❞ و بقدر ما تمتد حياتك يوما بعد يوم.. بقدر ما تتمزق عن وجهك الأقنعة.. و يظهر و يفتضح أمرك و ينتهك سرك.
و الله يعلم حقيقتك و سرك من البداية.. و لكنك أنت لا تعلم و لا تريد أن تعلم.. لأنك مدع.. و كل منا مدع..
كل منا يتصور أنه رجل طيب و أنه مستحق لكل خير، حتى الجبارون الذين شنقوا و سجنوا، و عذبوا شعوبهم تصوروا أنهم مصلحون.
كل منا جاء إلى الحياة و معه دعوى عريضة مزعومة بأنه رجل صالح و طيب.
و لهذا اقتضى عدل الله أن يطلعنا على حقائقنا، حتى لا تقوم أعذار حينما يبدأ تصنيف الناس في الآخرة حسب درجاتهم.. و حتى يكون التصنيف على حسب الحقائق، و ليس على حسب المزاعم و الدعاوى.
و لهذا خلق الله الدنيا.
خلقها لتنكشف الحقائق على ما هي عليه.. و يعرف كل واحد نفسه و يعرف مقدار خيره و شره.. ثم ليعرف الأبرار خالقهم و ربهم، و ليذوقوا رحمته قبل لقائه.
ثم خلق الآخرة لتنكشف فيها حقائق الربوبية، و عالم الملكوت و الجبروت و الغيب.
و الله لا يخلق أي شيء إلا بالحق و للحق، لأنه سبحانه هو الحق.
(( وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا إِلاَّ بِالْحَقِّ (85) )) [ الحجر ]
(( وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا لَاعِبِينَ (38) )) [ الدخان ]
(( مَا خَلَقْنَاهُمَا إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ (39) )) [ الدخان ]
(( مَا خَلَقَ اللّهُ ذَلِكَ إِلاَّ بِالْحَقِّ (5) )) [ يونس ]
(( خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ بِالْحَقِّ تَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ (3) )) [ النحل ]
(( مَا خَلَقَ اللَّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا إِلَّا بِالْحَقِّ وَأَجَلٍ مُّسَمًّى (8) )) [ الروم ]
(( وَخَلَقَ اللَّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ وَلِتُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ (22) )) [ الجاثية ]
(( خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ (3) )) [ التغابن ]
(( الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا (2) )) [ الملك ]
(( رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ (191) )) [ آل عمران ]
(( أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ (115) )) [ المؤمنون ]
لا عبثية و لا عبث...
و ما نرى حولنا من تداول الأحوال على الناس من فقر إلى غنى، إلى مرض إلى عز إلى ذل، إلى حوادث مفاجئة إلى مصائب إلى كوارث إلى نجاح إلى فشل، ليست أمورا عبثية و لا مصادفات عشوائية، إما هي ملابسات محكمة من تدبير المدبر الحكيم الذي يريد أن يفض مكنون النفوس و يخرج مكتومها.
(( وَاللّهُ مُخْرِجٌ مَّا كُنتُمْ تَكْتُمُونَ (72) )) [ البقرة ]
إننا جميعا شجعان حتى يدعو داعي الحرب، فيبدي كل واحد عذرا و يختلق كل واحد ظروفا تمنعه و لا يثبت ساعة الضرب إلا القليل.
و لولا محنة القتال ما انكشفت النفوس على حقيقتها، و نحن جميعا كرماء حتى يدعو داعي البذل، فتنكمش الأيدي التي كانت ممدودة بدعوى السخاء، و لا تنبسط بالكرم إلا أكف معدودة.
و كما قال المتنبي:
لولا المشقة ساد الناس كلهم
الجود يفقر و الإقدام قتّال
فالمشقة هي التي كشفت النفوس و فضحت دعاويها، و من هنا جاءت ضرورتها.
و ما كنا لنعرف صلابة الصلب لولا اختباره.
