❞❝
❞ تعج منطقة قلب ميلانو، وأطرافها بحركةٍ عامة، تنتشر على أطرافها مقاهي الأرصفة، روادها غالبيتهم من كبار السن، ذوي وجوهٍ تغمرها ابتسامات باردة، تجول نظراتهم ببطء وكسل مع كل حدث يجري أمامهم، مهما كان تافهًا وهامشيًا، وأطراف مقابلة تكتظ بمحلات بيع الأزهار والحقائب النسائية وملابس رياضية، لا تتوقف حركة السيارات والمشاة... تبدأ الحركة منذ التاسعة صباحًا وتشتد تدريجيًا، وتبلغ ذروتها مع الظهيرة حتى تتعاظم بنهاية الأسبوع، وإذا صادف يوم مباراة قمة الدوري الإيطالي يغلق الشارع، وتحتدم الزحمة... وتتشح الشوارع بأغانٍ منبعثة من بعض المحلات ومقاهي الرصيف.
بناية اللاجئين، أطلق التسمية عليها كهل إيطالي، عنصري النزعة ثم تغير، يقطن شقة بالدور الثاني، يبلغ التسعين كما يبدو من عروق ونتوء عظام وجهه المتشح بحب الشباب! يقطن البناية مع امرأة، تصغره سنًا، أنيقة المظهر، لا يعرف سكان البناية عنها شيئًا، تكهن البعض بأنها زوجته، وراهن آخرون أنها عشيقته، منذ الحرب الكونية الثانية، أكد بعض السكان من الذين أصابتهم سهامه العنصرية، أنه كان ينتمي لجيش موسوليني...
طويل القامة، مقوس الظهر كغصنٍ شجرةٍ معمرة بخريف الزمن... فقس عن وجهه عينان، واسعتان، ثاقبتان، يكتسح رأسه شعر طفيف تركز بمؤخرة رأسه المفلطح، يقابله أنف جميل يحسده كل من يصادفه، يدعي ماريو فيتالي... قنديل البحر! . ❝
❞ لمع نور الشيطان أمامها وكأنّهُ يضيء شارعًا تغيَّرت ملامحهُ من حبٍّ ضمَّ في قائمتهِ الشغف والوله واللهفة والعشق والجنس إلى عبثٍ ولهوٍ ومتعة ومالٍ ونفوذ إنَّها القاعدة، والاستثناء هو الحبّ. ضحكت بصوتٍ شجي مقْتضَب وتوغَلَّت بشارعٍ لا تعرفهُ، قادها لطرقٍ متعرِّجة، رغم يقينها من أنها بالحي الذي تقطنهُ وقريبة من منزلها، لكنها أمام ضبابية الصورة وتلاعب أفكارها المشوَّشة، وتراكم انفعالات اسْتملكَتها بهمجيّةٍ منذ إسعاف الرجل وحتى صدمة الخطيب فقدت بطاريّة عقلها طاقاتها على التفكير وأُعشي نظرها فبدأت تتوَغَّل بطرقٍ وممرات ومنعطفات وهي بطريقها للدار التي اجتازتها ملايين المرات، منذ طفولتها حتى قبل ساعة، وهي مغمَّضة العينين تقود السيارة.
˝من قال أن الحبّ معجزة؟ الحبّ معزة عمياء˝ . ❝