❞ ﴿4 رمضان - الحديث السابع﴾
عن جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ رضي الله عنه قال: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ يَقُولُ: «لا تمس النار مسلما رآني أو رأى من رآني» قال طلحة: فقد رأيت جابر بن عبد الله، وقال موسى: وقد رأيت طلحة قال يحيى: وقال لي موسى: وقد رأيتني ونحن نرجو الله .
********** الشرح **********
جاء في تحفة الأحوذي: قوله: \"لا تمس النار مسلما رآني، أو رأى من رآني\" قال الشيخ عبد الحق الدهلوي في ترجمة المشكاة ما معربه: خصص هذا الحديث هذه البشارة بالصحابة والتابعين اتفاقا منهم .
وأقول: أنَّ هذا الكلام هو لأتباع التابعين فهذه البشارة لهم خاصَّة، وبه قال موسى بن إبراهيم بن كثير الأنصاري وهو من أوساط أتباع التابعين ولم يرى الصحابة، ليحيى بن حبيب بن عربي البصري وهو من كبار الآخذين عن تبع الأتباع ممن لم يلق التابعين، قال له: (وقد رأيتني) بصيغة الخطاب (ونحن نرجو الله) أي: أن يدخلنا في هذه البشارة.
فموسى بن إبراهيم من أتباع التابعين وقد رأى طلحة بن خراش، وهو من التابعين، وكان يرجو أن يكون من جملة البشارة، والظاهر وكما قلنا أنَّ هذه البشارة خاصة بأتباع التابعين
وكان الكلام في أتباع التابعين خاصَّة لتوكيد فضلهم، وهذا لا يعني أنَّ التابعين والصحابة خارجون من هذه البشارة، بل هم من باب أولى، فذكرُ الأدنى يغنى عن ذكر الأولى، والحديث ضعَّفه جماعة، وحتى إن كان ضعيفا، فإنَّ الخبر تشهد له أحاديث الباب والآيات القرآنية، ولكنَّ هذا الفضل لا يكون إلا بشرطين، وهما:
1 – الإيمان.
2 – والاقتداء.
فإن فقد شرط منهما فلا بشارة، فممن رأى رسول الله ﷺ أو رأى من رآه وهو كافر أو منافق أو شاك في أمره.
ومنهم من رآه وآمن به ولكنَّه لم يقتدي به في شيء، فهذا عمله مردود، وفضل عصره لن يغني عنه شيأ.
وفي الحديث: دلالة على فضل أتباع التابعين ومن فوقهم.. ❝ ⏤الدُّكتُور: عِصَامُ الدِّينِ إِبْرَاهِيمَ النُّقَيْلِي
❞﴿4 رمضان - الحديث السابع﴾ عن جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ رضي الله عنه قال: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ يَقُولُ: «لا تمس النار مسلما رآني أو رأى من رآني» قال طلحة: فقد رأيت جابر بن عبد الله، وقال موسى: وقد رأيت طلحة قال يحيى: وقال لي موسى: وقد رأيتني ونحن نرجو الله .
********** الشرح **********
جاء في تحفة الأحوذي: قوله: ˝لا تمس النار مسلما رآني، أو رأى من رآني˝ قال الشيخ عبد الحق الدهلوي في ترجمة المشكاة ما معربه: خصص هذا الحديث هذه البشارة بالصحابة والتابعين اتفاقا منهم .
وأقول: أنَّ هذا الكلام هو لأتباع التابعين فهذه البشارة لهم خاصَّة، وبه قال موسى بن إبراهيم بن كثير الأنصاري وهو من أوساط أتباع التابعين ولم يرى الصحابة، ليحيى بن حبيب بن عربي البصري وهو من كبار الآخذين عن تبع الأتباع ممن لم يلق التابعين، قال له: (وقد رأيتني) بصيغة الخطاب (ونحن نرجو الله) أي: أن يدخلنا في هذه البشارة.
فموسى بن إبراهيم من أتباع التابعين وقد رأى طلحة بن خراش، وهو من التابعين، وكان يرجو أن يكون من جملة البشارة، والظاهر وكما قلنا أنَّ هذه البشارة خاصة بأتباع التابعين
وكان الكلام في أتباع التابعين خاصَّة لتوكيد فضلهم، وهذا لا يعني أنَّ التابعين والصحابة خارجون من هذه البشارة، بل هم من باب أولى، فذكرُ الأدنى يغنى عن ذكر الأولى، والحديث ضعَّفه جماعة، وحتى إن كان ضعيفا، فإنَّ الخبر تشهد له أحاديث الباب والآيات القرآنية، ولكنَّ هذا الفضل لا يكون إلا بشرطين، وهما:
1 – الإيمان.
