❞ منذ العام 1960 لم يستيقظ عم ( جلال ) لصلاة الفجر ..
وهذا لسبب بسيط جداً هو أنه لم ينم قط قبلها ..
في ذلك الشارع الضيق الصغير كان الضوء الوحيد ينبعث من بقالته ، وكان هو المكان الوحيد في العالم بالنسبة لسكان الشارع على الأقل الذي تستطيع أن تبتاع منه علبة سردين أو شاي أو تبغ بعد الثانية صباحاً ..
إنه مكان دافئ آمن يشبه الفنار للسفن الضالة .. هناك سوف تقترب لتجده جالساً وسط المحل بين البضائع موقد الكيروسين بدفئه الجميل وصوته العذب فى ليالى الشتاء .. والبطانية على كتفيه وصوت ( أم كلثوم ) ينبعث من ذلك المذياع العتیق المربوط بالحبال ..
سوف تقف عنده متلذذاً بذلك الشعور : ظهرك يرتجف من الصقيع ووجهك ينعم بالدفء .. شعور يبعث فيك القشعريرة مع رغبة عارمة في أن تدخل لتنام بالداخل ، لكن هذا مستحيل لأن المحل ضيق جداً .. وقد رتب هو كل شيء بحيث لا يضطر إلى النهوض أبداً ..
لكن بقالة عم ( جلال ) من المواضع النادرة في العالم التي تجعلك تشعر بأن الحياة تستحق أن نحياها .. وقد قالت زوجة من ساكنات الشارع :
- «لو صحوت يوماً فوجدت أن هذا الرجل مات لشعرت بأن العالم قد انهار ..»
الرجل نفسه عجوز باسم لم يترك مرضاً في كتب الطب إلا اتخذه لنفسه كما يقتني هواة النفائس مقتنياتهم ، وإلى حد ما كنت تشعر بأنه يفخر بأمراضه هذه .. إنه يحدثك باعتزاز عن النقرس ويحدثك بفخر عن الروماتزم ويحدثك بكبرياء عن داء السكري .. ولو كان ذا ثقافة طبية لاتخذ مرضاً غريب الاسم مثل ( التهاب الحيزوب ) أو ( الانسكاب البلوری ) ليضمه لمجموعته ..
هكذا يظل الرجل في متجره وحيداً لا تعرف فيما يفكر ولا أية ذكريات يجترها ، ثم يتعالى صوت الأذان من زاوية قريبة فينهض .. معجزة أن تراه ينهض كأنك ترى أحد ديناصورات (رای هاری هاوزن Haussen ) المتخشبة في أفلامه القديمة .. حتى توشك أن تبكي تأثراً لرؤية هذه المعجزة ..
إنه يغلق المتجر .. يمشي إلى المسجد وهو يردد الأدعية بصوت خفيض.. يؤدي الصلاة ثم ينصرف إلى داره .. إنه يعيش بلا ولد مع زوجة عجوز مثله في شقة ضيقة بذات الشارع ..
هكذا لن تراه ثانية إلا بعد صلاة الظهر..
أعترف أنني كنت أهيم حباً بهذا المتجر وهذا الرجل. ❝ ⏤أحمد خالد توفيق
❞ منذ العام 1960 لم يستيقظ عم ( جلال ) لصلاة الفجر .
وهذا لسبب بسيط جداً هو أنه لم ينم قط قبلها .
في ذلك الشارع الضيق الصغير كان الضوء الوحيد ينبعث من بقالته ، وكان هو المكان الوحيد في العالم بالنسبة لسكان الشارع على الأقل الذي تستطيع أن تبتاع منه علبة سردين أو شاي أو تبغ بعد الثانية صباحاً .
إنه مكان دافئ آمن يشبه الفنار للسفن الضالة . هناك سوف تقترب لتجده جالساً وسط المحل بين البضائع موقد الكيروسين بدفئه الجميل وصوته العذب فى ليالى الشتاء . والبطانية على كتفيه وصوت ( أم كلثوم ) ينبعث من ذلك المذياع العتیق المربوط بالحبال .
سوف تقف عنده متلذذاً بذلك الشعور : ظهرك يرتجف من الصقيع ووجهك ينعم بالدفء . شعور يبعث فيك القشعريرة مع رغبة عارمة في أن تدخل لتنام بالداخل ، لكن هذا مستحيل لأن المحل ضيق جداً . وقد رتب هو كل شيء بحيث لا يضطر إلى النهوض أبداً .
لكن بقالة عم ( جلال ) من المواضع النادرة في العالم التي تجعلك تشعر بأن الحياة تستحق أن نحياها . وقد قالت زوجة من ساكنات الشارع :
- «لو صحوت يوماً فوجدت أن هذا الرجل مات لشعرت بأن العالم قد انهار .»
الرجل نفسه عجوز باسم لم يترك مرضاً في كتب الطب إلا اتخذه لنفسه كما يقتني هواة النفائس مقتنياتهم ، وإلى حد ما كنت تشعر بأنه يفخر بأمراضه هذه . إنه يحدثك باعتزاز عن النقرس ويحدثك بفخر عن الروماتزم ويحدثك بكبرياء عن داء السكري . ولو كان ذا ثقافة طبية لاتخذ مرضاً غريب الاسم مثل ( التهاب الحيزوب ) أو ( الانسكاب البلوری ) ليضمه لمجموعته .
