█ _ محمد بن عبد الوهاب 1997 حصريا كتاب ❞ كشف الشبهات التوحيد ❝ عن دار الإيمان للطبع والنشر والتوزيع 2024 التوحيد: التوحيد كشف التوحيد مؤلف الكتاب: التميمي كشف الشبهات المؤلف: الوهاب الناشر: الإيمان الفهرس : الموضوع بيان أن المهمة الأولي للرسل هي تحقيق توحيد العبادة الأدلة علي المشركين الذين قاتلهم الرسول صلي الله عليه وسلم مقرون بتوحيد الربوبية توحيد هو معني لا إله إلا نعمة العبد بالتوحيد توجب الفرح به والخوف من سلبه منه اقتضت حكمة يجعل لأنبيائه وأوليائه أعداء الإنس والجن وجوب التسليح بالكتاب والسنة لدحض شبهات الأعداء الرد أهل الباطل إجمالا وتفصيلا زعم الدعاء ليس بعبادة الفرق بين الشفاعة الشرعية والشركية إثبات الالتجاء إلي الصالحين شرك الأولين أخف زماننا كشف شبهة أدي بعض واجبات الدين يكون كافرا حكم وقع المسلمين نوع من الشرك جهلا ثم تاب تطبيق بالقلب واللسان والجوارح وصف الكتاب: الرسالة عبارة أربعة أقسام: القسم الأول: المقدمة: وهي طويلة بيان اعتقاد زمن الرسول وطبيعة تدينهم واعتقادهم والألوهية والاختلاف تعريف الألوهية والجهل والتأويل وبعض سنن عداوة وهو يشمل أحد عشر مقطعا المقطع الأول إلى نهاية الحادي القسم الثاني: الرد الشبه: ما يُقارب تسع شُبه ورد عليها بالأدلة منها أربع شبة كبار كما قال المصنف وقبل ذلك ذكر الإجمالي الشبه الثالث: ردّ أدلة المعارضين أدله الرابع : الخاتمة بيَّن فيها أهمية وركنية العمل به وركز هذا الجانب وتحدّث الأعذار الواهية المانعة كتب والعقيدة مجاناً PDF اونلاين ركن خاص بكتب مجانيه العقيده يحتوي العديد الكتب المتميزة المجال ويشمل القسم جميع والعقيده والتَّوحِيد : هو لُغةً جعلُ الشيءِ واحدًا غيرَ متعدِّد وفي اصطلاح المُسلمين الاعتقاد بأنَّ واحدٌ ذاته وصفاته وأفعاله شريكَ له مُلكه وتدبيره وأنّه وحدَه المستحقّ للعبادة فلا تُصرَف لغيره ويُعتبر التَّوحيد عند محور العقيدة الإسلاميّة بل الدِّين كلّه حيثُ القرآن: «وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ أَنَا فَاعْبُدُونِ» والتَّوحيد يشكِّل نصف الشهادتين التي ينطق بها مَن أراد الدخول الإسلام يُعتَبر الأساس الذي يُبنى باقي المعتقدات التوحيد القرآن الكريم كثيرٌ جدًّا إنه تخلو سورة سور ولا صفحة صفحاته ذِكر صفات وأسمائه فتجده مرة يُذكِّر مختلف موضوعاته؛ وعبادة وتشريع مقام أمره ونَهيه ووعْده ووعيده وقَصصه وأمثاله[7] وقد جمع جملة هذه الصفات الإخلاص وآية الكرسي وآخر الحشر فقال سبحانه ﴿ اللَّهُ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلَا نَوْمٌ لَهُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا الْأَرْضِ مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ بِإِذْنِهِ يَعْلَمُ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ خَلْفَهُمْ يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ عِلْمِهِ بِمَا شَاءَ وَسِعَ كُرْسِيُّهُ وَالْأَرْضَ يَؤُودُهُ حِفْظُهُمَا وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ ﴾ [البقرة: 255]
❞ فاحرص يا عبد الله على معرفة هذا الحبل ، الذي بين الله وبين عباده ، الذي من استمسك به سلم ، ومن ضيعه عطب . فاحرص على معرفة ما جرى لأبيك آدم ، وعدوك إبليس ، وما جرى لنوح وقومه ، وهود وقومه ، وصالح وقومه ، وإبراهيم وقومه ، ولوط وقومه ، وموسى وقومه ، وعيسى وقومه ومحمد صلى الله عليه وسلم وقومه . ❝
❞ وَمِن شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ (5)
قوله تعالى : ومن شر حاسد إذا حسد قد تقدم في سورة ( النساء ) معنى الحسد ، وأنه تمني زوال نعمة المحسود وإن لم يصر للحاسد مثلها . والمنافسة هي تمني مثلها وإن لم تزل . فالحسد شر مذموم . والمنافسة مباحة وهي الغبطة . وقد روي أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : المؤمن يغبط ، والمنافق يحسد . وفي الصحيحين : لا حسد إلا في اثنتين يريد لا غبطة وقد مضى في سورة ( النساء ) والحمد لله .
