❞ اقتباس من كتاب
عبادة الصيام بين الاسلام والنصرانية
بقلم د محمد عمر
عيد الميلاد وعيد القيامة المجيد عند النصاري
وفاق ام شقاق ومن المسئول
ايها الاخوة الاحباب بينت في جانب كبير من كتاباتي ان مريم الصديقة ام المسيح ولدت في بني اسرائيل في بيت عمران وقد قيل انه نبي وقيل انه احد الصالحين وقد كان عمران مسموع الكلمة بين بني اسرائيل وكان علي منهج الرسل ويمتد نسبه الي بيت داوود .
ومن هنا يتبن لنا ان مريم ام يسوع المسيح كانت تؤمن باحكام التوراة وكانت علي شريعة الموحدين من الانبياء والمرسلين اذا فقد كانت تؤمن بتشريعاتهم واعيادهم التي كان عليها بنو اسرائيل الموحدين فلما ولد فيهم يسوع المسيح وعاش بينهم 33 عاما قبل رفعه الي السماء وبغض النظر عن عقيدة المسلمين في المسيح انه رفع من غير صلب ولا قتل وانه حي الي الان في السماء لم تجري عليه احكام الموت الي الان
او عقيدة النصاري الذين يؤمنون بموت المسيح علي الصليب ثم قيامه من الموت بعد ان قبر فمكث علي الارض 50 يوما يجوب انحاء اورشليم ثم صعد في نهاية ال 50 يوما الي السماء فنحن نشترك مع النصاري في كون المسيح الان حي في السماء لكننا نومن انها حياة لم يسبقها صلب ولا موت وهم يؤمنون انها حياة بعد صلب وموت وقبر
لكن القاسم المشترك بيننا ان اليهود كادو بالمسيح ووشوا به عند الحاكم الروماني بيلاطس الذي امر بقتل المسيح علي الصليب وبغض النظر عن كون المسيح نجاه الله ورفعه الي السماء بعد ان القي شبهه علي يهوذا الاسخريوطي احد التلاميذ فقتل مكان يسوع المسيح وبغض النظر عن رؤية النصاري ان يسوع المسيح هو من مات علي الصليب لكنا نتفق علي العداوة بين يسوع المسيح وبين مجتمع اليهود في اورشليم
وتعالوا بنا نتعرف علي ايام الاعياد عند النصاري
اما عن عيد الميلاد وقد كان الميلاد في اورشليم وقد كان اليهود يتعاملون باللغة العبرية او الارمية او السريانية لغة اليهود في اورشليم .
الم يكن من الاولي ان يدون ميلاد المسيح وقد ولد وسط بني اسرائيل في اورشليم ان يدون تاريخ الميلاد وفق تواريخ اليهود فمن الذي حول تاريخ الميلاد الي تقاويم الرومان الوثنيين فقد كان الرومان يؤرخون بالتقويم اليولياني الذي وضعه يوليوس قيصر قبل ميلاد يسوع المسيح ثم تم تحويل التواريخ الي التقويم الجريجوري في القرن السادس عشر طبقا لمقترح البابا جريجور وذلك للتغلب علي الفارق الزمني بين التقويم اليولياني والجريجوري
لكنا نتسائل من الذي نقل ميلاد المسيح المولود في اورشليم الي التقويم الروماني طبقا لاباطرة روما الوثنيين ؟ وهل كان هذا من توصيات مجمع نيقية الذي انعقد في عام 325 ميلاديا اي بعد رفع المسيح بقرابة 290 عام فمن وقتها كان يعلم بيوم ميلاد يسوع المسيح ؟
فلدينا الاف بل ملايين علامات الاستفهام عن تاريخ ميلاد المسيح من الذي نقله من التقويم اليهودي الي تقويم الرومان الوثنيين وهل يوم السابع من يناير او الربع والعشرين من ديسمبر هو بالفعل يوم ميلاد المسيح ام يوم ختانه فمن باب اولي ان يسمي عيد الختان وليس عيد الميلاد .
واما عن عيد القيامة المجيد فلدينا العديد والعديد من علامات الاستفهام ؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟
فان كانت حادثة الصلب التي جرت بتحريش اليهود ضد المسيح عند حاكم الرومان الوثنيين وبغض النظر عن عقيدة المسلمين في عدم وقوع الصلب للمسيح وان الله نجاه ورفعه الي السماء وان شبه المسيح القي علي احد التلاميذ فصلبه مكانه او بالنظر الي تحقق صلب المسيح وفق اعتقاد النصاري الكتابيين
فان حادثة الصلب وقعت في اورشليم بامر من حاكم الروم بيلاطس ولو صح انها دونت فمن باب اولي انها دونت بالتاريخ اليولياني الذي كان معمول به لدي الرومان فكان من باب اولي ان يقال ان يسوع المسيح صلب في اليوم كذا من الشهر كذا وفقا لتاريخ الروم
لكننا نتعجب اذ ان يوم الصلب غير معروف عند النصاري فهم الي الان ينسبون حادثة الصلب الي يوم عيد الفصح لليهود فيقولون انه يجب علي اليهود ان يحددو فصحهم اولا ثم نقوم نحن بتحديد يوم عيد القيامة بالاحد الاول بعد عيد الفصح عند اليهود فاليهود يحددون الفصح بالسبت الاول بعد اكتمال القمر في شهر ابيب احد الاشهر القبطية والنصاري ينتظرون فصح اليهود ويحددوا يوم قيامتهم بالاحد التالي ليوم الفصح عند اليهود
قراءي الاعزاء الا يستحق هذا ملايين علامات الاستفهام اذا كان يوم الميلاد يوم معلوم وقد وضعتموه علي التقويم اليولياني ثم الجريجوري للروم
فلماذا عدتم الي التقويم العبري او القبطي او السرياني لليهود مرة اخري لتضعوا عليه تاريخ الصلب المزعوم ؟
اذا كنتم عرفتم جيدا يوم الميلاد وصار يوما معلوما عند النصاري الشرقيين والغربيين فلماذا اختلفتم في يوم الصلب وتركتم تحديده الي اليهود وفق عيد فصحهم رغم انهم من كانو يضطهدون المسيح وهم من وشوا به عن حكام الروم
فاما ان الصلب وقع فعليا فلابد ان يكون له يوم معلوم واما ان الحادثة مختلقة وليست يقينية من اجل هذا فانتم لا تعلمون يقينا متي حدثت من اجل ذلك سرتم خلف الاعيب اليهود الذين كانوا سببا في ضلال احباركم ورهبانكم ووضعو لكم تواريخ وهمية لهذا الحدث العظيم
قراءي الاعزاء انني اضع امام اعينكم هذه القضية الشائكة لعلي اجد منكم الاجاب الصريحة علي هذا التساؤل حول هذا الحدث العظيم انتهي........ ❝ ⏤Dr Mohammed omar Abdelaziz
❞ اقتباس من كتاب
عبادة الصيام بين الاسلام والنصرانية
بقلم د محمد عمر
عيد الميلاد وعيد القيامة المجيد عند النصاري
وفاق ام شقاق ومن المسئول
ايها الاخوة الاحباب بينت في جانب كبير من كتاباتي ان مريم الصديقة ام المسيح ولدت في بني اسرائيل في بيت عمران وقد قيل انه نبي وقيل انه احد الصالحين وقد كان عمران مسموع الكلمة بين بني اسرائيل وكان علي منهج الرسل ويمتد نسبه الي بيت داوود .
ومن هنا يتبن لنا ان مريم ام يسوع المسيح كانت تؤمن باحكام التوراة وكانت علي شريعة الموحدين من الانبياء والمرسلين اذا فقد كانت تؤمن بتشريعاتهم واعيادهم التي كان عليها بنو اسرائيل الموحدين فلما ولد فيهم يسوع المسيح وعاش بينهم 33 عاما قبل رفعه الي السماء وبغض النظر عن عقيدة المسلمين في المسيح انه رفع من غير صلب ولا قتل وانه حي الي الان في السماء لم تجري عليه احكام الموت الي الان
او عقيدة النصاري الذين يؤمنون بموت المسيح علي الصليب ثم قيامه من الموت بعد ان قبر فمكث علي الارض 50 يوما يجوب انحاء اورشليم ثم صعد في نهاية ال 50 يوما الي السماء فنحن نشترك مع النصاري في كون المسيح الان حي في السماء لكننا نومن انها حياة لم يسبقها صلب ولا موت وهم يؤمنون انها حياة بعد صلب وموت وقبر
لكن القاسم المشترك بيننا ان اليهود كادو بالمسيح ووشوا به عند الحاكم الروماني بيلاطس الذي امر بقتل المسيح علي الصليب وبغض النظر عن كون المسيح نجاه الله ورفعه الي السماء بعد ان القي شبهه علي يهوذا الاسخريوطي احد التلاميذ فقتل مكان يسوع المسيح وبغض النظر عن رؤية النصاري ان يسوع المسيح هو من مات علي الصليب لكنا نتفق علي العداوة بين يسوع المسيح وبين مجتمع اليهود في اورشليم
وتعالوا بنا نتعرف علي ايام الاعياد عند النصاري
اما عن عيد الميلاد وقد كان الميلاد في اورشليم وقد كان اليهود يتعاملون باللغة العبرية او الارمية او السريانية لغة اليهود في اورشليم .
