❞ - يستوى أي وقت وأي يوم وأي فصل من فصول العام ، وأي سنة من عمري، فالكل نسخ متشابهة لأصل واحد ولا شيء غير التكرار ... التكرار الممل ...فحياته تسير...بلا جديد الغد فيها مثل الأمس والحاضر كالماضي .... لا عمق فى أحزانه ولا عنف فى مسراته.... لا ضحكات ولا دموع ... وإنما بسمات صفراء وأشجان عابرة لا تهز القلب ...
وإنه يستطيع أن يتنبأ بما سيحدث كما تتنبأ المراصد بتحركات النجوم.... لأن تتابع حياته أصبح ألياً يحكمه قانون جامد صارم لا روح فيه...
هو سيفتح باب العربة القديمة ويتهيأ للنزول ... فينبح الكلب ويقف البواب العجوز يتثائب ويؤدي التعظيم...هو سيطأ الممر المرصوف بالحصى ويصعد الدرجات الخمس ويضغط على الجرس....فيطل الخادم الأصلع الذى يؤدي نفس الدور من عشرين سنة ...ليفتح الباب...ويجري خلفه وهو يعرج ويضيء نور غرفة النوم...ويمسك قطع الأثاث...واحدة بعد أخرى بنفس الترتيب فهو يبدأ بالشماعة ثم الكرسي ثم الدولاب....ثم يقف بعد هذا كالتمثال يتلقى المعطف والجاكتة وباقي الثياب قطعة قطعة...يعلقها على المشجب ، ثم يفتح فمه قائلا نفس الكلمات .....
- العشاء جاهز سيدي.. هل تريد شيئاً؟
فيجيب نفس الاجابة
- لا ...وشكراً
وتمر عشر دقائق وتتيقظ زوجته فتتمطى وتتثاءب وتجلس...ثم تقف فى روب النوم...لتقول الجملة التى لا تتغير
- لقد تاخرت كثيراً هذه الليلة ... إن السهر يؤثر على صحتك
فيقول فى جفاء كالعادة
- إن صحتي ملكي... وأنا حر أفعل بها ما أشاء وقد نبهت ألف مرة الا يعود الكلام إلى هذا الموضوع
ويحاول أن يغضب فى صدق و حرارة ... ولكن هذه الحرارة تنطفئ ، وتتحول الى مجرد ضجر ، وتخونه الكلمات فيسكت ...
ويسرح الطرف إلى النافذة المفتوحة حيث الفضاء وحيث المئذنة المضيئة وخفقات الطاحون تطفو وتغرق فى نقنقة الضفادع إلى الصورة المعلقة بالجدار وإلى وجه زوجته الفاتن... فتعجز الفتنه ويعجز الجمال ويعجز الشعر الاثيث الفاحم والعينان السوداوان والوجه المستطيل والقوام الشمعي... ويعجز كل هذا عن ان يحرك فيه ساكناً... وكأنما العواطف قد ماتت و اندثرت فى المقبرة كالعادة.
أين ذهب ضحك الطفولة الذي كان يجلجل كالجرس الفضي .. وقد خرج من حبة القلب فاهتز له الجسم كله ..
وأين ذهبت أحلام الصبا .. التي كانت تبعث الدمع يتلألأ في العين ..
أين رجفة الأمل .. و رعشة الخوف .. وتوثب الإرادة ..
أين اللحظات ؟ كل لحظة منها مفعمة بالشعور . طافحة بالحياة .. أين الحب .. أين السعادة .. أين الحزن العظيم .. أين الفرح العظيم ؟
انه يملك ما يحلم به الناس .. يملك امرأة جميلة وفيلا وعربة وثقافة ومالا وفراغا .. وكل شيئ .. فما باله لا يحس بشئ .!
و تجثم عليه هذه الخواطر كالكابوس .. و في خلالها يسمع زوجته و هي تروح و تجئ قائله :
لقد سخنت الحساء يا عزيزي .. وجهزت المائدة..
فتغثى نفسه دون أن يرى هذا الحساء ..او يسأل
أهو حساء السمك أو حساء اللحم أو حساء الخضار .. و يتقلص حلقه .. وقد تهيأ ليرفض أي شيء .. حتى الماء القراح .
يجب أن يكون في حياته شيء جديد .. يجب أن يفتح مصراعى هذه الوحدة كل أسبوع ليستقبل عدداً من أصدقائه في ليلة صاخبة تمتلئ بالطعام و الشراب و الإشاعات والحديث والثرثرة .. فهذا الحساء الذي يتذوقه لسان واحد شئ آخر غير نفس الحساء الذي تتذوقه عشرات الألسن ..
أكانت فكرة صائبه ..
لقد فتح مصراعيه ليلة الخميس من كل أسبوع لأصدقائه يأكل ويشرب و يثرثر معهم ولكنه أزداد تأكيدا من فشله وقد رأى نفس الملال ونفس الضجر يطل من خلف العيون الأخرى ..
فهي .. تضحك .. وتبتسم .. وتصغى .. وتتحمس .. ولكن الافتعال يطل من خلفها جميعاً . فالضحكة لا تلبث ان تخفت و تحتبس في حلق صاحبها . وتحل محلها حيرة تستدير الشفقة .. والحماسة تنطفئ و تخبو وقد وجدت
أنها لم تجتذب الأسماع .. وشيطان التكرار يطبع كل اطرافة بطابع العادية . ويجعل من كل
شخص آلة لها قوانين تحكمها .. فالذي يبكر بالحضور .. يبكر دائماً بالحضور والذي يتأخر ..
يتأخر على طول الخط .. حتى ليستطيع ان يتنبأ بالاسم من دقة الجرس .. فإذا فتح الباب فلكل مشية لا يغيرها .و تحية لا يبدلها .. فالذي يعانق و يقبل يفقد كل طرافه حينما يعاود في المرة التالية نفس القبل والعناق والأشواق . فإذا جلس .. فليس جديداً ان يضع ساقا على ساق . او يطرق المائدة بانأمله .. او يتحسس شعره . او يتطلع في المرآه . فكلها أفعال آليه خالية من الجدة والاختراع .. والاحاديث نفس الأحاديث و الإشاعات نفس الإشاعات ..الأفلام السخيفة .. والجو ..والزكام .والأطفال .والحرب
. والفضائح ..والوفيات.. و الأزمات . ثم تثقل العيون وتثقل الألسن .. وتنتهى القصة.. لتعاد بشكل آخر .. وبألسن أخرى .. و عناوين أخرى
وتزداد العيون ثقلاً .. و الألسن بلادة ..و الأفواه تثاؤبا..ثم تهب الجماعة .. تبسط اكفها بالسلام واحدا بعد آخر .. ويخلو البيت إلا من سحب الدخان الكثيف .. ورائحة الكئوس والزهور والطعام . .وكابوس الملل الرهيب . . .
إن بضعة أشخاص يدخلون ويخرجون لم يفعلوا أكثر من أن
يكونوا عدة مرايا تنعكس عليها التفاهة والسام والتكرار والملل . . .
إن حياته ينقصها شيء .. شئ لا يعرفه .. شئ كاروح في الجسد ، فما هو ؟
إنه يقرأ الكتب ويسمع الموسيقى وبخرج الى الحقول.. ويرتاد
المسارح .. ويجري ساعتين في الصباح حتى يلهث ..رويصلي
أحيانا .. ولكنه لا يصل الى هذه الروح أبدا.. هذه الروح التي
ترسل البسمة مشرقة على الشفتين ، وتبعث حب الحياة يتسلل الى كل جزء من الجسد حتى اطراف الانامل . . .
إن أشعة الشمس تدق قلبه المغلق ، فلا تجد منفذا الى روحه
التي ترتجف من البرد ، فهو يعيش في عزلة .. في برج .. في قلعة مسورة لا تصل إليها أصوات الحياة .