قلت : قال العلماء : الحاسد لا يضر إلا إذا ظهر حسده بفعل أو قول ، وذلك بأن يحمله الحسد على إيقاع الشر بالمحسود ، فيتبع مساوئه ، ويطلب عثراته . قال - صلى الله عليه وسلم - : ˝ إذا حسدت فلا تبغ . . . ˝ الحديث . وقد تقدم . والحسد أول ذنب عصي الله به في السماء ، وأول ذنب عصي به في الأرض ، فحسد إبليس آدم ، وحسد قابيل هابيل . والحاسد ممقوت مبغوض مطرود ملعون ولقد أحسن من قال :
قل للحسود إذا تنفس طعنة يا ظالما وكأنه مظلوم
التاسعة : هذه سورة دالة على أن الله سبحانه خالق كل شر ، وأمر نبيه - صلى الله عليه وسلم - أن يتعوذ من جميع الشرور . فقال : من شر ما خلق . وجعل خاتمة ذلك الحسد ، تنبيها على عظمه ، وكثرة ضرره . والحاسد عدو نعمة الله . قال بعض الحكماء : بارز الحاسد ربه من خمسة أوجه : أحدها : أنه أبغض كل نعمة ظهرت على غيره .
وثانيها : أنه ساخط لقسمة ربه ، كأنه يقول : لم قسمت هذه القسمة ؟
وثالثها : أنه ضاد فعل الله ، أي إن فضل الله يؤتيه من يشاء ، وهو يبخل بفضل الله .
ورابعها : أنه خذل أولياء الله ، أو يريد خذلانهم وزوال النعمة عنهم . وخامسها : أنه أعان عدوه إبليس . وقيل : الحاسد لا ينال في المجالس إلا ندامة ، ولا ينال عند الملائكة إلا لعنة وبغضاء ، ولا ينال في الخلوة إلا جزعا وغما ، ولا ينال في الآخرة إلا حزنا واحتراقا ، ولا ينال من الله إلا بعدا ومقتا .
وروي أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : ˝ ثلاثة لا يستجاب دعاؤهم : آكل الحرام ، ومكثر الغيبة ، ومن كان في قلبه غل أو حسد للمسلمين ˝ . والله سبحانه وتعالى أعلم . ❝
❞ وَمِن شَرِّ النَّفَّاثَاتِ فِي الْعُقَدِ (4)
قوله تعالى : ومن شر النفاثات في العقد يعني الساحرات اللائي ينفثن في عقد الخيط حين يرقين عليها . شبه النفخ كما يعمل من يرقي . قال الشاعر :
أعوذ بربي من النافثات في عضه العاضه المعضه
وقال متمم بن نويرة :
نفثت في الخيط شبيه الرقى من خشية الجنة والحاسد
وقال عنترة :
فإن يبرأ فلم أنفث عليه وإن يفقد فحق له الفقود
السابعة : وروى النسائي عن أبي هريرة قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : من عقد عقدة ثم نفث فيها ، فقد سحر ، ومن سحر فقد أشرك ، ومن تعلق شيئا وكل إليه . واختلف في النفث عند الرقى فمنعه قوم ، وأجازه آخرون . قال عكرمة : لا ينبغي للراقي أن ينفث ، ولا يمسح ولا يعقد . قال إبراهيم : كانوا يكرهون النفث في الرقى . وقال بعضهم : دخلت ، على الضحاك وهو وجع ، فقلت : ألا أعوذك يا أبا محمد ؟ قال : لا شيء من ذلك ولكن لا تنفث ؛ فعوذته بالمعوذتين . وقال ابن جريج قلت لعطاء : القرآن ينفخ به أو ينفث ؟ قال : لا شيء من ذلك ولكن تقرؤه هكذا . ثم قال بعد : انفث إن شئت . وسئل محمد بن سيرين عن الرقية ينفث فيها ، فقال : لا أعلم بها بأسا ، وإذا اختلفوا فالحاكم بينهم السنة . روت عائشة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان ينفث في الرقية ؛ رواه الأئمة ، وقد ذكرناه أول السورة وفي ( سبحان ) . وعن محمد بن حاطب أن يده احترقت فأتت به أمه النبي - صلى الله عليه وسلم - فجعل ينفث عليها ويتكلم بكلام ؛ زعم أنه لم يحفظه . وقال محمد بن الأشعث : ذهب بي إلى عائشة - رضي الله عنها - وفي عيني سوء ، فرقتني ونفثت .