الم يكن من الاولي ان يدون ميلاد المسيح وقد ولد وسط بني اسرائيل في اورشليم ان يدون تاريخ الميلاد وفق تواريخ اليهود فمن الذي حول تاريخ الميلاد الي تقاويم الرومان الوثنيين فقد كان الرومان يؤرخون بالتقويم اليولياني الذي وضعه يوليوس قيصر قبل ميلاد يسوع المسيح ثم تم تحويل التواريخ الي التقويم الجريجوري في القرن السادس عشر طبقا لمقترح البابا جريجور وذلك للتغلب علي الفارق الزمني بين التقويم اليولياني والجريجوري
لكنا نتسائل من الذي نقل ميلاد المسيح المولود في اورشليم الي التقويم الروماني طبقا لاباطرة روما الوثنيين ؟ وهل كان هذا من توصيات مجمع نيقية الذي انعقد في عام 325 ميلاديا اي بعد رفع المسيح بقرابة 290 عام فمن وقتها كان يعلم بيوم ميلاد يسوع المسيح ؟
فلدينا الاف بل ملايين علامات الاستفهام عن تاريخ ميلاد المسيح من الذي نقله من التقويم اليهودي الي تقويم الرومان الوثنيين وهل يوم السابع من يناير او الربع والعشرين من ديسمبر هو بالفعل يوم ميلاد المسيح ام يوم ختانه فمن باب اولي ان يسمي عيد الختان وليس عيد الميلاد .
واما عن عيد القيامة المجيد فلدينا العديد والعديد من علامات الاستفهام ؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟
فان كانت حادثة الصلب التي جرت بتحريش اليهود ضد المسيح عند حاكم الرومان الوثنيين وبغض النظر عن عقيدة المسلمين في عدم وقوع الصلب للمسيح وان الله نجاه ورفعه الي السماء وان شبه المسيح القي علي احد التلاميذ فصلبه مكانه او بالنظر الي تحقق صلب المسيح وفق اعتقاد النصاري الكتابيين
فان حادثة الصلب وقعت في اورشليم بامر من حاكم الروم بيلاطس ولو صح انها دونت فمن باب اولي انها دونت بالتاريخ اليولياني الذي كان معمول به لدي الرومان فكان من باب اولي ان يقال ان يسوع المسيح صلب في اليوم كذا من الشهر كذا وفقا لتاريخ الروم
لكننا نتعجب اذ ان يوم الصلب غير معروف عند النصاري فهم الي الان ينسبون حادثة الصلب الي يوم عيد الفصح لليهود فيقولون انه يجب علي اليهود ان يحددو فصحهم اولا ثم نقوم نحن بتحديد يوم عيد القيامة بالاحد الاول بعد عيد الفصح عند اليهود فاليهود يحددون الفصح بالسبت الاول بعد اكتمال القمر في شهر ابيب احد الاشهر القبطية والنصاري ينتظرون فصح اليهود ويحددوا يوم قيامتهم بالاحد التالي ليوم الفصح عند اليهود
قراءي الاعزاء الا يستحق هذا ملايين علامات الاستفهام اذا كان يوم الميلاد يوم معلوم وقد وضعتموه علي التقويم اليولياني ثم الجريجوري للروم
فلماذا عدتم الي التقويم العبري او القبطي او السرياني لليهود مرة اخري لتضعوا عليه تاريخ الصلب المزعوم ؟
اذا كنتم عرفتم جيدا يوم الميلاد وصار يوما معلوما عند النصاري الشرقيين والغربيين فلماذا اختلفتم في يوم الصلب وتركتم تحديده الي اليهود وفق عيد فصحهم رغم انهم من كانو يضطهدون المسيح وهم من وشوا به عن حكام الروم
فاما ان الصلب وقع فعليا فلابد ان يكون له يوم معلوم واما ان الحادثة مختلقة وليست يقينية من اجل هذا فانتم لا تعلمون يقينا متي حدثت من اجل ذلك سرتم خلف الاعيب اليهود الذين كانوا سببا في ضلال احباركم ورهبانكم ووضعو لكم تواريخ وهمية لهذا الحدث العظيم
قراءي الاعزاء انني اضع امام اعينكم هذه القضية الشائكة لعلي اجد منكم الاجاب الصريحة علي هذا التساؤل حول هذا الحدث العظيم انتهي. ❝
❞ إنّ الإنسان جسم وروح، وهو قلب وعقل وعواطف وجوارح، لا يسعد ولا يفلح ولا يرقى رقياً مُتَّزِناً عادلاً حتى تنمو فيه هذه القُوى كلها نمواً متناسباً لائقاً بها، ويتغذى غذاء صالحاً، ولا يمكن أن توجد المدنية الصالحة البتة إلا إذاساد وسط ديني خلقي عقلي جسدي يمكن فيه للإنسان بسهولة أن يبلغ كماله الإنساني، وقد أثبتت التجربة أنه لا يكون ذلك إلا إذا كانت قيادة الحياة وإدارة دفة المدنية بيد الذين يؤمنون بالروح والمادة، ويكونون أمثلة كاملة في الحياة الدينية والخلقية، وأصحاب عقول سليمة راجحة، وعلوم صحيحة نافعة؛ فإذا كان فيهم نقص في عقيدتهم أو في تربيتهم عاد ذلك النقص في مدنيتهم، وتضخم وظهر في مظاهر كثيرة، وفي أشكال متنوعة.
فإذا تغلبت جماعة لا تعبد إلا المادة وما إليها من لذة ومنفعة محسوسة، ولا تؤمن إلا بهذه الحياة، ولا تؤمن بما وراء الحس أثَّرت طبيعتها ومبادئها وميولها في وضع المدنية وشكلها، وطبعتها بطابعها، وصاغتها في قالبها، فكملت نواحٍ للإنسانية واختلت نواحٍ أُخرى أهم منها. عاشت هذه المدنية وازدهرت في الجصِّ والآجر، وفي الورق والقماش، وفي الحديد والرصاص، وأخصبت في ميادين الحروب وساحات القتال، وأوساط المحاكم ومجالس اللهو ومجامع الفجور، وماتت وأجدبت في القلوب والأرواح وفي علاقة المراة بزوجها، والولد بوالده والوالد بولده، والأخ بأخيه والرجل بصديقه، وأصبحت المدنية كجسم ضخم متورِّم يملأ العين مهابةً ورواءً، ويشكو في قلبه آلاماً وأوجاعاً، وفي صحته انحرافاً واضطراباً.
وإذا تغلبت جماعة تجحد المادة أو تهمل ناحيتها ولا تهتم إلا بالروح وما وراء الحس والطبيعة، وتعادي هذه الحياة وتعاندها، ذبلت زهرة المدنية، وهزلت القوى الإنسانية، وبدأ الناس -بتأثير هذه القيادة- يُؤْثِرُوْن الفرار إلى الصحاري والخلوات على المدن، والعزوبة على الحياة الزوجية، ويعذبون الأجسام حتى يضعف سلطانها فتتطهر الروح ويؤثرون الموت على الحياة، لينتقلوا من مملكة المادة إلى إقليم الروح ويستوفوا كَمَالَهُم هنالك؛ لأن الكمال في عقيدتهم لا يحصل في العالم المادي، ونتيجة ذلك أن تحتضر الحضارة وتخرب المدن ويختل نظام الحياة.
ولما كان هذا مضاداً للفطرة لا تلبث أن تثور عليه، وتنتقم منه بمادية حيوانية ليس فيها تسامح لروحانية وأخلاق، وهكذا تنتكس الإنسانية وتخلفها البهيمية والسبعية الإنسانية الممسوخة، أو تهجم على هذه الجماعة الراههبة جماعة مادية قوية فتعجز عن المقاومة لضعفها الطبيعي، وتستسلم وتخضع لها، أو تسبق هي-بما يعتريها من الصعوبات في معالجة أمور الدنيا- فتمد يد الاستعانة إلى المادية ورجالها وتسند إليهم أمور السياسة وتكتفي هي بالعبادات والتقاليد الدينية، ويحدث فصل بين الدين والسياسة فتضمحل الروحانية والأخلاق ويتقلص ظلها وتفقد سلطانها على المجتمع البشري والحياة العملية حتى تصير شبحاً وخيالاً أو نظرية علمية لا تأثير لها في الحياة، وتؤول الحياة مادية محضة.
