❞ الحلقة الثانية من الرواية
وعند عودة تامر إلى المنزل تصادف مع مريم أمام المبنى ، فقال لها متذمرًا :
أنا بقيت مسخرة قدام صحابي ، عجبك كده ؟!!
اه ، ردي ، بدل ما أديكي في وشك ، وأريح الناس من شرك .
فأجابته وهي تسخر ، وتلوح بيدها :
صحابي ، صحابي ، يبني هما دول صحاب ، ياريتك مصاحب حد عدل ، كنا قلنا ماشي ، لكن إنت وهما عايزين إبادة ، ملكمش أي فايدة إطلاقًا .
فانزعج وقال :
اتكلمي عدل يا مريم ، عشان لغاية دولوقتي عامل اعتبار إنك أختي الصغيرة وبقول عيلة وبكرة تعقل ، لكن إنك تقلي مني ومن صحابي
ولوح بيده وقال :
لا ، أنا بقولك أهو ، احترمي أخوكي الكبير ، انتي فاهمه ولا ولا .
فقالت :
هما حيالله تلات سنين ، مش غاغا هي .
وتركته وصعدت للبيت .
فصاح فيها وقال:
بت ، لما بكون بكلمك ، مش تمشي إلا لما أخلص كلامي ، انت يا بت ، انتي با بتاعت الكونغ فو .
فدخلت الشقة وأغلقت الباب فى وجهه ، فصاح غاضبًا:
انا هعرفك إزاي تحترميني ، استني عندك .
فجأة لمح إحدى صديقات والدته وتدعى \" نرمين \" جالسة مع والدته في غرفة المعيشة ، فارتبك وكانت تنظر إليه ، فقال :
أهلاً يا طنط ، أهلا ، إزي حضرتك عاملة ايه ؟!
فأجابته :
أهلا يا حبيبي ، أخبارك كويس ؟!.. سامعاك بتزعق ، في مشكلة .
-لا ، خالص ، دنا أنا ومريم كنا بنتناقش في شوية حاجات كده ، بس احنا عيلة كده صوتها عالى وهي بتتناقش ، فتحسي ان احنا بنتخانق ، لكن ، لا احنا بس بنتناقش .
- طيب يا حبيبي ، انا همشي بقا يا نادية ، وابقي فكري في إلي قولتلك عليه .
- سلام عليكو
- سلام. يا تامر ، وابقى سلملي على مريم ، عشان دخلت ومسلمتش عليا ، مش مشكلة ، يمكن ما أخدتش بالها .
فأشار بيده وقال :
سلام يا طنط
وأوصلتها الأم إلى الباب وقالت :
مع السلامه يا حبيبتي. ما تنسيش بقا .
-ربنا يقدم إلي فيه الخير .
وبعد أن غادرت ، فذهب تامر لأمه وأمسك يدها ، وقال:
تعالي بقا ، اقعديلي هنا ، قوليلي الست الحشرية دي عايزة ايه ، اوعي تكوني لسه مصرين تجوزوني بنتها .
- على أساس انها هتبور بنتها جمبك ، يا تك نيلة ، بنتها اتجوزت وقربت تولد. ، اومال انا كنت في فرح مين السنة الي فاتت .
فوضع يده على صدره وقال :
الحمد لله ، أومال موضوع ايه إلي مش عايزاكي تنسيه ؟!
- جايبة عريس لأختك مريم .
- وده ايه ظروفه ؟!
- راجل ، شغال برة مصر ، وظروفه المادية كويسة ، وأهله ناس محترمين ، يعني بتقولي مناسب ، وهيعيش مريم مبسوطة ومش محتاجة حاجة .
- أومال مش مبسوطة ليه ، مادام مناسب .
- قلقانة بس مش أكتر، بتقولي عنده ٤٢ سنه ، بس مش باين عليه شكله لسه شباب ،
- ايه ده ٤٢ ولسه متجوزش لغاية دولوقتي ، مع انو ظروفه كويسة يعني .
- ومستغرب ليه ، منتا قريب هتقفل 40 ولسه بتتسرمح ، على الأقل ده اتجوز وطلق ومعاه عيلين .
- نعم ، انتي بتقولي ايه ؟!
- اهدى شوية ، أنا غلطانة إن بفضفض معاك ، وبستشيرك قبل ما أقول لأختك .
- لو هي وافقت ، انا مش هوافق .
- وليه يبني ، أختك كبرت مبقتش صغيرة ، وبعدين الراجل مفيش حاجه تعيبه ، وولاده مع أمهم.
- كبرت ايه ، بنتك لسه قدامها إن هي تنقي وتختار إلي يناسبها ، وبعدين ، على عيني وراسي وراجل محترم وكويس وتمام ، بس افرضي حب يرجع لمراته عشان خاطر عياله ، عايزة بنتك تبقى زوجة تانية يا حاجة نادية .
- لا طبعًا ، طليقته أصلاً اتجوزت ، وهو مطلقها من ست سنين .
- اه قولي كده ، هو بقا ايه . لقى طليقته اتجوزت ، قال ايه هروح اشوف بنت عزبا وحلوة واتجوزها عشان اغيظ طليقتي .
- انت بتقول ايه ، يا بني ؟!
- بقول على جثتي الجوازة دي .
- طيب يا تامر افرض العكس ، لو اختك هي الى مطلقة دولوقتى ومعاها عيلين ، وجه ليها واحد أعزب وابن ناس وطلب يتجوزها ، هيكون ايه رد فعل اهله ، هل هيعترضوا ؟! لا ، لأنو بيحبها ، ورضي بيها بكل الظروف إلي فيها .
- هو إنتي مقتنعة بلي بتقوليه ده ، ماما ، إنتي أصلاً مش مقتنعة ، فيه فرق بين حب ، وفرق بين جواز على السيرة والصور .
- بقولك ايه ، الموضوع ده ميتفتحش تاني ، وانسي ، ولا مريم تعرف بالموضوع ، خلصنا .
وتركها ودخل غرفته وهو منزعج ، فجلست تبكي وتقول :
- طب اعمل ايه ؟!.. أنا أم ونفسي أفرح ببنتي ، قبل ما أموت ، طب انت راجل ومش يتخاف عليك ، هتعيش في الدنيا بالطول والعرض وتتجوز بدل الواحدة اربعة ، لكن البنت دي ، هتعيش ازاى لوحدها ، لا قريب ولا غريب بقو بيسألوا عن حد .
ثم مسحت دمعتها وقالت :
هقوم أصلي المغرب ، وإن شاء الله ، المولى يحلها من عنده . اللهم لا اعتراض يارب
أما تامر قضى ليلته يفكر فيما قالته أمه وفيما قاله هيثم ، وقال :
طب وايه الحل ؟!.. يعني أختي دولوقتي ، مش هيجيلها غير المطلق والأرمل ، أدي فرصة لهيثم ولا اعمل ايه ؟!
وأمسك هاتفه ثم قال :
هو أنا ليه حسيت مرة واحده بالمسئولية كده ، والله ، شكل وقت السرمحة قد ولى ، بقا فيه مسئولية على كتافك يا واد يا تامر .
