❞ وفاة الرسول في بيت عائشة
لما مرض النبي محمد مرضه الأخير، كانت رغبته أن يُمرّض في بيت عائشة، فأذنت له زوجاته.
وفي فترة مرضه تلك، جاءه بلال يؤذنه بالصلاة، فقال النبي محمد: «مُرُوا أَبَا بَكْرٍ فَلْيُصَلِّ بِالنَّاسِ»
فقالت عائشة: «يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ أَبَا بَكْرٍ رَجُلٌ أَسِيفٌ وَمَتَى مَا يَقُومُ مَقَامَكَ يَبْكِي فَلا يَسْتَطِيعُ فَلَوْ أَمَرْتَ عُمَرَ فَصَلَّى بِالنَّاسِ»، فقال: «مُرُوا أَبَا بَكْرٍ فَلْيُصَلِّ بِالنَّاسِ، فَإِنَّكُنَّ صَوَاحِبَاتُ يُوسُفَ».
وقالت عائشة بعد ذلك: «فَوَاللَّهِ مَا حَمَلَنِي حِينَئِذٍ أَنْ أُكَلِّمَهُ فِي ذَلِكَ إِلا كَرَاهِيَةَ أَنْ يَشْأَمَ النَّاسُ بِأَوَّلِ رَجُلٍ يَقُومُ مَقَامَ رَسُولِ اللَّهِ أَبَدًا».
وفي يوم الوفاة، دخل عبد الرحمن بن أبي بكر وبيده السواك، وعائشة مسندة النبي محمد إلى صدرها، فرأته ينظر إلى عبد الرحمن فعرفت أنه يحب السواك، فقالت: «آخذه لك»، فأشار برأسه أن نعم، فناولته فاشتد عليه، فقالت: «ألينه لك؟» فأشار برأسه أن نعم، فلينته. ثم حضرت النبي محمد الوفاة، فتذكر عائشة ذلك قائلة: «فَمَاتَ فِي الْيَوْمِ الَّذِي كَانَ يَدُورُ عَلَيَّ فِيهِ فِي بَيْتِي فَقَبَضَهُ اللَّهُ وَإِنَّ رَأْسَهُ لَبَيْنَ نَحْرِي وَسَحْرِي وَخَالَطَ رِيقُهُ رِيقِي».
تقول السيدة \"عائشة\" : فسقطت يد النبي و ثقلت رأسه على صدري، فعرفت أنه قد مات ، فَـ لم أدرِ ما أفعل !
فما كان منِّي غير أن خرجت من حجرتي، وفتحت بابي الذي يطل على الرجال في المسجد و أقول :
\" مات رسول الله، مات رسول الله \"
تقول : فـانفجر المسجد بـالبكاء
فَـهذا \"عليّ بن أبي طالب\" أقعد فَـلم يقدر أن يتحرك !
وهذا \"عثمان بن عفان\" كالصبي يؤخذ بيده يمنة و يسرى !
و هذا \"عمر بن الخطاب\" يرفع سيفه و يقول مَن قال أنه قد مات قطعت رأسه!
إنه ذهب للقاء ربه كما ذهب \"موسىٰ\" للقاء ربه و سيعود و سأقتل من قال أنه قد مات ..
أما أثبت الناس فَـكان \"أبو بكر الصديق\" رضي الله عنه ، دخل على النبي و احتضنه ..
وقال : وآ خليلاه ، وآ صفياه ، وآ حبيباه ، وآ نبياه و قبّل النبي
و قال : طبت حيًا وطبت ميتًا يا رسول الله ..
ثم خرج يقول \" مَن گان يعبد محمدًا فإن محمدًا قد مات ، و من كان يعبد الله فإن الله حي لا يموت \". ودُفن النبي محمد في حجرة عائشة في المكان الذي توفي فيه.
ويروي سعيد بن المسيب عن عائشة أنها رأت في منامها كأن ثلاثة أقمار سقطت في حجرتي، فسألت أباها، فقال: «يَا عَائِشَةُ، إِنْ تَصْدُقْ رُؤْيَاكِ يُدْفَنُ فِي بَيْتِكِ خَيْرُ أَهْلِ الأَرْضِ ثَلاثَةٌ»، فلما توفي النبي محمد ودُفن، قال لها أبو بكر: « يَا عَائِشَةُ، هَذَا خَيْرُ أَقْمَارِكِ، وَهُوَ أَحَدُهَا». ثم دُفن بعد ذلك في حجرتها أبو بكر وعمر بن الخطاب، فكان ذلك تمام الثلاثة أقمار.
