❞ «أفحسبتم أنما خلقناكم عبثا وأنكم إلينا لا ترجعون » 115- المؤمنون
لا عبثية ولا عبث..
وما نرى حولنا من تداول الأحوال على الناس من فقر إلى غني إلى مرض إلى عز إلى ذل إلى حوادث مفاجئة إلى مصائب إلى كوارث إلى نجاح إلى فشل، ليست أمورًا عبثية ولا مصادفات عشوائية، إنما هي ملابسات محكمة تدبير المدير الحكيم يريد أن يفض مكنون النفوس ويخرج مكتومها.
« والله مخرج ما كنتم تكتمون » 72 - البقرة
إننا جميعا شجعان حتى يدعو داعی الحرب فيبدي كل واحد عذرة ويختلق كل واحد ظروفًا تمنعه ولا يثبت ساعة الضرب إلا القليل.
ولولا محنة القتال ما انكشفت النفوس على حقيقتها.
ونحن جميعًا كرماء حتى يدعو داعی البذل، فتنكمش الأيدي التي كانت ممدودة بدعوى السخاء ولا تنبسط بالكرم إلا أكف معدودة.
وكما قال المتبي:
لولا المشقة ساد الناس كلهم
الجود يفقر والإقدام قتال
فالمشقة هي التي كشفت النفوس وفضحت دعاويها، ومن هنا جاءت ضرورتها.
وما كنا لنعرف صلابة الصلب لولا اختباره.
ولهذا خلق الله الدنيا ليعرف الضعيف ضعفه، وليعرف القوى قوته ولتفتضح الدعاوى الكاذبة، ويتم العدل باقتناع كل نفس باستحقاقها وبعدالة مصيرها النهائي في أعلى عليين أو أسفل سافلين.
خلق الله الدنيا ليحق الحق ويبطل الباطل.
ويصدق أيضا الكلام الذي يقول .. إن الله خلقنا ليعطينا.
فهو كلام يؤدي بنا إلى نفس المعنى
فهل يصح عطاء إلا بمعرفة الاستحقاقات أولًا ليكون العطاء حقًا.. ❝ ⏤مصطفى محمود
❞«أفحسبتم أنما خلقناكم عبثا وأنكم إلينا لا ترجعون » 115- المؤمنون
لا عبثية ولا عبث.
وما نرى حولنا من تداول الأحوال على الناس من فقر إلى غني إلى مرض إلى عز إلى ذل إلى حوادث مفاجئة إلى مصائب إلى كوارث إلى نجاح إلى فشل، ليست أمورًا عبثية ولا مصادفات عشوائية، إنما هي ملابسات محكمة تدبير المدير الحكيم يريد أن يفض مكنون النفوس ويخرج مكتومها.
« والله مخرج ما كنتم تكتمون » 72 - البقرة
إننا جميعا شجعان حتى يدعو داعی الحرب فيبدي كل واحد عذرة ويختلق كل واحد ظروفًا تمنعه ولا يثبت ساعة الضرب إلا القليل.
ولولا محنة القتال ما انكشفت النفوس على حقيقتها.
ونحن جميعًا كرماء حتى يدعو داعی البذل، فتنكمش الأيدي التي كانت ممدودة بدعوى السخاء ولا تنبسط بالكرم إلا أكف معدودة.
وكما قال المتبي:
لولا المشقة ساد الناس كلهم
الجود يفقر والإقدام قتال
فالمشقة هي التي كشفت النفوس وفضحت دعاويها، ومن هنا جاءت ضرورتها.
وما كنا لنعرف صلابة الصلب لولا اختباره.
ولهذا خلق الله الدنيا ليعرف الضعيف ضعفه، وليعرف القوى قوته ولتفتضح الدعاوى الكاذبة، ويتم العدل باقتناع كل نفس باستحقاقها وبعدالة مصيرها النهائي في أعلى عليين أو أسفل سافلين.
خلق الله الدنيا ليحق الحق ويبطل الباطل.
ويصدق أيضا الكلام الذي يقول . إن الله خلقنا ليعطينا.
