❞ أربعة وأربعون وجهًا تحتضن خلف ملامحها التي تدّعي الجمال، تتدثر بستار مستحضرات التجميل لتزيد وجهها الخارجي نضارة ،وفي أقل تلامس مائي يسقط كل ذلك لتتبدل الوجوه !
ليتها سعت لترتيب وجه واحد دائم، ليكون هو أمام الجميع وجه الحق.... ❝ ⏤الكاتبة : نور عليان
❞ أربعة وأربعون وجهًا تحتضن خلف ملامحها التي تدّعي الجمال، تتدثر بستار مستحضرات التجميل لتزيد وجهها الخارجي نضارة ،وفي أقل تلامس مائي يسقط كل ذلك لتتبدل الوجوه !
ليتها سعت لترتيب وجه واحد دائم، ليكون هو أمام الجميع وجه الحق. ❝
❞ #صدر_حديثا | ميتافيرس “Metaverse”، «العَوْد الأبَدي»، رواية للكاتب محمود فكري، الجزء الثاني من رواية "مالجيا".
أحدث إصدرات اسكرايب في معرض القاهرة الدولي للكتاب 2023.
--------------------------------------------
فلتعلم يا عزيزي أنه قد حان الأوان ليُسدَل الستار عن مسرحية القرن، والجميع يصفِّق في ذهول.. يتساءلون: لماذا لم يطلَّ علينا البطل؟ ولو يعرفون أنَّ نهايتهم قد اقتربت.. فهم ليسوا متفرجين، بل مستهدفين نائمين.
أعلم أنَّ كلماتي مُشفَّرة لا يفهمها إلا المستقيظون؛ فهي تمرُّ على مسامع الجمهور ولا يفهمون!
كما وعدتك، قد حان موعد كشف المستور، لتكن على موعد لكشف الحقيقة وإزاحة الستار عن ما وراء العالم وكواليس ما يدور خلف الستار الأسود، "لقد كان لقاؤنا الأول لكشف أسرار النائمين، تعالَ معي.. رحلتك الأخيرة ليست من ضرب الخيال، ولكنها الحقيقة الغائبة، فلتعلم يا عزيزي لم يعُد عقلك كسابقه، فقد لا تستطيع التمييز بين الحقيقة والخيال "تذكَّر كلماتي وتعالَ معي؛ لتعرف الآتي..
ميتافيرس «العَوْد الأبَدي»
«لكلٍّ منَّا شيطانه الذي ينسج له وحي خياله»
اطلب نسختك قريبا من اسكرايب..
عبر الرسائل: m.me/Scribe2019
عبر واتساب: wa.me/201140714600
هاتفيا: +201140714600
--------------------------------------------
#اسكرايب #اقرأ #جدد_مكتبتك 📚
#معرض_القاهرة_الدولي_للكتاب2023
#قراءة #اقتباس #اقتباسات #تصوير #تفاعل
#أصدقاء_الكتب #كتاب_أنصح_به #روايات_وكتب #كتب #القراءة_حياة #كتاب_من_مكتبتي #كتاب_قيم
#أمة_اقرأ_تقرأ #قراءة_في_كتاب #قراءة_في_كتاب #قراءات #إذا_أعجبك_سيعجبك #bookphotography #bookstagram. ❝ ⏤محمود فكري
❞#صدر_حديثا | ميتافيرس “Metaverse”، «العَوْد الأبَدي»، رواية للكاتب محمود فكري، الجزء الثاني من رواية ˝مالجيا˝.
أحدث إصدرات اسكرايب في معرض القاهرة الدولي للكتاب 2023.
-
فلتعلم يا عزيزي أنه قد حان الأوان ليُسدَل الستار عن مسرحية القرن، والجميع يصفِّق في ذهول. يتساءلون: لماذا لم يطلَّ علينا البطل؟ ولو يعرفون أنَّ نهايتهم قد اقتربت. فهم ليسوا متفرجين، بل مستهدفين نائمين.
أعلم أنَّ كلماتي مُشفَّرة لا يفهمها إلا المستقيظون؛ فهي تمرُّ على مسامع الجمهور ولا يفهمون!
كما وعدتك، قد حان موعد كشف المستور، لتكن على موعد لكشف الحقيقة وإزاحة الستار عن ما وراء العالم وكواليس ما يدور خلف الستار الأسود، ˝لقد كان لقاؤنا الأول لكشف أسرار النائمين، تعالَ معي. رحلتك الأخيرة ليست من ضرب الخيال، ولكنها الحقيقة الغائبة، فلتعلم يا عزيزي لم يعُد عقلك كسابقه، فقد لا تستطيع التمييز بين الحقيقة والخيال ˝تذكَّر كلماتي وتعالَ معي؛ لتعرف الآتي.
ميتافيرس «العَوْد الأبَدي» «لكلٍّ منَّا شيطانه الذي ينسج له وحي خياله» اطلب نسختك قريبا من اسكرايب.
عبر الرسائل: m.me/Scribe2019
˝عبر واتساب: wa.me/201140714600
هاتفيا: +201140714600
❞ عجيب أمرنا نحن المسلمين !.. نعبد إلها واحدا.. و نطوف حول كعبة واحدة.. و نتوجه في صلاتنا إلى قبلة واحدة.. و نصطف في المسجد صفا واحدا.. و نقول جميعا: آمين.. في نفس واحد.. و مع ذلك لكل منا إسلام خاص به، يختلف عن إسلام الآخر ! و كل منا يفهم الإسلام على طريقته، و يباشره في حياته بمفهومه الخاص !
و قد تفرقت الجماعة الإسلامية إلى سنة و شيعة و أباضية و دروز، بل إن الشيعة نفسها تفرقت إلى زيدية و اثنى عشرية و إسماعيلية و علوية و بهرة و بكتاشية، و خرج منها غلاة عبدوا عليا، و رأوا فيه ابنا لله، و اعتقدوا أن الرسالة أخطأته و نزلت على محمد ! و الأكثرية التزمت جانب الاعتدال و قالت: بل كان أولى بالخلافة.. و لم تزد.. و بين هؤلاء و هؤلاء تعددت الفرق و بعيدا عن الطريق و المذهب اختلف الناس بين مدخلين للإسلام.. المدخل السلفي الأصولي، و المدخل الصوفي.
و في المدخل السلفي تمادى الأصوليون في الشكلية و في الالتزام الحرفي بالنصوص، و في ظاهر سلوكيات المسلم: طريقة إطلاقه لحيته، و تقصيره جلبابه.. و للمرأة: نقابها و حجابها.. و هي الشريعة ذاتها.. بينما اهتمت الصوفية بتطهير الباطن، و مجاهدة النفس، و التربية الخلقية و تحصيل المقامات.. مقامات التوبة و الإخلاص و الصدق و الصبر و الشكر و المراقبة و المحاسبة و التقوى و الورع.. و تركت الظاهر لأهل الظاهر، و قالوا: نحن عمدتنا القلب، و غايتنا اللب و ليس القشر.
و الكل مسلمون و لكن شتان بين فهم و فهم !
و أنا أرى الآن أن القرآن لم ينحصر في أي من هذين المسلكين، بل كان في مجموع آياته يمثل الوسط العدل بينهما، و الجامع الأمين بين طهارة الظاهر و طهارة الباطن.. و أن المذهبية و الحزبية أفسدت الإسلام تماما.
و القرآن في مجموع آياته شيء غير القرآن في آية واحدة مبتورة من سياقها، أو بضع آيات نزلت في مناسبة، أو حكم متشدد نزل في ضرورته.
و لا يمكن فهم الإسلام إلا من خلال القرآن كله بمجموع آياته.. فهو يفسر بعضه بعضا، و ما غمض في آية توضحه آية أخرى، و ما أجمل في آية تفصله آية ثانية.
و التشديد لا يجيء في القرآن إلا لضرورة.. أما السياق القرآني العام.........؟
فهو العفو و المغفرة و السماحة.
