❞ قَالَ هَلْ أَنتُم مُّطَّلِعُونَ (54)
قال هل أنتم مطلعون ف " قال " الله تعالى لأهل الجنة : هل أنتم مطلعون . وقيل : هو من قول المؤمن لإخوانه في الجنة هل أنتم مطلعون إلى النار لننظر كيف حال ذلك القرين . وقيل : هو من قول الملائكة . وليس هل أنتم مطلعون باستفهام ، إنما هو بمعنى الأمر ، أي : اطلعوا ، قاله ابن الأعرابي وغيره . ومنه لما نزلت آية الخمر ، قام عمر قائما بين يدي النبي - صلى الله عليه وسلم - ، ثم رفع رأسه إلى السماء ، ثم قال : يا رب بيانا أشفى من هذا في الخمر . فنزلت : فهل أنتم منتهون قال : فنادى عمر : انتهينا يا ربنا . وقرأ ابن عباس : " هل أنتم مطلعون " بإسكان الطاء خفيفة " فأطلع " بقطع الألف مخففة على معنى هل أنتم مقبلون ، فأقبل . قال النحاس " فأطلع فرآه " فيه قولان : أحدهما : أن يكون فعلا مستقبلا معناه : فأطلع أنا ، ويكون منصوبا على أنه جواب الاستفهام . والقول الثاني : أن يكون فعلا ماضيا ويكون اطلع وأطلع واحدا . قال الزجاج : يقال طلع وأطلع واطلع بمعنى واحد . وقد حكي هل أنتم مطلعون بكسر النون وأنكره أبو حاتم وغيره . النحاس : وهو لحن لا يجوز ; لأنه جمع بين النون والإضافة ، ولو كان مضافا لكان هل أنتم مطلعي ، وإن كان سيبويه والفراء قد حكيا مثله ، وأنشدا :
هم القائلون الخير والآمرونه إذا ما خشوا من محدث الأمر معظما
وأنشد الفراء : والفاعلونه . وأنشد سيبويه وحده :
ولم يرتفق والناس محتضرونه
وهذا شاذ خارج عن كلام العرب ، وما كان مثل هذا لم يحتج به في كتاب الله عز وجل ، ولا يدخل في الفصيح . وقد قيل في توجيهه : إنه أجرى اسم الفاعل مجرى المضارع لقربه منه ، فجرى مطلعون مجرى يطلعون . ذكره أبو الفتح عثمان بن جني وأنشد :
أرأيت إن جئت به أملودا مرجلا ويلبس البرودا
أقائلن أحضروا الشهودا
فأجرى أقائلن مجرى أتقولن . وقال ابن عباس في قوله تعالى : هل أنتم مطلعون فاطلع فرآه إن في الجنة كوى ينظر أهلها منها إلى النار وأهلها . وكذلك قال كعب فيما ذكر ابن المبارك ، قال : إن بين الجنة والنار كوى ، فإذا أراد المؤمن أن ينظر إلى عدو كان له في الدنيا اطلع من بعض الكوى ،. ❝ ⏤محمد بن صالح العثيمين
❞ قَالَ هَلْ أَنتُم مُّطَّلِعُونَ (54) قال هل أنتم مطلعون ف " قال " الله تعالى لأهل الجنة : هل أنتم مطلعون . وقيل : هو من قول المؤمن لإخوانه في الجنة هل أنتم مطلعون إلى النار لننظر كيف حال ذلك القرين . وقيل : هو من قول الملائكة . وليس هل أنتم مطلعون باستفهام ، إنما هو بمعنى الأمر ، أي : اطلعوا ، قاله ابن الأعرابي وغيره . ومنه لما نزلت آية الخمر ، قام عمر قائما بين يدي النبي - صلى الله عليه وسلم - ، ثم رفع رأسه إلى السماء ، ثم قال : يا رب بيانا أشفى من هذا في الخمر . فنزلت : فهل أنتم منتهون قال : فنادى عمر : انتهينا يا ربنا . وقرأ ابن عباس : " هل أنتم مطلعون " بإسكان الطاء خفيفة " فأطلع " بقطع الألف مخففة على معنى هل أنتم مقبلون ، فأقبل . قال النحاس " فأطلع فرآه " فيه قولان : أحدهما : أن يكون فعلا مستقبلا معناه : فأطلع أنا ، ويكون منصوبا على أنه جواب الاستفهام . والقول