرجت من الأخوين الآخرين تمتمات مرتعشة :
_ هل نحرم أنفسنا من مائة مليون جنيه لمجرد نزوة توبة خرجت من دماغ مشلول .
و نظر إليه الإبن الأكبر نظرة ثلجية و أجاب في بطء ثقيل :
_ و منذ متى كنا نلجأ إلى القضاء أو نحتكم إلى القانون أو نأخذ برأي العدل .
_ لم تعد هناك وصية . انتهى كل شيء .
فأردف الإبن الأكبر في نبرة كرنين الفولاذ :
_ أنا الوصية . و أنا القانون . و أنا العدل .
و فجأة و في حركة غير محسوبة ، أخرج الإبن الأصغر مسدسه و أطلق رصاصة على أخيه الأكبر أصابت كتفه . و جاء الرد فورياً من الطبنجة في يد الأخ الأكبر سيلاً من الطلقات . و انبطح الأخوة أرضاً يتبادلون الرصاص .
و أسفرت المذبحة عن ثلاثة قتلى و أفلت الأخ الأصغر من الموت . ليسرع الخطى إلى الخزينة . و إلى مخاب الدولارات في الجدران . يفرغ كل شيء في حقيبة كبيرة و ليقفز بها إلى عربته المرسيدس و ليدوس على البنزين بأقصى سرعة و قد بسط أمامه خريطة كبيرة . و راح ينظر فيها . باحثاً عن خط سير مأمون إلى الصحراء الليبية عبر الحدود . كانت ليبيا بعد فتح الحدود و إزالة الجمارك هي أكثر الأهداف أمناً .
و لم يتردد .
و أطلق لسيارته العنان و قد راوده الشعور بالأمن لأول مرة بعد ليلة عاصفة . لم يكن يفكر في أي شيء . و لم يكن نادماً على أي شيء .
كان يشعر بنفسه فقط .
و هكذا عاش دائماً لا يفكر إلا في نفسه و في لحظته .
و كان يؤمن بالحكمة التي علمها له أبوه . أن كل الناس حشرات يمكن إصطيادها بالعسل . و من لا يقع منها في العسل يقع في السم .
و لم يحدث أن شعر مرة واحده بروابط العائلة أو صلة الدم . و ما كان أبوه و اخوته إلا مجرد وسائل للثراء السريع و جمع الدولارات . مجرد أعضاء عصابة يجتمعون و ينفضون على خطط القتل و الإجرام . و يعود كل واحد آخر الليل إلى بيته لينام بلا ذرة ندم .
الشمس تغرب و ساعات أخرى بطيئة ثقيلة و مؤشر البنزين يقترب من الصفر و اللمبة الحمراء تضيء .
الخريطة تقول أن ما تبقى لبلوغ الحدود قليل ، ربما عشرة كيلومترات . فإنه يستطيع أن يحمل حقيبته و يمشي الباقي على قدميه . و ساعات أخرى قلقة متوترة .
و تتوقف العربة كخنزير أسود في صحراء حالكة الظلمة .
و يحمل حقيبته و ينزل . ليمشي و قد وضع الخريطة في جيبه .
ساعة أخرى . ساعتان . ثلاث ساعات . و تتهاوى ساقاه و يتكوم فينام على تل من الرمال الناعمة . فاقد الوعي تماماً .
و ما تكاد تمر دقائق حتى ينتفض من لدغة تلسعه كالنار .
بطرف عينيه يرى ثعبان الطريشة يعود أدراجه ليغوص في الرمل بعد أن فعل فعلته .
إنه يعلم ماذا ستفعل به لدغة الطريشة من ثعبان بهذا الحجم الذي رآه .
لا أمل إنتهى كل شيء .
و زحف على بطنه ليفتح الحقيبة و يلقي نظرة أخيرة على ملايين الدولارات المكدسة . و بدأ السم يسري في دمه ليصل إلى مركز التنفس و يصيب عضلات التنفس بالشلل .
و بدأ صوته يتحشرج و يحتضر و يسلم الروح .