وأما ما روي عن عكرمة من قوله : لا ينبغي للراقي أن ينفث ، فكأنه ذهب فيه إلى أن الله تعالى جعل النفث في العقد مما يستعاذ به ، فلا يكون بنفسه عوذة . وليس هذا هكذا ؛ لأن النفث في العقد إذا كان مذموما لم يجب أن يكون النفث بلا عقد مذموما . ولأن النفث في العقد إنما أريد به السحر المضر بالأرواح ، وهذا النفث لاستصلاح الأبدان ، فلا يقاس ما ينفع بما يضر . وأما كراهة عكرمة المسح فخلاف السنة . قال علي - رضي الله عنه - : اشتكيت ، فدخل علي النبي - صلى الله عليه وسلم - وأنا أقول : اللهم إن كان أجلي قد حضر فأرحني ، وإن كان متأخرا فاشفني وعافني ، وإن كان بلاء فصبرني . فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - ˝ كيف قلت ˝ ؟ فقلت له : فمسحني بيده ، ثم قال : ˝ اللهم اشفه ˝ فما عاد ذلك الوجع بعد . وقرأ عبد الله بن عمرو وعبد الرحمن بن سابط وعيسى بن عمر ورويس عن يعقوب ( من شر النافثات ) في وزن ( فاعلات ) . ورويت عن عبد الله بن القاسم مولى أبي بكر الصديق - رضي الله عنهما - . وروي أن نساء سحرن النبي - صلى الله عليه وسلم - في إحدى عشرة عقدة ، فأنزل الله المعوذتين إحدى عشرة آية . قال ابن زيد : كن من اليهود ؛ يعني السواحر المذكورات . وقيل : هن بنات لبيد بن الأعصم . ❝
❞ وَمِن شَرِّ غَاسِقٍ إِذَا وَقَبَ (3)
قوله تعالى : ومن شر غاسق إذا وقب اختلف فيه ؛ فقيل : هو الليل . والغسق : أول ظلمة الليل ؛ يقال منه : غسق الليل يغسق أي أظلم . قال ابن قيس الرقيات :
إن هذا الليل قد غسقا واشتكيت الهم والأرقا
وقال آخر :
يا طيف هند لقد أبقيت لي أرقا إذ جئتنا طارقا والليل قد غسقا
هذا قول ابن عباس والضحاك وقتادة والسدي وغيرهم . و وقب على هذا التفسير : أظلم ؛ قاله ابن عباس . والضحاك : دخل . قتادة : ذهب . يمان بن رئاب : سكن . وقيل : نزل ؛ يقال : وقب العذاب على الكافرين ؛ نزل . قال الشاعر :
وقب العذاب عليهم فكأنهم لحقتهم نار السموم فأحصدوا
وقال الزجاج : قيل الليل غاسق لأنه أبرد من النهار . والغاسق : البارد . والغسق : البرد ؛ ولأن في الليل تخرج السباع من آجامها ، والهوام من أماكنها ، وينبعث أهل الشر على العبث والفساد . وقيل : الغاسق : الثريا ؛ وذلك أنها إذا سقطت كثرت الأسقام والطواعين ، وإذا طلعت ارتفع ذلك ؛ قاله عبد الرحمن بن زيد . وقيل : هو الشمس إذا غربت ؛ قاله ابن شهاب . وقيل : هو القمر . قال القتبي : إذا وقب القمر : إذا دخل في ساهوره ، وهو كالغلاف له ، وذلك إذا خسف به . وكل شيء أسود فهو غسق . وقال قتادة : إذا وقب إذا غاب . وهو أصح ؛ لأن في الترمذي عن عائشة : أن النبي - صلى الله عليه وسلم - نظر إلى القمر ، فقال : ˝ يا عائشة ، استعيذي بالله من شر هذا ، فإن هذا هو الغاسق إذا وقب ˝ . قال أبو عيسى : هذا حديث حسن صحيح . وقال أحمد بن يحيى ثعلب عن ابن الأعرابي في تأويل هذا الحديث : وذلك أن أهل الريب يتحينون وجبة القمر . وأنشد :
أراحني الله من أشياء أكرهها منها العجوز ومنها الكلب والقمر
هذا يبوح وهذا يستضاء به وهذه ضمرز قوامة السحر
وقيل : الغاسق : الحية إذا لدغت . وكأن الغاسق نابها ؛ لأن السم يغسق منه ؛ أي يسيل . ووقب نابها : إذا دخل في اللديغ . وقيل : الغاسق : كل هاجم يضر ، كائنا ما كان ؛ من قولهم : غسقت القرحة : إذا جرى صديدها . ❝
