❞ أعجبني هذا الكتاب كثيرًا، لكني أعرف أن هناك من قرأه، ومن سيقرأه فيندهش، ويبكي على ماضيّ الإسلام والمسلمين، ثم سيقف، ويقول كان الناس صالحين
الناس لازالوا صالحين، لكن بطريقة مختلفة بعوالم جديدة، ونحن أحقّ من ينشر فيها؛ ليصل ديننا لأقصى الأرض ودانيها، ونحن جالسيّن.
لكنكم رائعون أقنعتمونا أننا جيل فاشل، وأقنعتمونا أن لانفكر؛ لأننا طامحين، والدين جاء قبل آلاف السنين؛ فلايحق لنا أن نُغير بعض المفاهيم.
هذا الكتاب يتحدث عن جيل صلاح دين، كيف ظهر ذاك الجيل، بذاك الثبات، وتلك القوة؟ وماهي العوامل التي أوصلته إلى النصر؟
وبعد ذلك تحدث عن النكوص الذي حدث بعد كل ذلك الرقيّ، والتحضُر، وبعد تلك القوة أصبح الضعف هو المستولي على الناس.
لم يكن صلاح الدين وحده من فتح القدس؛ بل كان جيلاً كاملاً قام بعد نكوص، فقد بدأ الشيوخ والعلماء الأفاضل في نشر الدين، والعقائد الصحيحة، بأسلوب يخاطب النفوس، ويقود الشباب إلى الحقّ دون زجرٍ، أو نهيّ وإنما بدافع التحفيز، والإرادة.
لم يقولوا لهم: أيها الشباب أنتم عصاه لله، تتبعون الشهوات، ولاتخافون ربكم فانتظروا الهلاك، وجنهم لكم بالمرصاد كما يفعل شيوخ اليوم؛ بل إنهم بنوا جيل يقود جيوش المستقبل، ولايبكي على الماضيّ ويندب الشيطان، ويتجه للمساجد، ويعتزل العالم لأنه مسلم، وذنوبه كانت كثيرة في حقّ دينه، بل إنهم علموهم أن الماضيّ يبنيّ الحاضر مهما كان سيّأً، فقد كان لابُد منه، لم يجلدوهم، ويرهبوهم، ويخبروهم أن مياعتهم لاتبنيّ أُمم، بل قادوهم إلى طريق الحقّ دون مقدمات، أومحاكمات على مافات.
علموهم كل مايجب على المسلم تعلمه، لكن بأسلوب راقيّ وأحساس صادق، ثم ظهر جيل صلاح الدين الذي فتح القدس، وخاض البحار؛ ليكتشف المجهول دون خوف من أن يغرق في ذنوب المحضور، هولاء هم العلماء الحقّ، فتحوا المدارس، وبدأوا في إصلاح ذاك الجيل، دون محاضرات وخُطب؛ بل بالحب، والأحترام لكل أحلامهم البعيدة، وطموحاتهم الكثيرة، هم أرشدوهم لطريق العظمة، وأي شاب سيرفض أن يكون عظيم، ملك يحكم نفسه، ويقود أُمته، ويُرهب عدوه، ويفتح البلادان التي لم يعرفها، ولم يذهب إليها أحدٌ قبله.
هكذا ظهر جيل صلاح الدين، بطموحاتهم كلها، كأيّ جيل يظهر، لكن هناك فرق بين من يقود الطموح، وبين من يقتله حتى يتبخر؛ فيصبح رهبنة دينية، ودموع مذنبين.
إن الشيخ العظيم يُخرج من الطالب عظمته التي لا يعرفها؛ بسبب خوفه من أن يكون من المذنبين، إن الشباب الذين عرفوا الطريق انطلقوا فيه بطموح يُرهب أيّ جيش يعرف قوة المسلمين؛ فعندما تخرج مدارس الإسلام، ويظهر علماء الكرم والليّن؛ سيظهر جيل صلاح الدين العظيم.
أما سبب النكوص: فهو ظلم الحكام، وظلم العلماء أيضًا، فمن يخطب في الناس عن عصيان الشباب، وانحراف البنات لساعات على تلك المنابر التي أطفأت نور الأمل في جيل قائد، وعظيم، سيظهر له جيل مائع، ومنحرف، أو عباد زاهدين منغلقين في المساجد يبكون ماضيهم اللعين، ويعدون ذنوبهم، ويستغفرون ربهم الرحيم.
ماذا تنتظرون من طموحات ميته، وأحلام مؤجله، وأمنيات مستحيلة؟
لقد قتلتم الدين يا أهل الدين؛ لأنكم ربطتم ظهوره في عصر السرعة، والتطور، بظهوره في عصر الجاهلية الأولى.
تقولون لهم: اتقوا الله أيها الشباب في أنفسكم، وحافظوا على قلوبكم من الشهوات؛ فتظهر فتاوى ماقبل الهجرة حتى لتقنعوهم بها.
تقولون : لاتلعبوا في الحياة، وتلتهوا عن دينكم وعندما يعودون للدين؛ تخبروهم أنهم أضعاعوا أعمارهم، ولم يستغفر من ذنوبهم، وأنهم قد دخلوا في الكبائر، وهم لم يعرفوا منكم ماهي الصغائر حتى.