و هبت دوامة عاتية من الرمال بعثرت محتويات الحقيبة لتنتشر على مساحة شاسعة من الصحراء و تبعثر أكوام الدولارات إلى هباء . أمام عينين تخمدان .
و مات آخر أبناء عائلة الضبع .
و عرف أخـيراً الفرق بيـن . رؤيـــة المـــوت و بيـن تـذوقــه .
و كـم كـان الفــارق كبيـــراً ..
.
قصة / نهاية الشبح .
من كتاب / الذين ضحكوا حتى البكاء
للدكتور / مصطفى محمود (رحمه الله). ❝
❞ (ابم القيم)
إنه الإمام حقا وصدقا قولا وفعلا , العالم الرباني , وشيخ الإسلام الثاني , الإمام العلامة والحبر الفهامة ذو الذهن الوقاد والقلم السيال والبيان العذب الأخاذ أبو عبدالله شمس الدين محمد بن أبي بكر بن أيوب بن سعد بن حريز الزرعي الدمشقي المعروف بابن قيم الجوزية عليه شآبيب الرحمة والمغفرة.
اشتهر رحمه الله بابن قيم الجوزية لأن والده عليه رحمة الله كان ناظرا ووصيا للمدرسة الجوزية في دمشق وهي أعظم مدارس الحنابلة في دمشق.
( المولد والنشأة ) :
ولد رحمه الله عام 691هـ لسبع ليال خلون من شهر صفر في قرية من قرى حوران يقال لها زرع بضم الزاي وفتح الراء وهي منطقة تبعد عن مدينة دمشق مسافة تقد بخمسين ميلا.
لقد نشأ عالمنا الفذ هذا في بيت علم ودين وتقى فأبوه الشيخ العالم البارز في علم الفرائض وهو العابد الصالح التقي الورع المتوفى سنة 723هـ
وأما أخوه فزين الدين أبو الفرج عبدالرحمن بن أبي بكر , شارك شيخنا هذا في أكثر رحلاته العلمية وتتلمذ على يديه الحافظ بن رجب وتوفي رحمه الله سنة 769هـ.
وابن أخيه عماد الدين بن زين الدين كان من أفاضل أهل العلم وقد اقتنى أكثر مكتبة عمه , ولشيخنا ابن بدت عليه أمارات النجابة والذكاء لكن قدر الله عاجله بالمنية فمات وهو ابن ثلاث وثلاثين عاما وقد كان مفرط الذكاء حفظ سورة الأعراف في يومين وصلى بالقرآن وهو في التاسعة من عمره.
وابنه برهان الدين إبراهيم , كان فقيها نحويا أخذ العلم عن والده وقام بالتدريس في المدرسة الصدرية .
فإمامنا أصوله أصول علم وتقى وفروعه فروع علم تقى وبتلك الأصول وعلى رأسها إمامنا الكبير وبتلك الفروع أيضا نفع الله الإسلام والمسلمين.
( شيوخه ) :
أخذ رحمه الله علم العربية عن أبي الفتح البعلبكي , فقرأ عليه \" الملخص \" لأبي البقاء , ثم \" الجرجانية\" , ثم\" ألفية ابن مالك \" , وأكثر \" الكافية الشافية\", وشيئا من كتاب \" التسهيل\",وقرأ قطعة من \" المقرب\" لابن عصفور على المجد التونسي.
وأخذ علم الفرائض على والده وأخذ الأصول والفقه عن شيخ الإسلام ابن تيمية وأخيه شرف الدين بن تيمية وابن مفلح المقدسي الحنبلي , والمجد الحراني إسماعيل بن محمد , وصفي الدين الهندي, فقرأ \" الروضة \" لابن قدامة المقدسي , \" والإحكام\" للآمدي, \" والمحصول \" للرازي, و\" المحرر\" للمجد بن تيمية .
ومن شيوخه في الحديث :
الشهاب النابلسي
شرف الدين عيسى المطعم
صدر الدين إسماعيل بن مكتوم
القاضي تقي الدين سليمان بن حمزة
الكحال
ابن الشيرازي
وأبي بكر بن عبدالدائم
وفاطمة بنت جوهر وغيرهم خلق كثير.