و لهذا خلق الله الدنيا ليعرف الضعيف ضعفه، و ليعرف القوي قوته، و لتفتضح الدعاوى الكاذبة، و يتم العدل باقتناع كل نفس باستحقاقها، و بعدالة مصيرها النهائي في أعلى عليين أو أسفل سافلين.
خلق الله الدنيا ليحق الحق و يبطل الباطل.
و يصدق أيضا الكلام الذي يقول.. إن الله خلقنا ليعطينا.. فهو كلام يؤدي بنا إلى نفس المعنى.
فهل يصح عطاء إلا بمعرفة الاستحقاقات أولا ليكون العطاء حقا.
إن معرفتنا لأنفسنا أيضا مطلوبة، لتكون قناعة كل واحد بعطائه قناعة حقيقية.. و لينتفي الإعتراض.
فمعرفة النفوس لحقائقها.. و معرفة الإنسان لخالقه.. هي الحكمة من خلق الدنيا.
(( خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا (2) )) [ الملك ]
و ما كانت هذه المعرفة لتتم إلا بالدم و الدموع، لأن النفوس ما كانت لتبوح بأسرارها و حقائقها إلا بالدم و الدموع.
و لأن كلا منا يخفي حقيقته وراء أقنعة غليظة من الشعارات و الأكاذيب، و يسدل على وجهه حجابا من الافتعال و التمثيل و بسمات النفاق و الملاطفة و المجاملة.
فكان لابد من حادث عنيف ليخترق هذه الحجب.
و الدنيا كانت ذلك الحادث.
لقد أخرجنا الله من العدم و كان كل منا حقيقة مكنونة، و أعطى كلا منا اليد و القدم ليضر و ينفع.
فأما الذين تحروا النفع و البر و الخير فهم أهله.. و مأواهم إلى ظله يوم لا ظل إلا ظله.
و أما أهل الضرر و الأذى و الظلم فهم المبعدون عنه و عن رحمته.. و البعد عن الله نار.. لأن كل ما سوى الله نار..
و علامة أهل الله هي عرفانهم لربهم من قبل لقائه.. أن يعرفوه في هذه الدنيا.. و أن يشهدوا الدنيا دالة عليه.
و كلام القرآن بأن الله خلقنا لنعبده هو كلام يشتمل على كل هذه المعاني السالفة في باطنه.
و حينما تقول الآيات.
(( وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ (56) )) [ الذاريات ]
فإنها تعني بداهة.
( و ما خلقت الجن و الإنس إلا ليعرفون ).
لأنه لا عبادة بلا معرفة.
و المعنى أنه خلقنا لنعرفه، فإذا عرفناه عبدناه.. و إذا عبدناه تفاضلت عباداتنا، و تفاضل إيماننا و إنكارنا، و تفاضلت منازلنا.. و بالتالي تفاضلت استحقاقاتنا حسب ما نتعرض له من امتحانات في الدنيا.. و بالتالي تفاضل العطاء من المعطي.
و عطاء الله مبذول للكل.
(( كُلاًّ نُّمِدُّ هَؤُلاء وَهَؤُلاء مِنْ عَطَاء رَبِّكَ وَمَا كَانَ عَطَاء رَبِّكَ مَحْظُورًا (20) )) [ الإسراء ]
فالله خلق ليعطي.. و كلنا مستحقون للعطاء بحكم رتبة العبودية، و كل هذه المعاني باطنة في كلمة (( ليعبدون )).
(( وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ (56) )) [ الذاريات ]
أما الذي يقول: إن الله خلقنا لأنه خالق و لابد للخالق أن يخلق، فقد أوجب على الله أن يخلق هذا أو يخلق ذاك..
و لا حق لأحد أن يوجب على الله شيئا.
و لا يوجد قانون يوجب على الله شيئا.
لأنه لا توجد سلطة أو حكم خارج عن الله أصلا، و إنما الله يخلق ما يشاء.
و مشيئة الله لا تحدها قوانين.. لأنه سبحانه مصدر جميع القوانين.