وبعد أن أصبح ذاك الشاب المسكين في عالم لايعرف الرحمة لغبيّ، ذاك الجاهل بدينه كيف يختار حياة الصحابة، والصالحين؟ يدخل مسجده، ويقرأ القرآن في هاتفه المحمول، ثم يفتحه، وكل الفتن تنط أمامه، فيلتزم، لكنكم تريدوه كعمر بن الخطاب، الذي لم يعرف حتى ما معنى الجوال.
قسوتم على الشباب بكل الوسائل، وبأنواع التخويف، والإرهاب جعلتم اللمالم كبائر، ثم ركنوا أولئك الشباب أن لاتوبة لهم، فهرعوا إلى الفساد، وفتح لهم الشيطان بابه؛ لأن أهل الدين أغلقوا الأبواب.. ❝ ⏤ماجد عرسان الكيلاني
❞ أعجبني هذا الكتاب كثيرًا، لكني أعرف أن هناك من قرأه، ومن سيقرأه فيندهش، ويبكي على ماضيّ الإسلام والمسلمين، ثم سيقف، ويقول كان الناس صالحين
الناس لازالوا صالحين، لكن بطريقة مختلفة بعوالم جديدة، ونحن أحقّ من ينشر فيها؛ ليصل ديننا لأقصى الأرض ودانيها، ونحن جالسيّن.
لكنكم رائعون أقنعتمونا أننا جيل فاشل، وأقنعتمونا أن لانفكر؛ لأننا طامحين، والدين جاء قبل آلاف السنين؛ فلايحق لنا أن نُغير بعض المفاهيم.
هذا الكتاب يتحدث عن جيل صلاح دين، كيف ظهر ذاك الجيل، بذاك الثبات، وتلك القوة؟ وماهي العوامل التي أوصلته إلى النصر؟
وبعد ذلك تحدث عن النكوص الذي حدث بعد كل ذلك الرقيّ، والتحضُر، وبعد تلك القوة أصبح الضعف هو المستولي على الناس.
لم يكن صلاح الدين وحده من فتح القدس؛ بل كان جيلاً كاملاً قام بعد نكوص، فقد بدأ الشيوخ والعلماء الأفاضل في نشر الدين، والعقائد الصحيحة، بأسلوب يخاطب النفوس، ويقود الشباب إلى الحقّ دون زجرٍ، أو نهيّ وإنما بدافع التحفيز، والإرادة.
لم يقولوا لهم: أيها الشباب أنتم عصاه لله، تتبعون الشهوات، ولاتخافون ربكم فانتظروا الهلاك، وجنهم لكم بالمرصاد كما يفعل شيوخ اليوم؛ بل إنهم بنوا جيل يقود جيوش المستقبل، ولايبكي على الماضيّ ويندب الشيطان، ويتجه للمساجد، ويعتزل العالم لأنه مسلم، وذنوبه كانت كثيرة في حقّ دينه، بل إنهم علموهم أن الماضيّ يبنيّ الحاضر مهما كان سيّأً، فقد كان لابُد منه، لم يجلدوهم، ويرهبوهم، ويخبروهم أن مياعتهم لاتبنيّ أُمم، بل قادوهم إلى طريق الحقّ دون مقدمات، أومحاكمات على مافات.
علموهم كل مايجب على المسلم تعلمه، لكن بأسلوب راقيّ وأحساس صادق، ثم ظهر جيل صلاح الدين الذي فتح القدس، وخاض البحار؛ ليكتشف المجهول دون خوف من أن يغرق في ذنوب المحضور، هولاء هم العلماء الحقّ، فتحوا المدارس، وبدأوا في إصلاح ذاك الجيل، دون محاضرات وخُطب؛ بل بالحب، والأحترام لكل أحلامهم البعيدة، وطموحاتهم الكثيرة، هم أرشدوهم لطريق العظمة، وأي شاب سيرفض أن يكون عظيم، ملك يحكم نفسه، ويقود أُمته، ويُرهب عدوه، ويفتح البلادان التي لم يعرفها، ولم يذهب إليها أحدٌ قبله.
هكذا ظهر جيل صلاح الدين، بطموحاتهم كلها، كأيّ جيل يظهر، لكن هناك فرق بين من يقود الطموح، وبين من يقتله حتى يتبخر؛ فيصبح رهبنة دينية، ودموع مذنبين.
إن الشيخ العظيم يُخرج من الطالب عظمته التي لا يعرفها؛ بسبب خوفه من أن يكون من المذنبين، إن الشباب الذين عرفوا الطريق انطلقوا فيه بطموح يُرهب أيّ جيش يعرف قوة المسلمين؛ فعندما تخرج مدارس الإسلام، ويظهر علماء الكرم والليّن؛ سيظهر جيل صلاح الدين العظيم.
أما سبب النكوص: فهو ظلم الحكام، وظلم العلماء أيضًا، فمن يخطب في الناس عن عصيان الشباب، وانحراف البنات لساعات على تلك المنابر التي أطفأت نور الأمل في جيل قائد، وعظيم، سيظهر له جيل مائع، ومنحرف، أو عباد زاهدين منغلقين في المساجد يبكون ماضيهم اللعين، ويعدون ذنوبهم، ويستغفرون ربهم الرحيم.
ماذا تنتظرون من طموحات ميته، وأحلام مؤجله، وأمنيات مستحيلة؟
لقد قتلتم الدين يا أهل الدين؛ لأنكم ربطتم ظهوره في عصر السرعة، والتطور، بظهوره في عصر الجاهلية الأولى.
