█ _ مصطفى محمود 1998 حصريا كتاب ❞ الروح والجسد ❝ عن دار المعارف 2024 والجسد: هو من تأليف الدكتور تحدث فيه طرفان نقيضان يتصارعان وبينهما يعيش الإنسان كبد تحلق به علياء المعاني السامية ويقيده الجسد الفاني بأغلال محكمة شهوات ورغبات هذا الصراع الذي تكلم رجال الدين والفلاسفة والمفكرون والمتصوفون “السعادة الحقة هي حالة عميقة حالات السكينة تقل فيها الحاجة إلى الكلام وتنعدم الرغبة الثرثرة رؤية داخلية مبهجة واحساس بالصلح مع النفس والدنيا والله واقتناع عميق بالعدالة الكامنة الوجود كله وقبول لجميع الآلام رضى وابتسام” ********* “اللهم اجعل مكالمتي معك وحدك فأنت تعلم ولا تظلم تتبدل عندك الأقوال والأحكام تضيع محبة” ******** “للصمت المفعم بالشعور حكم أقوى الكلمات” ********* “لابدّ احترام المسافة التي تحفظ لكل فرد مجاله الخاص وكينونته الخاصة كإنسان مستقل له الحق أن يطوي ضلوعه شيء” ************ “وصف القرآن العلاقة السوية بين الرجل والمرأة بأنها المودة والرحمة ولم يسمها حبا وجعل الحب وقفا علاقة الانسان بالله لأنه وحده جامع الكمالات الجدير بالحب والتحميد وجاءت لفظة القران حب الله وحب الرسول مرة واحدة المرأة لسان النسوة الخاطئات حينما تكلمن امرأة العزيز وفتاها (شغفها حبا) وهو رفضه يوسف واستعصم منه واستعان بربه وآثر عليه السجن عدة سنين” ********* “وللصمت الكلمات وله إشعاع قدرته الفعل والتأثير والمحب الصامت يستطيع ينقل لغته وحبه الآخر إذا كان نفس المستوى رهافة الحس وإذا قادراً السمع بلا أذن والكلام نطق” *********** “اللهم لي صمت الجبل يحمل أحشائه البركان صامت ويحمل باطنه الزلزال هادئ جوفه الذهب والبلاتين والماس ويبدو متواضعاً بفرش نفسه للفقراء والبسطاء اللهم مكالماتي محبّة” ******** “الله لا يتركنا ندعي اي شيء إلا ويمتحننا بأن يضعنا امام مخاطر الكلمة ومخاطر التبعة فيطالبنا بثمن الصدق كنا صادقين يمتحننا ظاهرنا وباطننا ويمتحن جواهرنا وقلوبنا وأفعالنا” ************ “بل تكاد تكون قاعدة القلب يصحو بالألم والنفس تشف وترهف بالمعاناة” ************ “كنا عائدين أداء الواجب قال صديقي: ـ أنعيش كذب دائم ؟ ألا يوجد صدق قلت له: بل نحن نصدق دائما ولكنه محدود, صدق لحظتها كلماتنا عمرها عمر الرسم علي الماء والنقش الرمال وهي العادة صادقة حدود العمر القصير فيما ندر وبعد ذلك بعد ذلك تتغير الظروف وتتبدل الملابسات وتمتحن العواطف والأقوال والأعمال وتبتلي النفوس جواهرها وتتقلب القلوب ويأتي الليل النهار فنحن أرض تدور أليس كذلك يصمد للامتحان باق؟ أحيانا ولكن الباقي تعيا حمله والذي يحب حاول يعبر يخرج كلاما عبيطا أو عبارات معني ومثل يكون أغلب الأحوال أزمة الصدر وعطشا خلف الضلوع ارتواء حل له إني أتمني تحبني الحب أبدا لم؟ لأن تحب تسامح إنها تري نفسها قد أعطت روحها فلا أقل تأخذ روحي والذين يحبون هم قاتل ومقتول وأنا أحب أكون أحدهما الرائع الإشراك بعينه وعبادة المخلوق دون الخالق, وهذا ما قاله الإمام الغزالي الواحدة استغراقا وصبابة إنه السقوط الشرك ولهذا أباح الإسلام تعدد الزوجات ليحول الاستئثار وحتي التوحيد لله وهل تظن أنك تختار قدرك يمكن يداهمك النوع برغم أنفك, فلا تملك فكاكا؟ مصيبة وكارثة وأسرا وسجنا وأغلالا يكتبه عبد غضب ولعنه وأضله وأرجو المغضوب عليهم الضالين أعرف معبودي أضل عنه وأنه الأجمل كل جميل مهوي الأفئدة وسكن الأرواح وماذا للمرأة المثلي عندك؟ لها عندي والصحبة الطيبة أكثر غل قيد أسر وإنما ضيافة كريمة يستضيف منا مدي أيام الدنيا الشقية ويعاونه تحملها سوف أعيش وأفرح فيك وأراك بإذن الأسر والغل والقيد غريقا لشوشتك أذيال حتي تتوب تعذيبنا تبت ولا داعي للبلاء اللهم تدخلنا تجربة تكتب حبك يتنافي الناس؟ يدعو الناس وبلا قيود عبودية سعار الغرام وضرام الشهوات يغنيك غرام بشري؟ نعم استطعت أفهم النظر وجهه ومعني هالك عشق الهالكين الهلاك معهم وأن حبه الخلاص والعتق والحرية وكيف تنظر وجهه؟ أستشفه صدح الطيور وفي نور الفجر, في جناح الفراش بصمة الاصبع عطر الوردة العدل المستتر وراء الألم والحكمة الخافية العذاب وأشعر استسرار وإبهام الموت وطلسم القدر أحس الحقائق تلقي عقلي لغة عبارة تسعفني ساعة الخطر الوضوح الرائع يتجلي لحظة الأزمة الإحساس الحميم بالصحبة والونس وحدي, وفيما لطائف الأسرار العبد وربه مما يكتب يقال أهناك يقال؟ مطلق نعرفه؟ نعرفه نكابده إحساسك بذاتك مكابدة وليست معرفة ومع ذلك, فهي أعلي جميع درجة اليقين ذاتك أمر يرقي إليه شك يتوضح كما تتوضح سائر والحقائق العليا كلها مكابدات معارف والمتصوفة يسمون حضورا وحضرة نصل هذه الحضرة بالاجتهاد؟ نستطيع يساعدنا هو دخلت الحضرة؟ أنا أبعد الشرف, أنا حالي مثل حالك حال المرحوم دفناه اليوم الخاطئين الذين يتقلبون والنهار ولكني أحاول مجرد محاولة ” ********** “إن السعادة فى معناها الوحيد الممكن هى الصلح الظاهر والباطن بين ونفسه وبين والآخريين الله فينسكب منهما كأنهما وحدة ويصبح الفرد وكأنه الكل وكأنما تغنى وتتكلم ” فكر وثقافة مجاناً PDF اونلاين الثقافة تعني صقل والمنطق والفطانة حيث المثقف يقوم بتعلم أمور جديدة القلم عندما يتم بريه هذا القسم يشمل العديدة الكتب المتميزة الفكر والثقافة تتعدّد ترمي إليها اللغة العربية فهي ترجِع أصلها الثلاثي ثقُفَ يعني الذكاء والفطنة وسرعة التعلم والحذق والتهذيب وتسوية الشيء وإقامة اعوجاجه والعلم والفنون والتعليم والمعارف
❞ نعم إن الأمر صدق وحق.. ولا شيء يستحق البكاء من الإنسان أكثر من خطيئته ولا شيء يستحق أن يتمزق له القلب أكثر من أن يخطئ وهو يعلم أنه يخطئ ويتردى وهو يعلم أنه يتردى، إنه لأفضل له أن يتمزق ألف قطعة كل قطعة تتألم وتتعذب ولا يرتكب الخطأ ولو علمنا لما طلبنا من الله ساعة السجود إلا طلباً واحداً.. ألا تخطئ . ❝
❞ “الله لا يتركنا ندعي اي شيء إلا ويمتحننا فيه ... بأن يضعنا امام مخاطر الكلمة ومخاطر التبعة .. فيطالبنا بثمن الصدق ان كنا صادقين .. والله يمتحننا في ظاهرنا وباطننا ويمتحن جواهرنا وقلوبنا وأفعالنا” . ❝
❞ - نشاطركم ألاحزان.
