█ حصريا تحميل كتاب مجاناً PDF اونلاين 2024
❞ كتبت شفتاك أنك كبرت غير أن طفلاً ألتقيتُ به منذُ ستة وعشرين عاماً نسى أن يكبر معك مازال فى الرابعة بعد ! أضف عمره إلى عمرك يكن الحاصل أنت . ❝
❞ ماهي التوبة وكيف نتوب؟
كثيرًا ما تتردد على أسماعنا عبارة “التوبة النصوح”، وقد عرفها العلماء بأنها هي التي تتضمن الإقلاع عن الذنوب كلها، والندم عليها، والعزم على عدم العودة إليها، ورد المظالم إلى أهلها، وأن تكون طلبًا لثواب الله ورحمته، وهربًا من عذابه وعقوبته، يقول الله عز وجل: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَّصُوحًا عَسَى رَبُّكُمْ أَن يُكَفِّرَ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ ويُدْخِلَكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ}. فماهي التوبة وكيف نتوب؟ نحن نحتاج للتوبة دائمًا، في كل وقت وفي كل حين، فالتوبة لازمة لجميع المؤمنين، وقد أمر الله سبحانه وتعالى بالتوبة، فقال: { وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ } وقال عز وجل: { يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَّصُوحًا }، وقال عز وجل: { إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ }. وقال النبي صلى الله عليه وسلم: { يَا أَيُّهَا النَّاسُ، تُوبُوا إِلَى اللَّهِ، فَإِنِّي أَتُوبُ فِي الْيَوْمِ إِلَيْهِ مِائَةَ مَرَّةٍ }
أي هذه الصور صورتك؟
حتى نعرف ماهي التوبة وكيف نتوب؟ نقول أن للتائبين صور متعددة، فانظر أين تجد نفسك في هذه الصور.. الصورة الأولى: عبد مستقيم على التوبة والإنابة، لا يحدث نفسه بالعودة إلى معصية طيلة حياته، يستبدل بسيئاته الحسنات، وهذا سابق بالخيرات، نفسه مطمئنة، راضية مرضية. الصورة الثانية: عبد عاقد على التوبة، وفي نيته الاستقامة، ولا يسعى في المعصية، ولا يقصدها، ولا يهتم بها، ولكنه قد يُبتلَى بدخولها عليه من غير قصد منه، ويُمتَحَن بالهم واللمم، فهو مؤمن تُرجَى له الاستقامة؛ لأنه في طريقها، ونفسه نفس لوامة، تلومه إن عصى، وتلومه إن قصَّر في الطاعة. الصورة الثالثة: عبد يعصي ثم يتوب، ثم يعود للمعصية، ثم يحزن على فعله لها وسعيه إليها، إلا أنه يُسَوِّف بالتوبة، ويحدث نفسه بالاستقامة، ويحب منازل التوابين، ويرتاح قلبه إلى مقام الصديقين؛ لكن الهوى يغلبه، والعادة تجذبه، فهو ترجى له الاستقامة لمحاسن عمله، وتكفيرها السالف من سيئاته، وقد يُخشَى عليه الانتكاس والانقلاب، لمداومة خطئه. ونفس هذا العبد نفس مُسَوِّلة، وهو ممن خلط عملاً صالحًا وآخر سيئًا، عسى الله أن يتوب عليه فيستقيم ويلحق بالسابقين. الصورة الرابعة: إنه أسوأ العبيد حالاً، وأعظمهم على نفسه وبالاً، وأقلهم من الله نوالاً، يعصي ثم يتبع المعصية بمثلها أو أعظم، يقيم على الإصرار، ويحدث نفسه بفعل المعاصي إذا قدر عليها، لا ينوي توبة، ولا يعزم استقامة، لا يرجو من الله وعدًا، ولا يخشى منه وعيدًا. ونفس هذا نفس أمَّارة، وروحه من الخير فرارة، ويُخشى عليه سوء الخاتمة لسلوكه طريقها.
انظر لثلاثة أشياء
قالوا بشأن السؤال: ماهي التوبة وكيف نتوب؟ يجب عند توبتك من الذنب أن تنظر إلى ثلاثة أشياء: انخلاعك من العصمة حين إتيانه، وفرحك عند الظفر به، والإصرار عليه وقعودك عن تداركه، مع تيقنك نظر الله عز وجل إليك. انخلاعك من العصمة حين إتيانه: فإن الله عز وجل ما خلى بينك وبين الذنب إلا بعد أن خذلك وخلى بينك وبين نفسك، ولو عصمك ووفقك لما وجد الذنب إليك سبيلاً، فقد أجمع العارفون بالله على أن الخذلان أن يكلك الله إلى نفسك ويخلي بينك وبينها. فرحك عند الظفر به: إن فرحك عند الظفر بالمعصية دليل على شدة الرغبة فيها والجهل بقدر من عصيته، والجهل بسوء عاقبتها وعظم خطرها، ففرحك بها غطى على ذلك كله، وفرحك بها أشد ضررا عليك من مواقعتها. والمؤمن لا تتم له لذة بمعصية أبدًا، ولا يكمل بها فرحه، بل لا يباشرها إلا والحزن مخالط لقلبه، ولكن سُكْر الشهوة يحجبه عن الشعور به، ومتى خلا قلبه من هذا الحزن واشتدت غبطته وسروره، فليتَّهِمْ إيمانه، وليبكِ على موت قلبه. الإصرار عليه وقعودك عن تداركه: الإصرار هو الاستقرار على المخالفة، والعزم على المعاودة، وذلك ذنب آخر لعله أعظم من الذنب الأول بكثير. وهذا من عقوبة الذنب، فإنه يوجب ذنبًا أكبر منه، ثم الثاني كذلك، ثم الثالث كذلك، حتى يحدث الهلاك، فالإصرار على المعصية معصية أخرى، والقعود عن تدارك ما فاتك من الخير بسبب المعصية يعتبر إصرارًا ورضا بها وطمأنينة إليها، وذلك علامة الهلاك. قال سهل بن عبد الله: الجاهل ميت، والناسي نائم، والعاصي سكران، والمصرُّ هالك، والإصرار هو التسويف، والتسويف أن يقول: أتوب غدًا؛ وهذا دعوى النفس، كيف يتوب غدًا لا يملكه!. وعلى هذا فالتوبة من المعصية مع بقاء لذتها في القلب، وتمني ارتكابها إن وجد إليها السبيل، وحديث النفس الدائم بلذتها، هذه التوبة تسمى توبة الكذابين، وهي التي وصف أبو هريرة صاحبها بأنه كالمستهزئ بربه، فهي توبة غير مقبولة، فضلاً عن الإثم الذي يلحق بصاحبها من مخادعته لله عز وجل.