و المشيئة مردودة إلى الله، و بالتالي ليست مسببة بحيث يمكن أن نسأل: و لماذا خلق الله هذا و لم يخلق ذاك؟
إن (( لماذا )) هنا لا مكان لها بتاتا و لا يصح أن توجه إليه سبحانه
(( لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ (23) )) [ الأنبياء ]
و كنه المراد لا يعلمه أحد.
و السؤال يقال بوجه إجمال.
و مجال التأمل هو في الحكمة العامة للخلق و للدنيا.
أما السؤال تفصيلا عن خلق هذا و خلق ذاك، فهو أمر غيبي.. و هو في العمى لا يعلمه أحد.
يقول الصوفي ابن عربي: إن الله خلق هذا و خلق ذاك لأنهما سألاه في العدم أن يرحمهما بإيجادهما فأوجدهما.. و أن الله لا يأتي بأحد إلى الدنيا كرها.. و إنما كل ما جاء إلى الدنيا بطلبه.
و هو كلام غيبي.
و هو كلام يستتبع أنه كان لنا وجود في العدم.. و أن العدم غير معدوم.
و هو كلام يجرنا مرة أخرى إلى المعضلة التي أثرتها في كتابي (( الوجود و العدم )).
و لمن يريد أن يغوص وراء الأسرار أكثر أن يعود إلى الكتاب.
و حسب المؤمن الذي يريد أن يقف عند بر الأمان، و لا يلقي بنفسه في وادي العماء.. أن يقول:
آمنت بكلمات الله على مراد الله.
و ما خفى عني فالله به أعلم.
د مصطفى محمود
من كتاب : القرآن كائن حي. ❝ ⏤مصطفى محمود
❞ و بقدر ما تمتد حياتك يوما بعد يوم. بقدر ما تتمزق عن وجهك الأقنعة. و يظهر و يفتضح أمرك و ينتهك سرك.
و الله يعلم حقيقتك و سرك من البداية. و لكنك أنت لا تعلم و لا تريد أن تعلم. لأنك مدع. و كل منا مدع.
كل منا يتصور أنه رجل طيب و أنه مستحق لكل خير، حتى الجبارون الذين شنقوا و سجنوا، و عذبوا شعوبهم تصوروا أنهم مصلحون.
كل منا جاء إلى الحياة و معه دعوى عريضة مزعومة بأنه رجل صالح و طيب.
و لهذا اقتضى عدل الله أن يطلعنا على حقائقنا، حتى لا تقوم أعذار حينما يبدأ تصنيف الناس في الآخرة حسب درجاتهم. و حتى يكون التصنيف على حسب الحقائق، و ليس على حسب المزاعم و الدعاوى.
و لهذا خلق الله الدنيا.
خلقها لتنكشف الحقائق على ما هي عليه. و يعرف كل واحد نفسه و يعرف مقدار خيره و شره. ثم ليعرف الأبرار خالقهم و ربهم، و ليذوقوا رحمته قبل لقائه.
ثم خلق الآخرة لتنكشف فيها حقائق الربوبية، و عالم الملكوت و الجبروت و الغيب.
و الله لا يخلق أي شيء إلا بالحق و للحق، لأنه سبحانه هو الحق.
و ما نرى حولنا من تداول الأحوال على الناس من فقر إلى غنى، إلى مرض إلى عز إلى ذل، إلى حوادث مفاجئة إلى مصائب إلى كوارث إلى نجاح إلى فشل، ليست أمورا عبثية و لا مصادفات عشوائية، إما هي ملابسات محكمة من تدبير المدبر الحكيم الذي يريد أن يفض مكنون النفوس و يخرج مكتومها.
(( وَاللّهُ مُخْرِجٌ مَّا كُنتُمْ تَكْتُمُونَ (72) )) [ البقرة ]
إننا جميعا شجعان حتى يدعو داعي الحرب، فيبدي كل واحد عذرا و يختلق كل واحد ظروفا تمنعه و لا يثبت ساعة الضرب إلا القليل.
