❞ أسماء الأنبياء والرسل ذكر القرآن أسماء خمسةٍ وعشرين رسولاً ونبياً، وهم هود، ولوط، ويونس، وإلياس، وشعيب، وإسماعيل، وعيسى، وموسى، ويحيى، ويوسف، ويعقوب، وآدم، وإدريس، وإبراهيم، وإسحاق، واليسع، وذو الكفل، وسليمان، وزكريا، وهارون، وأيوب، وصالح، ونوح، وداوود، ومحمد عليه الصلاة والسلام، كما يوجد ست سورٍ تحمل أسماء أنبياء وهي: محمد، ونوح، وهود، ويوسف، وإبراهيم، ويونس.. ❝ ⏤محروس بن محمد سعيد خليل
❞ أسماء الأنبياء والرسل ذكر القرآن أسماء خمسةٍ وعشرين رسولاً ونبياً، وهم هود، ولوط، ويونس، وإلياس، وشعيب، وإسماعيل، وعيسى، وموسى، ويحيى، ويوسف، ويعقوب، وآدم، وإدريس، وإبراهيم، وإسحاق، واليسع، وذو الكفل، وسليمان، وزكريا، وهارون، وأيوب، وصالح، ونوح، وداوود، ومحمد عليه الصلاة والسلام، كما يوجد ست سورٍ تحمل أسماء أنبياء وهي: محمد، ونوح، وهود، ويوسف، وإبراهيم، ويونس. ❝
❞ ومن بعد اعوذ بالله من الشيطان الرجيم {{وأذكر فِي ٱلۡكِتَٰبِ إسماعيل إِنَّهُۥ كَانَ صَادِقَ الوعد وَكَانَ رسولا نبيا ٥٤ وَكَانَ يأمر أهله بالصلاة والزكاة وَكَانَ عِندَ ربه مرضيا ٥٥ وأذكر فِي ٱلۡكِتَٰبِ إدريس إِنَّهُۥ كَانَ صديقا نبيا ٥٦ ورفعناه مَكَانًا عَلِيًّا ٥٧ }} فيكون وللجميع من ذرية آدم ومن بعد الكلم الإلهي بأمرة وخبره لنا صدقا ,, أن تخرس الالسنة ,, وللعقول إعمالا ,, ولكن هل تعتقد ذلك ,, أنه وإن خرست الالسنة فهل تهدأ الأنفس ,, فلا وربي ,, وإلا ما كان إطلاق الملجمين لتهجين الذرية ,, أما جاءنا خبر عن علامات وسطي ناقلة للساعة تخرج فيها شياطين القعور الملجمة من البحار ,, فيكون من بعد رجاء بهدوء ونظر لمن شاء ,, أن ذكر إدريس النبي بما عاليه هو ترتيبا من بعد إسماعيل النبي ,, وبالعموم قرآنيا فقد تم ذكرة مرتين بترتيب من بعد إسماعيل ,, فهنا وقوف من حيث تلازم الترتيب ,, أيضا من حيث الأدوار وإن كانت وضوحا قرآنيا لإسماعيل ,, قد ينجلي نظر أو بصر يكون بمفصلية الأدوار لعظماء الخلق الإلهي من ذرية آدم ,, فإسماعيل معلوم بتمامه قرآنيا ,, بينما إدريس فبه صالت الالسنة وجالت {{من اوزير ,, اخنوخ ,, هرمس العظيم}} تيه من وراء تيه لحوقا بتيه ,, لتشتيت وشتات ,, بينما أصحاب البيان حائرون عاجزون لسبب لا نعلمه ,, وليكن لنا طرح بأفاضل العلم والعقل من أمة الإسلام ان يكونوا بطرح منهم رحمة بأمة هي في أمّس الحاجه لقاطرات عقلية قبل أن أي شيء أخر فليكن منهم إبانة إن أمكن وأفاضوا علي غمة بعلم نحن الاحوج اليه ,, فيكون وامر هو نسعي منه صيبا نافعا أو به نكون نحو ذلك أن {{إدريس عنه أنه قد رفع مكانا عليا}} ذهب المفسرون واختلفوا رحمة أن المكان هو {مكانة} أم انه كما رفع {ابن مريم} بينما المنثور من التراجم والتوجيهات لم تفدنا سوي بالقليل وليس من ضمنه فائدة ,, فسكوت قرآني من ضمن حكمة به وعنه أنه من ضمن آليات تدبر لأمة القرآن بالإدلاء بالإفادات...
فاقتران البلاغ القرآني ترتيبا لإدريس من بعد إسماعيل برغم عكسية الوقت من حيث أن إسماعيل توقيتا من بعد إدريس ,, فتلك واحدة ,, وثانيه إقتران البلاغ القرآني بلفظ الرفع لإدريس وعيسي عليهما وعلي المصطفي المختار صلاة ربنا وسلامه ,, فتلك ثانيه ,, وثالثة إقتران إدريس بصفة هي الصبر {{وإسماعيل وإدريس وَذَا الكفل كُلࣱّ مِّنَ الصابرين}} [الأنبياء ٨٥] وقد نعلم قرآنيا أن عظيم الصبر إنسانيا هو {أيوب} عليه السلام ...
فليكن قياس فعلي وجودي تفعيلي لإدريس بما هو ميزان لإسماعيل ,, كذا إرتباط كنتاج بما هو ميزان لعيسي ,, وقياس ثالث مرتبط بأيوب من حيث الدور ومعاناة احتماله وسماته الغالبة علي مؤدي الدور,, وهو هاهنا إدريس النبي , عليهم جميعا السلام ,, وإن جاز هكذا ميزان فمنه {محورية الدور بالعون لإقامة دين الله ومعاناته بالصبر والضر ونتاج برفع أو رِفعة} ...
