ملخص كتاب ❞ الحزن الخبيث❝
كانت تلك أسوأ تجربة في حياتي، وربما أسوأ من مأساة وفاة زوجتي بمرض السرطان، وكم يخجلني الاعتراف أن تجربتي مع الاكتئاب كانت أسوأ من مشاهدة زوجتي تموت بالسرطان، لكنها الحقيقة التي لا يمكن إنكارها. لقد كنت في حالة لا تُشبه أي حالة مررتُ بها من قبل، فليست تلك حالة من الخمول أو الهبوط العام، ولم أكن مُحبطاً بالمعنى الشائع للكلمة، بل كنتُ مريضاً بالفعل، لقد كنتُ متقوقعاً على ذاتي تُحاصرني الأفكار السلبيّة، وتُسيطر عليّ فكرة الانتحار معظم الوقت. فقدت قدرتي على التفكير السليم، وتلتها قدرتي على العمل، وكل ما كُنتُ أرغبُ فيه هو البقاء في السرير طوال النهار والليل. لم أستطع الخروج من البيت، ولم أعد قادراً على قيادة دراجتي، وكُنتُ أُعاني من نوبات الهلع إذا تُركتُ وحيداً. وبالإضافة إلى كل ذلك، ظهرت لديّ أعراض بدنيّة، فقد عانيتُ سخونة في جميع أنحاء جسدي، وبدأت أُصاب باختلاجات لا إرادية، وقد أدت تلك الأعراض إلى زيادة قلقي. لقد كان المستقبلُ مُظلماً تماماً، وكنتُ متأكداً أنني لن أعود إلى حياتي الأولى مجدداً، ولن أتمكن من مزاولة عملي ثانية، وسيطر عليّ خوفٌ شديد، لأنني ظننت أني في طريقي إلى الجنون.
كانت زوجتي جيل نيفل تخجل من إصابتي بالاكتئاب، لذلك كانت تُخبر زملائي وأصدقائي أننيّ مُنهكٌ بسبب مرض القلب، وكانت تخشى أن يتأثر عمليّ إذا عُرِفت حقيقة مرضي. وعندما شُفيت من الاكتئاب ظللت متبرماً بالوصمة المصاحبة للمرض التي تُلاحق المصابين به، لذلك قررتُ أن أُعلن إصابتي بالاكتئاب على الملأ، وكتبتُ مقالاً في صحيفة “الجارديان” حول الموضوع، وقوبل الموضوع بترحاب كبير، وكانت ردود الفعل إيجابية جداً من المرضى والأطباء وأولئك الذين يعيشون مع أشخاص مكتئبين، واستحسن الجميع مناقشة الموضوع علناً، لأنهم وجدوا ذلكَ مفيداً للجميع.
هناك الكثير من كتب “المساعدة الذاتية” حول موضوع الاكتئاب، غير أني لم أجد فيها معلومات كافية يمكن الاعتماد عليها، لذلك قررت أن أكتب هذا الكتاب لأُسجل فيه ما هو معروف ومعتمد عن هذا المرض، بهدف مساعدة المصابين بالاكتئاب على فهم ما يحدثُ لهم، أما هدفي الآخر فهو محاولة محو الوصمة التي تُلاحق مرض الاكتئاب.
أعلمُ أنني قد أدخل في محاولات ليست من اختصاصي، فأنا لستُ طبيباً ولا طبيباً نفسياً، لكنني باحث في مجال البيولوجيا، وينصبّ اهتمامي على ميكانيكية تطور الأجنة، وكيف تؤثر الجينات الوراثية على سلوك الخلايا التي تكوّن الأطراف والأعضاء المختلفة، لذلك فإنني أمتلكُ معرفة كافية حول العمليات البيولوجية الأساسية والأنظمة المعقدة. والأهم من ذلك أنني خبرت الاكتئاب بنفسي…