((.. هُوَ اجْتَبَاكُمْ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ مِّلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمينَ مِن قَبْلُ.. )) [ الحج : 78 ]
((لَيْسَ عَلَى الْأَعْمَى حَرَجٌ وَلَا عَلَى الْأَعْرَجِ حَرَجٌ وَلَا عَلَى الْمَرِيضِ حَرَجٌ )) [ النور : 61 ]
و سلوك النبي عليه الصلاة و السلام (( و هو المؤشر إلى التفسير الصحيح للقرآن )) هو الحلم بعينه، لا تزمت و لا تشدد و تنطع، و لا وقوف عند الفهم الحرفي للنصوص.. و كمثال: حكاية الرجل الذي جاء يحكي للرسول كيف اختلى بامرأة و نال منها ما يبتغي دون مباشرة.. فأطرق النبي – عليه الصلاة و السلام – و لم يعلق و قام للصلاة، فنزلت الآية:
(( وَأَقِمِ الصَّلاَةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِّنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ (114) )) [ هود ]
فنصح الرجل بالصلاة و الإكثار من النوافل، و لم يقم عليه النبي حد الزنا رغم اعترافه، و اعتبر ما حدث من (( اللمم ))، أي الذنوب التي تغفر، و التي تجبرها الصلاة و التوبة.
و يذكرنا هذا بالمسيح – عليه السلام – حينما رفض أن يرجم (( المجدلية )) الزانية، و قال لمن حوله: من كان منكم بلا خطيئة فليرمها بحجر !
و لم يشهد المسيح و لا نبينا – عليهما الصلاة و السلام – من بعده ذلك العصر الرديء الذي نعيش فيه، و الذي تدعو فيه أجهزة الإعلام و أغاني الإذاعة و أفلام السينما و تمثيليات التليفزيون – إلى العلاقات الحرة.. و الأقمار الفضائية التي تباشر الزنا علنا، و جهارا نهارا، و تغري الشباب بالصورة و الكلمة و الحركة إلى المسارعة في قضاء الشهوات، و إلى التسابق في المتع الحرام !
ماذا يكون موقف الشريعة من هذا العصر الذي شاعت فيه البلوى ؟!!
و ماذا يفعل الشباب.. و الزواج بعيد المنال.. هل يدخل في جب تحت الأرض ؟!!
و هل شبابنا في هذا الحال جناة، أم مجني عليهم ؟!
و فقه شيوع البلوى له مكان في شريعتنا، عملا بالمبدأ القرآني، حينما كانت الخمر بلاء شائعا في أول الدعوة، فنزلت الآيات مخففة، تعاتب شارب الخمر و لا تغلظ عليه، و تتدرج في التحريم على مراحل.. و يذكرنا هذا بالفقيه الإسلامي الذي سألوه أن يقيم حد الخمر على الحاكم التتري – و ذلك بعد إسلامه – فرفض، و آثر تركه في غيبوبة السكر ليكف ظلمه عن الناس، و قال: إن تطبيق الشريعة عليه و امتناعه عن الشرب و عودته إلى وعيه و عافيته، سوف تؤدي إلى منكر أشد، بعودته إلى جبروته و ظلمه.
و في هذا يقول العوام: (( نوم الظالم عبادة )) !
و منذ ذلك اليوم سارت كلمة ذلك الفقيه مثلا.. و أصبحت مبدأ مقررا من مبادئ الاجتهاد: له أنصاره.. إنه إذا أدى تطبيق الشريعة إلى منكر أشد كان عدم تطبيقها أولى.. و أنه لابد من فهم الشريعة الإسلامية في إطار مراد الله بها، و قصده من نزولها، و هو صلاح أمر العباد و ليس شقاءهم. فالله تعالى يقول:
(( ما أنزلنا عليك القرآن لتشقى )).. و هكذا كان شأن الاجتهاد عند المفسرين الأوائل.. و هكذا كان شأن العقل و الفهم و التدبر و التفكر.. و لم يظهر التشدد و التحجر و الانغلاق على الألفاظ، إلا مع قرون التخلف و توقف الاجتهاد، و ظهور الدعوات الأصولية التي تزايد على بعضها، و يسابق بعضها بعضا في الغلظة و في الرجم و الجلد.
و ليس في كلامنا تهوين من أمر الشريعة، فهي حبة قلب المسلم و سواد عينيه، و لا يملك المسلم العابد أمام كلمة ربه إلا السمع و الطاعة.. و إنما هي الغيرة على الكلمة و قداستها من أن تفهم على غير وجهها، و تستعمل في غير حقها، فتكون ذريعة إلى ظلم بريء.. بل نحن أشد حبا للشريعة من الذين يطبقونها في عمى.
و لقد تكاثر دعاة الأصولية الغلاظ، و تنافسوا في القسوة و في مطاردة المسلمين و إرهابهم بالنصوص، حتى نفروهم من دينهم !
و الله يعلم مسبقا ماذا سيكون شأن هذا العصر الذي نعيشه، من شيوع البلوى فيه، و من انتشار الفساد و الفقر و البطالة و الانحلال، و تكالب الأعداء على الإسلام من كل جانب، و هوان حال المسلمين و انقسامهم و تشتتهم و بوارهم.
و كل هذا يكشف عن عمق القرآن و رحابته و تعدد آفاقه، بحيث تغطي آياته التشريعية كل العصور.. و يكشف عن روح التسامح و إيثار فهم التشريع على الوجه الأصلح لحياة المسلمين.
و هو يكشف أيضا عن المرونة و عدم الجمود، و رفض الغلظة إلا في ضرورتها القصوى حين يقتل القاتل ظلما و بغيا فيتوجب القصاص.. و لهذا اختلف الناس أمام فهم القرآن ، و انعكست نفس كل قارئ في لون تفسيره.. فغلاظ القوم لم يشهدوا من القرآن إلا آيات النكال.. و الرحماء شهدوا رحابة التشريع، و انفساح آفاق التفسير أمام الفهم الأرحب و الأرحم.. و اختلفوا، و الكتاب الذي يقرأونه واحد.. و ما اختلفوا بسبب الكتاب بل بسبب نفوسهم ! و هذه مشكلة الحكومات الأصولية و الفرق المتشددة، و مرضى النفوس و مرضى القلوب، و هواة التشفي من كل جنس !
و لقد نزلت الآيات بهذا التلوين لتمتحن القلوب، و لتمتحن النفوس، و لتختبر المعادن.. و القرآن هو الشاهد على الكل، و هو الحجة.. و لا يصلح القرآن ذريعة لظلم أو جبروت، بل هو قاموس الرحمة بعينه.
و المختلفون من أهل الشقاق و النفاق شهدت أعمالهم على كفرهم.. فما اختاروا بغلظتهم القرآن حكما، بل اختاروا نفوسهم، و آثروا رغباتهم الانتقامية، و اتخذوا من القرآن ستارا و ذريعة لقساوتهم !
و صدق الله العظيم في خطابه لرسوله:
(( مَا أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَى (2) )) [ طه ]
فالقرآن هو الباب إلى النعيم، و لا يمكن أن يكون بابا للشقاء، و لا بابا لكل هذا الخلاف و الفرقة و الانقسام.. و لا بابا لكل هذا الإرهاب و الإجرام و القساوة.. و إنما اختلفت النفوس التي تقرأ و تفهم و تفسر.
و لهذا قال ربنا عن قرآنه:
(( يُضِلُّ بِهِ كَثِيراً وَيَهْدِي بِهِ كَثِيراً وَمَا يُضِلُّ بِهِ إِلاَّ الْفَاسِقِينَ (26) )) [ البقرة ]
و ما أكثر فساق و مجرمي هذا الزمان، الذين اتخذوا من القرآن ذريعة لإجرامهم و ستارا لإرهابهم ! و هؤلاء هم الذين أضلهم الله بقرآنه.. و كشفهم أمام الناس و أمام نفوسهم، و فضح ضلالهم و كفرهم.
