❞ قَالُوا يَا أَبَانَا إِنَّا ذَهَبْنَا نَسْتَبِقُ وَتَرَكْنَا يُوسُفَ عِندَ مَتَاعِنَا فَأَكَلَهُ الذِّئْبُ ۖ وَمَا أَنتَ بِمُؤْمِنٍ لَّنَا وَلَوْ كُنَّا صَادِقِينَ (17)
قوله تعالى : قالوا يا أبانا إنا ذهبنا نستبق وتركنا يوسف عند متاعنا فأكله الذئب وما أنت بمؤمن لنا ولو كنا صادقين فيه سبع مسائل الأولى : قوله تعالى : نستبق نفتعل ، من ، المسابقة . وقيل : أي ننتضل ; وكذا في قراءة عبد الله " إنا ذهبنا ننتضل " وهو نوع من المسابقة ; قاله الزجاج . وقال الأزهري : النضال في السهام ، والرهان في الخيل ، والمسابقة تجمعهما . قال القشيري أبو نصر : نستبق أي في الرمي ، أو على الفرس ; أو على الأقدام ; والغرض من المسابقة على الأقدام تدريب النفس على العدو ، لأنه الآلة في قتال العدو ، ودفع الذئب عن الأغنام . وقال السدي وابن حبان : نستبق نشتد جريا لنرى أينا أسبق . قال ابن العربي : المسابقة شرعة في الشريعة ، وخصلة بديعة ، وعون على الحرب ; وقد فعلها - صلى الله عليه وسلم - بنفسه وبخيله ، وسابق عائشة - رضي الله عنها - على قدميه فسبقها ; فلما كبر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سابقها فسبقته ; فقال لها : هذه بتلك .
قلت : وسابق سلمة بن الأكوع رجلا لما رجعوا من ذي قرد إلى المدينة فسبقه سلمة ; خرجه مسلم .
الثانية : وروى مالك عن نافع عن ابن عمر أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سابق بين الخيل التي قد أضمرت من الحفياء وكان أمدها ثنية الوداع ، وسابق بين الخيل التي لم تضمر من الثنية إلى مسجد بني زريق ، وأن عبد الله بن عمر كان ممن سابق بها ; وهذا الحديث مع صحته في هذا الباب تضمن ثلاثة شروط ; فلا تجوز المسابقة بدونها ، وهي : أن المسافة لا بد أن تكون معلومة . الثاني : أن تكون الخيل متساوية الأحوال . الثالث : ألا يسابق المضمر مع غير المضمر في أمد واحد وغاية واحدة . والخيل التي يجب أن تضمر ويسابق عليها ، وتقام هذه السنة فيها هي الخيل المعدة لجهاد العدو لا لقتال المسلمين في الفتن .
الثالثة : وأما المسابقة بالنصال والإبل ; فروى مسلم عن عبد الله بن عمرو قال : سافرنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فنزلنا منزلا فمنا من يصلح خباءه ، ومنا من ينتضل ، وذكر الحديث . وخرج النسائي عن أبي هريرة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : لا سبق إلا في نصل أو خف أو حافر . وثبت ذكر النصل من حديث ابن أبي ذئب عن نافع بن أبي نافع عن أبي هريرة ، ذكره النسائي ; وبه يقول فقهاء الحجاز والعراق . وروى البخاري عن أنس قال : كان للنبي - صلى الله عليه وسلم - ناقة تسمى العضباء لا تسبق - قال حميد : أو لا تكاد تسبق - فجاء أعرابي على قعود فسبقها ، فشق ذلك على المسلمين حتى عرفه ; فقال : حق على الله ألا يرتفع شيء من الدنيا إلا وضعه .
الرابعة : أجمع المسلمون على أن السبق لا يجوز على وجه الرهان إلا في الخف ، والحافر والنصل ; قال الشافعي : ما عدا هذه الثلاثة فالسبق فيها قمار . وقد زاد أبو البختري القاضي في حديث الخف والحافر والنصل " أو جناح " وهي لفظة وضعها للرشيد ، فترك العلماء حديثه لذلك ولغيره من موضوعاته ; فلا يكتب العلماء حديثه بحال . وقد روي عن مالك أنه قال : لا سبق إلا في الخيل والرمي ، لأنه قوة على أهل الحرب ; قال : وسبق الخيل أحب إلينا من سبق الرمي . وظاهر الحديث يسوي بين السبق على النجب والسبق على الخيل . وقد منع بعض العلماء الرهان في كل شيء إلا في الخيل ; لأنها التي كانت عادة العرب المراهنة عليها . وروي عن عطاء أن المراهنة في كل شيء جائزة ; وقد تؤول قوله ; لأن حمله على العموم في كل شيء يؤدي إلى إجازة القمار ، وهو محرم باتفاق .
الخامسة : لا يجوز السبق في الخيل والإبل إلا في غاية معلومة وأمد معلوم ، كما ذكرنا ، وكذلك الرمي لا يجوز السبق فيه إلا بغاية معلومة ورشق معلوم ، ونوع من الإصابة ; مشترط خسقا أو إصابة بغير شرط . والأسباق ثلاثة : سبق يعطيه الوالي أو الرجل غير الوالي من ماله متطوعا فيجعل للسابق شيئا معلوما ; فمن سبق أخذه . وسبق يخرجه أحد المتسابقين دون صاحبه ، فإن سبقه صاحبه أخذه ، وإن سبق هو صاحبه أخذه ، وحسن أن يمضيه في الوجه الذي أخرجه له ، ولا يرجع إلى ماله ; وهذا مما لا خلاف فيه . والسبق الثالث : اختلف فيه ; وهو أن يخرج كل واحد منهما شيئا مثل ما يخرجه صاحبه ، فأيهما سبق أحرز سبقه وسبق صاحبه ; وهذا الوجه لا يجوز حتى يدخلا بينهما محللا لا يأمنا أن يسبقهما ; فإن سبق المحلل أحرز السبقين جميعا وأخذهما وحده ، وإن سبق أحد المتسابقين أحرز سبقه وأخذ سبق صاحبه ; ولا شيء للمحلل فيه ، ولا شيء عليه . وإن سبق الثاني منهما الثالث كان كمن لم يسبق واحد منهما . وقال أبو علي بن خيران - من أصحاب الشافعي - : وحكم الفرس المحلل أن يكون مجهولا جريه ; وسمي محللا لأنه يحلل السبق للمتسابقين أو له . واتفق العلماء على أنه إن لم يكن بينهما محلل واشترط كل واحد من المتسابقين أنه إن سبق أخذ سبقه وسبق صاحبه أنه قمار ، ولا يجوز . وفي سنن أبي داود عن أبي هريرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : من أدخل فرسا بين فرسين وهو لا يأمن أن يسبق فليس بقمار ومن أدخله وهو يأمن أن يسبق فهو قمار . وفي الموطأ عن سعيد بن المسيب قال : ليس برهان الخيل بأس إذا دخل فيها محلل ، فإن سبق أخذ السبق ، وإن سبق لم يكن عليه شيء ; وبهذا قال الشافعي وجمهور أهل العلم . واختلف في ذلك قول مالك ; فقال مرة لا يجب المحلل في الخيل ، ولا نأخذ فيه بقول سعيد ، ثم قال : لا يجوز إلا بالمحلل ; وهو الأجود من قوله .
السادسة : ولا يحمل على الخيل والإبل في المسابقة إلا محتلم ، ولو ركبها أربابها كان أولى ; وقد روي عن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - أنه قال : لا يركب الخيل في السباق إلا أربابها . وقال الشافعي : وأقل السبق أن يسبق بالهادي أو بعضه ; أو بالكفل أو بعضه . والسبق من الرماة على هذا النحو عنده ; وقول محمد بن الحسن في هذا الباب نحو قول الشافعي .
السابعة : روي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه سابق أبا بكر وعمر - رضي الله عنهما - فسبق رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وصلى أبو بكر وثلث عمر ; ومعنى وصلى أبو بكر : يعني أن رأس فرسه كان عند صلا فرس رسول الله - صلى الله عليه وسلم - والصلوان موضع العجز .
قوله تعالى : وتركنا يوسف عند متاعنا أي عند ثيابنا وأقمشتنا حارسا لها .
فأكله الذئب وذلك أنهم لما سمعوا أباهم يقول : وأخاف أن يأكله الذئب أخذوا ذلك من فيه فتحرموا به ; لأنه كان أظهر المخاوف عليه .
وما أنت بمؤمن لنا أي بمصدق .
" ولو كنا " أي وإن كنا ; قاله المبرد وابن إسحاق . " صادقين " في قولنا ; ولم يصدقهم يعقوب لما ظهر له منهم من قوة التهمة وكثرة الأدلة على خلاف ما قالوه على ما يأتي بيانه . وقيل : ولو كنا صادقين أي ولو كنا عندك من أهل الثقة والصدق ما صدقتنا ، ولاتهمتنا في هذه القضية ، لشدة محبتك في يوسف ; قال معناه الطبري والزجاج وغيرهما .. ❝ ⏤محمد رشيد رضا
❞ قَالُوا يَا أَبَانَا إِنَّا ذَهَبْنَا نَسْتَبِقُ وَتَرَكْنَا يُوسُفَ عِندَ مَتَاعِنَا فَأَكَلَهُ الذِّئْبُ ۖ وَمَا أَنتَ بِمُؤْمِنٍ لَّنَا وَلَوْ كُنَّا صَادِقِينَ (17)
قوله تعالى : قالوا يا أبانا إنا ذهبنا نستبق وتركنا يوسف عند متاعنا فأكله الذئب وما أنت بمؤمن لنا ولو كنا صادقين فيه سبع مسائل الأولى : قوله تعالى : نستبق نفتعل ، من ، المسابقة . وقيل : أي ننتضل ; وكذا في قراءة عبد الله ˝ إنا ذهبنا ننتضل ˝ وهو نوع من المسابقة ; قاله الزجاج . وقال الأزهري : النضال في السهام ، والرهان في الخيل ، والمسابقة تجمعهما . قال القشيري أبو نصر : نستبق أي في الرمي ، أو على الفرس ; أو على الأقدام ; والغرض من المسابقة على الأقدام تدريب النفس على العدو ، لأنه الآلة في قتال العدو ، ودفع الذئب عن الأغنام . وقال السدي وابن حبان : نستبق نشتد جريا لنرى أينا أسبق . قال ابن العربي : المسابقة شرعة في الشريعة ، وخصلة بديعة ، وعون على الحرب ; وقد فعلها - صلى الله عليه وسلم - بنفسه وبخيله ، وسابق عائشة - رضي الله عنها - على قدميه فسبقها ; فلما كبر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سابقها فسبقته ; فقال لها : هذه بتلك .