فهو كلام يؤدي بنا إلى نفس المعنى
فهل يصح عطاء إلا بمعرفة الاستحقاقات أولًا ليكون العطاء حقًا. ❝
❞ هل فكرت مره في نفسك ؟
في جسمك وكيف يعمل ؟
إن علوم التشريح والفسيولوجيا فتحت أعيننا على عجائب ومدهشات يقف أمامها العقل مذهولاً .
نعلم الآن بالحساب والأرقام أن الرئتين فيهما من وسائل تنقية الدم وتهويته سبعة أضعاف ما نحتاج إليه من النسيج التنفسي ,,,
وبالمثل في الكليتين احتياطي فائض عن الحاجة سبعة أضعاف اللازم لحفظ الحياة ...
ونجد هذا الكرم والسخاء أيضا في نسيج مثل الكبد وعضلات القلب وكرات الدم الحمراء وكراته البيضاء .....
هنا يد الخالق وحكمته ومحبته مبسوطة على آخرها ، ويقول لنا التشريح أيضا أن العصب البصري فيه أكثر من مليون خط عصبي تتشابك كلها لتصنع شبكية هي قاع العين حيث تقع الصورة ويتم التقاطها في دقة فائقة وحيث نرى في العتمة وأحيانا في الظلام ونميز بين درجات اللون الواحد وبين اختلاطه ما يذهل .
أما قدرة الأذن على التمييز بين درجات الصوت ونوعياته تفوق معجزة الإبصار .. فالام قد تعجز عن تبين وجه طفلها الضائع في الزحام ولكنها تستطيع أن تميز صوت بكائه من ألف صوت ,,,,
وإذا وصلنا إلى المخ فنحن أمام خارقة الخوارق ...فهاهنا مجمع خطوط عصبية أشبه بمفتاح هائل يلتقي فيه أكثر من مائة مليون خط عصبي كلها تعمل معا وفي وقت واحد في تلقي الرسائل وتحليلها والرد عليها ...
في كل لحظة يصل إلى المخ شلال من الاحساسات من الجلد والأحشاء والعين والأذن ويخرج من المخ ذاته في ذات اللحظة طوفان من الردود في كابلات عصبية توصل كل رسالة الى مكانها .
جميع العضلات تبعث إلى المخ في ذات اللحظة تفاصيل غاية في الدقة على ما يطرأ علهيا من توتر وانقباض وارتخاء وعلى المخ أن يرد في ذات اللحظة بالتعليمات المطلوبة للحصول على أي وضع نريده ,,, وهكذا نستطع أن نقف على رأسنا أو نمشي على أيدينا أو نحفظ توازننا على قدم واحدة دون أن نقع .
وهكذا نجد أن عملية حفظ التوازن هي عملية معقدة من آلاف الضوابط ,, كل عضلة لها مخ إلكتروني صغير ومركز تنظيم في الدماغ ,, والمراكز العديدة لها مجمع ترابط ينظمها جميعا ,,,ثم يخضع كل هذا للإرادة والاختيار .
فاذا اعترفنا أن فوق المخ شيء أعظم هو العقل , وأن المخ ليس إلا الجانب الآلي من عملية شديدة الغموض .
وأن العقل هو السيد ,,,, هو الذي يأمر وهو الذي يتكلم من وراء هذا المفتاح العجيب ... فنحن في النهاية أمام معجزة أكبر ,,
ذلك العقل الذي حاربنا به الميكروب وروضنا به الأسد واصطدنا به الأرنب واخضعنا به وحوش الغاب....
ذلك العقل الذي بنينا به الأهرام والسدود ونقلنا الجبال من مكانها وهدمنا الامبراطوريات واقمنا أمبراطوريات...وأخيرا صعدنا إلى القمر وسبحنا إلى النجوم ..
ها نحن كلما اكتشفنا آية من آيات كرم الخالق قادنا تأمل هذا الكرم إلى كرم أكبر وعطاء أكبر ...