ورن الهاتف ، وإذ ، بصديقته \" مي \" تُهاتفه ، فتبدل وجهه القلق ، بابتسامة عريضة ، وأجابها ، قائلاً:
روحي ، وحبيبة قلبي ، كنت لسه بفكر فيكى يا ميس .
وأجابته الأخرى بصياح :
ميس ؟!.. ميس مين يا تامر ؟!!... نهارك مش معدي النهاردة .
فنظر في هاتفه ، فوجد مي. وليس ميس ، وضرب رأسه وقال :
يا بنتي مش تفهميني غلط ، بقول مي ، تلاقي عندك السماعة بايظة ، صلحيها يا حبيبتي ، أو أنا أجبلك غيره جديد ، مكان إلي هيوديني في داهية ده
-بجد ، ولا بتضحك عليا ، أصل أنا عارقاك ،مش هفضل ألملم من وراك ، وصحابي دايما بيحظروني منك .
- وصحابك مين دول ، تلاقيهم غيرانين ، منك يا روحي وده كلام ، إنتي إلي في القلب ، وفي أرض الملعب ، والباقي إحتياط على الدكة .
- انت بتقول ايه ، يا تامر؟!
- بقولك ، انت إلي في القلب ، غيري السماعة بعد اذنك .
فكانت خلفه مريم ، وتتسمع عليه وضحكت ضحكة عالية ، وقالت :
يا تيمو ، انت فين يا حبيبي ؟
ففتح فمه من هول ما يحدث وبدأ يتلعثم ، والأخرى تصرخ وتقول :
مين دي يا تامر ، انت فين بالظبط ؟!.. قولي بقا دي كمان عيب سماعه ، أكيد بتتسرمح مع صحابك الصيع .
- والله العظيم ، أنا في البيت ، بس أمي شغلت التلفزيون و وهي بتحب تعليه شويه ، ده فيلم .
وبدأ. يضع يده على رقبته وينظر إلى مريم ويشير إليها ، بأنها سوف يقتلها ، وهي تهز برأسها وتخرج لسانها له لإستفزازه ، فرمى بها وسادة فخرجت وهي تضحك وتقول :
نجحت المهمة !!! نيااااااااه .
وأما مي فقد أغلقت الهاتف ، وحاول أن يعاود الاتصال بها ، لها دون جدوى ، فقد غضبت وتجاهلت ،كل مكالماته .
فلما يأس من محاولاته ، قال :
أهي اتقمصت ، يارب تكوني مبسوطة يا أخت مريم .
فعادت إليه ، وقالت :
اه مبسوطة ، مادام هساعد بنت إنها تبعد عنك ، فأنا هبقى مبسوطة ، لأن أنا بنت ومبحبش أبدًا بنت تنخدع ، وتتعشم على الفاضي ، وتضيع مستقبلها جمب واحد زيك ، بيلعب ببنات الناس ، افتكر كل ما تكلم بنت ، إن ممكن تكون البنت دي أختك ، وزي ما بتخاف وبتغير على أختك ،خاف على بنات الناس ، لأن كله بيترد صدقني ، حتى لو كنت شيخة البنات وملتزمة ، ممكن ابتلي ، بواحد زيك .
فصمت بعض الشيء ، وكأنه تأثر بكلامها ، وقال :
ماشي يا مريم ، على العموم ، أنا جد المرة دي بس عايز أموري تستقر مهنيًا وكده .
-طب الحمد لله ، ربنا يهديك .
- هصالحها ازاى دولوقتي ، بعد العملة الهباب ، إلي عملتيها .
-لو بتحبك هتعدي ، عشان إلي عايزك جمبه ، مش هيفرق معاه أي حاجه ، بس هقولك خاف ، من إلي بيعدي كتير من غير ما ياخد موقف منك ، عشان ده غدار ، في لحظه هيقلب وهيسيبك ، وهتفضل تدور عليه ، مش هتلاقيه ،لأنه ادالك فرص وكان نفسه تستغلها وتغير من نفسك .
عمر ما كان الساكت ، قلبه اسود ، أو بوشين ، كل إلي فيها مش عايز حياته كلها صراعات ، وتبريرات كدابه ، فبيريح راسه بالسكوت ، وبيعقد يتفرج حتى لو عارف إنك كداب ، بس بيجي يوم ويمل ، فبيمشي وهو ساكت بردو، وبتفضل تستغرب هو ليه مشي ، أنا معملتلوش حاجه ، أنا بتعامل بنفس الاسلوب إلي بتعامل بيه على طول معاه ،عارف الواحد ليه بيستغرب وقتها ، لأن في ناس ، لما بتفضل تعديلها ، و تمشي الدنيا ، تفتكر نفسها مثالية ، وإن انتَ متقدرش تعيش من غيرها ، َ محور حياتها ، لو جت صراحتك وقالتلك ،انت عملت كذا وكذا ، تفتكر هيكون ايه ردك ؟!.....لما تتفاجئ انها أخده بالها من تصرفاتك ، وانت عامل نفسك ، الذكي ، إلي بيلعب بالسمكة وديلها ، وفاهمها وهي طايرة.
فصمت وقال :
يعني ، هقولها ، طب مش جيتي ليه صرحتيني ؟!.. يمكن لو جت وقالتلي على في قلبها مني .... مش هنخسر بعض ..! صح مش كده ، ليه دايمًا بتفضلوا ساكتين . تفضلوا تتفرجوا وتعيشوا الدور كمان ، وفي الأخر تزعلوا ، مهو طبيعي ، انت لو مجتش وقولتلي على في قلبك ، طب أنا هعرف إزاى ؟!.. إلي بيزعلك مني ... طول ما أنت ساكت ومستحمل ... طبيعي إن أنا أتمادى ... منا مش عارف إذا كان إلي بعمله بيزعلك .. ولا ولا .
-ما تضحكش على نفسك ، انت مدرك إن إلي بتعمله غلط ، ولو قلبت عليك وعاملتك بنفس المعاملة ، هتتقمص وتزعل ، وهيكون رد فعلك هو هو نفسه
فليه ، زي ما انت بتتحب. وبتتقدر ، وحد بيعاملك بما يرضي ، الله ، عامله زي ما بيعاملك ، ليه الكدب والكيد إلي ملوش لازمة ، ليه تجرح وتقول ، دنا ما أقصدش ، انتَ فهمت غلط ، وانتَ عارف انك قاصد .
بص ، يا تامر ، مشكلة الناس إلي زي كده ، إن الكلام معاها ملوش لازمة ، عشان كده كتير بيفضلو السكوت عن أي كلام ، تصبح على خير يا تامر.
فذهبت لغرفتها ، وهو عاد ليراسل حبيبته ، وترك لها رسالة ، معتذراً عن سوء الفهم ، وأخلد إلى النوم .
وفي اليوم التالي .
ذهبت مريم إلى النادي ، لممارسة الرياضة اليومية الخاصة بها ، فتصادفت مع هيثم ، فأوقفها ليتحدث معها ، فقال :
مريم !
فقالت محدثة نفسها :
عايز ايه ده كمان ؟!
قال :
آسف ، إني وقفتك بالطريقة دي ، بس عايز اتكلم معاكي، على انفراد ممكن ؟!
