❞ خُضرة الحقول اليانعة .. وزرقة السماء الصافية .. وحُمرة الورود الدامية .. وصفرة الرمال الذهبية .. وكل الألوان المبهجة التي نشاهدها في الأشياء لا وجود لها أصلًا في الأشياء ..
وإنما هي اصطلاحات جهازنا العصبي وشفرته التي يترجم بها أطوال الموجات الضوئية المختلفة التي تنعكس عليه .
إنها كآلام الوخز التي نشعر بها من الإبر .. ليست هي الصورة الحقيقية للإبر .. وإنما هي صورة لتأثرنا بالإبر .
وبالمثل طعم الأشياء ورائحتها وملمسها وصلابتها وليونتها وشكلها الهندسي وحجمها، لا تقدم لنا صورة حقيقية لما نلمسه ونشمه ونذوقه، وإنما هي مجرد الطريقة التي نتأثر بها بهذه الأشياء ..
إنها ترجمة ذاتية لا وجود لها خارجنا .
كل ما نراه ونتصوره .. خيالات مترجَمة لا وجود لها في الأصل، مجرد صور رمزية للمؤثرات المختلفة صورها جهازنا العصبي بأدواته الحسية المحدودة ..
أهي أحــــلام .. ؟
هل نحن نحلم .. ولا وجود لهذا العالَم .. هل هذه الصفات تقوم في ذهننا دون أن يكون لها مقابل في الخارج .. ؟؟
البداهة والفطرة تنفي هذا الرأي .. فالعالَم الخارجي موجود .. وحواسنا تحيلنا دائمًا على شيء آخر خارجنا .. ولكن هناك فجوة بيننا وبين هذا العالَم .. حواسنا لا تستطيع أن تراه على حقيقته .. وإنما هي تترجمه دائمًا بلغة خاصة وذاتية .. وبشفرة مختلفة ..
ولو أننا كنا نحلم .. ولو أننا كنا نهذي كل منا على طريقته لما استطعنا أن نتفاهم .. ولما استطعنا أن نتفق على حقيقة موضوعية مشتركة ..
ولكننا في الحقيقة نتناول بين أيدينا تراجم حسية .. ربما ناقصة .. وربما غير صحيحة .. ولكنها تراجِم لها أصل أمامنا ..
هناك نسخة موضوعية من الحقيقة نحاول أن نغش منها على قدر الإمكان .. هناك حقيقة خارجنا ..
إننا لا نحلـــم ..
وإنما نحن سجناء حواسنا المحدودة .. وسجناء طبيعتنا العاجزة .. وما نراه يُنقَل إلينا دائمًا مشوَّهًا وناقصًا ومبتورًا نتيجة رؤيتنا الكليلة .
والنتيجة أن هناك أكثر من دنيا ..
هناك الدنيا كما هي في الحقيقة وهذه لا نعرفها .. ولا يعرفها إلا الله .
وهناك الدنيا كما يراها الصرصور .. وهي مختلفة تمامًا عن دنيانا، لأن الجهاز العصبي للصرصور مختلف تمامًا عن جهازنا .. فهو يرى الشمس يطريقة مختلفة .. وهو لا يرى الشجرة كما نراها نحن شجرة .. وهو لا يميز الألوان ..
وهناك الدنيا كما تراها دودة الإسكارس .. وهي مختلفة تمامًا عن دنيا الصرصور .. فهي دنيا كلها ظلام .. دنيا خالية من المناظر .. ليس فيها سوى إحساسات بليدة تنتقل عن طريق الجِلد ..
وهكذا كل طبقة من المخلوقات لها دنيا خاصة بها .
ومنذ لحظة الميلاد يتسلم كل مخلوق بطاقة دعوة إلى محفل من محافل هذه الدنيا .. ويجلس إلى مائدة مختلفة ليتذوّق أطعمة مختلفة .. ولذائذ وآلام مختلفة .
وكل طبقة من المخلوقات تعيش سجينة في تصوراتها .. لا تستطيع أن تصف الصور التي تراها الطبقات الأخرى ..