الثاني : أن يكون فعلا ماضيا ويكون اطلع وأطلع واحدا . قال الزجاج : يقال طلع وأطلع واطلع بمعنى واحد . وقد حكي هل أنتم مطلعون بكسر النون وأنكره أبو حاتم وغيره . النحاس : وهو لحن لا يجوز ; لأنه جمع بين النون والإضافة ، ولو كان مضافا لكان هل أنتم مطلعي ، وإن كان سيبويه والفراء قد حكيا مثله ، وأنشدا : هم القائلون الخير والآمرونه إذا ما خشوا من محدث الأمر معظما وأنشد الفراء : والفاعلونه . وأنشد سيبويه وحده : ولم يرتفق والناس محتضرونه وهذا شاذ خارج عن كلام العرب ، وما كان مثل هذا لم يحتج به في كتاب الله عز وجل ، ولا يدخل في الفصيح . وقد قيل في توجيهه : إنه أجرى اسم الفاعل مجرى المضارع لقربه منه ، فجرى مطلعون مجرى يطلعون . ذكره أبو الفتح عثمان بن جني وأنشد : أرأيت إن جئت به أملودا مرجلا ويلبس البرودا أقائلن أحضروا الشهودا فأجرى أقائلن مجرى أتقولن . وقال ابن عباس في قوله تعالى : هل أنتم مطلعون فاطلع فرآه إن في الجنة كوى ينظر أهلها منها إلى النار وأهلها . وكذلك قال كعب فيما ذكر ابن المبارك ، قال : إن بين الجنة والنار كوى ، فإذا أراد المؤمن أن ينظر إلى عدو كان له في الدنيا اطلع من بعض الكوى ، . ❝
❞ مِن شَرِّ الْوَسْوَاسِ الْخَنَّاسِ (4)
قوله تعالى : من شر الوسواس الخناس
يعني : من شر الشيطان . والمعنى : من شر ذي الوسواس ؛ فحذف المضاف ؛ قاله الفراء : وهو ( بفتح الواو ) بمعنى الاسم ؛ أي الموسوس . و ( بكسر الواو ) المصدر ؛ يعني الوسوسة . وكذا الزلزال والزلزال . والوسوسة : حديث النفس . يقال : وسوست إليهم نفسه وسوسة ووسوسة ( بكسر الواو ) . ويقال لهمس الصائد والكلاب وأصوات الحلي : وسواس . وقال ذو الرمة :
فبات يشئزه ثأد ويسهره تذوب الريح والوسواس والهضب
وقال الأعشى :
تسمع للحلي وسواسا إذا انصرفت كما استعان بريح عشرق زجل
وقيل : إن الوسواس الخناس ابن لإبليس ، جاء به إلى حواء ، ووضعه بين يديها وقال : اكفليه . فجاء آدم - عليه السلام - فقال : ما هذا يا حواء ؟ قالت : جاء عدونا بهذا وقال لي : اكفليه . فقال : ألم أقل لك لا تطيعيه في شيء ، هو الذي غرنا حتى وقعنا في المعصية ؟ وعمد إلى الولد فقطعه أربعة أرباع ، وعلق كل ربع على شجرة ، غيظا له ؛ فجاء إبليس فقال : يا حواء ، أين ابني ؟ فأخبرته بما صنع به آدم - عليه السلام - فقال : يا خناس ، فحيي فأجابه . فجاء به إلى حواء وقال : اكفليه ؛ فجاء آدم - عليه السلام - فحرقه بالنار ، وذر رماده في البحر ؛ فجاء إبليس عليه اللعنة فقال : يا حواء ، أين ابني ؟ فأخبرته بفعل آدم إياه ؛ فذهب إلى البحر ، فقال : يا خناس ، فحيي فأجابه . فجاء به إلى حواء الثالثة ، وقال : اكفليه . فنظر إليه آدم ، فذبحه وشواه ، وأكلاه جميعا . فجاء إبليس فسألها فأخبرته حواء . فقال : يا خناس ، فحيي فأجابه فجاء به من جوف آدم وحواء . فقال إبليس : هذا الذي أردت ، وهذا مسكنك في صدر ولد آدم ؛ فهو ملتقم قلب آدم ما دام غافلا يوسوس ، فإذا ذكر الله لفظ قلبه وانخنس . ذكر هذا الخبر الترمذي الحكيم في نوادر الأصول بإسناد عن وهب بن منبه . وما أظنه يصح ، والله تعالى أعلم .