2 – والاقتداء.
فإن فقد شرط منهما فلا بشارة، فممن رأى رسول الله ﷺ أو رأى من رآه وهو كافر أو منافق أو شاك في أمره.
ومنهم من رآه وآمن به ولكنَّه لم يقتدي به في شيء، فهذا عمله مردود، وفضل عصره لن يغني عنه شيأ.
وفي الحديث: دلالة على فضل أتباع التابعين ومن فوقهم. ❝
❞ {1 رمضان - الحديث الأوَّل}
عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله ﷺ: خيرُكم قرني ثم الذينَ يلونَهم ثمَّ الَّذينَ يلونهمْ، ثمَّ يخلفُ قومٌ تسبقُ شهاداتُهم أيمانَهم وأيمانُهم شهاداتَهم .
وفي رواية: خَيْرُ النَّاسِ قَرْنِي، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ، ثُمَّ يَجِيءُ مِن بَعْدِهِمْ قَوْمٌ تَسْبِقُ شَهادَتُهُمْ أيْمانَهُمْ، وأَيْمانُهُمْ شَهادَتَهُمْ .
********** الشرح **********
فقد فاضَلَ النَّبيُّ ﷺ بين المُسلِمين على أساسِ قُوَّةِ التدَيُّنِ وقوَّةِ الإيمانِ، كما فاضَلَ في أحاديثَ مُتعَدِّدةٍ بين أصحابِه رَضِيَ اللهُ عنهم وغيرِهم، وفي هذا الحديثُ بَيانٌ جَلِيٌّ لفَضلِ الصَّحابةِ رضِيَ اللهُ عنهم وفَضْلِ التَّابعين وتابِعيهم، وفيه يقولُ عبْدُ اللهِ بنُ مَسْعودٍ رضِيَ اللهُ عنه: «سُئِلَ النَّبيُّ ﷺ: أَيُّ النَّاسِ خيرٌ» مِن غَيْرِهمْ أو أفضلُ مِنهمْ؟ فقالَ النَّبيُّ ﷺ مُوضِّحًا أنَّ أفْضَلَ النَّاسِ هُم أهلُ زَمانِه ومَن عاصَرَ النُّبوَّةَ، وهمُ الصَّحابةُ رضِيَ اللهُ عنهم، والمرادُ بالقَرْنِ: أهلُ زَمانٍ واحدٍ، ثُمَّ القَرْنُ الذي يكونُ بعْدَ الصَّحابة، وهم التَّابِعون، ثُمَّ القَرْنُ الذي يَلي التَّابعين، وهمْ أتباعُ التَّابعين؛ فالصَّحابةُ همْ أفضلُ المسلمينَ؛ لأنَّهم عاصَروا النَّبيَّ ﷺ فقد وضَّح لهمْ أُمورَ الدِّينِ وأخَذُوه عنه مُباشرةً، فهمْ أفضلُ النَّاسِ عِلمًا بسُنَّةِ النَّبيِّ ﷺ ومَقاصدِ التَّشْريعِ، وعلى أَيديهمْ تمَّ نَشْرُ الدِّينِ في الفُتوحاتِ والغَزواتِ، ثمَّ أخَذَ التَّابِعونَ العِلمَ مِنهمْ وتابَعوا مَسيرةَ الجِهادِ، وهكذا كان أتباع التابعين على عهدهم، إلى أنْ تباعدَ الزَّمانُ عنْ زَمانِ النُّبوَّةِ، فابتعدوا عن الهَدْي والسُّنَّةِ وصَحيحِ الدِّينِ شَيئًا فَشيئًا.
ثم يَأتي زَمانٌ وهو الجيل الرابع ومن بعدهم يَتهَاونُ فيه النَّاسُ في أمرِ الدِّينِ بعْدَ أنْ كانوا يَخافونَ مِن الشُّبُهاتِ، فتسبقُ شهادةُ أحدِهمْ يمينَه، ويَسبِقُ يمينُه شَهادتَه، وهذا كِنايةٌ عن كَثرةِ شَهادةِ الزُّورِ واليمينِ، فيَشْهَدونَ دُونَ أنْ تُطلَبَ منهمُ الشَّهادةُ؛ استِهْتارًا وليسَ منْ بابِ الحِرصِ على إيصالِ الحقوقِ لأصحابِها، وكذلكَ يُقسِمونَ بالأَيْمانِ مِثل الشَّهادةِ دونَ أنْ يُطلَبَ منهم الأَيْمانُ.