ومن وراء العقل يقودنا التأمل إلى الروح ...سر الأسرار ...وذروة العطاء الرحماني ...
وهنا يعجز القلم ويسكت الفكر حياء أمام نعمة لا يملك الخيال أن يحيط بها ,,, إذ يصفها الخالق بأنها فيض منه فيقول عن خلق آدم عليه السلام " فإذا نفخت فيه من روحي فقعوا له ساجدين " ,,,, فهي نور نوره .. تعالى وتبارك في سماواته الذي خلقنا باسمه الكريم الوهاب وتناهت عطاياه فما تناهت ... وما استطاع قلم أن يحيط بكرمه أو يحصر أفعاله ...
مقال / يد الله
من كتاب / الشيطان يحكم
للدكتور / مصطفى محمود( رحمه الله ). ❝ ⏤مصطفى محمود
❞ هل فكرت مره في نفسك ؟
في جسمك وكيف يعمل ؟
إن علوم التشريح والفسيولوجيا فتحت أعيننا على عجائب ومدهشات يقف أمامها العقل مذهولاً .
نعلم الآن بالحساب والأرقام أن الرئتين فيهما من وسائل تنقية الدم وتهويته سبعة أضعاف ما نحتاج إليه من النسيج التنفسي ,,,
وبالمثل في الكليتين احتياطي فائض عن الحاجة سبعة أضعاف اللازم لحفظ الحياة ..
ونجد هذا الكرم والسخاء أيضا في نسيج مثل الكبد وعضلات القلب وكرات الدم الحمراء وكراته البيضاء ...
هنا يد الخالق وحكمته ومحبته مبسوطة على آخرها ، ويقول لنا التشريح أيضا أن العصب البصري فيه أكثر من مليون خط عصبي تتشابك كلها لتصنع شبكية هي قاع العين حيث تقع الصورة ويتم التقاطها في دقة فائقة وحيث نرى في العتمة وأحيانا في الظلام ونميز بين درجات اللون الواحد وبين اختلاطه ما يذهل .
أما قدرة الأذن على التمييز بين درجات الصوت ونوعياته تفوق معجزة الإبصار . فالام قد تعجز عن تبين وجه طفلها الضائع في الزحام ولكنها تستطيع أن تميز صوت بكائه من ألف صوت ,,,,
وإذا وصلنا إلى المخ فنحن أمام خارقة الخوارق ..فهاهنا مجمع خطوط عصبية أشبه بمفتاح هائل يلتقي فيه أكثر من مائة مليون خط عصبي كلها تعمل معا وفي وقت واحد في تلقي الرسائل وتحليلها والرد عليها ..
في كل لحظة يصل إلى المخ شلال من الاحساسات من الجلد والأحشاء والعين والأذن ويخرج من المخ ذاته في ذات اللحظة طوفان من الردود في كابلات عصبية توصل كل رسالة الى مكانها .
جميع العضلات تبعث إلى المخ في ذات اللحظة تفاصيل غاية في الدقة على ما يطرأ علهيا من توتر وانقباض وارتخاء وعلى المخ أن يرد في ذات اللحظة بالتعليمات المطلوبة للحصول على أي وضع نريده ,,, وهكذا نستطع أن نقف على رأسنا أو نمشي على أيدينا أو نحفظ توازننا على قدم واحدة دون أن نقع .
وهكذا نجد أن عملية حفظ التوازن هي عملية معقدة من آلاف الضوابط ,, كل عضلة لها مخ إلكتروني صغير ومركز تنظيم في الدماغ ,, والمراكز العديدة لها مجمع ترابط ينظمها جميعا ,,,ثم يخضع كل هذا للإرادة والاختيار .
فاذا اعترفنا أن فوق المخ شيء أعظم هو العقل , وأن المخ ليس إلا الجانب الآلي من عملية شديدة الغموض .
وأن العقل هو السيد ,,,, هو الذي يأمر وهو الذي يتكلم من وراء هذا المفتاح العجيب .. فنحن في النهاية أمام معجزة أكبر ,,
ذلك العقل الذي حاربنا به الميكروب وروضنا به الأسد واصطدنا به الأرنب واخضعنا به وحوش الغاب..