تقولون لهم: اتقوا الله أيها الشباب في أنفسكم، وحافظوا على قلوبكم من الشهوات؛ فتظهر فتاوى ماقبل الهجرة حتى لتقنعوهم بها.
تقولون : لاتلعبوا في الحياة، وتلتهوا عن دينكم وعندما يعودون للدين؛ تخبروهم أنهم أضعاعوا أعمارهم، ولم يستغفر من ذنوبهم، وأنهم قد دخلوا في الكبائر، وهم لم يعرفوا منكم ماهي الصغائر حتى.
وبعد أن أصبح ذاك الشاب المسكين في عالم لايعرف الرحمة لغبيّ، ذاك الجاهل بدينه كيف يختار حياة الصحابة، والصالحين؟ يدخل مسجده، ويقرأ القرآن في هاتفه المحمول، ثم يفتحه، وكل الفتن تنط أمامه، فيلتزم، لكنكم تريدوه كعمر بن الخطاب، الذي لم يعرف حتى ما معنى الجوال.
قسوتم على الشباب بكل الوسائل، وبأنواع التخويف، والإرهاب جعلتم اللمالم كبائر، ثم ركنوا أولئك الشباب أن لاتوبة لهم، فهرعوا إلى الفساد، وفتح لهم الشيطان بابه؛ لأن أهل الدين أغلقوا الأبواب. ❝
❞ إن المسلمين هم أولى من بني إسرائيل بأنبيائهم وهم الورثة الحقيقيون لتراثهم ودعوة الإسلام هي استمرار لدعوة هؤلاء الأنبياء وإن الحق الذي سعوا لتكريسه هو الحق الذي يسعى المسلمون لتكريسه.. ❝ ⏤محمد يسرى عوض طه
❞ إن المسلمين هم أولى من بني إسرائيل بأنبيائهم وهم الورثة الحقيقيون لتراثهم ودعوة الإسلام هي استمرار لدعوة هؤلاء الأنبياء وإن الحق الذي سعوا لتكريسه هو الحق الذي يسعى المسلمون لتكريسه. ❝
❞ بَرَكَتْ ناقةُ النبي ﷺ مَوْضِعَ مسجده وهو يومئذ يُصلِّي فيه رجال من المسلمين ، وكان مِرْبَداً لِسَهْل وَسُهَيْل غلامين يتيمين من الأنصار ، كانا في حَجْرِ أسعد بن زرارة ، فساوم رسول الله ﷺ الغُلامَيْنِ بالمِرْبَدِ ، ليتخذه مسجداً ، فقالا : بل نَهَبُهُ لَكَ يَا رَسُولَ اللهِ ، فَأَبَى رَسُولُ اللَّهِ ﷺ ، فَابْتَاعَهُ مِنْهُمَا بِعَشْرَةِ دَنَانِيرَ ، وكانَ جِدَاراً لَيْسَ لَهُ سَقْفٌ ، وقبلته إلى بَيْتِ المقدس ، وكانَ يُصلِّي فِيهِ ويُجَمِّعُ أسعدُ بن زرارة قبل مَقْدَم رَسُولِ اللهِ ، وكان فِيهِ شَجَرَةُ غَرْقَدٍ وخِرَبِّ وَنَخْلٌ وَقُبورٌ لِلْمُشْرِكِينَ ، فَأَمَرَ رسولُ الله ﷺ بالقبور فنُبِشَتْ ، وبالخرب فسويت وبالنخل والشَّجَرِ فقطعت وصفت في قبلة المسجد ، وجعل طوله مما يلي القِبْلَةَ إلى مؤخره مئة ذراع ، والجانبين مثل ذلك أو دونه ، وجعل أساسه قريباً من ثلاثة أذرع ، ثم بنوه باللبن ، وجعل رسول الله ﷺ يبني معهم ، وَيَنْقُلُ اللَّبنَ والحِجَارَةَ بنفسه ، وجعل قبلته إلى بيت المقدس ، وجعل له ثلاثة أبواب : باباً في مؤخره ، وباباً يقال له : باب الرحمة ، والباب الذي يدخل منه رسول الله ، وجعل عمده الجذوع وسقفه بالجريد ، وقيل له : ألا تُسقفه ، فقال : لا ، عَرِيش كَعَرِيشِ مُوسَى ، وبنى إلى جنبه بيوت أزواجه باللبن ، وسقفها بالجريد والجذوع ، فلما فرغ من البناء ، بنى بعائشة في البيت الذي بناه لها شرقي المسجد ، قبليه وهو مكان حجرته اليوم ، وجعل لسودة بنت زمعة بيتاً آخر ، ثم أخى رسول الله ﷺ بين المهاجرين والأنصار في دار أنس بن مالك ، وكانوا تسعين رجلاً ، نصفهم من المهاجرين ، ونصفهم من الأنصار ، آخى بينهم على المواساة ، يتوارثون بعد الموت دون ذوي الأرحام إلى حين وقعة بدر ، فلما أنزل الله عزَّ وجلَّ { وَأُولُوا الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى ببعض في كتب الله } رد التوارث إلى الرحم دون عقد الأخوة. ❝ ⏤محمد ابن قيم الجوزية