هكذا يظل الرجل في متجره وحيداً لا تعرف فيما يفكر ولا أية ذكريات يجترها ، ثم يتعالى صوت الأذان من زاوية قريبة فينهض . معجزة أن تراه ينهض كأنك ترى أحد ديناصورات (رای هاری هاوزن Haussen ) المتخشبة في أفلامه القديمة . حتى توشك أن تبكي تأثراً لرؤية هذه المعجزة .
إنه يغلق المتجر . يمشي إلى المسجد وهو يردد الأدعية بصوت خفيض. يؤدي الصلاة ثم ينصرف إلى داره . إنه يعيش بلا ولد مع زوجة عجوز مثله في شقة ضيقة بذات الشارع .
هكذا لن تراه ثانية إلا بعد صلاة الظهر.
أعترف أنني كنت أهيم حباً بهذا المتجر وهذا الرجل. ❝
❞ ما أجمل أن يهبنا الله الزمن الذي لا يدوم فيه شيء.
كل شيء يمضي ثم يصبح ذكرى.
أشد الآلام تتحول إلى مقالة طريفة تروى و أحاديث حول فنجان شاي.
أليست حياتنا معجزة.
و أليست معجزة أكبر أن تشفى و تلتئم جراح مفتوحة في مجرى الشرج تتلوث كل لحظة بما يلفظه الجسم من فضلات.. تشفى و تلتئم تلقائيا بدون بنسلين و بدون صبغة يود.. بالقدرة الإلهية التي وضعها الخالق في الأنسجة.
و من عجب أن الله حشد كل جنده عند مدخل الجسم و عند مخرجه.. عند الفم و الحلق و اللوزتين تشفى الجراح المفتوحة و تلتئم و هي في مجرى اللعاب الملوث و الأنفاس المحملة بالأتربة و الجراثيم.. و تقطع اللوزتان فيلتئم مكانهما بلمسة ساحر.
و عند الشرج حيث تخرج الفضلات تموج بالميكروبات القتالة تلتئم الجراح المفتوحة بقدرة القادر الذي سلحنا بأمضى أسلحته.
و لعل هذا هو السبب في الآلام حول منطقة الشرج حيث وضع الخالق أقوى شبكة من الأعصاب و نشر قنوات و أنهارا من الدم و الليمف و رصد الملايين من الكرات البيض و الخلايا الحارسة التي تلتهم كل ميكروب وافد فلا تبقي عليه.
و بعد هذا يشك شاك في العناية و الرحمة.
و يقول مفكر سطحي مثل سارتر إننا قد ألقي بنا في العالم بدون عون، و قذفنا إلى الوجود لنترك بلا عناية و بلا رعاية.
و لو أن سارتر تعلم الطب كما تعلم الأدب و درس الإنسان كما درس الوجود لعرف حقيقة نفسه و لقال كلاما آخر.
و لهذا تخطر لي أحيانا فكرة إلحاق كلية الآداب بكلية الطب.. فالإنسان و الوجود حقيقة واحدة. و لا يمكن إدراك الأول. دون إدراك الآخر. و ملامح الروح مكتوبة على الخلايا و ليست في كتب أرسطو.
و شفرة العناية الإلهية مكتوبة على أوراق الشجر و على مناقير الحمام و بتلات الورد..
الدودة التي يجعلها الله خضراء بلون الغصن الأخضر ليجعلها أقدر على الاختفاء عن عدوها.. و الفراشة الملونة بلون الوردة.. و السلحفاة الصفراء بلون الصحراء.
بشرة الزنجي التي تتلون في الشمس الاستوائية فتصبح سوداء كمظلة منصوبة عليه طول الوقت لتقيه لفح الشمس.
و البشرة البيضاء البلورية الشفافة لأهل الشمال حيث تختفي الشمس طول الوقت خلف الضباب، و حيث يشح الضوء لدرجة تجعل الجسد في حاجة إلى كل شعاعة عن أي طريق مثل تلك البشرة الشفافة الزجاجية.
أجسام الحيتان التي صاغتها العناية تلك الصياغات الإنسيابية كغواصات.. و كل سمكة و قد منحتها الطبيعة كيسا يفرغ و يمتلئ بالهواء لتطفو و تغوص كما تريد.
أفواه الحشرات و قد شكلتها العناية على ألف صورة و صورة حسب وظائفها.. الحشرة التي تمتص كالذبابة تشكل فمها على صورة خرطوم. و الحشرة التي تلدغ كالبعوضة تشكل فمها على صورة إبرة.. و الحشرة التي تقرص كالصرصور زودتها الطبيعة بمناشير و مبارد.
و الدودة التي تتطفل على الأمعاء زودتها الطبيعة بخطاطيف و كلابات حتى لا تقع في تجويف الأمعاء و تجرفها الفضلات.
و كلما تكاثر الأعداء على مخلوق أكثر الخالق من نسله، فدودة الإسكارس تبيض أكثر من مليون بيضة في الشهر، و تنجب أكثر من مليون دودة.
و في متاهات الصحاري حيث يشح الماء و تندر العيون خلق الله للأشجار بذورا مجنحة لتطير مع الرياح في الجهات الأربع و تحط في ألف شبر و شبر من الأرض، و ترحل مسافات شاسعة و كأنها بعثات استكشاف تذرع الصحاري.