لا يمكننا نحن الآدميون أن نتكلم مع الطيور أو الزواحف أو الديدان أو الحشرات لنشرح لها ما نراه من الدنيا .
ولا يستطيع اصرصور أن يخاطبنا ويصف لنا العالَم الذي يعيش فيه .
وربما لو حدث هذا في يومٍ ما لأمكننا أن نصل إلى ما يشبه حجر رشيد .. ولأمكننا أن نتوصل إلى عدة شفرات، ولغات مختلفة للدنيا نضعها تحت بعضها ونفكك طلاسمها .. ونستنبط منها الحقيقة التي تحاول هذه الشفرات الرمزية أن تصفها .. ونعرف ســر هذه الدنيا .
ولكن هذا الاتصال غير ممكن .. لأننا الوحيدون في هذه الدنيا الذين نعرف اللغة .. وبقية المخلوقات عجماء ..
مــا الحــل .. ؟!
هل ننتظر حتى نسافر إلى الفضاء ونعثر على مخلوقات في المريخ تقرأ وتكتب .. ؟!
علماء الرياضة يقولون لنا أنه لا داعي لهذا الانتظار .. هناك طريقة أخرى .. طريقة صعبة ولكنها توصل إلى سكة الحقيقة ..
هذه الطريقة هي أن نضع جانبًا كل ما تقوله الحواس .. ونستعمل أساليب أخرى غير السمع والبصر والشم واللمس ..
نستعمل الحساب والأرقام .. نجرد كل المحسوسات إلى أرقام .. ومقادير ..
القائمة الطويلة المعروفة للأشعة الضوئية .. الأصفر والبرتقالي والأحمر والبنفسجي والأزرق والأخضر .. إلخ .. نجردها إلى أرقام ..
كل موجة طولها كذا .. وذبذبتها كذا ..
وكذلك كل صنوف الإشعاع .. أشعة إكس .. أشعة الراديوم .. الأشعة الكونية ..
كلها أمواج .. مثل أمواج اللاسلكي التي نسمع المذيع يقول كل يوم إنها كذا كيلو سيكل في الثانية ..
مجــرد أرقـــام .. نستطيع أن نقيسها ونحسبها ونجمعها ونطرحها .. إذًا نغمض أعيننا ونفكر بطريقة جديدة ..
وبدل أن نقول اللون الأخضر ، واللون الأحمر .. نقول كذا كيلو سيكل ثانية .
والذي أغمض عينيه وبدأ يفكر بهذه الطريقة الجديدة التي أحدَثَت انقلابًا في العلوم .. كان هو العالِم الرياضي ماكس بلانك .. الذي طلع في سنة 1900 بنظريته المعروفة في الطبيعة النظرية الكمّية .. ( Quantum Theory )
وقد بدأ من حقيقة بسيطة معروفة .. أنك إذا سخنت قضيبًا من الحديد .. فإنه في البداية يحمر، ثم يتحول إلى برتقالي، ثم أصفر، ثم أبيض متوهج ..
إذًا هناك علاقة حسابية بين الطاقة التي يشعها الحديد الساخن .. وطول أو ذبذبة الموجة الضوئية التي تنبعث منه ..
هناك معادلة ..
وبدأ يبحث عن هذه المعادلة حتى عثر عليها ..
وجد ببساطة أن الطاقة المشعة مقسومة على الذبذبة ( ن ) تساوي دائمًا كمًا ثابتًا (مثل النسبة التقريبية في الدائرة) هذا الكَم أسماه .. ثابت بلانك ( هـ ) .
والمعادلة هي : الطاقـــة = هـ X ن .
وهي معادلة تقوم على افتراض .. بأن الطاقة المشعة تنبعث في كميات متتابعة .. في دفعات .. أو حزم .. أو حبيبات من الطاقة .. أو ذرّات .
وأطلق على هذه الذرات الضوئية إسم " فوتونات " ..
وفي رسالة نال عليها أينشتين جائزة نوبل قدم دراسة وافية بالمعادلات والأرقام عن العلاقة بين هذه الفوتونات الضوئية الساقطة على لوح معدني .. وبين الكهرباء التي تتولد منه ..