بعد وفاة النبي محمد واختيار أبي بكر خليفة للمسلمين، لزمت عائشة حجرتها، ولما أراد أزواج النبي أن يرسلن عثمان إلى أبي بكر يسألنه ميراثهن من النبي محمد، استنكرت عائشة وقالت لهن: «أَلَيْسَ قَدْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ، لَا نُورَثُ مَا تَرَكْنَا فَهُوَ صَدَقَةٌ». ولم تطل خلافة أبي بكر، فحضرته الوفاة بعد سنتين وثلاثة أشهر وعشر ليال من خلافته. وقد أشرفت عائشة على مرض أبيها، فكانت تعزي نفسها ببيت شعر قائلة:
لعمرك ما يغني الثراء عن الفتى إذا حشرجت يوماً وضاق بها الصدر.
فنهاها أبو بكر عن ذلك وأمرها بتلاوة القرآن، وقال لها: « لا تَقُولِي هَكَذَا يَا بُنَيَّةُ، وَلَكِنْ قُولِي، وَجَاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ذَلِكَ مَا كُنْتَ مِنْهُ تَحِيدُ »، فعادت وأنشدت:
وأبيض يستسقى الغمام بوجهه ربيع اليتامى عصمة الأرامل.
فقال أبو بكر: «ذَاكَ رَسُوْلُ الله ».
وقد أوصى أبو بكر عائشة أن يُدفن بجوار النبي محمد، فلما توفي حفر له في حجرة عائشة، وجُعل رأسه عند كتفي النبي محمد.
بعد وفاة أبي بكر، كرّست عائشة حياتها لنشر الدين الإسلامي، فكانت تروي الحديث وتفتي في أمور الدين، وكان عمر ثم عثمان يرسلان إليها فيسألانها. ولما طُعن عمر، أرسل ابنه عبد الله ليستأذن عائشة في أن يُدفن إلى جوار النبي محمد وأبي بكر.
فقالت عائشة: «قَدْ كُنْتُ أُرِيدُهُ لِنَفْسِي وَلأُوثِرَنَّهُ الْيَوْمَ عَلَى نَفْسِي».
وبعد وفاته، عاد عبد الله فاستأذن عائشة، فأذنت له، فكان عمر ثالث ثلاثة دفنوا في حجرتها.
فقه عائشة
كانت عائشة من أعلم النساء بدين الإسلام وما اتصل به من قرآن وتفسير وحديث وفقه، فقد قال مسروق بن الأجدع: «رأيت مشيخة أصحاب محمد يسألونها عن الفرائض». وكان عمر يحيل إليها كل ما يتعلق بأحكام النساء، أو بأحوال النبي البيتية، لا يضارعها في هذا الاختصاص أحدٌ على الإطلاق. وقال الزهري: «لو جُمع علم عائشة إلى علم جميع النساء لكان علم عائشة أفضل».
كانت عائشة كثيرة السؤال للنبي محمد عن معاني الآيات القرآنية، فمكّنها ذلك من القدرة على تفسير القرآن.
كما تمتعت عائشة بنت أبي بكر بذاكرة قوية مكّنتها من رواية الكثير من الأحاديث عن النبي محمد، إلى جانب حفظها الكثير من الشعر والأمثال، بالإضافة إلى كثرة سؤالها للنبي محمد، حتى قال عنها ابن أبي مليكة: «كانت لا تسمع شيئًا لا تعرفه إلا وراجعت فيه حتى تعرفه»
ولمحبة النبي محمد لعائشة، كانت النساء يلجأن إلى عائشة لتنقل شكواهن إلى النبي محمد لما لها من مكانة عنده، والأمثلة كثيرة في هذا الصدد.
فتروي عائشة أن الرجل كان يُطلّق امرأته ما شاء ثم يرجعها في عدتها، وإن طلقها مائة مرة، حتى قال رجل لامرأته: «والله لا أطلقك فتبيني مني، ولا آويك أبدًا»، فقالت: «وكيف ذلك؟»، قال: «أطلقك، فكلما همت عدتك أن تنقضي راجعتك».
فذهبت المرأة إلى عائشة فأخبرتها، فانتظرت عائشة حتى جاء النبي محمد فأخبرته، فنزل الوحي بقوله:( الطَّلاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ وَلا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئاً إِلاّ أَنْ يَخَافَا أَلاَّ يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلا تَعْتَدُوهَا وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ، فَإِن طَلَّقَهَا فَلاَ تَحِلُّ لَهُ مِن بَعْدُ حَتَّىَ تَنكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ فَإِن طَلَّقَهَا فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَن يَتَرَاجَعَا إِن ظَنَّا أَن يُقِيمَا حُدُودَ اللّهِ وَتِلْكَ حُدُودُ اللّهِ يُبَيِّنُهَا لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ).
وفي مثال آخر، دخلت فتاة على عائشة تشتكي بأن أباها زوجها بابن أخيه وهي كارهة، فأخبرت عائشة النبي محمد، فأرسل إلى أبيها، فجعل الأمر إليها، فقالت: «يا رسول الله، قد أجزت ما صنع أبي، ولكني أردت أن أعلم النساء من الأمر شيئًا؟».