و الخفاش الأعمى الذي لا يطير إلا في الليل زودته الطبيعة بأمواج ألتراسونيك يستكشف بها طريقه.
و الكتكوت الوليد ترشده الغريزة إلى أضعف مكان في البيضة فينقرها ليخرج إلى الوجود.
و الزنبور يعرف مكان المراكز العصبية عند فريسته فيحقنها بالسم و يشلها و كأنه جراح ماهر درس التشريح.
و النمل الذي قادته فطرته إلى اكتشاف الزراعة و تخزين المحصولات قبل أن يكتشفها الإنسان بملايين السنين.
و حشرة الترميت التي عرفت تكييف الهواء في بيوتها قبل أن يعرف الإنسان الأبواب و الشبابيك.
إن كل خطوة تخطوها في الطبيعة حولك تجد فيها أثر الرحمة و العناية و الرعاية.
لم يقذف بنا إلى الدنيا لنعاني بلا معين كما يقول سارتر.
إن كل ذرة في الكون تشير بإصبعها إلى رحمة الرحيم.
حتى الألم لم يخلقه الله لنا عبثا.. و إنما هو مؤشر و بوصلة تشير إلى مكان الداء و تلفت النظر إليه.
ألم الجسد يضع يدك على موضع المرض.
و ألم النفس يدفعك للبحث عن نفسك.
و ألم الروح يلهمك و يفتح آفاقك إلى إدراك شامل، فالدنيا ليست كل شيء، و لا يمكن أن تكون كل شيء و فيها كل هذه الآلام و المظالم. و إنما لابد أن يكون وراءها عالم آخر سماوي ترد فيه الحقوق إلى أصحابها، و يجد كل ظالم عقابه.
و بالألم و مغالبته و الصبر عليه و مجاهدته تنمو الشخصية و تزداد الإرادة صلابة و إصرارا ، و يصبح الإنسان شيئا آخر غير الحيوان والنبات.
ما أكثر ما تعلمت على سرير المستشفى.
و شكرا لأيام المرض و آلامه.
من كتاب / الشيطان يحكم
للدكتور مصطفى محمود (رحمه الله ). ❝ ⏤مصطفى محمود
❞ ما أجمل أن يهبنا الله الزمن الذي لا يدوم فيه شيء.
كل شيء يمضي ثم يصبح ذكرى.
أشد الآلام تتحول إلى مقالة طريفة تروى و أحاديث حول فنجان شاي.
أليست حياتنا معجزة.
و أليست معجزة أكبر أن تشفى و تلتئم جراح مفتوحة في مجرى الشرج تتلوث كل لحظة بما يلفظه الجسم من فضلات. تشفى و تلتئم تلقائيا بدون بنسلين و بدون صبغة يود. بالقدرة الإلهية التي وضعها الخالق في الأنسجة.
و من عجب أن الله حشد كل جنده عند مدخل الجسم و عند مخرجه. عند الفم و الحلق و اللوزتين تشفى الجراح المفتوحة و تلتئم و هي في مجرى اللعاب الملوث و الأنفاس المحملة بالأتربة و الجراثيم. و تقطع اللوزتان فيلتئم مكانهما بلمسة ساحر.
و عند الشرج حيث تخرج الفضلات تموج بالميكروبات القتالة تلتئم الجراح المفتوحة بقدرة القادر الذي سلحنا بأمضى أسلحته.
و لعل هذا هو السبب في الآلام حول منطقة الشرج حيث وضع الخالق أقوى شبكة من الأعصاب و نشر قنوات و أنهارا من الدم و الليمف و رصد الملايين من الكرات البيض و الخلايا الحارسة التي تلتهم كل ميكروب وافد فلا تبقي عليه.
و بعد هذا يشك شاك في العناية و الرحمة.
و يقول مفكر سطحي مثل سارتر إننا قد ألقي بنا في العالم بدون عون، و قذفنا إلى الوجود لنترك بلا عناية و بلا رعاية.
و لو أن سارتر تعلم الطب كما تعلم الأدب و درس الإنسان كما درس الوجود لعرف حقيقة نفسه و لقال كلاما آخر.
و لهذا تخطر لي أحيانا فكرة إلحاق كلية الآداب بكلية الطب. فالإنسان و الوجود حقيقة واحدة. و لا يمكن إدراك الأول. دون إدراك الآخر. و ملامح الروح مكتوبة على الخلايا و ليست في كتب أرسطو.
و شفرة العناية الإلهية مكتوبة على أوراق الشجر و على مناقير الحمام و بتلات الورد.
الدودة التي يجعلها الله خضراء بلون الغصن الأخضر ليجعلها أقدر على الاختفاء عن عدوها. و الفراشة الملونة بلون الوردة. و السلحفاة الصفراء بلون الصحراء.
بشرة الزنجي التي تتلون في الشمس الاستوائية فتصبح سوداء كمظلة منصوبة عليه طول الوقت لتقيه لفح الشمس.
و البشرة البيضاء البلورية الشفافة لأهل الشمال حيث تختفي الشمس طول الوقت خلف الضباب، و حيث يشح الضوء لدرجة تجعل الجسد في حاجة إلى كل شعاعة عن أي طريق مثل تلك البشرة الشفافة الزجاجية.
أجسام الحيتان التي صاغتها العناية تلك الصياغات الإنسيابية كغواصات. و كل سمكة و قد منحتها الطبيعة كيسا يفرغ و يمتلئ بالهواء لتطفو و تغوص كما تريد.
