❞ لا شيء يبعث على الحيرة أكثر من هذه الكلمة المبهمة الغامضة .. الزمان .. !
ما هو الزمان .. ؟
هناك زمان نتداوله في معاملاتنا ونعبر عنه بالساعة واليوم والشهر .
وهناك زمان نفساني داخلي يشعر به كل منا في دخيلة نفسه ..
والزمان الخارجي الذي نتداوله زمان مشترَك .. نتحرك فيه كما يتحرك غيرنا .. نحن فيه مجرد حادثة من ملايين الحوادث .. ومرجعنا فيه تقويم خارجي .. أو نتيجة حائط .
أما الزمن الداخلي فهو زمن خاص .. لا يقبل القياس .. لأنه لا مرجع له سوى صاحبه .. وصاحبه يختلف في تقديره .. فهو يشعر به شعورًا غير متجانس .. لا توجد فيه لحظة تساوي اللحظة الأخرى ..
فهناك اللحظة المشرقة المليئة بالنشوة التي تحتوي على أقدار العمر كله ..
وهناك السنوات الطويلة الفارغة التي تمر رتيبة خاوية كأنها عدم .. وهو زمن متصل في ديمومة شعورية وكأنه حضور أبدي، الماضي فيه يوجد كذكرى في الحاضر .
والمستقبل يولد كتطلع وتشوف في الحاضر، اللحظة الحاضرة هي كل شيء .. ونحن ننتقل من لحظة حاضرة إلى لحظة حاضرة ..
ولا ننتقل من ماضٍ إلى حاضر إلى مستقبل ..
نحن نعيش في حضور مستمر، نعيش شاخصين باستمرار إلى سيّال من الحوادث ينهال أمام حواسنا .. لا نعرف في هذا الزمن الداخلي سوى "الآن"، ننتقل من "الآن" إلى "الآن" ، ولا يبدو انقطاع النوم في هذه الآنات إلا كانقطاع وهمي ما يلبث أن تصله اليقظة .
هذا الزمن الذاتي النفسي ليس هو الزمن الذي يقصده أينشتين في نظريته النسبية ..
إنه زمن برجسون، وسارتر، وهيدجر، وكيركجراد وسائر الفلاسفة الوجوديين . ( وهم يسمونه الزمن الوجودي ) ولكنه ليس زمن أينشتين .
أما زمن أينشتين فهو الزمن الخارجي الموضوعي .. الزمن الذي نشترك فيه كأحداث ضمن الأحداث اللانهائية التي تجري في الكون .. الزمن الذي نتحرك بداخله .. وتتحرك الشمس بداخله .. وتتحرك كافة النجوم والكواكب .
وهو زمن له معادل موضوعي في نور النهار .. وانحراف الظل .. وظلمة الليل .. وحركات النجوم .. وهو الزمن الذي نتفاهم من خلاله ونأخذ المواعيد ونرتبط بالعقود ونتعهد بالالتزامات .
** ** **
ماذا يقول أينشتين في هذا الزمان .. ؟
إنه يتناوله في نظريته النسبية بنفس الطريقة التي يتناول بها المكان .
المكان المطلق في النظرية النسبية لا وجود له .. إنه لا أكثر من تجريد ذهني خادع ..
المكان الحقيقي هو مقدار متغير يدل على وضع جسم بالنسبة لآخر .. ولأن الأجسام كلها متحركة فالمكان يصبح مرتبطًا بالزمان بالضرورة .. وفي تحديد وضع أي جسم يلزم أن نقول إنه موجود في المكان كذا في الوقت كذا .. لأنه في حركة دائمة .
وبهذا ينقلنا أينشتين في نظريته إلى الزمان ليشرح هذه الرابطة الوثيقة بين الزمان والمكان .. فيقول أنه حتى الزمان بالتعبير الدارج عبارة عن تعبير عن انتقالات رمزية في المكان ..
الزمن المعروف باليوم والشهر والسنة ما هو إلا مصطلحات ترمز إلى دوران الأرض حول نفسها وحول الشمس .. أو بشكل آخر " مصطلحات لأوضاع مختلفة في المكان " .
الساعة هي دورة الأرض 15 درجة حول نفسها ..
واليوم هو دورة كاملة ..
والسنة هي التفافها الكامل حول الشمس ..
حتى الساعة التي نحملها في معصمنا عبارة عن انتقالات في المكان ( انتقالات عقرب على ميناء دائري من رقم إلى رقم ) .
الزمان والمكان متصلان في حقيقة واحدة .
وينتقل بعد هذا إلى النقطة الثانية فيقول :
إن كل الساعات التي نستخدمها على الأرض مضبوطة على النظام الشمسي .. لكن النظام الشمسي ليس هو النظام الوحيد في الكون ..
فلا يمكن أن نفرض تقويمها الزمني على الكون، ونعتبر الكميات التي نقيس بها كميات مطلقة منزلة .
فالإنسان الذي يسكن عطارد مثلًا .. سوف يجد للزمن دلالات مختلفة، إذ أن عطارد يدور حول نفسه في 88 يومًا .. وهو في هذه المدة نفسها يكون قد دار أيضًا حول الشمس ..
ومعنى هذا أن طول اليوم العطاردي يساوي طول السنة العطاردية .. وهو تقويم يختلف تمامًا عن تقويمنا .
وبذلك يكون الزمن مقدارًا لا معنى له إذا لم ينسب إلى النظام الذي اشتق منه .
ولا يمكن أن نفرض كلمة مثل "الآن" على الكون كله ..
فهي أولًا كلمة ذاتية نفسية .. وحتى إذا اقتصرنا على معناها الموضوعي وهو تواقت حدثين وحدوثهما معًا في ذات اللحظة .. فإن هذا التواقت لا يمكن أن يحدث بين أنظمة مختلفة لا اتصال بينها .
ويشرح أينشتين هذه النقطة وهي من أعمق تطبيقات النسبية وأكثرها غموضًا .. فيقول :
إن متكلمًا من نيويورك يمكن أن يخاطب في التليفون متكلمًا آخر في لندن .. ويكون الأول يتحدث في ساعة الغروب بينما الآخر في منتصف الليل ..
ومع ذلك يمكن لنا أن نجزم بتواقت الحدثين وحدوثهما معًا في ذات اللحظة .. والسبب أن الحدثين يحدثان معًا على أرض واحدة خاضعة لتقويم واحد هو التقويم الشمسي .. ومن الممكن استنباط فروق التوقيت ورد هذه الآنية ( الحدوث في آن واحد ) إلى مرجعها .. وهو النظام الواحد ..
أما القول بأنه من الممكن أن يحدث على الأرض .. وعلى كوكبه الجبار مثلًا .. أو الشعرى اليمانية .. أحداث متواقتة في آن واحد .. فهو أمر مستحيل .. لأنها أنظمة مختلفة لا اتصال بينها .. والاتصال الوحيد وهو الضوء يأخذ آلاف السنين لينتقل من واحد من هذه الأنظمة إلى الآخر ..
ونحن حينما نرى أحد هذه النجوم ويخيل إلينا أننا نراه "الآن" نحن في الحقيقة نراه عن طريق الضوء الذي ارتحل عنه منذ ألوف السنين ليصلنا ..
نحن في الواقع نرى ماضيه ويخيل إلينا أننا حاضره .. وقد يكون في الحاضر قد انفجر واختفى أو ارتحل بعيدًا خارج نطاق رؤيتنا .. وما نراه في الواقع إشارة إلى ماضٍ لم يعد له وجود بالمرة .
لابد أولًا لكي نجزم "بالآنيّة" من أن نعرف العلاقات بين الحوادث والمجاميع الكونية .. ونعرف نسبية كل مقدار موجود في إحدى المجاميع إلى المقادير الموجودة في المجاميع الأخرى .. ولابد من وجود وسيلة اتصال حاسمة تنقلنا عبر الأبعاد الفلكية الشاسعة .
ولكن للأسف أسرع وسيلة مواصلات كونية إلى الآن هي الضوء .. وسرعته 186284 ميلا في الثانية .. وهذه السرعة تمثل حدود معلوماتنا، والسقف الذي تنتهي عنده المعادلات والرياضيات النسبية الممكنة .
ويعود أينشتين فيشرح هذا الكلام بتجربة خيالية ..
إنه يتصور شخصًا جالسًا على رصيف محطة في منتصف مسافة بين النقطتين ا ، ب على شريط سكة حديد يجري عليه قطار .. ويتخيل أن ضربتين من البرق حدثتا في نفس الوقت وأنهما سقطتا على القضيب عند ( ا ) وعند ( ب ) . وأن الشخص الجالس على الرصيف يراقب العملية مزودًا بمرايا جانبية عاكسة سوف يرى ضربتي البرق في وقت واحد فعلًا .
فإذا حدث وجاء قطار سريع متجهًا من ( ب ) إلى ( ا ) وكان على القطار شخص آخر مزودًا بمرايا عاكسة ليلاحظ ما يجري .. فهل يلاحظ أن ضربتي البرق حدثتا في وقت واحد في اللحظة التي يصبح فيها محاذيًا للملاحِظ على الرصيف . . ؟
وليقرب أينشتين المثَل إلى الذهن يفترض أن القطار يسير بسرعة الضوء فعلًا 186284 ميلًا في الثانية .. ومعنى هذا أن ضربة البرق ( ب ) التي تركها خلفه لن تلحق به لأنه يسير بنفس سرعة موجة الضوء .. وهو لهذا لن يرى إلا ضربة البرق ( ا ) .
فلو كانت سرعة القطار أقل من سرعة الضوء .. فإن ضربة البرق ( ب ) سوف تلحق بعده متأخرة .. بينما سيشاهد ضربة البرق ( ا ) قبلها .. وبذلك لن يرى الحدثين متواقتين .. في آن واحد .. بينما يراهما الملاحِظ على الرصيف متواقتين في آن واحد .
وبهذا التناقض يشرح لنا أعمق ما في نظريته .. ما يسميه " نسبية الوقت الواحد " .. وكيف أن الإنسان لا يستطيع أن يطلق كلمة "الآن" على الكون .. وإنما يمكن أن يطلقها على نظامه الزمني .. لأن كل مجموعة من الأجسام لها زمنها الخاص ومرجعها الخاص ..