❞ قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ (1)
تفسير سورة الفلق
وهي خمس آيات
و هي مكية في قول الحسن وعكرمة وعطاء وجابر ، ومدنية في أحد قولي ابن عباس وقتادة وهذه السورة وسورة ( الناس ) و ( الإخلاص ) : تعوذ بهن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حين سحرته اليهود ؛ على ما يأتي . وقيل : إن المعوذتين كان يقال لهما المقشقشتان ؛ أي تبرئان من النفاق . وقد تقدم . وزعم ابن مسعود أنهما دعاء تعوذ به ، وليستا من القرآن ؛ خالف به الإجماع من الصحابة وأهل البيت . قال ابن قتيبة : لم يكتب عبد الله بن مسعود في مصحفه المعوذتين ؛ لأنه كان يسمع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يعوذ الحسن والحسين - رضي الله عنهما - بهما ، فقدر أنهما بمنزلة : أعيذكما بكلمات الله التامة ، من كل شيطان وهامة ، ومن كل عين لامة . قال أبو بكر الأنباري : وهذا مردود على ابن قتيبة ؛ لأن المعوذتين من كلام رب العالمين ، المعجز لجميع المخلوقين ؛ و ( أعيذكما بكلمات الله التامة ) من قول البشر بين . وكلام الخالق الذي هو آية لمحمد - صلى الله عليه وسلم - خاتم النبيين ، وحجة له باقية على جميع الكافرين ، لا يلتبس بكلام الآدميين ، على مثل عبد الله بن مسعود الفصيح اللسان ، العالم باللغة ، العارف بأجناس الكلام ، وأفانين القول . وقال بعض الناس : لم يكتب عبد الله المعوذتين لأنه أمن عليهما من النسيان ، فأسقطهما وهو يحفظهما ؛ كما أسقط فاتحة الكتاب من مصحفه ، وما يشك في حفظه وإتقانه لها . فرد هذا القول على قائله ، واحتج عليه بأنه قد كتب : إذا جاء نصر الله والفتح ، و إنا أعطيناك الكوثر ، و قل هو الله أحد وهن يجرين مجرى المعوذتين في أنهن غير طوال ، والحفظ إليهن أسرع ، ونسيانهن مأمون ، وكلهن يخالف فاتحة الكتاب ؛ إذ الصلاة لا تتم إلا بقراءتها . وسبيل كل ركعة أن تكون المقدمة فيها قبل ما يقرأ من بعدها ، فإسقاط فاتحة الكتاب من المصحف ، على معنى الثقة ببقاء حفظها ، والأمن من نسيانها ، صحيح ، وليس من السور ما يجري في هذا المعنى مجراها ، ولا يسلك به طريقها . وقد مضى هذا المعنى في سورة ( الفاتحة ) . والحمد لله .
بسم الله الرحمن الرحيم قل أعوذ برب الفلق
روى النسائي عن عقبة بن عامر ، قال : أتيت النبي - صلى الله عليه وسلم - وهو راكب ، فوضعت يدي على قدمه ، فقلت : أقرئني سورة ( هود ) أقرئني سورة يوسف . فقال لي : ˝ لن تقرأ شيئا أبلغ عند الله من قل أعوذ برب الفلق ˝ . وعنه قال : بينا أنا أسير مع النبي - صلى الله عليه وسلم - بين الجحفة والأبواء ، إذ غشتنا ريح مظلمة شديدة ، فجعل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يتعوذ بـ أعوذ برب الفلق ، و أعوذ برب الناس ، ويقول : ˝ يا عقبة ، تعوذ بهما فما تعوذ متعوذ بمثلهما ˝ . قال : وسمعته يقرأ بهما في الصلاة . وروى النسائي عن عبد الله قال : أصابنا طش وظلمة ، فانتظرنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يخرج . ثم ذكر كلاما معناه : فخرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ليصلي بنا ، فقال : قل . فقلت : ما أقول ؟ قال : ˝ قل هو الله أحد والمعوذتين حين تمسي ، وحين تصبح ثلاثا ، يكفيك كل شيء ˝ .