قلت : وسابق سلمة بن الأكوع رجلا لما رجعوا من ذي قرد إلى المدينة فسبقه سلمة ; خرجه مسلم .
الثانية : وروى مالك عن نافع عن ابن عمر أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سابق بين الخيل التي قد أضمرت من الحفياء وكان أمدها ثنية الوداع ، وسابق بين الخيل التي لم تضمر من الثنية إلى مسجد بني زريق ، وأن عبد الله بن عمر كان ممن سابق بها ; وهذا الحديث مع صحته في هذا الباب تضمن ثلاثة شروط ; فلا تجوز المسابقة بدونها ، وهي : أن المسافة لا بد أن تكون معلومة . الثاني : أن تكون الخيل متساوية الأحوال . الثالث : ألا يسابق المضمر مع غير المضمر في أمد واحد وغاية واحدة . والخيل التي يجب أن تضمر ويسابق عليها ، وتقام هذه السنة فيها هي الخيل المعدة لجهاد العدو لا لقتال المسلمين في الفتن .
الثالثة : وأما المسابقة بالنصال والإبل ; فروى مسلم عن عبد الله بن عمرو قال : سافرنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فنزلنا منزلا فمنا من يصلح خباءه ، ومنا من ينتضل ، وذكر الحديث . وخرج النسائي عن أبي هريرة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : لا سبق إلا في نصل أو خف أو حافر . وثبت ذكر النصل من حديث ابن أبي ذئب عن نافع بن أبي نافع عن أبي هريرة ، ذكره النسائي ; وبه يقول فقهاء الحجاز والعراق . وروى البخاري عن أنس قال : كان للنبي - صلى الله عليه وسلم - ناقة تسمى العضباء لا تسبق - قال حميد : أو لا تكاد تسبق - فجاء أعرابي على قعود فسبقها ، فشق ذلك على المسلمين حتى عرفه ; فقال : حق على الله ألا يرتفع شيء من الدنيا إلا وضعه .
الرابعة : أجمع المسلمون على أن السبق لا يجوز على وجه الرهان إلا في الخف ، والحافر والنصل ; قال الشافعي : ما عدا هذه الثلاثة فالسبق فيها قمار . وقد زاد أبو البختري القاضي في حديث الخف والحافر والنصل ˝ أو جناح ˝ وهي لفظة وضعها للرشيد ، فترك العلماء حديثه لذلك ولغيره من موضوعاته ; فلا يكتب العلماء حديثه بحال . وقد روي عن مالك أنه قال : لا سبق إلا في الخيل والرمي ، لأنه قوة على أهل الحرب ; قال : وسبق الخيل أحب إلينا من سبق الرمي . وظاهر الحديث يسوي بين السبق على النجب والسبق على الخيل . وقد منع بعض العلماء الرهان في كل شيء إلا في الخيل ; لأنها التي كانت عادة العرب المراهنة عليها . وروي عن عطاء أن المراهنة في كل شيء جائزة ; وقد تؤول قوله ; لأن حمله على العموم في كل شيء يؤدي إلى إجازة القمار ، وهو محرم باتفاق .
الخامسة : لا يجوز السبق في الخيل والإبل إلا في غاية معلومة وأمد معلوم ، كما ذكرنا ، وكذلك الرمي لا يجوز السبق فيه إلا بغاية معلومة ورشق معلوم ، ونوع من الإصابة ; مشترط خسقا أو إصابة بغير شرط . والأسباق ثلاثة : سبق يعطيه الوالي أو الرجل غير الوالي من ماله متطوعا فيجعل للسابق شيئا معلوما ; فمن سبق أخذه . وسبق يخرجه أحد المتسابقين دون صاحبه ، فإن سبقه صاحبه أخذه ، وإن سبق هو صاحبه أخذه ، وحسن أن يمضيه في الوجه الذي أخرجه له ، ولا يرجع إلى ماله ; وهذا مما لا خلاف فيه . والسبق الثالث : اختلف فيه ; وهو أن يخرج كل واحد منهما شيئا مثل ما يخرجه صاحبه ، فأيهما سبق أحرز سبقه وسبق صاحبه ; وهذا الوجه لا يجوز حتى يدخلا بينهما محللا لا يأمنا أن يسبقهما ; فإن سبق المحلل أحرز السبقين جميعا وأخذهما وحده ، وإن سبق أحد المتسابقين أحرز سبقه وأخذ سبق صاحبه ; ولا شيء للمحلل فيه ، ولا شيء عليه . وإن سبق الثاني منهما الثالث كان كمن لم يسبق واحد منهما . وقال أبو علي بن خيران - من أصحاب الشافعي - : وحكم الفرس المحلل أن يكون مجهولا جريه ; وسمي محللا لأنه يحلل السبق للمتسابقين أو له . واتفق العلماء على أنه إن لم يكن بينهما محلل واشترط كل واحد من المتسابقين أنه إن سبق أخذ سبقه وسبق صاحبه أنه قمار ، ولا يجوز . وفي سنن أبي داود عن أبي هريرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : من أدخل فرسا بين فرسين وهو لا يأمن أن يسبق فليس بقمار ومن أدخله وهو يأمن أن يسبق فهو قمار . وفي الموطأ عن سعيد بن المسيب قال : ليس برهان الخيل بأس إذا دخل فيها محلل ، فإن سبق أخذ السبق ، وإن سبق لم يكن عليه شيء ; وبهذا قال الشافعي وجمهور أهل العلم . واختلف في ذلك قول مالك ; فقال مرة لا يجب المحلل في الخيل ، ولا نأخذ فيه بقول سعيد ، ثم قال : لا يجوز إلا بالمحلل ; وهو الأجود من قوله .
السادسة : ولا يحمل على الخيل والإبل في المسابقة إلا محتلم ، ولو ركبها أربابها كان أولى ; وقد روي عن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - أنه قال : لا يركب الخيل في السباق إلا أربابها . وقال الشافعي : وأقل السبق أن يسبق بالهادي أو بعضه ; أو بالكفل أو بعضه . والسبق من الرماة على هذا النحو عنده ; وقول محمد بن الحسن في هذا الباب نحو قول الشافعي .
السابعة : روي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه سابق أبا بكر وعمر - رضي الله عنهما - فسبق رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وصلى أبو بكر وثلث عمر ; ومعنى وصلى أبو بكر : يعني أن رأس فرسه كان عند صلا فرس رسول الله - صلى الله عليه وسلم - والصلوان موضع العجز .
قوله تعالى : وتركنا يوسف عند متاعنا أي عند ثيابنا وأقمشتنا حارسا لها .
فأكله الذئب وذلك أنهم لما سمعوا أباهم يقول : وأخاف أن يأكله الذئب أخذوا ذلك من فيه فتحرموا به ; لأنه كان أظهر المخاوف عليه .
وما أنت بمؤمن لنا أي بمصدق .
˝ ولو كنا ˝ أي وإن كنا ; قاله المبرد وابن إسحاق . ˝ صادقين ˝ في قولنا ; ولم يصدقهم يعقوب لما ظهر له منهم من قوة التهمة وكثرة الأدلة على خلاف ما قالوه على ما يأتي بيانه . وقيل : ولو كنا صادقين أي ولو كنا عندك من أهل الثقة والصدق ما صدقتنا ، ولاتهمتنا في هذه القضية ، لشدة محبتك في يوسف ; قال معناه الطبري والزجاج وغيرهما. ❝
❞ قَالُوا يَا ذَا الْقَرْنَيْنِ إِنَّ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ مُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ فَهَلْ نَجْعَلُ لَكَ خَرْجًا عَلَىٰ أَن تَجْعَلَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ سَدًّا (94)
قالوا ياذا القرنين أي قالت له أمة من الإنس صالحة .