فعن الدور فهو من وراء نوح الرسول ولنا أن نتخيل كم المحورية والأهمية ,, والمعاناة فهي كما كان مع انبياء الله ورسله وزيادة بما زيد لإدريس بالصبر ,, ومانحن بصدده وهو النتاج بالرفع أو الرفعة ,, وكلاهما قائم والقياس ميزان به من الوضوح أن عيسي بن مريم من أداء الدور ووصوله لما نعلم جميعا فقد تم التشبيه والرفع وصولا لإعادة الإنزال الأرضي لتمام الدور المخصص له وبه عليه السلام ,, وعن إدريس فيكون كذلك قياس بالرفع وهو ما اختلف عليه بينما يمكننا الطرح بالرفع المزدوج وهو الممثل برفع {إدريس ودوره أو تفعيله} ومع إنعدام خبر متواتر بصحة بإعادة إنزال لإدريس النبي كما عيسي بن مريم ,, يكون من المحتوم إعادة الإنزال المرتبط بالتفعيل أو الدور الخاص بإدريس النبي ,, وهو المعلوم بالعلوم الإدريسية ,, وهو ما تحول للعلوم اللدنية ,, وهي العلوم الخاصة باللوح المحفوظ التفعيلي الخاص بذرية آدم ,, وهو المطموس وما يجري عنه البحث ,, فيكون التأسيس بسلامة البحث عن مكان وجود حقيقي لإدريس النبي فهناك يكون اللوح المحفوظ التفعيلي الخاص بذرية آدم ,, {متبوع وموصول}. ❝ ⏤صاحب قناة حانة الكتاب
❞ ومن بعد اعوذ بالله من الشيطان الرجيم ﴿{وأذكر فِي ٱلۡكِتَٰبِ إسماعيل إِنَّهُۥ كَانَ صَادِقَ الوعد وَكَانَ رسولا نبيا ٥٤ وَكَانَ يأمر أهله بالصلاة والزكاة وَكَانَ عِندَ ربه مرضيا ٥٥ وأذكر فِي ٱلۡكِتَٰبِ إدريس إِنَّهُۥ كَانَ صديقا نبيا ٥٦ ورفعناه مَكَانًا عَلِيًّا ٥٧ ﴾} فيكون وللجميع من ذرية آدم ومن بعد الكلم الإلهي بأمرة وخبره لنا صدقا ,, أن تخرس الالسنة ,, وللعقول إعمالا ,, ولكن هل تعتقد ذلك ,, أنه وإن خرست الالسنة فهل تهدأ الأنفس ,, فلا وربي ,, وإلا ما كان إطلاق الملجمين لتهجين الذرية ,, أما جاءنا خبر عن علامات وسطي ناقلة للساعة تخرج فيها شياطين القعور الملجمة من البحار ,, فيكون من بعد رجاء بهدوء ونظر لمن شاء ,, أن ذكر إدريس النبي بما عاليه هو ترتيبا من بعد إسماعيل النبي ,, وبالعموم قرآنيا فقد تم ذكرة مرتين بترتيب من بعد إسماعيل ,, فهنا وقوف من حيث تلازم الترتيب ,, أيضا من حيث الأدوار وإن كانت وضوحا قرآنيا لإسماعيل ,, قد ينجلي نظر أو بصر يكون بمفصلية الأدوار لعظماء الخلق الإلهي من ذرية آدم ,, فإسماعيل معلوم بتمامه قرآنيا ,, بينما إدريس فبه صالت الالسنة وجالت ﴿{من اوزير ,, اخنوخ ,, هرمس العظيم﴾} تيه من وراء تيه لحوقا بتيه ,, لتشتيت وشتات ,, بينما أصحاب البيان حائرون عاجزون لسبب لا نعلمه ,, وليكن لنا طرح بأفاضل العلم والعقل من أمة الإسلام ان يكونوا بطرح منهم رحمة بأمة هي في أمّس الحاجه لقاطرات عقلية قبل أن أي شيء أخر فليكن منهم إبانة إن أمكن وأفاضوا علي غمة بعلم نحن الاحوج اليه ,, فيكون وامر هو نسعي منه صيبا نافعا أو به نكون نحو ذلك أن ﴿{إدريس عنه أنه قد رفع مكانا عليا﴾} ذهب المفسرون واختلفوا رحمة أن المكان هو ﴿مكانة﴾ أم انه كما رفع ﴿ابن مريم﴾ بينما المنثور من التراجم والتوجيهات لم تفدنا سوي بالقليل وليس من ضمنه فائدة ,, فسكوت قرآني من ضمن حكمة به وعنه أنه من ضمن آليات تدبر لأمة القرآن بالإدلاء بالإفادات..
فاقتران البلاغ القرآني ترتيبا لإدريس من بعد إسماعيل برغم عكسية الوقت من حيث أن إسماعيل توقيتا من بعد إدريس ,, فتلك واحدة ,, وثانيه إقتران البلاغ القرآني بلفظ الرفع لإدريس وعيسي عليهما وعلي المصطفي المختار صلاة ربنا وسلامه ,, فتلك ثانيه ,, وثالثة إقتران إدريس بصفة هي الصبر ﴿{وإسماعيل وإدريس وَذَا الكفل كُلࣱّ مِّنَ الصابرين﴾} [الأنبياء ٨٥] وقد نعلم قرآنيا أن عظيم الصبر إنسانيا هو ﴿أيوب﴾ عليه السلام ..
فليكن قياس فعلي وجودي تفعيلي لإدريس بما هو ميزان لإسماعيل ,, كذا إرتباط كنتاج بما هو ميزان لعيسي ,, وقياس ثالث مرتبط بأيوب من حيث الدور ومعاناة احتماله وسماته الغالبة علي مؤدي الدور,, وهو هاهنا إدريس النبي , عليهم جميعا السلام ,, وإن جاز هكذا ميزان فمنه ﴿محورية الدور بالعون لإقامة دين الله ومعاناته بالصبر والضر ونتاج برفع أو رِفعة﴾ ..
فعن الدور فهو من وراء نوح الرسول ولنا أن نتخيل كم المحورية والأهمية ,, والمعاناة فهي كما كان مع انبياء الله ورسله وزيادة بما زيد لإدريس بالصبر ,, ومانحن بصدده وهو النتاج بالرفع أو الرفعة ,, وكلاهما قائم والقياس ميزان به من الوضوح أن عيسي بن مريم من أداء الدور ووصوله لما نعلم جميعا فقد تم التشبيه والرفع وصولا لإعادة الإنزال الأرضي لتمام الدور المخصص له وبه عليه السلام ,, وعن إدريس فيكون كذلك قياس بالرفع وهو ما اختلف عليه بينما يمكننا الطرح بالرفع المزدوج وهو الممثل برفع ﴿إدريس ودوره أو تفعيله﴾ ومع إنعدام خبر متواتر بصحة بإعادة إنزال لإدريس النبي كما عيسي بن مريم ,, يكون من المحتوم إعادة الإنزال المرتبط بالتفعيل أو الدور الخاص بإدريس النبي ,, وهو المعلوم بالعلوم الإدريسية ,, وهو ما تحول للعلوم اللدنية ,, وهي العلوم الخاصة باللوح المحفوظ التفعيلي الخاص بذرية آدم ,, وهو المطموس وما يجري عنه البحث ,, فيكون التأسيس بسلامة البحث عن مكان وجود حقيقي لإدريس النبي فهناك يكون اللوح المحفوظ التفعيلي الخاص بذرية آدم ,, ﴿متبوع وموصول﴾. ❝
❞ بعد تخصيص بداية الجزء الأول منها للتعريف بالكتاب وحديث عن سيرة ابن كثير وشيوخه وتلاميذة ومؤلفاته، ونسخ الكتاب وعدد الطبعات ومقارنة منهجية يتطلبها بداية كل كتاب تراثي ينتقل المحقق لبداية الكتاب الفعلية. حيث يبدأ كتاب البداية والنهاية معني بدء الخليقة وهي عادة مانجدها في كتب التراث الكلاسيكيات من أول ماخلق الله ثم حديث عن الأرض والسماوات والملائكة والجن، ثم الحديث عن الأنبياد وبيان أولهم ومنزلتهم وقصصهم لينتهي عند ذي الكفل عليهم السلام.. ❝ ⏤ابن كثير الدمشقي
❞ بعد تخصيص بداية الجزء الأول منها للتعريف بالكتاب وحديث عن سيرة ابن كثير وشيوخه وتلاميذة ومؤلفاته، ونسخ الكتاب وعدد الطبعات ومقارنة منهجية يتطلبها بداية كل كتاب تراثي ينتقل المحقق لبداية الكتاب الفعلية. حيث يبدأ كتاب البداية والنهاية معني بدء الخليقة وهي عادة مانجدها في كتب التراث الكلاسيكيات من أول ماخلق الله ثم حديث عن الأرض والسماوات والملائكة والجن، ثم الحديث عن الأنبياد وبيان أولهم ومنزلتهم وقصصهم لينتهي عند ذي الكفل عليهم السلام. ❝
❞ وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ ۖ وَهَمَّ بِهَا لَوْلَا أَن رَّأَىٰ بُرْهَانَ رَبِّهِ ۚ كَذَٰلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاءَ ۚ إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ (24)
ولقد همت به وهم بها الآية ، قال أبو عبيدة : هذا على التقديم والتأخير ; كأنه أراد ولقد همت به ولولا أن رأى برهان ربه لهم بها . وقال أحمد بن يحيى : أي همت زليخاء بالمعصية وكانت مصرة ، وهم يوسف ولم يواقع ما هم به ; فبين الهمتين فرق ، ذكر هذين القولين الهروي في كتابه . قال جميل :
هممت بهم من بثينة لو بدا شفيت غليلات الهوى من فؤاديا
آخر :
هممت ولم أفعل وكدت وليتني تركت على عثمان تبكي حلائله
فهذا كله حديث نفس من غير عزم . وقيل : هم بها تمنى زوجيتها . وقيل : هم بها أي بضربها ودفعها عن نفسه ، والبرهان كفه عن الضرب ; إذ لو ضربها لأوهم أنه قصدها بالحرام فامتنعت فضربها . وقيل : إن هم يوسف كان معصية ، وأنه جلس منها مجلس الرجل من امرأته ، وإلى هذا القول ذهب معظم المفسرين وعامتهم ، فيما ذكر القشيري أبو نصر ، وابن الأنباري والنحاس والماوردي وغيرهم . قال ابن عباس : حل الهميان وجلس منها مجلس الخاتن ، وعنه : استلقت على قفاها وقعد بين رجليها ينزع ثيابه . وقال سعيد بن جبير : أطلق تكة سراويله . وقال مجاهد : حل السراويل حتى بلغ الأليتين ، وجلس منها مجلس الرجل من امرأته . قال ابن عباس : ولما قال : ذلك ليعلم أني لم أخنه بالغيب قال له جبريل : ولا حين هممت بها يا يوسف ؟ ! فقال عند ذلك : وما أبرئ نفسي . قالوا : والانكفاف في مثل هذه الحالة دال على الإخلاص ، وأعظم للثواب .