وقلما خلت جماعة من الجماعات التي تولت قيادة بني جنسها من هذا النقص لذلك لم تزل المدنية متأرجحة بين مادية بهيميّة وروحانية ورهبانية، ولم تزل في اضطراب. ❝ ⏤أبو الحسن علي الحسني الندوي
❞ إنّ الإنسان جسم وروح، وهو قلب وعقل وعواطف وجوارح، لا يسعد ولا يفلح ولا يرقى رقياً مُتَّزِناً عادلاً حتى تنمو فيه هذه القُوى كلها نمواً متناسباً لائقاً بها، ويتغذى غذاء صالحاً، ولا يمكن أن توجد المدنية الصالحة البتة إلا إذاساد وسط ديني خلقي عقلي جسدي يمكن فيه للإنسان بسهولة أن يبلغ كماله الإنساني، وقد أثبتت التجربة أنه لا يكون ذلك إلا إذا كانت قيادة الحياة وإدارة دفة المدنية بيد الذين يؤمنون بالروح والمادة، ويكونون أمثلة كاملة في الحياة الدينية والخلقية، وأصحاب عقول سليمة راجحة، وعلوم صحيحة نافعة؛ فإذا كان فيهم نقص في عقيدتهم أو في تربيتهم عاد ذلك النقص في مدنيتهم، وتضخم وظهر في مظاهر كثيرة، وفي أشكال متنوعة.
فإذا تغلبت جماعة لا تعبد إلا المادة وما إليها من لذة ومنفعة محسوسة، ولا تؤمن إلا بهذه الحياة، ولا تؤمن بما وراء الحس أثَّرت طبيعتها ومبادئها وميولها في وضع المدنية وشكلها، وطبعتها بطابعها، وصاغتها في قالبها، فكملت نواحٍ للإنسانية واختلت نواحٍ أُخرى أهم منها. عاشت هذه المدنية وازدهرت في الجصِّ والآجر، وفي الورق والقماش، وفي الحديد والرصاص، وأخصبت في ميادين الحروب وساحات القتال، وأوساط المحاكم ومجالس اللهو ومجامع الفجور، وماتت وأجدبت في القلوب والأرواح وفي علاقة المراة بزوجها، والولد بوالده والوالد بولده، والأخ بأخيه والرجل بصديقه، وأصبحت المدنية كجسم ضخم متورِّم يملأ العين مهابةً ورواءً، ويشكو في قلبه آلاماً وأوجاعاً، وفي صحته انحرافاً واضطراباً.
وإذا تغلبت جماعة تجحد المادة أو تهمل ناحيتها ولا تهتم إلا بالروح وما وراء الحس والطبيعة، وتعادي هذه الحياة وتعاندها، ذبلت زهرة المدنية، وهزلت القوى الإنسانية، وبدأ الناس -بتأثير هذه القيادة- يُؤْثِرُوْن الفرار إلى الصحاري والخلوات على المدن، والعزوبة على الحياة الزوجية، ويعذبون الأجسام حتى يضعف سلطانها فتتطهر الروح ويؤثرون الموت على الحياة، لينتقلوا من مملكة المادة إلى إقليم الروح ويستوفوا كَمَالَهُم هنالك؛ لأن الكمال في عقيدتهم لا يحصل في العالم المادي، ونتيجة ذلك أن تحتضر الحضارة وتخرب المدن ويختل نظام الحياة.
ولما كان هذا مضاداً للفطرة لا تلبث أن تثور عليه، وتنتقم منه بمادية حيوانية ليس فيها تسامح لروحانية وأخلاق، وهكذا تنتكس الإنسانية وتخلفها البهيمية والسبعية الإنسانية الممسوخة، أو تهجم على هذه الجماعة الراههبة جماعة مادية قوية فتعجز عن المقاومة لضعفها الطبيعي، وتستسلم وتخضع لها، أو تسبق هي-بما يعتريها من الصعوبات في معالجة أمور الدنيا- فتمد يد الاستعانة إلى المادية ورجالها وتسند إليهم أمور السياسة وتكتفي هي بالعبادات والتقاليد الدينية، ويحدث فصل بين الدين والسياسة فتضمحل الروحانية والأخلاق ويتقلص ظلها وتفقد سلطانها على المجتمع البشري والحياة العملية حتى تصير شبحاً وخيالاً أو نظرية علمية لا تأثير لها في الحياة، وتؤول الحياة مادية محضة.
وقلما خلت جماعة من الجماعات التي تولت قيادة بني جنسها من هذا النقص لذلك لم تزل المدنية متأرجحة بين مادية بهيميّة وروحانية ورهبانية، ولم تزل في اضطراب. ❝
❞ حوار مع صديقي الملحد
لماذا لا يكون القرآن من تأليف محمد ؟
قال صاحبي وهو ينتقي عباراته : -
لا أريد أن أجرحك فأنا أعلم اعتزازك بالقرآن و أنا معك في أنه كتاب قيم .. و لكن لماذا لا يكون من تأليف محمد ؟ .. إن رجلاً في عظمة محمد لا يستغرب منه أن يضع كتاباً في عظمة القرآن .. سوف يكون هذا منطقياً أكثر من أن نقول إن الله أنزله .
فإنا لم نر الله ينزل من السماء شيئاً .. و نحن في عصر من الصعب أن نقنع فيه إنساناً بأن هناك ملاكاً اسمه جبريل نزل من السماء بكتاب ليوحي به إلى أحد .
قلت في هدوء : - بل نحن في عصر يسهل فيه تماماً أن نصدق بأن هناك ملائكة لا ترى ، و بأن الحقائق يمكن أن تلقى إلى الإنسان وحياً .. فهم يتكلمون اليوم عن أطباق طائره تنزل على الأرض . كواكب بعيدة و أشعة غير منظورة تقتل ، و أمواج لاسلكية تحدد الأهداف و تضربها .. وصور تتحول إلى ذبذبات في الهواء ثم تستقبل في أجهزة صغيرة كعلب التبغ .. و كاميرات تصور الأشباح .. و عيون ترى في الظلام .. و رجل يمشى على القمر .. و سفينة تنزل على المريخ .. لم يعد غريباً أن نسمع أن الله أرسل ملكاً خفياً من ملائكته.. و أنه ألقى بوحيه على أحد أنبيائه .. لقد أصبح وجود جبريل اليوم حقيقة من الدرجة الثانية .. و أقل عجباً و غرابة مما نرى و نسمع كل يوم .
أما لماذا لا نقول إن القرآن من تأليف محمد عليه الصلاة و السلام .. فلأن القرآن بشكله و عباراته و حروفه و ما احتوى عليه من علوم و معارف و أسرار و جمال بلاغي و دقة لغوية هو مما لا يدخل في قدرة بشر أن يؤلفه .. فإذا أضفنا إلى ذلك أن محمداً عليه الصلاة والسلام كان أمياً ، لا يقرأ و لا يكتب و لم يتعلم في مدرسة و لم يختلط بحضارة ، و لم يبرح شبه الجزيرة العربية ، فإن احتمال الشك و احتمال إلقاء هذا السؤال يغدو مستحيلاً .. و الله يتحدى المنكرين ممن زعموا أن القرآن مؤلف :
قال تعالى: "أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِّثْلِهِ وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُم مِّن دُونِ اللَّهِ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ" [يونس : 38]
استعينوا بالجن و الملائكة وعباقرة الإنس وأتوا بسورة من مثله و مازال التحدي قائماً و لم يأت أحد بشيء ... إلا ببعض عبارات مسجوعة ساذجة سموها "سورة من مثله"... أتى بها أناس يعتقدون أن القرآن مجرد كلام مسجوع .. و لكن سورة من مثله.. أي بها نفس الإعجاز البلاغي و العلمي .. وإذا نظرنا إلى القرآن في حياد و موضوعية فسوف نستبعد تماماً أن يكون محمد عليه الصلاة و السلام هو مؤلفه .
أولاً : لأنه لو كان مؤلفه لبث فيه همومه و أشجانه ، و نحن نراه في عام واحد يفقد زوجه خديجة و عمه أبا طالب و لا سند له في الحياة غيرهما .. و فجيعته فيهما لا تقدر .. و مع ذلك لا يأتي لهما ذكر في القرآن و لا بكلمة .. و كذلك يموت ابنه إبراهيم و يبكيه ، و لا يأتى لذلك خبر في القرآن .. القرآن معزول تماماً عن الذات المحمدية .