❞ بَرَكَتْ ناقةُ النبي ﷺ مَوْضِعَ مسجده وهو يومئذ يُصلِّي فيه رجال من المسلمين ، وكان مِرْبَداً لِسَهْل وَسُهَيْل غلامين يتيمين من الأنصار ، كانا في حَجْرِ أسعد بن زرارة ، فساوم رسول الله ﷺ الغُلامَيْنِ بالمِرْبَدِ ، ليتخذه مسجداً ، فقالا : بل نَهَبُهُ لَكَ يَا رَسُولَ اللهِ ، فَأَبَى رَسُولُ اللَّهِ ﷺ ، فَابْتَاعَهُ مِنْهُمَا بِعَشْرَةِ دَنَانِيرَ ، وكانَ جِدَاراً لَيْسَ لَهُ سَقْفٌ ، وقبلته إلى بَيْتِ المقدس ، وكانَ يُصلِّي فِيهِ ويُجَمِّعُ أسعدُ بن زرارة قبل مَقْدَم رَسُولِ اللهِ ، وكان فِيهِ شَجَرَةُ غَرْقَدٍ وخِرَبِّ وَنَخْلٌ وَقُبورٌ لِلْمُشْرِكِينَ ، فَأَمَرَ رسولُ الله ﷺ بالقبور فنُبِشَتْ ، وبالخرب فسويت وبالنخل والشَّجَرِ فقطعت وصفت في قبلة المسجد ، وجعل طوله مما يلي القِبْلَةَ إلى مؤخره مئة ذراع ، والجانبين مثل ذلك أو دونه ، وجعل أساسه قريباً من ثلاثة أذرع ، ثم بنوه باللبن ، وجعل رسول الله ﷺ يبني معهم ، وَيَنْقُلُ اللَّبنَ والحِجَارَةَ بنفسه ، وجعل قبلته إلى بيت المقدس ، وجعل له ثلاثة أبواب : باباً في مؤخره ، وباباً يقال له : باب الرحمة ، والباب الذي يدخل منه رسول الله ، وجعل عمده الجذوع وسقفه بالجريد ، وقيل له : ألا تُسقفه ، فقال : لا ، عَرِيش كَعَرِيشِ مُوسَى ، وبنى إلى جنبه بيوت أزواجه باللبن ، وسقفها بالجريد والجذوع ، فلما فرغ من البناء ، بنى بعائشة في البيت الذي بناه لها شرقي المسجد ، قبليه وهو مكان حجرته اليوم ، وجعل لسودة بنت زمعة بيتاً آخر ، ثم أخى رسول الله ﷺ بين المهاجرين والأنصار في دار أنس بن مالك ، وكانوا تسعين رجلاً ، نصفهم من المهاجرين ، ونصفهم من الأنصار ، آخى بينهم على المواساة ، يتوارثون بعد الموت دون ذوي الأرحام إلى حين وقعة بدر ، فلما أنزل الله عزَّ وجلَّ ﴿ وَأُولُوا الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى ببعض في كتب الله ﴾ رد التوارث إلى الرحم دون عقد الأخوة. ❝
❞ قَالُوا يَا ذَا الْقَرْنَيْنِ إِنَّ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ مُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ فَهَلْ نَجْعَلُ لَكَ خَرْجًا عَلَىٰ أَن تَجْعَلَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ سَدًّا (94)
قالوا ياذا القرنين أي قالت له أمة من الإنس صالحة .
إن يأجوج ومأجوج مفسدون في الأرض قال الأخفش : من همز يأجوج فجعل الألفين من الأصل يقول : يأجوج يفعول ومأجوج مفعول كأنه من أجيج النار . قال : ومن لا يهمز ويجعل الألفين زائدتين يقول : " ياجوج " من يججت وماجوج من مججت وهما غير مصروفين ; قال رؤبة :
لو أن ياجوج وماجوج معا وعاد عاد واستجاشوا تبعا
ذكره الجوهري . وقيل : إنما لم ينصرفا لأنهما اسمان أعجميان ، مثل طالوت وجالوت غير مشتقين ; علتاهما في منع الصرف العجمة والتعريف والتأنيث . وقالت فرقة : هو معرب من أج وأجج علتاهما في منع الصرف التعريف والتأنيث . وقال أبو علي : يجوز أن يكونا عربيين ; فمن همز يأجوج فهو على وزن يفعول مثل يربوع ، من قولك أجت النار أي ضويت ، ومنه الأجيج ، ومنه ملح أجاج ، ومن لم يهمز أمكن أن يكون خفف الهمزة فقلبها ألفا مثل رأس ، وأما مأجوج فهو مفعول من أج ، والكلمتان من أصل واحد في الاشتقاق ومن لم يهمز فيجوز أن يكون خفف الهمزة ، ويجوز أن يكون فاعولا من مج ، وترك الصرف فيهما للتأنيث والتعريف كأنه اسم للقبيلة . واختلف في إفسادهم ; سعيد بن عبد العزيز : إفسادهم أكل بني آدم . وقالت فرقة : إفسادهم إنما كان متوقعا ، أي سيفسدون ، فطلبوا وجه التحرز منهم . وقالت فرقة : إفسادهم هو الظلم والغشم والقتل وسائر وجوه الإفساد المعلوم من البشر ، والله أعلم . وقد وردت أخبار بصفتهم وخروجهم وأنهم ولد يافث . روى أبو هريرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : ولد لنوح سام وحام ويافث فولد سام العرب وفارس والروم والخير فيهم وولد يافث يأجوج ومأجوج والترك والصقالبة ولا خير فيهم وولد حام القبط والبربر والسودان . وقال كعب الأحبار : احتلم آدم - عليه السلام - فاختلط ماؤه