قلت : وهذا كان سبب ثناء الله تعالى على ذي الكفل حسب ما يأتي بيانه في [ ص ] إن شاء الله تعالى . وجواب لولا على هذا محذوف ; أي لولا أن رأى برهان ربه لأمضى ما هم به ; ومثله كلا لو تعلمون علم اليقين وجوابه لم تتنافسوا ; قال ابن عطية : روي هذا القول عن ابن عباس وجماعة من السلف ، وقالوا : الحكمة في ذلك أن يكون مثلا للمذنبين ليروا أن توبتهم ترجع إلى عفو الله تعالى كما رجعت ممن هو خير منهم ولم يوبقه القرب من الذنب ، وهذا كله على أن هم يوسف بلغ فيما روت هذه الفرقة إلى أن جلس بين رجلي زليخاء وأخذ في حل ثيابه وتكته ونحو ذلك ، وهي قد استلقت له ; حكاه الطبري . وقال أبو عبيد القاسم بن سلام : وابن عباس ومن دونه لا يختلفون في أنه هم بها ، وهم أعلم بالله وبتأويل كتابه ، وأشد تعظيما للأنبياء من أن يتكلموا فيهم بغير علم . وقال الحسن : إن الله - عز وجل - لم يذكر معاصي الأنبياء ليعيرهم بها ; ولكنه ذكرها لكيلا تيأسوا من التوبة . قال الغزنوي : مع أن لزلة الأنبياء حكما : زيادة الوجل ، وشدة الحياء بالخجل ، والتخلي عن عجب العمل ، والتلذذ بنعمة العفو بعد الأمل ، وكونهم أئمة رجاء أهل الزلل . قال القشيري أبو نصر : وقال قوم جرى من يوسف هم ، وكان ذلك الهم حركة طبع من غير تصميم للعقد على الفعل ; وما كان من هذا القبيل لا يؤخذ به العبد ، وقد يخطر بقلب المرء وهو صائم شرب الماء البارد ; وتناول الطعام اللذيذ ; فإذا لم يأكل ولم يشرب ، ولم يصمم عزمه على الأكل والشرب لا يؤاخذ بما هجس في النفس ; والبرهان صرفه عن هذا الهم حتى لم يصر عزما مصمما .
قلت : هذا قول حسن ; وممن قال به الحسن . قال ابن عطية : الذي أقول به في هذه الآية إن كون يوسف نبيا في وقت هذه النازلة لم يصح ، ولا تظاهرت به رواية ; وإذا كان كذلك فهو مؤمن قد أوتي حكما وعلما ، ويجوز عليه الهم الذي هو إرادة الشيء دون مواقعته وأن يستصحب الخاطر الرديء على ما في ذلك من الخطيئة ; وإن فرضناه نبيا في ذلك الوقت فلا يجوز عليه عندي إلا الهم الذي هو خاطر ، ولا يصح عليه شيء مما ذكر من حل تكته ونحوه ; لأن العصمة مع النبوة . وما روي من أنه قيل له : تكون في ديوان الأنبياء وتفعل فعل السفهاء . فإنما معناه العدة بالنبوة فيما بعد .
قلت : ما ذكره من هذا التفصيل صحيح ; لكن قوله تعالى : وأوحينا إليه يدل على أنه كان نبيا على ما ذكرناه ، وهو قول جماعة من العلماء ; وإذا كان نبيا فلم يبق إلا أن يكون الهم الذي هم به ما يخطر في النفس ولا يثبت في الصدر ; وهو الذي رفع الله فيه المؤاخذة عن الخلق ، إذ لا قدرة للمكلف على دفعه ; ويكون قوله : وما أبرئ نفسي - إن كان من قول يوسف - أي من هذا الهم ، أو يكون ذلك منه على طريق التواضع والاعتراف ، لمخالفة النفس لما زكي به قبل وبرئ ; وقد أخبر الله تعالى عن حال يوسف من حين بلوغه فقال : ولما بلغ أشده آتيناه حكما وعلما على ما تقدم بيانه ; وخبر الله تعالى صدق ، ووصفه صحيح ، وكلامه حق ; فقد عمل يوسف بما علمه الله من تحريم الزنا ومقدماته ; وخيانة السيد والجار والأجنبي في أهله ; فما تعرض لامرأة العزيز ، ولا أجاب إلى المراودة ، بل أدبر عنها وفر منها ; حكمة خص بها ، وعملا بمقتضى ما علمه الله . وفي صحيح مسلم عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : قالت الملائكة رب ذاك عبدك يريد أن يعمل سيئة وهو أبصر به فقال ارقبوه فإن عملها فاكتبوها له بمثلها وإن تركها فاكتبوها له حسنة إنما تركها من جراي . وقال - عليه السلام - مخبرا عن ربه : إذا هم عبدي بسيئة فلم يعملها كتبت حسنة . فإن كان ما يهم به العبد من السيئة يكتب له بتركها حسنة فلا ذنب ; وفي الصحيح : إن الله تجاوز لأمتي عما حدثت به أنفسها ما لم تعمل أو تكلم به وقد تقدم . قال ابن العربي : كان بمدينة السلام إمام من أئمة الصوفية - وأي إمام - يعرف بابن عطاء ! تكلم يوما على يوسف وأخباره حتى ذكر تبرئته مما نسب إليه من مكروه ; فقام رجل من آخر مجلسه وهو مشحون بالخليقة من كل طائفة فقال : يا شيخ ! يا سيدنا ! فإذا يوسف هم وما تم ؟ قال : نعم ! لأن العناية من ثم . فانظر إلى حلاوة العالم والمتعلم ، وانظر إلى فطنة العامي في سؤاله ، وجواب العالم في اختصاره واستيفائه ; ولذلك قال علماء الصوفية : إن فائدة قوله : ولما بلغ أشده آتيناه حكما وعلما إنما أعطاه ذلك إبان غلبة الشهوة لتكون له سببا للعصمة .
قلت : وإذا تقررت عصمته وبراءته بثناء الله تعالى عليه فلا يصح ما قال مصعب بن عثمان : إن سليمان بن يسار كان من أحسن الناس وجها ، فاشتاقته امرأة فسامته نفسها فامتنع عليها وذكرها ، فقالت : إن لم تفعل لأشهرنك ; فخرج وتركها ، فرأى في منامه يوسف الصديق - عليه السلام - جالسا فقال : أنت يوسف ؟ فقال : أنا يوسف الذي هممت ، وأنت سليمان الذي لم تهم ؟ ! فإن هذا يقتضي أن تكون درجة الولاية أرفع من درجة النبوة وهو محال ; ولو قدرنا يوسف غير نبي فدرجته الولاية ، فيكون محفوظا كهو ; ولو غلقت على سليمان الأبواب ، وروجع في المقال والخطاب ، والكلام والجواب مع طول الصحبة لخيف عليه الفتنة ، وعظيم المحنة ، والله أعلم .