أفواه الحشرات و قد شكلتها العناية على ألف صورة و صورة حسب وظائفها. الحشرة التي تمتص كالذبابة تشكل فمها على صورة خرطوم. و الحشرة التي تلدغ كالبعوضة تشكل فمها على صورة إبرة. و الحشرة التي تقرص كالصرصور زودتها الطبيعة بمناشير و مبارد.
و الدودة التي تتطفل على الأمعاء زودتها الطبيعة بخطاطيف و كلابات حتى لا تقع في تجويف الأمعاء و تجرفها الفضلات.
و كلما تكاثر الأعداء على مخلوق أكثر الخالق من نسله، فدودة الإسكارس تبيض أكثر من مليون بيضة في الشهر، و تنجب أكثر من مليون دودة.
و في متاهات الصحاري حيث يشح الماء و تندر العيون خلق الله للأشجار بذورا مجنحة لتطير مع الرياح في الجهات الأربع و تحط في ألف شبر و شبر من الأرض، و ترحل مسافات شاسعة و كأنها بعثات استكشاف تذرع الصحاري.
و الخفاش الأعمى الذي لا يطير إلا في الليل زودته الطبيعة بأمواج ألتراسونيك يستكشف بها طريقه.
و الكتكوت الوليد ترشده الغريزة إلى أضعف مكان في البيضة فينقرها ليخرج إلى الوجود.
و الزنبور يعرف مكان المراكز العصبية عند فريسته فيحقنها بالسم و يشلها و كأنه جراح ماهر درس التشريح.
و النمل الذي قادته فطرته إلى اكتشاف الزراعة و تخزين المحصولات قبل أن يكتشفها الإنسان بملايين السنين.
و حشرة الترميت التي عرفت تكييف الهواء في بيوتها قبل أن يعرف الإنسان الأبواب و الشبابيك.
إن كل خطوة تخطوها في الطبيعة حولك تجد فيها أثر الرحمة و العناية و الرعاية.
لم يقذف بنا إلى الدنيا لنعاني بلا معين كما يقول سارتر.
إن كل ذرة في الكون تشير بإصبعها إلى رحمة الرحيم.
حتى الألم لم يخلقه الله لنا عبثا. و إنما هو مؤشر و بوصلة تشير إلى مكان الداء و تلفت النظر إليه.
ألم الجسد يضع يدك على موضع المرض.
و ألم النفس يدفعك للبحث عن نفسك.
و ألم الروح يلهمك و يفتح آفاقك إلى إدراك شامل، فالدنيا ليست كل شيء، و لا يمكن أن تكون كل شيء و فيها كل هذه الآلام و المظالم. و إنما لابد أن يكون وراءها عالم آخر سماوي ترد فيه الحقوق إلى أصحابها، و يجد كل ظالم عقابه.
و بالألم و مغالبته و الصبر عليه و مجاهدته تنمو الشخصية و تزداد الإرادة صلابة و إصرارا ، و يصبح الإنسان شيئا آخر غير الحيوان والنبات.
ما أكثر ما تعلمت على سرير المستشفى.
و شكرا لأيام المرض و آلامه.
من كتاب / الشيطان يحكم
للدكتور مصطفى محمود (رحمه الله ). ❝
❞ ولم يدر هل حقا سمع شيئا ام يُخيلُ له أنه سمع صوتا في داخله. وإذ به أمام باب كأنه باب شقه مفتوح،وليس هناك مداخل سواه وگأن الباب للمصعد والمصعد للباب ،فما كان عليه إلا أن يقترب ويتقدم داخل الباب ،يتنحنح كي يخبر من لا يراه أنه بالخارج . وسمع صدا لصوت عربي بعيد كأنه قادم من\" وشوشات الجن المخنثه في ليل صحراء الربع الخالي ، ممزوج بالحراره والبرودة، يتسكعُ في جدران الصمت السائد ،يتلألأ في ضوء المغترب الخافض،تُعيد الحداثه طلتها بجمعٍ وفير من الألوان الحديثه بثوبها البترولي، شعرها العبدي وحدهُ الف انثى،يُقيدهُ منديل ازرق من قطنٍ سافر مثل كل المسافرين ،عينيها باقي النساء، قوامها يتموج في عِظامها الرشيقه\" ،كان هذا واضحا من طواعيه ثوبها الرقراق علي ملمسها المضيئُ وسط عتمة المكان .
في الجهه المقابله لمدخل الرواق نافذه يلمع ضوء نهار الخارج منها ،طلبت منه الإقتراب فدنا وانثنى خوفا تثبتهُ الشجاعه ،استدارت بظهرها ممسكةً طاوله بعرض الحائط وطوله ،بداخلها اشياء لامعه كثيره ،مثل الكريستالات القديمه والبلور الروماني ،وتماثيل كأنها من حضارات متتعدده كالأشوريه ذات الألوان البُنيه و من بينها حضارتنا المتمثلة في هذا التمثال الفرعوني المتورك، كأنه ينتهي من تشهدهِ الثاني من الصلاه.وابي ينتظره ليسأله ما الذي آتى بك إلي هنا ،ولم يدر هل يسأل التمثال ام يسأل نفسه.وبعد سحب هذه المصنوعه التي تشبه النيش أو الفترينات المجهزه لعرض المنتجات الثمينه ،اصبح هذا الحائط ذو المقتنيات الباهظه علي يسار ابي قد أغلق عليه ممر الرواق المؤدي إلى خارج المكان.