إن في الوردة التي تفتح اكمامها لشعاع الفجر وتدير ثغرها نحو مشرق الشمس .. شيئا لا يوجد فيه .. فهي تتجاوب مع
وجودها الصغير ، فترد ابتسامته بابتسامه ، إشراقتة
بإشراقة ، وحركة بإيماءة رشيقة جميلة .. اما هو فلا يتجاوب مع شئ .. وقد فقد صلتة بكل الأشياء .. وبدأ يشك في كل القيم وكل الموجودات .. فالحياة في نظره لا معنى لها .. لانها
مجموعة مقدرات وأحداث حتمية لا أثر فيها للحرية ، وإنما هي تحدث هكذا لأنها لابد أن تحدث هكذا .. ولا أثر لإرادة الإنسان فيها ، ومن ثم لا حكمة لوجوده ولا معنى لفرحه وحزنه وضحكه وبكائه .. ولا معنى لان يلد وينسل ويتكاثر
ليكرر حياة واحدة ونهاية واحدة .
وهو مع هذا يشك في شكله ، ولا يخرج من مأساته بغير
التخبط و بكابوس من الملل يجثم عليه ليسحقه ويسحق اراءه .. لابد من عمل شئ .. إن الضجر يقتله . . .
إنها لتجربة .. أن يلعب الإنسان القمار .. أن يعيش في تساؤل
وتوقع وترقب وأمل ويأس ومفاجآت لا تنتهي .. حيث لا شئ
يتكرر أبدا . . .
إنها لتجربة تلهث فيها الأنفاس . . .
وهكذا بدأ يقتل الضجر ويقتل نفسه في وقت واحد ..
في غرفة مغلقة تموج بالدخان .. كان يجلس الى جوار رجل
ذي وجه مضلع مستطيل وامامهما رجل هزيل ضامر ، والورق
يدور وخيوط الدخان تتصاعد من أطراف الأصابع ، والمال
يتراكم ويختفي .. والحظ معلق على كلمات مقتضبة على اطراف الألسن .. لا أحد يستطيع أن يتنبأ بمصيره . .
ولا ان تجتهد إلا في حدود .. ولا أن يضع قانونا للخسارة .. إنما هي الخبط العشواء والقوى المجهولة .. التي تختصر الماضي والحاضر والمستقبل في ورقات .. وهذه الذبالات الإنسانية تترقب يشعلها فضول لا يحد . . .
وتشق الصمت كلمات قليلة .. وينقر الرجل ذو الوجه المضلع
على المائدة .. ويعود الصمت يغلف الجميع إلا من حفيف الورق وهو يدور .. والمال وهو يذهب .. والمال وهو يجئ . .
إنها لتجربة . . .
لقد قتل الملل حقا ولكن بسلاح من العجز والخيبة ، وبثمن
باهظ فهو يشحن كل لحظة بجزء من ثروته وعقله وصحته ليجعل منها في النهاية لحظة جديرة باهتمامه .. كمن يلقي بثيابه وحافظة نقوده وعائلتة في البحر ليصبح النظر إلى البحر بعد هذا مثيرا لايبعث على الملل . . .
لقد أحس بالإفلاس . . أحس بأنه يستجدى الفرح ويستجدى الحزن .. ويفتعل المفاجآت .. ويزيف العواطف.. فأسدل هذا
الوعي الجديد على التجربة التي نجحت ستارا شفيفا من القلق والشك جعل يستحيل مع الأيام الى جدار صفيق من اليأس ..
ومع هذا فقد ظل يقامر ويحتمى بالعناد والإصرار هارباً من قبضة اليأس التي عرفت طريقها إلى قلبه فجعلت منه قلبا ثقيلا . . لايفرح بالكسب ولا يحزن للخسارة .. ولا يهتز أمام المفاجآت ولا يعبأ بتقلب الحظوظ .. قلبا ميتا بليدا.. ركد الدم
لقد فشلت التجربة أخيراً ومات الفضول وبليت الجدة وتحولت البدعة إلى عادة .. .
إن لعب الورق لا يعوض الإنسان عن الحياة.. وليس ارتجاف
القلب امام المكسب والخسارة هو سعادة الوجود التي كان يطلبها.. فإن الطفل ليرتجف من الفرح ويهتز بدنه كله إذا عثر على بكرة يدحرجها على الأرض .. بكرة صغيرة فارعة .
إن اللغز ما زال باقيا والمشكلة على حالها . . مازلت حياته
ينقصها شيء يجهله . . شئ غير لعب الورق . . .
و أوقف عربته القديمة.. وتهيأ للنزول ،فنبح الكلب وهب
البواب العجوز يتثاءب ويؤدي التعظيم .. وسار على الممر
المرصوف بالحصى وصعد الدرجات الخمس وضغط على الجرس ، فأطل الخادم الأصلع.. نفس الخادم الأصلع.. ليفتح الباب ويضئ نور غرفة النوم ويمسح الأثاث قطعة قطعة بنفس الترتيب.. ويقول.. إن العشاء جاهز .. ثم تيقظت زوجته لتقول كالعادة .. إنه تأخر في السهر وإنه يؤذي صحته . .
وكاد يفقد اعصابه هذه المرة ولم تفهم زوجتة لصياحه معنى ،
فهي لم ترتكب جريمة.. أما هو فكان يود لو أنها ارتكبت جريمة حتي تتغير اللعنة التي كتبت عليه كل يوم وذهب إلى المرآة ليقف طويلا . . يتأمل نفسه . . .
إن أظافره طويلة.. وشعره ليس حليقا كما يجب ..وهو يحس
بأن حذاءه ضيق.. وصدره ضيق وإن الغرفة كلها أضيق من ثقب إبرة.. والعالم الفسيح الأرجاء قبر مظلم رطب يخنق الأنفاس.. وسمع ضحكة الطباخ تطوف بأرجاء البيت وسمعه يقول لزوجته :
لقد كنت أبحث عن علبة الثقاب ثم اكتشفت أخيراً أنها في يدي . . أليس هذا غريباً ؟
وسمع زوجته تشاركه في ضحكة بربرية وتقول إنه
"مسطول " وإنه سيأتي عليه يوم ينسى فيه أولاده ..
وعجب لهؤلاء السذج كيف يضحكون على مثل هذه التفاهات
وسحرح الطرف في الظلام عبر النافذه إلى المئذنة البعيدة والحقول والضفاضع والطاحون.. وما لبث أن ارتدي معطفه وخرج .. هذه المرة بدون عربة.. وإنما على قدميه .. ليضرب في الظلام الدامس لا ينوي على شئ . . .
ولعله قد قطع عدة أميال.. وعبر عدة أحياء دون أن يدري فقد كان مستغرقا في أعماق نفسه .. يتوزعه شتيت من الأفكار والخواطر فلا يدري أين تذهب قدماه وماذا يدور حوله ، ولو سئل فيم يفكر .. لأجاب .. لا في شئ .. فلم يكن في رأسه شئ .. بالذات .. وإنما تهافت لصور وأحاسيس غير مترابطة تترك خلفها شعورا ملحا بالفراغ . .
وأفاق هنيهة ليجد نفسه في شارع تستعرضه عدة فوانيس حمراء .. وأكوام من التراب .. وخنادق .. وآلات للحفر . .
ومواسير .. وحبال .. وبضعة من الآدميين مكومين حول نار
موقدة .. يثرثرون ويقضمون قطعا من الخبز .. يشربون بعدها
رشفات من الشاي الأسود . .
وخطر له أن يصغى إلى هذه الثرثرة فترة من الوقت.. فاستند
إلى جذع شجرة وأشعل لفافة من التبغ..و استغرق يتأمل هؤلاء الناس من خلال حلقات الدخان التي أحاطتهم كالإطار
كان المتكلم رجلا ذا سن واحدة في فمه وشارب كثيف و وجه بارز العظام ملئ بالتجاعيد .. وكان يوجه الكلام إلي شاب نحيل في مواجهته .. بينما راح الباقون يستمعون وهم يقضمون الخبز ويرشفون الشاي . .
قال وهو يلوح بقبضته في الهواء :
أقسم بالله العظيم يا شيخ .. لو استطعت أن أسرق لسرقت.
إن الواحد منا يجب أن يعيش .