قوله تعالى : لولا أن رأى برهان ربه " أن " في موضع رفع أي لولا رؤية برهان ربه والجواب محذوف . لعلم السامع ; أي لكان ما كان . وهذا البرهان غير مذكور في القرآن ; فروي عن علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - أن زليخاء قامت إلى صنم مكلل بالدر والياقوت في زاوية البيت فسترته بثوب ، فقال : ما تصنعين ؟ قالت : أستحي من إلهي هذا أن يراني في هذه الصورة ; فقال يوسف : أنا أولى أن أستحي من الله ; وهذا أحسن ما قيل فيه ، لأن فيه إقامة الدليل . وقيل : رأى مكتوبا في سقف البيتولا تقربوا الزنا إنه كان فاحشة وساء سبيلا . وقال ابن عباس : بدت كف مكتوب عليها وإن عليكم لحافظين وقال قوم : تذكر عهد الله وميثاقه . وقيل : نودي يا يوسف ! أنت مكتوب في ديوان الأنبياء وتعمل عمل السفهاء ؟ ! وقيل : رأى صورة يعقوب على الجدران عاضا على أنملته يتوعده فسكن ، وخرجت شهوته من أنامله ; قاله قتادة ومجاهد والحسن والضحاك . وأبو صالح وسعيد بن جبير . وروى الأعمش عن مجاهد قال : حل سراويله فتمثل له يعقوب ، وقال له : يا يوسف ! فولى هاربا . وروى سفيان عن أبي حصين عن سعيد بن جبير قال : مثل له يعقوب فضرب صدره فخرجت شهوته من أنامله ، قال مجاهد : فولد لكل واحد من أولاد يعقوب اثنا عشر ذكرا إلا يوسف لم يولد له إلا غلامان ، ونقص بتلك الشهوة ولده ; وقيل غير هذا . وبالجملة : فذلك البرهان آية من آيات الله أراها الله يوسف حتى قوي إيمانه ، وامتنع عن المعصية .
قوله تعالى : كذلك لنصرف عنه السوء والفحشاء الكاف من كذلك يجوز أن تكون رفعا ، بأن يكون خبر ابتداء محذوف ، التقدير : البراهين كذلك ، ويكون نعتا لمصدر محذوف ; أي أريناه البراهين رؤية كذلك . والسوء الشهوة ، والفحشاء المباشرة . وقيل : السوء الثناء القبيح ، والفحشاء الزنا . وقيل : السوء خيانة صاحبه ، والفحشاء ركوب الفاحشة . وقيل : السوء عقوبة الملك العزيز .
قرأ ابن كثير وأبو عمرو وابن عامر " المخلصين " بكسر اللام ; وتأويلها الذين أخلصوا طاعة الله . وقرأ الباقون بفتح اللام ، وتأويلها : الذين أخلصهم الله لرسالته ; وقد كان يوسف - صلى الله عليه وسلم - بهاتين الصفتين ; لأنه كان مخلصا في طاعة الله تعالى ، مستخلصا لرسالة الله تعالى .. ❝ ⏤محمد رشيد رضا
❞ وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ ۖ وَهَمَّ بِهَا لَوْلَا أَن رَّأَىٰ بُرْهَانَ رَبِّهِ ۚ كَذَٰلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاءَ ۚ إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ (24)
ولقد همت به وهم بها الآية ، قال أبو عبيدة : هذا على التقديم والتأخير ; كأنه أراد ولقد همت به ولولا أن رأى برهان ربه لهم بها . وقال أحمد بن يحيى : أي همت زليخاء بالمعصية وكانت مصرة ، وهم يوسف ولم يواقع ما هم به ; فبين الهمتين فرق ، ذكر هذين القولين الهروي في كتابه . قال جميل :
هممت بهم من بثينة لو بدا شفيت غليلات الهوى من فؤاديا
آخر :
هممت ولم أفعل وكدت وليتني تركت على عثمان تبكي حلائله
فهذا كله حديث نفس من غير عزم . وقيل : هم بها تمنى زوجيتها . وقيل : هم بها أي بضربها ودفعها عن نفسه ، والبرهان كفه عن الضرب ; إذ لو ضربها لأوهم أنه قصدها بالحرام فامتنعت فضربها . وقيل : إن هم يوسف كان معصية ، وأنه جلس منها مجلس الرجل من امرأته ، وإلى هذا القول ذهب معظم المفسرين وعامتهم ، فيما ذكر القشيري أبو نصر ، وابن الأنباري والنحاس والماوردي وغيرهم . قال ابن عباس : حل الهميان وجلس منها مجلس الخاتن ، وعنه : استلقت على قفاها وقعد بين رجليها ينزع ثيابه . وقال سعيد بن جبير : أطلق تكة سراويله . وقال مجاهد : حل السراويل حتى بلغ الأليتين ، وجلس منها مجلس الرجل من امرأته . قال ابن عباس : ولما قال : ذلك ليعلم أني لم أخنه بالغيب قال له جبريل : ولا حين هممت بها يا يوسف ؟ ! فقال عند ذلك : وما أبرئ نفسي . قالوا : والانكفاف في مثل هذه الحالة دال على الإخلاص ، وأعظم للثواب .
قلت : وهذا كان سبب ثناء الله تعالى على ذي الكفل حسب ما يأتي بيانه في [ ص ] إن شاء الله تعالى . وجواب لولا على هذا محذوف ; أي لولا أن رأى برهان ربه لأمضى ما هم به ; ومثله كلا لو تعلمون علم اليقين وجوابه لم تتنافسوا ; قال ابن عطية : روي هذا القول عن ابن عباس وجماعة من السلف ، وقالوا : الحكمة في ذلك أن يكون مثلا للمذنبين ليروا أن توبتهم ترجع إلى عفو الله تعالى كما رجعت ممن هو خير منهم ولم يوبقه القرب من الذنب ، وهذا كله على أن هم يوسف بلغ فيما روت هذه الفرقة إلى أن جلس بين رجلي زليخاء وأخذ في حل ثيابه وتكته ونحو ذلك ، وهي قد استلقت له ; حكاه الطبري . وقال أبو عبيد القاسم بن سلام : وابن عباس ومن دونه لا يختلفون في أنه هم بها ، وهم أعلم بالله وبتأويل كتابه ، وأشد تعظيما للأنبياء من أن يتكلموا فيهم بغير علم . وقال الحسن : إن الله - عز وجل - لم يذكر معاصي الأنبياء ليعيرهم بها ; ولكنه ذكرها لكيلا تيأسوا من التوبة . قال الغزنوي : مع أن لزلة الأنبياء حكما : زيادة الوجل ، وشدة الحياء بالخجل ، والتخلي عن عجب العمل ، والتلذذ بنعمة العفو بعد الأمل ، وكونهم أئمة رجاء أهل الزلل . قال القشيري أبو نصر : وقال قوم جرى من يوسف هم ، وكان ذلك الهم حركة طبع من غير تصميم للعقد على الفعل ; وما كان من هذا القبيل لا يؤخذ به العبد ، وقد يخطر بقلب المرء وهو صائم شرب الماء البارد ; وتناول الطعام اللذيذ ; فإذا لم يأكل ولم يشرب ، ولم يصمم عزمه على الأكل والشرب لا يؤاخذ بما هجس في النفس ; والبرهان صرفه عن هذا الهم حتى لم يصر عزما مصمما .
قلت : هذا قول حسن ; وممن قال به الحسن . قال ابن عطية : الذي أقول به في هذه الآية إن كون يوسف نبيا في وقت هذه النازلة لم يصح ، ولا تظاهرت به رواية ; وإذا كان كذلك فهو مؤمن قد أوتي حكما وعلما ، ويجوز عليه الهم الذي هو إرادة الشيء دون مواقعته وأن يستصحب الخاطر الرديء على ما في ذلك من الخطيئة ; وإن فرضناه نبيا في ذلك الوقت فلا يجوز عليه عندي إلا الهم الذي هو خاطر ، ولا يصح عليه شيء مما ذكر من حل تكته ونحوه ; لأن العصمة مع النبوة . وما روي من أنه قيل له : تكون في ديوان الأنبياء وتفعل فعل السفهاء . فإنما معناه العدة بالنبوة فيما بعد .