وعلى أساس هذه المعادلات قامت فكرة اختراع التليفزيون فيما بعد ..
يقول أينشتين إن من الظاهرات المعروفة في المعمل أنك إذا أسقطت شعاعًا من الضوء على لوح معدني فإن عددًا من الإلكترونات تنطلق من اللوح .. ولا تتأثر سرعة انطلاق هذه الإلكترونات بشدة الضوء، فمهما خفّ الضوء ومهما ابتعد مصدره فالإلكترونات تنطلق بسرعة ثابتة .. ولكن بعدد أقل .. وإنما تزداد هذه السرعة كلما كانت الموجة الضوئية الساقطة عالية الذبذبة .. ولهذا تزيد في الأشعة البنفسجية وتقل في الحمراء .
وهو يفسر انطلاق هذه الإلكترونات بأن الضوء لا يسقط على اللوح المعدني في سيال متصل .. وإنما في حِزَم من الطاقة .. " فوتونات " وتصطدم هذه الفوتونات بالإلكترونات في اللوح المعدني كما تصدم العصا بكرات البلياردو فتطلقها حرة خارج مداراتها ..
وكلما كانت الأشعة الضوئية ذات ذبذبة عالية ( البنفسجية مثلًا ) كلما كان الفوتون يختزن طاقة أكثر .. كلما أطلق الإلكترونات بسرعة أكثر ..
وربَط هذه العلاقات في سلسلة من المعادلات الرياضية ..
وعمد التليفزيون إلى تطبيق هذه النظرية في جهاز الإرسال التليفزيوني ..
فأنت حينما تجلس أمام كاميرا التليفزيون فإنها تنقل صورتك التي هي عبارة عن نقط من الظل ونقط من النور إلى اللوح المعدني الحساس ..
ونقط النور ونقط الظل الساقطة على اللوح المعدني تطلق سيالًا من الإلكترونات يتفاوت في العدد وفي السرعة حسب الظل والنور في الصورة .. وهذه الخفقات الإلكترونية الكهربائية تنتقل إلى عمود الإرسال وتُذاع على شكل موجات مغناطيسية كهربائية إلى أجهزة الإستقبال .
وأينشتين لم يفكر حينما وضع معادلاته في اختراع التليفزيون .
وعلماء الرياضة لم يُثِر اهتمامهم في ذلك الحين ولا فيما بعد .. ظهور التليفزيون .. وإنما الذي أثارهم هو هذا الإفتراض الجديد الذي أقام عليه ماكس بلانك معادلاته في النظرية الكمّية، وأقام عليه أينشتين معادلاته في الظاهرة الضوئية الكهربائية ..
أن الضوء ينطلق في ذرّات أو فوتونات لا في أمواج متصلة .. فالضوء حتى ذلك الحين كانت طبيعته موجية .. فكيف يصبح شأنه شأن المادة .. مؤلَف من ذرات أو فوتونات .. !
وماذا تكون هذه الفوتونات .. ؟؟
هل هي كرات من الطاقة لها حيز، ولها أوضاع في المكان .. شأنها في ذلك شأن جزيئات المادة .. ؟!
وإذا كان الضوء ذرّات .. فكيف يتصرف كما لو كان أمواجًا .. ؟!
لماذا يحيد الضوء حينما يدخل من ثقب ضيق كما تحيد أمواج البحر حينما تدخل في مضيق .. ولماذا ينعطف الضوء حول شعرة رفيعة فلا يبدو لها ظل .. كما تنعطف الأمواج وتتلاحم حول عصا مرشوقة في البحر .. ؟!
وكيف نفرِّق بين المعادلات التي تحسب الضوء على أساس أن طبيعته موجية متصلة وبين المعادلات الجديدة التي تحسب الضوء على أساس أن طبيعته ذريّة متقطعة .. !
أم أن للضوء طبيعة مزدوجة .. ؟! وكيــف .. ؟؟ !!
كيف تكون الحقيقة بهذا التناقض .. ؟!
أم أنه لا توجد حقيقة واحدة ... ؟!