صلي على النبي يا راجل .. صلي على النبي . . إنك تعيش في أمان الله وتاكل وتشرب .. دون أن تحتاج إلى السرقة ، ما هذا الكلام ؟
إني أكل هذا صحيح.. والكلب يأكل .. وكل مخلوق في الأرض له رزق .. ولكني آدمي ليست حياتي كلها خبزا وإداما.
إن لي ابنا .. ولا أريد أن يحفر ابني الأرض .. وينزح مثلي المجاري ويدك الأسفلت.. وأن تذهب سبعون سنة من العذاب
والشقاء بلا كفارة .. إن الحياة لا طعم لها بلا أمل .. أريد أن أعلم أن فأسي هيأت الأرض لحياة أصلح ..
وأن عرقي لم لم يذهب عبثا.. أريد أن يكون ابني متعلما .. يقرأ ويكتب ولا يجلس مثلي على الأرض ..
أهذا الأمل حرام على أمثالي ؟
وعاد يلوح بيده وقد اشتعلت عيناه بحماسة متاججة وتوثبت
فيهما الإرادة . .
ومن قال إنه حرام ؟ إن الأمل في رحمة الله واجب .. وكلنا
نعيش على الأمل .. وستحقق آمالنا .. ويعيش أولادنا كما نريد أن يعيشوا . .
كيف يحدث هذا ؟ إن المعجزات لا تحدث في هذه الزمان ، إن العمر محدود ياعمي .. وقد شخت وانحنى ظهري .. وأصبحت أيامي على الأرض محدودة .. وستتكرر المأساة..
ويعيش أولادي وأحفادي كما عشت .
.وأطرق صامتا برهة وقد وضع رأسه بين كفية ، ثم رفع عينيه فجأة وأمسك بكتفي محدثه وراح يهزه في عنف ، وهو يغمغم في خشونة وقد تلألأت في عينيه الدموع :
أريد أن أعيش ، أريد أن أعيش عشر سنوات أخرى .. عشر سنوات أربي فيها أولادي . . أتفهم ؟
ستعيش يا عمي .. ستعيش حتى تدفننا جميعاً .
أدفنكم .. إن هذا خبر سار حقا.
ولقد سره هذا الخبر حقا .. يدفنهم جميعاً بيديه.. فقد راح
يحملق في الفراغ وقد أشرقت عيناه بأمل لا يحد .. بينما
تصايحت عدة أصوات في وقت واحد :
أعوذ بالله.
وانحنت الأفوه على أكواب الشاي .. بعضها يبتسم وبعضها
يضحك .. وبعضها يحلم .. وفى ناحية منعزلة جلس اثنان
يتساران حديثا خفيفاً ما لبث أن ارتفع حتى أصبح صخبا
وضجيجا ثم تحول إلى معركة.. وقد أمسك أحدهما بتلابيب
الآخر وأخذ يصيح :
العشرة قروش يا بني آدم .. العشرة قروش ..
وهب عدة رجال في وقت واحد .. وسمعت عدة صيحات
وكلمات مختلطة .
صبرك يا خليل .. اتهدوا بالله يا جماعة .. اتلم أنت وهو ..
اخرس .. اللهم اخزيك يا شيطان .. بقى ده ذنبي اللي سلفتك
بقى أنا أبويا كلب برده .. الله يسامحك .. صحيح ما ينوب المخلص .. يا جدع عيب ده احنا أخوات وما يصحش كده..
يا خليل ارجع ، بقه مفيش حد مالي عنيك يا أخي..
أوع إيدك . . ولكن يده الباغية كانت قد انقضت تلطم وجه غريمه وتغور فيها بأظافرها ، فتترك ندبه طويلة يسيل منها الدم .
وكثر الصياح والتدافع بالأيدي .. وتوالت اللطمات ، ثم بدأ
الهدوء يعود وتفرقت كتلة اللحم إلى عدة أفراد يصلح كل منهم ثيابه ويشتم.. ويلعن ويبصق على الأرض .. وأخذ العجوز ذو السن الواحدة يقول في عتب :
بقى دي آخر العشرة يا جماعة.. بقه كده يا خليل تضرب اخوك .
ولم يكن لدى خليل شئ يقوله فجلس وحده على كومة من الأتربة يمحلق في النار وقد أكلت الخشب وأحالته إلى رماد تتوهج فيه خيوط قليلة حمراء.. وظل العجوز يتكلم .. وظل كل واحد يتكلم .. وظل خليل صامتا لا يبدو عليه أنه يسمع
شيئاً سوى طقطقة النار .. ومر وقت ليس بالقصير .. كانت سحنته في أثنائه تتبدل وسماته تتراخى . . ثم شوهد أخيرا وهو يحل منديله المتسخ من حول رقبته ويذهب إلى غريمه في صمت ، ويشرع في تضميد جرحه.
وكان الاثنان يبكيان . .
وأشعل الرجل المستند إلى جزع الشجرة لفافة التبغ العاشرة .
وراح يحملق في النار هو الآخر .. ويصغى إليها وهي تطقطق
وتخبو ، ومن حولها تتجمع هذه الوجوه النحاسية كأنها وجوه
لمخلوقات من عالم آخر يراها لأول مرة.
وكان يختلس النظر إلى الاثنين اللذين كانا منذ برهة يقتتلان
وقد أحاط كل منهما عنق الآخر .. وانحنى ظهرهما في تعبير
صامت لضعف الإنسان و ذلته ، وقد لمع وهج النار النحاسي على صفحتي وجهيهما وتلألأت عليهما حبات الدموع .
وخيل إليه أنه يرى للمرة الأولى صورة صادقة لأحزان
الإنسان ..
وحينما استدار ليعود أدراجه لم يستطع أن يمحو هذه الصورة التي فتحت أبواب قلبه المغلق فتدفق منه طوفان من المشاعر الحبيسة .
لم يستطع أن يمنع قلبه من أن يحزن ، ولم يستطع أن يمنع روحه من أن ترتجف في سجنها وهي تتطلع إلى هذه الوجوه
الجافية الخشنة، وهي تقطع عليه الطريق وتخرج عليه من طوايا الظلام وفى يد كل منهما فانوس يسبح في هالة من الوهج النحاسي .
وحينما بلغ بيته لم يلحظ أن البواب قد وقف يتثاءب ويؤدي
التعظيم ، ولم يسمع نباح الكلب ولا صلصلة الحصى تحت قدميه.. ولم ير الخادم الأصلع . . وهو يجيب دقة الجرس .. فقد كانت أذناه ترعدان بهذا الصوت المتحشرج الذي ينساب من فم رجل عجوز ذي سن واحدة :
_ إن لي ابنا ولا أريد أن يحفر ابني الأرض وينزع مثلي
المجاري و يدك الاسفلت ويحمل القطران وأن تذهب
سبعون سنة من العذاب والشقاء بلا كفارة ..إن الحياة لا طعم لها بلا أمل ، أريد أن أعلم أن فأسي هيأت الأرض لحياة أصلح وأن عرقي لم يذهب عبثا ، أريد أن يكون ابني متعلما يقرأ او يكتب ولا يجلس مثلي على الأرض أريد أن أعيش عشر سنوات أخرى ، عشر سنوات أربي فيها أولادي .
أريد أن أعيش . . لقد كان الرجل يطلب الحياة كان يطلب عشر سنوات من الفقر والجوع والتعاسة والخرق القديمة ..
لأن الحياة ليست هي الحرير والخمر والنساء . . و إنما سر الحياة هو أن تُبذل في سبيل غاية..
وهذا هو الشئ المجهول الذي ينقص حياتة .
. ❝ ⏤مصطفى محمود
❞
- يستوى أي وقت وأي يوم وأي فصل من فصول العام ، وأي سنة من عمري، فالكل نسخ متشابهة لأصل واحد ولا شيء غير التكرار .. التكرار الممل ..فحياته تسير..بلا جديد الغد فيها مثل الأمس والحاضر كالماضي .. لا عمق فى أحزانه ولا عنف فى مسراته.. لا ضحكات ولا دموع .. وإنما بسمات صفراء وأشجان عابرة لا تهز القلب ..