فإذا حدث وكانت هناك مجموعتان متحركتان .. كما في تجربة الملاحظ المتحرك على القطار .. والملاحظ الواقف على الرصيف .. فإننا نقع في التناقض إذا حاولنا المساواة بين الاثنين .
والنتيجة الهامة التي يخرج بها أينشتين من هذه التجربة .. أن الزمن مقدار متغير في الكون .. وأنه لا يوجد زمن واحد للكون كله ممتد من مبدأ الوجود والخليقة إلى الآن .. وإنما يوجد عديد من الأزمان .. كلها مقادير متغيرة لا يمكن نسبتها إلى بعضها إلا بالرجوع إلى أنظمتها واكتشاف علاقة حوادثها بعضها بالبعض وتحقيق الاتصال بينها . وهذا مستحيل .. لسبب بسيط ..
أن أسرع المواصلات الكونية وهي الضوء .. لا تستطيع أن تحقق تواقتًا بين أطرافه ..
والنتيجة الثانية التي يخرج بها .. أنه بما أن سرعة الضوء هي الثابت الكوني الوحيد .. فينبغي تعديل الكميات التي نعبِّر بها عن الزمان والمكان في كل معادلاتنا لتتفق مع هذه الحقيقة الأساسية ..
ومن الآن فصاعدًا يصبح الزمان مقدارًا متغيرًا .. والمكان مقدارًا متغيرًا .
وهذا يلقي بنا إلى نتائج مدهشة ..
..
مقال / الزمان
من كتاب / أينشتين والنسبيه
للدكتور / مصطفى محمود (رحمه الله). ❝ ⏤مصطفى محمود
❞ لا شيء يبعث على الحيرة أكثر من هذه الكلمة المبهمة الغامضة . الزمان . !
ما هو الزمان . ؟
هناك زمان نتداوله في معاملاتنا ونعبر عنه بالساعة واليوم والشهر .
وهناك زمان نفساني داخلي يشعر به كل منا في دخيلة نفسه .
والزمان الخارجي الذي نتداوله زمان مشترَك . نتحرك فيه كما يتحرك غيرنا . نحن فيه مجرد حادثة من ملايين الحوادث . ومرجعنا فيه تقويم خارجي . أو نتيجة حائط .
أما الزمن الداخلي فهو زمن خاص . لا يقبل القياس . لأنه لا مرجع له سوى صاحبه . وصاحبه يختلف في تقديره . فهو يشعر به شعورًا غير متجانس . لا توجد فيه لحظة تساوي اللحظة الأخرى .
فهناك اللحظة المشرقة المليئة بالنشوة التي تحتوي على أقدار العمر كله .
وهناك السنوات الطويلة الفارغة التي تمر رتيبة خاوية كأنها عدم . وهو زمن متصل في ديمومة شعورية وكأنه حضور أبدي، الماضي فيه يوجد كذكرى في الحاضر .
والمستقبل يولد كتطلع وتشوف في الحاضر، اللحظة الحاضرة هي كل شيء . ونحن ننتقل من لحظة حاضرة إلى لحظة حاضرة .
ولا ننتقل من ماضٍ إلى حاضر إلى مستقبل .
نحن نعيش في حضور مستمر، نعيش شاخصين باستمرار إلى سيّال من الحوادث ينهال أمام حواسنا . لا نعرف في هذا الزمن الداخلي سوى ˝الآن˝، ننتقل من ˝الآن˝ إلى ˝الآن˝ ، ولا يبدو انقطاع النوم في هذه الآنات إلا كانقطاع وهمي ما يلبث أن تصله اليقظة .
هذا الزمن الذاتي النفسي ليس هو الزمن الذي يقصده أينشتين في نظريته النسبية .
إنه زمن برجسون، وسارتر، وهيدجر، وكيركجراد وسائر الفلاسفة الوجوديين . ( وهم يسمونه الزمن الوجودي ) ولكنه ليس زمن أينشتين .
أما زمن أينشتين فهو الزمن الخارجي الموضوعي . الزمن الذي نشترك فيه كأحداث ضمن الأحداث اللانهائية التي تجري في الكون . الزمن الذي نتحرك بداخله . وتتحرك الشمس بداخله . وتتحرك كافة النجوم والكواكب .
وهو زمن له معادل موضوعي في نور النهار . وانحراف الظل . وظلمة الليل . وحركات النجوم . وهو الزمن الذي نتفاهم من خلاله ونأخذ المواعيد ونرتبط بالعقود ونتعهد بالالتزامات .
******
ماذا يقول أينشتين في هذا الزمان . ؟
إنه يتناوله في نظريته النسبية بنفس الطريقة التي يتناول بها المكان .
المكان المطلق في النظرية النسبية لا وجود له . إنه لا أكثر من تجريد ذهني خادع .
المكان الحقيقي هو مقدار متغير يدل على وضع جسم بالنسبة لآخر . ولأن الأجسام كلها متحركة فالمكان يصبح مرتبطًا بالزمان بالضرورة . وفي تحديد وضع أي جسم يلزم أن نقول إنه موجود في المكان كذا في الوقت كذا . لأنه في حركة دائمة .
وبهذا ينقلنا أينشتين في نظريته إلى الزمان ليشرح هذه الرابطة الوثيقة بين الزمان والمكان . فيقول أنه حتى الزمان بالتعبير الدارج عبارة عن تعبير عن انتقالات رمزية في المكان .
الزمن المعروف باليوم والشهر والسنة ما هو إلا مصطلحات ترمز إلى دوران الأرض حول نفسها وحول الشمس . أو بشكل آخر ˝ مصطلحات لأوضاع مختلفة في المكان ˝ .
الساعة هي دورة الأرض 15 درجة حول نفسها .
واليوم هو دورة كاملة .
والسنة هي التفافها الكامل حول الشمس .
حتى الساعة التي نحملها في معصمنا عبارة عن انتقالات في المكان ( انتقالات عقرب على ميناء دائري من رقم إلى رقم ) .
الزمان والمكان متصلان في حقيقة واحدة .
وينتقل بعد هذا إلى النقطة الثانية فيقول :
إن كل الساعات التي نستخدمها على الأرض مضبوطة على النظام الشمسي . لكن النظام الشمسي ليس هو النظام الوحيد في الكون .
فلا يمكن أن نفرض تقويمها الزمني على الكون، ونعتبر الكميات التي نقيس بها كميات مطلقة منزلة .
فالإنسان الذي يسكن عطارد مثلًا . سوف يجد للزمن دلالات مختلفة، إذ أن عطارد يدور حول نفسه في 88 يومًا . وهو في هذه المدة نفسها يكون قد دار أيضًا حول الشمس .
ومعنى هذا أن طول اليوم العطاردي يساوي طول السنة العطاردية . وهو تقويم يختلف تمامًا عن تقويمنا .
وبذلك يكون الزمن مقدارًا لا معنى له إذا لم ينسب إلى النظام الذي اشتق منه .
ولا يمكن أن نفرض كلمة مثل ˝الآن˝ على الكون كله .
فهي أولًا كلمة ذاتية نفسية . وحتى إذا اقتصرنا على معناها الموضوعي وهو تواقت حدثين وحدوثهما معًا في ذات اللحظة . فإن هذا التواقت لا يمكن أن يحدث بين أنظمة مختلفة لا اتصال بينها .
ويشرح أينشتين هذه النقطة وهي من أعمق تطبيقات النسبية وأكثرها غموضًا . فيقول :
إن متكلمًا من نيويورك يمكن أن يخاطب في التليفون متكلمًا آخر في لندن . ويكون الأول يتحدث في ساعة الغروب بينما الآخر في منتصف الليل .
ومع ذلك يمكن لنا أن نجزم بتواقت الحدثين وحدوثهما معًا في ذات اللحظة . والسبب أن الحدثين يحدثان معًا على أرض واحدة خاضعة لتقويم واحد هو التقويم الشمسي . ومن الممكن استنباط فروق التوقيت ورد هذه الآنية ( الحدوث في آن واحد ) إلى مرجعها . وهو النظام الواحد .
أما القول بأنه من الممكن أن يحدث على الأرض . وعلى كوكبه الجبار مثلًا . أو الشعرى اليمانية . أحداث متواقتة في آن واحد . فهو أمر مستحيل . لأنها أنظمة مختلفة لا اتصال بينها . والاتصال الوحيد وهو الضوء يأخذ آلاف السنين لينتقل من واحد من هذه الأنظمة إلى الآخر .
ونحن حينما نرى أحد هذه النجوم ويخيل إلينا أننا نراه ˝الآن˝ نحن في الحقيقة نراه عن طريق الضوء الذي ارتحل عنه منذ ألوف السنين ليصلنا .
نحن في الواقع نرى ماضيه ويخيل إلينا أننا حاضره . وقد يكون في الحاضر قد انفجر واختفى أو ارتحل بعيدًا خارج نطاق رؤيتنا . وما نراه في الواقع إشارة إلى ماضٍ لم يعد له وجود بالمرة .
لابد أولًا لكي نجزم ˝بالآنيّة˝ من أن نعرف العلاقات بين الحوادث والمجاميع الكونية . ونعرف نسبية كل مقدار موجود في إحدى المجاميع إلى المقادير الموجودة في المجاميع الأخرى . ولابد من وجود وسيلة اتصال حاسمة تنقلنا عبر الأبعاد الفلكية الشاسعة .
ولكن للأسف أسرع وسيلة مواصلات كونية إلى الآن هي الضوء . وسرعته 186284 ميلا في الثانية . وهذه السرعة تمثل حدود معلوماتنا، والسقف الذي تنتهي عنده المعادلات والرياضيات النسبية الممكنة .
ويعود أينشتين فيشرح هذا الكلام بتجربة خيالية .
إنه يتصور شخصًا جالسًا على رصيف محطة في منتصف مسافة بين النقطتين ا ، ب على شريط سكة حديد يجري عليه قطار . ويتخيل أن ضربتين من البرق حدثتا في نفس الوقت وأنهما سقطتا على القضيب عند ( ا ) وعند ( ب ) . وأن الشخص الجالس على الرصيف يراقب العملية مزودًا بمرايا جانبية عاكسة سوف يرى ضربتي البرق في وقت واحد فعلًا .