و لا مفر من الاختلاف، بحكم اختلاف النفوس و اختلاف الطبائع، قال ربنا عن الناس:
((.. وَلاَ يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ (118) إِلاَّ مَن رَّحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ لأَمْلأنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ (119) )) [ هود ]
و هذا الاختلاف أزلي، من قبل أن تولد النفوس و تجيء إلى الدنيا، و سببه ثبوت وصف تلك النفوس في علم الله من الأزل، و هذا الوصف هو ما أرادته النفوس لنفسها أزلا، و ليس ما أراده الله لها. فالله لا يريد إلا الخير لكل الخلق.. و لقد فطر البشر على الحرية و الاختيار، و كانت النتيجة أن اختلفوا حسب أهوائهم.
قال ربنا: (( و لذلك خلقهم )) ليميز الخبيث من الطيب، و لتكون خاتمة كل مخلوق على وفاق نيته.
و كانت العاقبة في النهاية أن امتلأت بهم جهنم، و لم يدخل الجنة إلا القليل، و استلزم الأمر (( الفرز )) و التصنيف، و تفاضل الرتب و المنازل، لأن هذا كان مقتضى العدل، و الله أعدل العادلين.
و كان البديل الآخر أن يستووا عند الله رغم اختلافهم.. أن يستوي القاتل و القتيل، و الظالم و المظلوم، و أن يستوي البر و الفاجر، و هو الأمر المحال !
تعالى ربنا عن مثل ذلك العبث علوا كبيرا.
قال ربنا: (( و لا يزالون مختلفين إلا من رحم ربك )).. و معنى ذلك أن داخل الجنة لن يدخلها بعمله وحده بل بفضل الله و رحمته، و تلك هي النسمة الربيعية الجميلة التي تهب من أول صفحة في القرآن إلى آخر صفحة.. من أول مفتتح الفاتحة.. بسم الله الرحمن الرحيم.. إلى آخر كلمة.. و الحمد لله رب العالمين بعد أن يتم الحساب. و لقد اختار ربنا لرحمته من استحقها من الخلق.. و هو أعلم بقلوب خلقه، و لولا رحمة ربك لهلكنا جميعا.
و بين النار و الجنة ذلك الخيط الرفيع بين المؤتلف و المختلف.. بين الذين أسلموا للحق و انسجموا معه في كتيبة الخير، و بين الذين أعرضوا و تفرقوا و اقتتلوا.. و ليس بالشعارات و لا بالبطاقات سيكون دخول الجنة ! فما أكثر الذين حملوا شعار لا إله إلا الله و خانوه، و حملوا بطاقة المسلم و لم يسلموا لشيء سوى هوى نفوسهم !
و تظل الوسطية و الاعتدال هي النغمة القرآنية السائدة من أول آياته إلى آخرها.. و الذين تطرفوا في الأخذ بالظاهر، و الذين تطرفوا في الأخذ بالباطن – إنما أخذوا من القرآن ما ناسبهم، و لم يأخذوا به كله.
و محمد – عليه الصلاة و السلام – و هو القرآن الحي الذي يمشي على الأرض – ما عرفناه إرهابيا، و لا عرفناه مجذوبا غائبا عن الوعي في سكرة الوجد مثل مجاذيب الطرق الصوفية، إنما عرفناه يقظا متنبها، حاضر الذهن، عقله مع الناس و قلبه مع ربه، يعيش الواقع و يلتحم بالدنيا، و مع ذلك لا يغفل عن خالقه لحظة.
و ذلك هو الصراط المستقيم.. لا يمين فيه و لا يسار.. بل خط رفيع كالسيف.. من أصابه فقد عرف جادة الإسلام.. و لهذا جعله الله أسوة لنا جميعا، و اختاره قدوة و مثالا.. و أرسله نبيا.. و قال له ما لم يقل لرسول:
(( و إنك لعلى خلق عظيم )). و من أخطأ فهو مسلم بقدر اقترابه من هذا الوسط الأمثل، و هو صاحب الأخلاق بقدر حظه من الاعتدال.
و الأخلاق في أصلها هي الأسماء الحسنى لله.. الكريم، الحليم، الرحيم، الودود، الرؤوف، الصبور، الشكور، البر، العفو، الغفور، الغفار، الرزاق، الحكم، العدل، النافع، الهادي، الرشيد.. فكل هذه أخلاق مثلى.. و لله المثل الأعلى.. و بقدر ما يحصل العبد من هذه الأخلاق يكون عند الله عبدا ربانيا.. و يكون عند الله مسلما حقا.
و في الحديث: (( تخلقوا بأخلاق الله.. إن ربي على صراط مستقيم )). و جمعية تلك الأخلاق هي الأصولية الحقيقية في ديانتنا إلى جانب الإسلام لله في كل شيء، و توحيده و تمجيده، و تسبيحه و عبادته و طاعته، و الإيمان بكتبه و رسله و القدر خيره و شره، و الآخرة و البعث و الحساب..
هذه هي الأصولية.. و لا دخل لها بإرهاب و لا بتطرف، و لا بمظهرية كاذبة، و لا بشكليات فجة..
و يجمع النبي – عليه الصلاة و السلام – كل هذا في جملة واحدة: (( قل: آمنت بالله ثم استقم )).
فيضع كل مكارم الأخلاق تحت كلمة الاستقامة، و كل مقررات الإسلام في كلمة الإيمان.. و ذلك لتأكيد أن الإسلام دين فطرة و بساطة، و ليس فلسفة و حذلقة و تنطعا و جدلا.. فالأمر أبسط من كل هذا.. بل هو ثلاث كلمات !
و أصحاب النيات السليمة يفهمون هذا ببداهتهم و لا حاجة لهم بجدل و لا بتنطع.. و أصحاب النيات الخبيثة.. المشكلة فيهم، و ليست في الدين.. و بين الاثنين ذلك الخيط الرفيع بين الجنة و النار.
و لذلك قال ربنا في أهل الجنة: (( إن الذين سبقت لهم منا الحسنى أولئك عنها مبعدون )) – أي عن النار مبعدون –
كان هذا أمرا سبق نزولهم إلى الدنيا و هم مجرد نفوس.. و من قبل أن ينزلوا إلى عالم الامتحان و الابتلاء و دنيا أسفل سافلين.
هم إذن أهل الجنة من قديم.. و الآخرون أهل النار من قديم.. و إنما قضى الله بالامتحان و الابتلاء حتى تنقطع الحجة.. و حتى لا يكون لأحد عذر.
و يبقى بعد ذلك السؤال: كيف كنا في ذلك الأزل قبل الخلق ؟ و كيف تفاضلنا ؟ و متى ؟ و أين ؟
أم أنه لا أين، و لا متى في الأزل.. حيث لا حيث.. و حيث لا مكان و لا زمان ؟! و تلك من أسرار الغيب التي لا يعلمها إلا الله، و لن يكشف عنها الستار إلا بعد الموت و البعث.. و العرض مستمر.. و القصة ممتدة فصولا.. و فيها مصيرنا كله.
ضعوا أيديكم على قلوبكم.. فليس الأمر بالهزل !
مقال/ الخيط الرفيع بين الجنة و النار
من كتاب / سواح في دنيا الله
للدكتور / مصطفى محمود (رحمه الله). ❝ ⏤مصطفى محمود
❞ عجيب أمرنا نحن المسلمين !. نعبد إلها واحدا. و نطوف حول كعبة واحدة. و نتوجه في صلاتنا إلى قبلة واحدة. و نصطف في المسجد صفا واحدا. و نقول جميعا: آمين. في نفس واحد. و مع ذلك لكل منا إسلام خاص به، يختلف عن إسلام الآخر ! و كل منا يفهم الإسلام على طريقته، و يباشره في حياته بمفهومه الخاص !