وإنه يستطيع أن يتنبأ بما سيحدث كما تتنبأ المراصد بتحركات النجوم.. لأن تتابع حياته أصبح ألياً يحكمه قانون جامد صارم لا روح فيه..
هو سيفتح باب العربة القديمة ويتهيأ للنزول .. فينبح الكلب ويقف البواب العجوز يتثائب ويؤدي التعظيم..هو سيطأ الممر المرصوف بالحصى ويصعد الدرجات الخمس ويضغط على الجرس..فيطل الخادم الأصلع الذى يؤدي نفس الدور من عشرين سنة ..ليفتح الباب..ويجري خلفه وهو يعرج ويضيء نور غرفة النوم..ويمسك قطع الأثاث..واحدة بعد أخرى بنفس الترتيب فهو يبدأ بالشماعة ثم الكرسي ثم الدولاب..ثم يقف بعد هذا كالتمثال يتلقى المعطف والجاكتة وباقي الثياب قطعة قطعة..يعلقها على المشجب ، ثم يفتح فمه قائلا نفس الكلمات ...
- العشاء جاهز سيدي. هل تريد شيئاً؟
فيجيب نفس الاجابة
- لا ..وشكراً
وتمر عشر دقائق وتتيقظ زوجته فتتمطى وتتثاءب وتجلس..ثم تقف فى روب النوم..لتقول الجملة التى لا تتغير
- لقد تاخرت كثيراً هذه الليلة .. إن السهر يؤثر على صحتك
فيقول فى جفاء كالعادة
- إن صحتي ملكي.. وأنا حر أفعل بها ما أشاء وقد نبهت ألف مرة الا يعود الكلام إلى هذا الموضوع
ويحاول أن يغضب فى صدق و حرارة .. ولكن هذه الحرارة تنطفئ ، وتتحول الى مجرد ضجر ، وتخونه الكلمات فيسكت ..
ويسرح الطرف إلى النافذة المفتوحة حيث الفضاء وحيث المئذنة المضيئة وخفقات الطاحون تطفو وتغرق فى نقنقة الضفادع إلى الصورة المعلقة بالجدار وإلى وجه زوجته الفاتن.. فتعجز الفتنه ويعجز الجمال ويعجز الشعر الاثيث الفاحم والعينان السوداوان والوجه المستطيل والقوام الشمعي.. ويعجز كل هذا عن ان يحرك فيه ساكناً.. وكأنما العواطف قد ماتت و اندثرت فى المقبرة كالعادة.
أين ذهب ضحك الطفولة الذي كان يجلجل كالجرس الفضي . وقد خرج من حبة القلب فاهتز له الجسم كله .
وأين ذهبت أحلام الصبا . التي كانت تبعث الدمع يتلألأ في العين .
أين رجفة الأمل . و رعشة الخوف . وتوثب الإرادة .
أين اللحظات ؟ كل لحظة منها مفعمة بالشعور . طافحة بالحياة . أين الحب . أين السعادة . أين الحزن العظيم . أين الفرح العظيم ؟
انه يملك ما يحلم به الناس . يملك امرأة جميلة وفيلا وعربة وثقافة ومالا وفراغا . وكل شيئ . فما باله لا يحس بشئ .!
و تجثم عليه هذه الخواطر كالكابوس . و في خلالها يسمع زوجته و هي تروح و تجئ قائله :
لقد سخنت الحساء يا عزيزي . وجهزت المائدة.
فتغثى نفسه دون أن يرى هذا الحساء .او يسأل
أهو حساء السمك أو حساء اللحم أو حساء الخضار . و يتقلص حلقه . وقد تهيأ ليرفض أي شيء . حتى الماء القراح .
يجب أن يكون في حياته شيء جديد . يجب أن يفتح مصراعى هذه الوحدة كل أسبوع ليستقبل عدداً من أصدقائه في ليلة صاخبة تمتلئ بالطعام و الشراب و الإشاعات والحديث والثرثرة . فهذا الحساء الذي يتذوقه لسان واحد شئ آخر غير نفس الحساء الذي تتذوقه عشرات الألسن .
أكانت فكرة صائبه .
لقد فتح مصراعيه ليلة الخميس من كل أسبوع لأصدقائه يأكل ويشرب و يثرثر معهم ولكنه أزداد تأكيدا من فشله وقد رأى نفس الملال ونفس الضجر يطل من خلف العيون الأخرى .
فهي . تضحك . وتبتسم . وتصغى . وتتحمس . ولكن الافتعال يطل من خلفها جميعاً . فالضحكة لا تلبث ان تخفت و تحتبس في حلق صاحبها . وتحل محلها حيرة تستدير الشفقة . والحماسة تنطفئ و تخبو وقد وجدت
أنها لم تجتذب الأسماع . وشيطان التكرار يطبع كل اطرافة بطابع العادية . ويجعل من كل
شخص آلة لها قوانين تحكمها . فالذي يبكر بالحضور . يبكر دائماً بالحضور والذي يتأخر .
يتأخر على طول الخط . حتى ليستطيع ان يتنبأ بالاسم من دقة الجرس . فإذا فتح الباب فلكل مشية لا يغيرها .و تحية لا يبدلها . فالذي يعانق و يقبل يفقد كل طرافه حينما يعاود في المرة التالية نفس القبل والعناق والأشواق . فإذا جلس . فليس جديداً ان يضع ساقا على ساق . او يطرق المائدة بانأمله . او يتحسس شعره . او يتطلع في المرآه . فكلها أفعال آليه خالية من الجدة والاختراع . والاحاديث نفس الأحاديث و الإشاعات نفس الإشاعات .الأفلام السخيفة . والجو .والزكام .والأطفال .والحرب
. والفضائح .والوفيات. و الأزمات . ثم تثقل العيون وتثقل الألسن . وتنتهى القصة. لتعاد بشكل آخر . وبألسن أخرى . و عناوين أخرى
وتزداد العيون ثقلاً . و الألسن بلادة .و الأفواه تثاؤبا.ثم تهب الجماعة . تبسط اكفها بالسلام واحدا بعد آخر . ويخلو البيت إلا من سحب الدخان الكثيف . ورائحة الكئوس والزهور والطعام . .وكابوس الملل الرهيب . . .
إن بضعة أشخاص يدخلون ويخرجون لم يفعلوا أكثر من أن
يكونوا عدة مرايا تنعكس عليها التفاهة والسام والتكرار والملل . . .
إن حياته ينقصها شيء . شئ لا يعرفه . شئ كاروح في الجسد ، فما هو ؟
إنه يقرأ الكتب ويسمع الموسيقى وبخرج الى الحقول. ويرتاد
المسارح . ويجري ساعتين في الصباح حتى يلهث .رويصلي
أحيانا . ولكنه لا يصل الى هذه الروح أبدا. هذه الروح التي
ترسل البسمة مشرقة على الشفتين ، وتبعث حب الحياة يتسلل الى كل جزء من الجسد حتى اطراف الانامل . . .
إن أشعة الشمس تدق قلبه المغلق ، فلا تجد منفذا الى روحه
التي ترتجف من البرد ، فهو يعيش في عزلة . في برج . في قلعة مسورة لا تصل إليها أصوات الحياة .
إن في الوردة التي تفتح اكمامها لشعاع الفجر وتدير ثغرها نحو مشرق الشمس . شيئا لا يوجد فيه . فهي تتجاوب مع
وجودها الصغير ، فترد ابتسامته بابتسامه ، إشراقتة
بإشراقة ، وحركة بإيماءة رشيقة جميلة . اما هو فلا يتجاوب مع شئ . وقد فقد صلتة بكل الأشياء . وبدأ يشك في كل القيم وكل الموجودات . فالحياة في نظره لا معنى لها . لانها
مجموعة مقدرات وأحداث حتمية لا أثر فيها للحرية ، وإنما هي تحدث هكذا لأنها لابد أن تحدث هكذا . ولا أثر لإرادة الإنسان فيها ، ومن ثم لا حكمة لوجوده ولا معنى لفرحه وحزنه وضحكه وبكائه . ولا معنى لان يلد وينسل ويتكاثر
ليكرر حياة واحدة ونهاية واحدة .