- للفقيد الرحمة ولكم طول البقاء.
- دموعنا لن تجف حتى نلتقي.
- إلى جنه الخلد مع الأبرار القديسين.
- خسارتنا بك لا تعوض.
- ذكراك العطرة تملأ قلوبنا.
- نرثيك وبدموع الحسره نبكيك.
- خالص العزاء ولكم الصبر والسلوان.
- تشرب سيجارة.
- متشكر باشرب انجليزي.
- أدى حال الدنيا.
- مين بيخلد.
- ترك فدانين وفيلا في المعادي.
- مراته هاتورث على الجاهز.
- هي الوليه التخينه إلى هناك إلى بتاكل بسطرمه.
- عينها تندب فيها رصاصة.
- كانت دايما تقول عليه نسناس.
- صورتك في خيالي يا أبي لن تفارقه.. بنتك أمينه.
- نم بين أذرع الملائكة ياحبيبي ورحمه الله ترعاك..
زوجتك الوفية.
- الحزن يدمي فؤادي واللوعه عليك تحرقني.. أختك ازهار.
- الحياه بعدك مستحيلة لن أنساك ابدا.. ولن انسى عطفك وحسن رعايتك.. ابنك فتحي.
- مين الي بتعيط بحرقه هناك؟..
- وحدة محدش يعرفها ولا تعرفشي حد.
- بتلطم وتقول بنتي حبيبتي.
- بتعيط على حاجة تانية..
- كل واحد بيندب على نفسه.
- مراته بترقع بالصوت الحياني .. عشان تهضم البسطرمه.
- يا شيخ حرام عليك.
- هي دايما بترقع بالصوت الحياني في كل مناسبة.. لما تضيع منها بكره الخيط ترقع بالصوت الحياني .. لما يعطل الاسانسير ترقع بالصوت الحياني.. أما تقع كبايه ترقع بالصوت الحياني.
- بتقول يا سبعي.
- ولو طلع من التربة تأكله وحياتك.
- أعوذ بالله أنت في بينك وبينها إيه..
- اصل كان دايماً يشتكي لي منها الله يرحمه وكان يهرب منها وييجي يبات عندي ويقعد طول الليل يندب حظه ويقول مفيش حد يخلصني من الوليه النكد إلى بتصرخ ليل و نهار زي الكلاكس.. دنا ساكن في جراج مش بيت.
- أهو ربنا خلصه.
قال تعالي:{يسٓ(١) والقُرآنِ الحَكيمِ(٢) ....} يسٓ :١-٩
- الفقي بيقرأ ومحدش بيسمع.
- وكل واحد بيهز رأسه ويقول الله.
- حتى الفقي عقله في حته تانية غير اللي بيقولها.
- صدقت.. لو كان عقله في اللي بيقوله مكانش قعد يلعلع كدة وكان خشع شوية.
- حاجه عجيبة! و الله انا صعبان علىّ الميت.. ولو كنت انا الميت دلوقت كنت هابقي زعلان أوي على نفسي.. تصور يعملوا لي شادر ومندبه وملطمه ويوزعوا قهوة سادة على روحي.. ومفيش واحد فيهم بيفكر في روحي طيب كان لازمته ايه.. طب مايدفنوني وخلاص مادمت بالنسبة لهم اندفنت وانتهيت.. إيه لازمته المورستان ده..؟
- كل واحد عايز يحس انه زعلان وإنه أدى الواجب..انت عاوز تنكد عليهم ليه يا أخي.. انت عاوز تموت على كيفك.. المأتم ده معناه ان كل واحد جاي يموتك على كيفه.. فاهم.
- لا مش فاهم.
- اما تموت بإذن الله هاتفهم.
- هاكتب وصيه إن محدش يكتب حرف أو يقدم نقطه قهوة على روحي.