فإذا حدث وجاء قطار سريع متجهًا من ( ب ) إلى ( ا ) وكان على القطار شخص آخر مزودًا بمرايا عاكسة ليلاحظ ما يجري . فهل يلاحظ أن ضربتي البرق حدثتا في وقت واحد في اللحظة التي يصبح فيها محاذيًا للملاحِظ على الرصيف . . ؟
وليقرب أينشتين المثَل إلى الذهن يفترض أن القطار يسير بسرعة الضوء فعلًا 186284 ميلًا في الثانية . ومعنى هذا أن ضربة البرق ( ب ) التي تركها خلفه لن تلحق به لأنه يسير بنفس سرعة موجة الضوء . وهو لهذا لن يرى إلا ضربة البرق ( ا ) .
فلو كانت سرعة القطار أقل من سرعة الضوء . فإن ضربة البرق ( ب ) سوف تلحق بعده متأخرة . بينما سيشاهد ضربة البرق ( ا ) قبلها . وبذلك لن يرى الحدثين متواقتين . في آن واحد . بينما يراهما الملاحِظ على الرصيف متواقتين في آن واحد .
وبهذا التناقض يشرح لنا أعمق ما في نظريته . ما يسميه ˝ نسبية الوقت الواحد ˝ . وكيف أن الإنسان لا يستطيع أن يطلق كلمة ˝الآن˝ على الكون . وإنما يمكن أن يطلقها على نظامه الزمني . لأن كل مجموعة من الأجسام لها زمنها الخاص ومرجعها الخاص .
فإذا حدث وكانت هناك مجموعتان متحركتان . كما في تجربة الملاحظ المتحرك على القطار . والملاحظ الواقف على الرصيف . فإننا نقع في التناقض إذا حاولنا المساواة بين الاثنين .
والنتيجة الهامة التي يخرج بها أينشتين من هذه التجربة . أن الزمن مقدار متغير في الكون . وأنه لا يوجد زمن واحد للكون كله ممتد من مبدأ الوجود والخليقة إلى الآن . وإنما يوجد عديد من الأزمان . كلها مقادير متغيرة لا يمكن نسبتها إلى بعضها إلا بالرجوع إلى أنظمتها واكتشاف علاقة حوادثها بعضها بالبعض وتحقيق الاتصال بينها . وهذا مستحيل . لسبب بسيط .
أن أسرع المواصلات الكونية وهي الضوء . لا تستطيع أن تحقق تواقتًا بين أطرافه .
والنتيجة الثانية التي يخرج بها . أنه بما أن سرعة الضوء هي الثابت الكوني الوحيد . فينبغي تعديل الكميات التي نعبِّر بها عن الزمان والمكان في كل معادلاتنا لتتفق مع هذه الحقيقة الأساسية .
ومن الآن فصاعدًا يصبح الزمان مقدارًا متغيرًا . والمكان مقدارًا متغيرًا .
وهذا يلقي بنا إلى نتائج مدهشة .
.
مقال / الزمان
من كتاب / أينشتين والنسبيه
للدكتور / مصطفى محمود (رحمه الله). ❝
❞ كتاب السر من تأليف منتجة الأفلام الأسترالية (روندا بايرن)، والتي تنتمي لحركة الفكر الجديد، والتي يؤمن أصحابها بمجموعة من المبادئ (الميتافيزيقية) والمختصة بطرائق العلاج، وتطوير الذات، وتأثير الفكرة في الماديات، وكتاب (السر) يدور حول هذه المفاهيم، ويروج لها وفق منظومة هذه الحركة، والكتاب كما ذكرتَ كُتب له الانتشار الواسع على المستوى العالمي، وترجم مؤخراً إلى اللغة العربية، وبالنظر في الكتاب، وتأمل ما فيه تبين وجود جملة من الانحرافات العقدية والعلمية الخطيرة، أهمها :
1. دعوة الكتاب إلى ترك العمل، والإعراض عن تحصيل الأسباب لنيل المطلوب، والاتكال على الأماني والأحلام، وذلك وفق قانون -مزعوم- يسمونه (قانون الجذب)، والذي ينص على (أن الشبيه يجذب إليه شبيهه) ، وأن (كلَّ شيءٍ يحدث في حياتك فأنت من قمت بجذبه إلى حياتك، وقد انجذب إليك عن طريق الصور التي احتفظت بها في عقلك، أي ما تفكر فيه، فأياً كان الشيءُ الذي يدور بعقلك فإنك تجذبه إليك). وأصحاب هذا المبدأ يعتقدون أن الفكرة الواقعة في العقل تؤثر بذاتها في محيط الإنسان وما حوله، وأن الإنسان يستطيع بفكرته المجردة أن يجتذب إليه ما يريد من الخيرات من غير عمل، ويزعمون أن الفكرة لها تردد، وأنها تنطلق من عقل الإنسان على شكل موجة كهرومغناطيسية، وأنها تجتذب من خير الكون وشره مما هو على نفس الموجة، فإذا كنت تفكر تفكيراً إيجابياً فأنت تطلق موجة ذات تردد إيجابي تجذب إليك الإيجابيات، وإذا كنت تفكر بفكرة سلبية فأنت تطلق موجة سلبية تجذب إليك السلبيات. ولا شك أن هذا الكلام مصادم للعلوم التجريبية وبديهة العقل ، وأن اعتقاده أو العمل بأفكاره مصادم للشرع.
أما مصادمته للشرع ، فلأن الله تعالى أمر بالعمل والسعي في الأرض ، ورتب الرزق على بذل الأسباب ، وليس على الأماني والخيالات ، قال تعالى : ( هو الذي جعل لكم الأرض ذلولاً فامشوا في مناكبها وكلوا من رزقه ) الملك/15
وأما مصادمته للعقل فلأن الاعتماد على الأماني والأحلام يعني خراب العالم ، وتعطل مصالح أهله ، وإهدار ما أنجزته البشرية خلال قرون من معارف وعلوم وحضارات ، إذ مقتضى هذه النظرية ، أن المريض لا يطلب الدواء ولا يحتاج إليه ، والناس لا يحتاجون إلى مهندسين وبنائين وعمال ، فما على المحتاج إلا أن يفكر تفكير إيجابياً فيما يريد ، ثم يطلب من الكون - عياذا بالله - تحقيق مراده ، دون عمل أو بذل .
وأصحاب هذه الدعوة يتناقضون حين يقولون للمريض المشرف على الموت لا تتوقف عن الدواء ، وإلا فمقتضى فكرتهم ترك التداوي وإغلاق المستشفيات ، وتحويل كليات الطب إلى مقاعد للتفكير والاسترخاء لطلب الأماني والأحلام أو ما يسمونه الأفكار الايجابية ، وقس على هذا غيره من الأعمال ؛ فظهر بهذا أنها دعوة مصادمة للعقل ، مخالفة للحس ، لا تستقيم عليها حياة الناس ، وصدق القائل :
إذا تمنيتُ بتُّ الليل مغتبطاً *** إن المُنى رأس أموال المفاليسِ
2. غلو الكتاب في تعظيم ذات الإنسان، وإعطائه هالة من القداسة والعظمة، واعتقاد أنه ذو قدرات مطلقة، وطاقات هائلة، تبلغ به حد القدرة على الإيجاد والخلق، فكل ما يقع بالإنسان من خير وشر فهو من خلقِه وإيجاده ، يقول الكتاب مثلاً: (أي شيءٍ نركز عليه فإننا نخلقه) [السر 141] ، ولا شك أن هذا انحراف كبير، وشرك بالله تعالى في ربوبيته ، وصدق الله تعالى : ( فلا تجعلوا لله أنداداً وأنتم تعلمون )
3. الدعوة إلى عقيدة وحدة الوجود الباطلة بالقول أن الخالق والمخلوق شيء واحد، وأن الإنسان هو الله في جسد مادي، تعالى الله، وقد ترددت هذه الدعوى في أكثر من مكان، وبأساليب مختلفة.
4. إحياء جملة من العقائد الشرقية والفلسفات الوثنية، كديانات البوذيين والهنادكة وغيرهم، وقد رأينا احتفاء أصحاب هذه الملل والأديان بكتاب (السر) هذا لما قام به من نشر لمبادئ هذه الأديان وترويج لها.
5. الدعوة إلى التعلق بالكون رغبة وسؤالاً وطلباً، فإذا أردت شيئاً فما عليك إلا أن تتوجه بطلبك للكون، والكون سيلبي طلبك ولا بد، والإسلام إنما يدعو لتعليق القلب بالله جل وعلا فإليه الرغبة والتوجه، والسؤال والطلب، والتوجه إلى غيره فيما لا يقدر عليه إلا هو سبحانه من الشرك، أعاذنا الله منه.
6. معارضة الكتاب لعقيدة القضاء والقدر، حيث ينكر الكتاب أن الله قد كتب مقادير الخلائق، وأنه سبحانه قد قدّر المقادير، فهو يرى كما يرى غلاة القدرية ممن ينكر القضاء والقدر أن ما يقع في الكون لم يدخل في علم الله من قبل ، ولم يسبق به كتاب ولا شك أن الإيمان بالقضاء والقدر ركن من أركان الإيمان لا يصح إيمان العبد إلا به.
7. دعوة الكتاب إلى الأنانية، والتمحور حول الذات، والانسلاخ من مختلف القيم الشرعية والضوابط الخلقية، واللهث خلف شهوات النفس وملذاتها، فمعيار الفعل أو الترك هو في مقدار ما يجلبه ذلك الشيء من البهجة واللذة، وبمقدار محبته، فما كان محبوباً فليفعل وما كان مبغوضاً فليجتنب، دون مراعاة للخلق والدين، ولا شك أن هذا معارض للقيم الشرعية والخلقية، فالمسلم مضبوط بإطار ديني وخلقي لا يصح له أن يخرج عنه ولا أن يتجاوزه، فما أمر الله به فهو الواجب، وما نهى عنه فهو المحرم، وما أباحه فهو المباح، والواجب الالتزام بأحكام الشريعة والدين.