و لولا محنة القتال ما انكشفت النفوس على حقيقتها، و نحن جميعا كرماء حتى يدعو داعي البذل، فتنكمش الأيدي التي كانت ممدودة بدعوى السخاء، و لا تنبسط بالكرم إلا أكف معدودة.
و كما قال المتنبي:
لولا المشقة ساد الناس كلهم
الجود يفقر و الإقدام قتّال
فالمشقة هي التي كشفت النفوس و فضحت دعاويها، و من هنا جاءت ضرورتها.
و ما كنا لنعرف صلابة الصلب لولا اختباره.
و لهذا خلق الله الدنيا ليعرف الضعيف ضعفه، و ليعرف القوي قوته، و لتفتضح الدعاوى الكاذبة، و يتم العدل باقتناع كل نفس باستحقاقها، و بعدالة مصيرها النهائي في أعلى عليين أو أسفل سافلين.
خلق الله الدنيا ليحق الحق و يبطل الباطل.
و يصدق أيضا الكلام الذي يقول. إن الله خلقنا ليعطينا. فهو كلام يؤدي بنا إلى نفس المعنى.
فهل يصح عطاء إلا بمعرفة الاستحقاقات أولا ليكون العطاء حقا.
إن معرفتنا لأنفسنا أيضا مطلوبة، لتكون قناعة كل واحد بعطائه قناعة حقيقية. و لينتفي الإعتراض.
فمعرفة النفوس لحقائقها. و معرفة الإنسان لخالقه. هي الحكمة من خلق الدنيا.
(( خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا (2) )) [ الملك ]
و ما كانت هذه المعرفة لتتم إلا بالدم و الدموع، لأن النفوس ما كانت لتبوح بأسرارها و حقائقها إلا بالدم و الدموع.
و لأن كلا منا يخفي حقيقته وراء أقنعة غليظة من الشعارات و الأكاذيب، و يسدل على وجهه حجابا من الافتعال و التمثيل و بسمات النفاق و الملاطفة و المجاملة.
فكان لابد من حادث عنيف ليخترق هذه الحجب.
و الدنيا كانت ذلك الحادث.
لقد أخرجنا الله من العدم و كان كل منا حقيقة مكنونة، و أعطى كلا منا اليد و القدم ليضر و ينفع.
فأما الذين تحروا النفع و البر و الخير فهم أهله. و مأواهم إلى ظله يوم لا ظل إلا ظله.
و أما أهل الضرر و الأذى و الظلم فهم المبعدون عنه و عن رحمته. و البعد عن الله نار. لأن كل ما سوى الله نار.
و علامة أهل الله هي عرفانهم لربهم من قبل لقائه. أن يعرفوه في هذه الدنيا. و أن يشهدوا الدنيا دالة عليه.
و كلام القرآن بأن الله خلقنا لنعبده هو كلام يشتمل على كل هذه المعاني السالفة في باطنه.
و حينما تقول الآيات.
(( وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ (56) )) [ الذاريات ]
فإنها تعني بداهة.
( و ما خلقت الجن و الإنس إلا ليعرفون ).
لأنه لا عبادة بلا معرفة.
و المعنى أنه خلقنا لنعرفه، فإذا عرفناه عبدناه. و إذا عبدناه تفاضلت عباداتنا، و تفاضل إيماننا و إنكارنا، و تفاضلت منازلنا. و بالتالي تفاضلت استحقاقاتنا حسب ما نتعرض له من امتحانات في الدنيا. و بالتالي تفاضل العطاء من المعطي.
و عطاء الله مبذول للكل.
(( كُلاًّ نُّمِدُّ هَؤُلاء وَهَؤُلاء مِنْ عَطَاء رَبِّكَ وَمَا كَانَ عَطَاء رَبِّكَ مَحْظُورًا (20) )) [ الإسراء ]
فالله خلق ليعطي. و كلنا مستحقون للعطاء بحكم رتبة العبودية، و كل هذه المعاني باطنة في كلمة (( ليعبدون )).
(( وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ (56) )) [ الذاريات ]
أما الذي يقول: إن الله خلقنا لأنه خالق و لابد للخالق أن يخلق، فقد أوجب على الله أن يخلق هذا أو يخلق ذاك.
و لا حق لأحد أن يوجب على الله شيئا.
و لا يوجد قانون يوجب على الله شيئا.
لأنه لا توجد سلطة أو حكم خارج عن الله أصلا، و إنما الله يخلق ما يشاء.
و مشيئة الله لا تحدها قوانين. لأنه سبحانه مصدر جميع القوانين.
و المشيئة مردودة إلى الله، و بالتالي ليست مسببة بحيث يمكن أن نسأل: و لماذا خلق الله هذا و لم يخلق ذاك؟
إن (( لماذا )) هنا لا مكان لها بتاتا و لا يصح أن توجه إليه سبحانه
(( لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ (23) )) [ الأنبياء ]
و كنه المراد لا يعلمه أحد.
و السؤال يقال بوجه إجمال.
و مجال التأمل هو في الحكمة العامة للخلق و للدنيا.
أما السؤال تفصيلا عن خلق هذا و خلق ذاك، فهو أمر غيبي. و هو في العمى لا يعلمه أحد.
يقول الصوفي ابن عربي: إن الله خلق هذا و خلق ذاك لأنهما سألاه في العدم أن يرحمهما بإيجادهما فأوجدهما. و أن الله لا يأتي بأحد إلى الدنيا كرها. و إنما كل ما جاء إلى الدنيا بطلبه.
و هو كلام غيبي.
و هو كلام يستتبع أنه كان لنا وجود في العدم. و أن العدم غير معدوم.
و هو كلام يجرنا مرة أخرى إلى المعضلة التي أثرتها في كتابي (( الوجود و العدم )).
و لمن يريد أن يغوص وراء الأسرار أكثر أن يعود إلى الكتاب.
و حسب المؤمن الذي يريد أن يقف عند بر الأمان، و لا يلقي بنفسه في وادي العماء. أن يقول:
آمنت بكلمات الله على مراد الله.
و ما خفى عني فالله به أعلم.
❞ اعتاد أستاذ جامعي بعد أن أُحيل إلى التقاعد
أن يدعو كل فترة دفعة من طلابه الخريجين
وبعد أن التقى الخريجون في منزل أستاذهم العجوز
بعد سنوات طويلة من مغادرة مقاعد الدراسة
وبعد أن حققوا نجاحات كبيرة في حياتهم العملية
ونالوا أرفع المناصب وحققوا الإستقرار المادي والإجتماعي
وبعد عبارات التحية والمجاملة
طفق كل منهم يتأفف من ضغوط العمل
والحياة التي تسبب لهم الكثير من التوتر
غاب الأستاذ عنهم قليلاً
ثم عاد يحمل ابريقاً كبيراً من القهوة
ومعه فناجين من كل شكل ولون :
فناجين صينية فاخرة
فناجين ميلامين
فناجين زجاجية عادية
فناجين بلاستيك
فناجين كريستال
بعض الأكواب كانت في منتهى الجمال
تصميماً ولوناً وبالتالي كانت باهظة الثمن
بينما كانت هناك أكواب من النوع الذي تجده في أفقر البيوت
قال الأستاذ لطلابه :
تفضلوا ، وليسكبْ كل واحد منكم لنفسه القهوة
وعندما بات كل واحد من الخريجين ممسكاً بكوب تكلم الأستاذ مجدداً :
هل لاحظتم أن الأكواب الجميلة فقط هي التي وقع عليها اختياركم ؟
وأنكم تجنّبتم الأكواب العادية ؟
من الطبيعي أن يتطلع الواحد منكم الى ما هو أفضل
وهذا بالضبط ما يسبب لكم القلق والتوتر