- شعاع الشمس تجسد فيك.. انت نور حياتي الذي لا يغيب.. انت في سواد العين.. انت في شغاف القلب يا حبيبي..اسمك تسبيحتي.. خيالك غرفتي.. ابتسامتك وسادتي التى اغفو عليها.. انفاسك عطري المحبب..كلماتك مصحفي المقدس الذي لا يفارقني.. ذكراك تاريخي.. ايامك حياتي كلها.. لن أنساك ابدا.. حبيبتك الحافظة لعهدك حتى الموت.
- تفتكر كانت بتحبه.
- كلامها حلو.
- مؤكد كانت بتحبه ساعه ما كتبت الكلام ده.. لكن بعد كده ماعرفش.. كل شيء جايز يتغير في دنيا القلوب.. بيسموها قلوب لأنها تتقلب.
- ألا يوجد شيء باق؟
- الله باق.
* * * * * * * * *
كنا عائدين من أداء الواجب حينما قال لي صديقي:
ـ أنعيش في كذب دائم ؟ ألا يوجد صدق ؟
قلت له:
ـ بل نحن نصدق دائما ولكنه صدق محدود, صدق لحظتها.. كلماتنا عمرها عمر الرسم علي الماء والنقش علي الرمال.. وهي في العادة صادقة في حدود هذا العمر القصير إلا فيما ندر.
ـ وبعد ذلك.
ـ بعد ذلك تتغير الظروف وتتبدل الملابسات وتمتحن العواطف والأقوال والأعمال.. وتبتلي النفوس في جواهرها وتتقلب القلوب.. ويأتي بعد الليل النهار وبعد النهار الليل.. فنحن علي أرض تدور.. أليس كذلك.
ـ ألا يوجد حب يصمد للامتحان ألا يوجد حب باق؟
ـ أحيانا.. ولكن هذا الحب الباقي في العادة تعيا عن حمله الكلمات.. والذي يحب هذا الحب إذا حاول أن يعبر عن نفسه لا يخرج منه إلا كلاما عبيطا.. أو عبارات بلا معني.. ومثل هذا الحب يكون في أغلب الأحوال أزمة في الصدر وعطشا خلف الضلوع لا ارتواء له ولا حل له.
ـ إني أتمني أن تحبني امرأة هذا الحب.
ـ إني لا أتمني أن تحبني امرأة هذا الحب أبدا.
ـ لم؟
ـ لأن المرأة التي تحب هذا الحب لا تسامح.. إنها تري نفسها قد أعطت روحها فلا أقل أن تأخذ روحي والذين يحبون هذا الحب هم بين قاتل ومقتول وأنا لا أحب أن أكون أحدهما.
ـ بل هو الحب الرائع.
ـ بل هو الإشراك بعينه وعبادة المخلوق من دون الخالق, وهذا ما قاله الإمام الغزالي في حب المرأة الواحدة إذا كان استغراقا وصبابة.. قال إنه السقوط في الشرك... ولهذا أباح الإسلام تعدد الزوجات ليحول دون هذا الاستئثار.. وحتي لا يكون التوحيد إلا لله.
ـ وهل تظن أنك تختار قدرك.. ألا يمكن أن يداهمك هذا النوع من الحب برغم أنفك, فلا تملك منه فكاكا؟
ـ إنه يكون مصيبة.. وكارثة وأسرا.. وسجنا.. وأغلالا.. ومثل هذا الحب لا يكتبه الله إلا علي عبد غضب عليه ولعنه وأضله وأرجو ألا أكون من المغضوب عليهم ولا من الضالين.. وأرجو أن أعرف معبودي فلا أضل عنه وأنه هو الله وحده جامع الكمالات.. الأجمل من كل جميل.. مهوي الأفئدة وسكن الأرواح.
ـ وماذا للمرأة المثلي عندك؟
ـ لها عندي المودة والرحمة والصحبة الطيبة.. ولا أكثر.. لا غل ولا قيد ولا أسر.. وإنما ضيافة كريمة يستضيف فيها كل منا الآخر مدي أيام الدنيا الشقية ويعاونه علي تحملها.