قلت : ما ذكره من هذا التفصيل صحيح ; لكن قوله تعالى : وأوحينا إليه يدل على أنه كان نبيا على ما ذكرناه ، وهو قول جماعة من العلماء ; وإذا كان نبيا فلم يبق إلا أن يكون الهم الذي هم به ما يخطر في النفس ولا يثبت في الصدر ; وهو الذي رفع الله فيه المؤاخذة عن الخلق ، إذ لا قدرة للمكلف على دفعه ; ويكون قوله : وما أبرئ نفسي - إن كان من قول يوسف - أي من هذا الهم ، أو يكون ذلك منه على طريق التواضع والاعتراف ، لمخالفة النفس لما زكي به قبل وبرئ ; وقد أخبر الله تعالى عن حال يوسف من حين بلوغه فقال : ولما بلغ أشده آتيناه حكما وعلما على ما تقدم بيانه ; وخبر الله تعالى صدق ، ووصفه صحيح ، وكلامه حق ; فقد عمل يوسف بما علمه الله من تحريم الزنا ومقدماته ; وخيانة السيد والجار والأجنبي في أهله ; فما تعرض لامرأة العزيز ، ولا أجاب إلى المراودة ، بل أدبر عنها وفر منها ; حكمة خص بها ، وعملا بمقتضى ما علمه الله . وفي صحيح مسلم عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : قالت الملائكة رب ذاك عبدك يريد أن يعمل سيئة وهو أبصر به فقال ارقبوه فإن عملها فاكتبوها له بمثلها وإن تركها فاكتبوها له حسنة إنما تركها من جراي . وقال - عليه السلام - مخبرا عن ربه : إذا هم عبدي بسيئة فلم يعملها كتبت حسنة . فإن كان ما يهم به العبد من السيئة يكتب له بتركها حسنة فلا ذنب ; وفي الصحيح : إن الله تجاوز لأمتي عما حدثت به أنفسها ما لم تعمل أو تكلم به وقد تقدم . قال ابن العربي : كان بمدينة السلام إمام من أئمة الصوفية - وأي إمام - يعرف بابن عطاء ! تكلم يوما على يوسف وأخباره حتى ذكر تبرئته مما نسب إليه من مكروه ; فقام رجل من آخر مجلسه وهو مشحون بالخليقة من كل طائفة فقال : يا شيخ ! يا سيدنا ! فإذا يوسف هم وما تم ؟ قال : نعم ! لأن العناية من ثم . فانظر إلى حلاوة العالم والمتعلم ، وانظر إلى فطنة العامي في سؤاله ، وجواب العالم في اختصاره واستيفائه ; ولذلك قال علماء الصوفية : إن فائدة قوله : ولما بلغ أشده آتيناه حكما وعلما إنما أعطاه ذلك إبان غلبة الشهوة لتكون له سببا للعصمة .
قلت : وإذا تقررت عصمته وبراءته بثناء الله تعالى عليه فلا يصح ما قال مصعب بن عثمان : إن سليمان بن يسار كان من أحسن الناس وجها ، فاشتاقته امرأة فسامته نفسها فامتنع عليها وذكرها ، فقالت : إن لم تفعل لأشهرنك ; فخرج وتركها ، فرأى في منامه يوسف الصديق - عليه السلام - جالسا فقال : أنت يوسف ؟ فقال : أنا يوسف الذي هممت ، وأنت سليمان الذي لم تهم ؟ ! فإن هذا يقتضي أن تكون درجة الولاية أرفع من درجة النبوة وهو محال ; ولو قدرنا يوسف غير نبي فدرجته الولاية ، فيكون محفوظا كهو ; ولو غلقت على سليمان الأبواب ، وروجع في المقال والخطاب ، والكلام والجواب مع طول الصحبة لخيف عليه الفتنة ، وعظيم المحنة ، والله أعلم .
قوله تعالى : لولا أن رأى برهان ربه ˝ أن ˝ في موضع رفع أي لولا رؤية برهان ربه والجواب محذوف . لعلم السامع ; أي لكان ما كان . وهذا البرهان غير مذكور في القرآن ; فروي عن علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - أن زليخاء قامت إلى صنم مكلل بالدر والياقوت في زاوية البيت فسترته بثوب ، فقال : ما تصنعين ؟ قالت : أستحي من إلهي هذا أن يراني في هذه الصورة ; فقال يوسف : أنا أولى أن أستحي من الله ; وهذا أحسن ما قيل فيه ، لأن فيه إقامة الدليل . وقيل : رأى مكتوبا في سقف البيتولا تقربوا الزنا إنه كان فاحشة وساء سبيلا . وقال ابن عباس : بدت كف مكتوب عليها وإن عليكم لحافظين وقال قوم : تذكر عهد الله وميثاقه . وقيل : نودي يا يوسف ! أنت مكتوب في ديوان الأنبياء وتعمل عمل السفهاء ؟ ! وقيل : رأى صورة يعقوب على الجدران عاضا على أنملته يتوعده فسكن ، وخرجت شهوته من أنامله ; قاله قتادة ومجاهد والحسن والضحاك . وأبو صالح وسعيد بن جبير . وروى الأعمش عن مجاهد قال : حل سراويله فتمثل له يعقوب ، وقال له : يا يوسف ! فولى هاربا . وروى سفيان عن أبي حصين عن سعيد بن جبير قال : مثل له يعقوب فضرب صدره فخرجت شهوته من أنامله ، قال مجاهد : فولد لكل واحد من أولاد يعقوب اثنا عشر ذكرا إلا يوسف لم يولد له إلا غلامان ، ونقص بتلك الشهوة ولده ; وقيل غير هذا . وبالجملة : فذلك البرهان آية من آيات الله أراها الله يوسف حتى قوي إيمانه ، وامتنع عن المعصية .
قوله تعالى : كذلك لنصرف عنه السوء والفحشاء الكاف من كذلك يجوز أن تكون رفعا ، بأن يكون خبر ابتداء محذوف ، التقدير : البراهين كذلك ، ويكون نعتا لمصدر محذوف ; أي أريناه البراهين رؤية كذلك . والسوء الشهوة ، والفحشاء المباشرة . وقيل : السوء الثناء القبيح ، والفحشاء الزنا . وقيل : السوء خيانة صاحبه ، والفحشاء ركوب الفاحشة . وقيل : السوء عقوبة الملك العزيز .
