█ تتمة غزوة الخندق ولما طالت هذه الحال المسلمين أراد رسول الله ﷺ أن يُصالح عيينة بن حِصنٍ والحارث عوف رئيسي غَطَفَان تُلثِ ثِمار المدينة وينصرفا بقومهما وجرت المراوضة ذلك فاستشار السَّعدين فقالا : يا إن كان أمَرَك بهذا فسمعاً وطاعة وإن شيئاً تصنعه لنا فلا حاجة فيه لقد كُنا نحن وهؤلاء القومُ الشّرك باللهِ وعِبادة الأوثان وهم لا يطمعون يأكلوا منها ثمرة إلا قرى أو بيعاً فحين أكرمنا بالإسلام وهدانا له وأعزنا بك تعطيهم أموالنا ؟ والله نعطيهم السيف فصوَّبَ رأيهما وقال ( إِنَّمَا هُوَ شَيء أَصْنَعُهُ لَكُمْ لَمَّا رَأَيْتُ العَرَبَ قَدْ رَمَتْكُم عَنْ قَوْسٍ وَاحِدَةٍ ) ثم عز وجل وله الحمد صنع أمراً من عنده خَذَلَ به العدو وهزم جموعهم وفَلَّ حدهم فكان مما هيا رجلاً مِن يُقَال نُعَيْمُ مسعود عامر رضي عنه جاء إلى فقال: یا ! إني قد أسلمتُ فمُرني بما شئت فقال أَنْتَ رَجُلٌ وَاحِدٌ فَخَدِّلْ عَنَّا مَا اسْتَطَعْتَ فَإِنَّ الحَرْبَ خَدْعَة فذهب فوره بني قريظة وكانت عشيراً لهم الجاهلية فدخل كتاب زاد المعاد هدي خير العباد (كامل) مجاناً PDF اونلاين 2024 تأليف ابن قيم الجوزية خمسة مجلدات يتناول الفقه وأصوله والسيرة والتاريخ وذكر سيرة الرسول غزواته وحياته وبيّن هديه معيشته وعباداته ومعاملته لأصحابه وأعدائه وقد ألف هذا الكتب أثناء السفر ولم تكن معه أية مصادر ينقل ما يحتاج إليه أحاديث وأقوال وآراء تتعلق بمواضيع الكتاب ومع فقد ضمن كتابه نبوية الصحاح والسنن والمعاجم والسير وأثبت كل حديث الموضوع الذي يخصه مع العلم القيم يحفظ مسند الإمام أحمد حنبل يضم أكثر ثلاثين
❞ وكان هديه ﷺ انتهاء السلام إلى وبركاته ، فذكر النسائي عنه ( أن رجلاً جاء فقال : السلام عليكم فَرَدَّ عَلَيْهِ النَّبِيُّ ﷺ وَقَالَ :عَشْرَةٌ ، ثُمَّ جلس ، ثم جَاء آخَرُ ، فَقَالَ : السَّلامُ عَلَيْكُم وَرَحْمَةُ اللهِ ، فَرَد عَلَيْهِ النَّبِيُّ ﷺ وَقَالَ : عِشْرُونَ ، ثُمَّ جَلَسَ وَجَاءَ آخَرُ ، فَقَالَ : السَّلَامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكاتُه فَرَدَّ عَلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ ، وَقَالَ : ثَلَاثُونَ ) . ❝
❞ والتحقيق أن جنس الجهاد فرض عين إما بالقلب وإما باللسان ، وإما بالمال ، وإما باليد ، فعلى كُلِّ مسلم أن يُجاهد بنوع من هذه الأنواع ، أما الجهاد بالنفس ، ففرض كفاية ، وأما الجهاد بالمال ، ففي وجوبه قولان ، والصحيح وجوبه لأن الأمر بالجهاد به وبالنفس في القرآن سواء ، وعلّق النجاة من النار به ، ومغفرة الذنب ودخول الجنة ، وأخبر أنهم إن فعلوا ذلك ، أعطاهم ما يُحبون من النصر والفتح القريب ، وأخبر سبحانه أنه { اشترى من الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُم بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ } ، وأعاضهم عليها الجنة ، وأن هذا العقد والوعد قد أودعه أفضل كتبه المنزلة من التوارة والإنجيل والقرآن ، ثم أكد ذلك بإعلامهم أنه لا أحد أوفى بعهده منه تبارك وتعالى ، ثم أكد ذلك بأن أمَرَهُم بأن يستبشروا ببيعهم الذي عاقدوه عليه ، ثم أعلمهم أن ذلك هو الفوز العظيم ، فليتأمل العاقد مع ربه عقد هذا التبايع ما أعظم خطره وأجَلَّه ، فإن الله عز وجل هو المشتري ، والثمن جنات النعيم والفوز برضاه ، والتمتع برؤيته هناك ، والذي جرى على يده هذا العقد أشرف رسله وأكرمهم عليه من الملائكة والبشر ، وإن سِلْعَة هذا شأنها لقد هيئت لأمر عَظِيمٍ وخَطْبٍ جَسيم ، مَهْرُ المحبة والجنَّةِ بذل النفس والمال لمالكهما الذي اشتراهما من المؤمنين ، فما للجبان المُعرِضِ المُفْلِس وسَوْم هذه السلعة ، باللَّهِ مَا هُزِلَتْ فيستامها المفلسون ، ولا كَسَدَت فيبيعها بالنسيئة المُعْسِرُونَ لقد أقيمت للعرض في سوق من يُرِيد ، فلم يرضَ رَبُّهَا لها بثمن دون بذل النفوس ، فتأخر البطالون ، وقام المحبُّونَ ينتظرون أيهم يصلح أن يكون نفسه الثمن ، فدارت السلعة بينهم ، ووقعت في يد { أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أعِزَّةٍ عَلى الكَفِرِينَ } . ❝