بل إن الآية لتأتي مناقضة لما يفعله محمد و ما يفكر فيه .. و أحياناً تنزل الآية معاتبة له كما حدث بصدد الأعمى الذي انصرف عنه النبي إلى أشراف قريش :
( "عَبَسَ وَتَوَلَّى ، أَن جَاءَهُ الْأَعْمَى ،وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ يَزَّكَّى ، أَوْ يَذَّكَّرُ فَتَنفَعَهُ الذِّكْرَى" )
وأحياناً تنزل الآية فتنقض عملاً من أعمال النبي :
("مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَن يَكُونَ لَهُ أَسْرَى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الْأَرْضِ تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيَا وَاللَّهُ يُرِيدُ الْآخِرَةَ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ، لَّوْلَا كِتَابٌ مِّنَ اللَّهِ سَبَقَ لَمَسَّكُمْ فِيمَا أَخَذْتُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ" )
و أحياناً يأمر القرآن محمد بأن يقول لأتباعه ما لا يمكن أن يقوله لو أنه كان يؤلف الكلام تأليفاً :
("قُلْ مَا كُنتُ بِدْعًا مِّنَ الرُّسُلِ وَمَا أَدْرِي مَا يُفْعَلُ بِي وَلَا بِكُمْ إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَى إِلَيَّ وَمَا أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ مُّبِينٌ" )
لا يوجد نبي يتطوع من تلقاء نفسه ليقول لأتباعه لا أدرى ما يفعل بي و لا بكم .. لا أملك لنفسي ضراً و لا نفعاً .. و لا أملك لكم ضراً و لا نفعاً .
فإن هذا يؤدى إلى أن ينفض عنه أتباعه .. و هذا ما حدث فقد اتخذ اليهود هذه الآية عذرا ليقولوا .. ما نفع هذا النبي الذي لا يدرى ماذا يفعل به و لا بنا .. هذا رجل لا جدوى فيه .
مثل هذه الآيات ما كان يمكن أن يؤلفها النبي لو كان يضع القرآن من عند نفسه .
ثانياً : لو نظرنا بعد ذلك في العبارة القرآنية لوجدنا أنها جديدة منفردة في رصفها و بنائها و معمارها ليس لها شبيه فيما سبق من أدب العرب و لا شبيه فيما أتى لاحقاً بعد ذلك .. حتى لتكاد اللغة تنقسم إلى شعر و نثر و قرآن .. فنحن أمام كلام هو نسيج وحده لا هو بالنثر و لا بالشعر .
فموسيقى الشعر تأتى من الوزن و من التقفية فنسمع الشاعر ابن الأبرص الأسدى ينشد:
أقفر من أهله عبيد
فليس يبدى و لا يعيد
هنا الموسيقى تخرج من التشطير و من التقفية على الدال الممدودة ، فهي موسيقى خارجية .. أما موسيقى القرآن فهي موسيقى داخلية:
(" وَالضُّحَى ، وَاللَّيْلِ إِذَا سَجَى" )
لا تشطير و لا تقفية في هذه العبارة البسيطة ، ولكن الموسيقى تقطر منها .. من أين؟ إنها موسيقى داخلية .
اسمع هذه الآيات :
( "قَالَ رَبِّ إِنِّي وَهَنَ الْعَظْمُ مِنِّي وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْبًا وَلَمْ أَكُن بِدُعَائِكَ رَبِّ شَقِيًّا" [مريم : 4]
و هذه الآيات :
" طه ، مَا أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَى ، إِلَّا تَذْكِرَةً لِّمَن يَخْشَى ، تَنزِيلًا مِّمَّنْ خَلَقَ الْأَرْضَ وَالسَّمَاوَاتِ الْعُلَى ، الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى"
فإذا تناولت الآيات تهديداً تحول بناء العبارة و نحتها إلى جلاميد صخر .. و أصبح للإيقاع صلصلة نحاسية تصخ السمع :
"إِنَّا أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا صَرْصَرًا فِي يَوْمِ نَحْسٍ مُّسْتَمِرٍّ ، تَنزِعُ النَّاسَ كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ مُّنقَعِرٍ"
كلمات مثل "صرصراً".. "و منقعر".. كل كلمة كأنها جلمود صخر .. فإذا جاءت الآية لتروى خبراً هائلاً كما في نهاية الطوفان تقاصرت العبارات و كأنها إشارات " مورس " التلغرافية .
و أصبحت الآية كلها كأنها تلغراف مقتضب له وقع هائل :
قال تعالى: "وَقِيلَ يَا أَرْضُ ابْلَعِي مَاءَكِ وَيَا سَمَاءُ أَقْلِعِي وَغِيضَ الْمَاءُ وَقُضِيَ الْأَمْرُ وَاسْتَوَتْ عَلَى الْجُودِيِّ وَقِيلَ بُعْدًا لِّلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ" [هود : 44]
هذا التلون في نحت الألفاظ و في بناء العبارة و في إيقاع الكلمات مع المعاني و المشاعر .. يبلغ في القرآن الذروة و يأتي دائماً منساباً لا تكلف فيه و لا تعمل .
ثالثاً : إذا مضينا في التحليل أكثر فإنا سنكتشف الدقة البالغة و الإحكام المذهل .. كل حرف في مكانه لا تقديم و لا تأخير .. لا تستطيع أن تضع كلمة مكان كلمة ، و لا حرفاً مكان حرف .. كل لفظة تم اختيارها من مليون لفظة بميزان دقيق .
و سنرى أن هذه الدقة البالغة لا مثيل لها في التأليف .. انظر إلى هذه الكلمة " لواقح " في الآية : قال تعالى: ("وَأَرْسَلْنَا الرِّيَاحَ لَوَاقِحَ " )
و كانوا يفسرونها في الماضي على المعنى المجازي بمعنى أن الرياح تثير السحب فتسقط المطر فيلقح الأرض بمعنى " يخصبها " ثم عرفنا اليوم أن الرياح تسوق السحب إيجابية التكهرب و تلقي بها في أحضان السحب سالبة التكهرب فيحدث البرق و الرعد والمطر .. و هي بهذا المعنى "لواقح " أيضا ، و نعرف الآن أيضاً أن الرياح تنقل حبوب اللقاح من زهرة إلى زهرة فتلقحها بالمعنى الحرفي ، ون عرف أخيراً أن المطر لا يسقط إلا بتلقيح قطيرات الماء بذرات الغبار فتنمو القطيرات حول هذه الأنوية من الغبار و تسقط مطراً .. فها نحن أولاء أمام كلمة صادقة مجازياً و حرفياً وعلمياً ، ثم هي بعد ذلك جميلة فنياً و أدبياً و ذات إيقاع حلو .
هنا نرى منتهى الدقة في انتقاء اللفظة و نحتها ، و في آية أخرى :
قال تعالى: "وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُم بَيْنَكُم بِالْبَاطِلِ وَتُدْلُوا بِهَا إِلَى الْحُكَّامِ لِتَأْكُلُوا فَرِيقًا مِّنْ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالْإِثْمِ وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ"
كلمة " تدلوا ".
مع أن الحاكم الذي تلقى إليه الأموال في الأعلى و ليس في الأسفل .. لا .. إن القران يصحح الوضع ، فاليد التي تأخذ الرشوة هي اليد السفلى و لو كانت يد الحاكم .. و من هنا جاءته كلمة " تدلوا بها إلى الحكام " لتعبر في بلاغة لا مثيل إلا عن دناءة المرتشي و سفله .
و في آية الجهاد :
قال تعالى: " مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمُ انفِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الْأَرْضِ "
القرآن يستعمل كلمة " اثَّاقلتم " بدلا من تثاقلتم .. يدمج الحروف إدماجاً ، و يلصقها إلصاقاً ليعبر عن جبن الجبناء الذين يلتصقون بالأرض ( و يتربسون ) فيها من الخوف إذا دعوا إلى القتال ، فجاءت حروف الكلمة بالمثل (متربسة) .
و في آية قتل الأولاد من الفقر نراها جاءت على صورتين :
قال تعالى: " وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُم مِّنْ إِمْلَاقٍ نَّحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ "
قال تعالى: "وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلَاقٍ نَّحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُمْ "
و الفرق بين الآيتين لم يأتي اعتباطاً ، و إنما جاء لأسباب محسوبة .. فحينما يكون القتل من إملاق فإن معناه أن الأهل فقراء في الحاضر ، فيقول : نحن ( نرزقكم ) و إياهم .
و حينما يكون قتل الأولاد خشية إملاق فإن معناه أن الفقر هو احتمال في المستقبل و لذا تشير الآية إلى الأبناء فتقول نحن "نرزقهم " و إياكم .
مثل هذه الفروق لا يمكن أن تخطر على بال مؤلف .. و في حالات التقديم و التأخير نجد دائماً أنه لحكمة ، نجد أن السارق مقدم على السارقة في آية السرقة ، في حين أن الزانية مقدمة على الزانى في آية الزنى .. و ذلك لسبب واضح ، أن الرجل أكثر إيجابية في السرقة .. أما في الزنى فالمرأة هي التي تأخذ المبادرة ، من لحظة وقوفها أمام المرآة تضع " البارفان " و لمسات " التواليت " و تختار الفستان أعلى الركبة فإنها تنصب الفخاخ للرجل الموعود .