هذا بعض ما اشتمل عليه الكتاب من انحرافات، وعليه فالواجب اطراحه، والإعراض عما فيه، ومن شاء أن يتعرف على حقيقة هذا الكتاب، ومدى ما فيه من انحرافٍ مفصلاً فبإمكانه الرجوع إلى بحث
خرافة السر: قراءة تحليلية لكتاب ˝السر˝ و˝قانون الجذب˝
منقول
المصدر: الإسلام سؤال وجواب
https://islamqa.info/ar/answers/112043/%D8%AD%D9%88%D9%84-%D9%83%D8%AA%D8%A7%D8%A8-%D8%A7%D9%84%D8%B3%D8%B1-%D9%88%D9%82%D8%A7%D9%86%D9%88%D9%86-%D8%A7%D9%84%D8%AC%D8%B0%D8%A8. ❝ ⏤روندا بايرن
❞ كتاب السر من تأليف منتجة الأفلام الأسترالية (روندا بايرن)، والتي تنتمي لحركة الفكر الجديد، والتي يؤمن أصحابها بمجموعة من المبادئ (الميتافيزيقية) والمختصة بطرائق العلاج، وتطوير الذات، وتأثير الفكرة في الماديات، وكتاب (السر) يدور حول هذه المفاهيم، ويروج لها وفق منظومة هذه الحركة، والكتاب كما ذكرتَ كُتب له الانتشار الواسع على المستوى العالمي، وترجم مؤخراً إلى اللغة العربية، وبالنظر في الكتاب، وتأمل ما فيه تبين وجود جملة من الانحرافات العقدية والعلمية الخطيرة، أهمها :
1. دعوة الكتاب إلى ترك العمل، والإعراض عن تحصيل الأسباب لنيل المطلوب، والاتكال على الأماني والأحلام، وذلك وفق قانون -مزعوم- يسمونه (قانون الجذب)، والذي ينص على (أن الشبيه يجذب إليه شبيهه) ، وأن (كلَّ شيءٍ يحدث في حياتك فأنت من قمت بجذبه إلى حياتك، وقد انجذب إليك عن طريق الصور التي احتفظت بها في عقلك، أي ما تفكر فيه، فأياً كان الشيءُ الذي يدور بعقلك فإنك تجذبه إليك). وأصحاب هذا المبدأ يعتقدون أن الفكرة الواقعة في العقل تؤثر بذاتها في محيط الإنسان وما حوله، وأن الإنسان يستطيع بفكرته المجردة أن يجتذب إليه ما يريد من الخيرات من غير عمل، ويزعمون أن الفكرة لها تردد، وأنها تنطلق من عقل الإنسان على شكل موجة كهرومغناطيسية، وأنها تجتذب من خير الكون وشره مما هو على نفس الموجة، فإذا كنت تفكر تفكيراً إيجابياً فأنت تطلق موجة ذات تردد إيجابي تجذب إليك الإيجابيات، وإذا كنت تفكر بفكرة سلبية فأنت تطلق موجة سلبية تجذب إليك السلبيات. ولا شك أن هذا الكلام مصادم للعلوم التجريبية وبديهة العقل ، وأن اعتقاده أو العمل بأفكاره مصادم للشرع.
أما مصادمته للشرع ، فلأن الله تعالى أمر بالعمل والسعي في الأرض ، ورتب الرزق على بذل الأسباب ، وليس على الأماني والخيالات ، قال تعالى : ( هو الذي جعل لكم الأرض ذلولاً فامشوا في مناكبها وكلوا من رزقه ) الملك/15
وأما مصادمته للعقل فلأن الاعتماد على الأماني والأحلام يعني خراب العالم ، وتعطل مصالح أهله ، وإهدار ما أنجزته البشرية خلال قرون من معارف وعلوم وحضارات ، إذ مقتضى هذه النظرية ، أن المريض لا يطلب الدواء ولا يحتاج إليه ، والناس لا يحتاجون إلى مهندسين وبنائين وعمال ، فما على المحتاج إلا أن يفكر تفكير إيجابياً فيما يريد ، ثم يطلب من الكون - عياذا بالله - تحقيق مراده ، دون عمل أو بذل .
وأصحاب هذه الدعوة يتناقضون حين يقولون للمريض المشرف على الموت لا تتوقف عن الدواء ، وإلا فمقتضى فكرتهم ترك التداوي وإغلاق المستشفيات ، وتحويل كليات الطب إلى مقاعد للتفكير والاسترخاء لطلب الأماني والأحلام أو ما يسمونه الأفكار الايجابية ، وقس على هذا غيره من الأعمال ؛ فظهر بهذا أنها دعوة مصادمة للعقل ، مخالفة للحس ، لا تستقيم عليها حياة الناس ، وصدق القائل :
إذا تمنيتُ بتُّ الليل مغتبطاً ** إن المُنى رأس أموال المفاليسِ
2. غلو الكتاب في تعظيم ذات الإنسان، وإعطائه هالة من القداسة والعظمة، واعتقاد أنه ذو قدرات مطلقة، وطاقات هائلة، تبلغ به حد القدرة على الإيجاد والخلق، فكل ما يقع بالإنسان من خير وشر فهو من خلقِه وإيجاده ، يقول الكتاب مثلاً: (أي شيءٍ نركز عليه فإننا نخلقه) [السر 141] ، ولا شك أن هذا انحراف كبير، وشرك بالله تعالى في ربوبيته ، وصدق الله تعالى : ( فلا تجعلوا لله أنداداً وأنتم تعلمون )
3. الدعوة إلى عقيدة وحدة الوجود الباطلة بالقول أن الخالق والمخلوق شيء واحد، وأن الإنسان هو الله في جسد مادي، تعالى الله، وقد ترددت هذه الدعوى في أكثر من مكان، وبأساليب مختلفة.
4. إحياء جملة من العقائد الشرقية والفلسفات الوثنية، كديانات البوذيين والهنادكة وغيرهم، وقد رأينا احتفاء أصحاب هذه الملل والأديان بكتاب (السر) هذا لما قام به من نشر لمبادئ هذه الأديان وترويج لها.
5. الدعوة إلى التعلق بالكون رغبة وسؤالاً وطلباً، فإذا أردت شيئاً فما عليك إلا أن تتوجه بطلبك للكون، والكون سيلبي طلبك ولا بد، والإسلام إنما يدعو لتعليق القلب بالله جل وعلا فإليه الرغبة والتوجه، والسؤال والطلب، والتوجه إلى غيره فيما لا يقدر عليه إلا هو سبحانه من الشرك، أعاذنا الله منه.
6. معارضة الكتاب لعقيدة القضاء والقدر، حيث ينكر الكتاب أن الله قد كتب مقادير الخلائق، وأنه سبحانه قد قدّر المقادير، فهو يرى كما يرى غلاة القدرية ممن ينكر القضاء والقدر أن ما يقع في الكون لم يدخل في علم الله من قبل ، ولم يسبق به كتاب ولا شك أن الإيمان بالقضاء والقدر ركن من أركان الإيمان لا يصح إيمان العبد إلا به.
7. دعوة الكتاب إلى الأنانية، والتمحور حول الذات، والانسلاخ من مختلف القيم الشرعية والضوابط الخلقية، واللهث خلف شهوات النفس وملذاتها، فمعيار الفعل أو الترك هو في مقدار ما يجلبه ذلك الشيء من البهجة واللذة، وبمقدار محبته، فما كان محبوباً فليفعل وما كان مبغوضاً فليجتنب، دون مراعاة للخلق والدين، ولا شك أن هذا معارض للقيم الشرعية والخلقية، فالمسلم مضبوط بإطار ديني وخلقي لا يصح له أن يخرج عنه ولا أن يتجاوزه، فما أمر الله به فهو الواجب، وما نهى عنه فهو المحرم، وما أباحه فهو المباح، والواجب الالتزام بأحكام الشريعة والدين.
هذا بعض ما اشتمل عليه الكتاب من انحرافات، وعليه فالواجب اطراحه، والإعراض عما فيه، ومن شاء أن يتعرف على حقيقة هذا الكتاب، ومدى ما فيه من انحرافٍ مفصلاً فبإمكانه الرجوع إلى بحث
خرافة السر: قراءة تحليلية لكتاب ˝السر˝ و˝قانون الجذب˝
❞ كان ذلك من زمن بعيد لست أذكره .. ربما كنت أدرج من الثالثة عشرة إلى الرابعة عشرة وربما قبل ذلك .. في مَطَالِعْ المراهقة .. حينما بدأت أتساءل في تمرد :
- تقولون إن الله خلق الدنيا لأنه لابد لكل مخلوق من خالق ولا بد لكل صنعة من صانع ولا بد لكل موجود من موجِد .. صدقنا وآمنا .. فلتقولوا لي إذن مَن خلق الله .. أم أنه جاء بذاته ؟! .. فإذا كان قد جاء بذاته وصحّ في تصوركم أن يتم هذا الأمر .. فلماذا لا يصح في تصوركم أيضاً أن الدنيا جاءت بذاتها بلا خالق وينتهي الإشكال .
كنت أقول هذا فتصفر من حولي الوجوه وتنطلق الألسُن تمطرني باللعنات وتتسابق إليّ اللكمات عن يمين وشمال .. ويستغفر لي أصحاب القلوب التقية ويطلبون لي الهدى .. ويتبرأ مني المتزمتون ويجتمع حولي المتمردون .. فنغرق معاً في جدل لا ينتهي إلا ليبدأ ولا يبدأ إلا ليسترسل .
وتغيب عني تلك الأيام الحقيقة الأولى وراء ذلك الجدل .
إن زهوي بعقلي الذي بدأ يتفتح وإعجابي بموهبة الكلام ومقارعة الحجج التي انفردت بها .. كان هو الحافز دائماً .. وكان هو المشجِع .. وكان هو الدافع .. وليس البحث عن الحقيقة ولا كشف الصواب .
لقد رَفَضْتُ عبادة الله لأني إستغرقت في عبادة نفسي وأُعجبت بومضة النور التي بدأت تومض في فكري مع انفتاح الوعي وبداية الصحوة من مهد الطفولة .
كانت هذه هي الحالة النفسية وراء المشهد الجدلي الذي يتكرر كل يوم . وغابت عني أيضاً أصول المنطق وأنا أعالج المنطق .. ولم أدرك أني أتناقض مع نفسي إذ كيف أعترف بالخالق ثم أقول : ومن خلق الخالق فأجعل منه مخلوقاً في الوقت الذي أسميه خالقاً .. وهي السفسطة بعينها .