و قد تفرقت الجماعة الإسلامية إلى سنة و شيعة و أباضية و دروز، بل إن الشيعة نفسها تفرقت إلى زيدية و اثنى عشرية و إسماعيلية و علوية و بهرة و بكتاشية، و خرج منها غلاة عبدوا عليا، و رأوا فيه ابنا لله، و اعتقدوا أن الرسالة أخطأته و نزلت على محمد ! و الأكثرية التزمت جانب الاعتدال و قالت: بل كان أولى بالخلافة. و لم تزد. و بين هؤلاء و هؤلاء تعددت الفرق و بعيدا عن الطريق و المذهب اختلف الناس بين مدخلين للإسلام. المدخل السلفي الأصولي، و المدخل الصوفي.
و في المدخل السلفي تمادى الأصوليون في الشكلية و في الالتزام الحرفي بالنصوص، و في ظاهر سلوكيات المسلم: طريقة إطلاقه لحيته، و تقصيره جلبابه. و للمرأة: نقابها و حجابها. و هي الشريعة ذاتها. بينما اهتمت الصوفية بتطهير الباطن، و مجاهدة النفس، و التربية الخلقية و تحصيل المقامات. مقامات التوبة و الإخلاص و الصدق و الصبر و الشكر و المراقبة و المحاسبة و التقوى و الورع. و تركت الظاهر لأهل الظاهر، و قالوا: نحن عمدتنا القلب، و غايتنا اللب و ليس القشر.
و الكل مسلمون و لكن شتان بين فهم و فهم !
و أنا أرى الآن أن القرآن لم ينحصر في أي من هذين المسلكين، بل كان في مجموع آياته يمثل الوسط العدل بينهما، و الجامع الأمين بين طهارة الظاهر و طهارة الباطن. و أن المذهبية و الحزبية أفسدت الإسلام تماما.
و القرآن في مجموع آياته شيء غير القرآن في آية واحدة مبتورة من سياقها، أو بضع آيات نزلت في مناسبة، أو حكم متشدد نزل في ضرورته.
و لا يمكن فهم الإسلام إلا من خلال القرآن كله بمجموع آياته. فهو يفسر بعضه بعضا، و ما غمض في آية توضحه آية أخرى، و ما أجمل في آية تفصله آية ثانية.
و التشديد لا يجيء في القرآن إلا لضرورة. أما السياق القرآني العام.....؟
فهو العفو و المغفرة و السماحة.
((. هُوَ اجْتَبَاكُمْ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ مِّلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمينَ مِن قَبْلُ. )) [ الحج : 78 ]
((لَيْسَ عَلَى الْأَعْمَى حَرَجٌ وَلَا عَلَى الْأَعْرَجِ حَرَجٌ وَلَا عَلَى الْمَرِيضِ حَرَجٌ )) [ النور : 61 ]
و سلوك النبي عليه الصلاة و السلام (( و هو المؤشر إلى التفسير الصحيح للقرآن )) هو الحلم بعينه، لا تزمت و لا تشدد و تنطع، و لا وقوف عند الفهم الحرفي للنصوص. و كمثال: حكاية الرجل الذي جاء يحكي للرسول كيف اختلى بامرأة و نال منها ما يبتغي دون مباشرة. فأطرق النبي – عليه الصلاة و السلام – و لم يعلق و قام للصلاة، فنزلت الآية:
(( وَأَقِمِ الصَّلاَةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِّنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ (114) )) [ هود ]
فنصح الرجل بالصلاة و الإكثار من النوافل، و لم يقم عليه النبي حد الزنا رغم اعترافه، و اعتبر ما حدث من (( اللمم ))، أي الذنوب التي تغفر، و التي تجبرها الصلاة و التوبة.
و يذكرنا هذا بالمسيح – عليه السلام – حينما رفض أن يرجم (( المجدلية )) الزانية، و قال لمن حوله: من كان منكم بلا خطيئة فليرمها بحجر !
و لم يشهد المسيح و لا نبينا – عليهما الصلاة و السلام – من بعده ذلك العصر الرديء الذي نعيش فيه، و الذي تدعو فيه أجهزة الإعلام و أغاني الإذاعة و أفلام السينما و تمثيليات التليفزيون – إلى العلاقات الحرة. و الأقمار الفضائية التي تباشر الزنا علنا، و جهارا نهارا، و تغري الشباب بالصورة و الكلمة و الحركة إلى المسارعة في قضاء الشهوات، و إلى التسابق في المتع الحرام !
ماذا يكون موقف الشريعة من هذا العصر الذي شاعت فيه البلوى ؟!!
و ماذا يفعل الشباب. و الزواج بعيد المنال. هل يدخل في جب تحت الأرض ؟!!
و هل شبابنا في هذا الحال جناة، أم مجني عليهم ؟!
و فقه شيوع البلوى له مكان في شريعتنا، عملا بالمبدأ القرآني، حينما كانت الخمر بلاء شائعا في أول الدعوة، فنزلت الآيات مخففة، تعاتب شارب الخمر و لا تغلظ عليه، و تتدرج في التحريم على مراحل. و يذكرنا هذا بالفقيه الإسلامي الذي سألوه أن يقيم حد الخمر على الحاكم التتري – و ذلك بعد إسلامه – فرفض، و آثر تركه في غيبوبة السكر ليكف ظلمه عن الناس، و قال: إن تطبيق الشريعة عليه و امتناعه عن الشرب و عودته إلى وعيه و عافيته، سوف تؤدي إلى منكر أشد، بعودته إلى جبروته و ظلمه.
و في هذا يقول العوام: (( نوم الظالم عبادة )) !
و منذ ذلك اليوم سارت كلمة ذلك الفقيه مثلا. و أصبحت مبدأ مقررا من مبادئ الاجتهاد: له أنصاره. إنه إذا أدى تطبيق الشريعة إلى منكر أشد كان عدم تطبيقها أولى. و أنه لابد من فهم الشريعة الإسلامية في إطار مراد الله بها، و قصده من نزولها، و هو صلاح أمر العباد و ليس شقاءهم. فالله تعالى يقول:
(( ما أنزلنا عليك القرآن لتشقى )). و هكذا كان شأن الاجتهاد عند المفسرين الأوائل. و هكذا كان شأن العقل و الفهم و التدبر و التفكر. و لم يظهر التشدد و التحجر و الانغلاق على الألفاظ، إلا مع قرون التخلف و توقف الاجتهاد، و ظهور الدعوات الأصولية التي تزايد على بعضها، و يسابق بعضها بعضا في الغلظة و في الرجم و الجلد.
و ليس في كلامنا تهوين من أمر الشريعة، فهي حبة قلب المسلم و سواد عينيه، و لا يملك المسلم العابد أمام كلمة ربه إلا السمع و الطاعة. و إنما هي الغيرة على الكلمة و قداستها من أن تفهم على غير وجهها، و تستعمل في غير حقها، فتكون ذريعة إلى ظلم بريء. بل نحن أشد حبا للشريعة من الذين يطبقونها في عمى.
و لقد تكاثر دعاة الأصولية الغلاظ، و تنافسوا في القسوة و في مطاردة المسلمين و إرهابهم بالنصوص، حتى نفروهم من دينهم !
و الله يعلم مسبقا ماذا سيكون شأن هذا العصر الذي نعيشه، من شيوع البلوى فيه، و من انتشار الفساد و الفقر و البطالة و الانحلال، و تكالب الأعداء على الإسلام من كل جانب، و هوان حال المسلمين و انقسامهم و تشتتهم و بوارهم.
و كل هذا يكشف عن عمق القرآن و رحابته و تعدد آفاقه، بحيث تغطي آياته التشريعية كل العصور. و يكشف عن روح التسامح و إيثار فهم التشريع على الوجه الأصلح لحياة المسلمين.