من شروط التوبة
1- أن تكون التوبة لله: فلا بد أن يكون الإقلاع عن المعصية والندم عليها والعزم على عدم معاودتها. لا بد أن يكون هذا كله من أجل الله عز وجل، رغبة في ثوابه، وخشية من عقابه. فمن أقلع عن شرب الخمر؛ لأن الطبيب حذره من شربها، وأنها ستودي بصحته، فتركها من أجل ذلك، لا يُعَد تائبًا، ولا يكون تركه لهذه النية توبة. ومن أقلع عن الزنى؛ لإصابته بمرض (الإيدز) مثلاً، أو خشي الإصابة به، أو بغيره من الأمراض التناسلية، فخاف على نفسه وهجر الزنى، لم يكن فعله ذلك توبة شرعية. ومن أقلع عن الاتجار بالمخدرات، خوفًا من مطاردة الشرطة، ومن العقوبة التي تنتظره، لم يكن تائبًا، ولا إقلاعه توبة. ومن أقلع عن القمار؛ لأنه خسر ماله فيه، وأفلس وضاعت ثروته، لم يكن ذلك توبة منه، ولم يدخل في زمرة التائبين. ولكن إذا حركت مصائب الدنيا وخسائرها بواعث الإيمان في قلب الإنسان، وجعلته يراجع نفسه ويتذكر آخرته، فتاب عند ذلك، فهو من المقبولين إن شاء الله 2- الندم: فحقيقة التوبة هي الندم على ما سلف منك في الماضي، والإقلاع عنه في الحال، والعزم على أن تفعله في المستقبل. ولا تتحقق التوبة إلا بذلك، فعدم الندم على القبيح دليل على الرضا به، والإصرار عليه. 3- الإقلاع: فالتوبة تستحيل مع مباشرة الذنب. 4- الاعتذار: والمقصود بالاعتذار: إظهار الضعف والمسكنة لله عز وجل، وأنك لم تفعل الذنب عن استهانة بحقه سبحانه وتعالى، ولا جهلاً به، ولا إنكارًا لاطلاعه، ولا استهانة بوعيده، وإنما كان ذلك من غلبة الهوى، وضعف القوة عن مقاومة الشهوة، وطمعًا في مغفرته سبحانه وتعالى، واتكالاً على عفوه، وحسن ظن به، ورجاء لكرمه، وطمعًا في سعة حلمه ورحمته. وما فعلت ذلك الذنب إلا بسبب ما غرَّك به الغَرور، والنفس الأمارة بالسوء، وستره سبحانه وتعالى المرخَى عليك، وأعانك على ذلك جهلك، ولا سبيل إلى الاعتصام لك إلا به عز وجل، ولا معونة على طاعته إلا بتوفيقه. ونحو هذا من الكلام المتضمن للاستعطاف والتذلل والافتقار إليه عز وجل، والاعتراف بالعجز والإقرار بالعبودية، فهذا من تمام التوبة. 5- الاستدراك ورد الحقوق: أولاً: حقوق الله عز وجل: وهي إما أوامر وطاعات قد قصَّرت فيها، أو مناهي ومعاصي ارتكبتها. أما الطاعات، فإن كنت قد تركت صلاة، أو صليتها فاقدة شرطًا من شروط صحتها، فيجب عليك أن تقضيها كلها إذا كنت تعلم عددها، فإن كنت لا تعلم عددها أو تشك فيه، فخُذ بغالب الظن بعد الاجتهاد والتحري. ثم لتكثر بعد ذلك من صلوات النوافل، كالسنن الراتبة وقيام الليل. وإن كنت تركت صيام يوم أو أيام من صيام الفريضة، فأحصِ عددها واقضها، ثم زد بعد ذلك من صوم النافلة، كالإثنين والخميس والأيام البيض. وأما إن كان فرَّط في الزكاة، فيحسب ما كان يجب عليه إخراجه ويخرجه على حسب غلبة ظنه. وإن كان تيسر له سبيل الحج واستطاع ولم يحج، فعليه أن يبادر بالحج، وأن يسعى لأداء الفريضة قبل أن يدركه الموت. وأما المعاصي، فيجب أن يحصيها، بأن ينظر في أيامه وساعاته، ويفتش في جوارحه، ويسجل كل معاصيه، من صغائر وكبائر، ثم يسعى في تكفيرها كلها. ثانيًا: حقوق ومظالم الناس: شدد الشرع في حقوق ومظالم العباد ما لم يشدده في حقوق الله عز وجل، فقد ألزم الشرع التائب أن يرد الحقوق إلى أصحابها إن كانوا أحياء، أو إلى ورثتهم إن ماتوا. فإن لم يستطع ردها فليستحل منه بعد إعلامه بها، إن كان حقًّا ماليًّا أو جناية على بدنه، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((مَنْ كَانَتْ لَهُ مَظْلَمَةٌ لأَخِيهِ مِنْ عِرْضِهِ أَوْ شَيْءٍ، فَلْيَتَحَلَّلْهُ مِنْهُ الْيَوْمَ قَبْلَ أَنْ لا يَكُونَ دِينَارٌ وَلا دِرْهَمٌ، إِنْ كَانَ لَهُ عَمَلٌ صَالِحٌ أُخِذَ مِنْهُ بِقَدْرِ مَظْلَمَتِهِ، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ لَهُ حَسَنَاتٌ أُخِذَ مِنْ سَيِّئَاتِ صَاحِبِهِ فَحُمِلَ عَلَيْهِ)) . فإن