ومن أشياخه أيضا:
إمام المحدثين أبو الحجاج المزي , والقاضي بدر الدين بن جماعة الكناني, والقاضي كمال الدين الزملكاني وغيرهم.
( صلته بشيخ الإسلام ابن تيمية ) :
ابن القيم رحمه حسنة من حسنات شيخ الإسلام ابن تيمية عليه رضوان الله وهو شامة من الشامات الكثيرة التي تزين بها جبين شيخ الإسلام فهو أثر من آثار دعوته وجهاده وعلمه ، فقد توثقت صلته بابن تيمية رحمه الله تعالى بدءا من سنة 712هـ بصورة بالغة تجاوزت علاقة التلميذ بالشيخ بدرجات حتى أثمرت ملازمة تامة من التلميذ لشيخه ، بل انقطاعا للأخذ عنه حتى وفاته رحمه الله سنة 728هـ.
لقد نهل شيخنا من فيض علم شيخ الإسلام رحمه الله وتضلع من فكره السديد حتى خص به من بين تلاميذه وارتبط اسمه باسمه وسيرته بسيرته وغلبت عليه محبته والتأثر بأقواله وآرائه واجتهادته .
ولقد لقي ابن القيم رحمه الله الشيء الكثير من الشدائد والمحن جراء صلته بشيخه ولما دخل شيخ الإسلام سجن القلعة في دمشق آخر مرة ، دخل ابن القيم معه وحبس منفردا عنه ولم يفرج عنه إلا بعد وفاة شيخ الإسلام رحمه الله.
ولعل أهم ما استفاده ابن القيم رحمه الله من شيخه دعوته للاعتصام بالكتاب والسنة الصحيحه وفهمهما على النحو الذي فهمه السلف الصالح وطرح مايخالفهما وتجديد مادرس من معالم الدين الصحيح وتنقيته مما ابتدعه المسلمون من مناهج زائفة من تلقاء أنفسهم خلال القرون السالفة.
( أخلاقه وعبادته وزهده وتواضعه) :
ابن القيم رحمه الله عالم رباني فريد قلما يجود الزمان بمثله ليس في علمه فحسب بل في تقواه وورعه وزهده أيضا يقول عنه الإمام ابن حجر رحمه الله تعالى \" كان إذا صلى الصبح جلس مكانه يذكر الله تعالى حتى يتعالى النهار ويقول : هذه غدوتي لو لم أقعدها سقطت قواي. وكان يقول : بالصبر والفقر تنال الإمامة بالدين. وكان يقول : لابد للسالك من همة تسيره وترقيه وعلم يبصره ويهديه\".
ويقول عنه تلميذه الحافظ ابن رجب الحنبلي رحمه الله : \" وكان رحمه الله ذا عبادة وتهجد وطول صلاة إلى الغاية القصوى وتأله ولهج بالذكر وشغف بالمحبة والإنابة والاستغفار والافتقار إلى الله والانكسار له والاطراح بين يديه على عتبة عبوديته\".
( شيء من ثناء العلماء عليه ) :
يقول عنه الحافظ الذهبي رحمه الله : \"عني بالحديث ومتونه وبعض رجاله وكان يشتغل في الفقه ويجيد تقريره وبالنحو ويدريه وفي الأصلين وتصدر للاشتغال ونشر العلم\".
ويقول عنه الإمام المفسر ابن كثير رحمه الله : \" وكان حسن القراءة والخلق كثير التودد لايحسد أحدا ولا يؤذيه ولايحقد على أحد ولا أعرف في هذا العالم في زماننا أكثر عبادة منه\" .
وقال الحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى : \" كان جريء الجنان ، واسع العلم ، عارفا بالخلاف وبمذاهب السلف\".
وقال الشوكاني رحمه الله تعالى : \" كان متقيدا بالأدلة الصحيحة ، معجبا بالعمل بها ، غير معول على الرأي ، صادعا بالحق لايحابي فيه أحدا \" .
( تلاميذه ) :
لقد تخرج على يدي هذا الإمام الفذ خلق كثير من أكابر العلماء ومشاهير الفضلاء يذكر منهم على سبيل اتمثيل لا الحصر هؤلاء الفضلاء وهم :
أبو عبدالله محمد بن عبدالهادي بن قدامة المقدسي الحنبلي المتوفى سنة 744هـ.