ولم يتبقي علي يمينه سوا النافذه البعيده مقدار عشر خطوات وخلفه باقي المنزل المظلم .وكأن فيه جمهور من شياطين وملائكه يفصلهما عن بعضهما ظل يقينه ، وأمامه مليكه الجن هذه .تفتح بابا داخل الحائط بأرقاما سريه .مساحته مترا في نصفه..
انتهت بالفعل مع هذه التكه التي تُسمع عند نجاح عمليه فتح الخزنات ،إلتفتت ناحيته وسحبت باب الحظ الماثوني لتفتحه أمام ناظرهِ ،ليتبين له ثروه من المستحيل جمعها إلا عن طريق هذه التجاره الغير مشروعه من تهريب تراث الحضارات العريقه ،انثنت علي باب خزنتها ليتدلى تربها،يُشفُ خصرها،عارضةً عرضها ،\"خذ ما شئت واقضي أو سرقت ما شئنا واتصلنا بالشرطه\"
هكذا تجرأت تلك القائده الشيطانيه عارضةً عليه ذاتها بهذا الرخص الباهظ الثمن ، وأخرجت من خزنتها قاروره خمر مُزركشه برموز وحروف عربيه لكنه ليس عربي ،قطعت عليه تفكيره بقولها أن هذه القاروره قد مُلئت خمرا ذات مساء لملك شاه عظيم بلاد فارس ،ملك سمرقند ،عُمر هذه القاروره الف عام الان تقريبا او اقل قليلا،دخل علي إثر قولها جبريل السائق البنغالي وهي توبخه علي تأخيره بصنيه من كرستالٍ اسود اضائها جبريل بكأسين فارغين قد وضعهما عليها،
كان ثقل القاروره قد آلمَ معصم اللعوب ،بدا ذلك علي تجويف معصمها الجائع .. ❝ ⏤عرفة بندق
❞ ولم يدر هل حقا سمع شيئا ام يُخيلُ له أنه سمع صوتا في داخله. وإذ به أمام باب كأنه باب شقه مفتوح،وليس هناك مداخل سواه وگأن الباب للمصعد والمصعد للباب ،فما كان عليه إلا أن يقترب ويتقدم داخل الباب ،يتنحنح كي يخبر من لا يراه أنه بالخارج . وسمع صدا لصوت عربي بعيد كأنه قادم من˝ وشوشات الجن المخنثه في ليل صحراء الربع الخالي ، ممزوج بالحراره والبرودة، يتسكعُ في جدران الصمت السائد ،يتلألأ في ضوء المغترب الخافض،تُعيد الحداثه طلتها بجمعٍ وفير من الألوان الحديثه بثوبها البترولي، شعرها العبدي وحدهُ الف انثى،يُقيدهُ منديل ازرق من قطنٍ سافر مثل كل المسافرين ،عينيها باقي النساء، قوامها يتموج في عِظامها الرشيقه˝ ،كان هذا واضحا من طواعيه ثوبها الرقراق علي ملمسها المضيئُ وسط عتمة المكان .
في الجهه المقابله لمدخل الرواق نافذه يلمع ضوء نهار الخارج منها ،طلبت منه الإقتراب فدنا وانثنى خوفا تثبتهُ الشجاعه ،استدارت بظهرها ممسكةً طاوله بعرض الحائط وطوله ،بداخلها اشياء لامعه كثيره ،مثل الكريستالات القديمه والبلور الروماني ،وتماثيل كأنها من حضارات متتعدده كالأشوريه ذات الألوان البُنيه و من بينها حضارتنا المتمثلة في هذا التمثال الفرعوني المتورك، كأنه ينتهي من تشهدهِ الثاني من الصلاه.وابي ينتظره ليسأله ما الذي آتى بك إلي هنا ،ولم يدر هل يسأل التمثال ام يسأل نفسه.وبعد سحب هذه المصنوعه التي تشبه النيش أو الفترينات المجهزه لعرض المنتجات الثمينه ،اصبح هذا الحائط ذو المقتنيات الباهظه علي يسار ابي قد أغلق عليه ممر الرواق المؤدي إلى خارج المكان.
ولم يتبقي علي يمينه سوا النافذه البعيده مقدار عشر خطوات وخلفه باقي المنزل المظلم .وكأن فيه جمهور من شياطين وملائكه يفصلهما عن بعضهما ظل يقينه ، وأمامه مليكه الجن هذه .تفتح بابا داخل الحائط بأرقاما سريه .مساحته مترا في نصفه.