لم يسامحه صاحب الحق ويتحلل له فعليه أن يسعى ما استطاع في تحصيل هذا الحق ورده إلى صاحبه. فإن لم يجد أصحاب الحقوق ولا ورثتهم، فعليه أن يتصدق بهذه الحقوق عن أصحابها، ويدفعها إلى الفقراء والمحتاجين، أو إلى جهات الخير ومصالح المسلمين. أما المظالم الأدبية، كالغيبة والسب والسخرية والاستهزاء، فقد اختلف العلماء في كيفية التوبة منها، فقال بعضهم: يجب على التائب إعلام من اغتابه أو سبه، والتحلل منه، وقال البعض الآخر: يتوب بينه وبين الله، ولا يشترط إعلام من قذفه أو اغتابه. والقول الوسط بينهما هو: إن لم يترتب على إخباره وإعلامه مفسدة وضرر، فيجب إخباره والتحلل منه، وإن ترتب على إخباره مفسدة أو ضرر، فتُدفَع المفسدة، ويتوب بينه وبين الله ولا يخبره، ويدعو له. عندما نتحدث عن ماهي التوبة وكيف نتوب؟ يجب أن نعرف أن التوبة ليست قولاً باللسان، كما يفهم كثير من العوام، حين يذهب أحدهم إلى بعض المشايخ، فيقول له: “تَوِّبني يا سيدنا الشيخ” !! فيقول الشيخ: ردد ورائي، أو قل معي: “تبت إلى الله، ورجعت إلى الله، وندمت على ما فعلت…” إلى آخر الصيغة المعروفة. فإذا ردد هذه الكلمات وراء الشيخ، خرج من عنده، وظن أنه قد تاب!!. وهذا جهل من الطرفين، فالتوبة ليست مجرد كلام يلوكه اللسان، ولو كانت كذلك ما كان أسهلها. التوبة أمر أكبر من ذلك وأعمق وأصعب، ومعرفة ماهي التوبة وكيف نتوب؟رأمر ليس بالسهل. إن عمل اللسان مطلوب فيها بعد أن تتحقق وتتأكد، ليعترف بالذنب ويسأل الله المغفرة، أما مجرد الاستغفار، أو إعلان التوبة باللسان – دون عقد القلب – فهو توبة الكذابين، كما قال ذو النون المصري، وهو ما قالته السيدة رابعة: “إن استغفارنا يحتاج إلى استغفار!!” حتى قال بعضهم: “أستغفر الله من قولي: أستغفر الله” أي باللسان من غير توبة وندم بالقلب
علامات التوبة المقبولة
1- أن يكون بعد التوبة خيرًا مما كان قبلها. 2- أن لا يزال الخوف مصاحبًا له لا يأمن مكر الله طرفة عين، فخوفه مستمر إلى أن تفيض روحه إلى بارئها. 3- رقة قلبه وانخلاعه وتقطعه ندمًا وخوفًا، ولا ريب أن الخوف الشديد من العقوبة العظيمة يوجب انصداع القلب وانخلاعه حسرة على ما فرط منه، وخوفًا من سوء عاقبته. وقد ورد عن عمر رضي الله عنه أنه قال: اجلسوا إلى التوابين فإنهم أرق أفئدة. 4- أن تتمكن مرارة تلك الذنوب في قلبه بدلا عن حلاوتها، فيستبدل بالميل كراهية وبالرغبة نفرة.. 5- كسرة خاصة تحصل للقلب، بين يدي الرب، كسرة تامة قد أحاطت به من جميع جهاته، وألقته بين يدي ربه طريحًا ذليلاً خاشعًا. فمن لم يجد ذلك في قلبه، فليتَّهم توبته، وليرجع إلى تصحيحها، فما أصعب التوبة الصحيحة بالقلب، وما أسهلها باللسان.
المصادر
https://www.startimes.com
https://islamonline.net/ . ❝
❞ فَانطَلَقَا حَتَّىٰ إِذَا أَتَيَا أَهْلَ قَرْيَةٍ اسْتَطْعَمَا أَهْلَهَا فَأَبَوْا أَن يُضَيِّفُوهُمَا فَوَجَدَا فِيهَا جِدَارًا يُرِيدُ أَن يَنقَضَّ فَأَقَامَهُ ۖ قَالَ لَوْ شِئْتَ لَاتَّخَذْتَ عَلَيْهِ أَجْرًا (77)
قوله : فانطلقا حتى إذا أتيا أهل قرية استطعما أهلها فأبوا أن يضيفوهما فوجدا فيها جدارا يريد أن ينقض فأقامه قال لو شئت لاتخذت عليه أجرا قال هذا فراق بيني وبينك سأنبئك بتأويل ما لم تستطع عليه صبرا فيه ثلاث عشرة مسألة :
الأولى : قوله تعالى : حتى إذا أتيا أهل قرية في صحيح مسلم عن أبي بن كعب عن النبي - صلى الله عليه وسلم - : لئاما ; فطافا في المجالس ف استطعما أهلها فأبوا أن يضيفوهما فوجدا فيها جدارا يريد أن ينقض يقول : مائل قال : فأقامه الخضر بيده قال له موسى : قوم أتيناهم فلم يضيفونا ، ولم يطعمونا لو شئت لاتخذت عليه أجرا قال هذا فراق بيني وبينك سأنبئك بتأويل ما لم تستطع عليه صبرا قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : يرحم الله موسى لوددت أنه كان صبر حتى يقص علينا من أخبارهما .