إن يأجوج ومأجوج مفسدون في الأرض قال الأخفش : من همز يأجوج فجعل الألفين من الأصل يقول : يأجوج يفعول ومأجوج مفعول كأنه من أجيج النار . قال : ومن لا يهمز ويجعل الألفين زائدتين يقول : " ياجوج " من يججت وماجوج من مججت وهما غير مصروفين ; قال رؤبة :
لو أن ياجوج وماجوج معا وعاد عاد واستجاشوا تبعا
ذكره الجوهري . وقيل : إنما لم ينصرفا لأنهما اسمان أعجميان ، مثل طالوت وجالوت غير مشتقين ; علتاهما في منع الصرف العجمة والتعريف والتأنيث . وقالت فرقة : هو معرب من أج وأجج علتاهما في منع الصرف التعريف والتأنيث . وقال أبو علي : يجوز أن يكونا عربيين ; فمن همز يأجوج فهو على وزن يفعول مثل يربوع ، من قولك أجت النار أي ضويت ، ومنه الأجيج ، ومنه ملح أجاج ، ومن لم يهمز أمكن أن يكون خفف الهمزة فقلبها ألفا مثل رأس ، وأما مأجوج فهو مفعول من أج ، والكلمتان من أصل واحد في الاشتقاق ومن لم يهمز فيجوز أن يكون خفف الهمزة ، ويجوز أن يكون فاعولا من مج ، وترك الصرف فيهما للتأنيث والتعريف كأنه اسم للقبيلة . واختلف في إفسادهم ; سعيد بن عبد العزيز : إفسادهم أكل بني آدم . وقالت فرقة : إفسادهم إنما كان متوقعا ، أي سيفسدون ، فطلبوا وجه التحرز منهم . وقالت فرقة : إفسادهم هو الظلم والغشم والقتل وسائر وجوه الإفساد المعلوم من البشر ، والله أعلم . وقد وردت أخبار بصفتهم وخروجهم وأنهم ولد يافث . روى أبو هريرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : ولد لنوح سام وحام ويافث فولد سام العرب وفارس والروم والخير فيهم وولد يافث يأجوج ومأجوج والترك والصقالبة ولا خير فيهم وولد حام القبط والبربر والسودان . وقال كعب الأحبار : احتلم آدم - عليه السلام - فاختلط ماؤه بالتراب فأسف فخلقوا من ذلك الماء ، فهم متصلون بنا من جهة الأب لا من جهة الأم . وهذا فيه نظر ; لأن الأنبياء - صلوات الله عليهم - لا يحتلمون ، وإنما هم من ولد يافث ، وكذلك قال مقاتل وغيره . وروى أبو سعيد الخدري عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال : لا يموت رجل منهم حتى يولد لصلبه ألف رجل . يعني يأجوج ومأجوج . وقال أبو سعيد : هم خمس وعشرون قبيلة من وراء يأجوج ومأجوج لا يموت الرجل من هؤلاء ومن يأجوج ومأجوج حتى يخرج من صلبه ألف رجل ذكره القشيري . وقال عبد الله بن مسعود : سألت النبي - صلى الله عليه وسلم - عن يأجوج ومأجوج ، فقال - عليه الصلاة والسلام - : يأجوج ومأجوج أمتان كل أمة أربعمائة ألف أمة كل أمة لا يعلم عددها إلا الله لا يموت الرجل منهم حتى يولد له ألف ذكر من صلبه كلهم قد حمل السلاح قيل : يا رسول الله صفهم لنا . قال : ( هم ثلاثة أصناف صنف منهم أمثال الأرز - شجر بالشام طول الشجرة عشرون ومائة ذراع - وصنف عرضه وطوله سواء نحوا من الذراع وصنف يفترش أذنه ويلتحف بالأخرى لا يمرون بفيل ولا وحش ولا خنزير إلا أكلوه ويأكلون من مات منهم مقدمتهم بالشام وساقتهم بخراسان يشربون أنهار الشرق وبحيرة طبرية فيمنعهم الله من مكة والمدينة وبيت المقدس . وقال علي - رضي الله - تعالى - عنه - : ( وصنف منهم في طول شبر ، لهم مخالب وأنياب السباع ، وتداعي الحمام ، وتسافد البهائم ، وعواء الذئاب ، وشعور تقيهم الحر والبرد ، وأذان عظام إحداها وبرة يشتون فيها ، والأخرى جلدة يصيفون فيها ، ويحفرون السد حتى كادوا ينقبونه فيعيده الله كما كان ، فيقولون : ننقبه غدا إن شاء الله - تعالى - فينقبونه ويخرجون ، ويتحصن الناس بالحصون ، فيرمون إلى السماء فيرد السهم عليهم ملطخا بالدم ، ثم يهلكهم الله - تعالى - بالنغف في رقابهم ) . ذكره الغزنوي . وقال علي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - : يأجوج أمة لها أربعمائة أمير وكذا مأجوج لا يموت أحدهم حتى ينظر إلى ألف فارس من ولده .
قلت : وقد جاء مرفوعا من حديث أبي هريرة ، خرجه ابن ماجه في السنن قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : إن يأجوج ومأجوج يحفران كل يوم حتى إذا كادوا يرون شعاع الشمس قال الذي عليهم ارجعوا فستحفرونه غدا فيعيده الله أشد ما كان حتى إذا بلغت مدتهم وأراد الله - تعالى - أن يبعثهم على الناس حفروا حتى إذا كادوا يرون شعاع الشمس قال ارجعوا فستحفرونه غدا إن شاء الله - تعالى - فاستثنوا فيعودون إليه وهو كهيئته حين تركوه فيحفرونه ويخرجون على الناس فينشفون الماء ويتحصن الناس منهم في حصونهم فيرمون بسهامهم إلى السماء فيرجع عليها الدم - الذي أحفظ - فيقولون قهرنا أهل الأرض وعلونا أهل السماء فيبعث الله - تعالى - عليهم نغفا في أقفائهم فيقتلهم بها قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : والذي نفسي بيده إن دواب الأرض لتسمن وتشكر شكرا من لحومهم قال الجوهري شكرت الناقة تشكر شكرا فهي شكرة ; وأشكر الضرع امتلأ لبنا .
وقال وهب بن منبه : رآهم ذو القرنين ، وطول الواحد منهم مثل نصف الرجل المربوع منا ، لهم مخاليب في مواضع الأظفار وأضراس وأنياب كالسباع ، وأحناك كأحناك الإبل ، وهم هلب عليهم من الشعر ما يواريهم ، ولكل واحد منهم أذنان عظيمتان ، يلتحف إحداهما ويفترش الأخرى ، وكل واحد منهم قد عرف أجله لا يموت حتى يخرج له من صلبه ألف رجل إن كان ذكرا ، ومن رحمها ألف أنثى إن كانت أنثى . وقال السدي والضحاك : الترك شرذمة من يأجوج ومأجوج خرجت تغير ، فجاء ذو القرنين فضرب السد فبقيت في هذا الجانب . قال السدي : بني السد على إحدى وعشرين قبيلة ، وبقيت منهم قبيلة واحدة دون السد فهم الترك . وقاله قتادة .
قلت : وإذا كان هذا ، فقد نعت النبي - صلى الله عليه وسلم - الترك كما نعت يأجوج ومأجوج ، فقال - عليه الصلاة والسلام - : لا تقوم الساعة حتى يقاتل المسلمون الترك قوما وجوههم كالمجان المطرقة يلبسون الشعر ويمشون في الشعر في رواية ينتعلون الشعر خرجه مسلم وأبو داود وغيرهما . ولما علم النبي - صلى الله عليه وسلم - عددهم وكثرتهم وحدة شوكتهم قال - عليه الصلاة والسلام - : اتركوا الترك ما تركوكم . وقد خرج منهم في هذا الوقت أمم لا يحصيهم إلا الله - تعالى - ، ولا يردهم عن المسلمين إلا الله - تعالى - ، حتى كأنهم يأجوج ومأجوج أو مقدمتهم . وروى أبو داود عن أبي بكرة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : ينزل ناس من أمتي بغائط يسمونه البصرة عند نهر يقال له دجلة يكون عليه جسر يكثر أهلها وتكون من أمصار المهاجرين - قال ابن يحيى قال أبو معمر وتكون من أمصار المسلمين فإذا كان في آخر الزمان جاء بنو قنطوراء عراض الوجوه صغار الأعين حتى ينزلوا على شاطئ النهر فيتفرق أهلها ثلاث فرق فرقة يأخذون أذناب البقر والبرية وهلكوا وفرقة يأخذون لأنفسهم وكفروا وفرقة يجعلون ذراريهم خلف ظهورهم ويقاتلونهم وهم الشهداء الغائط المطمئن من الأرض والبصرة الحجارة الرخوة وبها سميت البصرة وبنو قنطوراء هم الترك يقال : إن قنطوراء اسم جارية كانت لإبراهيم - صلوات الله وسلامه عليه - ، ولدت له أولادا جاء من نسلهم الترك .
قوله تعالى : فهل نجعل لك خرجا على أن تجعل بيننا وبينهم سدا
فيه مسألتان :
الأولى : قوله تعالى : فهل نجعل لك خرجا استفهام على جهة حسن الأدب خرجا أي جعلا وقرئ " خراجا " والخرج أخص من الخراج يقال : أد خرج رأسك وخراج مدينتك وقال الأزهري : الخراج يقع على الضريبة ، ويقع على مال الفيء ، ويقع على الجزية وعلى الغلة والخراج اسم لما يخرج من الفرائض في الأموال . والخرج : المصدر .
وقوله تعالى : على أن تجعل بيننا وبينهم سدا أي ردما ; والردم ما جعل بعضه على بعض حتى يتصل وثوب مردم أي مرقع ، قاله الهروي يقال : ردمت الثلمة أردمها بالكسر ردما أي سددتها والردم أيضا الاسم وهو السد وقيل : الردم أبلغ من السد إذ السد كل ما يسد به والردم وضع الشيء على الشيء من حجارة أو تراب أو نحوه حتى يقوم من ذلك حجاب منيع ومنه ردم ثوبه إذا رقعه برقاع متكاثفة بعضها فوق بعض ومنه قول عنترة :
هل غادر الشعراء من متردم
أي من قول يركب بعضه على بعض . وقرئ سدا بالفتح في السين ، فقال الخليل وسيبويه : الضم هو الاسم والفتح المصدر . وقال الكسائي : الفتح والضم لغتان بمعنى واحد وقال عكرمة وأبو عمرو بن العلاء وأبو عبيدة : ما كان من خلقة الله لم يشاركه فيه أحد بعمل فهو بالضم ، وما كان من صنع البشر فهو بالفتح . ويلزم أهل هذه المقالة أن يقرءوا سدا بالفتح وقبله بين السدين بالضم ، وهي قراءة حمزة والكسائي . وقال أبو حاتم عن ابن عباس وعكرمة عكس ما قال أبو عبيدة . وقال ابن أبي إسحاق : ما رأته عيناك فهو سد بالضم وما لا ترى فهو سد بالفتح .
