إنَّ من تمام التوكل استعمال الأسباب التي نصبها الله... 💬 أقوال محمد ابن قيم الجوزية 📖 كتاب زاد المعاد في هدي خير العباد (كامل)
- 📖 من ❞ كتاب زاد المعاد في هدي خير العباد (كامل) ❝ محمد ابن قيم الجوزية 📖
█ إنَّ من تمام التوكل استعمال الأسباب التي نصبها الله لمُسبباتها قدراً وشرعاً فإن رسول ﷺ وأصحابه أكمل الخَلق توكُلاً وإنما كانوا يَلْقَوْنَ عدوهم وهم متحصنون بأنواع السلاح ودخل مكَّة والبَيْضَةُ رأسه وقد أنزل عليه { وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ } وكثير ممن لا تحقيق عنده ولا رسوخ العلم يستشكل هذا ويتكايس الجواب تارة بأن فعله تعليماً للأمة وتارة كان قبل نزول الآية ووقعت مصر مسألة سأل عنها بعضُ الأمراء ذُكِرَ له حديث ذكره أبو القاسم بن عساكر تاريخه الكبير أن بعد أهدت اليهودية الشاةَ المسمومة يأكل طعاماً قدم حتى منه قدمه قالوا : وفي أسوة للملوك ذلك فقال قائل كيف يُجمع بين وبين قوله تعالى وَالله يعْصِمُكَ فإذا كانَ سبحانه قد ضمن العِصْمَة فهو يعلم أنه سبيل لبشر إليه وأجاب بعضهم يدل ضعف الحديث وبعضُهم فلما نزلت لم يكن ليفعل بعدها ولو تأمل هؤلاء ضمان العصمة ينافي تعاطيه لأسبابها لأغناهم عن التكلف الضمان ربه تبارك وتعالى يُناقِضُ احتراسه الناس كتاب زاد المعاد هدي خير العباد (كامل) مجاناً PDF اونلاين 2025 تأليف ابن قيم الجوزية خمسة مجلدات يتناول الفقه وأصوله والسيرة والتاريخ وذكر فيه سيرة الرسول غزواته وحياته وبيّن هديه معيشته وعباداته ومعاملته لأصحابه وأعدائه ألف الكتب أثناء السفر ولم تكن معه أية مصادر ينقل منها ما يحتاج أحاديث وأقوال وآراء تتعلق بمواضيع الكتاب ومع فقد كتابه نبوية الصحاح والسنن والمعاجم والسير وأثبت كل الموضوع الذي يخصه مع القيم يحفظ مسند الإمام أحمد حنبل يضم أكثر ثلاثين
❞ إنَّ من تمام التوكل استعمال الأسباب التي نصبها الله لمُسبباتها قدراً وشرعاً ، فإن رسول الله ﷺ وأصحابه أكمل الخَلق توكُلاً ، وإنما كانوا يَلْقَوْنَ عدوهم ، وهم متحصنون بأنواع السلاح ، ودخل رسول الله ﷺ مكَّة ، والبَيْضَةُ على رأسه ، وقد أنزل الله عليه ﴿ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ ﴾ ، وكثير ممن لا تحقيق عنده ولا رسوخ في العلم يستشكل هذا ، ويتكايس في الجواب تارة بأن هذا فعله تعليماً للأمة ، وتارة بأن هذا كان قبل نزول الآية ، ووقعت في مصر مسألة سأل عنها بعضُ الأمراء ، وقد ذُكِرَ له حديث ذكره أبو القاسم بن عساكر في تاريخه الكبير أن رسول الله ﷺ كان بعد أن أهدت له اليهودية الشاةَ المسمومة لا يأكل طعاماً قدم له حتى يأكل منه من قدمه ، قالوا : وفي هذا أسوة للملوك في ذلك ، فقال قائل : كيف يُجمع بين هذا وبين قوله تعالى ﴿ وَالله يعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ ﴾ ، فإذا كانَ الله سبحانه قد ضمن له العِصْمَة ، فهو يعلم أنه لا سبيل لبشر إليه ، وأجاب بعضهم بأن هذا يدل على ضعف الحديث ، وبعضُهم بأن هذا كان قبل نزول الآية ، فلما نزلت لم يكن ليفعل ذلك بعدها ، ولو تأمل هؤلاء أن ضمان الله له العصمة ، لا ينافي تعاطيه لأسبابها ، لأغناهم عن هذا التكلف ، فإن هذا الضمان