❞❝
❞ شعر القرمزي، بوخزةٍ في جهة صدره اليسرى، أحس بسهمٍ اخترق قلبه، وقد أدرك أن ثمة شيًئا غير طبيعي يجري حوله، لقد قابل مترجمًا محليًا بالسفارة، ولكن لم يعطه معلومات... والحديث الذي جرى لمرتين مع السفير، وأثار فيه خلاف أركان الحكم في بلاده، وتطرق كما يتذكر لاسم العقيد غازي فلاح، هل هناك من سرب هذه المعلومات، الحديث كان قد جرى بأقصى سرية؟ أم هو مجرد تخمين ذكي من الرجل لتوريطه وجره لاعتراف غير مبرمج...؟
˝اعترف بأنني التقيت السفير مثلما يلتقيه الجميع، كتاب وصحفيين، رؤساء أحزاب وجمعيات... وكان ذلك بوضح النهار... دخلت السفارة وخرجت في الضوء˝
جرى الاستجواب أمام الرجل المساعد الذي ظل طوال الوقت منتصبًا كالصنم، وكأنه شاهد على سين، جيم!
دقيقتان فصلتا بين آخر سؤال، وجواب... وبين تغير العقيد غازي فلاح من إنسان إلى وحشٍ كاسر...
عند منتصف الليل... وجد أحمد القرمزي نفسه عاريًا في زنزانةٍ اسمنتية، بفصل شهر تموز القائظ، وضوء مصباح كاشف، أشبه بأضواء ملاعب كرة القدم، وأمامه، وخلفه العقيد... كان صباح اليوم إنسانًا وقد أضحى أداة آلية، خلت من كل رحمة وعاطفة... فقد بعدها القرمزي وعيه، فتح عينيه ثانية بمنتصف النهار وقد تحول إلى جثةٍ حيةٍ مهشمة، لا يذكر معها سوى بقية من نبضٍ، يكفيه للبقاء على قيد الحياة . ❝
❞ نهضَ إدريس وجلسَ القُرفصاء وفتَحَ فاه وحَدقَ بصالح بعينين متوردتين وقد صُعق... تَلفَتَ حوله ودون انتظار ردّ من صالح، نهضَ وغابَ لفترةٍ وجيزة... راح يمشِي على أصابعِ قدميه يتَطلَّع حولهُ بحذرٍ وخوف، ظلّ يتلفَتْ يمينًا وشمالاً وهو يتفحصُ البحارة النائمين، فجأة جَمدَّ في مكانهِ حين سمع نوْبةِ سعال صادرة من أحدِ البحارة... أدركَ أن الرجل من المدخنين، كان صوتُ صدره وهو يتنفس دليلاً على أنه من المدمنين على لفّ السجائر، أنتظر لبُرهةٍ حتى أدرك أن الرجل يغطُ في نومٍ عميق رغم موجة السعال التي صدرت عنه.
- هل يستحق الأمر كلّ هذا؟ يبدو أن جوري تدفع الجميع للجنون! إنه يدفعني مثلهم للجنون... ما الذي أفعلهُ بحقِ الشيطان؟
خاطبَ نفسه وقد رَكَعَ على قدميهِ بقربِ الرجل الذي كان يتنفس بصعوبة، تلفتَ حوله، كان الهدوء يسودُّ المكان... توَزَّعَ الرجال الاثني عشر على كاملِ سطح المركب، كان يخشى أن يكون ثمة من هو صاحٍ مثلهُ ويراقبه في هذه اللحظة.
- هل تستحق جوري هذه المُجازَفة؟
سأل نفسه، ثم بَركَ على جثةِ الرجل النائم وبدأ يعبثُ في صرةِ ملابسهِ...
- أنتَ لِفَّ السيجارة، أنا لا أعرف كيف يفعلونها؟ هل تعرف أنتَ؟
سأل إدريس صالح وهو يدفع لهُ حفنة من التبغ وحزْمة صغيرة من ورقٍ شفاف أبيض اللون بعد أن عاد متسلِّلاً كلصٍ، بل هو لص!
بعد أن قضيا فترة في تحضير السيجارة... فجأة نظرَ صالح بدهشةٍ إلى صاحبهِ وقد بدا مصدومًا.
- بماذا أشْعلُها؟
تبادلا النظرات المُحيّرة وملامح الخيبة على وجهيهما، تناوبا تلك النظرات برتابةٍ لفترةٍ ثم أدرك إدريس مغزى نظرة صالح فسارع القول بنبرةٍ حاسمة...
- أقسم بالسماء والأرض، لن أُجازف مرَّة أخرى حتى لو...
قاطعه صالح...
- لا تقسم أرجوك... سوف أروي لك قصتنا بكلِّ أسرارها التي لا تتَخيَّلها.
توقفَ إدريس ونظر إلى صالح ثم تساءل سرًا في داخله˝ هل يستحق الأمر ذلك؟˝
أمسكَ صالح إدريس من يدهِ وأضافَ بحماسٍ شديد...
- لو أشْعلتُ السيجارة ودخنتُها الليلة أُقْسم لك بأنك ستسمع مني فقط ما يعلمه الله وحده... فيمّا بيني وبين جوري.
- هل تروي لي كلّ شيء بالتفصيل؟
سأل إدريس بنغمةِ شغف وفضول.
- كلَّ ما يعلم به الله؟
ردَّ صالح وما زال يقبض بالسيجارة بين أصابعه...
- كلّ ما يعلم به الله... حتى ما يجري في الفراش بينكُما؟
الغانية والبحر
رواية | أحمد جمعة
#معرض_القاهرة_الدولي_للكتاب2024
#اسكرايب #اقرأ #جدد_مكتبتك 📚 . ❝
❞ ˝عتيق، لا تبخس ذاتك حقها بالحياة، لقد أثبت الليلة الماضية أنك لا تختلف عني وعن أي إنسان بهذا الكوكب المستدير الذي هو بحاجة لاختبار روحه، الأرواح عتيق تولد معنا حرة لكن القيود تأتي وتكبّلها بالموروثات والأوراق والقراطيس الصفراء وهذه الكمية من الأساطير حولنا، فتنتزع من الإنسان روحه الحرّة بحجة المحرم والمحظور، الممنوع والمحجور وكلّ هذه السلسلة الشاقة المتناهية من القيود، هناك أقوام عتيق عاشوا قبلنا بملايين السنين وقبل أن تأتي الأديان كلّها، نهبوا الحياة بشغفٍ وزرعوا الأرض بالفرح وبالرقص والغناء واللهو مقابل قسوة الطبيعة التي واجهوها، هل تعرف ما مصير هؤلاء المليارات من البشر؟˝ . ❝