ولكن يجب على الباحث أن يعلم أنَّ من بعد القرون الذهبية ليسوا سواء في الفضل فالجيل الرابع أحسن من الجيل الخامس والخامس أحسن من السادس وهكذا، وهذا لحديث الزبير بن عدي وفيه: أَتَيْنَا أنَسَ بنَ مَالِكٍ، فَشَكَوْنَا إلَيْهِ ما نَلْقَى مِنَ الحَجَّاجِ، فَقالَ: اصْبِرُوا؛ فإنَّه لا يَأْتي علَيْكُم زَمَانٌ إلَّا الذي بَعْدَهُ شَرٌّ منه، حتَّى تَلْقَوْا رَبَّكُمْ. سَمِعْتُهُ مِن نَبِيِّكُمْ ﷺ
وحديث الباب يبدو مخالِفًا في الظَّاهِرِ للحديثِ الآخَرِ عند ابنِ ماجَهْ: «خَيْرُ الشُّهُودِ مَنْ أدَّى شهادَتَهُ قَبْلَ أنْ يُسأَلَها»، والجَمعُ بينهما إمَّا بأن يُحمَلَ الذَّمُّ على من بادر بالشَّهادةِ في حَقِّ من هو عالمٌ بها قبل أن يسألها صاحِبُها، ويكونُ المدحُ لمن كانت عنده شهادةٌ لأحَدٍ لا يَعلَمُ بها، فيُخبِرُه ليستشهِدَ به عند القاضي، أو يُحمَلَ الذَّمُّ على الشَّهادة الباطلة التي هي شهادة الزور.
أمَّا المبادرةُ إلى الشَّهادةِ الصَّحيحةِ مِن أجْلِ إظهارِ الحَقِّ، وإعانةِ المظلومِ، ودَفْعِ الظُّلمِ عنه، فإنها عمَلٌ صالحٌ يُؤجَرُ ويثابُ عليه صاحِبُه، والأحاديثُ يُفَسِّرُ بَعْضُها بعضًا.
وذَكَر إبراهيمُ النَّخعيُّ -راوي الحديثِ-: وكان أصحابُنا ينهَونَنا -وفي روايةٍ للبُخاري: «يَضرِبونَنا»- وهم صِغارٌ أن نحلِفَ بالشَّهادةِ والعَهدِ، يريد: أُشهِدُ اللهَ، وعلى عَهدِ اللهِ؛ لأنهما يمينانِ مُغَلَّظانِ، وهذا مما لا يستوجِبُ في حَقِّهما أن يكونا عُرضةً وعادةً للحالِفِ، ووجهُ النَّهيِ عنهما كما ذُكِرَ أن قَولَه: أشهَدُ باللهِ، يقتضي معنى العِلمِ بالقَطْعِ، وعَهدُ اللهِ لا يقدِرُ أحَدٌ على التزامِه بما يجِبُ فيه.
وعلى العموم فَذَيْلُ الحديث ليس مراد كتابنا هذا، فمرادنا بيان فضل العصور الثلاثة، وأنَّ الراوي منهم بجماعة ممن بعده.
وفي الحَديثِ: إشارةٌ إلى لُزومِ اتِّباعِ سَبيلِ القُرونِ الثَّلاثةِ الأُولى؛ فإنَّ مَن قَرُبَ زَمنُه مِن زَمنِ النُّبوَّةِ فهو أَوْلَى بالفضْلِ والعِلمِ والتَّأسِّي والاقتداءِ بهَدْيِ النَّبيِّ ﷺ.
وفيه: أنَّ عدد من بعد العصري الذهبي ولو كثُر، لا يجعلهم يرتقون إلى مرتبة أصحاب العصور الذهبيَّة.
وفيه: أنَّ فضل العصور الثلاثة لا يبلغه أحد، فهم معدَّول بتعديل رسول الله ﷺ، فهم على العدالة الأصلية حتَّى تأتي قرينة صريحة بينة واضحة لا وهمية ولا ظنية، تخرجهم من عدالتهم الأصلية إلى غير ذلك، وبه فالعدل من التابعين أو أتباعهم، هو بجماعة ممن هم بعدهم، ول علا شأنهم.