و هو يكشف أيضا عن المرونة و عدم الجمود، و رفض الغلظة إلا في ضرورتها القصوى حين يقتل القاتل ظلما و بغيا فيتوجب القصاص. و لهذا اختلف الناس أمام فهم القرآن ، و انعكست نفس كل قارئ في لون تفسيره. فغلاظ القوم لم يشهدوا من القرآن إلا آيات النكال. و الرحماء شهدوا رحابة التشريع، و انفساح آفاق التفسير أمام الفهم الأرحب و الأرحم. و اختلفوا، و الكتاب الذي يقرأونه واحد. و ما اختلفوا بسبب الكتاب بل بسبب نفوسهم ! و هذه مشكلة الحكومات الأصولية و الفرق المتشددة، و مرضى النفوس و مرضى القلوب، و هواة التشفي من كل جنس !
و لقد نزلت الآيات بهذا التلوين لتمتحن القلوب، و لتمتحن النفوس، و لتختبر المعادن. و القرآن هو الشاهد على الكل، و هو الحجة. و لا يصلح القرآن ذريعة لظلم أو جبروت، بل هو قاموس الرحمة بعينه.
و المختلفون من أهل الشقاق و النفاق شهدت أعمالهم على كفرهم. فما اختاروا بغلظتهم القرآن حكما، بل اختاروا نفوسهم، و آثروا رغباتهم الانتقامية، و اتخذوا من القرآن ستارا و ذريعة لقساوتهم !
و صدق الله العظيم في خطابه لرسوله:
(( مَا أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَى (2) )) [ طه ]
فالقرآن هو الباب إلى النعيم، و لا يمكن أن يكون بابا للشقاء، و لا بابا لكل هذا الخلاف و الفرقة و الانقسام. و لا بابا لكل هذا الإرهاب و الإجرام و القساوة. و إنما اختلفت النفوس التي تقرأ و تفهم و تفسر.
و لهذا قال ربنا عن قرآنه:
(( يُضِلُّ بِهِ كَثِيراً وَيَهْدِي بِهِ كَثِيراً وَمَا يُضِلُّ بِهِ إِلاَّ الْفَاسِقِينَ (26) )) [ البقرة ]
و ما أكثر فساق و مجرمي هذا الزمان، الذين اتخذوا من القرآن ذريعة لإجرامهم و ستارا لإرهابهم ! و هؤلاء هم الذين أضلهم الله بقرآنه. و كشفهم أمام الناس و أمام نفوسهم، و فضح ضلالهم و كفرهم.
و لا مفر من الاختلاف، بحكم اختلاف النفوس و اختلاف الطبائع، قال ربنا عن الناس:
((. وَلاَ يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ (118) إِلاَّ مَن رَّحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ لأَمْلأنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ (119) )) [ هود ]
و هذا الاختلاف أزلي، من قبل أن تولد النفوس و تجيء إلى الدنيا، و سببه ثبوت وصف تلك النفوس في علم الله من الأزل، و هذا الوصف هو ما أرادته النفوس لنفسها أزلا، و ليس ما أراده الله لها. فالله لا يريد إلا الخير لكل الخلق. و لقد فطر البشر على الحرية و الاختيار، و كانت النتيجة أن اختلفوا حسب أهوائهم.
قال ربنا: (( و لذلك خلقهم )) ليميز الخبيث من الطيب، و لتكون خاتمة كل مخلوق على وفاق نيته.
و كانت العاقبة في النهاية أن امتلأت بهم جهنم، و لم يدخل الجنة إلا القليل، و استلزم الأمر (( الفرز )) و التصنيف، و تفاضل الرتب و المنازل، لأن هذا كان مقتضى العدل، و الله أعدل العادلين.
و كان البديل الآخر أن يستووا عند الله رغم اختلافهم. أن يستوي القاتل و القتيل، و الظالم و المظلوم، و أن يستوي البر و الفاجر، و هو الأمر المحال !
تعالى ربنا عن مثل ذلك العبث علوا كبيرا.
قال ربنا: (( و لا يزالون مختلفين إلا من رحم ربك )). و معنى ذلك أن داخل الجنة لن يدخلها بعمله وحده بل بفضل الله و رحمته، و تلك هي النسمة الربيعية الجميلة التي تهب من أول صفحة في القرآن إلى آخر صفحة. من أول مفتتح الفاتحة. بسم الله الرحمن الرحيم. إلى آخر كلمة. و الحمد لله رب العالمين بعد أن يتم الحساب. و لقد اختار ربنا لرحمته من استحقها من الخلق. و هو أعلم بقلوب خلقه، و لولا رحمة ربك لهلكنا جميعا.
و بين النار و الجنة ذلك الخيط الرفيع بين المؤتلف و المختلف. بين الذين أسلموا للحق و انسجموا معه في كتيبة الخير، و بين الذين أعرضوا و تفرقوا و اقتتلوا. و ليس بالشعارات و لا بالبطاقات سيكون دخول الجنة ! فما أكثر الذين حملوا شعار لا إله إلا الله و خانوه، و حملوا بطاقة المسلم و لم يسلموا لشيء سوى هوى نفوسهم !
و تظل الوسطية و الاعتدال هي النغمة القرآنية السائدة من أول آياته إلى آخرها. و الذين تطرفوا في الأخذ بالظاهر، و الذين تطرفوا في الأخذ بالباطن – إنما أخذوا من القرآن ما ناسبهم، و لم يأخذوا به كله.
و محمد – عليه الصلاة و السلام – و هو القرآن الحي الذي يمشي على الأرض – ما عرفناه إرهابيا، و لا عرفناه مجذوبا غائبا عن الوعي في سكرة الوجد مثل مجاذيب الطرق الصوفية، إنما عرفناه يقظا متنبها، حاضر الذهن، عقله مع الناس و قلبه مع ربه، يعيش الواقع و يلتحم بالدنيا، و مع ذلك لا يغفل عن خالقه لحظة.
و ذلك هو الصراط المستقيم. لا يمين فيه و لا يسار. بل خط رفيع كالسيف. من أصابه فقد عرف جادة الإسلام. و لهذا جعله الله أسوة لنا جميعا، و اختاره قدوة و مثالا. و أرسله نبيا. و قال له ما لم يقل لرسول:
(( و إنك لعلى خلق عظيم )). و من أخطأ فهو مسلم بقدر اقترابه من هذا الوسط الأمثل، و هو صاحب الأخلاق بقدر حظه من الاعتدال.
و الأخلاق في أصلها هي الأسماء الحسنى لله. الكريم، الحليم، الرحيم، الودود، الرؤوف، الصبور، الشكور، البر، العفو، الغفور، الغفار، الرزاق، الحكم، العدل، النافع، الهادي، الرشيد. فكل هذه أخلاق مثلى. و لله المثل الأعلى. و بقدر ما يحصل العبد من هذه الأخلاق يكون عند الله عبدا ربانيا. و يكون عند الله مسلما حقا.
و في الحديث: (( تخلقوا بأخلاق الله. إن ربي على صراط مستقيم )). و جمعية تلك الأخلاق هي الأصولية الحقيقية في ديانتنا إلى جانب الإسلام لله في كل شيء، و توحيده و تمجيده، و تسبيحه و عبادته و طاعته، و الإيمان بكتبه و رسله و القدر خيره و شره، و الآخرة و البعث و الحساب.
هذه هي الأصولية. و لا دخل لها بإرهاب و لا بتطرف، و لا بمظهرية كاذبة، و لا بشكليات فجة.
و يجمع النبي – عليه الصلاة و السلام – كل هذا في جملة واحدة: (( قل: آمنت بالله ثم استقم )).
فيضع كل مكارم الأخلاق تحت كلمة الاستقامة، و كل مقررات الإسلام في كلمة الإيمان. و ذلك لتأكيد أن الإسلام دين فطرة و بساطة، و ليس فلسفة و حذلقة و تنطعا و جدلا. فالأمر أبسط من كل هذا. بل هو ثلاث كلمات !