ووصف بالخناس لأنه كثير الاختفاء ؛ ومنه قول الله تعالى : فلا أقسم بالخنس يعني النجوم ، لاختفائها بعد ظهورها . وقيل : لأنه يخنس إذا ذكر العبد الله ؛ أي يتأخر . وفي الخبر ˝ إن الشيطان جاثم على قلب ابن آدم ، فإذا غفل وسوس ، وإذا ذكر الله خنس ˝ أي تأخر وأقصر . وقال قتادة : الخناس الشيطان له خرطوم كخرطوم الكلب في صدر الإنسان ، فإذا غفل الإنسان وسوس له ، وإذا ذكر العبد ربه خنس . يقال : خنسته فخنس ؛ أي أخرته فتأخر . وأخنسته أيضا . ومنه قول أبي العلاء الحضرمي - أنشد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - :
وإن دحسوا بالشر فاعف تكرما وإن خنسوا عنك الحديث فلا تسل
الدحس : الإفساد . وعن أنس أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : إن الشيطان واضع خطمه على قلب ابن آدم ، فإذا ذكر الله خنس ، وإذا نسي الله التقم قلبه فوسوس . وقال ابن عباس : إذا ذكر الله العبد خنس من قلبه فذهب ، وإذا غفل التقم قلبه فحدثه ومناه . وقال إبراهيم التيمي : أول ما يبدو الوسواس من قبل الوضوء . وقيل : سمي خناسا لأنه يرجع إذا غفل العبد عن ذكر الله . والخنس : الرجوع . وقال الراجز :
وصاحب يمتعس امتعاسا يزداد إن حييته خناسا
وقد روى ابن جبير عن ابن عباس في قوله تعالى : الوسواس الخناس وجهين : أحدهما : أنه الراجع بالوسوسة عن الهدى . الثاني : أنه الخارج بالوسوسة من اليقين. ❝ ⏤محمد بن عبد الوهاب
❞ مِن شَرِّ الْوَسْوَاسِ الْخَنَّاسِ (4) قوله تعالى : من شر الوسواس الخناس يعني : من شر الشيطان . والمعنى : من شر ذي الوسواس ؛ فحذف المضاف ؛ قاله الفراء : وهو ( بفتح الواو ) بمعنى الاسم ؛ أي الموسوس . و ( بكسر الواو ) المصدر ؛ يعني الوسوسة . وكذا الزلزال والزلزال . والوسوسة : حديث النفس . يقال : وسوست إليهم نفسه وسوسة ووسوسة ( بكسر الواو ) . ويقال لهمس الصائد والكلاب وأصوات الحلي : وسواس . وقال ذو الرمة : فبات يشئزه ثأد ويسهره تذوب الريح والوسواس والهضب وقال الأعشى : تسمع للحلي وسواسا إذا انصرفت كما استعان بريح عشرق زجل وقيل : إن الوسواس الخناس ابن لإبليس ، جاء به إلى حواء ، ووضعه بين يديها وقال : اكفليه . فجاء آدم - عليه السلام - فقال : ما هذا يا حواء ؟ قالت : جاء عدونا بهذا وقال لي : اكفليه . فقال : ألم أقل لك لا تطيعيه في شيء ، هو الذي غرنا حتى وقعنا في المعصية ؟ وعمد إلى الولد فقطعه أربعة أرباع ، وعلق كل ربع على شجرة ، غيظا له ؛ فجاء إبليس فقال : يا حواء ، أين ابني ؟ فأخبرته بما صنع به آدم - عليه السلام - فقال : يا خناس ، فحيي فأجابه . فجاء به إلى حواء وقال : اكفليه ؛ فجاء آدم - عليه السلام - فحرقه بالنار ، وذر رماده في البحر ؛ فجاء إبليس عليه اللعنة فقال : يا حواء ، أين ابني ؟ فأخبرته بفعل آدم إياه ؛ فذهب إلى البحر ، فقال : يا خناس ، فحيي فأجابه . فجاء به إلى حواء الثالثة ، وقال : اكفليه . فنظر إليه آدم ، فذبحه وشواه ، وأكلاه جميعا . فجاء إبليس فسألها فأخبرته حواء . فقال : يا خناس ، فحيي فأجابه فجاء به من جوف آدم وحواء . فقال إبليس : هذا الذي أردت ، وهذا مسكنك في صدر ولد آدم ؛ فهو ملتقم قلب آدم ما دام غافلا يوسوس ، فإذا ذكر الله لفظ قلبه وانخنس . ذكر هذا الخبر الترمذي الحكيم في نوادر الأصول بإسناد عن وهب بن منبه . وما أظنه يصح ، والله تعالى أعلم . ووصف بالخناس لأنه كثير الاختفاء ؛ ومنه قول الله تعالى : فلا أقسم بالخنس يعني النجوم ، لاختفائها بعد ظهورها . وقيل : لأنه يخنس إذا ذكر العبد الله ؛ أي يتأخر . وفي الخبر ˝ إن الشيطان جاثم على قلب ابن آدم ، فإذا غفل وسوس ، وإذا ذكر الله خنس ˝ أي تأخر وأقصر . وقال قتادة : الخناس الشيطان له خرطوم كخرطوم الكلب في صدر الإنسان ، فإذا غفل الإنسان وسوس له ، وإذا ذكر العبد ربه خنس . يقال : خنسته فخنس ؛ أي أخرته فتأخر . وأخنسته أيضا . ومنه قول أبي العلاء الحضرمي - أنشد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : وإن دحسوا بالشر فاعف تكرما وإن خنسوا عنك الحديث فلا تسل الدحس : الإفساد . وعن أنس أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : إن الشيطان واضع خطمه على قلب ابن آدم ، فإذا ذكر الله خنس ، وإذا نسي الله التقم قلبه فوسوس . وقال ابن عباس : إذا ذكر الله العبد خنس من قلبه فذهب ، وإذا غفل التقم قلبه فحدثه ومناه . وقال إبراهيم التيمي : أول ما يبدو الوسواس من قبل الوضوء . وقيل : سمي خناسا لأنه يرجع إذا غفل العبد عن ذكر الله . والخنس : الرجوع . وقال الراجز : وصاحب يمتعس امتعاسا يزداد إن حييته خناسا وقد روى ابن جبير عن ابن عباس في قوله تعالى : الوسواس الخناس وجهين : أحدهما : أنه الراجع بالوسوسة عن الهدى . الثاني : أنه الخارج بالوسوسة من اليقين . ❝
❞ أَصْطَفَى الْبَنَاتِ عَلَى الْبَنِينَ (153)
ثم يبتدئ أصطفى على معنى التقريع والتوبيخ كأنه قال : ويحكم أصطفى البنات أي : اختار البنات وترك البنين . وقراءة العامة " أصطفى " بقطع الألف ; لأنها ألف استفهام دخلت على ألف الوصل ، فحذفت ألف الوصل وبقيت ألف الاستفهام مفتوحة مقطوعة على حالها مثل : أطلع الغيب على ما تقدم . وقرأ أبو جعفر وشيبة ونافع وحمزة " اصطفى " بوصل الألف على الخبر بغير استفهام . وإذا ابتدأ كسر الهمزة . وزعم أبو حاتم أنه لا وجه لها ; لأن بعدها ما لكم كيف تحكمون فالكلام جار على التوبيخ من جهتين : إحداهما أن يكون تبيينا وتفسيرا لما قالوه من الكذب ويكون ما لكم كيف تحكمون منقطعا مما قبله . والجهة الثانية أنه قد حكى النحويون - منهم الفراء - أن التوبيخ يكون باستفهام وبغير استفهام كما قال - جل وعز - : أذهبتم طيباتكم في حياتكم الدنيا وقيل : هو على إضمار القول ، أي : ويقولون " اصطفى البنات " . أو يكون بدلا من قوله : ولد الله لأن ولادة البنات واتخاذهن اصطفاء لهن ، فأبدل مثال الماضي من مثال الماضي ، فلا يوقف على هذا على " لكاذبون ". ❝ ⏤محمد بن صالح العثيمين