انتهت بالفعل مع هذه التكه التي تُسمع عند نجاح عمليه فتح الخزنات ،إلتفتت ناحيته وسحبت باب الحظ الماثوني لتفتحه أمام ناظرهِ ،ليتبين له ثروه من المستحيل جمعها إلا عن طريق هذه التجاره الغير مشروعه من تهريب تراث الحضارات العريقه ،انثنت علي باب خزنتها ليتدلى تربها،يُشفُ خصرها،عارضةً عرضها ،˝خذ ما شئت واقضي أو سرقت ما شئنا واتصلنا بالشرطه˝
هكذا تجرأت تلك القائده الشيطانيه عارضةً عليه ذاتها بهذا الرخص الباهظ الثمن ، وأخرجت من خزنتها قاروره خمر مُزركشه برموز وحروف عربيه لكنه ليس عربي ،قطعت عليه تفكيره بقولها أن هذه القاروره قد مُلئت خمرا ذات مساء لملك شاه عظيم بلاد فارس ،ملك سمرقند ،عُمر هذه القاروره الف عام الان تقريبا او اقل قليلا،دخل علي إثر قولها جبريل السائق البنغالي وهي توبخه علي تأخيره بصنيه من كرستالٍ اسود اضائها جبريل بكأسين فارغين قد وضعهما عليها،
كان ثقل القاروره قد آلمَ معصم اللعوب ،بدا ذلك علي تجويف معصمها الجائع. ❝
❞ ما أجمل أن يهبنا الله الزمن الذي لا يدوم فيه شيء.
كل شيء يمضي ثم يصبح ذكرى.
أشد الآلام تتحول إلى مقالة طريفة تروى و أحاديث حول فنجان شاي.
أليست حياتنا معجزة.
و أليست معجزة أكبر أن تشفى و تلتئم جراح مفتوحة في مجرى الشرج تتلوث كل لحظة بما يلفظه الجسم من فضلات.. تشفى و تلتئم تلقائيا بدون بنسلين و بدون صبغة يود.. بالقدرة الإلهية التي وضعها الخالق في الأنسجة.
و من عجب أن الله حشد كل جنده عند مدخل الجسم و عند مخرجه.. عند الفم و الحلق و اللوزتين تشفى الجراح المفتوحة و تلتئم و هي في مجرى اللعاب الملوث و الأنفاس المحملة بالأتربة و الجراثيم.. و تقطع اللوزتان فيلتئم مكانهما بلمسة ساحر.
و عند الشرج حيث تخرج الفضلات تموج بالميكروبات القتالة تلتئم الجراح المفتوحة بقدرة القادر الذي سلحنا بأمضى أسلحته.
و لعل هذا هو السبب في الآلام حول منطقة الشرج حيث وضع الخالق أقوى شبكة من الأعصاب و نشر قنوات و أنهارا من الدم و الليمف و رصد الملايين من الكرات البيض و الخلايا الحارسة التي تلتهم كل ميكروب وافد فلا تبقي عليه.
و بعد هذا يشك شاك في العناية و الرحمة.
و يقول مفكر سطحي مثل سارتر إننا قد ألقي بنا في العالم بدون عون، و قذفنا إلى الوجود لنترك بلا عناية و بلا رعاية.
و لو أن سارتر تعلم الطب كما تعلم الأدب و درس الإنسان كما درس الوجود لعرف حقيقة نفسه و لقال كلاما آخر.
و لهذا تخطر لي أحيانا فكرة إلحاق كلية الآداب بكلية الطب.. فالإنسان و الوجود حقيقة واحدة. و لا يمكن إدراك الأول. دون إدراك الآخر. و ملامح الروح مكتوبة على الخلايا و ليست في كتب أرسطو.
و شفرة العناية الإلهية مكتوبة على أوراق الشجر و على مناقير الحمام و بتلات الورد..
الدودة التي يجعلها الله خضراء بلون الغصن الأخضر ليجعلها أقدر على الاختفاء عن عدوها.. و الفراشة الملونة بلون الوردة.. و السلحفاة الصفراء بلون الصحراء.
بشرة الزنجي التي تتلون في الشمس الاستوائية فتصبح سوداء كمظلة منصوبة عليه طول الوقت لتقيه لفح الشمس.
و البشرة البيضاء البلورية الشفافة لأهل الشمال حيث تختفي الشمس طول الوقت خلف الضباب، و حيث يشح الضوء لدرجة تجعل الجسد في حاجة إلى كل شعاعة عن أي طريق مثل تلك البشرة الشفافة الزجاجية.
أجسام الحيتان التي صاغتها العناية تلك الصياغات الإنسيابية كغواصات.. و كل سمكة و قد منحتها الطبيعة كيسا يفرغ و يمتلئ بالهواء لتطفو و تغوص كما تريد.
أفواه الحشرات و قد شكلتها العناية على ألف صورة و صورة حسب وظائفها.. الحشرة التي تمتص كالذبابة تشكل فمها على صورة خرطوم. و الحشرة التي تلدغ كالبعوضة تشكل فمها على صورة إبرة.. و الحشرة التي تقرص كالصرصور زودتها الطبيعة بمناشير و مبارد.
و الدودة التي تتطفل على الأمعاء زودتها الطبيعة بخطاطيف و كلابات حتى لا تقع في تجويف الأمعاء و تجرفها الفضلات.
و كلما تكاثر الأعداء على مخلوق أكثر الخالق من نسله، فدودة الإسكارس تبيض أكثر من مليون بيضة في الشهر، و تنجب أكثر من مليون دودة.
و في متاهات الصحاري حيث يشح الماء و تندر العيون خلق الله للأشجار بذورا مجنحة لتطير مع الرياح في الجهات الأربع و تحط في ألف شبر و شبر من الأرض، و ترحل مسافات شاسعة و كأنها بعثات استكشاف تذرع الصحاري.
و الخفاش الأعمى الذي لا يطير إلا في الليل زودته الطبيعة بأمواج ألتراسونيك يستكشف بها طريقه.