أبو الفداء إسماعيل بن عمر بن كثير الدمشقي الحافظ المشهور المتوفى سنة 774هـ.
أبو الفرج عبدالرحمن بن أحمد الملقب بابن رجب الحنبلي المتوفى سنة 795هـ.
( أهم مؤلفاته ) :
1- التبيان في أقسام القرآن.
2- تهذيب مختصر سنن أبي داوود.
3- المنار المنيف في الصحيح والضعيف.
4- زاد المعاد في هدي خير العباد.
5- أحكام أهل الذمة.
6- أحكام المولود.
7- إغاثة اللهفان في حكم طلاق الغضبان.
8- أعلام الموقعين عن رب العالمين.
9- حكم تارك الصلاة.
10- الفروسية.
11- الطرق الحكمية في السياسة الشرعية.
12- اجتماع الجيوش الإسلامية على غزو المعطلة والجهمية.
13- هداية الحيارى من اليهود والنصارى.
14- حادي الأرواح إلى بلاد الأفراح.
15- الكافية الشافية في الانتصار للفرقة الناجية الموسومة بنونية ابن القيم.
16- الروح.
17- الرسالة التبوكية.
18- الوابل الصيب من الكلم الطيب.
19- إغاثة اللهفان من مكايد الشيطان.
20- الفوائد.
21- طريق الهجرتين وباب السعادتين.
22- مفتاح دار السعادة
وغير ذلك كثير.
( وفاته):
توفي عليه رحمة الله مع أذان العشاء ليلة الخميس الثالث عشر من شهر رجب من عام واحد وخمسين وسبعمائة للهجرة النبوية على صاحبها أفضل الصلاة وأزكى التسليم وقد توفي رحمه الله بعد حياة مليئة بالجد والجهاد والعلم والدعوة والتأليف ، فجزاه الله عن الإسلام والمسلمين خير الجزاء.
--------------------------
المرجع / عن مقدمة كتاب الفوائد بتحقيق وتعليق عامر بن علي ياسين – الطبعة الأولى عام 1422هـ وذلك بتصرف يسير.. ❝ ⏤لا حول ولا قوة الا بالله
❞ (ابم القيم)
إنه الإمام حقا وصدقا قولا وفعلا , العالم الرباني , وشيخ الإسلام الثاني , الإمام العلامة والحبر الفهامة ذو الذهن الوقاد والقلم السيال والبيان العذب الأخاذ أبو عبدالله شمس الدين محمد بن أبي بكر بن أيوب بن سعد بن حريز الزرعي الدمشقي المعروف بابن قيم الجوزية عليه شآبيب الرحمة والمغفرة.
اشتهر رحمه الله بابن قيم الجوزية لأن والده عليه رحمة الله كان ناظرا ووصيا للمدرسة الجوزية في دمشق وهي أعظم مدارس الحنابلة في دمشق.
( المولد والنشأة ) :
ولد رحمه الله عام 691هـ لسبع ليال خلون من شهر صفر في قرية من قرى حوران يقال لها زرع بضم الزاي وفتح الراء وهي منطقة تبعد عن مدينة دمشق مسافة تقد بخمسين ميلا.
لقد نشأ عالمنا الفذ هذا في بيت علم ودين وتقى فأبوه الشيخ العالم البارز في علم الفرائض وهو العابد الصالح التقي الورع المتوفى سنة 723هـ
وأما أخوه فزين الدين أبو الفرج عبدالرحمن بن أبي بكر , شارك شيخنا هذا في أكثر رحلاته العلمية وتتلمذ على يديه الحافظ بن رجب وتوفي رحمه الله سنة 769هـ.
وابن أخيه عماد الدين بن زين الدين كان من أفاضل أهل العلم وقد اقتنى أكثر مكتبة عمه , ولشيخنا ابن بدت عليه أمارات النجابة والذكاء لكن قدر الله عاجله بالمنية فمات وهو ابن ثلاث وثلاثين عاما وقد كان مفرط الذكاء حفظ سورة الأعراف في يومين وصلى بالقرآن وهو في التاسعة من عمره.