قالت :
لا ، مش ممكن ، بعد اذنك .
- استني ، أنا والله بحبك جدًا ، ومش زي ما انتي فاكرة ، معرفش ليه أخده عني الفكرة دي ، رغم إن ، انا وتامر صحاب من سنين بس عمرك ما اتعاملتي معايا ، عشان تعرفيني ، اديني فرصة أثبتلك ، إن أنا مش أصفر زي ما بتقولي عني .
- ايه ده هو قلك ، طب كويس ، وفر عليا ، بص بقا ، لو انتَ آخر واحد في الدنيا ، مش هوافق عليك ، أبدًا أبدًا.
- وليه بقا ، أنا لا بتاع بنات زي أخوكي ، وماشي سكتي دغري ، ومليش في اللف والدوران .
- مش مرتحالك ، قلبي بيقولي إنك مش كويس ، أنا نفسي تبعد عن أخويا بجد ، لأنك حقود ومش سالك ، انتَ بتمثل المثالية ، وانتَ غير كده تمامًا .
فتركته وذهبت ، وغضب لحديثها معه بهذه الطريقة ، وقال :
مهما عملت مش نافع ، بس أنا هعرفك ، إزاي ترفضي هيثم البكري .
وذهب إلى الحانة التي يتعاطى بها المخدرات ، وبدأ يتعاطى جرعة كبيرة من غضبه ويقول :
ماشي ، يا مريم .
ماشي !!
وجاء من خلفة ، رجل جاحظ الوجه يدعى \" مرتضى السكري \" رجل عصابات، و تاجر للمخدرات ، فضرب كتفه وقال :
ايه يا عم هيثم بقالك يومين .. غايب يعني ؟!..
-أكيد مش بتسأل ، لسواد عيوني ، خير ؟
- ايه يا عم ، في حد مزعلك النهاردة ولا ايه ؟!
- يعني ، مضايق شوية .
- طب والي يفك الضيقة دي ، يا عم .
- مش فاهم .. انت عايز ايه ؟!
- ليك سبوبة حلوة ، انما ايه هتكسبك ملايين ، وأنا قولت ، انتَ أولى من أي حد .
- بجد ، إلي انتَ بتقوله ، ولا أنا تقلت العيار .
-عيب عليك ، اسمع ، الريس بتاعنا \"سمير البارودي \" شاري أرض في الصحرا وعايز يبني ڤيلا صغيرة كده ، ومخزن كبير ، وقلي أشوف مهندس ثقة ، ينفذله إلي هو عايزه ، فجيت في بالي على طول ، الشغلانة فيها قرشين حلوين ، بس الغلطة بعمرك ، انت فاهم طبعًا .
فشرد قليلاً ، ثم حدث نفسه وقال :
جتلك لحد عندك .
فضحك بخبث وقال :
ينفع أشغل معايا في المشروع صديق ثقة بردو ، وأشطر مني كمان .
-ماشي ، المهم الشغل يخلص من غير مشاكل ويكون على أكمل وجه ، وأنا هخدلك معاد مع الريس ، عشان تقابله ، ويتفق معاك ، انتَ وزميلك .
- ماشي ، وأنا مستني تليفونك .
وبعد أن غادر الرجل ، هاتف تامر ، وقال:
لسه زعلان مني ؟!
-لا ، من حقك تعبر عن مشاعرك ، وأنا من حقي احترم مشاعر اختي ، وأيدها في كل اختياراتها الخاصة ، فانت إلي مش تزعل .
فقبض على الهاتف بيديه من شدة الغضب ، فقال بنبرة من الهدوء :
وأنا مش هيأس ، هحاول ، المهم ، عندي ليك مشروع هيكسبنا ملايين مع رجل أعمال كبير .
- بجد ، يا هيثم .
- طبعاً أنا قولت ، مفيش غير صحبي وصديق عمري تامر ، هو إلي يستحق يشاركني في المشروع ده ونكبر سوا .
- تسلملي يا صحبي .
- بص بكرة هيكلمونا ، عشان نروح نتفق مع الراجل الكبير ، استنى اتصال مني .
- شكرًا يا هيثم ، أنا مش هنسالك ده طول عمري .
- متقولش كده ، احنا اخوات ، يا ما كان بنا عيش وملح .
وبعد أن أغلق معه الهاتف ، قال :
والله ، ووقعت في ايدي يا بن المنصوري ، وأنا مش هنسى لأختك إلي قالتهولي ، واكسر قلبها عليك ، زي ما كسرتني .
تم بحمد الله
انتهاء الحلقة
نراكم في الحلقات القادمة
الكاتبة / ندا محمود نجم. ❝ ⏤ندا محمود عبد اللطيف
❞ الحلقة الثانية من الرواية
وعند عودة تامر إلى المنزل تصادف مع مريم أمام المبنى ، فقال لها متذمرًا :
أنا بقيت مسخرة قدام صحابي ، عجبك كده ؟!!
اه ، ردي ، بدل ما أديكي في وشك ، وأريح الناس من شرك .
فأجابته وهي تسخر ، وتلوح بيدها :
صحابي ، صحابي ، يبني هما دول صحاب ، ياريتك مصاحب حد عدل ، كنا قلنا ماشي ، لكن إنت وهما عايزين إبادة ، ملكمش أي فايدة إطلاقًا .
فانزعج وقال :
اتكلمي عدل يا مريم ، عشان لغاية دولوقتي عامل اعتبار إنك أختي الصغيرة وبقول عيلة وبكرة تعقل ، لكن إنك تقلي مني ومن صحابي
ولوح بيده وقال :
لا ، أنا بقولك أهو ، احترمي أخوكي الكبير ، انتي فاهمه ولا ولا .
فقالت :
هما حيالله تلات سنين ، مش غاغا هي .
وتركته وصعدت للبيت .
فصاح فيها وقال:
بت ، لما بكون بكلمك ، مش تمشي إلا لما أخلص كلامي ، انت يا بت ، انتي با بتاعت الكونغ فو .
فدخلت الشقة وأغلقت الباب فى وجهه ، فصاح غاضبًا:
انا هعرفك إزاي تحترميني ، استني عندك .
فجأة لمح إحدى صديقات والدته وتدعى ˝ نرمين ˝ جالسة مع والدته في غرفة المعيشة ، فارتبك وكانت تنظر إليه ، فقال :
أهلاً يا طنط ، أهلا ، إزي حضرتك عاملة ايه ؟!
فأجابته :
أهلا يا حبيبي ، أخبارك كويس ؟!. سامعاك بتزعق ، في مشكلة .
- لا ، خالص ، دنا أنا ومريم كنا بنتناقش في شوية حاجات كده ، بس احنا عيلة كده صوتها عالى وهي بتتناقش ، فتحسي ان احنا بنتخانق ، لكن ، لا احنا بس بنتناقش .
- طيب يا حبيبي ، انا همشي بقا يا نادية ، وابقي فكري في إلي قولتلك عليه .
- سلام عليكو
- سلام. يا تامر ، وابقى سلملي على مريم ، عشان دخلت ومسلمتش عليا ، مش مشكلة ، يمكن ما أخدتش بالها .