ـ سوف أعيش وأفرح فيك وأراك بإذن الله في الأسر والغل والقيد غريقا لشوشتك في أذيال امرأة حتي تتوب عن تعذيبنا.
ـ تبت.. ولا داعي للبلاء.. اللهم لا تدخلنا في تجربة.. اللهم لا تكتب علي إلا حبك.
ـ وهل يتنافي حب الله مع حب الناس؟
ـ بل هو يدعو إلى حب الناس ولكن بلا غل وبلا قيود وبلا عبودية.. حب المودة والرحمة لا سعار الغرام وضرام الشهوات.
ـ وهل يمكن أن يغنيك حب الله عن الحاجة إلى غرام بشري؟
ـ نعم إذا استطعت أن أفهم معني النظر إلى وجهه ومعني أن كل شيء هالك إلا وجهه.. ومعني أن عشق الهالكين هو الهلاك معهم وأن في حبه وحده الخلاص والعتق والحرية.
ـ وكيف تنظر إلى وجهه؟
ـ أستشفه في صدح الطيور وفي نور الفجر, في جناح الفراش وفي بصمة الاصبع وفي عطر الوردة وفي العدل المستتر وراء الألم والحكمة الخافية في العذاب.. وأشعر به في استسرار الليل وإبهام الموت وطلسم القدر..
أحس به في الحقائق التي تلقي في عقلي بلا لغة وبلا عبارة وفي السكينة التي تسعفني ساعة الخطر وفي الوضوح الرائع الذي يتجلي علي لحظة الأزمة.. وفي الإحساس الحميم بالصحبة والونس وأنا وحدي, وفيما هو أكثر من ذلك من لطائف الأسرار التي يمكن أن تحدث بين العبد وربه مما لا يكتب ولا يقال.
ـ أهناك شيء لا يمكن أن يقال؟
ـ كل ما هو مطلق لا يمكن أن يقال.
ـ وكيف نعرفه؟
ـ لا نعرفه ولكن نكابده.. إحساسك بذاتك مكابدة وليست معرفة ومع ذلك, فهي أعلي من جميع المعارف في درجة اليقين.. ذاتك أمر لا يرقي إليه شك.. ومع ذلك, فهي أمر لا يمكن أن يتوضح كما تتوضح سائر المعارف.. والحقائق العليا كلها مكابدات وليست معارف.. والمتصوفة يسمون هذا الإحساس بالله.. حضورا.. وحضرة.
ـ وهل يمكن أن نصل إلى هذه الحضرة بالاجتهاد؟
ـ لا نستطيع إلا أن يساعدنا هو.
ـ وهل دخلت هذه الحضرة؟
ـ أنا أبعد الناس عن هذا الشرف .. أنا حالي مثل حالك و مثل حال المرحوم الذي دفناه اليوم و مثل حال الخاطئين الذين يتقلبون مع الليل و النهار .
و لكني أحاول .. مجرد محاولة .
..
من كتاب : الروح و الجسد
للدكتور / مصطفى محمود (رحمه الله) . ❝
❞ هي قادمة من لندن منذ أيام بعد سياحة قصيرة... ذهبت وعلى وجهها براءة وفي خطوتها حياء.. وعادت متنمرة متحفزة تتدلى من شفتيها سيجارة تنفث دخانها متواصلا كمدخنة , وقد وضعت ساقاً على ساق وراحت تحملق في وجهي في صرامة وحدة ..
كنت في عجب من التغير السريع ..
أين ذهبت الأنوثة الفياضة والملامح اللذيذة الهشة مثل غزل البنات التي كانت تتلون بحمرة الخجل لأقل خاطر
أنا أمام شيخ غفر
سألت في توجس لعلي أكتشف السر ..