الثانية : واختلف العلماء في القرية فقيل : هي أبلة ; قاله قتادة ، وكذلك قال محمد بن سيرين ، وهي أبخل قرية وأبعدها من السماء وقيل : أنطاكية وقيل : بجزيرة الأندلس ; روي ذلك عن أبي هريرة وغيره ، ويذكر أنها الجزيرة الخضراء وقالت فرقة : هي باجروان وهي بناحية أذربيجان وحكى السهيلي وقال : إنها برقة . الثعلبي : هي قرية من قرى الروم يقال لها ناصرة ، وإليها تنسب النصارى ; وهذا كله بحسب الخلاف في أي ناحية من الأرض كانت قصة موسى والله أعلم بحقيقة ذلك .
الثالثة : كان موسى - عليه السلام - حين سقى لبنتي شعيب أحوج منه حين أتى القرية مع الخضر ; ولم يسأل قوتا بل سقى ابتداء ، وفي القرية سأل القوت ; وفي ذلك للعلماء انفصالات كثيرة ; منها أن موسى كان في حديث مدين منفردا وفي قصة الخضر تبعا لغيره .
قلت : وعلى هذا المعنى يتمشى قوله في أول الآية لفتاه آتنا غداءنا لقد لقينا من سفرنا هذا نصبا فأصابه الجوع مراعاة لصاحبه يوشع ; والله أعلم .
وقيل : لما كان هذا سفر تأديب وكل إلى تكلف المشقة ، وكان ذلك سفر هجرة فوكل إلى العون والنصرة بالقوت .
الرابعة : في هذه الآية دليل على سؤال القوت ، وأن من جاع وجب عليه أن يطلب ما يرد جوعه خلافا لجهال المتصوفة والاستطعام سؤال الطعام ، والمراد به هنا سؤال الضيافة . بدليل قوله : فأبوا أن يضيفوهما فاستحق أهل القرية لذلك أن يذموا ، وينسبوا إلى اللؤم والبخل ، كما وصفهم بذلك نبينا - عليه الصلاة والسلام - قال قتادة في هذه الآية : شر القرى التي لا تضيف الضيف ولا تعرف لابن السبيل حقه . ويظهر من ذلك أن الضيافة كانت عليهم واجبة ، وأن الخضر وموسى إنما سألا ما وجب لهما من الضيافة ، وهذا هو الأليق بحال الأنبياء ، ومنصب الفضلاء والأولياء وقد تقدم القول في الضيافة في " هود " والحمد لله .
ويعفو الله عن الحريري حيث استخف في هذه الآية وتمجن ، وأتى بخطل من القول وزل ; فاستدل بها على الكدية والإلحاح فيها ، وأن ذلك ليس بمعيب على فاعله ، ولا منقصة عليه ; فقال :
وإن رددت فما في الرد منقصة عليك قد رد موسى قبل والخضر
قلت : وهذا لعب بالدين ، وانسلال عن احترام النبيين ، وهي شنشنة أدبية ، وهفوة سخافية ; ويرحم الله السلف الصالح ، فلقد بالغوا في وصية كل ذي عقل راجح ، فقالوا : مهما كنت لاعبا بشيء فإياك أن تلعب بدينك .
الخامسة : قوله تعالى : جدارا الجدار والجدر بمعنى واحد ; وفي الخبر : ( حتى يبلغ الماء الجدر ) . ومكان جدير بني حواليه جدار ، وأصله الرفع وأجدرت الشجرة طلعت ; ومنه الجدري .
