█ حدثتنا جدتي يوماً أنها كانت تجلسُ عِشاءً بجوارِ موقدِ النار (الكانون) تُلقمُ قطعَ الحطب المصفوفةَ بعنايةٍ كيسٍ كبيرٍ يرقدُ جوارها يجلسُ جدّي قُبالتها يوزعُ أرغفة الخبز حولَ الموقدِ؛ لتكتسبَ قرمشةً لذيذة ولوناً ذهبياً مُحمراً تتضاعفُ لرؤياه الشهيّة وتزيدُ برائحته الزكيّة القابليّة وأجلسَ برّادَ الشاي حافةِ الموقد حتى يهنؤوا بشايٍ نكّهته ورقاتُ النعناع وأثيرُ وفي هذه الأثناء خرجت عمتي إليهم بصينيةٍ كبيرةٍ تحتضنُ ما طابَ مخزون البيتِ من أطباق زبديةٌ الفولِ المدمسِ الغارقِ بسيلٍ زيت الزيتون صحنٌ ترقدُ فيهِ حباتُ زيتونٍ حديثةَ القطاف مدقوقةً ومنقوعةً بالملحِ والفلفلِ والليمون ثانٍ تمتزجُ فيه اللبنة البيتية بقليلٍ قطرات الزيت آخر يتناثرُ فتاتُ الزعتر كلما اهتزّ عنوةً بفعلِ خطى العمةِ المتعجلة وآخرُ صنعت الدُّقة الفلسطينية بحيرةً مع وآخر تعتمره البيض المسلوق وطبقٌ يتوسطُ المائدة يبرقُ بدبسٍ أسود إطارٍ الطحينيةِ يطوِّقه وصحنٌ يختبئُ بين الأطباق لعشاق الفلفل الأحمر المطحون وعصرةٍ الليمون وضعت العمةُ الصينيةَ جذعِ شجرةٍ _قد اقتصه جدي الأرض وصنعَ منه طاولةً جميلة تُزين كتاب حدثتني مجاناً PDF اونلاين 2024
❞ كلما مرت حربٌ هوجاء على قطاع غزة تأتي جدتي للمبيتِ في بيتنا، نهرعُ إليها، نلتفُّ حولها كحباتِ لؤلؤ مكنون، ونبدأ الهتاف والمطالبة بسماعِ قصةٍ جديدة، متناسين بذلك ضرب النار من حولنا، تاركين مخاوف الحرب تجوب الأرجاء فنحن هنا حولها بحمى الحكايا والذكرى، تبتسمُ جدتي مظهرةً ابتسامتها ما تآكل من أسنانها، وتبدأ بسرد الحكايا التي بها تذكر لنا مجد جدي الذي رحل وتركها تتوكأُ على جميلِ ذكراه . ❝
❞ أخذ يتفننُ في تقشيرهما، ويزيل اللب بعناية فائقة عنهما، قطع أول لقمةٍ ورماها نحوَ فمه وألحقها بالثانية وأعقبها بالثالثة، وإذا به كلما اشتدَّ المضغ، تغيَّر لونه واشرأبَ عنقه، واعتصرت عيناه من حدة الطعم، لم يحتمل ما حلَّ به من تلك الحبات اللعينة، سبقه السعال و التلعثم عن سوء المذاق، خرج من المجلس إلى الحمام، وأخذ يتقيأ ما جنى به على معدته من كثير الطعام . ❝