الثانية : في هذه الآية دليل على اتخاذ السجون ، وحبس أهل الفساد فيها ، ومنعهم من التصرف لما يريدونه ، ولا يتركون وما هم عليه ، بل يوجعون ضربا ويحبسون أو يكلفون ويطلقون كما فعل عمر - رضي الله عنه - .. ❝ ⏤محمد بن صالح العثيمين
❞ قَالُوا يَا ذَا الْقَرْنَيْنِ إِنَّ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ مُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ فَهَلْ نَجْعَلُ لَكَ خَرْجًا عَلَىٰ أَن تَجْعَلَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ سَدًّا (94)
قالوا ياذا القرنين أي قالت له أمة من الإنس صالحة .
إن يأجوج ومأجوج مفسدون في الأرض قال الأخفش : من همز يأجوج فجعل الألفين من الأصل يقول : يأجوج يفعول ومأجوج مفعول كأنه من أجيج النار . قال : ومن لا يهمز ويجعل الألفين زائدتين يقول : " ياجوج " من يججت وماجوج من مججت وهما غير مصروفين ; قال رؤبة :
لو أن ياجوج وماجوج معا وعاد عاد واستجاشوا تبعا
ذكره الجوهري . وقيل : إنما لم ينصرفا لأنهما اسمان أعجميان ، مثل طالوت وجالوت غير مشتقين ; علتاهما في منع الصرف العجمة والتعريف والتأنيث . وقالت فرقة : هو معرب من أج وأجج علتاهما في منع الصرف التعريف والتأنيث . وقال أبو علي : يجوز أن يكونا عربيين ; فمن همز يأجوج فهو على وزن يفعول مثل يربوع ، من قولك أجت النار أي ضويت ، ومنه الأجيج ، ومنه ملح أجاج ، ومن لم يهمز أمكن أن يكون خفف الهمزة فقلبها ألفا مثل رأس ، وأما مأجوج فهو مفعول من أج ، والكلمتان من أصل واحد في الاشتقاق ومن لم يهمز فيجوز أن يكون خفف الهمزة ، ويجوز أن يكون فاعولا من مج ، وترك الصرف فيهما للتأنيث والتعريف كأنه اسم للقبيلة . واختلف في إفسادهم ; سعيد بن عبد العزيز : إفسادهم أكل بني آدم . وقالت فرقة : إفسادهم إنما كان متوقعا ، أي سيفسدون ، فطلبوا وجه التحرز منهم . وقالت فرقة : إفسادهم هو الظلم والغشم والقتل وسائر وجوه الإفساد المعلوم من البشر ، والله أعلم . وقد وردت أخبار بصفتهم وخروجهم وأنهم ولد يافث . روى أبو هريرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : ولد لنوح سام وحام ويافث فولد سام العرب وفارس والروم والخير فيهم وولد يافث يأجوج ومأجوج والترك والصقالبة ولا خير فيهم وولد حام القبط والبربر والسودان . وقال كعب الأحبار : احتلم آدم - عليه السلام - فاختلط ماؤه بالتراب فأسف فخلقوا من ذلك الماء ، فهم متصلون بنا من جهة الأب لا من جهة الأم . وهذا فيه نظر ; لأن الأنبياء - صلوات الله عليهم - لا يحتلمون ، وإنما هم من ولد يافث ، وكذلك قال مقاتل وغيره . وروى أبو سعيد الخدري عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال : لا يموت رجل منهم حتى يولد لصلبه ألف رجل . يعني يأجوج ومأجوج . وقال أبو سعيد : هم خمس وعشرون قبيلة من وراء يأجوج ومأجوج لا يموت الرجل من هؤلاء ومن يأجوج ومأجوج حتى يخرج من صلبه ألف رجل ذكره القشيري . وقال عبد الله بن مسعود : سألت النبي - صلى الله عليه وسلم - عن يأجوج ومأجوج ، فقال - عليه الصلاة والسلام - : يأجوج ومأجوج أمتان كل أمة أربعمائة ألف أمة كل أمة لا يعلم عددها إلا الله لا يموت الرجل منهم حتى يولد له ألف ذكر من صلبه كلهم قد حمل السلاح قيل : يا رسول الله صفهم لنا . قال : ( هم ثلاثة أصناف صنف منهم أمثال الأرز - شجر بالشام طول الشجرة عشرون ومائة ذراع - وصنف عرضه وطوله سواء نحوا من الذراع وصنف يفترش أذنه ويلتحف بالأخرى لا يمرون بفيل ولا وحش ولا خنزير إلا أكلوه ويأكلون من مات منهم مقدمتهم بالشام وساقتهم بخراسان يشربون أنهار الشرق وبحيرة طبرية فيمنعهم الله من مكة والمدينة وبيت المقدس . وقال علي - رضي الله - تعالى - عنه - : ( وصنف منهم في طول شبر ، لهم مخالب وأنياب السباع ، وتداعي الحمام ، وتسافد البهائم ، وعواء الذئاب ، وشعور تقيهم الحر والبرد ، وأذان عظام إحداها وبرة يشتون فيها ، والأخرى جلدة يصيفون فيها ، ويحفرون السد حتى كادوا ينقبونه فيعيده الله كما كان ، فيقولون : ننقبه غدا إن شاء الله - تعالى - فينقبونه ويخرجون ، ويتحصن الناس بالحصون ، فيرمون إلى السماء فيرد السهم عليهم ملطخا بالدم ، ثم يهلكهم الله - تعالى - بالنغف في رقابهم ) . ذكره الغزنوي . وقال علي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - : يأجوج أمة لها أربعمائة أمير وكذا مأجوج لا يموت أحدهم حتى ينظر إلى ألف فارس من ولده .
قلت : وقد جاء مرفوعا من حديث أبي هريرة ، خرجه ابن ماجه في السنن قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : إن يأجوج ومأجوج يحفران كل يوم حتى إذا كادوا يرون شعاع الشمس قال الذي عليهم ارجعوا فستحفرونه غدا فيعيده الله أشد ما كان حتى إذا بلغت مدتهم وأراد الله - تعالى - أن يبعثهم على الناس حفروا حتى إذا كادوا يرون شعاع الشمس قال ارجعوا فستحفرونه غدا إن شاء الله - تعالى - فاستثنوا فيعودون إليه وهو كهيئته حين تركوه فيحفرونه ويخرجون على الناس فينشفون الماء ويتحصن الناس منهم في حصونهم فيرمون بسهامهم إلى السماء فيرجع عليها الدم - الذي أحفظ - فيقولون قهرنا أهل الأرض وعلونا أهل السماء فيبعث الله - تعالى - عليهم نغفا في أقفائهم فيقتلهم بها قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : والذي نفسي بيده إن دواب الأرض لتسمن وتشكر شكرا من لحومهم قال الجوهري شكرت الناقة تشكر شكرا فهي شكرة ; وأشكر الضرع امتلأ لبنا .
وقال وهب بن منبه : رآهم ذو القرنين ، وطول الواحد منهم مثل نصف الرجل المربوع منا ، لهم مخاليب في مواضع الأظفار وأضراس وأنياب كالسباع ، وأحناك كأحناك الإبل ، وهم هلب عليهم من الشعر ما يواريهم ، ولكل واحد منهم أذنان عظيمتان ، يلتحف إحداهما ويفترش الأخرى ، وكل واحد منهم قد عرف أجله لا يموت حتى يخرج له من صلبه ألف رجل إن كان ذكرا ، ومن رحمها ألف أنثى إن كانت أنثى . وقال السدي والضحاك : الترك شرذمة من يأجوج ومأجوج خرجت تغير ، فجاء ذو القرنين فضرب السد فبقيت في هذا الجانب . قال السدي : بني السد على إحدى وعشرين قبيلة ، وبقيت منهم قبيلة واحدة دون السد فهم الترك . وقاله قتادة .
قلت : وإذا كان هذا ، فقد نعت النبي - صلى الله عليه وسلم - الترك كما نعت يأجوج ومأجوج ، فقال - عليه الصلاة والسلام - : لا تقوم الساعة حتى يقاتل المسلمون الترك قوما وجوههم كالمجان المطرقة يلبسون الشعر ويمشون في الشعر في رواية ينتعلون الشعر خرجه مسلم وأبو داود وغيرهما . ولما علم النبي - صلى الله عليه وسلم - عددهم وكثرتهم وحدة شوكتهم قال - عليه الصلاة والسلام - : اتركوا الترك ما تركوكم . وقد خرج منهم في هذا الوقت أمم لا يحصيهم إلا الله - تعالى - ، ولا يردهم عن المسلمين إلا الله - تعالى - ، حتى كأنهم يأجوج ومأجوج أو مقدمتهم . وروى أبو داود عن أبي بكرة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : ينزل ناس من أمتي بغائط يسمونه البصرة عند نهر يقال له دجلة يكون عليه جسر يكثر أهلها وتكون من أمصار المهاجرين - قال ابن يحيى قال أبو معمر وتكون من أمصار المسلمين فإذا كان في آخر الزمان جاء بنو قنطوراء عراض الوجوه صغار الأعين حتى ينزلوا على شاطئ النهر فيتفرق أهلها ثلاث فرق فرقة يأخذون أذناب البقر والبرية وهلكوا وفرقة يأخذون لأنفسهم وكفروا وفرقة يجعلون ذراريهم خلف ظهورهم ويقاتلونهم وهم الشهداء الغائط المطمئن من الأرض والبصرة الحجارة الرخوة وبها سميت البصرة وبنو قنطوراء هم الترك يقال : إن قنطوراء اسم جارية كانت لإبراهيم - صلوات الله وسلامه عليه - ، ولدت له أولادا جاء من نسلهم الترك .