وبعد وفاة النبي محمد، بقيت عائشة تدافع عن المرأة، وتنكر على كل من يتكلم بشيء ينال من كرامة المرأة وتغضب منه. فقد دخل عليها يومًا رجلان فقالا: «إن أبا هريرة يحدث أن النبي كان يقول إنما الطيرة في المرأة والدابة والدار»
فغضبت ثم قالت: «كذب، والذي أنزل القرآن على أبي القاسم من حدث بهذا عن رسول الله، إنما قال رسول الله: كان أهل الجاهلية يقولون: إن الطيرة في الدابة والمرأة والدار»، ثم قرأت:( مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ).
وكما كانت شديدة الدفاع عن النساء وحقوقهن، كانت شديدة الإنكار على النساء اللواتي يخالفن سنة النبي محمد وأحكام الشريعة. فقد دخل عليها يومًا نسوة من أهل الشام، فقالت: «ممن أنتن؟»
قلن: «من أهل الشام» قالت: «لعلكن من الكورة التي تدخل نساؤها الحمامات» قلن: «نعم»
فقالت: «أما إني سمعت رسول الله، يقول ما من امرأة تخلع ثيابها في غير بيتها إلا هتكت ما بينها وبين الله تعالى».
ولما رأت تغيرًا في ملابس بعض النساء بعد وفاة النبي محمد، أنكرت عليهن وقالت: «لو أدرك رسول الله، ما أحدث النساء لمنعهن المسجد، كما منعه نساء بني إسرائيل».
#بعض المواقف من حياة السيدة عائشة مع الرسول صلى الله عليه وسلم
ذكر ابن سعد في طبقاته عن عباد بن حمزة أن عائشة -رضي الله عنها- قالت: يا نبي الله، ألا تكنيني؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: \"اكتني بابنك عبد الله بن الزبير\"، فكانت تكنى بأم عبد الله.
وعن هشام بن عروة عن أبيه قال: قالت لي عائشة: يابن أختي، قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: \"ما يخفى عليَّ حين تغضبين ولا حين ترضين\". فقلت: بمَ تعرف ذاك بأبي أنت وأمي؟ قال: \"أما حين ترضين فتقولين حين تحلفين: لا ورب محمد، وأما حين تغضبين فتقولين: لا ورب إبراهيم\". فقلت: صدقت يا رسول الله صلى الله عليه وسلم.
بعض المواقف من حياة أم المؤمنين عائشة مع الصحابة
كان من أهم المواقف في حياتها -رضي الله عنها- مع الصحابة ما جاء في أحداث موقعة الجمل في جمادى الآخرة سنة ست وثلاثين، والتي راح ضحيتها اثنان من خيرة أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم هما: طلحة والزبير رضي الله عنهما، ونحو عشرين ألفًا من المسلمين.
أثر السيدة عائشة في الآخرين
أن أعظم مدرسة شهدتها المدينة المنورة في ذلك الوقت هي زاوية المسجد النبوي التي كانت قريبة من الحجرة النبوية وملاصقة لمسكن زوج النبي صلى الله عليه وسلم، كانت هذه المدرسة مثابة للناس، يقصدونها متعلمين ومستفتين حتى غدت أول مدارس الإسلام وأعظمها أثرًا في تاريخ الفكر الإسلامي، ومعلِّمة هذه المدرسة كانت أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها.
هذا وقد تخرج في مدرسة أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها عددٌ كبير من سادة العلماء ومشاهير التابعين، ومسند الإمام أحمد بن حنبل يضم في طياته أكبر عدد من مروياتها رضي الله عنها.
ومن أبلغ أثرها في الآخرين أنها رضي الله عنها روى عنها مائتان وتسعة وتسعون من الصحابة والتابعين أحاديثَ الرسول صلى الله عليه وسلم.
السيدة عائشة تفتي في عهد الخلفاء الراشدين
قضت السيدة عائشة رضي الله عنها بقية عمرها بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم كمرجع أساسي للسائلين والمستفتين، وقدوة يُقتدى بها في سائر المجالات والشئون، وقد كان الأكابر من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ومشيختهم يسألونها ويستفتونها.
كانت أم المؤمنين عائشة الله عنها قد استقلت بالفتوى وحازت على هذا المنصب الجليل المبارك منذ وفاة النبي رضي الله عنها، وأصبحت مرجع السائلين ومأوى المسترشدين، وبقيت على هذا المنصب في زمن الخلفاء كلهم إلى أن وافاها الأجل.
ميزات السيدة عائشة
لم يتزوّج النبي صلى الله عليه وسلم بِكراً غيرها.
كانت أحبّ أزواجه إليه عليه الصلاة والسلام. برأها الله تعالى من حادثة الإفك بوحيٍ يُتلى.
تميّزت بغزارة علمها لدرجة أن كبار الصحابة يرجعون إليها في مسائل فقهية.
كان الوحي ينزل على النبي صلى الله عليه وسلم وهو في لحافها دون غيرها من باقي أزواجه رضي الله عنهنّ أجمعين.