ثم إن القول بسبب أول للوجود يقتضي أن يكون هذا السبب واجب الوجود في ذاته وليس معتمداً ولا محتاجاً لغيره لكي يوجد . أما أن يكون السبب في حاجة إلى سبب فإن هذا يجعله واحدة من حلقات السببية ولا يجعل منه سبباً أول .
هذه هي أبعاد القضية الفلسفية التي إنتهت بأرسطو إلى القول بالسبب الأول والمحرك الأول للوجود .
ولم تكن هذه الأبعاد واضحة في ذهني في ذلك الحين .
ولم أكُن قد عرفت بعد من هو أرسطو ولا ما هي القوانين الأولى للمنطق والجدل .
واحتاج الأمر إلى ثلاثين سنة من الغرق في الكتب وآلاف الليالي من الخلوةِ والتأمل والحوار مع النفس وإعادة النظر ثُمَّ إعادة النظر في إعادة النظر ..
ثُمَّ تقليب الفكر على كل وجه لأقطع فيه الطريق الشائكة من ( الله والإنسان ) إلى ( لغز الحياة ) إلى ( لغز الموت ) إلى ما أكتب من كلمات على درب اليقين ، لم يكن الأمر سهلاً .. لأني لم أشأ أن آخذ الأمر مأخذاً سهلاً .
ولو أني أصغيت إلى صوت الفطرة وتركت البداهة تقودني لأعفيت نفسي من عناء الجدل .. ولقادتني الفطرة إلى الله ..
ولكنني جئت في زمن تَعَقّدِتْ فيه كل شيء وضَعِفَ صوت الفطرة حتى صار همساً وإرتفع صوت العقل حتى صار لجاجة وغروراً واعتداداً ..
والعقل معذور في إسرافه إذ يرى نفسه واقفاً على هرم هائل من المنجزات وإذ يرى نفسه مانحاً للحضارة بما فيها من صناعة وكهرباء وصواريخ وطائرات وغواصات وإذ يرى نفسه قد اقتحم البر والبحر والجو والماء وما تحت الماء .. فتصور نفسه القادر على كل شيء وزج نفسه في كل شيء وأقام نفسه حاكماً على ما يعلم وما لا يعلم .
وغرقت في مكتبة البلدية بطنطا وأنا صبي أقرأ لشبلي شميل وسلامة موسى وأتعرف على فرويد وداروين .
وشغفت بالكيمياء والطبيعة والبيولوجيا .. وكان لي معمل صغير في غرفتي أجضر فيه غاز ثاني أكسيد الكربون وثاني أكسيد الكبريت وأقتل الصراصير بالكلور وأشرِّح فيه الضفادع ، وكانت الصيحة التي غمرت العالم هي .. العلم .. العلم .. العلم .. ولا شيء غير العلم !!
النظرة الموضوعية هي الطريق .
لنرفض الغيبيات ولنكُف عن إطلاق البخور وترديد الخرافات .
من يعطينا دبابات وطائرات ويأخذ منا الأديان والعبادات ؟؟
وكان ما يصلنا من أنباء العلم الغربي باهراً يخطف أبصارنا وكنا نأخذ عن الغرب كل شيء .. الكتب والدواء والملابس والمنسوجات والقاطرات والسيارات .. وحتى الأطعمة المعلبة .. حتى قلم الرصاص والدبوس والإبرة .. حتى نظم التعليم وقوالب التأليف الأدبي من قصة ومسرحية ورواية .. حتى ورق الصحف .
وحول أبطال الغرب وعبقرياته كنا ننسج أحلامنا ومُثُلِنا العليا .. حول باستير وماركوني ورونتجن وأديسون .. وحول نابليون وإبراهام لنكولن .. وكرستوفر كولمبس وماجلان .
كان الغرب هو التقدم ، وكان الشرق العربي هو التخلف والضعف والتخاذل والإنهيار تحت أقدام الإستعمار ، وكان طبيعيّاً أن نتصور أن كل ما يأتينا من الغرب هو النور والحق .. وهو السبيل إلى القوة والخلاص .
ودخلت كلية الطب لأتلقى العلوم بلغة إنجليزية وأدرس التشريح في مراجع إنجليزية وأتكلم مع أستاذي في المشفى باللغة الإنجليزية .. ليس لأن إنجلترا كانت تحتل القناة لكن لسبب آخر مشروع وعادل .. هو أن علم الطب الحديث كان صناعة غربية تماماً .. وما بدأه العرب في هذه العلوم أيام ابن سينا , كان مجرد أوليّات لا تفي بحاجات العصر .
وقد التقط علماء الغرب الخيط من حيث انتهى ابن سينا والباحثون العرب ثم استأنفوا الطريق بإمكانيات متطورة ومعامل ومختبرات وملايين الجنيهات المرصودة للبحث , فسبقوا الأولين من العرب والفُرس والعُجم , وأقاموا صرح علم الطب الحديث والفسيولوجيا والتشريح والباثولوجيا وأصبحوا بحق مرجعاً .
وتعلمت ما تعلمت في كتب الطب .. النظرة العلمية .. وأنه لا يصح إقامة حكم بدون حيثيات من الواقع وشواهد من الحس .
وأن العلم يبدأ من المحسوس والمنظور والملموس وأن العلم ذاته هو عملية جمع شواهد واستخراج قوانين ، وما لا يقع تحت الحس فهو في النظرة العلمية غير موجود ، وأن الغيب لا حساب له في الحكم العلمي .
بهذا العقل العلمي المادي البحت بدأت رحلتي في عالم العقيدة وبالرغم من هذه الأرضية المادية والإنطلاق من المحسوسات الذي ينكر كل ما هو غيب فإني لم أستطع أن أنفي أو أستبعد القوة الإلهية .
كان العلم يقدم صورة عن الكون بالغة الإحكام والإنضباط .. كل شيء من ورقة الشجر إلى جناح الفراشة إلى ذرة الرمل فيها تناسق ونظام وجمال الكون كله مبني وفق هندسة وقوانين دقيقة .
وكل شيء يتحرك بحساب من الذرة المتناهية في الصغر إلى الفلَك العظيم إلى الشمس وكواكبها إلى المجرة الهائلة التي يقول لنا الفَلك إن فيها أكثر من ألف مليون مجرة .
كل هذا الوجود اللامتناهي من أصغر إلكترون إلى أعظم جرم سماوي كنت أراه أشبه بمعزوفة متناسقة الأنغام مضبوطة التوزيع كل حركة فيها بمقدار .. أشبه بالبدن المتكامل الذي فيه روح .
كان العلم يمدني بوسيلة أتصور بها الله بطريقة مادية .
وفي هذه المرحلة تصورت أن الله هو الطاقة الباطنة في الكون التي تنظمه في منظومات جميلة من أحياء وجمادات وأراضٍ وسماوات .. هو الحركة التي كشفها العلم في الذرة وفي البروتوبلازم وفي الأفلاك ..
هو الحيوية الخالقة الباطنة في كل شيء ..أو بعبارة القديس توماس " الفعل الخالص الذي ظل يتحول في الميكروب حتى أصبح إنساناً ومازال يتحول وسيظل يتحول إلى ما لانهاية " .
والوجود كان في تصوري لامحدوداً لانهائياً . إذ لا يمكن أن يحد الوجود إلا العدم .. والعدم معدوم .. ومن هنا يلزم منطقياً أن يكون الوجود غير محدود ولانهائي .
ولا يصح أن نسأل .. مَن الذي خلق الكون . إذ أن السؤال يستتبع أن الكون كان معدوماً في البداية ثم وُجِد .. وكيف يكون لمعدوم كيان ؟! .
إن العدم معدوم في الزمان والمكان وساقط في حساب الكلام ولا يصح القول بأنه كان .
وبهذا جعلت من الوجود حدثاً قديماً أبدياً أزلياً ممتداً في الزمان لا حدود له ولا نهاية .
وأصبح الله في هذه النظرة هو الكل ونحن تجلياته .
الله هو الوجود .. والعدم قبله معدوم .
هو الوجود المادي الممتد أزلاً وأبداً بلا بدء وبلا نهاية .
وهكذا أقمت لنفسي نظرية تكتفي بالموجود .. وترى أن الله هو الوجود .. دون حاجة إلى افتراض الغيب والمغيبات .. ودون حاجة إلى التماس اللامنظور .
وبذلك وقعت في أسر فكرة وحدة الوجود الهندية وفلسفة سبينوزا .. وفكرة برجسون عن الطاقة الباطنة الخلاّقة ..
وكلها فلسفات تبدأ من الأرض .. من الحواس الخمس .. ولا تعترف بالمغيبات ، ووحدة الوجود الهندية تمضي إلى أكثر من ذلك فتلغي الثنائية بين المخلوق والخالق .. فكل المخلوقات في نظرها هي عيني الخالق .
وفي سفر اليوبانيشاد صلاة هندية قديمة تشرح هذا المعنى في أبيات رقيقة من الشعر ...
إن الإله براهماً الذي يسكن قلب العالم يتحدث في همس قائلاً :
إذا ظن القاتل أنه قاتل ......
والمقتول أنه قتيل .........
فليسا يدريان ما خفي من أساليبي ....
حيث أكون الصدر لمن يموت ........
والسلاح لمن يقتل .......
والجناح لمن يطير ......
وحيث أكون لمن يشك في وجودي ......
كل شيء حتى الشك نفسه ....
وحيث أكون أنا الواحد .....
وأنا الأشياء .....
إنه إله يشبه النور الأبيض .. واحد .. وبسيط .. ولكنه يحتوى في داخله على ألوان الطيف السبعة ، وعشت سنوات في هذا الضباب الهندي وهذه الماريجوانا الصوفية ومارست اليوجا وقرأتها في أصولها وتلقيت تعاليمها على أيدي أساتذة هنود .
وسيطرَت عليَّ فكرة التناسخ مدة طويلة وظهرت روايات لي مثل ( العنكبوت ) و ( الخروج من التابوت ) ، ثم بدأت أفيق على حالة من عدم الرضا وعدم الإقتناع .
واعترفت بيني وبين نفسي أن هذه الفكرة عن الله فيها الكثير من الخلط . ومرة أخرى كان العلم هو دليلي ومنقذي ومرشدي ، عكوفي على العلم وعلى الشريحة الحية تحت الميكروسكوب قال لي شيئاً آخر .
وحدة الوجود الهندية كانت عبارة شعرية صوفية .. ولكنها غير صادقة ..