مقال / كل شيء ذرّات
من كتاب / أينشتين والنسبيه
للدكتور/ مصطفى محمود (رحمه الله ). ❝ ⏤مصطفى محمود
❞ خُضرة الحقول اليانعة . وزرقة السماء الصافية . وحُمرة الورود الدامية . وصفرة الرمال الذهبية . وكل الألوان المبهجة التي نشاهدها في الأشياء لا وجود لها أصلًا في الأشياء .
وإنما هي اصطلاحات جهازنا العصبي وشفرته التي يترجم بها أطوال الموجات الضوئية المختلفة التي تنعكس عليه .
إنها كآلام الوخز التي نشعر بها من الإبر . ليست هي الصورة الحقيقية للإبر . وإنما هي صورة لتأثرنا بالإبر .
وبالمثل طعم الأشياء ورائحتها وملمسها وصلابتها وليونتها وشكلها الهندسي وحجمها، لا تقدم لنا صورة حقيقية لما نلمسه ونشمه ونذوقه، وإنما هي مجرد الطريقة التي نتأثر بها بهذه الأشياء .
إنها ترجمة ذاتية لا وجود لها خارجنا .
كل ما نراه ونتصوره . خيالات مترجَمة لا وجود لها في الأصل، مجرد صور رمزية للمؤثرات المختلفة صورها جهازنا العصبي بأدواته الحسية المحدودة .
أهي أحــــلام . ؟
هل نحن نحلم . ولا وجود لهذا العالَم . هل هذه الصفات تقوم في ذهننا دون أن يكون لها مقابل في الخارج . ؟؟
البداهة والفطرة تنفي هذا الرأي . فالعالَم الخارجي موجود . وحواسنا تحيلنا دائمًا على شيء آخر خارجنا . ولكن هناك فجوة بيننا وبين هذا العالَم . حواسنا لا تستطيع أن تراه على حقيقته . وإنما هي تترجمه دائمًا بلغة خاصة وذاتية . وبشفرة مختلفة .
ولو أننا كنا نحلم . ولو أننا كنا نهذي كل منا على طريقته لما استطعنا أن نتفاهم . ولما استطعنا أن نتفق على حقيقة موضوعية مشتركة .
ولكننا في الحقيقة نتناول بين أيدينا تراجم حسية . ربما ناقصة . وربما غير صحيحة . ولكنها تراجِم لها أصل أمامنا .
هناك نسخة موضوعية من الحقيقة نحاول أن نغش منها على قدر الإمكان . هناك حقيقة خارجنا .
إننا لا نحلـــم .
وإنما نحن سجناء حواسنا المحدودة . وسجناء طبيعتنا العاجزة . وما نراه يُنقَل إلينا دائمًا مشوَّهًا وناقصًا ومبتورًا نتيجة رؤيتنا الكليلة .
والنتيجة أن هناك أكثر من دنيا .
هناك الدنيا كما هي في الحقيقة وهذه لا نعرفها . ولا يعرفها إلا الله .
وهناك الدنيا كما يراها الصرصور . وهي مختلفة تمامًا عن دنيانا، لأن الجهاز العصبي للصرصور مختلف تمامًا عن جهازنا . فهو يرى الشمس يطريقة مختلفة . وهو لا يرى الشجرة كما نراها نحن شجرة . وهو لا يميز الألوان .
وهناك الدنيا كما تراها دودة الإسكارس . وهي مختلفة تمامًا عن دنيا الصرصور . فهي دنيا كلها ظلام . دنيا خالية من المناظر . ليس فيها سوى إحساسات بليدة تنتقل عن طريق الجِلد .
وهكذا كل طبقة من المخلوقات لها دنيا خاصة بها .
ومنذ لحظة الميلاد يتسلم كل مخلوق بطاقة دعوة إلى محفل من محافل هذه الدنيا . ويجلس إلى مائدة مختلفة ليتذوّق أطعمة مختلفة . ولذائذ وآلام مختلفة .
وكل طبقة من المخلوقات تعيش سجينة في تصوراتها . لا تستطيع أن تصف الصور التي تراها الطبقات الأخرى .