ذلك العقل الذي بنينا به الأهرام والسدود ونقلنا الجبال من مكانها وهدمنا الامبراطوريات واقمنا أمبراطوريات..وأخيرا صعدنا إلى القمر وسبحنا إلى النجوم .
ها نحن كلما اكتشفنا آية من آيات كرم الخالق قادنا تأمل هذا الكرم إلى كرم أكبر وعطاء أكبر ..
ومن وراء العقل يقودنا التأمل إلى الروح ..سر الأسرار ..وذروة العطاء الرحماني ..
وهنا يعجز القلم ويسكت الفكر حياء أمام نعمة لا يملك الخيال أن يحيط بها ,,, إذ يصفها الخالق بأنها فيض منه فيقول عن خلق آدم عليه السلام ˝ فإذا نفخت فيه من روحي فقعوا له ساجدين ˝ ,,,, فهي نور نوره . تعالى وتبارك في سماواته الذي خلقنا باسمه الكريم الوهاب وتناهت عطاياه فما تناهت .. وما استطاع قلم أن يحيط بكرمه أو يحصر أفعاله ..
مقال / يد الله
من كتاب / الشيطان يحكم
للدكتور / مصطفى محمود( رحمه الله ). ❝
❞ علينا أن نبدأ من الآن العمل على العودة إلى ذواتنا الأصيلة التي تتسم بالتلقائية والسماحة والسخاء
إن هذه العودة ستجعلنا نحب بعضنا أكثر ونغفر لبعضنا أكثر. ❝ ⏤عبد الله المغلوث
❞ علينا أن نبدأ من الآن العمل على العودة إلى ذواتنا الأصيلة التي تتسم بالتلقائية والسماحة والسخاء
إن هذه العودة ستجعلنا نحب بعضنا أكثر ونغفر لبعضنا أكثر. ❝
❞ و بقدر ما تمتد حياتك يوما بعد يوم.. بقدر ما تتمزق عن وجهك الأقنعة.. و يظهر و يفتضح أمرك و ينتهك سرك.
و الله يعلم حقيقتك و سرك من البداية.. و لكنك أنت لا تعلم و لا تريد أن تعلم.. لأنك مدع.. و كل منا مدع..
كل منا يتصور أنه رجل طيب و أنه مستحق لكل خير، حتى الجبارون الذين شنقوا و سجنوا، و عذبوا شعوبهم تصوروا أنهم مصلحون.
كل منا جاء إلى الحياة و معه دعوى عريضة مزعومة بأنه رجل صالح و طيب.
و لهذا اقتضى عدل الله أن يطلعنا على حقائقنا، حتى لا تقوم أعذار حينما يبدأ تصنيف الناس في الآخرة حسب درجاتهم.. و حتى يكون التصنيف على حسب الحقائق، و ليس على حسب المزاعم و الدعاوى.
و لهذا خلق الله الدنيا.
خلقها لتنكشف الحقائق على ما هي عليه.. و يعرف كل واحد نفسه و يعرف مقدار خيره و شره.. ثم ليعرف الأبرار خالقهم و ربهم، و ليذوقوا رحمته قبل لقائه.
ثم خلق الآخرة لتنكشف فيها حقائق الربوبية، و عالم الملكوت و الجبروت و الغيب.
و الله لا يخلق أي شيء إلا بالحق و للحق، لأنه سبحانه هو الحق.
(( وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا إِلاَّ بِالْحَقِّ (85) )) [ الحجر ]
(( وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا لَاعِبِينَ (38) )) [ الدخان ]
(( مَا خَلَقْنَاهُمَا إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ (39) )) [ الدخان ]
(( مَا خَلَقَ اللّهُ ذَلِكَ إِلاَّ بِالْحَقِّ (5) )) [ يونس ]
(( خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ بِالْحَقِّ تَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ (3) )) [ النحل ]
(( مَا خَلَقَ اللَّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا إِلَّا بِالْحَقِّ وَأَجَلٍ مُّسَمًّى (8) )) [ الروم ]
(( وَخَلَقَ اللَّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ وَلِتُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ (22) )) [ الجاثية ]
(( خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ (3) )) [ التغابن ]
(( الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا (2) )) [ الملك ]
(( رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ (191) )) [ آل عمران ]
(( أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ (115) )) [ المؤمنون ]
لا عبثية و لا عبث...