توفّي النبي صلى الله عليه وسلم في بيتها بين سَحرها ونحرها.
وفاتها
بعد موقعة الجمل، عادت عائشة فلزمت بيتها حتى حضرتها الوفاة في ليلة الثلاثاء 17 رمضان 58 هـ ، وصلى عليها أبو هريرة بعد صلاة الوتر، ونزل في قبرها عبد الله وعروة ابنا الزبير بن العوام من أختها أسماء بنت أبي بكر والقاسم وعبد الله ابني محمد بن أبي بكر، وعبد الله بن عبد الرحمن بن أبي بكر، ُ في البقيع.
#أمهات_المؤمنين
#صفاءفوزي. ❝ ⏤مجموعة من المؤلفين
❞ وفاة الرسول في بيت عائشة
لما مرض النبي محمد مرضه الأخير، كانت رغبته أن يُمرّض في بيت عائشة، فأذنت له زوجاته.
وفي فترة مرضه تلك، جاءه بلال يؤذنه بالصلاة، فقال النبي محمد: «مُرُوا أَبَا بَكْرٍ فَلْيُصَلِّ بِالنَّاسِ» فقالت عائشة: «يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ أَبَا بَكْرٍ رَجُلٌ أَسِيفٌ وَمَتَى مَا يَقُومُ مَقَامَكَ يَبْكِي فَلا يَسْتَطِيعُ فَلَوْ أَمَرْتَ عُمَرَ فَصَلَّى بِالنَّاسِ»، فقال: «مُرُوا أَبَا بَكْرٍ فَلْيُصَلِّ بِالنَّاسِ، فَإِنَّكُنَّ صَوَاحِبَاتُ يُوسُفَ».
وقالت عائشة بعد ذلك: «فَوَاللَّهِ مَا حَمَلَنِي حِينَئِذٍ أَنْ أُكَلِّمَهُ فِي ذَلِكَ إِلا كَرَاهِيَةَ أَنْ يَشْأَمَ النَّاسُ بِأَوَّلِ رَجُلٍ يَقُومُ مَقَامَ رَسُولِ اللَّهِ أَبَدًا».
وفي يوم الوفاة، دخل عبد الرحمن بن أبي بكر وبيده السواك، وعائشة مسندة النبي محمد إلى صدرها، فرأته ينظر إلى عبد الرحمن فعرفت أنه يحب السواك، فقالت: «آخذه لك»، فأشار برأسه أن نعم، فناولته فاشتد عليه، فقالت: «ألينه لك؟» فأشار برأسه أن نعم، فلينته. ثم حضرت النبي محمد الوفاة، فتذكر عائشة ذلك قائلة: «فَمَاتَ فِي الْيَوْمِ الَّذِي كَانَ يَدُورُ عَلَيَّ فِيهِ فِي بَيْتِي فَقَبَضَهُ اللَّهُ وَإِنَّ رَأْسَهُ لَبَيْنَ نَحْرِي وَسَحْرِي وَخَالَطَ رِيقُهُ رِيقِي».
تقول السيدة ˝عائشة˝ : فسقطت يد النبي و ثقلت رأسه على صدري، فعرفت أنه قد مات ، فَـ لم أدرِ ما أفعل !
فما كان منِّي غير أن خرجت من حجرتي، وفتحت بابي الذي يطل على الرجال في المسجد و أقول :
˝ مات رسول الله، مات رسول الله ˝
تقول : فـانفجر المسجد بـالبكاء
فَـهذا ˝عليّ بن أبي طالب˝ أقعد فَـلم يقدر أن يتحرك !
وهذا ˝عثمان بن عفان˝ كالصبي يؤخذ بيده يمنة و يسرى !
و هذا ˝عمر بن الخطاب˝ يرفع سيفه و يقول مَن قال أنه قد مات قطعت رأسه!
إنه ذهب للقاء ربه كما ذهب ˝موسىٰ˝ للقاء ربه و سيعود و سأقتل من قال أنه قد مات .
أما أثبت الناس فَـكان ˝أبو بكر الصديق˝ رضي الله عنه ، دخل على النبي و احتضنه .
وقال : وآ خليلاه ، وآ صفياه ، وآ حبيباه ، وآ نبياه و قبّل النبي
و قال : طبت حيًا وطبت ميتًا يا رسول الله .
ثم خرج يقول ˝ مَن گان يعبد محمدًا فإن محمدًا قد مات ، و من كان يعبد الله فإن الله حي لا يموت ˝. ودُفن النبي محمد في حجرة عائشة في المكان الذي توفي فيه.