والحقيقة المؤكدة التي يقولها العلم أن هناك وحدة في الخامة لا أكثر .. وحدة في النسيج والسُنن الأولية والقوانين .. وحدة في المادة الأولية التي بُنيَ منها كل شيء .. فكل الحياة من نبات وحيوان وإنسان بنيت من تواليف الكربون مع الآيدروجين والأكسجين .. ولهذا تتحول كلها إلى فحم بالإحتراق .. وكل صنوف الحياة تقوم على الخلية الواحدة ومضاعفاتها .
ومرة أخرى نتعلم من الفلَك والكيمياء والعلوم النووية أن الكربون ذاته وكذلك جميع العناصر المختلفة جاءت من طبخ عنصر واحد في باطن الأفران النجمية الهائلة هو الآيدروجين .
الآيدروجين يتحول في باطن الأفران النجمية إلى هليوم وكربون وسليكون وكوبالت ونيكل وحديد إلى آخر قائمة العناصر وذلك بتفكيكه وإعادة تركيبه في درجات حرارة وضغوط هائلة ، وهذا يرد جميع صنوف الموجودات إلى خامة واحدة .. إلى فتلة واحدة حريرية غُزِل منها الكون في تفصيلات وتصميمات وطُرُز مختلفة .
والخلاف بين صنف وصنف وبين مخلوق ومخلوق هو خلاف في العلاقات الكيفية والكمية .. في المعادلة والشفرة التكوينية .. لكن الخامة واحدة .. وهذا سر الشعور بالنَسَب والقرابة والمصاهرة وصلة الرحم بين الإنسان والحيوان وبين الوَحش ومُروِضه وبين الأنف التي تشم والوهرة العاطرة وبين العين ومنظر الغروب الجميل .
هذا هو سر الهارموني والإنسجام ، إن كل الوجود أفراد أسرة واحدة من أب واحد ، وهو أمر لا يستتبع أبداً أن نقول إن الله هو الوجود , وأن الخالق هو المخلوق فهذا خلط صوفيّ غير وارد .
والأمر شبيه بحالة الناقد الذواقة الذي دخل معرضاً للرسم فاكتشف وحدة فنية بين جميع اللوحات .. واكتشف أنها جميعاً مرسومة على الخامة نفسها .. وبذات المجموعة الواحدة من الألوان , وأكثر من هذا أن أسلوب الرسم واحد .
والنتيجة الطبيعية أن يقفز إلى ذهن الناقد أن خالق جميع هذه اللوحات واحد . وأن الرسّام هو بيكاسو أو شاجال أو موديلياني .. مثلاً ، فالوحدة بين الموجودات تعني وحدة خالقها .
ولكنها لا تعني أبداً أن هذه الموجدات هي ذاتها الخالق ، ولا يقول الناقد أبداً إن هذه الرسوم هي الرسّام ، إن وحدة الوجود الهندية شطحة صوفيّة خرافية .. وهي تبسيط وجداني لا يصادق عليه العلم ولا يرتاح إليه العقل .
وإنما تقول النظرة العلمية المتأملة لظواهر الخلق والمخلوقات , إن هناك وحدة بينها .. وحدة أسلوب ووحدة قوانين ووحدة خامات تعني جميعها أن خالقها واحد لم يشرك معه شريكاً يسمح بأسلوب غير أسلوبه .
وتقول لنا أيضاً إن هذا الخالق هو عقل كلّي شامل ومحيط , يُلهم مخلوقاته ويهديها في رحلة تطورها ويسلّحها بوسائل البقاء , فهو يخلق لبذور الأشجار الصحراوية أجنحةً لتستطيع أن تعبر الصحاري الجرداء بحثاً عن ماء وعن ظروف إنبات موالية .
وهو يزود بيضة البعوضة بكيسين للطفو لتطفو على الماء لحظة وضعها ولا تغرق . وما كان من الممكن للبعوضة أن تدرك قوانين أرشميدس للطفو فتصنع لبيضها تلك الأكياس .
وإنما هو العقل الكلي الشامل المحيط الذي خلق .. هو الذي يزود كل مخلوق بأسباب حياته .. وهو خالق متعالٍ على مخلوقاته .. يعلم ما لا تعلم ويقدر على ما لا تقدر ويرى ما لا ترى ، فهو واحد أحد قادر عالم محيط سميع بصير خبير .. وهو متعال يعطي الصفات ولا تحيط به صفات .
* * *
والصلة دائماً معقودة بين هذا الخالق ومخلوقاته فهو أقرب إليها من دمها الذي يجري فيها ، وهو المبدِع الذي عزف الإبداع هذه المعزوفة الكونية الرائعة ، هو العادل الذي أحكم قوانينها وأقامها على نواميس دقيقة لا تخطئ ، وهكذا قدم لي العلم الفكرة الإسلامية الكاملة عن الله .
* * *
أما القول بأزلية الوجود لأن العدم معدوم والوجود موجود , فهو جدل لفظي لا يقوم إلا على اللعب بالألفاظ ، والعدم في واقع الأمر غير معدوم ، وقيام العدم في التصور والفكر ينفي كونه معدوماً .
والعدم هو على الأكثر نفي ٌ لما نعلم ولكنه نفياً مطلقاً مساوياً للمحو المطلق . وفكرة العدم المطلق فرضية مثل فرضية الصفر الرياضي .. ولا يصح الخلط بين الإفتراض والواقع ولا يصح تحميل الواقع فرضاً نظرياً , فنقول اعتسافاً إن العدم معدوم , ونعتبر أن هذا الكلام قضية وجودية نبني عليها أحكاماً في الواقع .. هذا تناقض صريح وسفسطة جدلية ، وبالمثل القول بأن الوجود موجود .. هنا نفس الخلط .. فالوجود تجريد ذهني والموجود واقع حسيّ ..
وكلمة العدم وكلمة الوجود تجريدات ذهنية كالصفر ،واللانهاية لا يصح أن نخلط بينها وبين الواقع الملموس المتعيَّن ،والكون الكائن المحدد أمام الحواس ،، الكون إذن ليس أزليا ً،، وإنما هو كون مخلوق كان لا بد له بدء بدليل آخرمن قاموس العلم هو ما نعرفه باسم القانون الثاني للديناميكا الحرارية ،، ويقرر هذا القانون أن الحرارة تنتقل من الساخن إلى البارد من الحرارة الأعلى إلى الحرارة الأدنى حتى يتعادل المستويان فيتوقف التبادل الحراري .
ولو كان الكون أبديا أزليا بدون ابتداء لكان التبادل الحراري قد توقف في تلك الآباد الطويلة المتاحة وبالتالي لتوقفت كل صور الحياة ولبردت النجوم وصارت بدرجة حرارة الصقيع والخواء حولها وانتهى كل شيء ،،إن هذا القانون هو ذاته دليل على أن الكون له بدء .
والقيامة الصغرى التي نراها حولنا في موت الحضارات وموت الأفراد وموت النجوم وموت الحيوان والنبات وتناهي اللحظات والحُقَبْ والدهور .. هي لمحة أُخرى تدلنا على القيامة الكبرى التي لابد أن ينتهي إليها الكون ..
إن العلم الحَق لم يكن أبداً مناقضاً للدين بل إنه دالٌ عليه مؤكَد بمعناه .
وإنما نصف العلم هو الذي يوقع العقل في الشبهة والشك ..
وبخاصة إن كان ذلك العقل مزهوّاً بنفسه معتدّاً بعقلانيته .. وبخاصة إذا دارت المعركة في عصر يتصور فيه العقل أنه كلّ شيء .. وإذا حاصرت الإنسان شواهد حضارة ماديّة صارخة تزأر فيها الطائرات وسفن الفضاء والأقمار الصناعيّة .. هاتفةً كلّ لحظة :
أنا المادة ....
أنا كل شيء ....
مقال / اللــــــّـــــه
من كتاب / رحلتي من الشك إلى الإيمان
للدكتور / مصطفى محمود ( رحمه الله ). ❝ ⏤مصطفى محمود
❞ كان ذلك من زمن بعيد لست أذكره . ربما كنت أدرج من الثالثة عشرة إلى الرابعة عشرة وربما قبل ذلك . في مَطَالِعْ المراهقة . حينما بدأت أتساءل في تمرد :
- تقولون إن الله خلق الدنيا لأنه لابد لكل مخلوق من خالق ولا بد لكل صنعة من صانع ولا بد لكل موجود من موجِد . صدقنا وآمنا . فلتقولوا لي إذن مَن خلق الله . أم أنه جاء بذاته ؟! . فإذا كان قد جاء بذاته وصحّ في تصوركم أن يتم هذا الأمر . فلماذا لا يصح في تصوركم أيضاً أن الدنيا جاءت بذاتها بلا خالق وينتهي الإشكال .
كنت أقول هذا فتصفر من حولي الوجوه وتنطلق الألسُن تمطرني باللعنات وتتسابق إليّ اللكمات عن يمين وشمال . ويستغفر لي أصحاب القلوب التقية ويطلبون لي الهدى . ويتبرأ مني المتزمتون ويجتمع حولي المتمردون . فنغرق معاً في جدل لا ينتهي إلا ليبدأ ولا يبدأ إلا ليسترسل .
وتغيب عني تلك الأيام الحقيقة الأولى وراء ذلك الجدل .
إن زهوي بعقلي الذي بدأ يتفتح وإعجابي بموهبة الكلام ومقارعة الحجج التي انفردت بها . كان هو الحافز دائماً . وكان هو المشجِع . وكان هو الدافع . وليس البحث عن الحقيقة ولا كشف الصواب .
لقد رَفَضْتُ عبادة الله لأني إستغرقت في عبادة نفسي وأُعجبت بومضة النور التي بدأت تومض في فكري مع انفتاح الوعي وبداية الصحوة من مهد الطفولة .
كانت هذه هي الحالة النفسية وراء المشهد الجدلي الذي يتكرر كل يوم . وغابت عني أيضاً أصول المنطق وأنا أعالج المنطق . ولم أدرك أني أتناقض مع نفسي إذ كيف أعترف بالخالق ثم أقول : ومن خلق الخالق فأجعل منه مخلوقاً في الوقت الذي أسميه خالقاً . وهي السفسطة بعينها .