و الكتكوت الوليد ترشده الغريزة إلى أضعف مكان في البيضة فينقرها ليخرج إلى الوجود.
و الزنبور يعرف مكان المراكز العصبية عند فريسته فيحقنها بالسم و يشلها و كأنه جراح ماهر درس التشريح.
و النمل الذي قادته فطرته إلى اكتشاف الزراعة و تخزين المحصولات قبل أن يكتشفها الإنسان بملايين السنين.
و حشرة الترميت التي عرفت تكييف الهواء في بيوتها قبل أن يعرف الإنسان الأبواب و الشبابيك.
إن كل خطوة تخطوها في الطبيعة حولك تجد فيها أثر الرحمة و العناية و الرعاية.
لم يقذف بنا إلى الدنيا لنعاني بلا معين كما يقول سارتر.
إن كل ذرة في الكون تشير بإصبعها إلى رحمة الرحيم.
حتى الألم لم يخلقه الله لنا عبثا.. و إنما هو مؤشر و بوصلة تشير إلى مكان الداء و تلفت النظر إليه.
ألم الجسد يضع يدك على موضع المرض.
و ألم النفس يدفعك للبحث عن نفسك.
و ألم الروح يلهمك و يفتح آفاقك إلى إدراك شامل، فالدنيا ليست كل شيء، و لا يمكن أن تكون كل شيء و فيها كل هذه الآلام و المظالم. و إنما لابد أن يكون وراءها عالم آخر سماوي ترد فيه الحقوق إلى أصحابها، و يجد كل ظالم عقابه.
و بالألم و مغالبته و الصبر عليه و مجاهدته تنمو الشخصية و تزداد الإرادة صلابة و إصرارا ، و يصبح الإنسان شيئا آخر غير الحيوان والنبات.
ما أكثر ما تعلمت على سرير المستشفى.
و شكرا لأيام المرض و آلامه.
من كتاب / الشيطان يحكم
للدكتور مصطفى محمود (رحمه الله ). ❝ ⏤مصطفى محمود
❞ ما أجمل أن يهبنا الله الزمن الذي لا يدوم فيه شيء.
كل شيء يمضي ثم يصبح ذكرى.
أشد الآلام تتحول إلى مقالة طريفة تروى و أحاديث حول فنجان شاي.
أليست حياتنا معجزة.
و أليست معجزة أكبر أن تشفى و تلتئم جراح مفتوحة في مجرى الشرج تتلوث كل لحظة بما يلفظه الجسم من فضلات. تشفى و تلتئم تلقائيا بدون بنسلين و بدون صبغة يود. بالقدرة الإلهية التي وضعها الخالق في الأنسجة.
و من عجب أن الله حشد كل جنده عند مدخل الجسم و عند مخرجه. عند الفم و الحلق و اللوزتين تشفى الجراح المفتوحة و تلتئم و هي في مجرى اللعاب الملوث و الأنفاس المحملة بالأتربة و الجراثيم. و تقطع اللوزتان فيلتئم مكانهما بلمسة ساحر.
و عند الشرج حيث تخرج الفضلات تموج بالميكروبات القتالة تلتئم الجراح المفتوحة بقدرة القادر الذي سلحنا بأمضى أسلحته.
و لعل هذا هو السبب في الآلام حول منطقة الشرج حيث وضع الخالق أقوى شبكة من الأعصاب و نشر قنوات و أنهارا من الدم و الليمف و رصد الملايين من الكرات البيض و الخلايا الحارسة التي تلتهم كل ميكروب وافد فلا تبقي عليه.
و بعد هذا يشك شاك في العناية و الرحمة.
و يقول مفكر سطحي مثل سارتر إننا قد ألقي بنا في العالم بدون عون، و قذفنا إلى الوجود لنترك بلا عناية و بلا رعاية.
و لو أن سارتر تعلم الطب كما تعلم الأدب و درس الإنسان كما درس الوجود لعرف حقيقة نفسه و لقال كلاما آخر.
و لهذا تخطر لي أحيانا فكرة إلحاق كلية الآداب بكلية الطب. فالإنسان و الوجود حقيقة واحدة. و لا يمكن إدراك الأول. دون إدراك الآخر. و ملامح الروح مكتوبة على الخلايا و ليست في كتب أرسطو.
و شفرة العناية الإلهية مكتوبة على أوراق الشجر و على مناقير الحمام و بتلات الورد.
الدودة التي يجعلها الله خضراء بلون الغصن الأخضر ليجعلها أقدر على الاختفاء عن عدوها. و الفراشة الملونة بلون الوردة. و السلحفاة الصفراء بلون الصحراء.
بشرة الزنجي التي تتلون في الشمس الاستوائية فتصبح سوداء كمظلة منصوبة عليه طول الوقت لتقيه لفح الشمس.
و البشرة البيضاء البلورية الشفافة لأهل الشمال حيث تختفي الشمس طول الوقت خلف الضباب، و حيث يشح الضوء لدرجة تجعل الجسد في حاجة إلى كل شعاعة عن أي طريق مثل تلك البشرة الشفافة الزجاجية.
أجسام الحيتان التي صاغتها العناية تلك الصياغات الإنسيابية كغواصات. و كل سمكة و قد منحتها الطبيعة كيسا يفرغ و يمتلئ بالهواء لتطفو و تغوص كما تريد.