وفيه: ذَمُّ التَّساهُل في أُمورِ الشَّهاداتِ والأَيْمانِ.. ❝ ⏤الدُّكتُور: عِصَامُ الدِّينِ إِبْرَاهِيمَ النُّقَيْلِي
❞﴿1 رمضان - الحديث الأوَّل﴾ عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله ﷺ: خيرُكم قرني ثم الذينَ يلونَهم ثمَّ الَّذينَ يلونهمْ، ثمَّ يخلفُ قومٌ تسبقُ شهاداتُهم أيمانَهم وأيمانُهم شهاداتَهم .
وفي رواية: خَيْرُ النَّاسِ قَرْنِي، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ، ثُمَّ يَجِيءُ مِن بَعْدِهِمْ قَوْمٌ تَسْبِقُ شَهادَتُهُمْ أيْمانَهُمْ، وأَيْمانُهُمْ شَهادَتَهُمْ .
********** الشرح **********
فقد فاضَلَ النَّبيُّ ﷺ بين المُسلِمين على أساسِ قُوَّةِ التدَيُّنِ وقوَّةِ الإيمانِ، كما فاضَلَ في أحاديثَ مُتعَدِّدةٍ بين أصحابِه رَضِيَ اللهُ عنهم وغيرِهم، وفي هذا الحديثُ بَيانٌ جَلِيٌّ لفَضلِ الصَّحابةِ رضِيَ اللهُ عنهم وفَضْلِ التَّابعين وتابِعيهم، وفيه يقولُ عبْدُ اللهِ بنُ مَسْعودٍ رضِيَ اللهُ عنه: «سُئِلَ النَّبيُّ ﷺ: أَيُّ النَّاسِ خيرٌ» مِن غَيْرِهمْ أو أفضلُ مِنهمْ؟ فقالَ النَّبيُّ ﷺ مُوضِّحًا أنَّ أفْضَلَ النَّاسِ هُم أهلُ زَمانِه ومَن عاصَرَ النُّبوَّةَ، وهمُ الصَّحابةُ رضِيَ اللهُ عنهم، والمرادُ بالقَرْنِ: أهلُ زَمانٍ واحدٍ، ثُمَّ القَرْنُ الذي يكونُ بعْدَ الصَّحابة، وهم التَّابِعون، ثُمَّ القَرْنُ الذي يَلي التَّابعين، وهمْ أتباعُ التَّابعين؛ فالصَّحابةُ همْ أفضلُ المسلمينَ؛ لأنَّهم عاصَروا النَّبيَّ ﷺ فقد وضَّح لهمْ أُمورَ الدِّينِ وأخَذُوه عنه مُباشرةً، فهمْ أفضلُ النَّاسِ عِلمًا بسُنَّةِ النَّبيِّ ﷺ ومَقاصدِ التَّشْريعِ، وعلى أَيديهمْ تمَّ نَشْرُ الدِّينِ في الفُتوحاتِ والغَزواتِ، ثمَّ أخَذَ التَّابِعونَ العِلمَ مِنهمْ وتابَعوا مَسيرةَ الجِهادِ، وهكذا كان أتباع التابعين على عهدهم، إلى أنْ تباعدَ الزَّمانُ عنْ زَمانِ النُّبوَّةِ، فابتعدوا عن الهَدْي والسُّنَّةِ وصَحيحِ الدِّينِ شَيئًا فَشيئًا.
ثم يَأتي زَمانٌ وهو الجيل الرابع ومن بعدهم يَتهَاونُ فيه النَّاسُ في أمرِ الدِّينِ بعْدَ أنْ كانوا يَخافونَ مِن الشُّبُهاتِ، فتسبقُ شهادةُ أحدِهمْ يمينَه، ويَسبِقُ يمينُه شَهادتَه، وهذا كِنايةٌ عن كَثرةِ شَهادةِ الزُّورِ واليمينِ، فيَشْهَدونَ دُونَ أنْ تُطلَبَ منهمُ الشَّهادةُ؛ استِهْتارًا وليسَ منْ بابِ الحِرصِ على إيصالِ الحقوقِ لأصحابِها، وكذلكَ يُقسِمونَ بالأَيْمانِ مِثل الشَّهادةِ دونَ أنْ يُطلَبَ منهم الأَيْمانُ.