فأشار بيده وقال :
سلام يا طنط
وأوصلتها الأم إلى الباب وقالت :
مع السلامه يا حبيبتي. ما تنسيش بقا .
- ربنا يقدم إلي فيه الخير .
وبعد أن غادرت ، فذهب تامر لأمه وأمسك يدها ، وقال:
تعالي بقا ، اقعديلي هنا ، قوليلي الست الحشرية دي عايزة ايه ، اوعي تكوني لسه مصرين تجوزوني بنتها .
- على أساس انها هتبور بنتها جمبك ، يا تك نيلة ، بنتها اتجوزت وقربت تولد. ، اومال انا كنت في فرح مين السنة الي فاتت .
فوضع يده على صدره وقال :
الحمد لله ، أومال موضوع ايه إلي مش عايزاكي تنسيه ؟!
- جايبة عريس لأختك مريم .
- وده ايه ظروفه ؟!
- راجل ، شغال برة مصر ، وظروفه المادية كويسة ، وأهله ناس محترمين ، يعني بتقولي مناسب ، وهيعيش مريم مبسوطة ومش محتاجة حاجة .
- أومال مش مبسوطة ليه ، مادام مناسب .
- قلقانة بس مش أكتر، بتقولي عنده ٤٢ سنه ، بس مش باين عليه شكله لسه شباب ،
- ايه ده ٤٢ ولسه متجوزش لغاية دولوقتي ، مع انو ظروفه كويسة يعني .
- ومستغرب ليه ، منتا قريب هتقفل 40 ولسه بتتسرمح ، على الأقل ده اتجوز وطلق ومعاه عيلين .
- نعم ، انتي بتقولي ايه ؟!
- اهدى شوية ، أنا غلطانة إن بفضفض معاك ، وبستشيرك قبل ما أقول لأختك .
- لو هي وافقت ، انا مش هوافق .
- وليه يبني ، أختك كبرت مبقتش صغيرة ، وبعدين الراجل مفيش حاجه تعيبه ، وولاده مع أمهم.
- كبرت ايه ، بنتك لسه قدامها إن هي تنقي وتختار إلي يناسبها ، وبعدين ، على عيني وراسي وراجل محترم وكويس وتمام ، بس افرضي حب يرجع لمراته عشان خاطر عياله ، عايزة بنتك تبقى زوجة تانية يا حاجة نادية .
- لا طبعًا ، طليقته أصلاً اتجوزت ، وهو مطلقها من ست سنين .
- اه قولي كده ، هو بقا ايه . لقى طليقته اتجوزت ، قال ايه هروح اشوف بنت عزبا وحلوة واتجوزها عشان اغيظ طليقتي .
- انت بتقول ايه ، يا بني ؟!
- بقول على جثتي الجوازة دي .
- طيب يا تامر افرض العكس ، لو اختك هي الى مطلقة دولوقتى ومعاها عيلين ، وجه ليها واحد أعزب وابن ناس وطلب يتجوزها ، هيكون ايه رد فعل اهله ، هل هيعترضوا ؟! لا ، لأنو بيحبها ، ورضي بيها بكل الظروف إلي فيها .
- هو إنتي مقتنعة بلي بتقوليه ده ، ماما ، إنتي أصلاً مش مقتنعة ، فيه فرق بين حب ، وفرق بين جواز على السيرة والصور .
- بقولك ايه ، الموضوع ده ميتفتحش تاني ، وانسي ، ولا مريم تعرف بالموضوع ، خلصنا .
وتركها ودخل غرفته وهو منزعج ، فجلست تبكي وتقول :
- طب اعمل ايه ؟!. أنا أم ونفسي أفرح ببنتي ، قبل ما أموت ، طب انت راجل ومش يتخاف عليك ، هتعيش في الدنيا بالطول والعرض وتتجوز بدل الواحدة اربعة ، لكن البنت دي ، هتعيش ازاى لوحدها ، لا قريب ولا غريب بقو بيسألوا عن حد .
ثم مسحت دمعتها وقالت :
هقوم أصلي المغرب ، وإن شاء الله ، المولى يحلها من عنده . اللهم لا اعتراض يارب
أما تامر قضى ليلته يفكر فيما قالته أمه وفيما قاله هيثم ، وقال :
طب وايه الحل ؟!. يعني أختي دولوقتي ، مش هيجيلها غير المطلق والأرمل ، أدي فرصة لهيثم ولا اعمل ايه ؟!
وأمسك هاتفه ثم قال :
هو أنا ليه حسيت مرة واحده بالمسئولية كده ، والله ، شكل وقت السرمحة قد ولى ، بقا فيه مسئولية على كتافك يا واد يا تامر .
ورن الهاتف ، وإذ ، بصديقته ˝ مي ˝ تُهاتفه ، فتبدل وجهه القلق ، بابتسامة عريضة ، وأجابها ، قائلاً:
روحي ، وحبيبة قلبي ، كنت لسه بفكر فيكى يا ميس .
وأجابته الأخرى بصياح :
ميس ؟!. ميس مين يا تامر ؟!!.. نهارك مش معدي النهاردة .
فنظر في هاتفه ، فوجد مي. وليس ميس ، وضرب رأسه وقال :
يا بنتي مش تفهميني غلط ، بقول مي ، تلاقي عندك السماعة بايظة ، صلحيها يا حبيبتي ، أو أنا أجبلك غيره جديد ، مكان إلي هيوديني في داهية ده
- بجد ، ولا بتضحك عليا ، أصل أنا عارقاك ،مش هفضل ألملم من وراك ، وصحابي دايما بيحظروني منك .
- وصحابك مين دول ، تلاقيهم غيرانين ، منك يا روحي وده كلام ، إنتي إلي في القلب ، وفي أرض الملعب ، والباقي إحتياط على الدكة .
- انت بتقول ايه ، يا تامر؟!
- بقولك ، انت إلي في القلب ، غيري السماعة بعد اذنك .
فكانت خلفه مريم ، وتتسمع عليه وضحكت ضحكة عالية ، وقالت :
يا تيمو ، انت فين يا حبيبي ؟
ففتح فمه من هول ما يحدث وبدأ يتلعثم ، والأخرى تصرخ وتقول :
مين دي يا تامر ، انت فين بالظبط ؟!. قولي بقا دي كمان عيب سماعه ، أكيد بتتسرمح مع صحابك الصيع .
- والله العظيم ، أنا في البيت ، بس أمي شغلت التلفزيون و وهي بتحب تعليه شويه ، ده فيلم .
وبدأ. يضع يده على رقبته وينظر إلى مريم ويشير إليها ، بأنها سوف يقتلها ، وهي تهز برأسها وتخرج لسانها له لإستفزازه ، فرمى بها وسادة فخرجت وهي تضحك وتقول :
نجحت المهمة !!! نيااااااااه .
وأما مي فقد أغلقت الهاتف ، وحاول أن يعاود الاتصال بها ، لها دون جدوى ، فقد غضبت وتجاهلت ،كل مكالماته .
فلما يأس من محاولاته ، قال :
أهي اتقمصت ، يارب تكوني مبسوطة يا أخت مريم .