❞ أَصْطَفَى الْبَنَاتِ عَلَى الْبَنِينَ (153) ثم يبتدئ أصطفى على معنى التقريع والتوبيخ كأنه قال : ويحكم أصطفى البنات أي : اختار البنات وترك البنين . وقراءة العامة " أصطفى " بقطع الألف ; لأنها ألف استفهام دخلت على ألف الوصل ، فحذفت ألف الوصل وبقيت ألف الاستفهام مفتوحة مقطوعة على حالها مثل : أطلع الغيب على ما تقدم . وقرأ أبو جعفر وشيبة ونافع وحمزة " اصطفى " بوصل الألف على الخبر بغير استفهام . وإذا ابتدأ كسر الهمزة . وزعم أبو حاتم أنه لا وجه لها ; لأن بعدها ما لكم كيف تحكمون فالكلام جار على التوبيخ من جهتين : إحداهما أن يكون تبيينا وتفسيرا لما قالوه من الكذب ويكون ما لكم كيف تحكمون منقطعا مما قبله . والجهة الثانية أنه قد حكى النحويون - منهم الفراء - أن التوبيخ يكون باستفهام وبغير استفهام كما قال - جل وعز - : أذهبتم طيباتكم في حياتكم الدنيا وقيل : هو على إضمار القول ، أي : ويقولون " اصطفى البنات " . أو يكون بدلا من قوله : ولد الله لأن ولادة البنات واتخاذهن اصطفاء لهن ، فأبدل مثال الماضي من مثال الماضي ، فلا يوقف على هذا على " لكاذبون " . ❝
❞ أَمَّا السَّفِينَةُ فَكَانَتْ لِمَسَاكِينَ يَعْمَلُونَ فِي الْبَحْرِ فَأَرَدتُّ أَنْ أَعِيبَهَا وَكَانَ وَرَاءَهُم مَّلِكٌ يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ غَصْبًا (79)
قوله تعالى : أما السفينة فكانت لمساكين يعملون في البحر استدل بهذا من قال : إن المسكين أحسن حالا من الفقير ، وقد مضى هذا المعنى مستوفى من سورة " براءة " . وقد قيل : إنهم كانوا تجارا ولكن من حيث هم مسافرون عن قلة في لجة بحر ، وبحال ضعف عن مدافعة خطب عبر عنهم بمساكين ; إذ هم في حالة يشفق عليهم بسببها ، وهذا كما تقول لرجل غني وقع في وهلة أو خطب : مسكين . وقال كعب وغيره : كانت لعشرة إخوة من المساكين ورثوها من أبيهم خمسة زمنى ، وخمسة يعملون في البحر . وقيل : كانوا سبعة لكل واحد منهم زمانة ليست بالآخر . وقد ذكر النقاش أسماءهم ; فأما العمال منهم فأحدهم كان مجذوما ; والثاني أعور ، والثالث أعرج ، والرابع آدر ، والخامس محموما لا تنقطع عنه الحمى الدهر كله وهو أصغرهم ; والخمسة الذين لا يطيقون العمل : أعمى وأصم وأخرس ومقعد ومجنون ، وكان البحر الذي يعملون فيه ما بين فارس والروم ; ذكره الثعلبي . وقرأت فرقة : " لمساكين " بتشديد السين ، واختلف في ذلك فقيل : هم ملاحو السفينة ، وذلك أن المساك هو الذي يمسك رجل السفينة ، وكل الخدمة تصلح لإمساكه فسمي الجميع مساكين . وقالت فرقة : أراد بالمساكين دبغة المسوك وهي الجلود واحدها مسك . والأظهر قراءة مساكين بالتخفيف جمع مسكين ، وأن معناها : إن السفينة لقوم ضعفاء ينبغي أن يشفق عليهم . والله أعلم .