و ما نرى حولنا من تداول الأحوال على الناس من فقر إلى غنى، إلى مرض إلى عز إلى ذل، إلى حوادث مفاجئة إلى مصائب إلى كوارث إلى نجاح إلى فشل، ليست أمورا عبثية و لا مصادفات عشوائية، إما هي ملابسات محكمة من تدبير المدبر الحكيم الذي يريد أن يفض مكنون النفوس و يخرج مكتومها.
(( وَاللّهُ مُخْرِجٌ مَّا كُنتُمْ تَكْتُمُونَ (72) )) [ البقرة ]
إننا جميعا شجعان حتى يدعو داعي الحرب، فيبدي كل واحد عذرا و يختلق كل واحد ظروفا تمنعه و لا يثبت ساعة الضرب إلا القليل.
و لولا محنة القتال ما انكشفت النفوس على حقيقتها، و نحن جميعا كرماء حتى يدعو داعي البذل، فتنكمش الأيدي التي كانت ممدودة بدعوى السخاء، و لا تنبسط بالكرم إلا أكف معدودة.
و كما قال المتنبي:
لولا المشقة ساد الناس كلهم
الجود يفقر و الإقدام قتّال
فالمشقة هي التي كشفت النفوس و فضحت دعاويها، و من هنا جاءت ضرورتها.
و ما كنا لنعرف صلابة الصلب لولا اختباره.
و لهذا خلق الله الدنيا ليعرف الضعيف ضعفه، و ليعرف القوي قوته، و لتفتضح الدعاوى الكاذبة، و يتم العدل باقتناع كل نفس باستحقاقها، و بعدالة مصيرها النهائي في أعلى عليين أو أسفل سافلين.
خلق الله الدنيا ليحق الحق و يبطل الباطل.
و يصدق أيضا الكلام الذي يقول.. إن الله خلقنا ليعطينا.. فهو كلام يؤدي بنا إلى نفس المعنى.
فهل يصح عطاء إلا بمعرفة الاستحقاقات أولا ليكون العطاء حقا.
إن معرفتنا لأنفسنا أيضا مطلوبة، لتكون قناعة كل واحد بعطائه قناعة حقيقية.. و لينتفي الإعتراض.
فمعرفة النفوس لحقائقها.. و معرفة الإنسان لخالقه.. هي الحكمة من خلق الدنيا.
(( خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا (2) )) [ الملك ]
و ما كانت هذه المعرفة لتتم إلا بالدم و الدموع، لأن النفوس ما كانت لتبوح بأسرارها و حقائقها إلا بالدم و الدموع.
و لأن كلا منا يخفي حقيقته وراء أقنعة غليظة من الشعارات و الأكاذيب، و يسدل على وجهه حجابا من الافتعال و التمثيل و بسمات النفاق و الملاطفة و المجاملة.
فكان لابد من حادث عنيف ليخترق هذه الحجب.
و الدنيا كانت ذلك الحادث.
لقد أخرجنا الله من العدم و كان كل منا حقيقة مكنونة، و أعطى كلا منا اليد و القدم ليضر و ينفع.
فأما الذين تحروا النفع و البر و الخير فهم أهله.. و مأواهم إلى ظله يوم لا ظل إلا ظله.
و أما أهل الضرر و الأذى و الظلم فهم المبعدون عنه و عن رحمته.. و البعد عن الله نار.. لأن كل ما سوى الله نار..
و علامة أهل الله هي عرفانهم لربهم من قبل لقائه.. أن يعرفوه في هذه الدنيا.. و أن يشهدوا الدنيا دالة عليه.