وهو مع هذا يشك في شكله ، ولا يخرج من مأساته بغير
التخبط و بكابوس من الملل يجثم عليه ليسحقه ويسحق اراءه . لابد من عمل شئ . إن الضجر يقتله . . .
إنها لتجربة . أن يلعب الإنسان القمار . أن يعيش في تساؤل
وتوقع وترقب وأمل ويأس ومفاجآت لا تنتهي . حيث لا شئ
يتكرر أبدا . . .
إنها لتجربة تلهث فيها الأنفاس . . .
وهكذا بدأ يقتل الضجر ويقتل نفسه في وقت واحد .
في غرفة مغلقة تموج بالدخان . كان يجلس الى جوار رجل
ذي وجه مضلع مستطيل وامامهما رجل هزيل ضامر ، والورق
يدور وخيوط الدخان تتصاعد من أطراف الأصابع ، والمال
يتراكم ويختفي . والحظ معلق على كلمات مقتضبة على اطراف الألسن . لا أحد يستطيع أن يتنبأ بمصيره . .
ولا ان تجتهد إلا في حدود . ولا أن يضع قانونا للخسارة . إنما هي الخبط العشواء والقوى المجهولة . التي تختصر الماضي والحاضر والمستقبل في ورقات . وهذه الذبالات الإنسانية تترقب يشعلها فضول لا يحد . . .
وتشق الصمت كلمات قليلة . وينقر الرجل ذو الوجه المضلع
على المائدة . ويعود الصمت يغلف الجميع إلا من حفيف الورق وهو يدور . والمال وهو يذهب . والمال وهو يجئ . .
إنها لتجربة . . .
لقد قتل الملل حقا ولكن بسلاح من العجز والخيبة ، وبثمن
باهظ فهو يشحن كل لحظة بجزء من ثروته وعقله وصحته ليجعل منها في النهاية لحظة جديرة باهتمامه . كمن يلقي بثيابه وحافظة نقوده وعائلتة في البحر ليصبح النظر إلى البحر بعد هذا مثيرا لايبعث على الملل . . .
لقد أحس بالإفلاس . . أحس بأنه يستجدى الفرح ويستجدى الحزن . ويفتعل المفاجآت . ويزيف العواطف. فأسدل هذا
الوعي الجديد على التجربة التي نجحت ستارا شفيفا من القلق والشك جعل يستحيل مع الأيام الى جدار صفيق من اليأس .
ومع هذا فقد ظل يقامر ويحتمى بالعناد والإصرار هارباً من قبضة اليأس التي عرفت طريقها إلى قلبه فجعلت منه قلبا ثقيلا . . لايفرح بالكسب ولا يحزن للخسارة . ولا يهتز أمام المفاجآت ولا يعبأ بتقلب الحظوظ . قلبا ميتا بليدا. ركد الدم
لقد فشلت التجربة أخيراً ومات الفضول وبليت الجدة وتحولت البدعة إلى عادة . .
إن لعب الورق لا يعوض الإنسان عن الحياة. وليس ارتجاف
القلب امام المكسب والخسارة هو سعادة الوجود التي كان يطلبها. فإن الطفل ليرتجف من الفرح ويهتز بدنه كله إذا عثر على بكرة يدحرجها على الأرض . بكرة صغيرة فارعة .
إن اللغز ما زال باقيا والمشكلة على حالها . . مازلت حياته
ينقصها شيء يجهله . . شئ غير لعب الورق . . .
و أوقف عربته القديمة. وتهيأ للنزول ،فنبح الكلب وهب
البواب العجوز يتثاءب ويؤدي التعظيم . وسار على الممر
المرصوف بالحصى وصعد الدرجات الخمس وضغط على الجرس ، فأطل الخادم الأصلع. نفس الخادم الأصلع. ليفتح الباب ويضئ نور غرفة النوم ويمسح الأثاث قطعة قطعة بنفس الترتيب. ويقول. إن العشاء جاهز . ثم تيقظت زوجته لتقول كالعادة . إنه تأخر في السهر وإنه يؤذي صحته . .
وكاد يفقد اعصابه هذه المرة ولم تفهم زوجتة لصياحه معنى ،
فهي لم ترتكب جريمة. أما هو فكان يود لو أنها ارتكبت جريمة حتي تتغير اللعنة التي كتبت عليه كل يوم وذهب إلى المرآة ليقف طويلا . . يتأمل نفسه . . .
إن أظافره طويلة. وشعره ليس حليقا كما يجب .وهو يحس
بأن حذاءه ضيق. وصدره ضيق وإن الغرفة كلها أضيق من ثقب إبرة. والعالم الفسيح الأرجاء قبر مظلم رطب يخنق الأنفاس. وسمع ضحكة الطباخ تطوف بأرجاء البيت وسمعه يقول لزوجته :
لقد كنت أبحث عن علبة الثقاب ثم اكتشفت أخيراً أنها في يدي . . أليس هذا غريباً ؟
وسمع زوجته تشاركه في ضحكة بربرية وتقول إنه
"مسطول " وإنه سيأتي عليه يوم ينسى فيه أولاده .
وعجب لهؤلاء السذج كيف يضحكون على مثل هذه التفاهات
وسحرح الطرف في الظلام عبر النافذه إلى المئذنة البعيدة والحقول والضفاضع والطاحون. وما لبث أن ارتدي معطفه وخرج . هذه المرة بدون عربة. وإنما على قدميه . ليضرب في الظلام الدامس لا ينوي على شئ . . .
ولعله قد قطع عدة أميال. وعبر عدة أحياء دون أن يدري فقد كان مستغرقا في أعماق نفسه . يتوزعه شتيت من الأفكار والخواطر فلا يدري أين تذهب قدماه وماذا يدور حوله ، ولو سئل فيم يفكر . لأجاب . لا في شئ . فلم يكن في رأسه شئ . بالذات . وإنما تهافت لصور وأحاسيس غير مترابطة تترك خلفها شعورا ملحا بالفراغ . .
وأفاق هنيهة ليجد نفسه في شارع تستعرضه عدة فوانيس حمراء . وأكوام من التراب . وخنادق . وآلات للحفر . .
ومواسير . وحبال . وبضعة من الآدميين مكومين حول نار
موقدة . يثرثرون ويقضمون قطعا من الخبز . يشربون بعدها
رشفات من الشاي الأسود . .
وخطر له أن يصغى إلى هذه الثرثرة فترة من الوقت. فاستند
إلى جذع شجرة وأشعل لفافة من التبغ.و استغرق يتأمل هؤلاء الناس من خلال حلقات الدخان التي أحاطتهم كالإطار
كان المتكلم رجلا ذا سن واحدة في فمه وشارب كثيف و وجه بارز العظام ملئ بالتجاعيد . وكان يوجه الكلام إلي شاب نحيل في مواجهته . بينما راح الباقون يستمعون وهم يقضمون الخبز ويرشفون الشاي . .
قال وهو يلوح بقبضته في الهواء :
أقسم بالله العظيم يا شيخ . لو استطعت أن أسرق لسرقت.
إن الواحد منا يجب أن يعيش .
صلي على النبي يا راجل . صلي على النبي . . إنك تعيش في أمان الله وتاكل وتشرب . دون أن تحتاج إلى السرقة ، ما هذا الكلام ؟
إني أكل هذا صحيح. والكلب يأكل . وكل مخلوق في الأرض له رزق . ولكني آدمي ليست حياتي كلها خبزا وإداما.
إن لي ابنا . ولا أريد أن يحفر ابني الأرض . وينزح مثلي المجاري ويدك الأسفلت. وأن تذهب سبعون سنة من العذاب
والشقاء بلا كفارة . إن الحياة لا طعم لها بلا أمل . أريد أن أعلم أن فأسي هيأت الأرض لحياة أصلح .
وأن عرقي لم لم يذهب عبثا. أريد أن يكون ابني متعلما . يقرأ ويكتب ولا يجلس مثلي على الأرض .