ثم إن القول بسبب أول للوجود يقتضي أن يكون هذا السبب واجب الوجود في ذاته وليس معتمداً ولا محتاجاً لغيره لكي يوجد . أما أن يكون السبب في حاجة إلى سبب فإن هذا يجعله واحدة من حلقات السببية ولا يجعل منه سبباً أول .
هذه هي أبعاد القضية الفلسفية التي إنتهت بأرسطو إلى القول بالسبب الأول والمحرك الأول للوجود .
ولم تكن هذه الأبعاد واضحة في ذهني في ذلك الحين .
ولم أكُن قد عرفت بعد من هو أرسطو ولا ما هي القوانين الأولى للمنطق والجدل .
واحتاج الأمر إلى ثلاثين سنة من الغرق في الكتب وآلاف الليالي من الخلوةِ والتأمل والحوار مع النفس وإعادة النظر ثُمَّ إعادة النظر في إعادة النظر .
ثُمَّ تقليب الفكر على كل وجه لأقطع فيه الطريق الشائكة من ( الله والإنسان ) إلى ( لغز الحياة ) إلى ( لغز الموت ) إلى ما أكتب من كلمات على درب اليقين ، لم يكن الأمر سهلاً . لأني لم أشأ أن آخذ الأمر مأخذاً سهلاً .
ولو أني أصغيت إلى صوت الفطرة وتركت البداهة تقودني لأعفيت نفسي من عناء الجدل . ولقادتني الفطرة إلى الله .
ولكنني جئت في زمن تَعَقّدِتْ فيه كل شيء وضَعِفَ صوت الفطرة حتى صار همساً وإرتفع صوت العقل حتى صار لجاجة وغروراً واعتداداً .
والعقل معذور في إسرافه إذ يرى نفسه واقفاً على هرم هائل من المنجزات وإذ يرى نفسه مانحاً للحضارة بما فيها من صناعة وكهرباء وصواريخ وطائرات وغواصات وإذ يرى نفسه قد اقتحم البر والبحر والجو والماء وما تحت الماء . فتصور نفسه القادر على كل شيء وزج نفسه في كل شيء وأقام نفسه حاكماً على ما يعلم وما لا يعلم .
وغرقت في مكتبة البلدية بطنطا وأنا صبي أقرأ لشبلي شميل وسلامة موسى وأتعرف على فرويد وداروين .
وشغفت بالكيمياء والطبيعة والبيولوجيا . وكان لي معمل صغير في غرفتي أجضر فيه غاز ثاني أكسيد الكربون وثاني أكسيد الكبريت وأقتل الصراصير بالكلور وأشرِّح فيه الضفادع ، وكانت الصيحة التي غمرت العالم هي . العلم . العلم . العلم . ولا شيء غير العلم !!
النظرة الموضوعية هي الطريق .
لنرفض الغيبيات ولنكُف عن إطلاق البخور وترديد الخرافات .
من يعطينا دبابات وطائرات ويأخذ منا الأديان والعبادات ؟؟
وكان ما يصلنا من أنباء العلم الغربي باهراً يخطف أبصارنا وكنا نأخذ عن الغرب كل شيء . الكتب والدواء والملابس والمنسوجات والقاطرات والسيارات . وحتى الأطعمة المعلبة . حتى قلم الرصاص والدبوس والإبرة . حتى نظم التعليم وقوالب التأليف الأدبي من قصة ومسرحية ورواية . حتى ورق الصحف .
وحول أبطال الغرب وعبقرياته كنا ننسج أحلامنا ومُثُلِنا العليا . حول باستير وماركوني ورونتجن وأديسون . وحول نابليون وإبراهام لنكولن . وكرستوفر كولمبس وماجلان .
كان الغرب هو التقدم ، وكان الشرق العربي هو التخلف والضعف والتخاذل والإنهيار تحت أقدام الإستعمار ، وكان طبيعيّاً أن نتصور أن كل ما يأتينا من الغرب هو النور والحق . وهو السبيل إلى القوة والخلاص .
ودخلت كلية الطب لأتلقى العلوم بلغة إنجليزية وأدرس التشريح في مراجع إنجليزية وأتكلم مع أستاذي في المشفى باللغة الإنجليزية . ليس لأن إنجلترا كانت تحتل القناة لكن لسبب آخر مشروع وعادل . هو أن علم الطب الحديث كان صناعة غربية تماماً . وما بدأه العرب في هذه العلوم أيام ابن سينا , كان مجرد أوليّات لا تفي بحاجات العصر .
وقد التقط علماء الغرب الخيط من حيث انتهى ابن سينا والباحثون العرب ثم استأنفوا الطريق بإمكانيات متطورة ومعامل ومختبرات وملايين الجنيهات المرصودة للبحث , فسبقوا الأولين من العرب والفُرس والعُجم , وأقاموا صرح علم الطب الحديث والفسيولوجيا والتشريح والباثولوجيا وأصبحوا بحق مرجعاً .
وتعلمت ما تعلمت في كتب الطب . النظرة العلمية . وأنه لا يصح إقامة حكم بدون حيثيات من الواقع وشواهد من الحس .
وأن العلم يبدأ من المحسوس والمنظور والملموس وأن العلم ذاته هو عملية جمع شواهد واستخراج قوانين ، وما لا يقع تحت الحس فهو في النظرة العلمية غير موجود ، وأن الغيب لا حساب له في الحكم العلمي .
بهذا العقل العلمي المادي البحت بدأت رحلتي في عالم العقيدة وبالرغم من هذه الأرضية المادية والإنطلاق من المحسوسات الذي ينكر كل ما هو غيب فإني لم أستطع أن أنفي أو أستبعد القوة الإلهية .
كان العلم يقدم صورة عن الكون بالغة الإحكام والإنضباط . كل شيء من ورقة الشجر إلى جناح الفراشة إلى ذرة الرمل فيها تناسق ونظام وجمال الكون كله مبني وفق هندسة وقوانين دقيقة .
وكل شيء يتحرك بحساب من الذرة المتناهية في الصغر إلى الفلَك العظيم إلى الشمس وكواكبها إلى المجرة الهائلة التي يقول لنا الفَلك إن فيها أكثر من ألف مليون مجرة .
كل هذا الوجود اللامتناهي من أصغر إلكترون إلى أعظم جرم سماوي كنت أراه أشبه بمعزوفة متناسقة الأنغام مضبوطة التوزيع كل حركة فيها بمقدار . أشبه بالبدن المتكامل الذي فيه روح .
كان العلم يمدني بوسيلة أتصور بها الله بطريقة مادية .
وفي هذه المرحلة تصورت أن الله هو الطاقة الباطنة في الكون التي تنظمه في منظومات جميلة من أحياء وجمادات وأراضٍ وسماوات . هو الحركة التي كشفها العلم في الذرة وفي البروتوبلازم وفي الأفلاك .
هو الحيوية الخالقة الباطنة في كل شيء .أو بعبارة القديس توماس ˝ الفعل الخالص الذي ظل يتحول في الميكروب حتى أصبح إنساناً ومازال يتحول وسيظل يتحول إلى ما لانهاية ˝ .
والوجود كان في تصوري لامحدوداً لانهائياً . إذ لا يمكن أن يحد الوجود إلا العدم . والعدم معدوم . ومن هنا يلزم منطقياً أن يكون الوجود غير محدود ولانهائي .
ولا يصح أن نسأل . مَن الذي خلق الكون . إذ أن السؤال يستتبع أن الكون كان معدوماً في البداية ثم وُجِد . وكيف يكون لمعدوم كيان ؟! .
إن العدم معدوم في الزمان والمكان وساقط في حساب الكلام ولا يصح القول بأنه كان .
وبهذا جعلت من الوجود حدثاً قديماً أبدياً أزلياً ممتداً في الزمان لا حدود له ولا نهاية .
وأصبح الله في هذه النظرة هو الكل ونحن تجلياته .
الله هو الوجود . والعدم قبله معدوم .
هو الوجود المادي الممتد أزلاً وأبداً بلا بدء وبلا نهاية .
وهكذا أقمت لنفسي نظرية تكتفي بالموجود . وترى أن الله هو الوجود . دون حاجة إلى افتراض الغيب والمغيبات . ودون حاجة إلى التماس اللامنظور .
وبذلك وقعت في أسر فكرة وحدة الوجود الهندية وفلسفة سبينوزا . وفكرة برجسون عن الطاقة الباطنة الخلاّقة .
وكلها فلسفات تبدأ من الأرض . من الحواس الخمس . ولا تعترف بالمغيبات ، ووحدة الوجود الهندية تمضي إلى أكثر من ذلك فتلغي الثنائية بين المخلوق والخالق . فكل المخلوقات في نظرها هي عيني الخالق .
وفي سفر اليوبانيشاد صلاة هندية قديمة تشرح هذا المعنى في أبيات رقيقة من الشعر ..
إن الإله براهماً الذي يسكن قلب العالم يتحدث في همس قائلاً :
إذا ظن القاتل أنه قاتل ...
والمقتول أنه قتيل .....
فليسا يدريان ما خفي من أساليبي ..
حيث أكون الصدر لمن يموت ....
والسلاح لمن يقتل ....
والجناح لمن يطير ...
وحيث أكون لمن يشك في وجودي ...
كل شيء حتى الشك نفسه ..
وحيث أكون أنا الواحد ...
وأنا الأشياء ...
إنه إله يشبه النور الأبيض . واحد . وبسيط . ولكنه يحتوى في داخله على ألوان الطيف السبعة ، وعشت سنوات في هذا الضباب الهندي وهذه الماريجوانا الصوفية ومارست اليوجا وقرأتها في أصولها وتلقيت تعاليمها على أيدي أساتذة هنود .
وسيطرَت عليَّ فكرة التناسخ مدة طويلة وظهرت روايات لي مثل ( العنكبوت ) و ( الخروج من التابوت ) ، ثم بدأت أفيق على حالة من عدم الرضا وعدم الإقتناع .
واعترفت بيني وبين نفسي أن هذه الفكرة عن الله فيها الكثير من الخلط . ومرة أخرى كان العلم هو دليلي ومنقذي ومرشدي ، عكوفي على العلم وعلى الشريحة الحية تحت الميكروسكوب قال لي شيئاً آخر .
وحدة الوجود الهندية كانت عبارة شعرية صوفية . ولكنها غير صادقة .