قال تعالى: "الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ "
قال تعالى:"وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا "
و بالمثل تقديم السمع على البصر في أكثر من 16 مكاناً
( " وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ " )
( " وَجَعَلْنَا لَهُمْ سَمْعًا وَأَبْصَارًا وَأَفْئِدَةً ")
( "أَسْمِعْ بِهِمْ وَأَبْصِرْ ")
(" إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا" )
( "وَمَا كُنتُمْ تَسْتَتِرُونَ أَن يَشْهَدَ عَلَيْكُمْ سَمْعُكُمْ وَلَا أَبْصَارُكُمْ " )
( " لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ" )
دائما السمع أولاً . و لا شك أن السمع أكثر إرهافاً و كمالاً من البصر .. إننا نسمع الجن و لا نراه .. و الأنبياء سمعوا الله و كلموه و لم يره أحد .
و قد تلقى محمد القرآن سمعاً .. والأم تميز بكاء ابنها في الزحام و لا تستطيع أن تميز وجهه .. و السمع يصاحب الإنسان أثناء النوم فيظل صاحياً في حين تنام عيناه ، و من حاول تشريح جهاز السمع يعلم أنه أعظم دقة و إرهافاً من جهاز البصر .
و بالمثل تقديم المال على الولد :
( "يَوْمَ لَا يَنفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ ، إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ" )
( "إِنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلَادُكُمْ فِتْنَةٌ وَاللَّهُ عِندَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ" )
( " لَن تُغْنِيَ عَنْهُمْ أَمْوَالُهُمْ وَلَا أَوْلَادُهُم مِّنَ اللَّهِ شَيْئًا وَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ" )
( "أَيَحْسَبُونَ أَنَّمَا نُمِدُّهُم بِهِ مِن مَّالٍ وَبَنِينَ ، نُسَارِعُ لَهُمْ فِي الْخَيْرَاتِ بَل لَّا يَشْعُرُونَ" )
( "فَلَا تُعْجِبْكَ أَمْوَالُهُمْ وَلَا أَوْلَادُهُمْ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُم بِهَا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا " )
( "اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَبَاتُهُ " )
و الأمثلة على هذا التقديم كثيرة و السر أن المال عند أكثر الناس أعز من الولد .. ثم الدقة و الخفاء و اللطف في الإعراب .
انظر إلى هذه الآية :
( "وَإِن طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا " )
مرة عوملت الطائفتان على أنهما جمع "اقتتلوا" و مرة على أنهما مثنى "فأصلحوا بينهما" والسر لطيف .. فالطائفتان في القتال تلتحمان وتصبحان جمعاً من الأذرع المتضاربة .. في حين أنهما في الصلح تتفصلان إلى اثنين .. و ترسل كل واحدة عنها مندوباً ، و من هنا قال : و إن طائفتان من المؤمنين "اقتتلوا" فأصلحوا "بينهما"!
حتى حروف الجر و الوصل و العطف تأتى و تمتنع في القرآن لأسباب عميقة ، و بحساب دقيق محكم .. مثلاً تأتي كلمة "يسألونك " في أماكن عديدة من القرآن:
(" وَيَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنفِقُونَ قُلِ الْعَفْوَ ")
( "وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي ")
( "يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ " )
دائماً الجواب بكلمة "قل ".. و لكنها حين تأتى عن الجبال :
"وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْجِبَالِ فَقُلْ يَنسِفُهَا رَبِّي نَسْفًا"
هنا لأول مرة جاءت "فقل" بدلاً من "قل ".. و السبب أن كل الأسئلة السابقة كانت قد سئلت بالفعل ، أما سؤال الجبال فلم يكن قد سئل بعد ، لأنه من أسرار القيامة ، و كأنما يقول الله : فإذا سألوك عن الجبال "فقل ".. فجاءت الفاء زائدة لسبب محسوب ..
أما في الآية :
("وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاع ")
هنا لا ترد كلمة "قل " لأن السؤال عن ذات الله .. و الله أولى بالإجابة عن نفسه ..
كذلك الضمير أنا و نحن .
يتكلم الله بضمير الجمع حيثما يكون التعبير عن "فعل " إلهي تشترك فيه جميع الصفات الإلهية كالخلق ، و إنزال القرآن و حفظه :
( "إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ" )
("نَحْنُ خَلَقْنَاكُمْ فَلَوْلَا تُصَدِّقُونَ" )
(" إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ" )
( "أَفَرَأَيْتُم مَّا تُمْنُونَ ، أَأَنتُمْ تَخْلُقُونَهُ أَمْ نَحْنُ الْخَالِقُونَ" )
( "نَّحْنُ خَلَقْنَاهُمْ وَشَدَدْنَا أَسْرَهُمْ وَإِذَا شِئْنَا بَدَّلْنَا أَمْثَالَهُمْ تَبْدِيلًا" )
"ونحن " هنا تعبر عن جمعية الصفات الإلهية و هي تعمل في إبداع عظيم مثل عملية الخلق .
أما إذا جاءت الآية في مقام مخاطبة بين الله وعبده كما في موقف المكالمة مع موسى .. تأتي الآية بضمير المفرد
( "إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدْنِي وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي" )
الله يقول : "أنا" لأن الحضرة هنا حضرة ذات ، و تنبيها منه سبحانه على مسألة التوحيد و الوحدانية في العبادة .
و نجد مثل هذه الدقة الشديدة في آيتين متشابهتين عن الصبر تفترق الواحدة عن الأخرى في حرف اللام .. يقول لقمان لولده :
" وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ"
و في آية أخرى عن الصبر نقرأ :
("وَلَمَن صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ" )
الصبر في الأولى "من عزم الأمور" و في الثانية " لمن عزم الامور".. و سر التوكيد باللام في الثانية أنه صبر مضاعف ، لأنه صبر على عدوان بشري لك فيه غريم ، و أنت مطالب فيه بالصبر و المغفرة و هو أمر أشد على النفس من الصبر على القضاء الإلهي الذي لا حيلة فيه ..
و نفس هذه الملاحظة عن "اللام " نجدها مرة أخرى في آيتين عن إنزال المطر و إنبات الزرع :
( "أَفَرَأَيْتُمُ الْمَاءَ الَّذِي تَشْرَبُونَ ، أَأَنتُمْ أَنزَلْتُمُوهُ مِنَ الْمُزْنِ أَمْ نَحْنُ الْمُنزِلُونَ ، قال تعالى: "لَوْ نَشَاءُ جَعَلْنَاهُ أُجَاجًا " )"أي مالحا"
و في آية ثانية :
( "أَفَرَأَيْتُم مَّا تَحْرُثُونَ ، أَأَنتُمْ تَزْرَعُونَهُ أَمْ نَحْنُ الزَّارِعُونَ ، لَوْ نَشَاءُ لَجَعَلْنَاهُ حُطَامًا ")
في الآية الأولى "جعلناه " أجاجا.. و في الآية الثانية "لجعلناه " حطاما واللام جاءت في الثانية لضرورة التوكيد ، لأن هناك من سوف يدعى بأنه يستطيع أن يتلف الزرع كما يتلفه الخالق ، و يجعله حطاما .. في حين لن يستطيع أحد من البشر أن يدعى أن في إمكانه أن ينزل من سحب السماء مطرا مالحا فلا حاجة إلى توكيد باللام ..
و نفس هذه الدقة نجدها في وصف إبراهيم لربه في القرآن بأنه :
("وَالَّذِي يُمِيتُنِي ثُمَّ يُحْيِينِ" )
( "وَالَّذِي هُوَ يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِ" )
فجاء بكلمة"هو" حينما تكلم عن "الإطعام " ليؤكد الفعل الإلهي ، لأنه سوف يدعي الكل أنهم يطعمونه .. و يسقونه ، على حين لن يدّعي أحد بأنه يميته و محييه كما يميته الله ويحييه .
و نجد هذه الدقة أيضاً حينما يخاطب القرآن المسلمين قائلاً :
( "فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ ")
و يخاطب اليهود قائلاً :
(" اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ ")
فاليهود ماديون لا يذكرون الله إلا في النعمة و الفائدة و المصلحة و المسلمون أكثر شفافية و يفهمون معنى أن يذكر الله لذاته لا لمصلحة ..
و بنفس المعنى يقول الله للخاصة من أولى الألباب :
(" وَاتَّقُونِ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ" )
و يقول للعوام :
( " فَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ ")
لأن العوام لا يردعهم إلا النار ، أما الخاصة فهم يعلمون أن الله أقوى من كل نار ، و أنه يستطيع أن يجعل النار برداً و سلاماً إن شاء .