بالتراب فأسف فخلقوا من ذلك الماء ، فهم متصلون بنا من جهة الأب لا من جهة الأم . وهذا فيه نظر ; لأن الأنبياء - صلوات الله عليهم - لا يحتلمون ، وإنما هم من ولد يافث ، وكذلك قال مقاتل وغيره . وروى أبو سعيد الخدري عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال : لا يموت رجل منهم حتى يولد لصلبه ألف رجل . يعني يأجوج ومأجوج . وقال أبو سعيد : هم خمس وعشرون قبيلة من وراء يأجوج ومأجوج لا يموت الرجل من هؤلاء ومن يأجوج ومأجوج حتى يخرج من صلبه ألف رجل ذكره القشيري . وقال عبد الله بن مسعود : سألت النبي - صلى الله عليه وسلم - عن يأجوج ومأجوج ، فقال - عليه الصلاة والسلام - : يأجوج ومأجوج أمتان كل أمة أربعمائة ألف أمة كل أمة لا يعلم عددها إلا الله لا يموت الرجل منهم حتى يولد له ألف ذكر من صلبه كلهم قد حمل السلاح قيل : يا رسول الله صفهم لنا . قال : ( هم ثلاثة أصناف صنف منهم أمثال الأرز - شجر بالشام طول الشجرة عشرون ومائة ذراع - وصنف عرضه وطوله سواء نحوا من الذراع وصنف يفترش أذنه ويلتحف بالأخرى لا يمرون بفيل ولا وحش ولا خنزير إلا أكلوه ويأكلون من مات منهم مقدمتهم بالشام وساقتهم بخراسان يشربون أنهار الشرق وبحيرة طبرية فيمنعهم الله من مكة والمدينة وبيت المقدس . وقال علي - رضي الله - تعالى - عنه - : ( وصنف منهم في طول شبر ، لهم مخالب وأنياب السباع ، وتداعي الحمام ، وتسافد البهائم ، وعواء الذئاب ، وشعور تقيهم الحر والبرد ، وأذان عظام إحداها وبرة يشتون فيها ، والأخرى جلدة يصيفون فيها ، ويحفرون السد حتى كادوا ينقبونه فيعيده الله كما كان ، فيقولون : ننقبه غدا إن شاء الله - تعالى - فينقبونه ويخرجون ، ويتحصن الناس بالحصون ، فيرمون إلى السماء فيرد السهم عليهم ملطخا بالدم ، ثم يهلكهم الله - تعالى - بالنغف في رقابهم ) . ذكره الغزنوي . وقال علي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - : يأجوج أمة لها أربعمائة أمير وكذا مأجوج لا يموت أحدهم حتى ينظر إلى ألف فارس من ولده .
قلت : وقد جاء مرفوعا من حديث أبي هريرة ، خرجه ابن ماجه في السنن قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : إن يأجوج ومأجوج يحفران كل يوم حتى إذا كادوا يرون شعاع الشمس قال الذي عليهم ارجعوا فستحفرونه غدا فيعيده الله أشد ما كان حتى إذا بلغت مدتهم وأراد الله - تعالى - أن يبعثهم على الناس حفروا حتى إذا كادوا يرون شعاع الشمس قال ارجعوا فستحفرونه غدا إن شاء الله - تعالى - فاستثنوا فيعودون إليه وهو كهيئته حين تركوه فيحفرونه ويخرجون على الناس فينشفون الماء ويتحصن الناس منهم في حصونهم فيرمون بسهامهم إلى السماء فيرجع عليها الدم - الذي أحفظ - فيقولون قهرنا أهل الأرض وعلونا أهل السماء فيبعث الله - تعالى - عليهم نغفا في أقفائهم فيقتلهم بها قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : والذي نفسي بيده إن دواب الأرض لتسمن وتشكر شكرا من لحومهم قال الجوهري شكرت الناقة تشكر شكرا فهي شكرة ; وأشكر الضرع امتلأ لبنا .
وقال وهب بن منبه : رآهم ذو القرنين ، وطول الواحد منهم مثل نصف الرجل المربوع منا ، لهم مخاليب في مواضع الأظفار وأضراس وأنياب كالسباع ، وأحناك كأحناك الإبل ، وهم هلب عليهم من الشعر ما يواريهم ، ولكل واحد منهم أذنان عظيمتان ، يلتحف إحداهما ويفترش الأخرى ، وكل واحد منهم قد عرف أجله لا يموت حتى يخرج له من صلبه ألف رجل إن كان ذكرا ، ومن رحمها ألف أنثى إن كانت أنثى . وقال السدي والضحاك : الترك شرذمة من يأجوج ومأجوج خرجت تغير ، فجاء ذو القرنين فضرب السد فبقيت في هذا الجانب . قال السدي : بني السد على إحدى وعشرين قبيلة ، وبقيت منهم قبيلة واحدة دون السد فهم الترك . وقاله قتادة .