وعن عقبة بن عامر الجهني قال : قال لي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : ˝ قل ˝ . قلت : ما أقول ؟ قال : ˝ قل : قل هو الله أحد . قل أعوذ برب الفلق . قل أعوذ برب الناس - فقرأهن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، ثم قال : لم يتعوذ الناس بمثلهن ، أو لا يتعوذ الناس بمثلهن ˝ . وفي حديث ابن عباس ( قل أعوذ برب الفلق وقل أعوذ برب الناس ، هاتين السورتين ) . وفي صحيح البخاري ومسلم عن عائشة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان إذا اشتكى قرأ على نفسه بالمعوذتين وينفث ، كلما اشتد وجعه كنت أقرأ عليه ، وأمسح عنه بيده ، رجاء بركتها . النفث : النفخ ليس معه ريق .
ثبت في الصحيحين من حديث عائشة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - سحره يهودي من يهود بني زريق ، يقال له لبيد بن الأعصم ، حتى يخيل إليه أنه كان يفعل الشيء ولا يفعله ، فمكث كذلك ما شاء الله أن يمكث - في غير الصحيح : سنة - ثم قال : ˝ يا عائشة أشعرت أن الله أفتاني فيما استفتيته فيه . أتاني ملكان ، فجلس أحدهما عند رأسي ، والآخر عند رجلي ، فقال الذي عند رأسي للذي عند رجلي : ما شأن الرجل ؟ قال : مطبوب . قال ومن طبه ؟ قال لبيد بن الأعصم . قال في ماذا ؟ قال في مشط ومشاطة وجف طلعة ذكر ، تحت راعوفة في بئر ذي أروان ˝ فجاء البئر واستخرجه . انتهى الصحيح .
وقال ابن عباس : ˝ أما شعرت يا عائشة أن الله تعالى أخبرني بدائي ˝ . ثم بعث عليا والزبير وعمار بن ياسر ، فنزحوا ماء تلك البئر كأنه نقاعة الحناء ، ثم رفعوا الصخرة وهي الراعوفة - صخرة تترك أسفل البئر يقوم عليها المائح ، وأخرجوا الجف ، فإذا مشاطة رأس إنسان ، وأسنان من مشط ، وإذا وتر معقود فيه إحدى عشرة عقدة مغرزة بالإبر ، فأنزل الله تعالى هاتين السورتين ، وهما إحدى عشرة آية على عدد تلك العقد ، وأمر أن يتعوذ بهما ؛ فجعل كلما قرأ آية انحلت عقدة ، ووجد النبي - صلى الله عليه وسلم - خفة ، حتى انحلت العقدة الأخيرة ، فكأنما أنشط من عقال ، وقال : ليس به بأس . وجعل جبريل يرقي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فيقول : ˝ باسم الله أرقيك ، من كل شيء يؤذيك ، من شر حاسد وعين ، والله يشفيك ˝ . فقالوا : يا رسول الله ، ألا نقتل الخبيث . فقال : ˝ أما أنا فقد شفاني الله ، وأكره أن أثير على الناس شرا ˝ . وذكر القشيري في تفسيره أنه ورد في الصحاح : أن غلاما من اليهود كان يخدم النبي - صلى الله عليه وسلم - ، فدست إليه اليهود ، ولم يزالوا به حتى أخذ مشاطة رأس النبي - صلى الله عليه وسلم - . والمشاطة ( بضم الميم ) : ما يسقط من الشعر عند المشط . وأخذ عدة من أسنان مشطه ، فأعطاها اليهود ، فسحروه فيها ، وكان الذي تولى ذلك لبيد بن الأعصم اليهودي . وذكر نحو ما تقدم عن ابن عباس .
تقدم في ( البقرة ) القول في السحر وحقيقته ، وما ينشأ عنه من الآلام والمفاسد ، وحكم الساحر ؛ فلا معنى لإعادته .