قوله تعالى : فهل نجعل لك خرجا على أن تجعل بيننا وبينهم سدا
فيه مسألتان :
الأولى : قوله تعالى : فهل نجعل لك خرجا استفهام على جهة حسن الأدب خرجا أي جعلا وقرئ " خراجا " والخرج أخص من الخراج يقال : أد خرج رأسك وخراج مدينتك وقال الأزهري : الخراج يقع على الضريبة ، ويقع على مال الفيء ، ويقع على الجزية وعلى الغلة والخراج اسم لما يخرج من الفرائض في الأموال . والخرج : المصدر .
وقوله تعالى : على أن تجعل بيننا وبينهم سدا أي ردما ; والردم ما جعل بعضه على بعض حتى يتصل وثوب مردم أي مرقع ، قاله الهروي يقال : ردمت الثلمة أردمها بالكسر ردما أي سددتها والردم أيضا الاسم وهو السد وقيل : الردم أبلغ من السد إذ السد كل ما يسد به والردم وضع الشيء على الشيء من حجارة أو تراب أو نحوه حتى يقوم من ذلك حجاب منيع ومنه ردم ثوبه إذا رقعه برقاع متكاثفة بعضها فوق بعض ومنه قول عنترة :
هل غادر الشعراء من متردم
أي من قول يركب بعضه على بعض . وقرئ سدا بالفتح في السين ، فقال الخليل وسيبويه : الضم هو الاسم والفتح المصدر . وقال الكسائي : الفتح والضم لغتان بمعنى واحد وقال عكرمة وأبو عمرو بن العلاء وأبو عبيدة : ما كان من خلقة الله لم يشاركه فيه أحد بعمل فهو بالضم ، وما كان من صنع البشر فهو بالفتح . ويلزم أهل هذه المقالة أن يقرءوا سدا بالفتح وقبله بين السدين بالضم ، وهي قراءة حمزة والكسائي . وقال أبو حاتم عن ابن عباس وعكرمة عكس ما قال أبو عبيدة . وقال ابن أبي إسحاق : ما رأته عيناك فهو سد بالضم وما لا ترى فهو سد بالفتح .
الثانية : في هذه الآية دليل على اتخاذ السجون ، وحبس أهل الفساد فيها ، ومنعهم من التصرف لما يريدونه ، ولا يتركون وما هم عليه ، بل يوجعون ضربا ويحبسون أو يكلفون ويطلقون كما فعل عمر - رضي الله عنه -. ❝
❞ الفصل الأول:
˝مريم كانت دايمًا بتقول إنها بتحلم تعيش قصة حب زي الحكايات. لما شافت أحمد لأول مرة، حسّت إنه الشخص اللي ممكن تحقق معاه الحلم ده. أحمد، شاب وسيم، طويل، وعيونه البنية كانت دايمًا مليانة حزن ما حدش يعرف سببه.
أهله لما تقدموا كان فيه كلام كتير حوالين وضعه... إنه أخرس، وما بيتكلمش بسبب حاجة حصلتله زمان، لكن مريم كانت شايفة حاجة تانية. شافت طيبة وشهامة في تصرفاته، شافت نظرة احترام واهتمام في عينيه. وهي في الآخر اللي قالت لأهلها:
– ˝أنا عايزة أتجوزه!˝
الكل كان مستغرب. ليه بنت لسه صغيرة، لسه مدخلتش الجامعة، تقرر تتجوز بالطريقة دي؟ بس مريم كان عندها سببها:
– ˝أنا مش هلاقي حد زيه، وعايزة أبدأ حياتي معاه.˝
بدأوا حياتهم مع بعض في شقة صغيرة، قريب من الجامعة اللي لسه مريم هتدخلها، واللي أحمد بيشتغل في البرمجة فيها. في الأول كان فيه حاجز بينهم، مش عشان هو ما بيتكلمش، لكن عشان مريم كانت لسه بتتعرف على عالم
> في أول يوم ليها في الكلية، أحمد أصر يوصلها. هو كان دايمًا حريص عليها، مش بالكلام، لأن الكلام مش موجود، لكن بتصرفاته اللي كانت بتقول كل حاجة.
لما وصلوا قدام الكلية، مريم حست بنظرات البنات حواليها. أحمد كان ملفت... وسيم، ولبسه مرتب، ورغم إنه ما بيتكلمش، كان فيه هدوء وثقة في كل خطوة.
– ˝استناني هنا، هخلص أوراقي بسرعة.˝
أحمد هز رأسه بابتسامة بسيطة، وقف مستني عند البوابة. مريم دخلت بسرعة وهي بتحاول تبان طبيعية، لكنها كانت حاسة بفخر إن الشخص ده جوزها.
بعد ما خلصت أوراقها وطلعت، لقيته زي ما هو، بنفس الهدوء مستنيها. لما قربت منه، شاور لها على الكافيتيريا القريبة، كأن بيقولها: ˝تحبي تشربي حاجة قبل ما نمشي؟˝
قعدوا مع بعض، وهي بتحكي له عن الكلية وأقسامها، وهو بيكتب ملاحظات على الموبايل عشان يشاركها في الكلام. الموبايل كان طريقته الوحيدة للتواصل معاها، لكنه كان دايمًا بيعرف يعبر أكتر من ناس كتير بتتكلم طول اليوم.
الأيام بدأت تعدي، وكل يوم كان فيه حاجة جديدة بينهم. في البداية، مريم كانت متوترة، خصوصًا لما كانت بتحس إن كل حاجة في حياتها اتغيرت فجأة. لكنها ما قدرتش تمنع نفسها من الإعجاب بأحمد. كان دايمًا بيحاول يسهل عليها أي حاجة، حتى في البيت كان بيشاركها في ترتيب الشقة وتحضير الأكل.
في يوم، بعد ما رجعوا من الكلية، مريم قررت تسأله:
– ˝أحمد، إنت إيه اللي خلاك تختار البرمجة؟˝
وقف لحظة، كأنه بيفكر يجاوب إزاي. بعدين كتب على الموبايل:
– ˝كنت عايز أكون دكتور، بس الظروف ما ساعدتنيش.˝
رد بسيط، لكن مريم حسّت بعمق الحزن اللي في كلماته. رغم كده، ما حاولتش تضغط عليه عشان تعرف أكتر. كانت حاسة إنه محتاج وقت عشان يفتح لها قلبه بالكامل.
مع الوقت، العلاقة بينهم كانت بتقوى. أحمد كان بيحاول يكون معاها في كل حاجة تخص الكلية، وكان بيستناها بعد المحاضرات ويشتري لها أي حاجة تحبها.
> في ليلة هادية، كانوا قاعدين على البلكونة الصغيرة اللي في شقتهم. مريم كانت بتذاكر، وأحمد قاعد جنبها بيشتغل على اللابتوب بتاعه. فجأة، الكهرباء قطعت، والدنيا بقت ضلمة تمامًا.
– ˝أحمد، فين الموبايل بتاعك؟˝ قالتها وهي بتحاول تمسك حاجة في الضلمة.
أحمد شاور لها بهدوء على مكانه، وبعد ما شغلت الكشاف، نور وشه بطريقة غريبة. مريم فضلت تبصله للحظة، ما قدرتش تمنع نفسها من الإحساس اللي جواها. كان وسيم جدًا، والطريقة اللي كان بيبصلها بيها، كأن عنيه بتحكي كلام ما قالتوش أبدًا.
فجأة، الكهربا رجعت، وفضلوا ساكتين للحظة. أحمد كتب بسرعة على الموبايل:
– ˝خايفة من الضلمة؟˝
مريم ضحكت وقالت:
– ˝لا، مش من الضلمة... بس ساعات بحس إنك بتقول حاجات من غير ما تتكلم.˝
أحمد ابتسم، ابتسامة كانت مختلفة. كأن فيها وعد أو إحساس جديد. قرب منها بهدوء، ومسك الكراسة بتاعتها، وكتب بخط صغير في جنب الصفحة:
– ˝أنا هنا، لو احتجتيني.˝
مريم بصت للكلام، وحست إنها لأول مرة فاهمة مشاعره. كانت بتقرأ حاجة في عينيه، وفي تصرفاته، وبدأت تحس إن الجواز اللي بدأ مجرد اتفاق، ممكن يكون بداية لحب حقيقي.
في نفس الليلة، وهي بتجمع كتبها عشان تروح تنام، أحمد مسك إيدها لأول مرة بشكل مختلف. كان لمس بسيط، لكن مليان معاني. مريم ما قدرتش تنطق، لكنها بصت له، وعنيهم اتحاورت.
فجأة، صوت رسالة جه على تليفونه، أحمد شاف الرسالة، ملامحه اتغيرت، وراح بسرعة على اللابتوب.