ما كنتم بحاجة إليه فعلاً هو القهوة وليس الكوب
ولكنكم تهافتم على الأكواب الجميلة الثمينة
وبعد ذلك لاحظت أن كل واحد منكم كان مراقباً للأكواب
التي في أيدي الآخرين
فلو كانت الحياة هي : القهوة
فإن الوظيفة والمال والمكانة الإجتماعية هي الأكواب
وهي بالتالي مجرد أدوات ومواعين تحوي الحياة
ونوعية الحياة (القهوة) تبقى نفسها لا تتغير
وعندما نركز فقط على الكوب فإننا نضيع فرصة الإستمتاع بالقهوة
وبالتالي أنصحكم بعدم الإهتمام بالأكواب والفناجين
وبدل ذلك أنصحكم :
استمتعوا بالقهوة
🌸#الدرس_الأول :
النظر إلى ما في أيدي الآخرين
يفسد علينا متعة الإستمتاع بما في أيدينا
إذا رأيتَ في يد شخص شيئاً أجمل مما في يدك
فلعلّه تعويض عن شيء حُرم منه
البيوت أسرار
والناس صناديق مُغلقة
🌸#الدرس_الثاني :
مشكلة الناس في هذا العصر أن معيار الحرمان عندهم هو المال
فمن كان له مال فهو ذو حظ عظيم
ومن ليس له مال فيستحق الشفقة
دعوني لا أكون مثاليا
المال عجلة الحياة
ولكنه ليس الحياة
صحيح أنه يتيح لك أن تعيش تعاستك برفاهية
ولكنه لا يكفي وحده ليجعلك تعيش
أجمل ما في الحياة هي تلك الأشياء التي ليس لها ثمن
ويقف المال أمامها فقيراً عاجزاً لا يستطيع شراءها
حنان امرأة تحبكَ
وحضن رجل يحبكِ
أصدقاء مخلصون
أولاد أذكياء وأصحاء
دعوة أم عند الصباح
رغيف من حلال
بيت من سِتر وحب
هذه الأشياء هي الحياة
والمال لا يستطيع شراءها
🌸#الدرس_الثالث :
إننا نهتم بالوسائل ونهمل الغايات
هكذا هم البشر هذا الزمن
يهتمون بالوسائد أكثر مما يهتمون بالنوم
يهتمون بالمستشفيات أكثر مما يهتمون بالصحة
يهتمون بالمدارس أكثر مما يهتمون بالتعليم
يهتمون برجال الدين أكثر مما يهتمون بالدين
يهتمون بوسائل الإتصال أكثر مما يهتمون بالتواصل
فلا تُفسدوا القهوة ..........
كتاب / حديث الصباح
للكاتب /ادهم شرقاوي🖋. ❝ ⏤أدهم شرقاوي
❞ اعتاد أستاذ جامعي بعد أن أُحيل إلى التقاعد
أن يدعو كل فترة دفعة من طلابه الخريجين
وبعد أن التقى الخريجون في منزل أستاذهم العجوز
بعد سنوات طويلة من مغادرة مقاعد الدراسة
وبعد أن حققوا نجاحات كبيرة في حياتهم العملية
ونالوا أرفع المناصب وحققوا الإستقرار المادي والإجتماعي
وبعد عبارات التحية والمجاملة
طفق كل منهم يتأفف من ضغوط العمل
والحياة التي تسبب لهم الكثير من التوتر
غاب الأستاذ عنهم قليلاً
ثم عاد يحمل ابريقاً كبيراً من القهوة
ومعه فناجين من كل شكل ولون :
فناجين صينية فاخرة
فناجين ميلامين
فناجين زجاجية عادية
فناجين بلاستيك
فناجين كريستال
بعض الأكواب كانت في منتهى الجمال
تصميماً ولوناً وبالتالي كانت باهظة الثمن
بينما كانت هناك أكواب من النوع الذي تجده في أفقر البيوت
قال الأستاذ لطلابه :
تفضلوا ، وليسكبْ كل واحد منكم لنفسه القهوة
وعندما بات كل واحد من الخريجين ممسكاً بكوب تكلم الأستاذ مجدداً :