ويروي سعيد بن المسيب عن عائشة أنها رأت في منامها كأن ثلاثة أقمار سقطت في حجرتي، فسألت أباها، فقال: «يَا عَائِشَةُ، إِنْ تَصْدُقْ رُؤْيَاكِ يُدْفَنُ فِي بَيْتِكِ خَيْرُ أَهْلِ الأَرْضِ ثَلاثَةٌ»، فلما توفي النبي محمد ودُفن، قال لها أبو بكر: « يَا عَائِشَةُ، هَذَا خَيْرُ أَقْمَارِكِ، وَهُوَ أَحَدُهَا». ثم دُفن بعد ذلك في حجرتها أبو بكر وعمر بن الخطاب، فكان ذلك تمام الثلاثة أقمار.
بعد وفاة النبي محمد واختيار أبي بكر خليفة للمسلمين، لزمت عائشة حجرتها، ولما أراد أزواج النبي أن يرسلن عثمان إلى أبي بكر يسألنه ميراثهن من النبي محمد، استنكرت عائشة وقالت لهن: «أَلَيْسَ قَدْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ، لَا نُورَثُ مَا تَرَكْنَا فَهُوَ صَدَقَةٌ». ولم تطل خلافة أبي بكر، فحضرته الوفاة بعد سنتين وثلاثة أشهر وعشر ليال من خلافته. وقد أشرفت عائشة على مرض أبيها، فكانت تعزي نفسها ببيت شعر قائلة:
لعمرك ما يغني الثراء عن الفتى إذا حشرجت يوماً وضاق بها الصدر.
فنهاها أبو بكر عن ذلك وأمرها بتلاوة القرآن، وقال لها: « لا تَقُولِي هَكَذَا يَا بُنَيَّةُ، وَلَكِنْ قُولِي، وَجَاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ذَلِكَ مَا كُنْتَ مِنْهُ تَحِيدُ »، فعادت وأنشدت:
وأبيض يستسقى الغمام بوجهه ربيع اليتامى عصمة الأرامل.
فقال أبو بكر: «ذَاكَ رَسُوْلُ الله ».
وقد أوصى أبو بكر عائشة أن يُدفن بجوار النبي محمد، فلما توفي حفر له في حجرة عائشة، وجُعل رأسه عند كتفي النبي محمد.
بعد وفاة أبي بكر، كرّست عائشة حياتها لنشر الدين الإسلامي، فكانت تروي الحديث وتفتي في أمور الدين، وكان عمر ثم عثمان يرسلان إليها فيسألانها. ولما طُعن عمر، أرسل ابنه عبد الله ليستأذن عائشة في أن يُدفن إلى جوار النبي محمد وأبي بكر.
فقالت عائشة: «قَدْ كُنْتُ أُرِيدُهُ لِنَفْسِي وَلأُوثِرَنَّهُ الْيَوْمَ عَلَى نَفْسِي».
وبعد وفاته، عاد عبد الله فاستأذن عائشة، فأذنت له، فكان عمر ثالث ثلاثة دفنوا في حجرتها.
فقه عائشة
كانت عائشة من أعلم النساء بدين الإسلام وما اتصل به من قرآن وتفسير وحديث وفقه، فقد قال مسروق بن الأجدع: «رأيت مشيخة أصحاب محمد يسألونها عن الفرائض». وكان عمر يحيل إليها كل ما يتعلق بأحكام النساء، أو بأحوال النبي البيتية، لا يضارعها في هذا الاختصاص أحدٌ على الإطلاق. وقال الزهري: «لو جُمع علم عائشة إلى علم جميع النساء لكان علم عائشة أفضل».
كانت عائشة كثيرة السؤال للنبي محمد عن معاني الآيات القرآنية، فمكّنها ذلك من القدرة على تفسير القرآن.
كما تمتعت عائشة بنت أبي بكر بذاكرة قوية مكّنتها من رواية الكثير من الأحاديث عن النبي محمد، إلى جانب حفظها الكثير من الشعر والأمثال، بالإضافة إلى كثرة سؤالها للنبي محمد، حتى قال عنها ابن أبي مليكة: «كانت لا تسمع شيئًا لا تعرفه إلا وراجعت فيه حتى تعرفه» ولمحبة النبي محمد لعائشة، كانت النساء يلجأن إلى عائشة لتنقل شكواهن إلى النبي محمد لما لها من مكانة عنده، والأمثلة كثيرة في هذا الصدد.
فتروي عائشة أن الرجل كان يُطلّق امرأته ما شاء ثم يرجعها في عدتها، وإن طلقها مائة مرة، حتى قال رجل لامرأته: «والله لا أطلقك فتبيني مني، ولا آويك أبدًا»، فقالت: «وكيف ذلك؟»، قال: «أطلقك، فكلما همت عدتك أن تنقضي راجعتك».
فذهبت المرأة إلى عائشة فأخبرتها، فانتظرت عائشة حتى جاء النبي محمد فأخبرته، فنزل الوحي بقوله:( الطَّلاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ وَلا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئاً إِلاّ أَنْ يَخَافَا أَلاَّ يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلا تَعْتَدُوهَا وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ، فَإِن طَلَّقَهَا فَلاَ تَحِلُّ لَهُ مِن بَعْدُ حَتَّىَ تَنكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ فَإِن طَلَّقَهَا فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَن يَتَرَاجَعَا إِن ظَنَّا أَن يُقِيمَا حُدُودَ اللّهِ وَتِلْكَ حُدُودُ اللّهِ يُبَيِّنُهَا لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ).