فعادت إليه ، وقالت :
اه مبسوطة ، مادام هساعد بنت إنها تبعد عنك ، فأنا هبقى مبسوطة ، لأن أنا بنت ومبحبش أبدًا بنت تنخدع ، وتتعشم على الفاضي ، وتضيع مستقبلها جمب واحد زيك ، بيلعب ببنات الناس ، افتكر كل ما تكلم بنت ، إن ممكن تكون البنت دي أختك ، وزي ما بتخاف وبتغير على أختك ،خاف على بنات الناس ، لأن كله بيترد صدقني ، حتى لو كنت شيخة البنات وملتزمة ، ممكن ابتلي ، بواحد زيك .
فصمت بعض الشيء ، وكأنه تأثر بكلامها ، وقال :
ماشي يا مريم ، على العموم ، أنا جد المرة دي بس عايز أموري تستقر مهنيًا وكده .
- طب الحمد لله ، ربنا يهديك .
- هصالحها ازاى دولوقتي ، بعد العملة الهباب ، إلي عملتيها .
- لو بتحبك هتعدي ، عشان إلي عايزك جمبه ، مش هيفرق معاه أي حاجه ، بس هقولك خاف ، من إلي بيعدي كتير من غير ما ياخد موقف منك ، عشان ده غدار ، في لحظه هيقلب وهيسيبك ، وهتفضل تدور عليه ، مش هتلاقيه ،لأنه ادالك فرص وكان نفسه تستغلها وتغير من نفسك .
عمر ما كان الساكت ، قلبه اسود ، أو بوشين ، كل إلي فيها مش عايز حياته كلها صراعات ، وتبريرات كدابه ، فبيريح راسه بالسكوت ، وبيعقد يتفرج حتى لو عارف إنك كداب ، بس بيجي يوم ويمل ، فبيمشي وهو ساكت بردو، وبتفضل تستغرب هو ليه مشي ، أنا معملتلوش حاجه ، أنا بتعامل بنفس الاسلوب إلي بتعامل بيه على طول معاه ،عارف الواحد ليه بيستغرب وقتها ، لأن في ناس ، لما بتفضل تعديلها ، و تمشي الدنيا ، تفتكر نفسها مثالية ، وإن انتَ متقدرش تعيش من غيرها ، َ محور حياتها ، لو جت صراحتك وقالتلك ،انت عملت كذا وكذا ، تفتكر هيكون ايه ردك ؟!...لما تتفاجئ انها أخده بالها من تصرفاتك ، وانت عامل نفسك ، الذكي ، إلي بيلعب بالسمكة وديلها ، وفاهمها وهي طايرة.
فصمت وقال :
يعني ، هقولها ، طب مش جيتي ليه صرحتيني ؟!. يمكن لو جت وقالتلي على في قلبها مني .. مش هنخسر بعض .! صح مش كده ، ليه دايمًا بتفضلوا ساكتين . تفضلوا تتفرجوا وتعيشوا الدور كمان ، وفي الأخر تزعلوا ، مهو طبيعي ، انت لو مجتش وقولتلي على في قلبك ، طب أنا هعرف إزاى ؟!. إلي بيزعلك مني .. طول ما أنت ساكت ومستحمل .. طبيعي إن أنا أتمادى .. منا مش عارف إذا كان إلي بعمله بيزعلك . ولا ولا .
- ما تضحكش على نفسك ، انت مدرك إن إلي بتعمله غلط ، ولو قلبت عليك وعاملتك بنفس المعاملة ، هتتقمص وتزعل ، وهيكون رد فعلك هو هو نفسه
فليه ، زي ما انت بتتحب. وبتتقدر ، وحد بيعاملك بما يرضي ، الله ، عامله زي ما بيعاملك ، ليه الكدب والكيد إلي ملوش لازمة ، ليه تجرح وتقول ، دنا ما أقصدش ، انتَ فهمت غلط ، وانتَ عارف انك قاصد .
بص ، يا تامر ، مشكلة الناس إلي زي كده ، إن الكلام معاها ملوش لازمة ، عشان كده كتير بيفضلو السكوت عن أي كلام ، تصبح على خير يا تامر.
فذهبت لغرفتها ، وهو عاد ليراسل حبيبته ، وترك لها رسالة ، معتذراً عن سوء الفهم ، وأخلد إلى النوم .
وفي اليوم التالي .
ذهبت مريم إلى النادي ، لممارسة الرياضة اليومية الخاصة بها ، فتصادفت مع هيثم ، فأوقفها ليتحدث معها ، فقال :
مريم !
فقالت محدثة نفسها :
عايز ايه ده كمان ؟!
قال :
آسف ، إني وقفتك بالطريقة دي ، بس عايز اتكلم معاكي، على انفراد ممكن ؟!
قالت :
لا ، مش ممكن ، بعد اذنك .
- استني ، أنا والله بحبك جدًا ، ومش زي ما انتي فاكرة ، معرفش ليه أخده عني الفكرة دي ، رغم إن ، انا وتامر صحاب من سنين بس عمرك ما اتعاملتي معايا ، عشان تعرفيني ، اديني فرصة أثبتلك ، إن أنا مش أصفر زي ما بتقولي عني .
- ايه ده هو قلك ، طب كويس ، وفر عليا ، بص بقا ، لو انتَ آخر واحد في الدنيا ، مش هوافق عليك ، أبدًا أبدًا.
- وليه بقا ، أنا لا بتاع بنات زي أخوكي ، وماشي سكتي دغري ، ومليش في اللف والدوران .
- مش مرتحالك ، قلبي بيقولي إنك مش كويس ، أنا نفسي تبعد عن أخويا بجد ، لأنك حقود ومش سالك ، انتَ بتمثل المثالية ، وانتَ غير كده تمامًا .
فتركته وذهبت ، وغضب لحديثها معه بهذه الطريقة ، وقال :
مهما عملت مش نافع ، بس أنا هعرفك ، إزاي ترفضي هيثم البكري .
وذهب إلى الحانة التي يتعاطى بها المخدرات ، وبدأ يتعاطى جرعة كبيرة من غضبه ويقول :
ماشي ، يا مريم .
ماشي !!
وجاء من خلفة ، رجل جاحظ الوجه يدعى ˝ مرتضى السكري ˝ رجل عصابات، و تاجر للمخدرات ، فضرب كتفه وقال :
ايه يا عم هيثم بقالك يومين . غايب يعني ؟!.
- أكيد مش بتسأل ، لسواد عيوني ، خير ؟
- ايه يا عم ، في حد مزعلك النهاردة ولا ايه ؟!
- يعني ، مضايق شوية .
- طب والي يفك الضيقة دي ، يا عم .
- مش فاهم . انت عايز ايه ؟!
- ليك سبوبة حلوة ، انما ايه هتكسبك ملايين ، وأنا قولت ، انتَ أولى من أي حد .
- بجد ، إلي انتَ بتقوله ، ولا أنا تقلت العيار .
- عيب عليك ، اسمع ، الريس بتاعنا ˝سمير البارودي ˝ شاري أرض في الصحرا وعايز يبني ڤيلا صغيرة كده ، ومخزن كبير ، وقلي أشوف مهندس ثقة ، ينفذله إلي هو عايزه ، فجيت في بالي على طول ، الشغلانة فيها قرشين حلوين ، بس الغلطة بعمرك ، انت فاهم طبعًا .