قوله تعالى : فأردت أن أعيبها أي أجعلها ذات عيب ، يقال : عبت الشيء فعاب إذا صار ذا عيب ، فهو معيب وعائب .
وقوله : وكان وراءهم ملك يأخذ كل سفينة غصبا قرأ ابن عباس وابن جبير ( صحيحة ) وقرأ أيضا ابن عباس وعثمان بن عفان ( صالحة ) . و ( وراء ) أصلها بمعنى خلف ; فقال بعض المفسرين : إنه كان خلفه وكان رجوعهم عليه . والأكثر على أن معنى ( وراء ) هنا أمام ; يعضده قراءة ابن عباس وابن جبير " وكان أمامهم ملك يأخذ كل سفينة صحيحة غصبا " . قال ابن عطية : وراءهم هو عندي على بابه ; وذلك أن هذه الألفاظ إنما تجيء مراعى بها الزمان وذلك أن الحدث المقدم الموجود هو الأمام ، والذي يأتي بعده هو الوراء وهو ما خلف ، وذلك بخلاف ما يظهر بادي الرأي ، وتأمل هذه الألفاظ في مواضعها حيث وردت تجدها تطرد ، فهذه الآية معناها : إن هؤلاء وعملهم وسعيهم يأتي بعده في الزمان غصب هذا الملك ; ومن قرأ " أمامهم " أراد في المكان ، أي كأنهم يسيرون إلى بلد ، وقوله - عليه الصلاة والسلام - : الصلاة أمامك يريد في المكان ، وإلا فكونهم في ذلك الوقت كان أمام الصلاة في الزمان ; وتأمل هذه المقالة فإنها مريحة من شغب هذه الألفاظ ; ووقع لقتادة في كتاب الطبري وكان وراءهم ملك قال قتادة : أمامهم ألا تراه يقول : من ورائهم جهنم وهي بين أيديهم ; وهذا القول غير مستقيم ، وهذه هي العجمة التي كان الحسن بن أبي الحسن يضج منها ; قاله الزجاج .
قلت : وما اختاره هذا الإمام قد سبقه إليه في ذلك ابن عرفة ; قال الهروي قال ابن عرفة : يقول القائل كيف قال " من ورائه " وهي أمامه ؟ فزعم أبو عبيد وأبو علي قطرب أن هذا من الأضداد ، وأن وراء في معنى قدام ، وهذا غير محصل ; لأن أمام ضد وراء ، وإنما يصلح هذا في الأوقات ، كقولك للرجل إذا وعد وعدا في رجب لرمضان ثم قال : ومن ورائك شعبان لجاز وإن كان أمامه ، لأنه يخلفه إلى وقت وعده ; وأشار إلى هذا القول أيضا القشيري وقال : إنما يقال هذا في الأوقات ، ولا يقال للرجل أمامك إنه وراءك ; قال الفراء : وجوزه غيره ; والقوم ما كانوا عالمين بخبر الملك ، فأخبر الله - تعالى - الخضر حتى عيب السفينة ; وذكره الزجاج . وقال الماوردي : اختلف أهل العربية في استعمال وراء موضع أمام على ثلاثة أقوال : [ أحدها ] يجوز استعمالها بكل حال وفي كل مكان وهو من الأضداد قال الله - تعالى - : ومن ورائهم جهنم أي من أمامهم : وقال الشاعر :
أترجو بنو مروان سمعي وطاعتي وقومي تميم والفلاة ورائيا
يعني أمامي . [ والثاني ] أن وراء تستعمل في موضع أمام في المواقيت والأزمان لأن الإنسان يجوزها فتصير وراءه ولا يجوز في غيرها . [ الثالث ] أنه يجوز في الأجسام التي لا وجه لها كحجرين متقابلين كل واحد منهما وراء الآخر ولا يجوز في غيرهما ; وهذا قول علي بن عيسى .