و أصحاب النيات السليمة يفهمون هذا ببداهتهم و لا حاجة لهم بجدل و لا بتنطع. و أصحاب النيات الخبيثة. المشكلة فيهم، و ليست في الدين. و بين الاثنين ذلك الخيط الرفيع بين الجنة و النار.
و لذلك قال ربنا في أهل الجنة: (( إن الذين سبقت لهم منا الحسنى أولئك عنها مبعدون )) – أي عن النار مبعدون –
كان هذا أمرا سبق نزولهم إلى الدنيا و هم مجرد نفوس. و من قبل أن ينزلوا إلى عالم الامتحان و الابتلاء و دنيا أسفل سافلين.
هم إذن أهل الجنة من قديم. و الآخرون أهل النار من قديم. و إنما قضى الله بالامتحان و الابتلاء حتى تنقطع الحجة. و حتى لا يكون لأحد عذر.
و يبقى بعد ذلك السؤال: كيف كنا في ذلك الأزل قبل الخلق ؟ و كيف تفاضلنا ؟ و متى ؟ و أين ؟
أم أنه لا أين، و لا متى في الأزل. حيث لا حيث. و حيث لا مكان و لا زمان ؟! و تلك من أسرار الغيب التي لا يعلمها إلا الله، و لن يكشف عنها الستار إلا بعد الموت و البعث. و العرض مستمر. و القصة ممتدة فصولا. و فيها مصيرنا كله.
ضعوا أيديكم على قلوبكم. فليس الأمر بالهزل !
مقال/ الخيط الرفيع بين الجنة و النار
من كتاب / سواح في دنيا الله
للدكتور / مصطفى محمود (رحمه الله). ❝
❞ أنت حينما تنام .. تتحول إلى شجرة
هناك زر كهربائي في المخ ينطفئ في لحظة النوم .. فيسود الظلام و تسود الغيبوبة .. و تمر الشخصية بحالة
غرق و يتحول الإنسان إلى شجرة .. إلى نبات بدائي .. إلى شيء تستمر فيه الحياة على شكل وظائف
.. دورة الدم تجري .. النفس يتردد .. الخلايا تفرز .. الأمعاء
تهضم .. كل هذا يتم بطريقة تلقائية و
الجسد ممدد بلا حراك .. تماماً مثل نبات مغروس في الأرض تجري فيه العصارة و تنمو الخلايا و تتنفس
من أكسوجين الجو
.
إنها لحظة غريبة يسقط فيها الجسد في هوة التعب و العجز .
و يستحيل عليه التعبير عن روحه و معنوياته الراقية فيأخذ إجازة .. و يعود ملايين السنين إلى الوراء ..
ليعيش بطريقة بدائية كما كان يعيش النبات .. حياة مريحة لا تكلف جهداً
..
إن سر الموت يكمن في لغز النوم .. لأن النوم هو نصف الطريق إلى الموت , نصف الإنسان الراقي يموت
أثناء النوم .. شخصيته تموت .. عقله يموت .. و يتحول إلى كائن منحط مثل الإسفنج و الطحلب
يتنفس و ينمو بلا وعي .. و كأنه فقد الروح .
إنه يقطع نصف الطريق إلى التراب .. و يعود مليون سنة إلى الخلف ..
يعود عقله الواعي إلى ينبوعه الباطن . و تعود شخصيته الواعية إلى ينبوعها الطبيعي الذي يعمل في غيبوبة
كما تعمل العصارة في لحاء الشجر .. و يلتقي الإنسان بخاماته الطبيعية .. بجسده و ترابه و مادته و الجزء
اللاوعي من وجوده
..
إن الشعراء يقولون أن لحظات النهار سطحية لأن ألوان النهار البراقة تخطف الانتباه .. و لحظات الليل
عميقة لأن الليل يهتك هذا الستار البراق و يفك أغلال الانتباه فيغوص في أعماق الأشياء ..
و أنا أقول أن لحظة النعاس هي أعمق اللحظات لأنها تهتك ستاراً آخر و هو ستار الألفة .
النعاس يمحو الألفة بيني و بين الأشياء فتبدو غريبة مدهشة مما يدعوني أحياناً إلى التساؤل .. و أنا أنظر
حولي في غرفة نومي بين النوم و اليقظة .. و أهمس : أنا فين ؟
إني لا أتعرف على سريري .. و لا أتعرف على دولابي .. و تسقط الألفة تماماً بيني و بين غرفتي فتبدو
غريبة ..
و هذه اللحظة عميقة .. لأن العقل يخرج فيها من إطار ظروفه و يتحرر من الألفة تماماً بيني و بين غرفتي
فتبدو غريبة ..
و هذه اللحظة لحظة عميقة .. لأن العقل يخرج فيها من إطار ظروفه و يتحرر من الألفة و التعود و
الأحكام العادية و ينظر حوله من جديد .. ليصدر أحكاماً جديدة أكثر تحرراً .. و إلهاماً .
و الأنبياء كانوا يتلقون إلهامهم في هذه اللحظة .. و كأن الوحي يأتيهم بين النعاس و الغيبوبة
..
و نيوتن اكتشف قانون الجاذبية في هذه اللحظة .. و هو ينظر بعين نعسانة إلى تفاحة تسقط من الشجرة
.. لقد أحس أن سقوط التفاحة أمر غير مألوف .. و أن التفاحة لا يمكن أن تسقط على الأرض .. و إنما
الأرض هي التي يجب أن تجذبها ..
و كل المخترعين و المؤلفين و الشعراء و المفكرين .. تفتقت أذهانهم في هذه اللحظة .. لأنها اللحظة
الحرجة التي سقط فيها المألوف .. و المعتاد .. و لمعت الحياة بالدهشة .. و برق العقل بأسئلة جديدة تماماً
.. لم يكن ليلقيها لو كان في كامل يقظته .. و كامل ارتباطه بالأشياء
..
و الفرق بين النبي .. و العبقري .. في تلك اللحظة هي مساحة الرؤيا التي تنكشف لكل واحد .
النبي يشبه جهاز تلفزيون به مليون صمام .. مساحة الرؤيا فيه شاسعة .. و قدرة استقباله كبيرة .. فهو
يستطيع أن يستقبل صوراً من المريخ على شاشة بانورامية عريضة لأنه مؤيد بوسائل إلهية
.
و العبقري هو جهاز ترانزيستور صغير يكاد يستمع إلى محطة القاهرة بالسعودية .. لأنه يعتمد على
اجتهاد الخاطر الذي قد يخطئ و قد يصيب ..
و لكن الاثنين يسبحان جنباً إلى جنب في بحر الحقائق
و النوم في حقيقته يقظة عميقة .. تتيقظ فيه الوظائف
الأصلية .. فتنتظم دورة الدم .. و ينتظم التنفس .. و ينتظم الهضم .. و الإمتصاص و الإفراز و يتوقف الهدم .. و يبدأ النمو و البناء و يقل الإحتراق الذي يحدث في النهار
و تتيقظ رغبات أكثر أصالة من رغبات النهار .. الغرائز كلها تتيقظ و تعمل .. و تنشر نشاطها في الأحلام .. و تفضح نزواتها على مسرح رمزي مبهم لا يستطيع فك رموزه و طلاسمه إلا صاحبه
و يدخل النوم بعد هذا في مرحلة أعمق .. هي النوم الثقيل .. و هي مرحلة تخلو من الإحساس تماماً.. و تخلو من الأحلام أيضاً.. مرحلة من الظلام .. و العدم .. و هوّة بعيدة الغور .. و مساحة مشطوبة من الحياة .. ليس فيها وعي و لا زمن .. و لا مكان .. العشر ساعات تمر فيها كلمح الطرف بين غمضة العين و انتباهتها .. بدون إحساس بالمدة .. و كأن خيط العمر انقطع فجأة .. كما يحدث حينما نقطع أشرطة التسجيل ثم
نوصلها من جديد ليستمر سياق الكلام كما نريد ..