وفي مثال آخر، دخلت فتاة على عائشة تشتكي بأن أباها زوجها بابن أخيه وهي كارهة، فأخبرت عائشة النبي محمد، فأرسل إلى أبيها، فجعل الأمر إليها، فقالت: «يا رسول الله، قد أجزت ما صنع أبي، ولكني أردت أن أعلم النساء من الأمر شيئًا؟».
وبعد وفاة النبي محمد، بقيت عائشة تدافع عن المرأة، وتنكر على كل من يتكلم بشيء ينال من كرامة المرأة وتغضب منه. فقد دخل عليها يومًا رجلان فقالا: «إن أبا هريرة يحدث أن النبي كان يقول إنما الطيرة في المرأة والدابة والدار» فغضبت ثم قالت: «كذب، والذي أنزل القرآن على أبي القاسم من حدث بهذا عن رسول الله، إنما قال رسول الله: كان أهل الجاهلية يقولون: إن الطيرة في الدابة والمرأة والدار»، ثم قرأت:( مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ).
وكما كانت شديدة الدفاع عن النساء وحقوقهن، كانت شديدة الإنكار على النساء اللواتي يخالفن سنة النبي محمد وأحكام الشريعة. فقد دخل عليها يومًا نسوة من أهل الشام، فقالت: «ممن أنتن؟» قلن: «من أهل الشام» قالت: «لعلكن من الكورة التي تدخل نساؤها الحمامات» قلن: «نعم» فقالت: «أما إني سمعت رسول الله، يقول ما من امرأة تخلع ثيابها في غير بيتها إلا هتكت ما بينها وبين الله تعالى».
ولما رأت تغيرًا في ملابس بعض النساء بعد وفاة النبي محمد، أنكرت عليهن وقالت: «لو أدرك رسول الله، ما أحدث النساء لمنعهن المسجد، كما منعه نساء بني إسرائيل».
#بعض المواقف من حياة السيدة عائشة مع الرسول صلى الله عليه وسلم
ذكر ابن سعد في طبقاته عن عباد بن حمزة أن عائشة -رضي الله عنها- قالت: يا نبي الله، ألا تكنيني؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ˝اكتني بابنك عبد الله بن الزبير˝، فكانت تكنى بأم عبد الله.
وعن هشام بن عروة عن أبيه قال: قالت لي عائشة: يابن أختي، قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: ˝ما يخفى عليَّ حين تغضبين ولا حين ترضين˝. فقلت: بمَ تعرف ذاك بأبي أنت وأمي؟ قال: ˝أما حين ترضين فتقولين حين تحلفين: لا ورب محمد، وأما حين تغضبين فتقولين: لا ورب إبراهيم˝. فقلت: صدقت يا رسول الله صلى الله عليه وسلم.
بعض المواقف من حياة أم المؤمنين عائشة مع الصحابة
كان من أهم المواقف في حياتها -رضي الله عنها- مع الصحابة ما جاء في أحداث موقعة الجمل في جمادى الآخرة سنة ست وثلاثين، والتي راح ضحيتها اثنان من خيرة أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم هما: طلحة والزبير رضي الله عنهما، ونحو عشرين ألفًا من المسلمين.
أثر السيدة عائشة في الآخرين
أن أعظم مدرسة شهدتها المدينة المنورة في ذلك الوقت هي زاوية المسجد النبوي التي كانت قريبة من الحجرة النبوية وملاصقة لمسكن زوج النبي صلى الله عليه وسلم، كانت هذه المدرسة مثابة للناس، يقصدونها متعلمين ومستفتين حتى غدت أول مدارس الإسلام وأعظمها أثرًا في تاريخ الفكر الإسلامي، ومعلِّمة هذه المدرسة كانت أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها.
هذا وقد تخرج في مدرسة أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها عددٌ كبير من سادة العلماء ومشاهير التابعين، ومسند الإمام أحمد بن حنبل يضم في طياته أكبر عدد من مروياتها رضي الله عنها.
ومن أبلغ أثرها في الآخرين أنها رضي الله عنها روى عنها مائتان وتسعة وتسعون من الصحابة والتابعين أحاديثَ الرسول صلى الله عليه وسلم.
السيدة عائشة تفتي في عهد الخلفاء الراشدين
قضت السيدة عائشة رضي الله عنها بقية عمرها بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم كمرجع أساسي للسائلين والمستفتين، وقدوة يُقتدى بها في سائر المجالات والشئون، وقد كان الأكابر من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ومشيختهم يسألونها ويستفتونها.