السادسة : قوله تعالى : يريد أن ينقض أي قرب أن يسقط ، وهذا مجاز وتوسع وقد فسره في الحديث بقوله : ( مائل ) فكان فيه دليل على وجود المجاز في القرآن ، وهو مذهب الجمهور . وجميع الأفعال التي حقها أن تكون للحي الناطق متى أسندت إلى جماد أو بهيمة فإنما هي استعارة ، أي لو كان مكانهما إنسان لكان متمثلا لذلك الفعل ، وهذا في كلام العرب وأشعارها كثير ; فمن ذلك قول الأعشى :
أتنتهون ولا ينهى ذوي شطط كالطعن يذهب فيه الزيت والفتل
فأضاف النهي إلى الطعن . ومن ذلك قول الآخر :
يريد الرمح صدر أبي براء ويرغب عن دماء بني عقيل
وقال آخر :
إن دهرا يلف شملي بجمل لزمان يهم بالإحسان
وقال آخر :
في مهمه فلقت به هاماتها فلق الفؤوس إذا أردن نصولا
أي ثبوتا في الأرض ; من قولهم : نصل السيف إذا ثبت في الرمية ; فشبه وقع السيوف على رءوسهم بوقع الفؤوس في الأرض فإن الفأس يقع فيها ويثبت لا يكاد يخرج . وقال حسان بن ثابت :
لو أن اللؤم ينسب كان عبدا قبيح الوجه أعور من ثقيف
وقال عنترة :
فازور من وقع القنا بلبانه وشكا إلي بعبرة وتحمحم
وقد فسر هذا المعنى بقوله :
لو كان يدري ما المحاورة اشتكى
وهذا في هذا المعنى كثير جدا ومنه قول الناس : إن داري تنظر إلى دار فلان وفي الحديث : اشتكت النار إلى ربها وذهب قوم إلى منع المجاز في القرآن ، منهم أبو إسحاق الإسفراييني وأبو بكر محمد بن داود الأصبهاني وغيرهما ، فإن كلام الله - عز وجل - وكلام رسوله حمله على الحقيقة أولى بذي الفضل والدين ; لأنه يقص الحق كما أخبر الله - تعالى - في كتابه ،
ومما احتجوا به أن قالوا : لو خاطبنا الله - تعالى - بالمجاز لزم وصفه بأنه متجوز أيضا ، فإن العدول عن الحقيقة إلى المجاز يقتضي العجز عن الحقيقة ، وهو على الله - تعالى - محال ; قال الله - تعالى - : يوم تشهد عليهم ألسنتهم وأيديهم وأرجلهم بما كانوا يعملون وقال - تعالى - : وتقول هل من مزيد وقال - تعالى - : إذا رأتهم من مكان بعيد سمعوا لها تغيظا وزفيرا وقال - تعالى - : تدعو من أدبر وتولى و اشتكت النار إلى ربها واحتجت النار والجنة وما كان مثلها حقيقة ، وأن خالقها الذي أنطق كل شيء أنطقها . وفي صحيح مسلم من حديث أنس عن النبي - صلى الله عليه وسلم - فيختم على فيه ويقال لفخذه انطقي فتنطق فخذه ولحمه وعظامه بعمله وذلك ليعذر من نفسه وذلك المنافق وذلك الذي يسخط الله عليه . هذا في الآخرة .
وأما في الدنيا ; ففي الترمذي عن أبي سعيد الخدري قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : والذي نفسي بيده لا تقوم الساعة حتى تكلم السباع الإنسان وحتى تكلم الرجل عذبة سوطه وشراك نعله وتخبره فخذه بما أحدث أهله من بعده قال أبو عيسى : وفي الباب عن أبي هريرة ، وهذا حديث حسن غريب .
السادسة : قوله تعالى : فأقامه قيل : هدمه ثم قعد يبنيه .
فقال موسى للخضر : قال لو شئت لاتخذت عليه أجرا لأنه فعل يستحق أجرا ، وذكر أبو بكر الأنباري عن ابن عباس عن أبي بكر عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه قرأ " فوجدا فيها جدارا يريد أن ينقض فهدمه ثم قعد يبنيه " قال أبو بكر : وهذا الحديث إن صح سنده فهو جار من الرسول - عليه الصلاة والسلام - مجرى التفسير للقرآن ، وأن بعض الناقلين أدخل تفسير قرآن في موضع فسرى أن ذلك قرآن نقص من مصحف عثمان ; على ما قاله بعض الطاعنين ، وقال سعيد بن جبير : مسحه بيده وأقامه فقام ، وهذا القول هو الصحيح ، وهو الأشبه بأفعال الأنبياء عليهم الصلاة والسلام ، بل والأولياء ، وفي بعض الأخبار : إن سمك ذلك الحائط كان ثلاثين ذراعا بذراع ذلك القرن ، وطوله على وجه الأرض خمسمائة ذراع ، وعرضه خمسون ذراعا ، فأقامه الخضر - عليه السلام - أي سواه بيده فاستقام ; قاله الثعلبي في كتاب العرائس : فقال موسى للخضر لو شئت لاتخذت عليه أجرا أي طعاما تأكله ; ففي هذا دليل على كرامات الأولياء ، وكذلك ما وصف من أحوال الخضر - عليه السلام - في هذا الباب كلها أمور خارقة للعادة ; هذا إذا تنزلنا على أنه ولي لا نبي .
وقوله - تعالى - : وما فعلته عن أمري يدل علي نبوته وأنه يوحى إليه بالتكليف والأحكام ، كما أوحي للأنبياء عليهم الصلاة والسلام غير أنه ليس برسول ; والله أعلم .
الثامنة : واجب على الإنسان ألا يتعرض للجلوس تحت جدار مائل يخاف سقوطه ، بل يسرع في المشي إذا كان مارا عليه ; لأن في حديث النبي - عليه الصلاة والسلام - إذا مر أحدكم بطربال مائل فليسرع المشي . قال أبو عبيد القاسم بن سلام : كان أبو عبيدة يقول : الطربال شبيه بالمنظرة من مناظر العجم كهيئة الصومعة ; والبناء المرتفع ; قال جرير :
ألوى بها شذب العروق مشذب فكأنما وكنت على طربال
يقال منه : وكن يكن إذا جلس ، وفي الصحاح : الطربال القطعة العالية من الجدار ، والصخرة العظيمة المشرفة من الجبل ، وطرابيل الشام صوامعها . ويقال : طربل بوله إذا مده إلى فوق .