لا يمكننا نحن الآدميون أن نتكلم مع الطيور أو الزواحف أو الديدان أو الحشرات لنشرح لها ما نراه من الدنيا .
ولا يستطيع اصرصور أن يخاطبنا ويصف لنا العالَم الذي يعيش فيه .
وربما لو حدث هذا في يومٍ ما لأمكننا أن نصل إلى ما يشبه حجر رشيد . ولأمكننا أن نتوصل إلى عدة شفرات، ولغات مختلفة للدنيا نضعها تحت بعضها ونفكك طلاسمها . ونستنبط منها الحقيقة التي تحاول هذه الشفرات الرمزية أن تصفها . ونعرف ســر هذه الدنيا .
ولكن هذا الاتصال غير ممكن . لأننا الوحيدون في هذه الدنيا الذين نعرف اللغة . وبقية المخلوقات عجماء .
مــا الحــل . ؟!
هل ننتظر حتى نسافر إلى الفضاء ونعثر على مخلوقات في المريخ تقرأ وتكتب . ؟!
علماء الرياضة يقولون لنا أنه لا داعي لهذا الانتظار . هناك طريقة أخرى . طريقة صعبة ولكنها توصل إلى سكة الحقيقة .
هذه الطريقة هي أن نضع جانبًا كل ما تقوله الحواس . ونستعمل أساليب أخرى غير السمع والبصر والشم واللمس .
نستعمل الحساب والأرقام . نجرد كل المحسوسات إلى أرقام . ومقادير .
القائمة الطويلة المعروفة للأشعة الضوئية . الأصفر والبرتقالي والأحمر والبنفسجي والأزرق والأخضر . إلخ . نجردها إلى أرقام .
كل موجة طولها كذا . وذبذبتها كذا .
وكذلك كل صنوف الإشعاع . أشعة إكس . أشعة الراديوم . الأشعة الكونية .
كلها أمواج . مثل أمواج اللاسلكي التي نسمع المذيع يقول كل يوم إنها كذا كيلو سيكل في الثانية .
مجــرد أرقـــام . نستطيع أن نقيسها ونحسبها ونجمعها ونطرحها . إذًا نغمض أعيننا ونفكر بطريقة جديدة .
وبدل أن نقول اللون الأخضر ، واللون الأحمر . نقول كذا كيلو سيكل ثانية .
والذي أغمض عينيه وبدأ يفكر بهذه الطريقة الجديدة التي أحدَثَت انقلابًا في العلوم . كان هو العالِم الرياضي ماكس بلانك . الذي طلع في سنة 1900 بنظريته المعروفة في الطبيعة النظرية الكمّية . ( Quantum Theory )
وقد بدأ من حقيقة بسيطة معروفة . أنك إذا سخنت قضيبًا من الحديد . فإنه في البداية يحمر، ثم يتحول إلى برتقالي، ثم أصفر، ثم أبيض متوهج .
إذًا هناك علاقة حسابية بين الطاقة التي يشعها الحديد الساخن . وطول أو ذبذبة الموجة الضوئية التي تنبعث منه .
هناك معادلة .
وبدأ يبحث عن هذه المعادلة حتى عثر عليها .
وجد ببساطة أن الطاقة المشعة مقسومة على الذبذبة ( ن ) تساوي دائمًا كمًا ثابتًا (مثل النسبة التقريبية في الدائرة) هذا الكَم أسماه . ثابت بلانك ( هـ ) .
والمعادلة هي : الطاقـــة = هـ X ن .
وهي معادلة تقوم على افتراض . بأن الطاقة المشعة تنبعث في كميات متتابعة . في دفعات . أو حزم . أو حبيبات من الطاقة . أو ذرّات .
وأطلق على هذه الذرات الضوئية إسم ˝ فوتونات ˝ .
وفي رسالة نال عليها أينشتين جائزة نوبل قدم دراسة وافية بالمعادلات والأرقام عن العلاقة بين هذه الفوتونات الضوئية الساقطة على لوح معدني . وبين الكهرباء التي تتولد منه .
وعلى أساس هذه المعادلات قامت فكرة اختراع التليفزيون فيما بعد .