له من ربه تبارك وتعالى لا يُناقِضُ احتراسه من الناس ولا ينافيه ، كما أن إخبار الله سبحانه له بأنه يُظهر دينه على الدين كُلّه ويُعليه لا يُناقض أمره بالقتال وإعداد العُدة والقوة ورباط الخيل والأخذ بالجد والحذر والاحتراس من عدوه ومحاربته بأنواع الحرب والتورية ، فكان ﷺ إذا أراد الغزوة ورى بغيرها ، وذلك لأن هذا إخبار من عن عاقبة حاله وماله بما يتعاطاه من الأسباب التي جعلها الله مُفضية إلى ذلك ، مقتضية له وهو ﷺ أعلم بربه وأتبع لأمره من أن يعطل الأسباب التي جعلها الله له بحكمته موجبة لما وعده به من النصر والظفر ، إظهار دينه ، وغلبته لعدوه ، وهذا كما أنه سبحانه ضمن له حياته حتى يبلغ رسالاته ، ويظهر دينه وهو يتعاطىء أسباب الحياة من المأكل والمشرب ، والملبس والمسكن ، وهذا موضع يغلط فيه كثير من الناس، حتى آل ذلك ببعضهم إلى أن ترك الدعاء ، وزعم أنه لا فائدة فيه ، لأن المسؤول إن كان قد قُدر ، ناله ولا بد ، وإن لم يُقدر ، لم ينله ، فأي فائدة في الاشتغال بالدعاء ؟ ثم تكايس في الجواب ، بأن قال : الدعاء عبادة ، فيقال لهذا الغالط : بقي عليك قسم آخر ـ وهو الحق ـ أنه قد قدر له مطلوبه إن تعاطاه حصل له المطلوب ، وإن عطل السبب ، فاته المطلوب ، والدعاء من أعظم الأسباب في حصول المطلوب ، وما مثل هذا الغالط إلا مثل من يقول : وإن كان الله قد قدَّر لي الشبع ، فأنا أشبع أكلتُ أو لم آكل ، إن لم يقدر لي الشبع ، لم أشبع أكلتُ أو لم آكل ، فما فائدة الأكل ؟ وأمثال هذه التّرَّهات الباطلة المُنافية لحكمة الله تعالى وشرعه ، وبالله التوفيق. ❝
❞ إنَّ من تمام التوكل استعمال الأسباب التي نصبها الله لمُسبباتها قدراً وشرعاً ، فإن رسول الله ﷺ وأصحابه أكمل الخَلق توكُلاً ، وإنما كانوا يَلْقَوْنَ عدوهم ، وهم متحصنون بأنواع السلاح ، ودخل رسول الله ﷺ مكَّة ، والبَيْضَةُ على رأسه ، وقد أنزل الله عليه { وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ } ، وكثير ممن لا تحقيق عنده ولا رسوخ في العلم يستشكل هذا ، ويتكايس في الجواب تارة بأن هذا فعله تعليماً للأمة ، وتارة بأن هذا كان قبل نزول الآية ، ووقعت في مصر مسألة سأل عنها بعضُ الأمراء ، وقد ذُكِرَ له حديث ذكره أبو القاسم بن عساكر في تاريخه الكبير أن رسول الله ﷺ كان بعد أن أهدت له اليهودية الشاةَ المسمومة لا يأكل طعاماً قدم له حتى يأكل منه من قدمه ، قالوا : وفي هذا أسوة للملوك في ذلك ، فقال قائل : كيف يُجمع بين هذا وبين قوله تعالى { وَالله يعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ } ، فإذا كانَ الله سبحانه قد ضمن له العِصْمَة ، فهو يعلم أنه لا سبيل لبشر إليه ، وأجاب بعضهم بأن هذا يدل على ضعف الحديث ، وبعضُهم بأن هذا كان قبل نزول الآية ، فلما نزلت لم يكن ليفعل ذلك بعدها ، ولو تأمل هؤلاء أن ضمان الله له العصمة ، لا ينافي تعاطيه لأسبابها ، لأغناهم عن هذا التكلف ، فإن هذا الضمان له من ربه تبارك وتعالى لا يُناقِضُ احتراسه من الناس ولا ينافيه ، كما أن إخبار الله سبحانه له بأنه يُظهر دينه على الدين كُلّه ويُعليه لا يُناقض أمره بالقتال وإعداد العُدة والقوة ورباط الخيل والأخذ بالجد