السياق الزمني في النوم غريب
إنه زمن آخر غير زمن الساعة .. فالحلم قد يحتوي على أحداث سنة كاملة بتفاصيلها من حب إلى زواج إلى طلاق إلى جريمة و مع هذا لا يستغرق بحساب الساعة أكثر من ثانية ..
و العكس يحدث أحياناً فتمر على النائم عشر ساعات و في ظنه أن عقرب الساعة لم يتحرك إلا دقائق معدودة ..
الزمن يتخلص من قيود الساعة أثناء النوم .. و يخضع لتقدير آخر هو تقدير المخيلة التي توسع و تضيق فيه على حسب ازدحامها بالحوادث و الرغبات .. إنه من صناعة النائم و خلقه .. فهو ذاتي صرف ..
النائم كالفنان الذي يؤلف قصة .. يخلق زمن القصة كما يريد .. و يعيش في قمقم خرافي من أوهامه .. يتمطى فيه و يصرخ بالرغبة التي يحبها .. في حرية مطلقة تصل إلى حد العبث ..
ومعظم أحلامنا عبث في عبث .. و أمنيات مستحيلة .. و لكننا نعيشها كما نريدها ونحن نائمون ..
و النوم أرخص أنواع الحياة من حيث الكلفة .. فمقدار السكر و الأكسجين الذي يحتاجه النائم ليستمر في الحياة أقل بكثير من المقدار الذي يحتاجه في اليقظة .
و الإنسان الذي يعيش مائة سنة بين نوم و يقظة يستطيع أن يعيش ثلاثمائة سنة إذا عمل على حسابه أن ينامها كلها ..
و مادة النوم رخيصة .. لأن الإنسان يقترب فيه من التراب .. ويعود إلى الآلية الكيميائية المتأصلة في خلاياه من بداية الحياة ...
. ❝ ⏤مصطفى محمود
❞ أنت حينما تنام . تتحول إلى شجرة
هناك زر كهربائي في المخ ينطفئ في لحظة النوم . فيسود الظلام و تسود الغيبوبة . و تمر الشخصية بحالة
غرق و يتحول الإنسان إلى شجرة . إلى نبات بدائي . إلى شيء تستمر فيه الحياة على شكل وظائف
. دورة الدم تجري . النفس يتردد . الخلايا تفرز . الأمعاء
تهضم . كل هذا يتم بطريقة تلقائية و
الجسد ممدد بلا حراك . تماماً مثل نبات مغروس في الأرض تجري فيه العصارة و تنمو الخلايا و تتنفس
من أكسوجين الجو
.
إنها لحظة غريبة يسقط فيها الجسد في هوة التعب و العجز .
و يستحيل عليه التعبير عن روحه و معنوياته الراقية فيأخذ إجازة . و يعود ملايين السنين إلى الوراء .
ليعيش بطريقة بدائية كما كان يعيش النبات . حياة مريحة لا تكلف جهداً
.
إن سر الموت يكمن في لغز النوم . لأن النوم هو نصف الطريق إلى الموت , نصف الإنسان الراقي يموت
أثناء النوم . شخصيته تموت . عقله يموت . و يتحول إلى كائن منحط مثل الإسفنج و الطحلب
يتنفس و ينمو بلا وعي . و كأنه فقد الروح .
إنه يقطع نصف الطريق إلى التراب . و يعود مليون سنة إلى الخلف .
يعود عقله الواعي إلى ينبوعه الباطن . و تعود شخصيته الواعية إلى ينبوعها الطبيعي الذي يعمل في غيبوبة
كما تعمل العصارة في لحاء الشجر . و يلتقي الإنسان بخاماته الطبيعية . بجسده و ترابه و مادته و الجزء
اللاوعي من وجوده
.
إن الشعراء يقولون أن لحظات النهار سطحية لأن ألوان النهار البراقة تخطف الانتباه . و لحظات الليل
عميقة لأن الليل يهتك هذا الستار البراق و يفك أغلال الانتباه فيغوص في أعماق الأشياء .
و أنا أقول أن لحظة النعاس هي أعمق اللحظات لأنها تهتك ستاراً آخر و هو ستار الألفة .
النعاس يمحو الألفة بيني و بين الأشياء فتبدو غريبة مدهشة مما يدعوني أحياناً إلى التساؤل . و أنا أنظر
حولي في غرفة نومي بين النوم و اليقظة . و أهمس : أنا فين ؟
إني لا أتعرف على سريري . و لا أتعرف على دولابي . و تسقط الألفة تماماً بيني و بين غرفتي فتبدو
غريبة .
و هذه اللحظة عميقة . لأن العقل يخرج فيها من إطار ظروفه و يتحرر من الألفة تماماً بيني و بين غرفتي
فتبدو غريبة .
و هذه اللحظة لحظة عميقة . لأن العقل يخرج فيها من إطار ظروفه و يتحرر من الألفة و التعود و
الأحكام العادية و ينظر حوله من جديد . ليصدر أحكاماً جديدة أكثر تحرراً . و إلهاماً .
و الأنبياء كانوا يتلقون إلهامهم في هذه اللحظة . و كأن الوحي يأتيهم بين النعاس و الغيبوبة
.
و نيوتن اكتشف قانون الجاذبية في هذه اللحظة . و هو ينظر بعين نعسانة إلى تفاحة تسقط من الشجرة
. لقد أحس أن سقوط التفاحة أمر غير مألوف . و أن التفاحة لا يمكن أن تسقط على الأرض . و إنما
الأرض هي التي يجب أن تجذبها .
و كل المخترعين و المؤلفين و الشعراء و المفكرين . تفتقت أذهانهم في هذه اللحظة . لأنها اللحظة
الحرجة التي سقط فيها المألوف . و المعتاد . و لمعت الحياة بالدهشة . و برق العقل بأسئلة جديدة تماماً
. لم يكن ليلقيها لو كان في كامل يقظته . و كامل ارتباطه بالأشياء
.
و الفرق بين النبي . و العبقري . في تلك اللحظة هي مساحة الرؤيا التي تنكشف لكل واحد .
النبي يشبه جهاز تلفزيون به مليون صمام . مساحة الرؤيا فيه شاسعة . و قدرة استقباله كبيرة . فهو
يستطيع أن يستقبل صوراً من المريخ على شاشة بانورامية عريضة لأنه مؤيد بوسائل إلهية
.
و العبقري هو جهاز ترانزيستور صغير يكاد يستمع إلى محطة القاهرة بالسعودية . لأنه يعتمد على
اجتهاد الخاطر الذي قد يخطئ و قد يصيب .
و لكن الاثنين يسبحان جنباً إلى جنب في بحر الحقائق
و النوم في حقيقته يقظة عميقة . تتيقظ فيه الوظائف
الأصلية . فتنتظم دورة الدم . و ينتظم التنفس . و ينتظم الهضم . و الإمتصاص و الإفراز و يتوقف الهدم . و يبدأ النمو و البناء و يقل الإحتراق الذي يحدث في النهار
و تتيقظ رغبات أكثر أصالة من رغبات النهار . الغرائز كلها تتيقظ و تعمل . و تنشر نشاطها في الأحلام . و تفضح نزواتها على مسرح رمزي مبهم لا يستطيع فك رموزه و طلاسمه إلا صاحبه
و يدخل النوم بعد هذا في مرحلة أعمق . هي النوم الثقيل . و هي مرحلة تخلو من الإحساس تماماً. و تخلو من الأحلام أيضاً. مرحلة من الظلام . و العدم . و هوّة بعيدة الغور . و مساحة مشطوبة من الحياة . ليس فيها وعي و لا زمن . و لا مكان . العشر ساعات تمر فيها كلمح الطرف بين غمضة العين و انتباهتها . بدون إحساس بالمدة . و كأن خيط العمر انقطع فجأة . كما يحدث حينما نقطع أشرطة التسجيل ثم
نوصلها من جديد ليستمر سياق الكلام كما نريد .