قوله تعالى : الفلق اختلف فيه ؛ فقيل : سجن في جهنم ؛ قاله ابن عباس . وقال أبي بن كعب : بيت في جهنم إذا فتح صاح أهل النار من حره . وقال الحبلي أبو عبد الرحمن : هو اسم من أسماء جهنم . وقال الكلبي : واد في جهنم . وقال عبد الله بن عمر : شجرة في النار . سعيد بن جبير : جب في النار . النحاس : يقال لما اطمأن من الأرض فلق ؛ فعلى هذا يصح هذا القول . وقال جابر بن عبد الله والحسن وسعيد بن جبير أيضا ومجاهد وقتادة والقرظي وابن زيد : الفلق ، الصبح . وقاله ابن عباس . تقول العرب : هو أبين من فلق الصبح وفرق الصبح . وقال الشاعر :
يا ليلة لم أنمها بت مرتفقا أرعى النجوم إلى أن نور الفلق
وقيل : الفلق : الجبال والصخور تنفرد بالمياه ؛ أي تتشقق . وقيل : هو التفليق بين الجبال والصخور ؛ لأنها تتشقق من خوف الله - عز وجل - . قال زهير :
ما زلت أرمقهم حتى إذا هبطت أيدي الركاب بهم من راكس فلقا
الراكس : بطن الوادي . وكذلك هو في قول النابغة :
[ وعيد أبي قابوس في غير كنهه ] أتاني ودوني راكس فالضواجع
والراكس أيضا : الهادي ، وهو الثور وسط البيدر ، تدور عليه الثيران في الدياسة . وقيل : الرحم تنفلق بالحيوان . وقيل : إنه كل ما انفلق عن جميع ما خلق من الحيوان والصبح والحب والنوى ، وكل شيء من نبات وغيره ؛ قاله الحسن وغيره . قال الضحاك : الفلق الخلق كله ؛ قال :
وسوس يدعو مخلصا رب الفلق سرا وقد أون تأوين العقق
قلت : هذا القول يشهد له الاشتقاق ؛ فإن الفلق الشق . فلقت الشيء فلقا أي شققته . والتفليق مثله . يقال : فلقته فانفلق وتفلق . فكل ما انفلق عن شيء من حيوان وصبح وحب ونوى وماء فهو فلق ؛ قال الله تعالى : فالق الإصباح قال : فالق الحب والنوى . وقال ذو الرمة يصف الثور الوحشي :
حتى إذا ما انجلى عن وجهه فلق هاديه في أخريات الليل منتصب
يعني بالفلق هنا : الصبح بعينه . والفلق أيضا : المطمئن من الأرض بين الربوتين ، وجمعه : فلقان ؛ مثل خلق وخلقان ، وربما قال : كان ذلك بفالق كذا وكذا ؛ يريدون المكان المنحدر بين الربوتين ، والفلق أيضا مقطرة السجان . فأما الفلق ( بالكسر ) : فالداهية والأمر العجب ؛ تقول منه : أفلق الرجل وافتلق . وشاعر مفلق ، وقد جاء بالفلق أي بالداهية . والفلق أيضا : القضيب يشق باثنين ، فيعمل منه قوسان ، يقال لكل واحدة منهما فلق ، وقولهم : جاء بعلق فلق ؛ وهي الداهية ؛ لا يجرى [ مجرى عمر ] . يقال منه : أعلقت وأفلقت ؛ أي جئت بعلق فلق . ومر يفتلق في عدوه ؛ أي يأتي بالعجب من شدته . ❝
❞ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ (6)
قوله تعالى : من الجنة والناس أخبر أن الموسوس قد يكون من الناس . قال الحسن : هما شيطانان ؛ أما شيطان الجن فيوسوس في صدور الناس ، وأما شيطان الإنس فيأتي علانية . وقال قتادة : إن من الجن شياطين ، وإن من الإنس شياطين ؛ فتعوذ بالله من شياطين الإنس والجن .