قرأ ابن كثير وأبو عمرو وابن عامر ˝ المخلصين ˝ بكسر اللام ; وتأويلها الذين أخلصوا طاعة الله . وقرأ الباقون بفتح اللام ، وتأويلها : الذين أخلصهم الله لرسالته ; وقد كان يوسف - صلى الله عليه وسلم - بهاتين الصفتين ; لأنه كان مخلصا في طاعة الله تعالى ، مستخلصا لرسالة الله تعالى. ❝
❞ فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ قَالَ يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَىٰ فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانظُرْ مَاذَا تَرَىٰ ۚ قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ ۖ سَتَجِدُنِي إِن شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ (102)
قوله تعالى : فلما بلغ معه السعي أي فوهبنا له الغلام ، فلما بلغ معه المبلغ الذي يسعى مع أبيه في أمور دنياه معينا له على أعماله قال يا بني إني أرى في المنام أني أذبحك . وقال مجاهد : فلما بلغ معه السعي أي : شب وأدرك سعيه سعي إبراهيم . وقال الفراء : كان يومئذ ابن ثلاث عشرة سنة . وقال ابن عباس : هو الاحتلام . قتادة : مشى مع أبيه . الحسن ومقاتل : هو سعي العقل الذي تقوم به الحجة . ابن زيد : هو السعي في العبادة . ابن عباس : صام وصلى ، ألم تسمع الله - عز وجل - يقول : وسعى لها سعيها
اختلف العلماء في المأمور بذبحه . فقال أكثرهم : الذبيح إسحاق . وممن قال بذلك العباس بن عبد المطلب وابنه عبد الله وهو الصحيح عنه . روى الثوري وابن جريج يرفعانه إلى ابن عباس قال : الذبيح إسحاق . وهو الصحيح عن عبد الله بن مسعود أن رجلا قال له : يا ابن الأشياخ الكرام . فقال عبد الله : ذلك يوسف بن يعقوب بن إسحاق ذبيح الله ابن إبراهيم خليل الله صلى الله عليه وسلم . وقد روى حماد بن زيد يرفعه إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : إن الكريم ابن الكريم ابن الكريم ابن الكريم يوسف بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم صلى الله عليهم وسلم . وروى أبو الزبير عن جابر قال : الذبيح إسحاق . وذلك مروي أيضا عن علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - . وعن عبد الله بن عمر : أن الذبيح إسحاق . وهو قول عمر - رضي الله عنه - . فهؤلاء سبعة من الصحابة . وقال به من التابعين وغيرهم علقمة والشعبي ومجاهد وسعيد بن جبير وكعب الأحبار وقتادة ومسروق وعكرمة والقاسم بن أبي بزة وعطاء ومقاتل وعبد الرحمن بن سابط والزهري والسدي وعبد الله بن أبي الهذيل ومالك بن أنس ، كلهم قالوا : الذبيح إسحاق . وعليه أهل الكتابين اليهود والنصارى ، واختاره غير واحد منهم النحاس والطبري وغيرهما . قال سعيد بن جبير : أري إبراهيم ذبح إسحاق في المنام ، فسار به مسيرة شهر في غداة واحدة ، حتى أتى به المنحر من منى ، فلما صرف الله عنه الذبح وأمره أن يذبح الكبش فذبحه ، وسار به مسيرة شهر في روحة واحدة طويت له الأودية والجبال . وهذا القول أقوى في النقل عن النبي - صلى الله عليه وسلم - وعن الصحابة والتابعين . وقال آخرون : هو إسماعيل . وممن قال ذلك أبو هريرة وأبو الطفيل عامر بن واثلة . وروي ذلك عن ابن عمر وابن عباس أيضا ، ومن التابعين سعيد بن المسيب والشعبي ويوسف بن مهران ومجاهد والربيع بن أنس ومحمد بن كعب القرظي والكلبي وعلقمة . وسئل أبو سعيد الضرير عن الذبيح فأنشد :
إن الذبيح هديت إسماعيل نطق الكتاب بذاك والتنزيل شرف به خص الإله نبينا
وأتى به التفسير والتأويل إن كنت أمته فلا تنكر له
شرفا به قد خصه التفضيل
وعن الأصمعي قال : سألت أبا عمرو بن العلاء عن الذبيح ، فقال : يا أصمعي أين عزب عنك عقلك! ومتى كان إسحاق بمكة ؟ وإنما كان إسماعيل بمكة ، وهو الذي بنى البيت مع أبيه والمنحر بمكة . وروي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - : أن الذبيح إسماعيل . والأول أكثر عن النبي - صلى الله عليه وسلم - وعن أصحابه وعن التابعين . واحتجوا بأن الله - عز وجل - قد أخبر عن إبراهيم حين فارق قومه ، فهاجر إلى الشام مع امرأته سارة وابن أخيه لوط فقال : إني ذاهب إلى ربي سيهدين أنه دعا فقال : رب هب لي من الصالحين فقال تعالى : فلما اعتزلهم وما يعبدون من دون الله وهبنا له إسحاق ويعقوب ولأن الله قال : وفديناه بذبح عظيم فذكر أن الفداء في الغلام الحليم الذي بشر به إبراهيم وإنما بشر بإسحاق ; لأنه قال : وبشرناه بإسحاق ، وقال هنا : بغلام حليم ، وذلك قبل أن يتزوج هاجر وقبل أن يولد له إسماعيل ، وليس في القرآن أنه بشر بولد إلا إسحاق . احتج من قال إنه إسماعيل : بأن الله تعالى وصفه بالصبر دون إسحاق في قوله تعالى : وإسماعيل وإدريس وذا الكفل كل من الصابرين وهو صبره على الذبح ، ووصفه بصدق الوعد في قوله : إنه كان صادق الوعد لأنه وعد أباه من نفسه الصبر على الذبح فوفى به ، ولأن الله تعالى قال : وبشرناه بإسحاق نبيا فكيف يأمره بذبحه وقد وعده أن يكون نبيا ، وأيضا فإن الله تعالى قال : فبشرناها بإسحاق ومن وراء إسحاق يعقوب فكيف يؤمر بذبح إسحاق قبل إنجاز الوعد في يعقوب . وأيضا ورد في الأخبار تعليق قرن الكبش في الكعبة ، فدل على أن الذبيح إسماعيل ، ولو كان إسحاق لكان الذبح يقع ببيت المقدس . وهذا الاستدلال كله ليس بقاطع ، أما قولهم : كيف يأمره بذبحه وقد وعده بأنه يكون نبيا ، فإنه يحتمل أن يكون المعنى : وبشرناه بنبوته بعد أن كان من أمره ما كان ، قاله ابن عباس وسيأتي . ولعله أمر بذبح إسحاق بعد أن ولد لإسحاق يعقوب . ويقال : لم يرد في القرآن أن يعقوب يولد من إسحاق .
وأما قولهم : ولو كان الذبيح إسحاق لكان الذبح يقع ببيت المقدس ، فالجواب عنه ما قاله سعيد بن جبير على ما تقدم . وقال الزجاج : الله أعلم أيهما الذبيح . وهذا مذهب ثالث .