السياق الزمني في النوم غريب
إنه زمن آخر غير زمن الساعة . فالحلم قد يحتوي على أحداث سنة كاملة بتفاصيلها من حب إلى زواج إلى طلاق إلى جريمة و مع هذا لا يستغرق بحساب الساعة أكثر من ثانية .
و العكس يحدث أحياناً فتمر على النائم عشر ساعات و في ظنه أن عقرب الساعة لم يتحرك إلا دقائق معدودة .
الزمن يتخلص من قيود الساعة أثناء النوم . و يخضع لتقدير آخر هو تقدير المخيلة التي توسع و تضيق فيه على حسب ازدحامها بالحوادث و الرغبات . إنه من صناعة النائم و خلقه . فهو ذاتي صرف .
النائم كالفنان الذي يؤلف قصة . يخلق زمن القصة كما يريد . و يعيش في قمقم خرافي من أوهامه . يتمطى فيه و يصرخ بالرغبة التي يحبها . في حرية مطلقة تصل إلى حد العبث .
ومعظم أحلامنا عبث في عبث . و أمنيات مستحيلة . و لكننا نعيشها كما نريدها ونحن نائمون .
و النوم أرخص أنواع الحياة من حيث الكلفة . فمقدار السكر و الأكسجين الذي يحتاجه النائم ليستمر في الحياة أقل بكثير من المقدار الذي يحتاجه في اليقظة .
و الإنسان الذي يعيش مائة سنة بين نوم و يقظة يستطيع أن يعيش ثلاثمائة سنة إذا عمل على حسابه أن ينامها كلها .
و مادة النوم رخيصة . لأن الإنسان يقترب فيه من التراب . ويعود إلى الآلية الكيميائية المتأصلة في خلاياه من بداية الحياة. ❝
❞ من رواية \"يسرا البريطانية\"
طائر إلفينش
حطّ طائر صغير، بنافذتها عند تلك الصبيحة الرتيبة إثر ليلة ماطرة اشتدّ على إثرها البرد، لَوَن الأفق، شطر السماء لقطعتين من السحب أخذت الأولى شكل لسان نهر التيمز باللون الرصاصي القاتم، والقطعة الأخرى، شكل ورقة العنب المصفحة باللون الرصاصي المائل للسواد، ولأن الليل ما زال يطبع الوقت بصداه رغم بزوغ الفجر، فقد أيقظها صوت الطائر الشرشور، وذكرها بصوت الحسون الوردي الذي سافر معها من حافة سماء الزبير لأطراف برج الحمام بحلب، خيّل إليها أنه يحمل رسالة من جبار الشريف\" ماذا يريد أن يوصل إلي هذا الحسون في هذا الوقت المُبكر من الفجر؟\" تساءلت وهي تهم بترك النافذة التي يتسلل من أطرافها برد \"كينغستون\" لاحقها الكسل والبرد والشعور بالخمول، ودت لو يكون اليوم إجازتها لتبقى في الفراش تتأمل هذا الطائر الوحيد الضال وهو من فصيلة \"الفينش\" الانكليزي (finch) الشرشور بلونه البني القاتم، فيما مال لون ظهره للبني الفاتح وبرز صدره باللون البني الفاتح، أما أسفل بطنه الصغير المدبب فقد اكتسى باللون الكستنائي، بينما اتخذ رأسه اللون الرمادي، وبدا اللون الأسود يطبع منقاره وجناحيه، تأملته كما لو كان إنساناً راحلاً من موطن لآخر، ربما رسمت من خلاله رحلتها الطويلة من الزبير إلى حلب مروراً بالحدود التركية ثم البحرين ودبي وانتهاء \"بكينغستون\"، كانت الصورة دقيقة وعميقة سبرت غور الأزمنة كلها وعبرت الأمكنة بمطاراتها وحدودها وحقائب وتأشيرات وما صاحبها من سجون وتحقيقات، اختزلت ذلك كله في دقائق الصباح، الذي رأت فيه هذا الطائر المرهق من أهوال الطقس وكأنه استقر في محطته عند نافذتها في هذا الوقت، شبهت رحلته برحلتها ابتسمت وهي تتأمله وودت لو تمسكه وتمسح عنه التعب.
عادت من الحمام لتزيح الستارة عن النافذة، فوجئت به منكمش وقد التحف البرد الذي لم يرغمه بالتوقف عن الزقزقة، كان صوته يخفت ويعود وكأنه يود التأكيد على صموده \"ما الذي يرغمه على البقاء والتشبث بالنافذة؟\" ارتدت روب الحمام الأبيض القطني الذي استعارته من الفندق، ونظرت للساعة التي كانت تشير إلى الخامسة وسبعة عشرة دقيقة.. ❝ ⏤احمد جمعه
❞ من رواية ˝يسرا البريطانية˝
طائر إلفينش
حطّ طائر صغير، بنافذتها عند تلك الصبيحة الرتيبة إثر ليلة ماطرة اشتدّ على إثرها البرد، لَوَن الأفق، شطر السماء لقطعتين من السحب أخذت الأولى شكل لسان نهر التيمز باللون الرصاصي القاتم، والقطعة الأخرى، شكل ورقة العنب المصفحة باللون الرصاصي المائل للسواد، ولأن الليل ما زال يطبع الوقت بصداه رغم بزوغ الفجر، فقد أيقظها صوت الطائر الشرشور، وذكرها بصوت الحسون الوردي الذي سافر معها من حافة سماء الزبير لأطراف برج الحمام بحلب، خيّل إليها أنه يحمل رسالة من جبار الشريف˝ ماذا يريد أن يوصل إلي هذا الحسون في هذا الوقت المُبكر من الفجر؟˝ تساءلت وهي تهم بترك النافذة التي يتسلل من أطرافها برد ˝كينغستون˝ لاحقها الكسل والبرد والشعور بالخمول، ودت لو يكون اليوم إجازتها لتبقى في الفراش تتأمل هذا الطائر الوحيد الضال وهو من فصيلة ˝الفينش˝ الانكليزي (finch) الشرشور بلونه البني القاتم، فيما مال لون ظهره للبني الفاتح وبرز صدره باللون البني الفاتح، أما أسفل بطنه الصغير المدبب فقد اكتسى باللون الكستنائي، بينما اتخذ رأسه اللون الرمادي، وبدا اللون الأسود يطبع منقاره وجناحيه، تأملته كما لو كان إنساناً راحلاً من موطن لآخر، ربما رسمت من خلاله رحلتها الطويلة من الزبير إلى حلب مروراً بالحدود التركية ثم البحرين ودبي وانتهاء ˝بكينغستون˝، كانت الصورة دقيقة وعميقة سبرت غور الأزمنة كلها وعبرت الأمكنة بمطاراتها وحدودها وحقائب وتأشيرات وما صاحبها من سجون وتحقيقات، اختزلت ذلك كله في دقائق الصباح، الذي رأت فيه هذا الطائر المرهق من أهوال الطقس وكأنه استقر في محطته عند نافذتها في هذا الوقت، شبهت رحلته برحلتها ابتسمت وهي تتأمله وودت لو تمسكه وتمسح عنه التعب.
عادت من الحمام لتزيح الستارة عن النافذة، فوجئت به منكمش وقد التحف البرد الذي لم يرغمه بالتوقف عن الزقزقة، كان صوته يخفت ويعود وكأنه يود التأكيد على صموده ˝ما الذي يرغمه على البقاء والتشبث بالنافذة؟˝ ارتدت روب الحمام الأبيض القطني الذي استعارته من الفندق، ونظرت للساعة التي كانت تشير إلى الخامسة وسبعة عشرة دقيقة. ❝