وروي عن أبي ذر أنه قال لرجل : هل تعوذت بالله من شياطين الإنس ؟ فقال : أومن الإنس شياطين ؟ قال : نعم ؛ لقوله تعالى : وكذلك جعلنا لكل نبي عدوا شياطين الإنس والجن . . . الآية . وذهب قوم إلى أن الناس هنا يراد به الجن . سموا ناسا كما سموا رجلا في قوله : وأنه كان رجال من الإنس يعوذون برجال من الجن - وقوما ونفرا . فعلى هذا يكون ( والناس ) عطفا على الجنة ، ويكون التكرير لاختلاف اللفظين . وذكر عن بعض العرب أنه قال وهو يحدث : جاء قوم من الجن فوقفوا . فقيل : من أنتم ؟ فقالوا : ناس من الجن . وهو معنى قول الفراء . وقيل : الوسواس هو الشيطان . وقوله : من الجنة بيان أنه من الجن والناس معطوف على الوسواس . والمعنى : قل أعوذ برب الناس من شر الوسواس ، الذي هو من الجنة ، ومن شر الناس . فعلى هذا أمر بأن يستعيذ من شر الإنس والجن . والجنة : جمع جني ؛ كما يقال : إنس وإنسي . والهاء لتأنيث الجماعة . وقيل : إن إبليس يوسوس في صدور الجن ، كما يوسوس في صدور الناس . فعلى هذا يكون في صدور الناس عاما في الجميع . و من الجنة والناس بيان لما يوسوس في صدره . وقيل : معنى من شر الوسواس أي الوسوسة التي تكون من الجنة والناس ، وهو حديث النفس . وقد ثبت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال : إن الله - عز وجل - تجاوز لأمتي عما حدثت به أنفسها ما لم تعمل أو تتكلم به . رواه أبو هريرة ، أخرجه مسلم . فالله تعالى أعلم بالمراد من ذلك . ❝
❞ الَّذِي يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ النَّاسِ (5)
قوله تعالى : الذي يوسوس في صدور الناس
قال مقاتل : إن الشيطان في صورة خنزير ، يجري من ابن آدم مجرى الدم في العروق ، سلطه الله على ذلك ؛ فذلك قوله تعالى : الذي يوسوس في صدور الناس . وفي الصحيح عن النبي - صلى الله عليه وسلم - : إن الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم . وهذا يصحح ما قاله مقاتل . وروى شهر بن حوشب عن أبي ثعلبة الخشني قال : سألت الله أن يريني الشيطان ومكانه من ابن آدم فرأيته ، يداه في يديه ، ورجلاه في رجليه ، ومشاعبه في جسده ؛ غير أن له خطما كخطم الكلب ، فإذا ذكر الله خنس ونكس ، وإذا سكت عن ذكر الله أخذ بقلبه . فعلى ما وصف أبو ثعلبة أنه متشعب في الجسد ؛ أي في كل عضو منه شعبة . وروي عن عبد الرحمن بن الأسود أو غيره من التابعين أنه قال - وقد كبر سنه - : ما أمنت الزنى وما يؤمنني أن يدخل الشيطان ذكره فيوتده ! فهذا القول ينبئك أنه متشعب في الجسد ، وهذا معنى قول مقاتل . ووسوسته : هو الدعاء لطاعته بكلام خفي ، يصل مفهومه إلى القلب من غير سماع صوت . ❝
❞ مِن شَرِّ الْوَسْوَاسِ الْخَنَّاسِ (4)
قوله تعالى : من شر الوسواس الخناس
يعني : من شر الشيطان . والمعنى : من شر ذي الوسواس ؛ فحذف المضاف ؛ قاله الفراء : وهو ( بفتح الواو ) بمعنى الاسم ؛ أي الموسوس . و ( بكسر الواو ) المصدر ؛ يعني الوسوسة . وكذا الزلزال والزلزال . والوسوسة : حديث النفس . يقال : وسوست إليهم نفسه وسوسة ووسوسة ( بكسر الواو ) . ويقال لهمس الصائد والكلاب وأصوات الحلي : وسواس . وقال ذو الرمة :
فبات يشئزه ثأد ويسهره تذوب الريح والوسواس والهضب
وقال الأعشى :
تسمع للحلي وسواسا إذا انصرفت كما استعان بريح عشرق زجل
وقيل : إن الوسواس الخناس ابن لإبليس ، جاء به إلى حواء ، ووضعه بين يديها وقال : اكفليه . فجاء آدم - عليه السلام - فقال : ما هذا يا حواء ؟ قالت : جاء عدونا بهذا وقال لي : اكفليه . فقال : ألم أقل لك لا تطيعيه في شيء ، هو الذي غرنا حتى وقعنا في المعصية ؟ وعمد إلى الولد فقطعه أربعة أرباع ، وعلق كل ربع على شجرة ، غيظا له ؛ فجاء إبليس فقال : يا حواء ، أين ابني ؟ فأخبرته بما صنع به آدم - عليه السلام - فقال : يا خناس ، فحيي فأجابه . فجاء به إلى حواء وقال : اكفليه ؛ فجاء آدم - عليه السلام - فحرقه بالنار ، وذر رماده في البحر ؛ فجاء إبليس عليه اللعنة فقال : يا حواء ، أين ابني ؟ فأخبرته بفعل آدم إياه ؛ فذهب إلى البحر ، فقال : يا خناس ، فحيي فأجابه . فجاء به إلى حواء الثالثة ، وقال : اكفليه . فنظر إليه آدم ، فذبحه وشواه ، وأكلاه جميعا . فجاء إبليس فسألها فأخبرته حواء . فقال : يا خناس ، فحيي فأجابه فجاء به من جوف آدم وحواء . فقال إبليس : هذا الذي أردت ، وهذا مسكنك في صدر ولد آدم ؛ فهو ملتقم قلب آدم ما دام غافلا يوسوس ، فإذا ذكر الله لفظ قلبه وانخنس . ذكر هذا الخبر الترمذي الحكيم في نوادر الأصول بإسناد عن وهب بن منبه . وما أظنه يصح ، والله تعالى أعلم .