و نجد مثل هذه الدقة البالغة في اختيار اللفظ في كلام إبليس حينما أقسم على ربه قائلاً :
( "قَالَ فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ" )
أقسم إبليس بالعزة الإلهية و لم يقسم بغيرها ، فأثبت بذلك علمه و ذكاءه ، لأن هذه العزة الإلهية هي التي اقتضت استغناء الله عن خلقه ، فمن شاء فليؤمن و من شاء فليكفر، و لن يضروا الله شيئاً ، فهو العزيز عن خلقه ، الغني عن العالمين .
و يقول الله في حديثه القدسى :
(هؤلاء في النار و لا أبالي ، و هؤلاء في الجنة ولا أبالي )
و هذا مقتضى العزة الإلهية .. وهي الثغرة الوحيدة التي يدخل منها إبليس ، فهو بها يستطيع أن يضل و يوسوس ، لأن الله لن يقهر أحداً اختار الكفر على الإيمان .. و لهذا قال "فبعزتك " لأغوينهم أجمعين .
( " لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ ، ثُمَّ لَآتِيَنَّهُم مِّن بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَن شَمَائِلِهِمْ ")
ذكر الجهات الأربع ، و لم يذكر من فوقهم و لا من تحتهم .. لأن "فوق " الربوبية ، و " تحت " تواضع العبودية .. و من لزم مكانه الأدنى من ربه الأعلى لن يستطيع الشيطان أن يدخل عليه .
ثم ذكر إبليس أن مقعده المفضل للإغواء سوف يكون الصراط المستقيم .. على طريق الخير و على سجادة الصلاة ، لأن تارك الصلاة و السكير و العربيد ليس في حاجة إلى إبليس ليضله ، فقد تكفلت نفسه بإضلاله ، إنه إنسان خرب .. و إبليس لص ذكي ، لا يحب أن يضيع وقته بأن يحوم حول البيوت الخربة .
مثال آخر من أمثلة الدقة القرآنية نجده في سبق المغفرة على العذاب و الرحمة على الغضب في القرآن .. فالله في "الفاتحة" هو الرحمن الرحيم قبل أن يكون مالك يوم الدين .. وهو دائماً يوصف بأنه يغفر لمن يشاء و يعذب من يشاء ... تأتى المغفرة أولاً قبل العذاب إلا في مكانين في آية قطع اليد :
( " يُعَذِّبُ مَن يَشَاءُ وَيَغْفِرُ لِمَن يَشَاءُ ")
لأن العقوبة بقطع اليد عذاب دنيوي .. تليه مغفرة أخروية .. و في كلام عيسى يوم القيامة عن المشركين الذين عبدوه من دون الله .. فيقول لربه :
( "إِن تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِن تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ" )
فلا يقول فإنك أنت الغفور الرحيم تأدباً .. و يذكر ألم العذاب قبل المغفرة .. لعظم الإثم الذي وقعوا فيه .
و نجد هذه الدقة القرآنية مرة أخرى في تناول القرآن للزمن .. فالمستقبل يأتي ذكره على لسان الخالق على أنه ماض .. فأحداث يوم القيامة ترد كلها على أنها ماض :
( "وَنُفِخَ فِي الصُّورِ ")
( "وَانشَقَّتِ السَّمَاءُ فَهِيَ يَوْمَئِذٍ وَاهِيَةٌ" )
( "وَبُرِّزَتِ الْجَحِيمُ لِلْغَاوِينَ" )
( "وَعُرِضُوا عَلَى رَبِّكَ صَفًّا ")
و السر في ذلك أن كل الأحداث حاضرها و مستقبلها قد حدثت في علم الله و ليس عند الله زمن يحجب عنه المستقبل ، فهو سبحانه فوق الزمان والمكان ، و لهذا نقرأ العبارة القرآنية أحياناً فنجد أنها تتحدث عن زمانين مختلفين ، و تبدو في ظاهرها متناقضة مثل :
(" أَتَى أَمْرُ اللَّهِ فَلَا تَسْتَعْجِلُوهُ ")
فالأمر قد أتى و حدث في الماضي .
لكن الله يخاطب الناس بألا يستعجلوه كما لو كان مستقبلًا لم يحدث بعد .. و السر كما شرحنا أنه حدث في علم الله ، لكنه لم يحدث بعد في علم الناس ، ولا تناقض .. و إنما دقة و إحكام ، و خفاء و استسرار ، و صدق في المعاني العميقة .
هذه بعض الأمثلة للدقة البالغة و النحت المحكم في بناء العبارة القرآنية و في اختيار الألفاظ و استخدام الحروف لا زيادة و لا نقص ، و لا تقديم و لا تأخير ، إلا بحساب و ميزان ، و لا نعرف لذلك مثيلاً في تأليف أو كتاب مؤلف ، و لا نجده إلا في القرآن .
أما لمحات العلم فى القران وعجائب الآيات الكونية التى أتت
بالأسرار والخفايا التى لم تكتشف إلا فى عصرنا، والتى لم يعرفهامحمد
! ولا عصره فهى موضوع آخر يطول، وله جلسة أخرى .
من كتاب / حوار مع صديقي الملحد
للدكتور / مصطفى محمود( رحمه الله ). ❝ ⏤مصطفى محمود
❞ حوار مع صديقي الملحد
لماذا لا يكون القرآن من تأليف محمد ؟
قال صاحبي وهو ينتقي عباراته : -
لا أريد أن أجرحك فأنا أعلم اعتزازك بالقرآن و أنا معك في أنه كتاب قيم . و لكن لماذا لا يكون من تأليف محمد ؟ . إن رجلاً في عظمة محمد لا يستغرب منه أن يضع كتاباً في عظمة القرآن . سوف يكون هذا منطقياً أكثر من أن نقول إن الله أنزله .
فإنا لم نر الله ينزل من السماء شيئاً . و نحن في عصر من الصعب أن نقنع فيه إنساناً بأن هناك ملاكاً اسمه جبريل نزل من السماء بكتاب ليوحي به إلى أحد .
قلت في هدوء : - بل نحن في عصر يسهل فيه تماماً أن نصدق بأن هناك ملائكة لا ترى ، و بأن الحقائق يمكن أن تلقى إلى الإنسان وحياً . فهم يتكلمون اليوم عن أطباق طائره تنزل على الأرض . كواكب بعيدة و أشعة غير منظورة تقتل ، و أمواج لاسلكية تحدد الأهداف و تضربها . وصور تتحول إلى ذبذبات في الهواء ثم تستقبل في أجهزة صغيرة كعلب التبغ . و كاميرات تصور الأشباح . و عيون ترى في الظلام . و رجل يمشى على القمر . و سفينة تنزل على المريخ . لم يعد غريباً أن نسمع أن الله أرسل ملكاً خفياً من ملائكته. و أنه ألقى بوحيه على أحد أنبيائه . لقد أصبح وجود جبريل اليوم حقيقة من الدرجة الثانية . و أقل عجباً و غرابة مما نرى و نسمع كل يوم .
أما لماذا لا نقول إن القرآن من تأليف محمد عليه الصلاة و السلام . فلأن القرآن بشكله و عباراته و حروفه و ما احتوى عليه من علوم و معارف و أسرار و جمال بلاغي و دقة لغوية هو مما لا يدخل في قدرة بشر أن يؤلفه . فإذا أضفنا إلى ذلك أن محمداً عليه الصلاة والسلام كان أمياً ، لا يقرأ و لا يكتب و لم يتعلم في مدرسة و لم يختلط بحضارة ، و لم يبرح شبه الجزيرة العربية ، فإن احتمال الشك و احتمال إلقاء هذا السؤال يغدو مستحيلاً . و الله يتحدى المنكرين ممن زعموا أن القرآن مؤلف :
استعينوا بالجن و الملائكة وعباقرة الإنس وأتوا بسورة من مثله و مازال التحدي قائماً و لم يأت أحد بشيء .. إلا ببعض عبارات مسجوعة ساذجة سموها ˝سورة من مثله˝.. أتى بها أناس يعتقدون أن القرآن مجرد كلام مسجوع . و لكن سورة من مثله. أي بها نفس الإعجاز البلاغي و العلمي . وإذا نظرنا إلى القرآن في حياد و موضوعية فسوف نستبعد تماماً أن يكون محمد عليه الصلاة و السلام هو مؤلفه .
أولاً : لأنه لو كان مؤلفه لبث فيه همومه و أشجانه ، و نحن نراه في عام واحد يفقد زوجه خديجة و عمه أبا طالب و لا سند له في الحياة غيرهما . و فجيعته فيهما لا تقدر . و مع ذلك لا يأتي لهما ذكر في القرآن و لا بكلمة . و كذلك يموت ابنه إبراهيم و يبكيه ، و لا يأتى لذلك خبر في القرآن . القرآن معزول تماماً عن الذات المحمدية .