وابنه برهان الدين إبراهيم , كان فقيها نحويا أخذ العلم عن والده وقام بالتدريس في المدرسة الصدرية .
فإمامنا أصوله أصول علم وتقى وفروعه فروع علم تقى وبتلك الأصول وعلى رأسها إمامنا الكبير وبتلك الفروع أيضا نفع الله الإسلام والمسلمين.
( شيوخه ) :
أخذ رحمه الله علم العربية عن أبي الفتح البعلبكي , فقرأ عليه ˝ الملخص ˝ لأبي البقاء , ثم ˝ الجرجانية˝ , ثم˝ ألفية ابن مالك ˝ , وأكثر ˝ الكافية الشافية˝, وشيئا من كتاب ˝ التسهيل˝,وقرأ قطعة من ˝ المقرب˝ لابن عصفور على المجد التونسي.
وأخذ علم الفرائض على والده وأخذ الأصول والفقه عن شيخ الإسلام ابن تيمية وأخيه شرف الدين بن تيمية وابن مفلح المقدسي الحنبلي , والمجد الحراني إسماعيل بن محمد , وصفي الدين الهندي, فقرأ ˝ الروضة ˝ لابن قدامة المقدسي , ˝ والإحكام˝ للآمدي, ˝ والمحصول ˝ للرازي, و˝ المحرر˝ للمجد بن تيمية .
ومن شيوخه في الحديث :
الشهاب النابلسي
شرف الدين عيسى المطعم
صدر الدين إسماعيل بن مكتوم
القاضي تقي الدين سليمان بن حمزة
الكحال
ابن الشيرازي
وأبي بكر بن عبدالدائم
وفاطمة بنت جوهر وغيرهم خلق كثير.
ومن أشياخه أيضا:
إمام المحدثين أبو الحجاج المزي , والقاضي بدر الدين بن جماعة الكناني, والقاضي كمال الدين الزملكاني وغيرهم.
( صلته بشيخ الإسلام ابن تيمية ) :
ابن القيم رحمه حسنة من حسنات شيخ الإسلام ابن تيمية عليه رضوان الله وهو شامة من الشامات الكثيرة التي تزين بها جبين شيخ الإسلام فهو أثر من آثار دعوته وجهاده وعلمه ، فقد توثقت صلته بابن تيمية رحمه الله تعالى بدءا من سنة 712هـ بصورة بالغة تجاوزت علاقة التلميذ بالشيخ بدرجات حتى أثمرت ملازمة تامة من التلميذ لشيخه ، بل انقطاعا للأخذ عنه حتى وفاته رحمه الله سنة 728هـ.
لقد نهل شيخنا من فيض علم شيخ الإسلام رحمه الله وتضلع من فكره السديد حتى خص به من بين تلاميذه وارتبط اسمه باسمه وسيرته بسيرته وغلبت عليه محبته والتأثر بأقواله وآرائه واجتهادته .
ولقد لقي ابن القيم رحمه الله الشيء الكثير من الشدائد والمحن جراء صلته بشيخه ولما دخل شيخ الإسلام سجن القلعة في دمشق آخر مرة ، دخل ابن القيم معه وحبس منفردا عنه ولم يفرج عنه إلا بعد وفاة شيخ الإسلام رحمه الله.
ولعل أهم ما استفاده ابن القيم رحمه الله من شيخه دعوته للاعتصام بالكتاب والسنة الصحيحه وفهمهما على النحو الذي فهمه السلف الصالح وطرح مايخالفهما وتجديد مادرس من معالم الدين الصحيح وتنقيته مما ابتدعه المسلمون من مناهج زائفة من تلقاء أنفسهم خلال القرون السالفة.
( أخلاقه وعبادته وزهده وتواضعه) :
ابن القيم رحمه الله عالم رباني فريد قلما يجود الزمان بمثله ليس في علمه فحسب بل في تقواه وورعه وزهده أيضا يقول عنه الإمام ابن حجر رحمه الله تعالى ˝ كان إذا صلى الصبح جلس مكانه يذكر الله تعالى حتى يتعالى النهار ويقول : هذه غدوتي لو لم أقعدها سقطت قواي. وكان يقول : بالصبر والفقر تنال الإمامة بالدين. وكان يقول : لابد للسالك من همة تسيره وترقيه وعلم يبصره ويهديه˝.