قلت : وإذا كان هذا ، فقد نعت النبي - صلى الله عليه وسلم - الترك كما نعت يأجوج ومأجوج ، فقال - عليه الصلاة والسلام - : لا تقوم الساعة حتى يقاتل المسلمون الترك قوما وجوههم كالمجان المطرقة يلبسون الشعر ويمشون في الشعر في رواية ينتعلون الشعر خرجه مسلم وأبو داود وغيرهما . ولما علم النبي - صلى الله عليه وسلم - عددهم وكثرتهم وحدة شوكتهم قال - عليه الصلاة والسلام - : اتركوا الترك ما تركوكم . وقد خرج منهم في هذا الوقت أمم لا يحصيهم إلا الله - تعالى - ، ولا يردهم عن المسلمين إلا الله - تعالى - ، حتى كأنهم يأجوج ومأجوج أو مقدمتهم . وروى أبو داود عن أبي بكرة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : ينزل ناس من أمتي بغائط يسمونه البصرة عند نهر يقال له دجلة يكون عليه جسر يكثر أهلها وتكون من أمصار المهاجرين - قال ابن يحيى قال أبو معمر وتكون من أمصار المسلمين فإذا كان في آخر الزمان جاء بنو قنطوراء عراض الوجوه صغار الأعين حتى ينزلوا على شاطئ النهر فيتفرق أهلها ثلاث فرق فرقة يأخذون أذناب البقر والبرية وهلكوا وفرقة يأخذون لأنفسهم وكفروا وفرقة يجعلون ذراريهم خلف ظهورهم ويقاتلونهم وهم الشهداء الغائط المطمئن من الأرض والبصرة الحجارة الرخوة وبها سميت البصرة وبنو قنطوراء هم الترك يقال : إن قنطوراء اسم جارية كانت لإبراهيم - صلوات الله وسلامه عليه - ، ولدت له أولادا جاء من نسلهم الترك .
قوله تعالى : فهل نجعل لك خرجا على أن تجعل بيننا وبينهم سدا
فيه مسألتان :
الأولى : قوله تعالى : فهل نجعل لك خرجا استفهام على جهة حسن الأدب خرجا أي جعلا وقرئ " خراجا " والخرج أخص من الخراج يقال : أد خرج رأسك وخراج مدينتك وقال الأزهري : الخراج يقع على الضريبة ، ويقع على مال الفيء ، ويقع على الجزية وعلى الغلة والخراج اسم لما يخرج من الفرائض في الأموال . والخرج : المصدر .
وقوله تعالى : على أن تجعل بيننا وبينهم سدا أي ردما ; والردم ما جعل بعضه على بعض حتى يتصل وثوب مردم أي مرقع ، قاله الهروي يقال : ردمت الثلمة أردمها بالكسر ردما أي سددتها والردم أيضا الاسم وهو السد وقيل : الردم أبلغ من السد إذ السد كل ما يسد به والردم وضع الشيء على الشيء من حجارة أو تراب أو نحوه حتى يقوم من ذلك حجاب منيع ومنه ردم ثوبه إذا رقعه برقاع متكاثفة بعضها فوق بعض ومنه قول عنترة :
هل غادر الشعراء من متردم
أي من قول يركب بعضه على بعض . وقرئ سدا بالفتح في السين ، فقال الخليل وسيبويه : الضم هو الاسم والفتح المصدر . وقال الكسائي : الفتح والضم لغتان بمعنى واحد وقال عكرمة وأبو عمرو بن العلاء وأبو عبيدة : ما كان من خلقة الله لم يشاركه فيه أحد بعمل فهو بالضم ، وما كان من صنع البشر فهو بالفتح . ويلزم أهل هذه المقالة أن يقرءوا سدا بالفتح وقبله بين السدين بالضم ، وهي قراءة حمزة والكسائي . وقال أبو حاتم عن ابن عباس وعكرمة عكس ما قال أبو عبيدة . وقال ابن أبي إسحاق : ما رأته عيناك فهو سد بالضم وما لا ترى فهو سد بالفتح .
الثانية : في هذه الآية دليل على اتخاذ السجون ، وحبس أهل الفساد فيها ، ومنعهم من التصرف لما يريدونه ، ولا يتركون وما هم عليه ، بل يوجعون ضربا ويحبسون أو يكلفون ويطلقون كما فعل عمر - رضي الله عنه - .. ❝ ⏤محمد بن صالح العثيمين
❞ قَالُوا يَا ذَا الْقَرْنَيْنِ إِنَّ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ مُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ فَهَلْ نَجْعَلُ لَكَ خَرْجًا عَلَىٰ أَن تَجْعَلَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ سَدًّا (94)
قالوا ياذا القرنين أي قالت له أمة من الإنس صالحة .