التاسعة : كرامات الأولياء ثابتة ، على ما دلت عليه الأخبار الثابتة ، والآيات المتواترة ، ولا ينكرها إلا المتبدع الجاحد ، أو الفاسق الحائد ; فالآيات ما أخبر الله - تعالى - في حق مريم من ظهور الفواكه الشتوية في الصيف ، والصيفية في الشتاء - على ما تقدم - وما ظهر على يدها حيث أمرت النخلة وكانت يابسة فأثمرت ، وهي ليست بنبية ; على الخلاف ويدل عليها ما ظهر على يد الخضر - عليه السلام - من خرق السفينة ، وقتل الغلام ، وإقامة الجدار . قال بعض العلماء : ولا يجوز أن يقال كان نبيا ; لأن إثبات النبوة لا يجوز بأخبار الآحاد ، لا سيما وقد روي من طريق التواتر - من غير أن يحتمل تأويلا - بإجماع الأمة قوله - عليه الصلاة والسلام - : لا نبي بعدي وقال - تعالى - : وخاتم النبيين والخضر وإلياس جميعا باقيان مع هذه الكرامة ، فوجب أن يكونا غير نبيين ، لأنهما لو كانا نبيين لوجب أن يكون بعد نبينا - عليه الصلاة والسلام - نبي ، إلا ما قامت الدلالة في حديث عيسى أنه ينزل بعده .
قلت : الخضر كان نبيا - على ما تقدم - وليس بعد نبينا - عليه الصلاة والسلام - نبي ، أي يدعي النبوة بعده أبدا ; والله أعلم .
العاشرة : اختلف الناس هل يجوز أن يعلم الولي أنه ولي أم لا ؟ على قولين : [ أحدهما ] أنه لا يجوز ; وأن ما يظهر على يديه يجب أن يلاحظه بعين خوف المكر ، لأنه لا يأمن أن يكون مكرا واستدراجا له ; وقد حكي عن السري أنه كان يقول : لو أن رجلا دخل بستانا فكلمه من رأس كل شجرة طير بلسان فصيح : السلام عليك يا ولي الله فلو لم يخف أن يكون ذلك مكرا لكان ممكورا به ; ولأنه لو علم أنه ولي لزال عنه الخوف ، وحصل له الأمن . ومن شرط الولي أن يستديم الخوف إلى أن تتنزل عليه الملائكة ، كما قال - عز وجل - : تتنزل عليهم الملائكة ألا تخافوا ولا تحزنوا ولأن الولي من كان مختوما له بالسعادة ، والعواقب مستورة ولا يدري أحد ما يختم له به ; ولهذا قال - عليه الصلاة والسلام - : إنما الأعمال بالخواتيم . [ القول الثاني ] أنه يجوز للولي أن يعلم أنه ولي ; ألا ترى أن النبي - عليه الصلاة والسلام - يجوز أن يعلم أنه ولي ، ولا خلاف أنه يجوز لغيره أن يعلم أنه ولي الله - تعالى - ، فجاز أن يعلم ذلك . وقد أخبر النبي - عليه الصلاة والسلام - من حال العشرة من أصحابه أنهم من أهل الجنة ، ثم لم يكن في ذلك زوال خوفهم ، بل كانوا أكثر تعظيما لله - سبحانه وتعالى - ، وأشد خوفا وهيبة ; فإذا جاز للعشرة ذلك ولم يخرجهم عن الخوف فكذلك غيرهم . وكان الشبلي يقول : أنا أمان هذا الجانب ; فلما مات ودفن عبر الديلم دجلة ذلك اليوم ، واستولوا على بغداد ، ويقول الناس : مصيبتان موت الشبلي وعبور الديلم . ولا يقال : إنه يحتمل أن يكون ذلك استدراجا لأنه لو جاز ذلك لجاز ألا يعرف النبي أنه نبي وولي الله ، لجواز أن يكون ذلك استدراجا ، فلما لم يجز ذلك لأن فيه إبطال المعجزات لم يجز هذا ، لأن فيه إبطال الكرامات . وما روي من ظهور الكرامات على يدي بلعام وانسلاخه عن الدين بعدها لقوله : فانسلخ منها فليس في الآية أنه كان وليا ثم انسلخت عنه الولاية . وما نقل أنه ظهر على يديه ما يجري مجرى الكرامات هو أخبار آحاد لا توجب العلم ; والله أعلم .