هل لاحظتم أن الأكواب الجميلة فقط هي التي وقع عليها اختياركم ؟
وأنكم تجنّبتم الأكواب العادية ؟
من الطبيعي أن يتطلع الواحد منكم الى ما هو أفضل
وهذا بالضبط ما يسبب لكم القلق والتوتر
ما كنتم بحاجة إليه فعلاً هو القهوة وليس الكوب
ولكنكم تهافتم على الأكواب الجميلة الثمينة
وبعد ذلك لاحظت أن كل واحد منكم كان مراقباً للأكواب
التي في أيدي الآخرين
فلو كانت الحياة هي : القهوة
فإن الوظيفة والمال والمكانة الإجتماعية هي الأكواب
وهي بالتالي مجرد أدوات ومواعين تحوي الحياة
ونوعية الحياة (القهوة) تبقى نفسها لا تتغير
وعندما نركز فقط على الكوب فإننا نضيع فرصة الإستمتاع بالقهوة
وبالتالي أنصحكم بعدم الإهتمام بالأكواب والفناجين
وبدل ذلك أنصحكم :
استمتعوا بالقهوة
النظر إلى ما في أيدي الآخرين
يفسد علينا متعة الإستمتاع بما في أيدينا
إذا رأيتَ في يد شخص شيئاً أجمل مما في يدك
فلعلّه تعويض عن شيء حُرم منه
البيوت أسرار
والناس صناديق مُغلقة
🌸#الدرس_الثاني :
مشكلة الناس في هذا العصر أن معيار الحرمان عندهم هو المال
فمن كان له مال فهو ذو حظ عظيم
ومن ليس له مال فيستحق الشفقة
دعوني لا أكون مثاليا
المال عجلة الحياة
ولكنه ليس الحياة
صحيح أنه يتيح لك أن تعيش تعاستك برفاهية
ولكنه لا يكفي وحده ليجعلك تعيش
أجمل ما في الحياة هي تلك الأشياء التي ليس لها ثمن
ويقف المال أمامها فقيراً عاجزاً لا يستطيع شراءها
حنان امرأة تحبكَ
وحضن رجل يحبكِ
أصدقاء مخلصون
أولاد أذكياء وأصحاء
دعوة أم عند الصباح
رغيف من حلال
بيت من سِتر وحب
هذه الأشياء هي الحياة
والمال لا يستطيع شراءها
إننا نهتم بالوسائل ونهمل الغايات
هكذا هم البشر هذا الزمن
يهتمون بالوسائد أكثر مما يهتمون بالنوم
يهتمون بالمستشفيات أكثر مما يهتمون بالصحة
يهتمون بالمدارس أكثر مما يهتمون بالتعليم
يهتمون برجال الدين أكثر مما يهتمون بالدين
يهتمون بوسائل الإتصال أكثر مما يهتمون بالتواصل
❞ ان نفوسنا المسكينة محاصرة بالواجبات و الالتزامات
التزامات العائلة .. التزامات المدرسة .. التزامات الوظيفة
و التزامات الطبقة الاجتماعية التي ننتمي اليها
و التزامات الدين .. و الخلق .. و الصداقة .. و المجاملة
و في وسط هذه المطاردات التي يطاردنا فيها الاخرون نبحث لنا عن لحظة تكون ملكنا نبث فيها مكنونات قلبنا و ذات نفوسنا و اشواقنا ..
و هذه اللحظة هي مزاجنا. ❝ ⏤مصطفى محمود
❞ ان نفوسنا المسكينة محاصرة بالواجبات و الالتزامات
التزامات العائلة . التزامات المدرسة . التزامات الوظيفة
و التزامات الطبقة الاجتماعية التي ننتمي اليها
و التزامات الدين . و الخلق . و الصداقة . و المجاملة
و في وسط هذه المطاردات التي يطاردنا فيها الاخرون نبحث لنا عن لحظة تكون ملكنا نبث فيها مكنونات قلبنا و ذات نفوسنا و اشواقنا .
و هذه اللحظة هي مزاجنا. ❝