إن يأجوج ومأجوج مفسدون في الأرض قال الأخفش : من همز يأجوج فجعل الألفين من الأصل يقول : يأجوج يفعول ومأجوج مفعول كأنه من أجيج النار . قال : ومن لا يهمز ويجعل الألفين زائدتين يقول : " ياجوج " من يججت وماجوج من مججت وهما غير مصروفين ; قال رؤبة :
لو أن ياجوج وماجوج معا وعاد عاد واستجاشوا تبعا
ذكره الجوهري . وقيل : إنما لم ينصرفا لأنهما اسمان أعجميان ، مثل طالوت وجالوت غير مشتقين ; علتاهما في منع الصرف العجمة والتعريف والتأنيث . وقالت فرقة : هو معرب من أج وأجج علتاهما في منع الصرف التعريف والتأنيث . وقال أبو علي : يجوز أن يكونا عربيين ; فمن همز يأجوج فهو على وزن يفعول مثل يربوع ، من قولك أجت النار أي ضويت ، ومنه الأجيج ، ومنه ملح أجاج ، ومن لم يهمز أمكن أن يكون خفف الهمزة فقلبها ألفا مثل رأس ، وأما مأجوج فهو مفعول من أج ، والكلمتان من أصل واحد في الاشتقاق ومن لم يهمز فيجوز أن يكون خفف الهمزة ، ويجوز أن يكون فاعولا من مج ، وترك الصرف فيهما للتأنيث والتعريف كأنه اسم للقبيلة . واختلف في إفسادهم ; سعيد بن عبد العزيز : إفسادهم أكل بني آدم . وقالت فرقة : إفسادهم إنما كان متوقعا ، أي سيفسدون ، فطلبوا وجه التحرز منهم . وقالت فرقة : إفسادهم هو الظلم والغشم والقتل وسائر وجوه الإفساد المعلوم من البشر ، والله أعلم . وقد وردت أخبار بصفتهم وخروجهم وأنهم ولد يافث . روى أبو هريرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : ولد لنوح سام وحام ويافث فولد سام العرب وفارس والروم والخير فيهم وولد يافث يأجوج ومأجوج والترك والصقالبة ولا خير فيهم وولد حام القبط والبربر والسودان . وقال كعب الأحبار : احتلم آدم - عليه السلام - فاختلط ماؤه بالتراب فأسف فخلقوا من ذلك الماء ، فهم متصلون بنا من جهة الأب لا من جهة الأم . وهذا فيه نظر ; لأن الأنبياء - صلوات الله عليهم - لا يحتلمون ، وإنما هم من ولد يافث ، وكذلك قال مقاتل وغيره . وروى أبو سعيد الخدري عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال : لا يموت رجل منهم حتى يولد لصلبه ألف رجل . يعني يأجوج ومأجوج . وقال أبو سعيد : هم خمس وعشرون قبيلة من وراء يأجوج ومأجوج لا يموت الرجل من هؤلاء ومن يأجوج ومأجوج حتى يخرج من صلبه ألف رجل ذكره القشيري . وقال عبد الله بن مسعود : سألت النبي - صلى الله عليه وسلم - عن يأجوج ومأجوج ، فقال - عليه الصلاة والسلام - : يأجوج ومأجوج أمتان كل أمة أربعمائة ألف أمة كل أمة لا يعلم عددها إلا الله لا يموت الرجل منهم حتى يولد له ألف ذكر من صلبه كلهم قد حمل السلاح قيل : يا رسول الله صفهم لنا . قال : ( هم ثلاثة أصناف صنف منهم أمثال الأرز - شجر بالشام طول الشجرة عشرون ومائة ذراع - وصنف عرضه وطوله سواء نحوا من الذراع وصنف يفترش أذنه ويلتحف بالأخرى لا يمرون بفيل ولا وحش ولا خنزير إلا أكلوه ويأكلون من مات منهم مقدمتهم بالشام وساقتهم بخراسان يشربون أنهار الشرق وبحيرة طبرية فيمنعهم الله من مكة والمدينة وبيت المقدس . وقال علي - رضي الله - تعالى - عنه - : ( وصنف منهم في طول شبر ، لهم مخالب وأنياب السباع ، وتداعي الحمام ، وتسافد البهائم ، وعواء الذئاب ، وشعور تقيهم الحر والبرد ، وأذان عظام إحداها وبرة يشتون فيها ، والأخرى جلدة يصيفون فيها ، ويحفرون السد حتى كادوا ينقبونه فيعيده الله كما كان ، فيقولون : ننقبه غدا إن شاء الله - تعالى - فينقبونه ويخرجون ، ويتحصن الناس بالحصون ، فيرمون إلى السماء فيرد السهم عليهم ملطخا بالدم ، ثم يهلكهم الله - تعالى - بالنغف في رقابهم ) . ذكره الغزنوي . وقال علي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - : يأجوج أمة لها أربعمائة أمير وكذا مأجوج لا يموت أحدهم حتى ينظر إلى ألف فارس من ولده .
قلت : وقد جاء مرفوعا من حديث أبي هريرة ، خرجه ابن ماجه في السنن قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : إن يأجوج ومأجوج يحفران كل يوم حتى إذا كادوا يرون شعاع الشمس قال الذي عليهم ارجعوا فستحفرونه غدا فيعيده الله أشد ما كان حتى إذا بلغت مدتهم وأراد الله - تعالى - أن يبعثهم على الناس حفروا حتى إذا كادوا يرون شعاع الشمس قال ارجعوا فستحفرونه غدا إن شاء الله - تعالى - فاستثنوا فيعودون إليه وهو كهيئته حين تركوه فيحفرونه ويخرجون على الناس فينشفون الماء ويتحصن الناس منهم في حصونهم فيرمون بسهامهم إلى السماء فيرجع عليها الدم - الذي أحفظ - فيقولون قهرنا أهل الأرض وعلونا أهل السماء فيبعث الله - تعالى - عليهم نغفا في أقفائهم فيقتلهم بها قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : والذي نفسي بيده إن دواب الأرض لتسمن وتشكر شكرا من لحومهم قال الجوهري شكرت الناقة تشكر شكرا فهي شكرة ; وأشكر الضرع امتلأ لبنا .