فشرد قليلاً ، ثم حدث نفسه وقال :
جتلك لحد عندك .
فضحك بخبث وقال :
ينفع أشغل معايا في المشروع صديق ثقة بردو ، وأشطر مني كمان .
- ماشي ، المهم الشغل يخلص من غير مشاكل ويكون على أكمل وجه ، وأنا هخدلك معاد مع الريس ، عشان تقابله ، ويتفق معاك ، انتَ وزميلك .
- ماشي ، وأنا مستني تليفونك .
وبعد أن غادر الرجل ، هاتف تامر ، وقال:
لسه زعلان مني ؟!
- لا ، من حقك تعبر عن مشاعرك ، وأنا من حقي احترم مشاعر اختي ، وأيدها في كل اختياراتها الخاصة ، فانت إلي مش تزعل .
فقبض على الهاتف بيديه من شدة الغضب ، فقال بنبرة من الهدوء :
وأنا مش هيأس ، هحاول ، المهم ، عندي ليك مشروع هيكسبنا ملايين مع رجل أعمال كبير .
- بجد ، يا هيثم .
- طبعاً أنا قولت ، مفيش غير صحبي وصديق عمري تامر ، هو إلي يستحق يشاركني في المشروع ده ونكبر سوا .
- تسلملي يا صحبي .
- بص بكرة هيكلمونا ، عشان نروح نتفق مع الراجل الكبير ، استنى اتصال مني .
- شكرًا يا هيثم ، أنا مش هنسالك ده طول عمري .
- متقولش كده ، احنا اخوات ، يا ما كان بنا عيش وملح .
وبعد أن أغلق معه الهاتف ، قال :
والله ، ووقعت في ايدي يا بن المنصوري ، وأنا مش هنسى لأختك إلي قالتهولي ، واكسر قلبها عليك ، زي ما كسرتني .
تم بحمد الله
انتهاء الحلقة
نراكم في الحلقات القادمة
❞ قال بعض السلف : رأيت شابا في سفح جبل عليه آثار القلق ودموعه تتحادر ، فقلت : من أين ؟ فقال : آبق من مولاه ، قلت : فتعود فتعتذر ، فقال : العذر يحتاج إلى حُجة ولا حجة للمفرّط ، قلت : فتتعلق بشفيع ؟ قال : كل الشفعاء يخافون منه ، قلت : من هو ؟ قال : مولى رباني صغيرا فعصيته كبيرا ، فوا حيائي من حُسن صُنعه وقُبح فعلي ، ثم صاح فمات ، فخرجت عجوز فقالت : من أعان على قتل البائس الحيران ؟ فقلت : أقيم عندك أعينك عليه ، فقالت : خله ذليلا بين يدي قاتله عسى يراه بغير مَعين فيرحمه .. ❝ ⏤أبو الفرج عبد الرحمن بن الجوزي
❞ قال بعض السلف : رأيت شابا في سفح جبل عليه آثار القلق ودموعه تتحادر ، فقلت : من أين ؟ فقال : آبق من مولاه ، قلت : فتعود فتعتذر ، فقال : العذر يحتاج إلى حُجة ولا حجة للمفرّط ، قلت : فتتعلق بشفيع ؟ قال : كل الشفعاء يخافون منه ، قلت : من هو ؟ قال : مولى رباني صغيرا فعصيته كبيرا ، فوا حيائي من حُسن صُنعه وقُبح فعلي ، ثم صاح فمات ، فخرجت عجوز فقالت : من أعان على قتل البائس الحيران ؟ فقلت : أقيم عندك أعينك عليه ، فقالت : خله ذليلا بين يدي قاتله عسى يراه بغير مَعين فيرحمه. ❝
❞ تلامذة ابْن كثير
روى الْقِرَاءَة عَنهُ شبْل بن عباد مولى عبد الله بن عَامر الْأمَوِي وَإِسْمَاعِيل ابْن عبد الله بن قسطنطين مولى بني ميسرَة موَالِي الْعَاصِ بن هِشَام المَخْزُومِي ومعروف ابْن مشكان
وَقد روى عَنهُ حَمَّاد بن سَلمَة حروفا لَيست بالكثيرة وروى عَنهُ أَيْضا أَبُو عَمْرو بن الْعَلَاء والخليل بن أَحْمد وقرة بن خَالِد وَجَرِير بن حَازِم. ❝ ⏤أحمد بن موسى بن العباس التميمي أبو بكر بن مجاهد البغدادي
❞ تلامذة ابْن كثير
روى الْقِرَاءَة عَنهُ شبْل بن عباد مولى عبد الله بن عَامر الْأمَوِي وَإِسْمَاعِيل ابْن عبد الله بن قسطنطين مولى بني ميسرَة موَالِي الْعَاصِ بن هِشَام المَخْزُومِي ومعروف ابْن مشكان
وَقد روى عَنهُ حَمَّاد بن سَلمَة حروفا لَيست بالكثيرة وروى عَنهُ أَيْضا أَبُو عَمْرو بن الْعَلَاء والخليل بن أَحْمد وقرة بن خَالِد وَجَرِير بن حَازِم. ❝
⏤
أحمد بن موسى بن العباس التميمي أبو بكر بن مجاهد البغدادي
❞ إلهي ..
إنك ترى نفسي و لا يراها سواك .
تراها كالبيت الكبير الذي تصدعت منه الجدران و تهاوت السقوف و انكفأت الموائد .
بيتاً مهجوراً يتعاوى فيه الذئاب و يلهو فيه القردة و تغرد العصافير .
ساعةً تتلألأ فيه الأنوار و تموج فيه أشعة القمر .
و ساعةً أخرى مظلماً مطموساً محطم المصابيح تسرح فيه العناكب .
مرةً تحنو عليه يد الربيع فتتفتح الزهور على نوافذه و تصدح البلابل و تغزل الديدان الحرير و تفرز النحلات الطنانة العسل.
و مرةً أخرى يأتي عليه الزلزال فلا يكاد يخلف جداراً قائماً لولا ذلك الحبل الممدود الذي ينزل بالنجدة من سماوات رحمتك .
حبل لا إله إلا أنت سبحانك .
أنت الفاعل سبحانك و أنت مجري الأقدار و الأحكام .. و أنت الذي امتحنت و قويت و أضعفت و سترت و كشفت .. و ما أنا إلا السلب و العدم .. و كل توفيق لي كان منك و كل هداية لي كانت بفضلك و كل نور كان من نورك .. ما أنا إلا العين و المحل و كل ما جرى علي من استحقاقي و كل ما أظهرت فيّ كان بعدلك و رحمتك .. ما كان لي من الأمر شيء .
و هل لنا من الأمر شيء !؟
مولاي .. يقولون إن أكبر الخطايا هي خطايا العارفين .. و لكني أسألك يارب أين العارف أو الجاهل الذي استطاع أن يسلم من الفتنة دون رحمة منك .. و أنت الذي سويت نفوسنا و خلقتها و وصفتها بأنها
( لأمارة بالسوء إلا ما رحم ربي ) .