بل إن الآية لتأتي مناقضة لما يفعله محمد و ما يفكر فيه . و أحياناً تنزل الآية معاتبة له كما حدث بصدد الأعمى الذي انصرف عنه النبي إلى أشراف قريش :
لا يوجد نبي يتطوع من تلقاء نفسه ليقول لأتباعه لا أدرى ما يفعل بي و لا بكم . لا أملك لنفسي ضراً و لا نفعاً . و لا أملك لكم ضراً و لا نفعاً .
فإن هذا يؤدى إلى أن ينفض عنه أتباعه . و هذا ما حدث فقد اتخذ اليهود هذه الآية عذرا ليقولوا . ما نفع هذا النبي الذي لا يدرى ماذا يفعل به و لا بنا . هذا رجل لا جدوى فيه .
مثل هذه الآيات ما كان يمكن أن يؤلفها النبي لو كان يضع القرآن من عند نفسه .
ثانياً : لو نظرنا بعد ذلك في العبارة القرآنية لوجدنا أنها جديدة منفردة في رصفها و بنائها و معمارها ليس لها شبيه فيما سبق من أدب العرب و لا شبيه فيما أتى لاحقاً بعد ذلك . حتى لتكاد اللغة تنقسم إلى شعر و نثر و قرآن . فنحن أمام كلام هو نسيج وحده لا هو بالنثر و لا بالشعر .
فموسيقى الشعر تأتى من الوزن و من التقفية فنسمع الشاعر ابن الأبرص الأسدى ينشد:
أقفر من أهله عبيد
فليس يبدى و لا يعيد
هنا الموسيقى تخرج من التشطير و من التقفية على الدال الممدودة ، فهي موسيقى خارجية . أما موسيقى القرآن فهي موسيقى داخلية:
(˝ وَالضُّحَى ، وَاللَّيْلِ إِذَا سَجَى˝ )
لا تشطير و لا تقفية في هذه العبارة البسيطة ، ولكن الموسيقى تقطر منها . من أين؟ إنها موسيقى داخلية .
اسمع هذه الآيات :
( ˝قَالَ رَبِّ إِنِّي وَهَنَ الْعَظْمُ مِنِّي وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْبًا وَلَمْ أَكُن بِدُعَائِكَ رَبِّ شَقِيًّا˝ [مريم : 4]
كلمات مثل ˝صرصراً˝. ˝و منقعر˝. كل كلمة كأنها جلمود صخر . فإذا جاءت الآية لتروى خبراً هائلاً كما في نهاية الطوفان تقاصرت العبارات و كأنها إشارات ˝ مورس ˝ التلغرافية .
و أصبحت الآية كلها كأنها تلغراف مقتضب له وقع هائل :
قال تعالى: ˝وَقِيلَ يَا أَرْضُ ابْلَعِي مَاءَكِ وَيَا سَمَاءُ أَقْلِعِي وَغِيضَ الْمَاءُ وَقُضِيَ الْأَمْرُ وَاسْتَوَتْ عَلَى الْجُودِيِّ وَقِيلَ بُعْدًا لِّلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ˝ [هود : 44]
هذا التلون في نحت الألفاظ و في بناء العبارة و في إيقاع الكلمات مع المعاني و المشاعر . يبلغ في القرآن الذروة و يأتي دائماً منساباً لا تكلف فيه و لا تعمل .
ثالثاً : إذا مضينا في التحليل أكثر فإنا سنكتشف الدقة البالغة و الإحكام المذهل . كل حرف في مكانه لا تقديم و لا تأخير . لا تستطيع أن تضع كلمة مكان كلمة ، و لا حرفاً مكان حرف . كل لفظة تم اختيارها من مليون لفظة بميزان دقيق .
و سنرى أن هذه الدقة البالغة لا مثيل لها في التأليف . انظر إلى هذه الكلمة ˝ لواقح ˝ في الآية : قال تعالى: (˝وَأَرْسَلْنَا الرِّيَاحَ لَوَاقِحَ ˝ )
و كانوا يفسرونها في الماضي على المعنى المجازي بمعنى أن الرياح تثير السحب فتسقط المطر فيلقح الأرض بمعنى ˝ يخصبها ˝ ثم عرفنا اليوم أن الرياح تسوق السحب إيجابية التكهرب و تلقي بها في أحضان السحب سالبة التكهرب فيحدث البرق و الرعد والمطر . و هي بهذا المعنى ˝لواقح ˝ أيضا ، و نعرف الآن أيضاً أن الرياح تنقل حبوب اللقاح من زهرة إلى زهرة فتلقحها بالمعنى الحرفي ، ون عرف أخيراً أن المطر لا يسقط إلا بتلقيح قطيرات الماء بذرات الغبار فتنمو القطيرات حول هذه الأنوية من الغبار و تسقط مطراً . فها نحن أولاء أمام كلمة صادقة مجازياً و حرفياً وعلمياً ، ثم هي بعد ذلك جميلة فنياً و أدبياً و ذات إيقاع حلو .
هنا نرى منتهى الدقة في انتقاء اللفظة و نحتها ، و في آية أخرى :
قال تعالى: ˝وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُم بَيْنَكُم بِالْبَاطِلِ وَتُدْلُوا بِهَا إِلَى الْحُكَّامِ لِتَأْكُلُوا فَرِيقًا مِّنْ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالْإِثْمِ وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ˝
كلمة ˝ تدلوا ˝.
مع أن الحاكم الذي تلقى إليه الأموال في الأعلى و ليس في الأسفل . لا . إن القران يصحح الوضع ، فاليد التي تأخذ الرشوة هي اليد السفلى و لو كانت يد الحاكم . و من هنا جاءته كلمة ˝ تدلوا بها إلى الحكام ˝ لتعبر في بلاغة لا مثيل إلا عن دناءة المرتشي و سفله .
و في آية الجهاد :
قال تعالى: ˝ مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمُ انفِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الْأَرْضِ ˝
القرآن يستعمل كلمة ˝ اثَّاقلتم ˝ بدلا من تثاقلتم . يدمج الحروف إدماجاً ، و يلصقها إلصاقاً ليعبر عن جبن الجبناء الذين يلتصقون بالأرض ( و يتربسون ) فيها من الخوف إذا دعوا إلى القتال ، فجاءت حروف الكلمة بالمثل (متربسة) .
و في آية قتل الأولاد من الفقر نراها جاءت على صورتين :
قال تعالى: ˝ وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُم مِّنْ إِمْلَاقٍ نَّحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ ˝
و الفرق بين الآيتين لم يأتي اعتباطاً ، و إنما جاء لأسباب محسوبة . فحينما يكون القتل من إملاق فإن معناه أن الأهل فقراء في الحاضر ، فيقول : نحن ( نرزقكم ) و إياهم .
و حينما يكون قتل الأولاد خشية إملاق فإن معناه أن الفقر هو احتمال في المستقبل و لذا تشير الآية إلى الأبناء فتقول نحن ˝نرزقهم ˝ و إياكم .
مثل هذه الفروق لا يمكن أن تخطر على بال مؤلف . و في حالات التقديم و التأخير نجد دائماً أنه لحكمة ، نجد أن السارق مقدم على السارقة في آية السرقة ، في حين أن الزانية مقدمة على الزانى في آية الزنى . و ذلك لسبب واضح ، أن الرجل أكثر إيجابية في السرقة . أما في الزنى فالمرأة هي التي تأخذ المبادرة ، من لحظة وقوفها أمام المرآة تضع ˝ البارفان ˝ و لمسات ˝ التواليت ˝ و تختار الفستان أعلى الركبة فإنها تنصب الفخاخ للرجل الموعود .
دائما السمع أولاً . و لا شك أن السمع أكثر إرهافاً و كمالاً من البصر . إننا نسمع الجن و لا نراه . و الأنبياء سمعوا الله و كلموه و لم يره أحد .
و قد تلقى محمد القرآن سمعاً . والأم تميز بكاء ابنها في الزحام و لا تستطيع أن تميز وجهه . و السمع يصاحب الإنسان أثناء النوم فيظل صاحياً في حين تنام عيناه ، و من حاول تشريح جهاز السمع يعلم أنه أعظم دقة و إرهافاً من جهاز البصر .
و الأمثلة على هذا التقديم كثيرة و السر أن المال عند أكثر الناس أعز من الولد . ثم الدقة و الخفاء و اللطف في الإعراب .
انظر إلى هذه الآية :
( ˝وَإِن طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا ˝ )
مرة عوملت الطائفتان على أنهما جمع ˝اقتتلوا˝ و مرة على أنهما مثنى ˝فأصلحوا بينهما˝ والسر لطيف . فالطائفتان في القتال تلتحمان وتصبحان جمعاً من الأذرع المتضاربة . في حين أنهما في الصلح تتفصلان إلى اثنين . و ترسل كل واحدة عنها مندوباً ، و من هنا قال : و إن طائفتان من المؤمنين ˝اقتتلوا˝ فأصلحوا ˝بينهما˝!