وقال وهب بن منبه : رآهم ذو القرنين ، وطول الواحد منهم مثل نصف الرجل المربوع منا ، لهم مخاليب في مواضع الأظفار وأضراس وأنياب كالسباع ، وأحناك كأحناك الإبل ، وهم هلب عليهم من الشعر ما يواريهم ، ولكل واحد منهم أذنان عظيمتان ، يلتحف إحداهما ويفترش الأخرى ، وكل واحد منهم قد عرف أجله لا يموت حتى يخرج له من صلبه ألف رجل إن كان ذكرا ، ومن رحمها ألف أنثى إن كانت أنثى . وقال السدي والضحاك : الترك شرذمة من يأجوج ومأجوج خرجت تغير ، فجاء ذو القرنين فضرب السد فبقيت في هذا الجانب . قال السدي : بني السد على إحدى وعشرين قبيلة ، وبقيت منهم قبيلة واحدة دون السد فهم الترك . وقاله قتادة .
قلت : وإذا كان هذا ، فقد نعت النبي - صلى الله عليه وسلم - الترك كما نعت يأجوج ومأجوج ، فقال - عليه الصلاة والسلام - : لا تقوم الساعة حتى يقاتل المسلمون الترك قوما وجوههم كالمجان المطرقة يلبسون الشعر ويمشون في الشعر في رواية ينتعلون الشعر خرجه مسلم وأبو داود وغيرهما . ولما علم النبي - صلى الله عليه وسلم - عددهم وكثرتهم وحدة شوكتهم قال - عليه الصلاة والسلام - : اتركوا الترك ما تركوكم . وقد خرج منهم في هذا الوقت أمم لا يحصيهم إلا الله - تعالى - ، ولا يردهم عن المسلمين إلا الله - تعالى - ، حتى كأنهم يأجوج ومأجوج أو مقدمتهم . وروى أبو داود عن أبي بكرة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : ينزل ناس من أمتي بغائط يسمونه البصرة عند نهر يقال له دجلة يكون عليه جسر يكثر أهلها وتكون من أمصار المهاجرين - قال ابن يحيى قال أبو معمر وتكون من أمصار المسلمين فإذا كان في آخر الزمان جاء بنو قنطوراء عراض الوجوه صغار الأعين حتى ينزلوا على شاطئ النهر فيتفرق أهلها ثلاث فرق فرقة يأخذون أذناب البقر والبرية وهلكوا وفرقة يأخذون لأنفسهم وكفروا وفرقة يجعلون ذراريهم خلف ظهورهم ويقاتلونهم وهم الشهداء الغائط المطمئن من الأرض والبصرة الحجارة الرخوة وبها سميت البصرة وبنو قنطوراء هم الترك يقال : إن قنطوراء اسم جارية كانت لإبراهيم - صلوات الله وسلامه عليه - ، ولدت له أولادا جاء من نسلهم الترك .
قوله تعالى : فهل نجعل لك خرجا على أن تجعل بيننا وبينهم سدا
فيه مسألتان :
الأولى : قوله تعالى : فهل نجعل لك خرجا استفهام على جهة حسن الأدب خرجا أي جعلا وقرئ " خراجا " والخرج أخص من الخراج يقال : أد خرج رأسك وخراج مدينتك وقال الأزهري : الخراج يقع على الضريبة ، ويقع على مال الفيء ، ويقع على الجزية وعلى الغلة والخراج اسم لما يخرج من الفرائض في الأموال . والخرج : المصدر .
وقوله تعالى : على أن تجعل بيننا وبينهم سدا أي ردما ; والردم ما جعل بعضه على بعض حتى يتصل وثوب مردم أي مرقع ، قاله الهروي يقال : ردمت الثلمة أردمها بالكسر ردما أي سددتها والردم أيضا الاسم وهو السد وقيل : الردم أبلغ من السد إذ السد كل ما يسد به والردم وضع الشيء على الشيء من حجارة أو تراب أو نحوه حتى يقوم من ذلك حجاب منيع ومنه ردم ثوبه إذا رقعه برقاع متكاثفة بعضها فوق بعض ومنه قول عنترة :
هل غادر الشعراء من متردم
أي من قول يركب بعضه على بعض . وقرئ سدا بالفتح في السين ، فقال الخليل وسيبويه : الضم هو الاسم والفتح المصدر . وقال الكسائي : الفتح والضم لغتان بمعنى واحد وقال عكرمة وأبو عمرو بن العلاء وأبو عبيدة : ما كان من خلقة الله لم يشاركه فيه أحد بعمل فهو بالضم ، وما كان من صنع البشر فهو بالفتح . ويلزم أهل هذه المقالة أن يقرءوا سدا بالفتح وقبله بين السدين بالضم ، وهي قراءة حمزة والكسائي . وقال أبو حاتم عن ابن عباس وعكرمة عكس ما قال أبو عبيدة . وقال ابن أبي إسحاق : ما رأته عيناك فهو سد بالضم وما لا ترى فهو سد بالفتح .
الثانية : في هذه الآية دليل على اتخاذ السجون ، وحبس أهل الفساد فيها ، ومنعهم من التصرف لما يريدونه ، ولا يتركون وما هم عليه ، بل يوجعون ضربا ويحبسون أو يكلفون ويطلقون كما فعل عمر - رضي الله عنه -. ❝