والحذر والاحتراس من عدوه ومحاربته بأنواع الحرب والتورية ، فكان ﷺ إذا أراد الغزوة ورى بغيرها ، وذلك لأن هذا إخبار من عن عاقبة حاله وماله بما يتعاطاه من الأسباب التي جعلها الله مُفضية إلى ذلك ، مقتضية له وهو ﷺ أعلم بربه وأتبع لأمره من أن يعطل الأسباب التي جعلها الله له بحكمته موجبة لما وعده به من النصر والظفر ، إظهار دينه ، وغلبته لعدوه ، وهذا كما أنه سبحانه ضمن له حياته حتى يبلغ رسالاته ، ويظهر دينه وهو يتعاطىء أسباب الحياة من المأكل والمشرب ، والملبس والمسكن ، وهذا موضع يغلط فيه كثير من الناس، حتى آل ذلك ببعضهم إلى أن ترك الدعاء ، وزعم أنه لا فائدة فيه ، لأن المسؤول إن كان قد قُدر ، ناله ولا بد ، وإن لم يُقدر ، لم ينله ، فأي فائدة في الاشتغال بالدعاء ؟ ثم تكايس في الجواب ، بأن قال : الدعاء عبادة ، فيقال لهذا الغالط : بقي عليك قسم آخر ـ وهو الحق ـ أنه قد قدر له مطلوبه إن تعاطاه حصل له المطلوب ، وإن عطل السبب ، فاته المطلوب ، والدعاء من أعظم الأسباب في حصول المطلوب ، وما مثل هذا الغالط إلا مثل من يقول : وإن كان الله قد قدَّر لي الشبع ، فأنا أشبع أكلتُ أو لم آكل ، إن لم يقدر لي الشبع ، لم أشبع أكلتُ أو لم آكل ، فما فائدة الأكل ؟ وأمثال هذه التّرَّهات الباطلة المُنافية لحكمة الله تعالى وشرعه ، وبالله التوفيق. ❝ ⏤محمد ابن قيم الجوزية
❞ إنَّ من تمام التوكل استعمال الأسباب التي نصبها الله لمُسبباتها قدراً وشرعاً ، فإن رسول الله ﷺ وأصحابه أكمل الخَلق توكُلاً ، وإنما كانوا يَلْقَوْنَ عدوهم ، وهم متحصنون بأنواع السلاح ، ودخل رسول الله ﷺ مكَّة ، والبَيْضَةُ على رأسه ، وقد أنزل الله عليه ﴿ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ ﴾ ، وكثير ممن لا تحقيق عنده ولا رسوخ في العلم يستشكل هذا ، ويتكايس في الجواب تارة بأن هذا فعله تعليماً للأمة ، وتارة بأن هذا كان قبل نزول الآية ، ووقعت في مصر مسألة سأل عنها بعضُ الأمراء ، وقد ذُكِرَ له حديث ذكره أبو القاسم بن عساكر في تاريخه الكبير أن رسول الله ﷺ كان بعد أن أهدت له اليهودية الشاةَ المسمومة لا يأكل طعاماً قدم له حتى يأكل منه من قدمه ، قالوا : وفي هذا أسوة للملوك في ذلك ، فقال قائل : كيف يُجمع بين هذا وبين قوله تعالى ﴿ وَالله يعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ ﴾ ، فإذا كانَ الله سبحانه قد ضمن له العِصْمَة ، فهو يعلم أنه لا سبيل لبشر إليه ، وأجاب بعضهم بأن هذا يدل على ضعف الحديث ، وبعضُهم بأن هذا كان قبل نزول الآية ، فلما نزلت لم يكن ليفعل ذلك بعدها ، ولو تأمل هؤلاء أن ضمان الله له العصمة ، لا ينافي تعاطيه لأسبابها ، لأغناهم عن هذا التكلف ، فإن هذا الضمان له من ربه تبارك وتعالى لا يُناقِضُ احتراسه من الناس ولا ينافيه ، كما أن إخبار الله سبحانه له بأنه يُظهر دينه على الدين كُلّه ويُعليه لا يُناقض أمره بالقتال وإعداد العُدة والقوة ورباط الخيل والأخذ بالجد والحذر والاحتراس من عدوه ومحاربته بأنواع الحرب والتورية ، فكان ﷺ إذا أراد الغزوة ورى بغيرها ، وذلك لأن هذا إخبار من عن عاقبة حاله وماله بما يتعاطاه من الأسباب التي جعلها الله