يقول أينشتين إن من الظاهرات المعروفة في المعمل أنك إذا أسقطت شعاعًا من الضوء على لوح معدني فإن عددًا من الإلكترونات تنطلق من اللوح . ولا تتأثر سرعة انطلاق هذه الإلكترونات بشدة الضوء، فمهما خفّ الضوء ومهما ابتعد مصدره فالإلكترونات تنطلق بسرعة ثابتة . ولكن بعدد أقل . وإنما تزداد هذه السرعة كلما كانت الموجة الضوئية الساقطة عالية الذبذبة . ولهذا تزيد في الأشعة البنفسجية وتقل في الحمراء .
وهو يفسر انطلاق هذه الإلكترونات بأن الضوء لا يسقط على اللوح المعدني في سيال متصل . وإنما في حِزَم من الطاقة . ˝ فوتونات ˝ وتصطدم هذه الفوتونات بالإلكترونات في اللوح المعدني كما تصدم العصا بكرات البلياردو فتطلقها حرة خارج مداراتها .
وكلما كانت الأشعة الضوئية ذات ذبذبة عالية ( البنفسجية مثلًا ) كلما كان الفوتون يختزن طاقة أكثر . كلما أطلق الإلكترونات بسرعة أكثر .
وربَط هذه العلاقات في سلسلة من المعادلات الرياضية .
وعمد التليفزيون إلى تطبيق هذه النظرية في جهاز الإرسال التليفزيوني .
فأنت حينما تجلس أمام كاميرا التليفزيون فإنها تنقل صورتك التي هي عبارة عن نقط من الظل ونقط من النور إلى اللوح المعدني الحساس .
ونقط النور ونقط الظل الساقطة على اللوح المعدني تطلق سيالًا من الإلكترونات يتفاوت في العدد وفي السرعة حسب الظل والنور في الصورة . وهذه الخفقات الإلكترونية الكهربائية تنتقل إلى عمود الإرسال وتُذاع على شكل موجات مغناطيسية كهربائية إلى أجهزة الإستقبال .
وأينشتين لم يفكر حينما وضع معادلاته في اختراع التليفزيون .
وعلماء الرياضة لم يُثِر اهتمامهم في ذلك الحين ولا فيما بعد . ظهور التليفزيون . وإنما الذي أثارهم هو هذا الإفتراض الجديد الذي أقام عليه ماكس بلانك معادلاته في النظرية الكمّية، وأقام عليه أينشتين معادلاته في الظاهرة الضوئية الكهربائية .
أن الضوء ينطلق في ذرّات أو فوتونات لا في أمواج متصلة . فالضوء حتى ذلك الحين كانت طبيعته موجية . فكيف يصبح شأنه شأن المادة . مؤلَف من ذرات أو فوتونات . !
وماذا تكون هذه الفوتونات . ؟؟
هل هي كرات من الطاقة لها حيز، ولها أوضاع في المكان . شأنها في ذلك شأن جزيئات المادة . ؟!
وإذا كان الضوء ذرّات . فكيف يتصرف كما لو كان أمواجًا . ؟!
لماذا يحيد الضوء حينما يدخل من ثقب ضيق كما تحيد أمواج البحر حينما تدخل في مضيق . ولماذا ينعطف الضوء حول شعرة رفيعة فلا يبدو لها ظل . كما تنعطف الأمواج وتتلاحم حول عصا مرشوقة في البحر . ؟!
وكيف نفرِّق بين المعادلات التي تحسب الضوء على أساس أن طبيعته موجية متصلة وبين المعادلات الجديدة التي تحسب الضوء على أساس أن طبيعته ذريّة متقطعة . !
أم أن للضوء طبيعة مزدوجة . ؟! وكيــف . ؟؟ !!
كيف تكون الحقيقة بهذا التناقض . ؟!
أم أنه لا توجد حقيقة واحدة .. ؟!