ترى , كيف رأيت لندن ؟
جاء ردها كطلقات مدفع رشاش
رأيت الجنة .. إنهم هناك يعيشون في الجنة.. حرية .. حرية .. حرية في كل شيء .. البنت هناك تفعل ما تشاء كما تشاء .. تخرج وقتما تريد تعود وقتما تريد .. أو لا تعود .. إذا حلا لها أن لاتعود .. تعانق فتاها أمام الجميع , وتقبله أمام الجميع , وتختلي به ويختلي بها , وتفعل به ويفعل بها كل ما يلذ لهما دون خوف من أن تتلصص عيون الآخرين لتعرف ماذا يجري تحت الملاءة .. العسكري يحرس المنظر الجميل من الفضوليين ويحمي الخلوة بقوة القانون .. الأهل يباركون هذه الحرية الجنسية ولا يدسّون أنفهم فيها ، لا أحد يسأل .. هل هو زوجك .. هل هو خطيبك .. متى نقول مبروك .. كل واحد في حاله .. كل واحد له لذته وخلوته وصاحبته..
هذه هي الحياة .. هذا هو التقدم .. هذه هي الجنة ..
كنت أستمع في دهشة .. وأذكر زيارتي أنا الآخر للندن وكيف أعجبت بها .. ولكن لسبب آخر مختلف تماما .. فقد أعجبني فيها النظام والجدية والعمل والإنتاج والديمقراطية... ولم ألق بالا لظاهرة الهيبيز والتحلل الجنسي.. فقد رأيت فيها في ذلك الوقت مظهرا لتداعي إمبراطورية عظيمة وعرضا من أعراض تصدعها .. ولو أن شباب بريطانيا بدا بهذه الصورة الرخوة المنحلة لما قام لبريطانيا بتاء تحت الشمس , ولما استطاعت أن تقتحم بأساطيلها البحار السبعة .. قصة ميلاد وموت الإمبراطوريات كما تعلمناها من التاريخ.. تبدأ بالعصامية والفقر والصبر والكفاح وتنتهي بالشيخوخة في الترف والإنحلال .. قصة لا يمل التاريخ من تكرارها على أسماعنا .. وأفقت من ذكرياتي وتأملاتي على صوت صاحبتنا يصفعني من جديد..
هيه . متى تتقدمون أيها الرجال .. وتخلعون عنكم ثياب الرجعية والتخلف وتعاملون المرأة كآدمية لها الحق في أن تستمتع .. متى نعيش أحرارا ؟
قلت وأنا مازلت مندهشاً من هذا التحفز في نبراتها
ولكنك على ما اعلم حرة .. أنت حرة .. في إمكانك أن تفعلي ما تشائين .. ليس في رفقتك شرطي وليس في يدك أغلال .. ولست رهن تحقيق أو اعتقال .. وإذا قررت بينك وبين نفسك أن تفوزي بمتعة فأنت تحصلين عليها في غفلة من الجميع وبرغم أنفهم
فصاحت بحدة
ولماذا لا أستمتع علنا أمام الكل ؟ لماذا لا تكون الأحضان والقبلات مثل التموين المشروع نتبادلها دون خوف ؟ لماذا لا تكون الحرية الجنسية في بطاقة تمويننا ؟ مثل السكر والزيت والشاي حقا مقررا لا نقاش فيه ولا عيب ولا حرام ؟
لبثت لحظة أمسك رأسي محملقا في هذه التي عرفتها عذراء مثل فتافيت السكر .. كيف تتكلم في ضراوة مثل الغولة ؟
وأعجب ما في الأمر .. أنها كانت تتكلم في زهو و خيلاء .. وكأنما تحمل إلى العالم بشارة جديدة أو نظرية عميقة أو مذهبا فلسفيا
قلت لها
ولكن هذا مذهب القرود .. وهو امر قديم جدا لا تقدم فيه ولا تقدمية .. فالقرود يتناكحون ويتلاقحون ويتعانقون في الأقفاص ونحن نصفق لهم ونبارك حريتهم ونلقي إليهم بالموز والسوداني.. هذه نظرية لا يحتاج اكتشافها رحلة إلى لندن وإنما تكفي رحلة إلى جبلاية القرود .. لقد كلفت نفسك مشوارا طويلا دون مقتضى
قالت في غيظ ..