و أين من له الحول و القوة بدونك .. و هذا جبريل يقول لنبيك لا حول من معصية إلا بعصمة الله و لا قوة على طاعة الله إلا بتمكين الله .
و هل استعصم الذين استعصموا إلا بعصمتك و هل تاب الذين تابوا إلا بتوبتك .. و هل استغفروا إلا بمغفرتك .
إلهي .. لقد تنفست أول ما تنفست بك و نطقت بك و سمعت بك و أبصرت بك و مشيت بك و اهتديت بك .. و ضللت عندما خرجت عن أمرك .
سألتك يارب بعبوديتي أن ترفع عني غضبك .. فها أنا ذا و قد خلعت عن نفسي كل الدعاوي و تبرأت من كل حوْل و طوْل و لبست الذل في رحاب قدرتك .
إنك لن تضيعني و أنا عبدك .
لن تضيع عبداً ذل لربوبيتك و خشع لجلالك .
و كيف يضيع عبد عند مولىً رحيم فكيف إذا كان هذا المولى هو أرحم الراحمين .
ربّ اجذبني إليك بحبلك الممدود لأخرج من ظلمتي إلى نورك و من عدميتي إلى وجودك و من هواني إلى عزتك .. فأنت العزيز حقاً الذي لن تضرك ذنوبي و لن تنفعك حسناتي .
إن كل ذنوبنا يارب لن تنقص من ملكك .
و كل حسناتنا لن تزيد من سلطانك .
فأنت أنت المتعال على كل ما خلقت المستغني عن كل ما صنعت .
و أنت القائل :
هؤلاء في الجنة و لا أبالي و هؤلاء في النار و لا أبالي .
و أنت القائل على لسان نبيك :
( ما يعبأ بكم ربي لولا دعاؤكم )
فها أنا أدعوك فلا أكف عن الدعاء .. فأنا المحتاج.. أنا المشكلة .. و أنا المسألة .
أنا العدم و أنت الوجود فلا تضيعني .
عاوني يارب على أن اتخطى نفسي إلى نفسي .. أتخطى نفسي الأمارة الطامعة في حيازة الدنيا إلى نفسي الطامعة فيك في جوارك و رحمتك و نورك و وجهك .
لقد جربت حيازة كل شيء فما ازددت إلا فقراً و كلما طاوعت رغائبي ازدادت جوعاً و إلحاحاً و تنوعاً .
حينما طاوعت شهوتي إلى المال ازددت بالغنى طمعاً و حرصاً و حينما طاوعت شهوتي إلى النساء ازددت بالإشباع عطشاً و تطلعاً إلى التلوين و التغيير .. و كأنما أشرب من ماء مالح فأزداد على الشرب ظمأً على ظمأ .
و ما حسبته حرية كان عبودية و خضوعاً للحيوان المختفي تحت جلدي ثم هبوطاً إلى درك الآلية المادية و إلى سجن الضرورات و ظلمة الحشوة الطينية و غلظتها .
كنت أسقط و أنا أحسب أني أحلق و أرفرف .
و خدعني شيطاني حينما غلف هذه الرغبات بالشعر و زوقها بالخيال الكاذب و زينها بالعطور و زفها في أبهة الكلمات و بخور العواطف ، و لكن صحوة الندم كانت توقظني المرة بعد المرة على اللاشيء و الخواء .
إلهي .. لم تعد الدنيا و لا نفسي الطامعة في الدنيا و لا العلوم التي تسخر لي هذه الدنيا و لا الكلمات التي احتال بها على هذه الدنيا .. مرادي و لا بضاعتي .
و إنما أنت وحدك مرادي و مقصودي و مطلوبي فعاوني بك عليك و خلصني بك من سواك و أخرجني بنورك من عبوديتي لغيرك فكل طلب لغيرك خسار .
أنت أنت وحدك .. و ما أرتضي مشوار هذه الدنيا إلا لدلالة هذا المشوار عليك و ما يبهرني الجمال إلا لصدوره عنك و ما أقصد الخير و لا العدل و الحرية و لا الحق إلا لأنها تجليات و أحكام أسمائك الحسنى يامن تسميت بأنك الحق .
و لكن تلك هجرة لا أقدر عليها بدونك و نظرة لا أقوى عليها بغير معونتك .. فعاوني و اشدد أزري .. فحسبي النية و المبادرة فذلك جهد الفقير .. فليس أفقر مني .. و هل بعد العدم فقر .. و قد جئت إلى الدنيا معدماً و أخرج منها معدماً و أجوزها معدماً .. زادي منك و قوتي منك و رؤيتي منك و نوري منك .
و اليوم جاءت الهجرة الكبرى التي أعبر فيها بحار الدنيا دون أن أبتل و أخوض نارها دون أن أحترق .. فكيف السبيل إلى ذلك دون يدك مضمومة إلى يدي .
و هل يدي إلا من صنع يدك ؟ .. و هل يدي إلا من يدك ؟!
و هل هناك إلا يد واحدة ؟
لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين .
سبحانك لا أرى لي يداً .
سبحانك لا أرى سواك .
لا إله إلا الله .
لا إله إلا الله حقاً و صدقاً .
و ذاتك هي واحدة الحسن .
الحسن كله منها .
و الحب كله لها .
و يدك هي واحدة المشيئة .
الفعل كله منها و القوة كلها بها و إن تعددت الأيدي في الظاهر و ظن الظانون تعدد المشيئات .. و إن تعدد المحبون و تعددت المحبوبات .. ما يركع الكل إلا على بابك و ما يلثم الكل إلا أعتابك .. مؤمنون و كفرة .. و إن ظن الكافر أنه يلثم ديناراً أو يقبل خداً فإنما هي أيادي رحمتك أو أيادي لعنتك هي ما يلثم و يقبل دون أن يدري .
و إنما هي أسماء و أفعال و أوصاف .
و المسمى واحد .
و الفاعل واحد .
و الموصوف واحد .
لا إله إلا هو .
لا إله إلا الله .
الحمد له في الأول و الآخر .
رفعت الأقلام و طويت الصحف و انتهت الكلمات
مقال / دعاء العبد الخطاء
من كتاب / أناشيد الإثم والبراءة
للدكتور / مصطفى محمود (رحمه الله). ❝ ⏤مصطفى محمود
❞ إلهي .
إنك ترى نفسي و لا يراها سواك .
تراها كالبيت الكبير الذي تصدعت منه الجدران و تهاوت السقوف و انكفأت الموائد .
بيتاً مهجوراً يتعاوى فيه الذئاب و يلهو فيه القردة و تغرد العصافير .
ساعةً تتلألأ فيه الأنوار و تموج فيه أشعة القمر .
و ساعةً أخرى مظلماً مطموساً محطم المصابيح تسرح فيه العناكب .
مرةً تحنو عليه يد الربيع فتتفتح الزهور على نوافذه و تصدح البلابل و تغزل الديدان الحرير و تفرز النحلات الطنانة العسل.
و مرةً أخرى يأتي عليه الزلزال فلا يكاد يخلف جداراً قائماً لولا ذلك الحبل الممدود الذي ينزل بالنجدة من سماوات رحمتك .