أهذا الأمل حرام على أمثالي ؟
وعاد يلوح بيده وقد اشتعلت عيناه بحماسة متاججة وتوثبت
فيهما الإرادة . .
ومن قال إنه حرام ؟ إن الأمل في رحمة الله واجب . وكلنا
نعيش على الأمل . وستحقق آمالنا . ويعيش أولادنا كما نريد أن يعيشوا . .
كيف يحدث هذا ؟ إن المعجزات لا تحدث في هذه الزمان ، إن العمر محدود ياعمي . وقد شخت وانحنى ظهري . وأصبحت أيامي على الأرض محدودة . وستتكرر المأساة.
ويعيش أولادي وأحفادي كما عشت .
.وأطرق صامتا برهة وقد وضع رأسه بين كفية ، ثم رفع عينيه فجأة وأمسك بكتفي محدثه وراح يهزه في عنف ، وهو يغمغم في خشونة وقد تلألأت في عينيه الدموع :
أريد أن أعيش ، أريد أن أعيش عشر سنوات أخرى . عشر سنوات أربي فيها أولادي . . أتفهم ؟
ستعيش يا عمي . ستعيش حتى تدفننا جميعاً .
أدفنكم . إن هذا خبر سار حقا.
ولقد سره هذا الخبر حقا . يدفنهم جميعاً بيديه. فقد راح
يحملق في الفراغ وقد أشرقت عيناه بأمل لا يحد . بينما
تصايحت عدة أصوات في وقت واحد :
أعوذ بالله.
وانحنت الأفوه على أكواب الشاي . بعضها يبتسم وبعضها
يضحك . وبعضها يحلم . وفى ناحية منعزلة جلس اثنان
يتساران حديثا خفيفاً ما لبث أن ارتفع حتى أصبح صخبا
وضجيجا ثم تحول إلى معركة. وقد أمسك أحدهما بتلابيب
الآخر وأخذ يصيح :
العشرة قروش يا بني آدم . العشرة قروش .
وهب عدة رجال في وقت واحد . وسمعت عدة صيحات
وكلمات مختلطة .
صبرك يا خليل . اتهدوا بالله يا جماعة . اتلم أنت وهو .
اخرس . اللهم اخزيك يا شيطان . بقى ده ذنبي اللي سلفتك
بقى أنا أبويا كلب برده . الله يسامحك . صحيح ما ينوب المخلص . يا جدع عيب ده احنا أخوات وما يصحش كده.
يا خليل ارجع ، بقه مفيش حد مالي عنيك يا أخي.
أوع إيدك . . ولكن يده الباغية كانت قد انقضت تلطم وجه غريمه وتغور فيها بأظافرها ، فتترك ندبه طويلة يسيل منها الدم .
وكثر الصياح والتدافع بالأيدي . وتوالت اللطمات ، ثم بدأ
الهدوء يعود وتفرقت كتلة اللحم إلى عدة أفراد يصلح كل منهم ثيابه ويشتم. ويلعن ويبصق على الأرض . وأخذ العجوز ذو السن الواحدة يقول في عتب :
بقى دي آخر العشرة يا جماعة. بقه كده يا خليل تضرب اخوك .
ولم يكن لدى خليل شئ يقوله فجلس وحده على كومة من الأتربة يمحلق في النار وقد أكلت الخشب وأحالته إلى رماد تتوهج فيه خيوط قليلة حمراء. وظل العجوز يتكلم . وظل كل واحد يتكلم . وظل خليل صامتا لا يبدو عليه أنه يسمع
شيئاً سوى طقطقة النار . ومر وقت ليس بالقصير . كانت سحنته في أثنائه تتبدل وسماته تتراخى . . ثم شوهد أخيرا وهو يحل منديله المتسخ من حول رقبته ويذهب إلى غريمه في صمت ، ويشرع في تضميد جرحه.
وكان الاثنان يبكيان . .
وأشعل الرجل المستند إلى جزع الشجرة لفافة التبغ العاشرة .
وراح يحملق في النار هو الآخر . ويصغى إليها وهي تطقطق
وتخبو ، ومن حولها تتجمع هذه الوجوه النحاسية كأنها وجوه
لمخلوقات من عالم آخر يراها لأول مرة.
وكان يختلس النظر إلى الاثنين اللذين كانا منذ برهة يقتتلان
وقد أحاط كل منهما عنق الآخر . وانحنى ظهرهما في تعبير
صامت لضعف الإنسان و ذلته ، وقد لمع وهج النار النحاسي على صفحتي وجهيهما وتلألأت عليهما حبات الدموع .
وخيل إليه أنه يرى للمرة الأولى صورة صادقة لأحزان
الإنسان .
وحينما استدار ليعود أدراجه لم يستطع أن يمحو هذه الصورة التي فتحت أبواب قلبه المغلق فتدفق منه طوفان من المشاعر الحبيسة .
لم يستطع أن يمنع قلبه من أن يحزن ، ولم يستطع أن يمنع روحه من أن ترتجف في سجنها وهي تتطلع إلى هذه الوجوه
الجافية الخشنة، وهي تقطع عليه الطريق وتخرج عليه من طوايا الظلام وفى يد كل منهما فانوس يسبح في هالة من الوهج النحاسي .
وحينما بلغ بيته لم يلحظ أن البواب قد وقف يتثاءب ويؤدي
التعظيم ، ولم يسمع نباح الكلب ولا صلصلة الحصى تحت قدميه. ولم ير الخادم الأصلع . . وهو يجيب دقة الجرس . فقد كانت أذناه ترعدان بهذا الصوت المتحشرج الذي ينساب من فم رجل عجوز ذي سن واحدة :
_ إن لي ابنا ولا أريد أن يحفر ابني الأرض وينزع مثلي
المجاري و يدك الاسفلت ويحمل القطران وأن تذهب
سبعون سنة من العذاب والشقاء بلا كفارة .إن الحياة لا طعم لها بلا أمل ، أريد أن أعلم أن فأسي هيأت الأرض لحياة أصلح وأن عرقي لم يذهب عبثا ، أريد أن يكون ابني متعلما يقرأ او يكتب ولا يجلس مثلي على الأرض أريد أن أعيش عشر سنوات أخرى ، عشر سنوات أربي فيها أولادي .
أريد أن أعيش . . لقد كان الرجل يطلب الحياة كان يطلب عشر سنوات من الفقر والجوع والتعاسة والخرق القديمة .
لأن الحياة ليست هي الحرير والخمر والنساء . . و إنما سر الحياة هو أن تُبذل في سبيل غاية.
❞ "حينما رفع النبي يوسف أكف الدعاء لربه مستنجداً من غواية النسوة قائلاً:
" رب السجن أحب إليّ مما يدعونني إليه ".
كان يطلب حريةً و لم يكن يطلب سجناً.
و المسألة نسبية.. فما يحصل عليه من حرية في زنزانة و هو مقيد اليدين و القدمين أكثر بكثير مما يتبقى له من حرية ساعة شهوة. فحينما تجمح الشهوة لا تبقي لصاحبها حرية فهو لا يرى إلا على مرمى ساقين و لا يسمع إلا على مرمى شفتين و لا يعي حكمة و لا يبصر عاقبة و لا يحفظ عهداً و لا يرعى واجباً.. و هو أعمى أصم مقيد الذراعين و الساقين إلى حركة آلية و فعل لا معقول كل هرموناته و دمه و فكره و حسه و مواهبه في خدمة هذه اللحظة اللامعقولة من الإشباع و الفناء الذي يشبه السقوط في هوّة اللاشيء..
و ذلك هو منتهى السجن و منتهى استنفاد الطاقة و استفراغ القوة و إنهاك العزم و تبديد الهمة.. ثم لا يكون بعد ذلك إلا الخمول و البلادة و الاسترخاء و الرغبة في النوم و الرغبة في عدم التفكير في شيء.
تلك الزوبعة التي تعصف بالدم و تطيش بالعقل و تذيب المفاصل و تأسر الجسد و هي ذروة العبودية.
و لهذا قال النبي يوسف صارخاً.