والفرق بين المعجزة والكرامة أن الكرامة من شرطها الاستتار ، والمعجزة من شرطها الإظهار . وقيل : الكرامة ما تظهر من غير دعوى والمعجزة ما تظهر عند دعوى الأنبياء فيطالبون بالبرهان فيظهر أثر ذلك . وقد تقدم في مقدمة الكتاب شرائط المعجزة ، والحمد لله - تعالى - وحده لا شريك له . وأما الأحاديث الواردة في الدلالة على ثبوت الكرامات ، فمن ذلك ما خرجه البخاري من حديث أبي هريرة قال : بعث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عشرة رهط سرية وأمر عليهم عاصم بن ثابت الأنصاري وهو جد عاصم بن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - ، فانطلقوا حتى إذا كانوا بالهدأة وهي بين عسفان ومكة ذكروا لحي من هذيل يقال لهم بنو لحيان فنفروا إليهم قريبا من مائتي راجل كلهم رام ، فاقتصوا آثارهم حتى وجدوا مأكلهم تمرا تزودوه من المدينة ، فقالوا : هذا تمر يثرب ; فاقتصوا آثارهم ، فلما رآهم عاصم وأصحابه لجئوا إلى فدفد ، وأحاط بهم القوم ، فقالوا لهم : انزلوا فأعطونا أيديكم ولكم العهد والميثاق ألا نقتل منكم أحدا ; فقال عاصم بن ثابت أمير السرية : أما فوالله لا أنزل اليوم في ذمة الكافر ، اللهم أخبر عنا نبيك ، فرموا بالنبل فقتلواعاصما في سبعة ، فنزل إليهم ثلاثة رهط بالعهد والميثاق ، وهم خبيب الأنصاري وابن الدثنة ورجل آخر ، فلما استمكنوا منهم أطلقوا أوتار قسيهم فأوثقوهم ، فقال الرجل الثالث : هذا أول الغدر والله لا أصحبكم ; إن لي في هؤلاء لأسوة - يريد القتلى - فجرروه وعالجوه على أن يصحبهم فلم يفعل فقتلوه ; فانطلقوا بخبيب وابن الدثنة حتى باعوهما بمكة بعد وقعة بدر ، فابتاع خبيبا بنو الحارث بن عامر بن نوفل بن عبد مناف ، وكان خبيب هو الذي قتل الحارث بن عامر يوم بدر ، فلبث خبيب عندهم أسيرا ; فأخبر عبيد الله بن عياض أن بنت الحارث أخبرته أنهم حين اجتمعوا استعار منها موسى يستحد بها فأعارته ، فأخذ ابن لي وأنا غافلة حتى أتاه ، قالت : فوجدته مجلسه على فخذه والموسى بيده ، ففزعت فزعة عرفها خبيب في وجهي ; فقال : أتخشين أن أقتله ؟ ما كنت لأفعل ذلك . قالت : والله ما رأيت أسيرا قط خيرا من خبيب ; والله لقد وجدته يوما يأكل قطف عنب في يده ، وإنه لموثق بالحديد وما بمكة من ثمر ; وكانت تقول : إنه لرزق رزقه الله - تعالى - خبيبا ; فلما خرجوا به من الحرم ليقتلوه في الحل قال لهم خبيب : دعوني أركع ركعتين ; فتركوه فركع ركعتين ثم قال : لولا أن تظنوا أن ما بي جزع من الموت لزدت ; ثم قال : اللهم أحصهم عددا ، واقتلهم بددا ، ولا تبق منهم أحدا ; ثم قال :
ولست أبالي حين أقتل مسلما على أي شق كان لله مصرعي
وذلك في ذات الإله وإن يشأ يبارك على أوصال شلو ممزع
فقتله بنو الحارث ، وكان خبيب هو الذي سن الركعتين لكل امرئ مسلم قتل صبرا ; فاستجاب الله - تعالى - لعاصم يوم أصيب ; فأخبر النبي - عليه الصلاة والسلام - وأصحابه خبرهم وما أصيبوا . وبعث ناس من كفار قريش إلى عاصم حين حدثوا أنه قتل ليؤتوا بشيء منه يعرفونه ، وكان قد قتل رجلا من عظمائهم يوم بدر ; فبعث الله على عاصم مثل الظلة من الدبر فحمته من رسلهم ، فلم يقدروا على أن يقطعوا من لحمه شيئا . وقال ابن إسحاق في هذه القصة : وقد كانت هذيل حين قتل عاصم بن ثابت أرادوا رأسه ليبيعوه من سلافة بنت سعد بن شهيد ، وقد كانت نذرت حين أصاب ابنيها بأحد لئن قدرت على رأسه لتشربن في قحفه الخمر فمنعهم الدبر ، فلما حالت بينه وبينهم قالوا : دعوه حتى يمسي فتذهب عنه فنأخذه ، فبعث الله - تعالى - الوادي فاحتمل عاصما فذهب ، وقد كان عاصم أعطى الله - تعالى - عهدا ألا يمس مشركا ولا يمسه مشرك أبدا في حياته ، فمنعه الله - تعالى - بعد وفاته مما امتنع منه في حياته . وعن عمرو بن أمية الضمري : وكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بعثه عينا وحده فقال : جئت إلى خشبة خبيب فرقيت فيها وأنا أتخوف العيون فأطلقته ، فوقع في الأرض ، ثم اقتحمت فانتبذت قليلا ، ثم التفت فكأنما ابتلعته الأرض . وفي رواية أخرى زيادة : فلم نذكر لخبيب رمة حتى الساعة ; ذكره البيهقي .
الحادية عشرة : ولا ينكر أن يكون للولي مال وضيعة يصون بها ماله وعياله ، وحسبك بالصحابة وأموالهم مع ولايتهم وفضلهم ، وهم الحجة على غيرهم . وفي صحيح مسلم عن أبي هريرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : بينما رجل بفلاة من الأرض فسمع صوتا في سحابة اسق حديقة فلان فتنحى ذلك السحاب فأفرغ ماءه في حرة فإذا شرجة من تلك الشراج قد استوعبت ذلك الماء كله فتتبع الماء فإذا رجل قائم في حديقته يحول الماء بمسحاته فقال يا عبد الله ما اسمك قال فلان الاسم الذي سمعه في السحابة فقال له يا عبد الله لم سألتني عن اسمي قال إني سمعت صوتا في السحاب الذي هذا ماؤه يقول اسق حديقة فلان لاسمك فما تصنع فيها قال أما إذ قلت هذا فإني أنظر إلى ما يخرج منها فأتصدق بثلثه وآكل أنا وعيالي ثلثا وأرد فيها ثلثه وفي رواية وأجعل ثلثه في المساكين والسائلين وابن السبيل .
قلت : وهذا الحديث لا يناقضه قوله - عليه الصلاة والسلام - : لا تتخذوا الضيعة فتركنوا إلى الدنيا خرجه الترمذي من حديث ابن مسعود وقال فيه حديث حسن ; فإنه محمول على من اتخذها مستكثرا أو متنعما ومتمتعا بزهرتها ، وأما من اتخذها معاشا يصون بها دينه وعياله فاتخاذها بهذه النية من أفضل الأعمال ، وهي من أفضل الأموال ; قال - عليه الصلاة والسلام - : نعم المال الصالح للرجل الصالح . وقد أكثر الناس في كرامات الأولياء وما ذكرناه فيه كفاية ; والله الموفق للهداية .