مقال / كل شيء ذرّات
من كتاب / أينشتين والنسبيه
للدكتور/ مصطفى محمود (رحمه الله ). ❝
❞ يُحكى أنّ رجلاً اصطاد عصفوراً ووضعه في القفص، فقال له العصفور: "يا سيدي، ماذا سيفعل لك لحمي مقابل لحوم الأبقار والأغنام التي تأكلها؟ لن يفيدك بشيء. أطْلِق سراحي وسأعلّمك ثلاث نصائح ستغير حياتك إلى الأفضل. لكنْ لِي شرط: أن أخبرك بالنصيحة الأولى وأنا في قبضة يدك، وبالثانية من فوق السياج، وبالثالثة وأنا على الشجرة؟". وافق الرجل وأمسك بالطائر في قبضة يده، فقال العصفور: "النصيحة الأولى، لا تُصدّق المُحال أبداً". أطلقه الصياد فطار وحلّ فوق السياج وقال: "النصيحة الثانية، لا تندم على ما فات أبداً". وعندما حطّ على الشجرة أراد أن يختبر الصياد فقال له: "توجد في بطني جوهرة ثمينة، لو شققته وأخرجتها لكنت سعيد الحظ غنياً". فتألّم الصياد كثيراً وتحسّر وأخذ يؤنّب نفسه، ثم قال: "إذاً هات النصيحة الثالثة". فرد العصفور: "ألم أقل لك لا تصدق المحال أبداً؟ فكيف صدّقت أن في داخلي جوهرة؟! ثم إنني نصحتك بألا تندم على ما فات، وبرغم ذلك أخذت تشقّ ثوبك من الحسرة.. قُل لي يا سيدي بمَ ستنفعك النصيحة الثالثة؟". ❝ ⏤ياسر حارب
❞ يُحكى أنّ رجلاً اصطاد عصفوراً ووضعه في القفص، فقال له العصفور: ˝يا سيدي، ماذا سيفعل لك لحمي مقابل لحوم الأبقار والأغنام التي تأكلها؟ لن يفيدك بشيء. أطْلِق سراحي وسأعلّمك ثلاث نصائح ستغير حياتك إلى الأفضل. لكنْ لِي شرط: أن أخبرك بالنصيحة الأولى وأنا في قبضة يدك، وبالثانية من فوق السياج، وبالثالثة وأنا على الشجرة؟˝. وافق الرجل وأمسك بالطائر في قبضة يده، فقال العصفور: ˝النصيحة الأولى، لا تُصدّق المُحال أبداً˝. أطلقه الصياد فطار وحلّ فوق السياج وقال: ˝النصيحة الثانية، لا تندم على ما فات أبداً˝. وعندما حطّ على الشجرة أراد أن يختبر الصياد فقال له: ˝توجد في بطني جوهرة ثمينة، لو شققته وأخرجتها لكنت سعيد الحظ غنياً˝. فتألّم الصياد كثيراً وتحسّر وأخذ يؤنّب نفسه، ثم قال: ˝إذاً هات النصيحة الثالثة˝. فرد العصفور: ˝ألم أقل لك لا تصدق المحال أبداً؟ فكيف صدّقت أن في داخلي جوهرة؟! ثم إنني نصحتك بألا تندم على ما فات، وبرغم ذلك أخذت تشقّ ثوبك من الحسرة. قُل لي يا سيدي بمَ ستنفعك النصيحة الثالثة؟˝. ❝
❞ تخيلت نفسها تقف على حافة جبل قاسيون و عينيها مثبتة نحو السماء الصافية، لكنها لا ترى بوضوح بسبب احتراق الدموع في مقلتيها، تنهيدة واحدة تذكرها بمعجزاتها السبعة التي دخلت إلى حياتها منذ قرابة سنة كاملة وهي تكتشف كم كانت بعيدة عنها و عن ذاتها التي لم ترها إلا من خلال مرآته هو الذي استطاع احتضان الطفلة داخلها على الرغم من بعد المسافات بينهما، لكن ماذا عن غيابه المفاجئ، وحاجتها إليه في الأوقات الصعبة والمظلمة، وهي تعلم عدم أحقيتها بامتلاك قلبه.