و كلام القرآن بأن الله خلقنا لنعبده هو كلام يشتمل على كل هذه المعاني السالفة في باطنه.
و حينما تقول الآيات.
(( وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ (56) )) [ الذاريات ]
فإنها تعني بداهة.
( و ما خلقت الجن و الإنس إلا ليعرفون ).
لأنه لا عبادة بلا معرفة.
و المعنى أنه خلقنا لنعرفه، فإذا عرفناه عبدناه.. و إذا عبدناه تفاضلت عباداتنا، و تفاضل إيماننا و إنكارنا، و تفاضلت منازلنا.. و بالتالي تفاضلت استحقاقاتنا حسب ما نتعرض له من امتحانات في الدنيا.. و بالتالي تفاضل العطاء من المعطي.
و عطاء الله مبذول للكل.
(( كُلاًّ نُّمِدُّ هَؤُلاء وَهَؤُلاء مِنْ عَطَاء رَبِّكَ وَمَا كَانَ عَطَاء رَبِّكَ مَحْظُورًا (20) )) [ الإسراء ]
فالله خلق ليعطي.. و كلنا مستحقون للعطاء بحكم رتبة العبودية، و كل هذه المعاني باطنة في كلمة (( ليعبدون )).
(( وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ (56) )) [ الذاريات ]
أما الذي يقول: إن الله خلقنا لأنه خالق و لابد للخالق أن يخلق، فقد أوجب على الله أن يخلق هذا أو يخلق ذاك..
و لا حق لأحد أن يوجب على الله شيئا.
و لا يوجد قانون يوجب على الله شيئا.
لأنه لا توجد سلطة أو حكم خارج عن الله أصلا، و إنما الله يخلق ما يشاء.
و مشيئة الله لا تحدها قوانين.. لأنه سبحانه مصدر جميع القوانين.
و المشيئة مردودة إلى الله، و بالتالي ليست مسببة بحيث يمكن أن نسأل: و لماذا خلق الله هذا و لم يخلق ذاك؟
إن (( لماذا )) هنا لا مكان لها بتاتا و لا يصح أن توجه إليه سبحانه
(( لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ (23) )) [ الأنبياء ]
و كنه المراد لا يعلمه أحد.
و السؤال يقال بوجه إجمال.
و مجال التأمل هو في الحكمة العامة للخلق و للدنيا.
أما السؤال تفصيلا عن خلق هذا و خلق ذاك، فهو أمر غيبي.. و هو في العمى لا يعلمه أحد.
يقول الصوفي ابن عربي: إن الله خلق هذا و خلق ذاك لأنهما سألاه في العدم أن يرحمهما بإيجادهما فأوجدهما.. و أن الله لا يأتي بأحد إلى الدنيا كرها.. و إنما كل ما جاء إلى الدنيا بطلبه.
و هو كلام غيبي.
و هو كلام يستتبع أنه كان لنا وجود في العدم.. و أن العدم غير معدوم.
و هو كلام يجرنا مرة أخرى إلى المعضلة التي أثرتها في كتابي (( الوجود و العدم )).
و لمن يريد أن يغوص وراء الأسرار أكثر أن يعود إلى الكتاب.
و حسب المؤمن الذي يريد أن يقف عند بر الأمان، و لا يلقي بنفسه في وادي العماء.. أن يقول:
آمنت بكلمات الله على مراد الله.
و ما خفى عني فالله به أعلم.
د مصطفى محمود
من كتاب : القرآن كائن حي. ❝ ⏤مصطفى محمود
❞ و بقدر ما تمتد حياتك يوما بعد يوم. بقدر ما تتمزق عن وجهك الأقنعة. و يظهر و يفتضح أمرك و ينتهك سرك.
و الله يعلم حقيقتك و سرك من البداية. و لكنك أنت لا تعلم و لا تريد أن تعلم. لأنك مدع. و كل منا مدع.