واختلف في اسم هذا الملك فقيل : هدد بن بدد . وقيل : الجلندي ; وقاله السهيلي . وذكر البخاري اسم الملك الآخذ لكل سفينة غصبا فقال : هو ( هدد بن بدد والغلام المقتول ) اسمه حيسور ، وهكذا قيدناه في الجامع من رواية يزيد المروزي ، وفي غير هذه الرواية حيسور بالحاء وعندي في حاشية الكتاب رواية ثالثة : وهي حيسون وكان يأخذ كل سفينة جيدة غصبا فلذلك عابها الخضر وخرقها ; ففي هذا من الفقه العمل بالمصالح إذا تحقق وجهها ، وجواز إصلاح كل المال بإفساد بعضه ، وقد تقدم . وفي صحيح مسلم وجه الحكمة بخرق السفينة وذلك قوله : ( فإذا جاء الذي يسخرها وجدها منخرقة فتجاوزها ، فأصلحوها بخشبة . . . ) الحديث . وتحصل من هذا الحض على الصبر في الشدائد ، فكم في ضمن ذلك المكروه من الفوائد ، وهذا معنى قوله : وعسى أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم. ❝ ⏤محمد بن صالح العثيمين
❞ أَمَّا السَّفِينَةُ فَكَانَتْ لِمَسَاكِينَ يَعْمَلُونَ فِي الْبَحْرِ فَأَرَدتُّ أَنْ أَعِيبَهَا وَكَانَ وَرَاءَهُم مَّلِكٌ يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ غَصْبًا (79) قوله تعالى : أما السفينة فكانت لمساكين يعملون في البحر استدل بهذا من قال : إن المسكين أحسن حالا من الفقير ، وقد مضى هذا المعنى مستوفى من سورة " براءة " . وقد قيل : إنهم كانوا تجارا ولكن من حيث هم مسافرون عن قلة في لجة بحر ، وبحال ضعف عن مدافعة خطب عبر عنهم بمساكين ; إذ هم في حالة يشفق عليهم بسببها ، وهذا كما تقول لرجل غني وقع في وهلة أو خطب : مسكين . وقال كعب وغيره : كانت لعشرة إخوة من المساكين ورثوها من أبيهم خمسة زمنى ، وخمسة يعملون في البحر . وقيل : كانوا سبعة لكل واحد منهم زمانة ليست بالآخر . وقد ذكر النقاش أسماءهم ; فأما العمال منهم فأحدهم كان مجذوما ; والثاني أعور ، والثالث أعرج ، والرابع آدر ، والخامس محموما لا تنقطع عنه الحمى الدهر كله وهو أصغرهم ; والخمسة الذين لا يطيقون العمل : أعمى وأصم وأخرس ومقعد ومجنون ، وكان البحر الذي يعملون فيه ما بين فارس والروم ; ذكره الثعلبي . وقرأت فرقة : " لمساكين " بتشديد السين ، واختلف في ذلك فقيل : هم ملاحو السفينة ، وذلك أن المساك هو الذي يمسك رجل السفينة ، وكل الخدمة تصلح لإمساكه فسمي الجميع مساكين . وقالت فرقة : أراد بالمساكين دبغة المسوك وهي الجلود واحدها مسك . والأظهر قراءة مساكين بالتخفيف جمع مسكين ، وأن معناها : إن السفينة لقوم ضعفاء ينبغي أن يشفق عليهم . والله أعلم . قوله تعالى : فأردت أن أعيبها أي أجعلها ذات عيب ، يقال : عبت الشيء فعاب إذا صار ذا عيب ، فهو معيب وعائب . وقوله : وكان وراءهم ملك يأخذ كل سفينة غصبا قرأ ابن عباس وابن جبير ( صحيحة ) وقرأ أيضا ابن عباس وعثمان بن عفان ( صالحة ) . و ( وراء ) أصلها بمعنى خلف ; فقال بعض المفسرين : إنه كان خلفه وكان رجوعهم عليه . والأكثر على أن معنى ( وراء ) هنا أمام ; يعضده قراءة ابن عباس وابن جبير " وكان أمامهم ملك يأخذ كل سفينة صحيحة غصبا " . قال ابن عطية : وراءهم هو عندي على بابه ; وذلك أن