أفواه الحشرات و قد شكلتها العناية على ألف صورة و صورة حسب وظائفها. الحشرة التي تمتص كالذبابة تشكل فمها على صورة خرطوم. و الحشرة التي تلدغ كالبعوضة تشكل فمها على صورة إبرة. و الحشرة التي تقرص كالصرصور زودتها الطبيعة بمناشير و مبارد.
و الدودة التي تتطفل على الأمعاء زودتها الطبيعة بخطاطيف و كلابات حتى لا تقع في تجويف الأمعاء و تجرفها الفضلات.
و كلما تكاثر الأعداء على مخلوق أكثر الخالق من نسله، فدودة الإسكارس تبيض أكثر من مليون بيضة في الشهر، و تنجب أكثر من مليون دودة.
و في متاهات الصحاري حيث يشح الماء و تندر العيون خلق الله للأشجار بذورا مجنحة لتطير مع الرياح في الجهات الأربع و تحط في ألف شبر و شبر من الأرض، و ترحل مسافات شاسعة و كأنها بعثات استكشاف تذرع الصحاري.
و الخفاش الأعمى الذي لا يطير إلا في الليل زودته الطبيعة بأمواج ألتراسونيك يستكشف بها طريقه.
و الكتكوت الوليد ترشده الغريزة إلى أضعف مكان في البيضة فينقرها ليخرج إلى الوجود.
و الزنبور يعرف مكان المراكز العصبية عند فريسته فيحقنها بالسم و يشلها و كأنه جراح ماهر درس التشريح.
و النمل الذي قادته فطرته إلى اكتشاف الزراعة و تخزين المحصولات قبل أن يكتشفها الإنسان بملايين السنين.
و حشرة الترميت التي عرفت تكييف الهواء في بيوتها قبل أن يعرف الإنسان الأبواب و الشبابيك.
إن كل خطوة تخطوها في الطبيعة حولك تجد فيها أثر الرحمة و العناية و الرعاية.
لم يقذف بنا إلى الدنيا لنعاني بلا معين كما يقول سارتر.
إن كل ذرة في الكون تشير بإصبعها إلى رحمة الرحيم.
حتى الألم لم يخلقه الله لنا عبثا. و إنما هو مؤشر و بوصلة تشير إلى مكان الداء و تلفت النظر إليه.
ألم الجسد يضع يدك على موضع المرض.
و ألم النفس يدفعك للبحث عن نفسك.
و ألم الروح يلهمك و يفتح آفاقك إلى إدراك شامل، فالدنيا ليست كل شيء، و لا يمكن أن تكون كل شيء و فيها كل هذه الآلام و المظالم. و إنما لابد أن يكون وراءها عالم آخر سماوي ترد فيه الحقوق إلى أصحابها، و يجد كل ظالم عقابه.
و بالألم و مغالبته و الصبر عليه و مجاهدته تنمو الشخصية و تزداد الإرادة صلابة و إصرارا ، و يصبح الإنسان شيئا آخر غير الحيوان والنبات.
ما أكثر ما تعلمت على سرير المستشفى.
و شكرا لأيام المرض و آلامه.
من كتاب / الشيطان يحكم
للدكتور مصطفى محمود (رحمه الله ). ❝
❞ ولن يكون التدين - من حيث هو حركة النفس و المجتمع- جميلاً إلا إذا جَمُلَ باطنه و ظاهره على السواء، إذ لا انفصام ولا قطيعة فى الإسلام بين شكل و مضمون، بل هما معاً يتكاملان، و إنما الجمالية الدينية فى الحقيقة هى: (الإيمان) الذى يسكن نوره القلب، و يغمره كما يغمر الماء العذب الكأس البلورية، حتى إذا وصل إلى درجة الامتلاء فاض على الجوراح بالنور، فتجمل الأفعال و التصرفات التى هى فعل (الإسلام)، ثم تترقى هذه فى مراتب التجمل، حتى إذا وصلت درجة من الحُسن - بحيث صار معها القلب شفافاً، يُشاهد منازل الشوق و المحبة فى سيره إلى الله- كان ذلك هو (الإحسان) .
و الإحسان هو عنوان الجمال فى الدين، و هو الذى عرفه المصطفى بقوله -صلى الله عليه و آله و سلم- "الإحسان أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك. ❝ ⏤فريد الأنصاري
❞ ولن يكون التدين - من حيث هو حركة النفس و المجتمع- جميلاً إلا إذا جَمُلَ باطنه و ظاهره على السواء، إذ لا انفصام ولا قطيعة فى الإسلام بين شكل و مضمون، بل هما معاً يتكاملان، و إنما الجمالية الدينية فى الحقيقة هى: (الإيمان) الذى يسكن نوره القلب، و يغمره كما يغمر الماء العذب الكأس البلورية، حتى إذا وصل إلى درجة الامتلاء فاض على الجوراح بالنور، فتجمل الأفعال و التصرفات التى هى فعل (الإسلام)، ثم تترقى هذه فى مراتب التجمل، حتى إذا وصلت درجة من الحُسن - بحيث صار معها القلب شفافاً، يُشاهد منازل الشوق و المحبة فى سيره إلى الله- كان ذلك هو (الإحسان) .
و الإحسان هو عنوان الجمال فى الدين، و هو الذى عرفه المصطفى بقوله -صلى الله عليه و آله و سلم- ˝الإحسان أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك. ❝