مريم قالت:
– ˝فيه حاجة؟˝
لكنه ما ردش، وكان واضح إنه قلق. وقف بسرعة ولبس، وكتب لها على الموبايل:
– ˝استنيني هنا... لازم أروح.˝
خرج بسرعة، وسيبها واقفة في نص الشقة، مش فاهمة حاجة.. ❝ ⏤ساره جمال
❞ الفصل الأول:
˝مريم كانت دايمًا بتقول إنها بتحلم تعيش قصة حب زي الحكايات. لما شافت أحمد لأول مرة، حسّت إنه الشخص اللي ممكن تحقق معاه الحلم ده. أحمد، شاب وسيم، طويل، وعيونه البنية كانت دايمًا مليانة حزن ما حدش يعرف سببه.
أهله لما تقدموا كان فيه كلام كتير حوالين وضعه.. إنه أخرس، وما بيتكلمش بسبب حاجة حصلتله زمان، لكن مريم كانت شايفة حاجة تانية. شافت طيبة وشهامة في تصرفاته، شافت نظرة احترام واهتمام في عينيه. وهي في الآخر اللي قالت لأهلها:
– ˝أنا عايزة أتجوزه!˝
الكل كان مستغرب. ليه بنت لسه صغيرة، لسه مدخلتش الجامعة، تقرر تتجوز بالطريقة دي؟ بس مريم كان عندها سببها:
– ˝أنا مش هلاقي حد زيه، وعايزة أبدأ حياتي معاه.˝
بدأوا حياتهم مع بعض في شقة صغيرة، قريب من الجامعة اللي لسه مريم هتدخلها، واللي أحمد بيشتغل في البرمجة فيها. في الأول كان فيه حاجز بينهم، مش عشان هو ما بيتكلمش، لكن عشان مريم كانت لسه بتتعرف على عالم
> في أول يوم ليها في الكلية، أحمد أصر يوصلها. هو كان دايمًا حريص عليها، مش بالكلام، لأن الكلام مش موجود، لكن بتصرفاته اللي كانت بتقول كل حاجة.
لما وصلوا قدام الكلية، مريم حست بنظرات البنات حواليها. أحمد كان ملفت.. وسيم، ولبسه مرتب، ورغم إنه ما بيتكلمش، كان فيه هدوء وثقة في كل خطوة.
– ˝استناني هنا، هخلص أوراقي بسرعة.˝
أحمد هز رأسه بابتسامة بسيطة، وقف مستني عند البوابة. مريم دخلت بسرعة وهي بتحاول تبان طبيعية، لكنها كانت حاسة بفخر إن الشخص ده جوزها.
بعد ما خلصت أوراقها وطلعت، لقيته زي ما هو، بنفس الهدوء مستنيها. لما قربت منه، شاور لها على الكافيتيريا القريبة، كأن بيقولها: ˝تحبي تشربي حاجة قبل ما نمشي؟˝
قعدوا مع بعض، وهي بتحكي له عن الكلية وأقسامها، وهو بيكتب ملاحظات على الموبايل عشان يشاركها في الكلام. الموبايل كان طريقته الوحيدة للتواصل معاها، لكنه كان دايمًا بيعرف يعبر أكتر من ناس كتير بتتكلم طول اليوم.
الأيام بدأت تعدي، وكل يوم كان فيه حاجة جديدة بينهم. في البداية، مريم كانت متوترة، خصوصًا لما كانت بتحس إن كل حاجة في حياتها اتغيرت فجأة. لكنها ما قدرتش تمنع نفسها من الإعجاب بأحمد. كان دايمًا بيحاول يسهل عليها أي حاجة، حتى في البيت كان بيشاركها في ترتيب الشقة وتحضير الأكل.
في يوم، بعد ما رجعوا من الكلية، مريم قررت تسأله:
– ˝أحمد، إنت إيه اللي خلاك تختار البرمجة؟˝
وقف لحظة، كأنه بيفكر يجاوب إزاي. بعدين كتب على الموبايل:
– ˝كنت عايز أكون دكتور، بس الظروف ما ساعدتنيش.˝
رد بسيط، لكن مريم حسّت بعمق الحزن اللي في كلماته. رغم كده، ما حاولتش تضغط عليه عشان تعرف أكتر. كانت حاسة إنه محتاج وقت عشان يفتح لها قلبه بالكامل.
مع الوقت، العلاقة بينهم كانت بتقوى. أحمد كان بيحاول يكون معاها في كل حاجة تخص الكلية، وكان بيستناها بعد المحاضرات ويشتري لها أي حاجة تحبها.
> في ليلة هادية، كانوا قاعدين على البلكونة الصغيرة اللي في شقتهم. مريم كانت بتذاكر، وأحمد قاعد جنبها بيشتغل على اللابتوب بتاعه. فجأة، الكهرباء قطعت، والدنيا بقت ضلمة تمامًا.
– ˝أحمد، فين الموبايل بتاعك؟˝ قالتها وهي بتحاول تمسك حاجة في الضلمة.
أحمد شاور لها بهدوء على مكانه، وبعد ما شغلت الكشاف، نور وشه بطريقة غريبة. مريم فضلت تبصله للحظة، ما قدرتش تمنع نفسها من الإحساس اللي جواها. كان وسيم جدًا، والطريقة اللي كان بيبصلها بيها، كأن عنيه بتحكي كلام ما قالتوش أبدًا.
فجأة، الكهربا رجعت، وفضلوا ساكتين للحظة. أحمد كتب بسرعة على الموبايل:
– ˝خايفة من الضلمة؟˝
مريم ضحكت وقالت:
– ˝لا، مش من الضلمة.. بس ساعات بحس إنك بتقول حاجات من غير ما تتكلم.˝
أحمد ابتسم، ابتسامة كانت مختلفة. كأن فيها وعد أو إحساس جديد. قرب منها بهدوء، ومسك الكراسة بتاعتها، وكتب بخط صغير في جنب الصفحة:
– ˝أنا هنا، لو احتجتيني.˝
مريم بصت للكلام، وحست إنها لأول مرة فاهمة مشاعره. كانت بتقرأ حاجة في عينيه، وفي تصرفاته، وبدأت تحس إن الجواز اللي بدأ مجرد اتفاق، ممكن يكون بداية لحب حقيقي.
في نفس الليلة، وهي بتجمع كتبها عشان تروح تنام، أحمد مسك إيدها لأول مرة بشكل مختلف. كان لمس بسيط، لكن مليان معاني. مريم ما قدرتش تنطق، لكنها بصت له، وعنيهم اتحاورت.
فجأة، صوت رسالة جه على تليفونه، أحمد شاف الرسالة، ملامحه اتغيرت، وراح بسرعة على اللابتوب.
مريم قالت:
– ˝فيه حاجة؟˝
لكنه ما ردش، وكان واضح إنه قلق. وقف بسرعة ولبس، وكتب لها على الموبايل:
– ˝استنيني هنا.. لازم أروح.˝
خرج بسرعة، وسيبها واقفة في نص الشقة، مش فاهمة حاجة. ❝
❞ وَكَذَٰلِكَ أَعْثَرْنَا عَلَيْهِمْ لِيَعْلَمُوا أَنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَأَنَّ السَّاعَةَ لَا رَيْبَ فِيهَا إِذْ يَتَنَازَعُونَ بَيْنَهُمْ أَمْرَهُمْ ۖ فَقَالُوا ابْنُوا عَلَيْهِم بُنْيَانًا ۖ رَّبُّهُمْ أَعْلَمُ بِهِمْ ۚ قَالَ الَّذِينَ غَلَبُوا عَلَىٰ أَمْرِهِمْ لَنَتَّخِذَنَّ عَلَيْهِم مَّسْجِدًا (21)
قوله : وكذلك أعثرنا عليهم ليعلموا أن وعد الله حق وأن الساعة لا ريب فيها إذ يتنازعون بينهم أمرهم فقالوا ابنوا عليهم بنيانا ربهم أعلم بهم قال الذين غلبوا على أمرهم لنتخذن عليهم مسجدا
قوله تعالى : وكذلك أعثرنا عليهم أي أطلعنا عليهم وأظهرناهم . و " أعثر " تعدية عثر بالهمزة ، وأصل العثار في القدم .
ليعلموا أن وعد الله حق يعني الأمة المسلمة الذين بعث أهل الكهف على عهدهم . وذلك أن دقيانوس مات ومضت قرون وملك أهل تلك الدار رجل صالح ، فاختلف أهل بلده في الحشر وبعث الأجساد من القبور ، فشك في ذلك بعض الناس واستبعدوه وقالوا : إنما تحشر الأرواح والجسد تأكله الأرض . وقال بعضهم : تبعث الروح والجسد جميعا ; فكبر ذلك على الملك وبقي حيران لا يدري كيف يتبين أمره لهم ، حتى لبس المسوح وقعد على الرماد وتضرع إلى الله - تعالى - في حجة وبيان ، فأعثر الله على أهل الكهف ; فيقال : إنهم لما بعثوا أحدهم بورقهم إلى المدينة ليأتيهم برزق منها استنكر شخصه واستنكرت دراهمه لبعد العهد ، فحمل إلى الملك وكان صالحا قد آمن من معه ، فلما نظر إليه قال : لعل هذا من الفتية الذين خرجوا على عهد دقيانوس الملك ، فقد كنت أدعو الله أن يرينيهم ، وسأل الفتى فأخبره ; فسر الملك بذلك وقال : لعل الله قد بعث لكم آية ، فلنسر إلى الكهف معه ، فركب مع أهل المدينة إليهم ، فلما دنوا إلى الكهف قال تمليخا : أنا أدخل عليهم لئلا يرعبوا فدخل عليهم فأعلمهم الأمر وأن الأمة أمة إسلام ، فروي أنهم سروا بذلك وخرجوا إلى الملك وعظموه وعظمهم ثم رجعوا إلى كهفهم . وأكثر الروايات على أنهم ماتوا حين حدثهم تمليخا ميتة الحق ، على ما يأتي . ورجع من كان شك في بعث الأجساد إلى اليقين . فهذا معنى أعثرنا عليهم . ليعلموا أن وعد الله حق أي ليعلم الملك ورعيته أن القيامة حق والبعث حق إذ يتنازعون بينهم أمرهم . وإنما استدلوا بذلك الواحد على خبرهم وهابوا الدخول عليهم .