حتى حروف الجر و الوصل و العطف تأتى و تمتنع في القرآن لأسباب عميقة ، و بحساب دقيق محكم . مثلاً تأتي كلمة ˝يسألونك ˝ في أماكن عديدة من القرآن:
هنا لأول مرة جاءت ˝فقل˝ بدلاً من ˝قل ˝. و السبب أن كل الأسئلة السابقة كانت قد سئلت بالفعل ، أما سؤال الجبال فلم يكن قد سئل بعد ، لأنه من أسرار القيامة ، و كأنما يقول الله : فإذا سألوك عن الجبال ˝فقل ˝. فجاءت الفاء زائدة لسبب محسوب .
أما في الآية :
(˝وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاع ˝)
هنا لا ترد كلمة ˝قل ˝ لأن السؤال عن ذات الله . و الله أولى بالإجابة عن نفسه .
كذلك الضمير أنا و نحن .
يتكلم الله بضمير الجمع حيثما يكون التعبير عن ˝فعل ˝ إلهي تشترك فيه جميع الصفات الإلهية كالخلق ، و إنزال القرآن و حفظه :
˝ونحن ˝ هنا تعبر عن جمعية الصفات الإلهية و هي تعمل في إبداع عظيم مثل عملية الخلق .
أما إذا جاءت الآية في مقام مخاطبة بين الله وعبده كما في موقف المكالمة مع موسى . تأتي الآية بضمير المفرد
الصبر في الأولى ˝من عزم الأمور˝ و في الثانية ˝ لمن عزم الامور˝. و سر التوكيد باللام في الثانية أنه صبر مضاعف ، لأنه صبر على عدوان بشري لك فيه غريم ، و أنت مطالب فيه بالصبر و المغفرة و هو أمر أشد على النفس من الصبر على القضاء الإلهي الذي لا حيلة فيه .
و نفس هذه الملاحظة عن ˝اللام ˝ نجدها مرة أخرى في آيتين عن إنزال المطر و إنبات الزرع :
و في آية ثانية :
( ˝أَفَرَأَيْتُم مَّا تَحْرُثُونَ ، أَأَنتُمْ تَزْرَعُونَهُ أَمْ نَحْنُ الزَّارِعُونَ ، لَوْ نَشَاءُ لَجَعَلْنَاهُ حُطَامًا ˝)
في الآية الأولى ˝جعلناه ˝ أجاجا. و في الآية الثانية ˝لجعلناه ˝ حطاما واللام جاءت في الثانية لضرورة التوكيد ، لأن هناك من سوف يدعى بأنه يستطيع أن يتلف الزرع كما يتلفه الخالق ، و يجعله حطاما . في حين لن يستطيع أحد من البشر أن يدعى أن في إمكانه أن ينزل من سحب السماء مطرا مالحا فلا حاجة إلى توكيد باللام .
و نفس هذه الدقة نجدها في وصف إبراهيم لربه في القرآن بأنه :
(˝وَالَّذِي يُمِيتُنِي ثُمَّ يُحْيِينِ˝ )
( ˝وَالَّذِي هُوَ يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِ˝ )
فجاء بكلمة˝هو˝ حينما تكلم عن ˝الإطعام ˝ ليؤكد الفعل الإلهي ، لأنه سوف يدعي الكل أنهم يطعمونه . و يسقونه ، على حين لن يدّعي أحد بأنه يميته و محييه كما يميته الله ويحييه .
و نجد هذه الدقة أيضاً حينما يخاطب القرآن المسلمين قائلاً :
( ˝فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ ˝)
و يخاطب اليهود قائلاً :
(˝ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ ˝)
فاليهود ماديون لا يذكرون الله إلا في النعمة و الفائدة و المصلحة و المسلمون أكثر شفافية و يفهمون معنى أن يذكر الله لذاته لا لمصلحة .
و بنفس المعنى يقول الله للخاصة من أولى الألباب :
(˝ وَاتَّقُونِ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ˝ )
و يقول للعوام :
( ˝ فَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ ˝)
لأن العوام لا يردعهم إلا النار ، أما الخاصة فهم يعلمون أن الله أقوى من كل نار ، و أنه يستطيع أن يجعل النار برداً و سلاماً إن شاء .
و نجد مثل هذه الدقة البالغة في اختيار اللفظ في كلام إبليس حينما أقسم على ربه قائلاً :
أقسم إبليس بالعزة الإلهية و لم يقسم بغيرها ، فأثبت بذلك علمه و ذكاءه ، لأن هذه العزة الإلهية هي التي اقتضت استغناء الله عن خلقه ، فمن شاء فليؤمن و من شاء فليكفر، و لن يضروا الله شيئاً ، فهو العزيز عن خلقه ، الغني عن العالمين .
و يقول الله في حديثه القدسى :
(هؤلاء في النار و لا أبالي ، و هؤلاء في الجنة ولا أبالي )
و هذا مقتضى العزة الإلهية . وهي الثغرة الوحيدة التي يدخل منها إبليس ، فهو بها يستطيع أن يضل و يوسوس ، لأن الله لن يقهر أحداً اختار الكفر على الإيمان . و لهذا قال ˝فبعزتك ˝ لأغوينهم أجمعين .
( ˝ لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ ، ثُمَّ لَآتِيَنَّهُم مِّن بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَن شَمَائِلِهِمْ ˝)
ذكر الجهات الأربع ، و لم يذكر من فوقهم و لا من تحتهم . لأن ˝فوق ˝ الربوبية ، و ˝ تحت ˝ تواضع العبودية . و من لزم مكانه الأدنى من ربه الأعلى لن يستطيع الشيطان أن يدخل عليه .
ثم ذكر إبليس أن مقعده المفضل للإغواء سوف يكون الصراط المستقيم . على طريق الخير و على سجادة الصلاة ، لأن تارك الصلاة و السكير و العربيد ليس في حاجة إلى إبليس ليضله ، فقد تكفلت نفسه بإضلاله ، إنه إنسان خرب . و إبليس لص ذكي ، لا يحب أن يضيع وقته بأن يحوم حول البيوت الخربة .
مثال آخر من أمثلة الدقة القرآنية نجده في سبق المغفرة على العذاب و الرحمة على الغضب في القرآن . فالله في ˝الفاتحة˝ هو الرحمن الرحيم قبل أن يكون مالك يوم الدين . وهو دائماً يوصف بأنه يغفر لمن يشاء و يعذب من يشاء .. تأتى المغفرة أولاً قبل العذاب إلا في مكانين في آية قطع اليد :
فلا يقول فإنك أنت الغفور الرحيم تأدباً . و يذكر ألم العذاب قبل المغفرة . لعظم الإثم الذي وقعوا فيه .
و نجد هذه الدقة القرآنية مرة أخرى في تناول القرآن للزمن . فالمستقبل يأتي ذكره على لسان الخالق على أنه ماض . فأحداث يوم القيامة ترد كلها على أنها ماض :
و السر في ذلك أن كل الأحداث حاضرها و مستقبلها قد حدثت في علم الله و ليس عند الله زمن يحجب عنه المستقبل ، فهو سبحانه فوق الزمان والمكان ، و لهذا نقرأ العبارة القرآنية أحياناً فنجد أنها تتحدث عن زمانين مختلفين ، و تبدو في ظاهرها متناقضة مثل :
(˝ أَتَى أَمْرُ اللَّهِ فَلَا تَسْتَعْجِلُوهُ ˝)
فالأمر قد أتى و حدث في الماضي .
لكن الله يخاطب الناس بألا يستعجلوه كما لو كان مستقبلًا لم يحدث بعد . و السر كما شرحنا أنه حدث في علم الله ، لكنه لم يحدث بعد في علم الناس ، ولا تناقض . و إنما دقة و إحكام ، و خفاء و استسرار ، و صدق في المعاني العميقة .
هذه بعض الأمثلة للدقة البالغة و النحت المحكم في بناء العبارة القرآنية و في اختيار الألفاظ و استخدام الحروف لا زيادة و لا نقص ، و لا تقديم و لا تأخير ، إلا بحساب و ميزان ، و لا نعرف لذلك مثيلاً في تأليف أو كتاب مؤلف ، و لا نجده إلا في القرآن .
أما لمحات العلم فى القران وعجائب الآيات الكونية التى أتت
بالأسرار والخفايا التى لم تكتشف إلا فى عصرنا، والتى لم يعرفهامحمد
! ولا عصره فهى موضوع آخر يطول، وله جلسة أخرى .
من كتاب / حوار مع صديقي الملحد
للدكتور / مصطفى محمود( رحمه الله ). ❝