خطوة أخرى تقربها من الهواء العليل، الذي يداعب خصلات شعرها البني، ويملأ رئتيها بالهواء الساخن على الرغم من برودته القارسة، لكن قلبها المشتعل لا يمكن لأي شيء إخماد الحريق داخله، لا قدرة لها حتى على إبعاده عن الخطر المحدق به رغم معرفتها بوعورة الطريق.
7.
خطوة أخيرة تشعر بقدميها تلامس الفراغ والوجود، تقفز بها نحو شجرة الجوافة البعيدة، حيث ينتظرها في كل لقاء بينهما، تبدأه بقبلة على ثغره الكرزي وتنهيه بعناق بين أضلعه، لكن كيف سيكون لقائهم بعد الآن، ربما سيبدأ بقبلة من فوق غيمة بيضاء قطنية و لينتهي بهطول حبات المطر الصيفية رثاء حبهم الأبدي كما كانت تعتقد.
عندما يتم تخييركم بين الحياة والحُب، البحر والبر، وبين السماء والأرض، سيكون قراركم الذي قمتم باتخاذه إما على قدر حُبِّكم المجنون و المحفوف بالمخاطر، أو عقلكم الصلب و الرغبة في حياة أكثر أماناً كما يفعل الجميع من حولنا.
لكن ماذا عن القفز من فوق قمة الجبل المقابل للمروج الخضراء، وهل ستشفع لها شجرة الليمون المراقبة لكل حركاتها و سكناتها، هل سيغفر لها أطفالها رحيلها عن
هذا العالم في وقت مبكر جداً، وهل بإمكانها مسح دموع أهلها المهدورة بالرغم من عدم استحقاقها لها؟!. ❝ ⏤مروة القباني
❞ تخيلت نفسها تقف على حافة جبل قاسيون و عينيها مثبتة نحو السماء الصافية، لكنها لا ترى بوضوح بسبب احتراق الدموع في مقلتيها، تنهيدة واحدة تذكرها بمعجزاتها السبعة التي دخلت إلى حياتها منذ قرابة سنة كاملة وهي تكتشف كم كانت بعيدة عنها و عن ذاتها التي لم ترها إلا من خلال مرآته هو الذي استطاع احتضان الطفلة داخلها على الرغم من بعد المسافات بينهما، لكن ماذا عن غيابه المفاجئ، وحاجتها إليه في الأوقات الصعبة والمظلمة، وهي تعلم عدم أحقيتها بامتلاك قلبه.
خطوة أخرى تقربها من الهواء العليل، الذي يداعب خصلات شعرها البني، ويملأ رئتيها بالهواء الساخن على الرغم من برودته القارسة، لكن قلبها المشتعل لا يمكن لأي شيء إخماد الحريق داخله، لا قدرة لها حتى على إبعاده عن الخطر المحدق به رغم معرفتها بوعورة الطريق.
7.
خطوة أخيرة تشعر بقدميها تلامس الفراغ والوجود، تقفز بها نحو شجرة الجوافة البعيدة، حيث ينتظرها في كل لقاء بينهما، تبدأه بقبلة على ثغره الكرزي وتنهيه بعناق بين أضلعه، لكن كيف سيكون لقائهم بعد الآن، ربما سيبدأ بقبلة من فوق غيمة بيضاء قطنية و لينتهي بهطول حبات المطر الصيفية رثاء حبهم الأبدي كما كانت تعتقد.
عندما يتم تخييركم بين الحياة والحُب، البحر والبر، وبين السماء والأرض، سيكون قراركم الذي قمتم باتخاذه إما على قدر حُبِّكم المجنون و المحفوف بالمخاطر، أو عقلكم الصلب و الرغبة في حياة أكثر أماناً كما يفعل الجميع من حولنا.
لكن ماذا عن القفز من فوق قمة الجبل المقابل للمروج الخضراء، وهل ستشفع لها شجرة الليمون المراقبة لكل حركاتها و سكناتها، هل سيغفر لها أطفالها رحيلها عن
هذا العالم في وقت مبكر جداً، وهل بإمكانها مسح دموع أهلها المهدورة بالرغم من عدم استحقاقها لها؟!. ❝