سوف تعود إلى كلامك الفارغ
والحقيقة أنني كنت في حيرة من كل هذا الغل الذي جرى به الحوار.. فليس بيننا ثأر قديم على ما أعلم وإن كنت أدعو إلى العفة .. فإني لا أفعل ذلك لحسابي الخاص.. وإنما هي حقيقة وخبرة وممارسة ومعاناة وخلاصة عمر.. أحاول أن أوصل ثمرتها إلى الآخرين.. وأطرح أمامهم رأيا حرا وليس في المسألة تحد
وجاءني صوتها عنيداً مكابراً
على العموم إذا كنت أتفادى الصدام معكم إلى الآن .. وإذا كنت أخضع أحيانا لتقاليدكم البالية أيها الرجال .. فإنما أفعل هذا إشفاقا عليكم لأنكم مساكين.. إشفاقا على الأب والأخ والصديق
أخيرا قالت كلمة حق .. فنحن فعلا مساكين .. ومع مثل هذه العقلية النسائية سنكون جيلا مسكينا من الرجال
وليست جنة أبداً تلك الخلوة التي تجمعنا مع مثل هذه العينة من النساء ولو كانت في هايدبارك في لندن تحت أشجار الزيزفون يفعل كل منا بالآخر ما يلذ له ..
فهؤلاء لسن نساء .. إنما غيلان
ونظرت إلى وجهها المتنمر ورحت أبحث عن فتافيت السكر التي كانت تلمس شغاف القلب .. فوجدت وجها تبخرت منه الأنثى وبقي شيء متصلب لا يصلح لأن يكون وجها لأنثى ولا وجها لرجل .. ولا حتى سحنة لشيخ الغفر!
من كتاب / الروح والجسد
للدكتور / مصطفى محمود (رحمه الله) . ❝
❞ و الكلمة شيء خطير، و هي أشبه بالشحنة تنطلق من الشفتين كالرصاص؛ فتصيب، و تجرح، و تهدم، و تخرب، و تحمل مع حروفها العذاب الذي لا شفاء منه.
و الله خلق الدنيا بكلمة، و تقوم الحروب بكلمة، وتضع أوزارها بكلمة، وتقوم الساعة بكلمة، و تنهد السموات بكلمة.
فالكلمة شيء كالسحر كالطلسم؛ إذا انفصلت عن الفعل أصبحت: عبثاً، و إذا تناقضت مع الفعل أصبحت: نفاقاً . ❝
❞ طرفان نقيضان يتصارعان وبينهما يعيش الإنسان في كبد تحلق به الروح في علياء المعاني السامية ويقيده الجسد الفاني بأغلال محكمة من شهوات ورغبات . ❝
❞ و إنما يظهر الإنسان على حقيقته إذا حرم مما يحب..
و إذا حمل ما يكره فهنا تتفاضل النفوس..
فهناك نفس تحمد و تشكر و لا تعترض و تفوض الأمر إلى الله و هناك نفس تعاتب ربها و تحتج..
و هناك نفس تسب الملة و الدين و تتشاجر مع الله و مع الناس..
و هناك نفس تتعجل فتسرق و تقتل و تعتدي لتصلح حالها و تنهي حرمانها..
و هكذا تتفاضل النفوس و تظهر الحقائق...
و من أجل هذا خلق الله الدنيا و أنزلنا الله هذا المنزل في أسفل سافلين لتظهر لنا حقائقنا . ❝
❞ إنما يظهر الإنسان على حقيقته إذا حرم مما يحب، وإذا حمل ما يكره، فهنا تتفاضل النفوس فهناك نفس تحمد وتشكر ولا تعترض وتفوض الامر إلي الله عز وجل..
وهناك نفس تعاتب ربها وتحتج وهناك نفس تتعجل فتسرق وتقتل وتعتدي لتصلح حالها وتنهي حرمانها . ❝
❞ نعم إن الأمر صدق وحق.. ولا شيء يستحق البكاء من الإنسان أكثر من خطيئته ولا شيء يستحق أن يتمزق له القلب أكثر من أن يخطئ وهو يعلم أنه يخطئ ويتردى وهو يعلم أنه يتردى، إنه لأفضل له أن يتمزق ألف قطعة كل قطعة تتألم وتتعذب ولا يرتكب الخطأ ولو علمنا لما طلبنا من الله ساعة السجود إلا طلباً واحداً.. ألا تخطئ . ❝