هذه الألفاظ إنما تجيء مراعى بها الزمان وذلك أن الحدث المقدم الموجود هو الأمام ، والذي يأتي بعده هو الوراء وهو ما خلف ، وذلك بخلاف ما يظهر بادي الرأي ، وتأمل هذه الألفاظ في مواضعها حيث وردت تجدها تطرد ، فهذه الآية معناها : إن هؤلاء وعملهم وسعيهم يأتي بعده في الزمان غصب هذا الملك ; ومن قرأ " أمامهم " أراد في المكان ، أي كأنهم يسيرون إلى بلد ، وقوله - عليه الصلاة والسلام - : الصلاة أمامك يريد في المكان ، وإلا فكونهم في ذلك الوقت كان أمام الصلاة في الزمان ; وتأمل هذه المقالة فإنها مريحة من شغب هذه الألفاظ ; ووقع لقتادة في كتاب الطبري وكان وراءهم ملك قال قتادة : أمامهم ألا تراه يقول : من ورائهم جهنم وهي بين أيديهم ; وهذا القول غير مستقيم ، وهذه هي العجمة التي كان الحسن بن أبي الحسن يضج منها ; قاله الزجاج . قلت : وما اختاره هذا الإمام قد سبقه إليه في ذلك ابن عرفة ; قال الهروي قال ابن عرفة : يقول القائل كيف قال " من ورائه " وهي أمامه ؟ فزعم أبو عبيد وأبو علي قطرب أن هذا من الأضداد ، وأن وراء في معنى قدام ، وهذا غير محصل ; لأن أمام ضد وراء ، وإنما يصلح هذا في الأوقات ، كقولك للرجل إذا وعد وعدا في رجب لرمضان ثم قال : ومن ورائك شعبان لجاز وإن كان أمامه ، لأنه يخلفه إلى وقت وعده ; وأشار إلى هذا القول أيضا القشيري وقال : إنما يقال هذا في الأوقات ، ولا يقال للرجل أمامك إنه وراءك ; قال الفراء : وجوزه غيره ; والقوم ما كانوا عالمين بخبر الملك ، فأخبر الله - تعالى - الخضر حتى عيب السفينة ; وذكره الزجاج . وقال الماوردي : اختلف أهل العربية في استعمال وراء موضع أمام على ثلاثة أقوال : [ أحدها ] يجوز استعمالها بكل حال وفي كل مكان وهو من الأضداد قال الله - تعالى - : ومن ورائهم جهنم أي من أمامهم : وقال الشاعر : أترجو بنو مروان سمعي وطاعتي وقومي تميم والفلاة ورائيا يعني أمامي . [ والثاني ] أن وراء تستعمل في موضع أمام في المواقيت والأزمان لأن الإنسان يجوزها فتصير وراءه ولا يجوز في غيرها . [ الثالث ] أنه يجوز في الأجسام التي لا وجه لها كحجرين متقابلين كل واحد منهما وراء الآخر ولا يجوز في غيرهما ; وهذا قول علي بن عيسى . واختلف في اسم هذا الملك فقيل : هدد بن بدد . وقيل : الجلندي ; وقاله السهيلي . وذكر البخاري اسم الملك الآخذ لكل سفينة غصبا فقال : هو ( هدد بن بدد والغلام المقتول ) اسمه حيسور ، وهكذا قيدناه في الجامع من رواية يزيد المروزي ، وفي غير هذه الرواية حيسور بالحاء وعندي في حاشية الكتاب رواية ثالثة : وهي حيسون وكان يأخذ كل سفينة جيدة غصبا فلذلك عابها الخضر وخرقها ; ففي هذا من الفقه العمل بالمصالح إذا تحقق وجهها ، وجواز إصلاح كل المال بإفساد بعضه ، وقد تقدم . وفي صحيح مسلم وجه الحكمة بخرق السفينة وذلك قوله : ( فإذا جاء الذي يسخرها وجدها منخرقة فتجاوزها ، فأصلحوها بخشبة . . . ) الحديث . وتحصل من هذا الحض على الصبر في الشدائد ، فكم في ضمن ذلك المكروه من الفوائد ، وهذا معنى قوله : وعسى أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم . ❝