ولكن يجب على الباحث أن يعلم أنَّ من بعد القرون الذهبية ليسوا سواء في الفضل فالجيل الرابع أحسن من الجيل الخامس والخامس أحسن من السادس وهكذا، وهذا لحديث الزبير بن عدي وفيه: أَتَيْنَا أنَسَ بنَ مَالِكٍ، فَشَكَوْنَا إلَيْهِ ما نَلْقَى مِنَ الحَجَّاجِ، فَقالَ: اصْبِرُوا؛ فإنَّه لا يَأْتي علَيْكُم زَمَانٌ إلَّا الذي بَعْدَهُ شَرٌّ منه، حتَّى تَلْقَوْا رَبَّكُمْ. سَمِعْتُهُ مِن نَبِيِّكُمْ ﷺ
وحديث الباب يبدو مخالِفًا في الظَّاهِرِ للحديثِ الآخَرِ عند ابنِ ماجَهْ: «خَيْرُ الشُّهُودِ مَنْ أدَّى شهادَتَهُ قَبْلَ أنْ يُسأَلَها»، والجَمعُ بينهما إمَّا بأن يُحمَلَ الذَّمُّ على من بادر بالشَّهادةِ في حَقِّ من هو عالمٌ بها قبل أن يسألها صاحِبُها، ويكونُ المدحُ لمن كانت عنده شهادةٌ لأحَدٍ لا يَعلَمُ بها، فيُخبِرُه ليستشهِدَ به عند القاضي، أو يُحمَلَ الذَّمُّ على الشَّهادة الباطلة التي هي شهادة الزور.
أمَّا المبادرةُ إلى الشَّهادةِ الصَّحيحةِ مِن أجْلِ إظهارِ الحَقِّ، وإعانةِ المظلومِ، ودَفْعِ الظُّلمِ عنه، فإنها عمَلٌ صالحٌ يُؤجَرُ ويثابُ عليه صاحِبُه، والأحاديثُ يُفَسِّرُ بَعْضُها بعضًا.
وذَكَر إبراهيمُ النَّخعيُّ -راوي الحديثِ-: وكان أصحابُنا ينهَونَنا -وفي روايةٍ للبُخاري: «يَضرِبونَنا»- وهم صِغارٌ أن نحلِفَ بالشَّهادةِ والعَهدِ، يريد: أُشهِدُ اللهَ، وعلى عَهدِ اللهِ؛ لأنهما يمينانِ مُغَلَّظانِ، وهذا مما لا يستوجِبُ في حَقِّهما أن يكونا عُرضةً وعادةً للحالِفِ، ووجهُ النَّهيِ عنهما كما ذُكِرَ أن قَولَه: أشهَدُ باللهِ، يقتضي معنى العِلمِ بالقَطْعِ، وعَهدُ اللهِ لا يقدِرُ أحَدٌ على التزامِه بما يجِبُ فيه.
وعلى العموم فَذَيْلُ الحديث ليس مراد كتابنا هذا، فمرادنا بيان فضل العصور الثلاثة، وأنَّ الراوي منهم بجماعة ممن بعده.
وفي الحَديثِ: إشارةٌ إلى لُزومِ اتِّباعِ سَبيلِ القُرونِ الثَّلاثةِ الأُولى؛ فإنَّ مَن قَرُبَ زَمنُه مِن زَمنِ النُّبوَّةِ فهو أَوْلَى بالفضْلِ والعِلمِ والتَّأسِّي والاقتداءِ بهَدْيِ النَّبيِّ ﷺ.
وفيه: أنَّ عدد من بعد العصري الذهبي ولو كثُر، لا يجعلهم يرتقون إلى مرتبة أصحاب العصور الذهبيَّة.
وفيه: أنَّ فضل العصور الثلاثة لا يبلغه أحد، فهم معدَّول بتعديل رسول الله ﷺ، فهم على العدالة الأصلية حتَّى تأتي قرينة صريحة بينة واضحة لا وهمية ولا ظنية، تخرجهم من عدالتهم الأصلية إلى غير ذلك، وبه فالعدل من التابعين أو أتباعهم، هو بجماعة ممن هم بعدهم، ول علا شأنهم.
وفيه: ذَمُّ التَّساهُل في أُمورِ الشَّهاداتِ والأَيْمانِ. ❝