ربّ السجن أحب إلي من هذا الخضوع لهؤلاء النسوة.. فالزنزانة و لا شك أرحب و أوسع من قبضة شهوة امرأة حينما تتسلل إلى النخاع و تعتصر المخ و تحجب العينين و تسدّ الأذنين و تغلق منافذ القلب فلا يعود شيء في الكون يسمع إلا لهاث أنفاسها.. فكأنما أصبحت هي المحراب و الصنم و القبلة.. و مائدة القرابين.
و السجن هنا منتهى الحرية بالنسبة لهذا القيد الشامل المطلق.. و هو أحب ألف مرة لأي رجل في كمال و عقل النبي يوسف يريد أن يصعد و يحلق إلى السماوات فلا شيء يساوي الحرية أبداً.
و أي لذة و أي مقابل فوري مادي أو حسي لا يساوي عقلاً طليقاً و خيالاً محلقاً و فؤاداً مرفرفاً و وجداناً طائراً و فكراً مهاجراً و قلباً مسافراً و أقداماً ساعية لا تحد حركتها حدود.
نعم لا شيء يساوي الحرية.
و أحسن استثمار للحرية أن تبذلها لوجه الله فتجعلها في خدمة الحق و العدل و الخير.. فالعبودية للخالق تحررك من العبودية للخلق و تخلع الحاكمية عن كل الذين حكموك فلا يعود يحكمك أحد و لا يعود يحكمك شيء..
بل تصبح أنت بحكم الخلافة عن الله حاكماً على الكل.. و تصبح لكلماتك ربانية على الجميع.. و يطيعك البر و البحر و الريح و تنقاد لك الشعوب و يستمع إليك التاريخ..
..
مقال " لا شيء يُسااااااوي الحرية
من كتــاب " أناشيد الإثم والبراءة ". ❝ ⏤مصطفى محمود
❞ حينما رفع النبي يوسف أكف الدعاء لربه مستنجداً من غواية النسوة قائلاً:
˝ رب السجن أحب إليّ مما يدعونني إليه ˝.
كان يطلب حريةً و لم يكن يطلب سجناً.
و المسألة نسبية. فما يحصل عليه من حرية في زنزانة و هو مقيد اليدين و القدمين أكثر بكثير مما يتبقى له من حرية ساعة شهوة. فحينما تجمح الشهوة لا تبقي لصاحبها حرية فهو لا يرى إلا على مرمى ساقين و لا يسمع إلا على مرمى شفتين و لا يعي حكمة و لا يبصر عاقبة و لا يحفظ عهداً و لا يرعى واجباً. و هو أعمى أصم مقيد الذراعين و الساقين إلى حركة آلية و فعل لا معقول كل هرموناته و دمه و فكره و حسه و مواهبه في خدمة هذه اللحظة اللامعقولة من الإشباع و الفناء الذي يشبه السقوط في هوّة اللاشيء.
و ذلك هو منتهى السجن و منتهى استنفاد الطاقة و استفراغ القوة و إنهاك العزم و تبديد الهمة. ثم لا يكون بعد ذلك إلا الخمول و البلادة و الاسترخاء و الرغبة في النوم و الرغبة في عدم التفكير في شيء.
تلك الزوبعة التي تعصف بالدم و تطيش بالعقل و تذيب المفاصل و تأسر الجسد و هي ذروة العبودية.
و لهذا قال النبي يوسف صارخاً.
ربّ السجن أحب إلي من هذا الخضوع لهؤلاء النسوة. فالزنزانة و لا شك أرحب و أوسع من قبضة شهوة امرأة حينما تتسلل إلى النخاع و تعتصر المخ و تحجب العينين و تسدّ الأذنين و تغلق منافذ القلب فلا يعود شيء في الكون يسمع إلا لهاث أنفاسها. فكأنما أصبحت هي المحراب و الصنم و القبلة. و مائدة القرابين.
و السجن هنا منتهى الحرية بالنسبة لهذا القيد الشامل المطلق. و هو أحب ألف مرة لأي رجل في كمال و عقل النبي يوسف يريد أن يصعد و يحلق إلى السماوات فلا شيء يساوي الحرية أبداً.
و أي لذة و أي مقابل فوري مادي أو حسي لا يساوي عقلاً طليقاً و خيالاً محلقاً و فؤاداً مرفرفاً و وجداناً طائراً و فكراً مهاجراً و قلباً مسافراً و أقداماً ساعية لا تحد حركتها حدود.
نعم لا شيء يساوي الحرية.
و أحسن استثمار للحرية أن تبذلها لوجه الله فتجعلها في خدمة الحق و العدل و الخير. فالعبودية للخالق تحررك من العبودية للخلق و تخلع الحاكمية عن كل الذين حكموك فلا يعود يحكمك أحد و لا يعود يحكمك شيء.
بل تصبح أنت بحكم الخلافة عن الله حاكماً على الكل. و تصبح لكلماتك ربانية على الجميع. و يطيعك البر و البحر و الريح و تنقاد لك الشعوب و يستمع إليك التاريخ.
.
مقال ˝ لا شيء يُسااااااوي الحرية
من كتــاب ˝ أناشيد الإثم والبراءة. ❝
❞ القاعدة الوحيدة الوحيدة هي القاعدة التي أعطاها أرسطو بالفعل لا تتعارض مع أي شخص وكل شخص ، ولكن فقط مع الأشخاص الذين تعرفهم والذين يتمتعون بالذكاء الكافي لتجنب قول أشياء غبية مثل تعريضهم للإهانة ، والذين يقدرون الحقيقة ، والذين يستمعون بكل سرور إلى أسباب وجيهة ، حتى عندما يدعيهم الخصم ، والذين يتمتعون بالتوازن الكافي لتحمل الهزيمة عندما تكون الحقيقة في الجانب الآخر. ❝ ⏤أرتور شوبنهاور
❞ القاعدة الوحيدة الوحيدة هي القاعدة التي أعطاها أرسطو بالفعل لا تتعارض مع أي شخص وكل شخص ، ولكن فقط مع الأشخاص الذين تعرفهم والذين يتمتعون بالذكاء الكافي لتجنب قول أشياء غبية مثل تعريضهم للإهانة ، والذين يقدرون الحقيقة ، والذين يستمعون بكل سرور إلى أسباب وجيهة ، حتى عندما يدعيهم الخصم ، والذين يتمتعون بالتوازن الكافي لتحمل الهزيمة عندما تكون الحقيقة في الجانب الآخر. ❝
❞ «الحارس الصغير»
كان هناك صاحب مزرعة تضم الكثير من حيوانات والطيور الأليفة، حيث جاءهم في أحد الأيام وقام بالنداء عليهم وجمعهم وقال بأنه يحمل إليهم ضيف جديد سينضم إليهم، فبدأوا في النظر والانتباه إليه لرؤية هذا الضيف فلاحظوا أنه يقف إلى جواره كلب صغير ويبدو من هيئته وشكله بأنه ليس فقط صغير وإنما ضعيف أيضًا حتى صوته منخفض وضعيف جدًا.
هنا بدأ الكلب الكبير الموجود بالمزرعة في سؤال صاحب المزرعة عن الكلب الجديد أين سينام وماذا سيأكل؟، وهنا اجابه صاحب المزرعة وهو يخبره بأن هذا الكلب الصغير مثله في كل ما يحتاج سواء من أكل أو شرب وأنه سيشاركه المكان الذي ينام به، وسيأتي يومًا ويكبر هذا الصغير ويصبح قويًا مثله فلا يبقى الحال على ما هو عليه.
لم يحب الكلب الكبير فكرة وجود كلب آخر في المزرعة فقام بجمع حيوانات المزرعة والتفوا حول الكلب الصغير وبدءوا بالضحك عليه، وفي تحديه بأن يقوم بإخراج صوته الذي خرج وكان ضعيفًا فزادوا في سخريتهم منه وهم يخبرونه عن مدى ضعف صوته وأنه لا يشبه صوت نباح الكلاب في شئ وإنما هو اقرب ما يكون إلى صوصوة الكتاكيت الصغيرة مما احزنه كثيرًا.