الثانية عشرة : قوله - تعالى - : لاتخذت عليه أجرا فيه دليل على صحة جواز الإجارة ، وهي سنة الأنبياء والأولياء على ما يأتي بيانه في سورة " القصص " إن شاء الله - تعالى - . وقرأ الجمهور لاتخذت وأبو عمرو " لتخذت " وهي قراءة ابن مسعود والحسن وقتادة ، وهما لغتان بمعنى واحد من الأخذ ، مثل قولك : تبع واتبع ، وتقى واتقى وأدغم بعض القراء الذال في التاء ، ولم يدغمها بعضهم وفي حديث أبي بن كعب : ( لو شئت لأوتيت أجرا ) وهذه صدرت من موسى سؤالا على جهة العرض لا الاعتراض .
فعند ذلك قال له الخضر هذا فراق بيني وبينك بحكم ما شرطت على نفسك . وتكريره بيني وبينك وعدوله عن بيننا لمعنى التأكيد . قال سيبويه : كما يقال أخزى الله الكاذب مني ومنك ; أي منا . وقال ابن عباس : وكان قول موسى في السفينة والغلام لله ، وكان قوله في الجدار لنفسه لطلب شيء من الدنيا ، فكان سبب الفراق . وقال وهب بن منبه : كان ذلك الجدار جدارا طوله في السماء مائة ذراع .
الثالثة عشرة : سأنبئك بتأويل ما لم تستطع عليه صبرا تأويل الشيء مآله أي قال له : إني أخبرك لم فعلت ما فعلت . وقيل في تفسير هذه الآيات التي وقعت لموسى مع الخضر : إنها حجة على موسى وعجبا له وذلك أنه لما أنكر أمر خرق السفينة نودي : يا موسى أين كان تدبيرك هذا وأنت في التابوت مطروحا في اليم فلما أنكر أمر الغلام قيل له : أين إنكارك هذا من وكزك القبطي وقضائك عليه فلما أنكر إقامة الجدار نودي : أين هذا من رفعك حجر البئر لبنات شعيب دون أجر . ❝
❞ -ماذا فعلت بنفسك ؟
- أردت أن أقتل نفسي لأستريح.
- ومن أين لك العلم بأنك سوف تستريح، أعلمت بما ينتظرك
بعد الموت؟
-إنه على أي حال أفضل من حالي في الدنيا.
-هذا ظنك.. ولا يقتل الناس أنفسهم بالظن.
- وماذا كنت أستطيع أن أفعل.. وماذا بقي لى ؟
- أن تصبر وتنتظر أمرنا
- صبرت
- تصبر يوما آخر إلى غد.
- سيكون غدا مشئوما مثل سالفه.
كيف علمت.. هل أنت الذي خلقت الأيام.. هل أنت الذي خلقت
-نفسك؟
-لا
- فكيف تحكم على ما لا تعلم وكيف تتصرف فيما لا تملك
-هذا عمري وقد ضقت به.
- أتعلم ماذا نخفي لك غدا؟
- لا.
- إذن فهو ليس عمرك.
- لا أريد أن أعيش.. خلوا بيني وبين الموت.. دعوني.. ارحمونی
- لو تركناك فما رحمناك.. إنما نحول بينك وبين رغبتك رحمة
وفضلا ولو تخلينا عنك لهلكت.
- يا مرحبا بالهلاك.. ما أريد إلا الهلاك.. يا أهلا بالهلاك.
- لن يكون الهلاك رقدة مطمئنة تحت التراب كما تتصور.
- أريد أن أخرج مما أنا فيه وكفی.
-ولو إلى النار
-وهل هناك نار غير هذه؟
اتصورت أنه لا وجود، إلا ما يقع تحت حسك من جنة ونار
أظننت أنه لا جنة ونار إلا نعيمكم وعذابكم.. أظننتنا فقراء
لا يتسع ملكنا إلا لهذا العالم.. أتصورت أنه ليس عندنا لك إلا هذه الشقة في المعادي وليس عند رب العالمين غير هذه الكرة
الأرضية المعلقة كذرة غبار في الفضاء.. بئس ما خيل لك
بصرك الضرير عن فقرنا.
- ضقت ذرعا مما أنا فيه.. انسدت أمامي المسالك.. انطبقت
السماء على الأرض.. اختنقت.. . أريد الخروج.. أريد الخروج.
- ألا تصبر لحظات أخرى.. أترفض عطيتنا في الغد قبل أن
تراها؟
- رأيت منها ما يكفيني.
- هذا رفض لنا ويأس منا واتهام لحكمتنا وسوء ظن بتدبيرنا
وانتقاص لملكنا.. بئس ما قررت لنفسك.. اذهب.. رفضناك
كما رفضتنا وحرمناك ما حرمت نفسك.. خلوا بينه وبين الموت..
وفي تلك الليلة شنق الرجل نفسه بملاءة الفراش.. ومات في
هذه المحاولة الرابعة.. وفشلت كل الإسعافات في إنقاذه.
وجاء الغد..
فطلعت صفحات الجرائد الأولى بخبر مثير عن اكتشاف علاج
جديد حاسم للمرض الذي كان يشكو منه.
ولكنه كان قد ذهب لم ينتظر العطية
ظلم المعطى والعطية وظلم نفسه وظلم الغد ااذى لم يره واتهم الرحيم فى رحمته وأنكر على المدبر تدبيره.
وخرج إلى حيث لا رحمة .. ولا .. عودة.
. ❝