فقال الملك : ابنوا عليهم بنيانا ; فقال الذين هم على دين الفتية : اتخذوا عليهم مسجدا . وروي أن طائفة كافرة قالت : نبني بيعة أو مضيفا ، فمانعهم المسلمون وقالوا لنتخذن عليهم مسجدا . وروي أن بعض القوم ذهب إلى طمس الكهف عليهم وتركهم فيه مغيبين . وروي عن عبد الله بن عمر أن الله - تعالى - أعمى على الناس حينئذ أثرهم وحجبهم عنهم ، فذلك دعا إلى بناء البنيان ليكون معلما لهم . وقيل : إن الملك أراد أن يدفنهم في صندوق من ذهب فأتاه آت منهم في المنام فقال : أردت أن تجعلنا في صندوق من ذهب فلا تفعل ; فإنا من التراب خلقنا وإليه نعود ، فدعنا .
وتنشأ هنا مسائل ممنوعة وجائزة ; فاتخاذ المساجد على القبور والصلاة فيها والبناء عليها ، إلى غير ذلك مما تضمنته السنة من النهي عنه ممنوع لا يجوز ; لما روى أبو داود والترمذي عن ابن عباس قال : لعن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - زوارات القبور والمتخذين عليها المساجد والسرج . قال الترمذي : وفي الباب عن أبي هريرة وعائشة حديث ابن عباس حديث حسن . وروى الصحيحان عن عائشة أن أم حبيبة وأم سلمة ذكرتا كنيسة رأينها بالحبشة فيها تصاوير لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : إن أولئك إذا كان فيهم الرجل الصالح فمات بنوا على قبره مسجدا وصوروا فيه تلك الصور أولئك شرار الخلق عند الله - تعالى - يوم القيامة . لفظ مسلم . قال علماؤنا : وهذا يحرم على المسلمين أن يتخذوا قبور الأنبياء والعلماء مساجد . وروى الأئمة عن أبي مرثد الغنوي قال سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : لا تصلوا إلى القبور ولا تجلسوا عليها لفظ مسلم . أي لا تتخذوها قبلة فتصلوا عليها أو إليها كما فعل اليهود والنصارى ، فيؤدي إلى عبادة من فيها كما كان السبب في عبادة الأصنام . فحذر النبي - صلى الله عليه وسلم - عن مثل ذلك ، وسد الذرائع المؤدية إلى ذلك فقال : اشتد غضب الله على قوم اتخذوا قبور أنبيائهم وصالحيهم مساجد . وروى الصحيحان عن عائشة وعبد الله بن عباس قالا : لما نزل برسول الله - صلى الله عليه وسلم - طفق يطرح خميصة له على وجهه فإذا اغتم بها كشفها عن وجهه فقال وهو كذلك : لعنة الله على اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد يحذر ما صنعوا . وروى مسلم عن جابر قال : نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يجصص القبر وأن يقعد عليه وأن يبنى عليه . وخرجه أبو داود والترمذي أيضا عن جابر قال : نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن تجصص القبور وأن يكتب عليها وأن يبنى عليها وأن توطأ . قال الترمذي : هذا حديث حسن صحيح . وروى الصحيح عن أبي الهياج الأسدي قال : قال لي علي بن أبي طالب : ألا أبعثك على ما بعثني عليه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : ألا تدع تمثالا إلا طمسته ولا قبرا مشرفا إلا سويته - في رواية - ولا صورة إلا طمستها . وأخرجه أبو داود والترمذي . قال علماؤنا : ظاهره منع تسنيم القبور ورفعها وأن تكون لاطئة . وقد قال به بعض أهل العلم . وذهب الجمهور إلى أن هذا الارتفاع المأمور بإزالته هو ما زاد على التسنيم ، ويبقى للقبر ما يعرف به ويحترم ، وذلك صفة قبر نبينا محمد - صلى الله عليه وسلم - وقبر صاحبيه - رضي الله عنهما - على ما ذكر مالك في الموطإ - وقبر أبينا آدم - صلى الله عليه وسلم - ، على ما رواه الدارقطني من حديث ابن عباس . وأما تعلية البناء الكثير على نحو ما كانت الجاهلية تفعله تفخيما وتعظيما فذلك يهدم ويزال ; فإن فيه استعمال زينة الدنيا في أول منازل الآخرة ، وتشبها بمن كان يعظم القبور ويعبدها . وباعتبار هذه المعاني وظاهر النهي أن ينبغي أن يقال : هو حرام . والتسنيم في القبر : ارتفاعه قدر شبر ; مأخوذ من سنام البعير . ويرش عليه بالماء لئلا ينتثر بالريح . وقال الشافعي لا بأس أن يطين القبر . وقال أبو حنيفة : لا يجصص القبر ولا يطين ولا يرفع عليه بناء فيسقط . ولا بأس بوضع الأحجار لتكون علامة ; لما رواه أبو بكر الأثرم قال : حدثنا مسدد حدثنا نوح بن دراج عن أبان بن تغلب عن جعفر بن محمد قال : كانت فاطمة بنت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - تزور قبر حمزة بن عبد المطلب كل جمعة وعلمته بصخرة ; ذكره أبو عمر .
وأما الجائزة : فالدفن في التابوت ; وهو جائز لا سيما في الأرض الرخوة . روي أن دانيال - صلوات الله عليه - كان في تابوت من حجر ، وأن يوسف - عليه السلام - أوصى بأن يتخذ له تابوت من زجاج ويلقى في ركية مخافة أن يعبد ، وبقي كذلك إلى زمان موسى - صلوات الله عليهم أجمعين - ; فدلته عليه عجوز فرفعه ووضعه في حظيرة إسحاق - عليه السلام - . وفي الصحيح عن سعد بن أبي وقاص أنه قال في مرضه الذي هلك فيه : اتخذوا لي لحدا وانصبوا علي اللبن نصبا ; كما صنع برسول الله - صلى الله عليه وسلم - . اللحد : هو أن يشق في الأرض ثم يحفر قبر آخر في جانب الشق من جانب القبلة إن كانت الأرض صلبة يدخل فيه الميت ويسد عليه باللبن . وهو أفضل عندنا من الشق ; لأنه الذي اختاره الله - تعالى - لرسوله - صلى الله عليه وسلم - . وبه قال أبو حنيفة قال : السنة اللحد . وقال الشافعي : الشق . ويكره الآجر في اللحد . وقال الشافعي : لا بأس به لأنه نوع من الحجر . وكرهه أبو حنيفة وأصحابه ; لأن الآجر لإحكام البناء ، والقبر وما فيه للبلى ، فلا يليق به الإحكام . وعلى هذا يسوى بين الحجر والآجر . وقيل : إن الآجر أثر النار فيكره تفاؤلا ; فعلى هذا يفرق بين الحجر والآجر . قالوا : ويستحب اللبن والقصب لما روي أنه وضع على قبر النبي - صلى الله عليه وسلم - حزمة من قصب . وحكي عن الشيخ الإمام أبي بكر محمد بن الفضل الحنفي - رحمه الله - أنه جوز اتخاذ التابوت في بلادهم لرخاوة الأرض . وقال : لو اتخذ تابوت من حديد فلا بأس به ، لكن ينبغي أن يفرش فيه التراب وتطين الطبقة العليا مما يلي الميت ، ويجعل اللبن الخفيف على يمين الميت ويساره ليصير بمنزلة اللحد .
قلت : ومن هذا المعنى جعل القطيفة في قبر النبي - صلى الله عليه وسلم - ; فإن المدينة سبخة ، قال شقران : أنا والله طرحت القطيفة تحت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في القبر . قال أبو عيسى الترمذي : حديث شقران حديث حسن غريب .. ❝ ⏤محمد بن صالح العثيمين
❞ وَكَذَٰلِكَ أَعْثَرْنَا عَلَيْهِمْ لِيَعْلَمُوا أَنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَأَنَّ السَّاعَةَ لَا رَيْبَ فِيهَا إِذْ يَتَنَازَعُونَ بَيْنَهُمْ أَمْرَهُمْ ۖ فَقَالُوا ابْنُوا عَلَيْهِم بُنْيَانًا ۖ رَّبُّهُمْ أَعْلَمُ بِهِمْ ۚ قَالَ الَّذِينَ غَلَبُوا عَلَىٰ أَمْرِهِمْ لَنَتَّخِذَنَّ عَلَيْهِم مَّسْجِدًا (21)
قوله : وكذلك أعثرنا عليهم ليعلموا أن وعد الله حق وأن الساعة لا ريب فيها إذ يتنازعون بينهم أمرهم فقالوا ابنوا عليهم بنيانا ربهم أعلم بهم قال الذين غلبوا على أمرهم لنتخذن عليهم مسجدا
قوله تعالى : وكذلك أعثرنا عليهم أي أطلعنا عليهم وأظهرناهم . و " أعثر " تعدية عثر بالهمزة ، وأصل العثار في القدم .