حبل لا إله إلا أنت سبحانك .
أنت الفاعل سبحانك و أنت مجري الأقدار و الأحكام . و أنت الذي امتحنت و قويت و أضعفت و سترت و كشفت . و ما أنا إلا السلب و العدم . و كل توفيق لي كان منك و كل هداية لي كانت بفضلك و كل نور كان من نورك . ما أنا إلا العين و المحل و كل ما جرى علي من استحقاقي و كل ما أظهرت فيّ كان بعدلك و رحمتك . ما كان لي من الأمر شيء .
و هل لنا من الأمر شيء !؟
مولاي . يقولون إن أكبر الخطايا هي خطايا العارفين . و لكني أسألك يارب أين العارف أو الجاهل الذي استطاع أن يسلم من الفتنة دون رحمة منك . و أنت الذي سويت نفوسنا و خلقتها و وصفتها بأنها
( لأمارة بالسوء إلا ما رحم ربي ) .
و أين من له الحول و القوة بدونك . و هذا جبريل يقول لنبيك لا حول من معصية إلا بعصمة الله و لا قوة على طاعة الله إلا بتمكين الله .
و هل استعصم الذين استعصموا إلا بعصمتك و هل تاب الذين تابوا إلا بتوبتك . و هل استغفروا إلا بمغفرتك .
إلهي . لقد تنفست أول ما تنفست بك و نطقت بك و سمعت بك و أبصرت بك و مشيت بك و اهتديت بك . و ضللت عندما خرجت عن أمرك .
سألتك يارب بعبوديتي أن ترفع عني غضبك . فها أنا ذا و قد خلعت عن نفسي كل الدعاوي و تبرأت من كل حوْل و طوْل و لبست الذل في رحاب قدرتك .
إنك لن تضيعني و أنا عبدك .
لن تضيع عبداً ذل لربوبيتك و خشع لجلالك .
و كيف يضيع عبد عند مولىً رحيم فكيف إذا كان هذا المولى هو أرحم الراحمين .
ربّ اجذبني إليك بحبلك الممدود لأخرج من ظلمتي إلى نورك و من عدميتي إلى وجودك و من هواني إلى عزتك . فأنت العزيز حقاً الذي لن تضرك ذنوبي و لن تنفعك حسناتي .
إن كل ذنوبنا يارب لن تنقص من ملكك .
و كل حسناتنا لن تزيد من سلطانك .
فأنت أنت المتعال على كل ما خلقت المستغني عن كل ما صنعت .
و أنت القائل :
هؤلاء في الجنة و لا أبالي و هؤلاء في النار و لا أبالي .
و أنت القائل على لسان نبيك :
( ما يعبأ بكم ربي لولا دعاؤكم )
فها أنا أدعوك فلا أكف عن الدعاء . فأنا المحتاج. أنا المشكلة . و أنا المسألة .
أنا العدم و أنت الوجود فلا تضيعني .
عاوني يارب على أن اتخطى نفسي إلى نفسي . أتخطى نفسي الأمارة الطامعة في حيازة الدنيا إلى نفسي الطامعة فيك في جوارك و رحمتك و نورك و وجهك .
لقد جربت حيازة كل شيء فما ازددت إلا فقراً و كلما طاوعت رغائبي ازدادت جوعاً و إلحاحاً و تنوعاً .
حينما طاوعت شهوتي إلى المال ازددت بالغنى طمعاً و حرصاً و حينما طاوعت شهوتي إلى النساء ازددت بالإشباع عطشاً و تطلعاً إلى التلوين و التغيير . و كأنما أشرب من ماء مالح فأزداد على الشرب ظمأً على ظمأ .
و ما حسبته حرية كان عبودية و خضوعاً للحيوان المختفي تحت جلدي ثم هبوطاً إلى درك الآلية المادية و إلى سجن الضرورات و ظلمة الحشوة الطينية و غلظتها .
كنت أسقط و أنا أحسب أني أحلق و أرفرف .
و خدعني شيطاني حينما غلف هذه الرغبات بالشعر و زوقها بالخيال الكاذب و زينها بالعطور و زفها في أبهة الكلمات و بخور العواطف ، و لكن صحوة الندم كانت توقظني المرة بعد المرة على اللاشيء و الخواء .
إلهي . لم تعد الدنيا و لا نفسي الطامعة في الدنيا و لا العلوم التي تسخر لي هذه الدنيا و لا الكلمات التي احتال بها على هذه الدنيا . مرادي و لا بضاعتي .
و إنما أنت وحدك مرادي و مقصودي و مطلوبي فعاوني بك عليك و خلصني بك من سواك و أخرجني بنورك من عبوديتي لغيرك فكل طلب لغيرك خسار .
أنت أنت وحدك . و ما أرتضي مشوار هذه الدنيا إلا لدلالة هذا المشوار عليك و ما يبهرني الجمال إلا لصدوره عنك و ما أقصد الخير و لا العدل و الحرية و لا الحق إلا لأنها تجليات و أحكام أسمائك الحسنى يامن تسميت بأنك الحق .
و لكن تلك هجرة لا أقدر عليها بدونك و نظرة لا أقوى عليها بغير معونتك . فعاوني و اشدد أزري . فحسبي النية و المبادرة فذلك جهد الفقير . فليس أفقر مني . و هل بعد العدم فقر . و قد جئت إلى الدنيا معدماً و أخرج منها معدماً و أجوزها معدماً . زادي منك و قوتي منك و رؤيتي منك و نوري منك .
و اليوم جاءت الهجرة الكبرى التي أعبر فيها بحار الدنيا دون أن أبتل و أخوض نارها دون أن أحترق . فكيف السبيل إلى ذلك دون يدك مضمومة إلى يدي .
و هل يدي إلا من صنع يدك ؟ . و هل يدي إلا من يدك ؟!
و هل هناك إلا يد واحدة ؟
لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين .
سبحانك لا أرى لي يداً .
سبحانك لا أرى سواك .
لا إله إلا الله .
لا إله إلا الله حقاً و صدقاً .
و ذاتك هي واحدة الحسن .
الحسن كله منها .
و الحب كله لها .
و يدك هي واحدة المشيئة .
الفعل كله منها و القوة كلها بها و إن تعددت الأيدي في الظاهر و ظن الظانون تعدد المشيئات . و إن تعدد المحبون و تعددت المحبوبات . ما يركع الكل إلا على بابك و ما يلثم الكل إلا أعتابك . مؤمنون و كفرة . و إن ظن الكافر أنه يلثم ديناراً أو يقبل خداً فإنما هي أيادي رحمتك أو أيادي لعنتك هي ما يلثم و يقبل دون أن يدري .
و إنما هي أسماء و أفعال و أوصاف .
و المسمى واحد .
و الفاعل واحد .
و الموصوف واحد .
لا إله إلا هو .
لا إله إلا الله .
الحمد له في الأول و الآخر .
رفعت الأقلام و طويت الصحف و انتهت الكلمات
مقال / دعاء العبد الخطاء
من كتاب / أناشيد الإثم والبراءة
للدكتور / مصطفى محمود (رحمه الله). ❝