كانت أم المؤمنين عائشة الله عنها قد استقلت بالفتوى وحازت على هذا المنصب الجليل المبارك منذ وفاة النبي رضي الله عنها، وأصبحت مرجع السائلين ومأوى المسترشدين، وبقيت على هذا المنصب في زمن الخلفاء كلهم إلى أن وافاها الأجل.
ميزات السيدة عائشة
لم يتزوّج النبي صلى الله عليه وسلم بِكراً غيرها.
كانت أحبّ أزواجه إليه عليه الصلاة والسلام. برأها الله تعالى من حادثة الإفك بوحيٍ يُتلى.
تميّزت بغزارة علمها لدرجة أن كبار الصحابة يرجعون إليها في مسائل فقهية.
كان الوحي ينزل على النبي صلى الله عليه وسلم وهو في لحافها دون غيرها من باقي أزواجه رضي الله عنهنّ أجمعين.
توفّي النبي صلى الله عليه وسلم في بيتها بين سَحرها ونحرها.
وفاتها
بعد موقعة الجمل، عادت عائشة فلزمت بيتها حتى حضرتها الوفاة في ليلة الثلاثاء 17 رمضان 58 هـ ، وصلى عليها أبو هريرة بعد صلاة الوتر، ونزل في قبرها عبد الله وعروة ابنا الزبير بن العوام من أختها أسماء بنت أبي بكر والقاسم وعبد الله ابني محمد بن أبي بكر، وعبد الله بن عبد الرحمن بن أبي بكر، ُ في البقيع.
❞ ومن القنوع الرضا مزار الطيف، وتسليم الخيال. وهذا إنما يحدث عن ذكر لا يفارق، وعهد لا يحول، وفكر لا ينقضي. فإذا نامت العيون وهدأت الحركات سرى الطيف. وفي ذلك أقول: زار الـخـيال فـتـى طـالـت صـبـــابـــتـــه على احتفاظ من الحراس والحفظة فبـت فـي لـيلـتـي جـذلان مـبـــتـــهـــجـــا ولـذة الـطـيف تـنـسـى لـــذة الـــيقـــظة. ❝ ⏤ابن حزم الظاهري الأندلسي
❞ ومن القنوع الرضا مزار الطيف، وتسليم الخيال. وهذا إنما يحدث عن ذكر لا يفارق، وعهد لا يحول، وفكر لا ينقضي. فإذا نامت العيون وهدأت الحركات سرى الطيف. وفي ذلك أقول: زار الـخـيال فـتـى طـالـت صـبـــابـــتـــه على احتفاظ من الحراس والحفظة فبـت فـي لـيلـتـي جـذلان مـبـــتـــهـــجـــا ولـذة الـطـيف تـنـسـى لـــذة الـــيقـــظة. ❝
❞ انهمار العَبرات :
دَمعة سقطت من مُقلتي عبَّرت عن تلك الآلام الدفينة داخلي التي لا أتمكن من الإفصاح عنها بالكلام أو وصفها بدِقة على أقل حال ، لذا كانت تلك نهاية المأساة التي أَراحَت القلب بعض الشيء ، قلَّصت من آناته ، هدَّأت من اضطرابه ، خفَّفت عنه الثِقل ، أَدخَلت له بعض الهدوء ولو كان مؤقتاً ، فالعَبرات هي الحل النهائي الأسلم الذي يلجأ إليه الجميع حينما يفيض بهم الكيل وتُغلَق أمامهم الأبواب وتعجَز كل كلمات اللغة عن وصف ما يَعُج بداخل أرواحهم ، يسبِّب تلك الثورة العارمة التي تجتاح الجسد بغتةً فتَرُج كل جوارحهم وكأنها غُصةٌ وقفت في الحلقوم فنغَّصت نكهة الحياة للأبد ، مرَّرت معنى الكون في أعينهم ، غيَّرت كل الحقائق التي صدَّقوها في الماضي ، بدَّلت كل شيء للنقيض وكأن العالم صار كاحلَ السواد كرمش عين فتاة حسناء يَصعُب الوصول إليها ولو بمجرد نظرة خاطفة ، فللعَبرة فوائد عديدة قد لا يفهمها الكثيرون ولكن مَنْ يتذوق لذتها فيستريح بعد انهمارها تتغير نظرته لها للأبد ، فلها وقعٌ فعال على حياة مَنْ يُجيد استخدامها في الوقت المناسب قبل أنْ ينغمس في حالة اكتئاب لا انتهاء لها ، يغوص في حزن أبدي لا يدري له مسببات ، يدخل في دوامة من اليأس والإحباط والضيق الذي يَجثُم على صدره غير متمكِّن من الخلاص منه ، فلا بد من إيجاد شيء للتنفيس عن الذات حتى لا نختنق ونُصاب بحالات ميئوس من الشفاء منها بفِعل التراكمات التي لا داعي لها نظراً لبساطتها أو قدرتنا على تقليصها ولو بالقدر الطفيف ، ولكننا قد نتكاسل عن اللَّحاق بأنفسنا قبل أنْ نُصاب بأي اضطراب نفسي لا علاج له ، فكل أمر يتم التغافل عنه يتفاقم بسرعة فائقة مع مرور الوقت دون أنْ نفعل له حساباً أو نُخطِّط له مُسبقاً بشكل حكيم ، فيجب أنْ يقف المرء مع حاله ليتساءل أَهو على ما يُرام أم أنه بحاجة لبعض الوقت لتصفية حساباته مع نفسه ومع الحياة حتى يعود لحالته الطبيعية السليمة التي تُمكِّنه من استكمال الحياة بشكل هادئ بعيداً عن أي مشكلات قد يكون المتسبب الأَوليّ فيها وبهذا يجد نفسه أكثر استقراراً من ذي قَبْل ، متحلِّياً بمزيد من السَلامة والراحة ، قادراً على اتخاذ قرارات حياته الهامة بمزيد من التأني والثقة والدقة والسلاسة دون أي تردد أو تراجع قد يُضيِّع منه أنسب الفرص وأفضلها ، فيجب أنْ يلتفت لمصالحه قبل أنْ تنقضي حياته بلا طائل أو تحقيق المُراد فهذا آخر ما يتمناه المرء ...