تركهم الكلب الصغير وغادر وكان يشعر بالجوع فأقدم على شرب اللبن إلا أن الكلب الكبير تجبر أكثر عليه فمنعه من تناول اللبن، فما كان منه إلا أن استمع إليه وترك اللبن وتوجه للنوم وهو جائع فمنعه أيضًا و طرده وأخبره أن يخرج للنوم بالخارج وأنه لا يستطيع النوم هنا إلا عندما يكبر ويستطيع النباح كالكلاب بشكل جيد فحاول معه ان يبقيه بالداخل فهو جائع والجو بارد فلم يقبل، فانصاع الكلب الصغير لأوامر الكلب الكبير وخرج للنوم خارج المزرعة وهو جائع جدًا، ومع الجو البارد بشدة بدأ يبحث لنفسه على مكان يستطيع النوم فيه والحصول على الدفئ في تلك الاجواء الباردة.
بحث وبحث وفي النهاية وجد برميلًا من الخشب فدخل إليه مباشرة لينام وبذلك حصل على مكان ينام فيه يقيه الجو البارد ويساعده على الحصول على بعض الدفئ، وهنا بدأ يستمع إلى اصوات خطوات تقترب والتي لم تكن إلا أصوات خطوات الذئب والثعلب، وحينما اقتربا من المزرعة سمعهم الكلب الصغير وهما يتحدثان حيث يقول الذئب لرفيقه هيا لندخل ولك انت البطة والدجاجة ولي أنا البقرة والخروف، وهنا بدأ الكلب الصغير في التفكير هل انقذهم ام اتركهم بعدما اهانوني وسخروا مني بسبب صغري وضعفي، كلا هذا ليس أنا فلا استطيع ان اتركهم ليأكلهم الثعلب والذئب فلست أنا من يرد الإساءة بالإساءة، فبدأ ينبح بأكثر ما يملك من قوة وقد ساعده وجوده داخل البرميل وسكون الليل في أن يظهر صوته قويًا مدويًا فسمعه الجميع في المزرعة وبدأ سكان المزرعة من طيور وحيوانات في الاستيقاظ فرأوا الثعلب والذئب وهما يحاولان الهروب من المزرعة بعد سماع النباح واستيقاظ سكان المزرعة.
لاحظ حيوانات وطيور المزرعة أن الكلب الكبير كان داخل منزله نائم ويغلق بابه عليه وأن من كان ينبح وأنقذهم من هجوم الثعلب والذئب هو الكلب الصغير الذي تعرض لسخريتهم مما أحبطهم وافقدهم الثقة في الكلب الكبير الذي خذلهم ولم يقم بمهمته في الحماية وحراسة المزرعة أثناء الليل كما هو مطلوب منه، فاعتذر جميع سكان المزرعة من حيوانات وطيور من الكلب الصغير، وقاموا بتقديم اللبن له حتى يأكل بعد أن كان جائعًا، وكذلك الصوف حتى يتدفأ به في هذه الليلة الباردة بشدة.
#العبرة#
أداء المهام أن تكون مفيدًا لنفسك ولمن حولك لا يعتمد على صغرك أو كبرك وإنما يعتمد على التزامك بعملك ودورك المطلوب القيام به.
لـ/وفاء ابو خطيب. ❝ ⏤وفاء أبو خطيب
❞«الحارس الصغير»
كان هناك صاحب مزرعة تضم الكثير من حيوانات والطيور الأليفة، حيث جاءهم في أحد الأيام وقام بالنداء عليهم وجمعهم وقال بأنه يحمل إليهم ضيف جديد سينضم إليهم، فبدأوا في النظر والانتباه إليه لرؤية هذا الضيف فلاحظوا أنه يقف إلى جواره كلب صغير ويبدو من هيئته وشكله بأنه ليس فقط صغير وإنما ضعيف أيضًا حتى صوته منخفض وضعيف جدًا.
هنا بدأ الكلب الكبير الموجود بالمزرعة في سؤال صاحب المزرعة عن الكلب الجديد أين سينام وماذا سيأكل؟، وهنا اجابه صاحب المزرعة وهو يخبره بأن هذا الكلب الصغير مثله في كل ما يحتاج سواء من أكل أو شرب وأنه سيشاركه المكان الذي ينام به، وسيأتي يومًا ويكبر هذا الصغير ويصبح قويًا مثله فلا يبقى الحال على ما هو عليه.
لم يحب الكلب الكبير فكرة وجود كلب آخر في المزرعة فقام بجمع حيوانات المزرعة والتفوا حول الكلب الصغير وبدءوا بالضحك عليه، وفي تحديه بأن يقوم بإخراج صوته الذي خرج وكان ضعيفًا فزادوا في سخريتهم منه وهم يخبرونه عن مدى ضعف صوته وأنه لا يشبه صوت نباح الكلاب في شئ وإنما هو اقرب ما يكون إلى صوصوة الكتاكيت الصغيرة مما احزنه كثيرًا.
تركهم الكلب الصغير وغادر وكان يشعر بالجوع فأقدم على شرب اللبن إلا أن الكلب الكبير تجبر أكثر عليه فمنعه من تناول اللبن، فما كان منه إلا أن استمع إليه وترك اللبن وتوجه للنوم وهو جائع فمنعه أيضًا و طرده وأخبره أن يخرج للنوم بالخارج وأنه لا يستطيع النوم هنا إلا عندما يكبر ويستطيع النباح كالكلاب بشكل جيد فحاول معه ان يبقيه بالداخل فهو جائع والجو بارد فلم يقبل، فانصاع الكلب الصغير لأوامر الكلب الكبير وخرج للنوم خارج المزرعة وهو جائع جدًا، ومع الجو البارد بشدة بدأ يبحث لنفسه على مكان يستطيع النوم فيه والحصول على الدفئ في تلك الاجواء الباردة.
بحث وبحث وفي النهاية وجد برميلًا من الخشب فدخل إليه مباشرة لينام وبذلك حصل على مكان ينام فيه يقيه الجو البارد ويساعده على الحصول على بعض الدفئ، وهنا بدأ يستمع إلى اصوات خطوات تقترب والتي لم تكن إلا أصوات خطوات الذئب والثعلب، وحينما اقتربا من المزرعة سمعهم الكلب الصغير وهما يتحدثان حيث يقول الذئب لرفيقه هيا لندخل ولك انت البطة والدجاجة ولي أنا البقرة والخروف، وهنا بدأ الكلب الصغير في التفكير هل انقذهم ام اتركهم بعدما اهانوني وسخروا مني بسبب صغري وضعفي، كلا هذا ليس أنا فلا استطيع ان اتركهم ليأكلهم الثعلب والذئب فلست أنا من يرد الإساءة بالإساءة، فبدأ ينبح بأكثر ما يملك من قوة وقد ساعده وجوده داخل البرميل وسكون الليل في أن يظهر صوته قويًا مدويًا فسمعه الجميع في المزرعة وبدأ سكان المزرعة من طيور وحيوانات في الاستيقاظ فرأوا الثعلب والذئب وهما يحاولان الهروب من المزرعة بعد سماع النباح واستيقاظ سكان المزرعة.
لاحظ حيوانات وطيور المزرعة أن الكلب الكبير كان داخل منزله نائم ويغلق بابه عليه وأن من كان ينبح وأنقذهم من هجوم الثعلب والذئب هو الكلب الصغير الذي تعرض لسخريتهم مما أحبطهم وافقدهم الثقة في الكلب الكبير الذي خذلهم ولم يقم بمهمته في الحماية وحراسة المزرعة أثناء الليل كما هو مطلوب منه، فاعتذر جميع سكان المزرعة من حيوانات وطيور من الكلب الصغير، وقاموا بتقديم اللبن له حتى يأكل بعد أن كان جائعًا، وكذلك الصوف حتى يتدفأ به في هذه الليلة الباردة بشدة.
#العبرة#
أداء المهام أن تكون مفيدًا لنفسك ولمن حولك لا يعتمد على صغرك أو كبرك وإنما يعتمد على التزامك بعملك ودورك المطلوب القيام به.