مُفضية إلى ذلك ، مقتضية له وهو ﷺ أعلم بربه وأتبع لأمره من أن يعطل الأسباب التي جعلها الله له بحكمته موجبة لما وعده به من النصر والظفر ، إظهار دينه ، وغلبته لعدوه ، وهذا كما أنه سبحانه ضمن له حياته حتى يبلغ رسالاته ، ويظهر دينه وهو يتعاطىء أسباب الحياة من المأكل والمشرب ، والملبس والمسكن ، وهذا موضع يغلط فيه كثير من الناس، حتى آل ذلك ببعضهم إلى أن ترك الدعاء ، وزعم أنه لا فائدة فيه ، لأن المسؤول إن كان قد قُدر ، ناله ولا بد ، وإن لم يُقدر ، لم ينله ، فأي فائدة في الاشتغال بالدعاء ؟ ثم تكايس في الجواب ، بأن قال : الدعاء عبادة ، فيقال لهذا الغالط : بقي عليك قسم آخر ـ وهو الحق ـ أنه قد قدر له مطلوبه إن تعاطاه حصل له المطلوب ، وإن عطل السبب ، فاته المطلوب ، والدعاء من أعظم الأسباب في حصول المطلوب ، وما مثل هذا الغالط إلا مثل من يقول : وإن كان الله قد قدَّر لي الشبع ، فأنا أشبع أكلتُ أو لم آكل ، إن لم يقدر لي الشبع ، لم أشبع أكلتُ أو لم آكل ، فما فائدة الأكل ؟ وأمثال هذه التّرَّهات الباطلة المُنافية لحكمة الله تعالى وشرعه ، وبالله التوفيق. ❝
❞ ويقول كعب بن مالك: لبثت بعد ذلك عشر ليالٍ حتى كَمُلَت لنا خمسون ليلة من حين نهى رسول الله ﷺ و عن كلامنا ، فلما صليت صلاة الفجر صُبحَ خمسين ليلة على سطح بيت من بيوتنا ، بينا أنا جالس على الحال التي أذكر الله تعالى ، وقد ضاقت علي نفسي ، وضاقت علي الأرض بما رحُبت ، سمعت صوت صارخ أوفى على جبل سَلع بأعلى صوته يا كعب بن مالك أبشر ، فخررتُ ساجداً ، فعرفت أن قد جاء فرج من الله ، وآذن رسول الله ﷺ بتوبة الله علينا حين صلى الفجر ، فذهب الناسُ يبشروننا ، وذهب قبل صاحبي مبشرون ، وركض إليَّ رجل فرساً ، وسعى ساع من أسلم ، فأوفى على ذروة الجبل ، وكان الصوتُ أسرع من الفرس ، فلما جاءني الذي سمعت صوته يبشرني ، نزعتُ له ثوبيَّ فكسوتُه إياهما ببشراء ، والله ما أملك غيرهما ، واستعرتُ ثوبين ، فلبستهما ، فانطلقت إلى رسول الله ﷺ فتلقاني الناسُ فوجاً فوجاً يهنئوني بالتوبة يقولون : ليهنك توبه الله عليك ، قال كعب : حتى دخلت يُهرول حتى صافحني وهناني ، والله ما قام إلي رجل المهاجرين غيره ، ولست أنساها لطلحة ، فلما من سلمتُ على رسول الله ﷺ ، قال وهو يَبْرُقُ وجهه من السرور ( أَبْشِرْ بِخَيْر يَوْمٍ مَرَّ عَلَيْكَ مُنْذُ وَلَدَتْكَ أُمُّكَ ) ، قال : قلتُ: أمن عندك يا رسول الله ، أم من عند الله ؟ قال ﷺ ( لَا بَلْ مِنْ عِنْدِ اللهِ ) ، وكان رسول الله ﷺ إذا سُرِّ استنار وجهه حتى كأنه قطعة قمر ، وكنا نعرف ذلك منه فلما جلستُ بين يديه ، قلت : يا رسول الله ! إن من توبتي أن انخلع من مالي صدقة إلى الله ، وإلى رسوله ﷺ ، فقال ( أمسكْ عَلَيْكَ بَعْضَ مَالِكَ ، فَهُوَ خَيْرٌ لَكَ ) ، قلت : فإني أُمْسِك سهمي الذي بخيبر ، فقلتُ : يا رسول الله إن الله إنما نجاني بالصدق ، وإن من توبتي ألا أحدث إلا صدقاً ما بقيتُ ، فوالله ما أعلم أحداً من المسلمين أبلاه الله الحديث منذ ذكرت ذلك لرسول الله ﷺ إلى يومي هذا ما أبلاني ، والله ما تعمدت بعد ذلك إلى يومي هذا كذباً ، وإني لأرجو أن يحفظني الله فيما بقيتُ ، فوالله ما أنعم