ليعلموا أن وعد الله حق يعني الأمة المسلمة الذين بعث أهل الكهف على عهدهم . وذلك أن دقيانوس مات ومضت قرون وملك أهل تلك الدار رجل صالح ، فاختلف أهل بلده في الحشر وبعث الأجساد من القبور ، فشك في ذلك بعض الناس واستبعدوه وقالوا : إنما تحشر الأرواح والجسد تأكله الأرض . وقال بعضهم : تبعث الروح والجسد جميعا ; فكبر ذلك على الملك وبقي حيران لا يدري كيف يتبين أمره لهم ، حتى لبس المسوح وقعد على الرماد وتضرع إلى الله - تعالى - في حجة وبيان ، فأعثر الله على أهل الكهف ; فيقال : إنهم لما بعثوا أحدهم بورقهم إلى المدينة ليأتيهم برزق منها استنكر شخصه واستنكرت دراهمه لبعد العهد ، فحمل إلى الملك وكان صالحا قد آمن من معه ، فلما نظر إليه قال : لعل هذا من الفتية الذين خرجوا على عهد دقيانوس الملك ، فقد كنت أدعو الله أن يرينيهم ، وسأل الفتى فأخبره ; فسر الملك بذلك وقال : لعل الله قد بعث لكم آية ، فلنسر إلى الكهف معه ، فركب مع أهل المدينة إليهم ، فلما دنوا إلى الكهف قال تمليخا : أنا أدخل عليهم لئلا يرعبوا فدخل عليهم فأعلمهم الأمر وأن الأمة أمة إسلام ، فروي أنهم سروا بذلك وخرجوا إلى الملك وعظموه وعظمهم ثم رجعوا إلى كهفهم . وأكثر الروايات على أنهم ماتوا حين حدثهم تمليخا ميتة الحق ، على ما يأتي . ورجع من كان شك في بعث الأجساد إلى اليقين . فهذا معنى أعثرنا عليهم . ليعلموا أن وعد الله حق أي ليعلم الملك ورعيته أن القيامة حق والبعث حق إذ يتنازعون بينهم أمرهم . وإنما استدلوا بذلك الواحد على خبرهم وهابوا الدخول عليهم .
فقال الملك : ابنوا عليهم بنيانا ; فقال الذين هم على دين الفتية : اتخذوا عليهم مسجدا . وروي أن طائفة كافرة قالت : نبني بيعة أو مضيفا ، فمانعهم المسلمون وقالوا لنتخذن عليهم مسجدا . وروي أن بعض القوم ذهب إلى طمس الكهف عليهم وتركهم فيه مغيبين . وروي عن عبد الله بن عمر أن الله - تعالى - أعمى على الناس حينئذ أثرهم وحجبهم عنهم ، فذلك دعا إلى بناء البنيان ليكون معلما لهم . وقيل : إن الملك أراد أن يدفنهم في صندوق من ذهب فأتاه آت منهم في المنام فقال : أردت أن تجعلنا في صندوق من ذهب فلا تفعل ; فإنا من التراب خلقنا وإليه نعود ، فدعنا .
وتنشأ هنا مسائل ممنوعة وجائزة ; فاتخاذ المساجد على القبور والصلاة فيها والبناء عليها ، إلى غير ذلك مما تضمنته السنة من النهي عنه ممنوع لا يجوز ; لما روى أبو داود والترمذي عن ابن عباس قال : لعن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - زوارات القبور والمتخذين عليها المساجد والسرج . قال الترمذي : وفي الباب عن أبي هريرة وعائشة حديث ابن عباس حديث حسن . وروى الصحيحان عن عائشة أن أم حبيبة وأم سلمة ذكرتا كنيسة رأينها بالحبشة فيها تصاوير لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : إن أولئك إذا كان فيهم الرجل الصالح فمات بنوا على قبره مسجدا وصوروا فيه تلك الصور أولئك شرار الخلق عند الله - تعالى - يوم القيامة . لفظ مسلم . قال علماؤنا : وهذا يحرم على المسلمين أن يتخذوا قبور الأنبياء والعلماء مساجد . وروى الأئمة عن أبي مرثد الغنوي قال سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : لا تصلوا إلى القبور ولا تجلسوا عليها لفظ مسلم . أي لا تتخذوها قبلة فتصلوا عليها أو إليها كما فعل اليهود والنصارى ، فيؤدي إلى عبادة من فيها كما كان السبب في عبادة الأصنام . فحذر النبي - صلى الله عليه وسلم - عن مثل ذلك ، وسد الذرائع المؤدية إلى ذلك فقال : اشتد غضب الله على قوم اتخذوا قبور أنبيائهم وصالحيهم مساجد . وروى الصحيحان عن عائشة وعبد الله بن عباس قالا : لما نزل برسول الله - صلى الله عليه وسلم - طفق يطرح خميصة له على وجهه فإذا اغتم بها كشفها عن وجهه فقال وهو كذلك : لعنة الله على اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد يحذر ما صنعوا . وروى مسلم عن جابر قال : نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يجصص القبر وأن يقعد عليه وأن يبنى عليه . وخرجه أبو داود والترمذي أيضا عن جابر قال : نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن تجصص القبور وأن يكتب عليها وأن يبنى عليها وأن توطأ . قال الترمذي : هذا حديث حسن صحيح . وروى الصحيح عن أبي الهياج الأسدي قال : قال لي علي بن أبي طالب : ألا أبعثك على ما بعثني عليه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : ألا تدع تمثالا إلا طمسته ولا قبرا مشرفا إلا سويته - في رواية - ولا صورة إلا طمستها . وأخرجه أبو داود والترمذي . قال علماؤنا : ظاهره منع تسنيم القبور ورفعها وأن تكون لاطئة . وقد قال به بعض أهل العلم . وذهب الجمهور إلى أن هذا الارتفاع المأمور بإزالته هو ما زاد على التسنيم ، ويبقى للقبر ما يعرف به ويحترم ، وذلك صفة قبر نبينا محمد - صلى الله عليه وسلم - وقبر صاحبيه - رضي الله عنهما - على ما ذكر مالك في الموطإ - وقبر أبينا آدم - صلى الله عليه وسلم - ، على ما رواه الدارقطني من حديث ابن عباس . وأما تعلية البناء الكثير على نحو ما كانت الجاهلية تفعله تفخيما وتعظيما فذلك يهدم ويزال ; فإن فيه استعمال زينة الدنيا في أول منازل الآخرة ، وتشبها بمن كان يعظم القبور ويعبدها . وباعتبار هذه المعاني وظاهر النهي أن ينبغي أن يقال : هو حرام . والتسنيم في القبر : ارتفاعه قدر شبر ; مأخوذ من سنام البعير . ويرش عليه بالماء لئلا ينتثر بالريح . وقال الشافعي لا بأس أن يطين القبر . وقال أبو حنيفة : لا يجصص القبر ولا يطين ولا يرفع عليه بناء فيسقط . ولا بأس بوضع الأحجار لتكون علامة ; لما رواه أبو بكر الأثرم قال : حدثنا مسدد حدثنا نوح بن دراج عن أبان بن تغلب عن جعفر بن محمد قال : كانت فاطمة بنت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - تزور قبر حمزة بن عبد المطلب كل جمعة وعلمته بصخرة ; ذكره أبو عمر .
وأما الجائزة : فالدفن في التابوت ; وهو جائز لا سيما في الأرض الرخوة . روي أن دانيال - صلوات الله عليه - كان في تابوت من حجر ، وأن يوسف - عليه السلام - أوصى بأن يتخذ له تابوت من زجاج ويلقى في ركية مخافة أن يعبد ، وبقي كذلك إلى زمان موسى - صلوات الله عليهم أجمعين - ; فدلته عليه عجوز فرفعه ووضعه في حظيرة إسحاق - عليه السلام - . وفي الصحيح عن سعد بن أبي وقاص أنه قال في مرضه الذي هلك فيه : اتخذوا لي لحدا وانصبوا علي اللبن نصبا ; كما صنع برسول الله - صلى الله عليه وسلم - . اللحد : هو أن يشق في الأرض ثم يحفر قبر آخر في جانب الشق من جانب القبلة إن كانت الأرض صلبة يدخل فيه الميت ويسد عليه باللبن . وهو أفضل عندنا من الشق ; لأنه الذي اختاره الله - تعالى - لرسوله - صلى الله عليه وسلم - . وبه قال أبو حنيفة قال : السنة اللحد . وقال الشافعي : الشق . ويكره الآجر في اللحد . وقال الشافعي : لا بأس به لأنه نوع من الحجر . وكرهه أبو حنيفة وأصحابه ; لأن الآجر لإحكام البناء ، والقبر وما فيه للبلى ، فلا يليق به الإحكام . وعلى هذا يسوى بين الحجر والآجر . وقيل : إن الآجر أثر النار فيكره تفاؤلا ; فعلى هذا يفرق بين الحجر والآجر . قالوا : ويستحب اللبن والقصب لما روي أنه وضع على قبر النبي - صلى الله عليه وسلم - حزمة من قصب . وحكي عن الشيخ الإمام أبي بكر محمد بن الفضل الحنفي - رحمه الله - أنه جوز اتخاذ التابوت في بلادهم لرخاوة الأرض . وقال : لو اتخذ تابوت من حديد فلا بأس به ، لكن ينبغي أن يفرش فيه التراب وتطين الطبقة العليا مما يلي الميت ، ويجعل اللبن الخفيف على يمين الميت ويساره ليصير بمنزلة اللحد .
قلت : ومن هذا المعنى جعل القطيفة في قبر النبي - صلى الله عليه وسلم - ; فإن المدينة سبخة ، قال شقران : أنا والله طرحت القطيفة تحت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في القبر . قال أبو عيسى الترمذي : حديث شقران حديث حسن غريب. ❝