#خلود_أيمن #خواطر #KH. ❝ ⏤Kholoodayman1994 Saafan
❞ انهمار العَبرات :
دَمعة سقطت من مُقلتي عبَّرت عن تلك الآلام الدفينة داخلي التي لا أتمكن من الإفصاح عنها بالكلام أو وصفها بدِقة على أقل حال ، لذا كانت تلك نهاية المأساة التي أَراحَت القلب بعض الشيء ، قلَّصت من آناته ، هدَّأت من اضطرابه ، خفَّفت عنه الثِقل ، أَدخَلت له بعض الهدوء ولو كان مؤقتاً ، فالعَبرات هي الحل النهائي الأسلم الذي يلجأ إليه الجميع حينما يفيض بهم الكيل وتُغلَق أمامهم الأبواب وتعجَز كل كلمات اللغة عن وصف ما يَعُج بداخل أرواحهم ، يسبِّب تلك الثورة العارمة التي تجتاح الجسد بغتةً فتَرُج كل جوارحهم وكأنها غُصةٌ وقفت في الحلقوم فنغَّصت نكهة الحياة للأبد ، مرَّرت معنى الكون في أعينهم ، غيَّرت كل الحقائق التي صدَّقوها في الماضي ، بدَّلت كل شيء للنقيض وكأن العالم صار كاحلَ السواد كرمش عين فتاة حسناء يَصعُب الوصول إليها ولو بمجرد نظرة خاطفة ، فللعَبرة فوائد عديدة قد لا يفهمها الكثيرون ولكن مَنْ يتذوق لذتها فيستريح بعد انهمارها تتغير نظرته لها للأبد ، فلها وقعٌ فعال على حياة مَنْ يُجيد استخدامها في الوقت المناسب قبل أنْ ينغمس في حالة اكتئاب لا انتهاء لها ، يغوص في حزن أبدي لا يدري له مسببات ، يدخل في دوامة من اليأس والإحباط والضيق الذي يَجثُم على صدره غير متمكِّن من الخلاص منه ، فلا بد من إيجاد شيء للتنفيس عن الذات حتى لا نختنق ونُصاب بحالات ميئوس من الشفاء منها بفِعل التراكمات التي لا داعي لها نظراً لبساطتها أو قدرتنا على تقليصها ولو بالقدر الطفيف ، ولكننا قد نتكاسل عن اللَّحاق بأنفسنا قبل أنْ نُصاب بأي اضطراب نفسي لا علاج له ، فكل أمر يتم التغافل عنه يتفاقم بسرعة فائقة مع مرور الوقت دون أنْ نفعل له حساباً أو نُخطِّط له مُسبقاً بشكل حكيم ، فيجب أنْ يقف المرء مع حاله ليتساءل أَهو على ما يُرام أم أنه بحاجة لبعض الوقت لتصفية حساباته مع نفسه ومع الحياة حتى يعود لحالته الطبيعية السليمة التي تُمكِّنه من استكمال الحياة بشكل هادئ بعيداً عن أي مشكلات قد يكون المتسبب الأَوليّ فيها وبهذا يجد نفسه أكثر استقراراً من ذي قَبْل ، متحلِّياً بمزيد من السَلامة والراحة ، قادراً على اتخاذ قرارات حياته الهامة بمزيد من التأني والثقة والدقة والسلاسة دون أي تردد أو تراجع قد يُضيِّع منه أنسب الفرص وأفضلها ، فيجب أنْ يلتفت لمصالحه قبل أنْ تنقضي حياته بلا طائل أو تحقيق المُراد فهذا آخر ما يتمناه المرء ..