قوله تعالى : قال يا بني إني أرى في المنام أني أذبحك فانظر ماذا ترى قال مقاتل : رأى ذلك إبراهيم - عليه السلام - ثلاث ليال متتابعات . وقال محمد بن كعب : كانت الرسل يأتيهم الوحي من الله تعالى أيقاظا ورقودا ، فإن الأنبياء لا تنام قلوبهم . وهذا ثابت في الخبر المرفوع ، قال - صلى الله عليه وسلم - : إنا معاشر الأنبياء تنام أعيننا ولا تنام قلوبنا . وقال ابن عباس : رؤيا الأنبياء وحي ، واستدل بهذه الآية . وقال السدي : لما بشر إبراهيم بإسحاق قبل أن يولد له قال : هو إذن لله ذبيح ، فقيل له في منامه : قد نذرت نذرا فف بنذرك . ويقال : إن إبراهيم رأى في ليلة التروية كأن قائلا يقول : إن الله يأمرك بذبح ابنك ؛ فلما أصبح روى في نفسه أي فكر ، أهذا الحلم من الله أم من الشيطان ؟ فسمي يوم التروية . فلما كانت الليلة الثانية رأى ذلك أيضا وقيل له : الوعد ، فلما أصبح عرف أن ذلك من الله فسمي يوم عرفة . ثم رأى مثله في الليلة الثالثة فهم بنحره فسمي يوم النحر ، وروي أنه لما ذبحه قال جبريل : الله أكبر الله أكبر . فقال الذبيح : لا إله إلا الله والله أكبر . فقال إبراهيم : الله أكبر ، والحمد لله ، فبقي سنة ، وقد اختلف الناس في وقوع هذا الأمر وهي : الثالثة : فقال أهل السنة : إن نفس الذبح لم يقع ، وإنما وقع الأمر بالذبح قبل أن يقع الذبح ، ولو وقع لم يتصور رفعه ، فكان هذا من باب النسخ قبل الفعل ؛ لأنه لو حصل الفراغ من امتثال الأمر بالذبح ما تحقق الفداء ، وقوله تعالى : " قد صدقت الرؤيا " ، أي حققت ما نبهناك عليه ، وفعلت ما أمكنك ثم امتنعت لما منعناك . هذا أصح ما قيل به في هذا الباب . وقالت طائفة : ليس هذا مما ينسخ بوجه ؛ لأن معنى ذبحت الشيء قطعته . واستدل على هذا بقول مجاهد : قال إسحاق لإبراهيم : لا تنظر إلي فترحمني ، ولكن اجعل وجهي إلى الأرض ، فأخذ إبراهيم السكين ، فأمرها على حلقه فانقلبت . فقال له : ما لك ؟ قال : انقلبت السكين ، قال : اطعني بها طعنا ، وقال بعضهم : كان كلما قطع جزءا التأم . وقالت طائفة : وجد حلقه نحاسا أو مغشى بنحاس ، وكان كلما أراد قطعا وجد منعا ، وهذا كله جائز في القدرة الإلهية ، لكنه يفتقر إلى نقل صحيح ، فإنه أمر لا يدرك بالنظر ، وإنما طريقه الخبر . ولو كان قد جرى ذلك لبينه الله تعالى تعظيما لرتبة إسماعيل وإبراهيم صلوات الله عليهما ، وكان أولى بالبيان من الفداء ، وقال بعضهم : إن إبراهيم ما أمر بالذبح الحقيقي الذي هو فري الأوداج وإنهار الدم ، وإنما رأى أنه أضجعه للذبح فتوهم أنه أمر بالذبح الحقيقي ، فلما أتى بما أمر به من الإضجاع قيل له : " قد صدقت الرؤيا " ، وهذا كله خارج عن المفهوم ، ولا يظن بالخليل والذبيح أن يفهما من هذا الأمر ما ليس له حقيقة حتى يكون منهما التوهم . وأيضا لو صحت هذه الأشياء لما احتيج إلى الفداء . الرابعة : قوله تعالى : " فانظر ماذا ترى " قرأ أهل الكوفة غير عاصم : {ماذا تري} بضم التاء وكسر الراء من أري يري . قال الفراء : أي فانظر ماذا تري من صبرك وجزعك . قال الزجاج : لم يقل هذا أحد غيره ، وإنما قال العلماء ماذا تشير ، أي ما تريك نفسك من الرأي ، وأنكر أبو عبيد {تري} ، وقال : إنما يكون هذا من رؤية العين خاصة ، وكذلك قال أبو حاتم . النحاس : وهذا غلط ، وهذا يكون من رؤية العين وغيرها وهو مشهور ، يقال : أريت فلانا الصواب ، وأريته رشده ، وهذا ليس من رؤية العين . الباقون : {ترى} مضارع رأيت ، وقد روي عن الضحاك والأعمش {ترى} غير مسمى الفاعل . ولم يقل له ذلك على وجه المؤامرة في أمر الله ، وإنما شاوره ليعلم صبره لأمر الله ، أو لتقر عينه إذا رأى من ابنه طاعة في أمر الله ف{قال يا أبت افعل ما تؤمر} أي ما تؤمر به فحذف الجار كما حذف من قوله : أمرتك الخير فافعل ما أمرت به فوصل الفعل إلى الضمير فصار تؤمره ، ثم حذفت الهاء ؛ كقوله : {وسلام على عباده الذين اصطفى} أي اصطفاهم على ما تقدم . و ( ما ) بمعنى الذي {ستجدني إن شاء الله من الصابرين} قال بعض أهل الإشارة : لما استثنى وفقه الله للصبر . وقد مضى الكلام في {يا أبت} وكذلك في {يا بني} في ( يوسف ) وغيرها .. ❝ ⏤محمد بن صالح العثيمين
❞ فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ قَالَ يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَىٰ فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانظُرْ مَاذَا تَرَىٰ ۚ قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ ۖ سَتَجِدُنِي إِن شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ (102)
قوله تعالى : فلما بلغ معه السعي أي فوهبنا له الغلام ، فلما بلغ معه المبلغ الذي يسعى مع أبيه في أمور دنياه معينا له على أعماله قال يا بني إني أرى في المنام أني أذبحك . وقال مجاهد : فلما بلغ معه السعي أي : شب وأدرك سعيه سعي إبراهيم . وقال الفراء : كان يومئذ ابن ثلاث عشرة سنة . وقال ابن عباس : هو الاحتلام . قتادة : مشى مع أبيه . الحسن ومقاتل : هو سعي العقل الذي تقوم به الحجة . ابن زيد : هو السعي في العبادة . ابن عباس : صام وصلى ، ألم تسمع الله - عز وجل - يقول : وسعى لها سعيها
اختلف العلماء في المأمور بذبحه . فقال أكثرهم : الذبيح إسحاق . وممن قال بذلك العباس بن عبد المطلب وابنه عبد الله وهو الصحيح عنه . روى الثوري وابن جريج يرفعانه إلى ابن عباس قال : الذبيح إسحاق . وهو الصحيح عن عبد الله بن مسعود أن رجلا قال له : يا ابن الأشياخ الكرام . فقال عبد الله : ذلك يوسف بن يعقوب بن إسحاق ذبيح الله ابن إبراهيم خليل الله صلى الله عليه وسلم . وقد روى حماد بن زيد يرفعه إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : إن الكريم ابن الكريم ابن الكريم ابن الكريم يوسف بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم صلى الله عليهم وسلم . وروى أبو الزبير عن جابر قال : الذبيح إسحاق . وذلك مروي أيضا عن علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - . وعن عبد الله بن عمر : أن الذبيح إسحاق . وهو قول عمر - رضي الله عنه - . فهؤلاء سبعة من الصحابة . وقال به من التابعين وغيرهم علقمة والشعبي ومجاهد وسعيد بن جبير وكعب الأحبار وقتادة ومسروق وعكرمة والقاسم بن أبي بزة وعطاء ومقاتل وعبد الرحمن بن سابط والزهري والسدي وعبد الله بن أبي الهذيل ومالك بن أنس ، كلهم قالوا : الذبيح إسحاق . وعليه أهل الكتابين اليهود والنصارى ، واختاره غير واحد منهم النحاس والطبري وغيرهما . قال سعيد بن جبير : أري إبراهيم ذبح إسحاق في المنام ، فسار به مسيرة شهر في غداة واحدة ، حتى أتى به المنحر من منى ، فلما صرف الله عنه الذبح وأمره أن يذبح الكبش فذبحه ، وسار به مسيرة شهر في روحة واحدة طويت له الأودية والجبال . وهذا القول أقوى في النقل عن النبي - صلى الله عليه وسلم - وعن الصحابة والتابعين . وقال آخرون : هو إسماعيل . وممن قال ذلك أبو هريرة وأبو الطفيل عامر بن واثلة . وروي ذلك عن ابن عمر وابن عباس أيضا ، ومن التابعين سعيد بن المسيب والشعبي ويوسف بن مهران ومجاهد والربيع بن أنس ومحمد بن كعب القرظي والكلبي وعلقمة . وسئل أبو سعيد الضرير عن الذبيح فأنشد :
إن الذبيح هديت إسماعيل نطق الكتاب بذاك والتنزيل شرف به خص الإله نبينا
وأتى به التفسير والتأويل إن كنت أمته فلا تنكر له
شرفا به قد خصه التفضيل
وعن الأصمعي قال : سألت أبا عمرو بن العلاء عن الذبيح ، فقال : يا أصمعي أين عزب عنك عقلك! ومتى كان إسحاق بمكة ؟ وإنما كان إسماعيل بمكة ، وهو الذي بنى البيت مع أبيه والمنحر بمكة . وروي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - : أن الذبيح إسماعيل . والأول أكثر عن النبي - صلى الله عليه وسلم - وعن أصحابه وعن التابعين . واحتجوا بأن الله - عز وجل - قد أخبر عن إبراهيم حين فارق قومه ، فهاجر إلى الشام مع امرأته سارة وابن أخيه لوط فقال : إني ذاهب إلى ربي سيهدين أنه دعا فقال : رب هب لي من الصالحين فقال تعالى : فلما اعتزلهم وما يعبدون من دون الله وهبنا له إسحاق ويعقوب ولأن الله قال : وفديناه بذبح عظيم فذكر أن الفداء في الغلام الحليم الذي بشر به إبراهيم وإنما بشر بإسحاق ; لأنه قال : وبشرناه بإسحاق ، وقال هنا : بغلام حليم ، وذلك قبل أن يتزوج هاجر وقبل أن يولد له إسماعيل ، وليس في القرآن أنه بشر بولد إلا إسحاق . احتج من قال إنه إسماعيل : بأن الله تعالى وصفه بالصبر دون إسحاق في قوله تعالى : وإسماعيل وإدريس وذا الكفل كل من الصابرين وهو صبره على الذبح ، ووصفه بصدق الوعد في قوله : إنه كان صادق الوعد لأنه وعد أباه من نفسه الصبر على الذبح فوفى به ، ولأن الله تعالى قال : وبشرناه بإسحاق نبيا فكيف يأمره بذبحه وقد وعده أن يكون نبيا ، وأيضا فإن الله تعالى قال : فبشرناها بإسحاق ومن وراء إسحاق يعقوب فكيف يؤمر بذبح إسحاق قبل إنجاز الوعد في يعقوب . وأيضا ورد في الأخبار تعليق قرن الكبش في الكعبة ، فدل على أن الذبيح إسماعيل ، ولو كان إسحاق لكان الذبح يقع ببيت المقدس . وهذا الاستدلال كله ليس بقاطع ، أما قولهم : كيف يأمره بذبحه وقد وعده بأنه يكون نبيا ، فإنه يحتمل أن يكون المعنى : وبشرناه بنبوته بعد أن كان من أمره ما كان ، قاله ابن عباس وسيأتي . ولعله أمر بذبح إسحاق بعد أن ولد لإسحاق يعقوب . ويقال : لم يرد في القرآن أن يعقوب يولد من إسحاق .