ووصف بالخناس لأنه كثير الاختفاء ؛ ومنه قول الله تعالى : فلا أقسم بالخنس يعني النجوم ، لاختفائها بعد ظهورها . وقيل : لأنه يخنس إذا ذكر العبد الله ؛ أي يتأخر . وفي الخبر ˝ إن الشيطان جاثم على قلب ابن آدم ، فإذا غفل وسوس ، وإذا ذكر الله خنس ˝ أي تأخر وأقصر . وقال قتادة : الخناس الشيطان له خرطوم كخرطوم الكلب في صدر الإنسان ، فإذا غفل الإنسان وسوس له ، وإذا ذكر العبد ربه خنس . يقال : خنسته فخنس ؛ أي أخرته فتأخر . وأخنسته أيضا . ومنه قول أبي العلاء الحضرمي - أنشد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - :
وإن دحسوا بالشر فاعف تكرما وإن خنسوا عنك الحديث فلا تسل
الدحس : الإفساد . وعن أنس أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : إن الشيطان واضع خطمه على قلب ابن آدم ، فإذا ذكر الله خنس ، وإذا نسي الله التقم قلبه فوسوس . وقال ابن عباس : إذا ذكر الله العبد خنس من قلبه فذهب ، وإذا غفل التقم قلبه فحدثه ومناه . وقال إبراهيم التيمي : أول ما يبدو الوسواس من قبل الوضوء . وقيل : سمي خناسا لأنه يرجع إذا غفل العبد عن ذكر الله . والخنس : الرجوع . وقال الراجز :
وصاحب يمتعس امتعاسا يزداد إن حييته خناسا
وقد روى ابن جبير عن ابن عباس في قوله تعالى : الوسواس الخناس وجهين : أحدهما : أنه الراجع بالوسوسة عن الهدى . الثاني : أنه الخارج بالوسوسة من اليقين . ❝
❞ إِلَٰهِ النَّاسِ (3)
وإنما قال : ملك الناس إله الناس لأن في الناس ملوكا يذكر أنه ملكهم . وفي الناس من يعبد غيره ، فذكر أنه إلههم ومعبودهم ، وأنه الذي يجب أن يستعاذ به ويلجأ إليه ، دون الملوك والعظماء . ❝
❞ مَلِكِ النَّاسِ (2)
وإنما قال : ملك الناس إله الناس لأن في الناس ملوكا يذكر أنه ملكهم . وفي الناس من يعبد غيره ، فذكر أنه إلههم ومعبودهم ، وأنه الذي يجب أن يستعاذ به ويلجأ إليه ، دون الملوك والعظماء . ❝
❞ سورة الناس
مثل ( الفلق ) لأنها إحدى المعوذتين . وروى الترمذي عن عقبة بن عامر الجهني عن النبي - صلى الله عليه وسلم - : ˝ لقد أنزل الله علي آيات لم ير مثلهن : قل أعوذ برب الناس إلى آخر السورة و قل أعوذ برب الفلق إلى آخر السورة ˝ . وقال : هذا حديث حسن صحيح . ورواه مسلم .
بسم الله الرحمن الرحيم
قل أعوذ برب الناس
قوله تعالى : قل أعوذ برب الناس أي مالكهم ومصلح أمورهم . وإنما ذكر أنه رب الناس ، وإن كان ربا لجميع الخلق لأمرين : أحدهما : لأن الناس معظمون ؛ فأعلم بذكرهم أنه رب لهم وإن عظموا . الثاني : لأنه أمر بالاستعاذة من شرهم ، فأعلم بذكرهم أنه هو الذي يعيذ منهم . ❝
❞ عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ˝لا يتمنين أحدكم الموت، ولا يدع به من قبل أن يأتيه، إنه إذا مات أحدكم، انقطع عمله، وإنه لا يزيد المؤمن عمره إلا خيرا˝ . ❝