ويقول عنه تلميذه الحافظ ابن رجب الحنبلي رحمه الله : ˝ وكان رحمه الله ذا عبادة وتهجد وطول صلاة إلى الغاية القصوى وتأله ولهج بالذكر وشغف بالمحبة والإنابة والاستغفار والافتقار إلى الله والانكسار له والاطراح بين يديه على عتبة عبوديته˝.
( شيء من ثناء العلماء عليه ) :
يقول عنه الحافظ الذهبي رحمه الله : ˝عني بالحديث ومتونه وبعض رجاله وكان يشتغل في الفقه ويجيد تقريره وبالنحو ويدريه وفي الأصلين وتصدر للاشتغال ونشر العلم˝.
ويقول عنه الإمام المفسر ابن كثير رحمه الله : ˝ وكان حسن القراءة والخلق كثير التودد لايحسد أحدا ولا يؤذيه ولايحقد على أحد ولا أعرف في هذا العالم في زماننا أكثر عبادة منه˝ .
وقال الحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى : ˝ كان جريء الجنان ، واسع العلم ، عارفا بالخلاف وبمذاهب السلف˝.
وقال الشوكاني رحمه الله تعالى : ˝ كان متقيدا بالأدلة الصحيحة ، معجبا بالعمل بها ، غير معول على الرأي ، صادعا بالحق لايحابي فيه أحدا ˝ .
( تلاميذه ) :
لقد تخرج على يدي هذا الإمام الفذ خلق كثير من أكابر العلماء ومشاهير الفضلاء يذكر منهم على سبيل اتمثيل لا الحصر هؤلاء الفضلاء وهم :
أبو عبدالله محمد بن عبدالهادي بن قدامة المقدسي الحنبلي المتوفى سنة 744هـ.
أبو الفداء إسماعيل بن عمر بن كثير الدمشقي الحافظ المشهور المتوفى سنة 774هـ.
أبو الفرج عبدالرحمن بن أحمد الملقب بابن رجب الحنبلي المتوفى سنة 795هـ.
( أهم مؤلفاته ) :
1- التبيان في أقسام القرآن.
2- تهذيب مختصر سنن أبي داوود.
3- المنار المنيف في الصحيح والضعيف.
4- زاد المعاد في هدي خير العباد.
5- أحكام أهل الذمة.
6- أحكام المولود.
7- إغاثة اللهفان في حكم طلاق الغضبان.
8- أعلام الموقعين عن رب العالمين.
9- حكم تارك الصلاة.
10- الفروسية.
11- الطرق الحكمية في السياسة الشرعية.
12- اجتماع الجيوش الإسلامية على غزو المعطلة والجهمية.
13- هداية الحيارى من اليهود والنصارى.
14- حادي الأرواح إلى بلاد الأفراح.
15- الكافية الشافية في الانتصار للفرقة الناجية الموسومة بنونية ابن القيم.
16- الروح.
17- الرسالة التبوكية.
18- الوابل الصيب من الكلم الطيب.
19- إغاثة اللهفان من مكايد الشيطان.
20- الفوائد.
21- طريق الهجرتين وباب السعادتين.
22- مفتاح دار السعادة
وغير ذلك كثير.
( وفاته):
توفي عليه رحمة الله مع أذان العشاء ليلة الخميس الثالث عشر من شهر رجب من عام واحد وخمسين وسبعمائة للهجرة النبوية على صاحبها أفضل الصلاة وأزكى التسليم وقد توفي رحمه الله بعد حياة مليئة بالجد والجهاد والعلم والدعوة والتأليف ، فجزاه الله عن الإسلام والمسلمين خير الجزاء.
-
المرجع / عن مقدمة كتاب الفوائد بتحقيق وتعليق عامر بن علي ياسين – الطبعة الأولى عام 1422هـ وذلك بتصرف يسير. ❝