وأما قولهم : ولو كان الذبيح إسحاق لكان الذبح يقع ببيت المقدس ، فالجواب عنه ما قاله سعيد بن جبير على ما تقدم . وقال الزجاج : الله أعلم أيهما الذبيح . وهذا مذهب ثالث .
قوله تعالى : قال يا بني إني أرى في المنام أني أذبحك فانظر ماذا ترى قال مقاتل : رأى ذلك إبراهيم - عليه السلام - ثلاث ليال متتابعات . وقال محمد بن كعب : كانت الرسل يأتيهم الوحي من الله تعالى أيقاظا ورقودا ، فإن الأنبياء لا تنام قلوبهم . وهذا ثابت في الخبر المرفوع ، قال - صلى الله عليه وسلم - : إنا معاشر الأنبياء تنام أعيننا ولا تنام قلوبنا . وقال ابن عباس : رؤيا الأنبياء وحي ، واستدل بهذه الآية . وقال السدي : لما بشر إبراهيم بإسحاق قبل أن يولد له قال : هو إذن لله ذبيح ، فقيل له في منامه : قد نذرت نذرا فف بنذرك . ويقال : إن إبراهيم رأى في ليلة التروية كأن قائلا يقول : إن الله يأمرك بذبح ابنك ؛ فلما أصبح روى في نفسه أي فكر ، أهذا الحلم من الله أم من الشيطان ؟ فسمي يوم التروية . فلما كانت الليلة الثانية رأى ذلك أيضا وقيل له : الوعد ، فلما أصبح عرف أن ذلك من الله فسمي يوم عرفة . ثم رأى مثله في الليلة الثالثة فهم بنحره فسمي يوم النحر ، وروي أنه لما ذبحه قال جبريل : الله أكبر الله أكبر . فقال الذبيح : لا إله إلا الله والله أكبر . فقال إبراهيم : الله أكبر ، والحمد لله ، فبقي سنة ، وقد اختلف الناس في وقوع هذا الأمر وهي : الثالثة : فقال أهل السنة : إن نفس الذبح لم يقع ، وإنما وقع الأمر بالذبح قبل أن يقع الذبح ، ولو وقع لم يتصور رفعه ، فكان هذا من باب النسخ قبل الفعل ؛ لأنه لو حصل الفراغ من امتثال الأمر بالذبح ما تحقق الفداء ، وقوله تعالى : ˝ قد صدقت الرؤيا ˝ ، أي حققت ما نبهناك عليه ، وفعلت ما أمكنك ثم امتنعت لما منعناك . هذا أصح ما قيل به في هذا الباب . وقالت طائفة : ليس هذا مما ينسخ بوجه ؛ لأن معنى ذبحت الشيء قطعته . واستدل على هذا بقول مجاهد : قال إسحاق لإبراهيم : لا تنظر إلي فترحمني ، ولكن اجعل وجهي إلى الأرض ، فأخذ إبراهيم السكين ، فأمرها على حلقه فانقلبت . فقال له : ما لك ؟ قال : انقلبت السكين ، قال : اطعني بها طعنا ، وقال بعضهم : كان كلما قطع جزءا التأم . وقالت طائفة : وجد حلقه نحاسا أو مغشى بنحاس ، وكان كلما أراد قطعا وجد منعا ، وهذا كله جائز في القدرة الإلهية ، لكنه يفتقر إلى نقل صحيح ، فإنه أمر لا يدرك بالنظر ، وإنما طريقه الخبر . ولو كان قد جرى ذلك لبينه الله تعالى تعظيما لرتبة إسماعيل وإبراهيم صلوات الله عليهما ، وكان أولى بالبيان من الفداء ، وقال بعضهم : إن إبراهيم ما أمر بالذبح الحقيقي الذي هو فري الأوداج وإنهار الدم ، وإنما رأى أنه أضجعه للذبح فتوهم أنه أمر بالذبح الحقيقي ، فلما أتى بما أمر به من الإضجاع قيل له : ˝ قد صدقت الرؤيا ˝ ، وهذا كله خارج عن المفهوم ، ولا يظن بالخليل والذبيح أن يفهما من هذا الأمر ما ليس له حقيقة حتى يكون منهما التوهم . وأيضا لو صحت هذه الأشياء لما احتيج إلى الفداء . الرابعة : قوله تعالى : ˝ فانظر ماذا ترى ˝ قرأ أهل الكوفة غير عاصم : ﴿ماذا تري﴾ بضم التاء وكسر الراء من أري يري . قال الفراء : أي فانظر ماذا تري من صبرك وجزعك . قال الزجاج : لم يقل هذا أحد غيره ، وإنما قال العلماء ماذا تشير ، أي ما تريك نفسك من الرأي ، وأنكر أبو عبيد ﴿تري﴾ ، وقال : إنما يكون هذا من رؤية العين خاصة ، وكذلك قال أبو حاتم . النحاس : وهذا غلط ، وهذا يكون من رؤية العين وغيرها وهو مشهور ، يقال : أريت فلانا الصواب ، وأريته رشده ، وهذا ليس من رؤية العين . الباقون : ﴿ترى﴾ مضارع رأيت ، وقد روي عن الضحاك والأعمش ﴿ترى﴾ غير مسمى الفاعل . ولم يقل له ذلك على وجه المؤامرة في أمر الله ، وإنما شاوره ليعلم صبره لأمر الله ، أو لتقر عينه إذا رأى من ابنه طاعة في أمر الله ف﴿قال يا أبت افعل ما تؤمر﴾ أي ما تؤمر به فحذف الجار كما حذف من قوله : أمرتك الخير فافعل ما أمرت به فوصل الفعل إلى الضمير فصار تؤمره ، ثم حذفت الهاء ؛ كقوله : ﴿وسلام على عباده الذين اصطفى﴾ أي اصطفاهم على ما تقدم . و ( ما ) بمعنى الذي ﴿ستجدني إن شاء الله من الصابرين﴾ قال بعض أهل الإشارة : لما استثنى وفقه الله للصبر . وقد مضى الكلام في ﴿يا أبت﴾ وكذلك في ﴿يا بني﴾ في ( يوسف ) وغيرها. ❝