كل منا يتصور أنه رجل طيب و أنه مستحق لكل خير، حتى الجبارون الذين شنقوا و سجنوا، و عذبوا شعوبهم تصوروا أنهم مصلحون.
كل منا جاء إلى الحياة و معه دعوى عريضة مزعومة بأنه رجل صالح و طيب.
و لهذا اقتضى عدل الله أن يطلعنا على حقائقنا، حتى لا تقوم أعذار حينما يبدأ تصنيف الناس في الآخرة حسب درجاتهم. و حتى يكون التصنيف على حسب الحقائق، و ليس على حسب المزاعم و الدعاوى.
و لهذا خلق الله الدنيا.
خلقها لتنكشف الحقائق على ما هي عليه. و يعرف كل واحد نفسه و يعرف مقدار خيره و شره. ثم ليعرف الأبرار خالقهم و ربهم، و ليذوقوا رحمته قبل لقائه.
ثم خلق الآخرة لتنكشف فيها حقائق الربوبية، و عالم الملكوت و الجبروت و الغيب.
و الله لا يخلق أي شيء إلا بالحق و للحق، لأنه سبحانه هو الحق.
و ما نرى حولنا من تداول الأحوال على الناس من فقر إلى غنى، إلى مرض إلى عز إلى ذل، إلى حوادث مفاجئة إلى مصائب إلى كوارث إلى نجاح إلى فشل، ليست أمورا عبثية و لا مصادفات عشوائية، إما هي ملابسات محكمة من تدبير المدبر الحكيم الذي يريد أن يفض مكنون النفوس و يخرج مكتومها.
(( وَاللّهُ مُخْرِجٌ مَّا كُنتُمْ تَكْتُمُونَ (72) )) [ البقرة ]
إننا جميعا شجعان حتى يدعو داعي الحرب، فيبدي كل واحد عذرا و يختلق كل واحد ظروفا تمنعه و لا يثبت ساعة الضرب إلا القليل.
و لولا محنة القتال ما انكشفت النفوس على حقيقتها، و نحن جميعا كرماء حتى يدعو داعي البذل، فتنكمش الأيدي التي كانت ممدودة بدعوى السخاء، و لا تنبسط بالكرم إلا أكف معدودة.
و كما قال المتنبي:
لولا المشقة ساد الناس كلهم
الجود يفقر و الإقدام قتّال
فالمشقة هي التي كشفت النفوس و فضحت دعاويها، و من هنا جاءت ضرورتها.
و ما كنا لنعرف صلابة الصلب لولا اختباره.
و لهذا خلق الله الدنيا ليعرف الضعيف ضعفه، و ليعرف القوي قوته، و لتفتضح الدعاوى الكاذبة، و يتم العدل باقتناع كل نفس باستحقاقها، و بعدالة مصيرها النهائي في أعلى عليين أو أسفل سافلين.
خلق الله الدنيا ليحق الحق و يبطل الباطل.
و يصدق أيضا الكلام الذي يقول. إن الله خلقنا ليعطينا. فهو كلام يؤدي بنا إلى نفس المعنى.
فهل يصح عطاء إلا بمعرفة الاستحقاقات أولا ليكون العطاء حقا.
إن معرفتنا لأنفسنا أيضا مطلوبة، لتكون قناعة كل واحد بعطائه قناعة حقيقية. و لينتفي الإعتراض.
فمعرفة النفوس لحقائقها. و معرفة الإنسان لخالقه. هي الحكمة من خلق الدنيا.
(( خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا (2) )) [ الملك ]
و ما كانت هذه المعرفة لتتم إلا بالدم و الدموع، لأن النفوس ما كانت لتبوح بأسرارها و حقائقها إلا بالدم و الدموع.
و لأن كلا منا يخفي حقيقته وراء أقنعة غليظة من الشعارات و الأكاذيب، و يسدل على وجهه حجابا من الافتعال و التمثيل و بسمات النفاق و الملاطفة و المجاملة.
فكان لابد من حادث عنيف ليخترق هذه الحجب.
و الدنيا كانت ذلك الحادث.