الله على نعمة قط بعد أن هداني للإسلام ، أعظم في نفسي من صدقي رسول الله ﷺ ، أن لا أكون كذبته فأهْلِكَ كما هَلَكَ الَّذِينَ كَذَبُوا ، وقال كعب : وكان تخلفنا أيُّها الثلاثة من أمر أولئك الذين قَبِلَ منهم رسول الله ﷺ حين حلفوا له ، فبايعهم ، واستغفر لهم ، وأرجأ أمرنا حتى قضى الله فيه ، فبذلك قال الله { وَعَلَى الثَّلَاثَةِ الَّذِينَ خُلِفُوا } ، وليس الذي ذكر الله مما خُلفنا عن الغزو ، وإنما هو تخليفه إيَّانا ، وإرجاؤه أمرنا عمن حلف له واعتذر إليه فقبل منه. ❝ ⏤محمد ابن قيم الجوزية
❞ ويقول كعب بن مالك: لبثت بعد ذلك عشر ليالٍ حتى كَمُلَت لنا خمسون ليلة من حين نهى رسول الله ﷺ و عن كلامنا ، فلما صليت صلاة الفجر صُبحَ خمسين ليلة على سطح بيت من بيوتنا ، بينا أنا جالس على الحال التي أذكر الله تعالى ، وقد ضاقت علي نفسي ، وضاقت علي الأرض بما رحُبت ، سمعت صوت صارخ أوفى على جبل سَلع بأعلى صوته يا كعب بن مالك أبشر ، فخررتُ ساجداً ، فعرفت أن قد جاء فرج من الله ، وآذن رسول الله ﷺ بتوبة الله علينا حين صلى الفجر ، فذهب الناسُ يبشروننا ، وذهب قبل صاحبي مبشرون ، وركض إليَّ رجل فرساً ، وسعى ساع من أسلم ، فأوفى على ذروة الجبل ، وكان الصوتُ أسرع من الفرس ، فلما جاءني الذي سمعت صوته يبشرني ، نزعتُ له ثوبيَّ فكسوتُه إياهما ببشراء ، والله ما أملك غيرهما ، واستعرتُ ثوبين ، فلبستهما ، فانطلقت إلى رسول الله ﷺ فتلقاني الناسُ فوجاً فوجاً يهنئوني بالتوبة يقولون : ليهنك توبه الله عليك ، قال كعب : حتى دخلت يُهرول حتى صافحني وهناني ، والله ما قام إلي رجل المهاجرين غيره ، ولست أنساها لطلحة ، فلما من سلمتُ على رسول الله ﷺ ، قال وهو يَبْرُقُ وجهه من السرور ( أَبْشِرْ بِخَيْر يَوْمٍ مَرَّ عَلَيْكَ مُنْذُ وَلَدَتْكَ أُمُّكَ ) ، قال : قلتُ: أمن عندك يا رسول الله ، أم من عند الله ؟ قال ﷺ ( لَا بَلْ مِنْ عِنْدِ اللهِ ) ، وكان رسول الله ﷺ إذا سُرِّ استنار وجهه حتى كأنه قطعة قمر ، وكنا نعرف ذلك منه فلما جلستُ بين يديه ، قلت : يا رسول الله ! إن من توبتي أن انخلع من مالي صدقة إلى الله ، وإلى رسوله ﷺ ، فقال ( أمسكْ عَلَيْكَ بَعْضَ مَالِكَ ، فَهُوَ خَيْرٌ لَكَ ) ، قلت : فإني أُمْسِك سهمي الذي بخيبر ، فقلتُ : يا رسول الله إن الله إنما نجاني بالصدق ، وإن من توبتي ألا أحدث إلا صدقاً ما بقيتُ ، فوالله ما أعلم أحداً من المسلمين أبلاه الله الحديث منذ ذكرت ذلك لرسول الله ﷺ إلى يومي هذا ما أبلاني ، والله ما تعمدت بعد ذلك إلى يومي هذا كذباً ، وإني لأرجو أن يحفظني الله فيما بقيتُ ، فوالله ما أنعم الله على نعمة قط بعد أن هداني للإسلام ، أعظم في نفسي من صدقي رسول الله ﷺ ، أن لا أكون كذبته فأهْلِكَ كما هَلَكَ الَّذِينَ كَذَبُوا ، وقال كعب : وكان تخلفنا أيُّها الثلاثة من أمر أولئك الذين قَبِلَ منهم رسول الله ﷺ حين حلفوا له ، فبايعهم ، واستغفر لهم ، وأرجأ أمرنا حتى قضى الله فيه ، فبذلك قال الله ﴿ وَعَلَى الثَّلَاثَةِ الَّذِينَ خُلِفُوا ﴾ ، وليس الذي ذكر الله مما خُلفنا عن الغزو ، وإنما هو تخليفه إيَّانا ، وإرجاؤه أمرنا عمن حلف له واعتذر إليه فقبل منه. ❝