لقد أخرجنا الله من العدم و كان كل منا حقيقة مكنونة، و أعطى كلا منا اليد و القدم ليضر و ينفع.
فأما الذين تحروا النفع و البر و الخير فهم أهله. و مأواهم إلى ظله يوم لا ظل إلا ظله.
و أما أهل الضرر و الأذى و الظلم فهم المبعدون عنه و عن رحمته. و البعد عن الله نار. لأن كل ما سوى الله نار.
و علامة أهل الله هي عرفانهم لربهم من قبل لقائه. أن يعرفوه في هذه الدنيا. و أن يشهدوا الدنيا دالة عليه.
و كلام القرآن بأن الله خلقنا لنعبده هو كلام يشتمل على كل هذه المعاني السالفة في باطنه.
و حينما تقول الآيات.
(( وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ (56) )) [ الذاريات ]
فإنها تعني بداهة.
( و ما خلقت الجن و الإنس إلا ليعرفون ).
لأنه لا عبادة بلا معرفة.
و المعنى أنه خلقنا لنعرفه، فإذا عرفناه عبدناه. و إذا عبدناه تفاضلت عباداتنا، و تفاضل إيماننا و إنكارنا، و تفاضلت منازلنا. و بالتالي تفاضلت استحقاقاتنا حسب ما نتعرض له من امتحانات في الدنيا. و بالتالي تفاضل العطاء من المعطي.
و عطاء الله مبذول للكل.
(( كُلاًّ نُّمِدُّ هَؤُلاء وَهَؤُلاء مِنْ عَطَاء رَبِّكَ وَمَا كَانَ عَطَاء رَبِّكَ مَحْظُورًا (20) )) [ الإسراء ]
فالله خلق ليعطي. و كلنا مستحقون للعطاء بحكم رتبة العبودية، و كل هذه المعاني باطنة في كلمة (( ليعبدون )).
(( وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ (56) )) [ الذاريات ]
أما الذي يقول: إن الله خلقنا لأنه خالق و لابد للخالق أن يخلق، فقد أوجب على الله أن يخلق هذا أو يخلق ذاك.
و لا حق لأحد أن يوجب على الله شيئا.
و لا يوجد قانون يوجب على الله شيئا.
لأنه لا توجد سلطة أو حكم خارج عن الله أصلا، و إنما الله يخلق ما يشاء.
و مشيئة الله لا تحدها قوانين. لأنه سبحانه مصدر جميع القوانين.
و المشيئة مردودة إلى الله، و بالتالي ليست مسببة بحيث يمكن أن نسأل: و لماذا خلق الله هذا و لم يخلق ذاك؟
إن (( لماذا )) هنا لا مكان لها بتاتا و لا يصح أن توجه إليه سبحانه
(( لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ (23) )) [ الأنبياء ]
و كنه المراد لا يعلمه أحد.
و السؤال يقال بوجه إجمال.
و مجال التأمل هو في الحكمة العامة للخلق و للدنيا.
أما السؤال تفصيلا عن خلق هذا و خلق ذاك، فهو أمر غيبي. و هو في العمى لا يعلمه أحد.
يقول الصوفي ابن عربي: إن الله خلق هذا و خلق ذاك لأنهما سألاه في العدم أن يرحمهما بإيجادهما فأوجدهما. و أن الله لا يأتي بأحد إلى الدنيا كرها. و إنما كل ما جاء إلى الدنيا بطلبه.
و هو كلام غيبي.
و هو كلام يستتبع أنه كان لنا وجود في العدم. و أن العدم غير معدوم.
و هو كلام يجرنا مرة أخرى إلى المعضلة التي أثرتها في كتابي (( الوجود و العدم )).
و لمن يريد أن يغوص وراء الأسرار أكثر أن يعود إلى الكتاب.
و حسب المؤمن الذي يريد أن يقف عند بر الأمان، و لا يلقي بنفسه في وادي العماء. أن يقول:
آمنت بكلمات الله على مراد الله.
و ما خفى عني فالله به أعلم.