والحقيقة المؤكدة التي يقولها العلم أن هناك وحدة في الخامة لا أكثر . وحدة في النسيج والسُنن الأولية والقوانين . وحدة في المادة الأولية التي بُنيَ منها كل شيء . فكل الحياة من نبات وحيوان وإنسان بنيت من تواليف الكربون مع الآيدروجين والأكسجين . ولهذا تتحول كلها إلى فحم بالإحتراق . وكل صنوف الحياة تقوم على الخلية الواحدة ومضاعفاتها .
ومرة أخرى نتعلم من الفلَك والكيمياء والعلوم النووية أن الكربون ذاته وكذلك جميع العناصر المختلفة جاءت من طبخ عنصر واحد في باطن الأفران النجمية الهائلة هو الآيدروجين .
الآيدروجين يتحول في باطن الأفران النجمية إلى هليوم وكربون وسليكون وكوبالت ونيكل وحديد إلى آخر قائمة العناصر وذلك بتفكيكه وإعادة تركيبه في درجات حرارة وضغوط هائلة ، وهذا يرد جميع صنوف الموجودات إلى خامة واحدة . إلى فتلة واحدة حريرية غُزِل منها الكون في تفصيلات وتصميمات وطُرُز مختلفة .
والخلاف بين صنف وصنف وبين مخلوق ومخلوق هو خلاف في العلاقات الكيفية والكمية . في المعادلة والشفرة التكوينية . لكن الخامة واحدة . وهذا سر الشعور بالنَسَب والقرابة والمصاهرة وصلة الرحم بين الإنسان والحيوان وبين الوَحش ومُروِضه وبين الأنف التي تشم والوهرة العاطرة وبين العين ومنظر الغروب الجميل .
هذا هو سر الهارموني والإنسجام ، إن كل الوجود أفراد أسرة واحدة من أب واحد ، وهو أمر لا يستتبع أبداً أن نقول إن الله هو الوجود , وأن الخالق هو المخلوق فهذا خلط صوفيّ غير وارد .
والأمر شبيه بحالة الناقد الذواقة الذي دخل معرضاً للرسم فاكتشف وحدة فنية بين جميع اللوحات . واكتشف أنها جميعاً مرسومة على الخامة نفسها . وبذات المجموعة الواحدة من الألوان , وأكثر من هذا أن أسلوب الرسم واحد .
والنتيجة الطبيعية أن يقفز إلى ذهن الناقد أن خالق جميع هذه اللوحات واحد . وأن الرسّام هو بيكاسو أو شاجال أو موديلياني . مثلاً ، فالوحدة بين الموجودات تعني وحدة خالقها .
ولكنها لا تعني أبداً أن هذه الموجدات هي ذاتها الخالق ، ولا يقول الناقد أبداً إن هذه الرسوم هي الرسّام ، إن وحدة الوجود الهندية شطحة صوفيّة خرافية . وهي تبسيط وجداني لا يصادق عليه العلم ولا يرتاح إليه العقل .
وإنما تقول النظرة العلمية المتأملة لظواهر الخلق والمخلوقات , إن هناك وحدة بينها . وحدة أسلوب ووحدة قوانين ووحدة خامات تعني جميعها أن خالقها واحد لم يشرك معه شريكاً يسمح بأسلوب غير أسلوبه .
وتقول لنا أيضاً إن هذا الخالق هو عقل كلّي شامل ومحيط , يُلهم مخلوقاته ويهديها في رحلة تطورها ويسلّحها بوسائل البقاء , فهو يخلق لبذور الأشجار الصحراوية أجنحةً لتستطيع أن تعبر الصحاري الجرداء بحثاً عن ماء وعن ظروف إنبات موالية .
وهو يزود بيضة البعوضة بكيسين للطفو لتطفو على الماء لحظة وضعها ولا تغرق . وما كان من الممكن للبعوضة أن تدرك قوانين أرشميدس للطفو فتصنع لبيضها تلك الأكياس .
وإنما هو العقل الكلي الشامل المحيط الذي خلق . هو الذي يزود كل مخلوق بأسباب حياته . وهو خالق متعالٍ على مخلوقاته . يعلم ما لا تعلم ويقدر على ما لا تقدر ويرى ما لا ترى ، فهو واحد أحد قادر عالم محيط سميع بصير خبير . وهو متعال يعطي الصفات ولا تحيط به صفات .
**
والصلة دائماً معقودة بين هذا الخالق ومخلوقاته فهو أقرب إليها من دمها الذي يجري فيها ، وهو المبدِع الذي عزف الإبداع هذه المعزوفة الكونية الرائعة ، هو العادل الذي أحكم قوانينها وأقامها على نواميس دقيقة لا تخطئ ، وهكذا قدم لي العلم الفكرة الإسلامية الكاملة عن الله .
**
أما القول بأزلية الوجود لأن العدم معدوم والوجود موجود , فهو جدل لفظي لا يقوم إلا على اللعب بالألفاظ ، والعدم في واقع الأمر غير معدوم ، وقيام العدم في التصور والفكر ينفي كونه معدوماً .
والعدم هو على الأكثر نفي ٌ لما نعلم ولكنه نفياً مطلقاً مساوياً للمحو المطلق . وفكرة العدم المطلق فرضية مثل فرضية الصفر الرياضي . ولا يصح الخلط بين الإفتراض والواقع ولا يصح تحميل الواقع فرضاً نظرياً , فنقول اعتسافاً إن العدم معدوم , ونعتبر أن هذا الكلام قضية وجودية نبني عليها أحكاماً في الواقع . هذا تناقض صريح وسفسطة جدلية ، وبالمثل القول بأن الوجود موجود . هنا نفس الخلط . فالوجود تجريد ذهني والموجود واقع حسيّ .
وكلمة العدم وكلمة الوجود تجريدات ذهنية كالصفر ،واللانهاية لا يصح أن نخلط بينها وبين الواقع الملموس المتعيَّن ،والكون الكائن المحدد أمام الحواس ،، الكون إذن ليس أزليا ً،، وإنما هو كون مخلوق كان لا بد له بدء بدليل آخرمن قاموس العلم هو ما نعرفه باسم القانون الثاني للديناميكا الحرارية ،، ويقرر هذا القانون أن الحرارة تنتقل من الساخن إلى البارد من الحرارة الأعلى إلى الحرارة الأدنى حتى يتعادل المستويان فيتوقف التبادل الحراري .
ولو كان الكون أبديا أزليا بدون ابتداء لكان التبادل الحراري قد توقف في تلك الآباد الطويلة المتاحة وبالتالي لتوقفت كل صور الحياة ولبردت النجوم وصارت بدرجة حرارة الصقيع والخواء حولها وانتهى كل شيء ،،إن هذا القانون هو ذاته دليل على أن الكون له بدء .
والقيامة الصغرى التي نراها حولنا في موت الحضارات وموت الأفراد وموت النجوم وموت الحيوان والنبات وتناهي اللحظات والحُقَبْ والدهور . هي لمحة أُخرى تدلنا على القيامة الكبرى التي لابد أن ينتهي إليها الكون .
إن العلم الحَق لم يكن أبداً مناقضاً للدين بل إنه دالٌ عليه مؤكَد بمعناه .
وإنما نصف العلم هو الذي يوقع العقل في الشبهة والشك .
وبخاصة إن كان ذلك العقل مزهوّاً بنفسه معتدّاً بعقلانيته . وبخاصة إذا دارت المعركة في عصر يتصور فيه العقل أنه كلّ شيء . وإذا حاصرت الإنسان شواهد حضارة ماديّة صارخة تزأر فيها الطائرات وسفن الفضاء والأقمار الصناعيّة . هاتفةً كلّ لحظة :
أنا المادة ..
أنا كل شيء ..
مقال / اللــــــّـــــه
من كتاب / رحلتي من الشك إلى الإيمان
للدكتور / مصطفى محمود ( رحمه الله ). ❝
❞ الجزء الخامس
(عفتي والديوث)
بدءت مريم تحكي ودموعها لا تتوقف
انا كنت عايشه مع عائلتي ذيي ذي اي حد لحد مافي جت رساله لوالدتي علي تليفونها بتقول
(جوزك بيخونك وانتي نايمه علي ودنك والدليل اهو )صور كتير كتير اوي لبابا مع ستات كتيره
ماما وقتها انهارت علي قد حبها لبابا علي قد جرحها لما وجهيته وهو ما انكرش وطلبت الطلاق وهو ما اعترضش بس كان شرطه اني اكون معاه وهي تاخد توأمي معاها ولأن ماما ماكنش ليها حد بعد جدي الله يرحمه فوافقت وسابتني وهي مش راضيه
اينعم كان ليسه عندي عشر سنين بعد مش هنسا كلامها ابدا ليا
(حبيبتي يا مريم انا عارفه اني مش مقصره معاكي وكان نفسي اخدك معايا ذي اختك بس يا حبيبتي ابوكي عمره ما هسيبك ليا علشان طول عمره بيحبك انتي عن اختك بس انا دائما هطمن عليكي ودائما تاخدي بالك من نفسك ولو حسيت باي خطر انا موجوده اوعي تترددي انك تجيلي لو نص الليل انا هسيبك ونص روحي معاكي خدي بالك من نفسك )
وسابتني سابتني ومشيت وكأنها اخدت معاها سعادتي وهنايا
بابا كان دائما يرجع متاخر ومش مهتم بيا لا في دراسه ولا حياه كنت دائما مفتقده امي واختي روحي اللي اتاخدت مني غدر بسبب والدي
لحد ما في يوم وبعد تمن سنين كنت رايحه اطلع بطاقه وشفت اللي ما كنتش أتوقعه
~~~~~~~~~~~
عن رونال خرج الدكتور
فتحيه:خير يا دكتور طمني
محمد:ما تقلقيش يا حجه انا شاكك انها كدمه بس لازم تعمل الاشعه دي علشان اتاكد بس وكتب علي اسم الاشعه واعطها لها
فتحيه:طيب يا ابني في مركز علي اول الشارع هتروح تعمل فيه وقلي فين عيادتك
محمد:عيادتي هنا اتنقل عندكم لحد ما نطمن عليها
فتحيه:يعني حضرتك هتستناها لحد ما تجي
محمد :سيف باشا ماكد عليا ما امشي من هنا قبل ما اطمنه عليها
عندك شاي يا حجه ولا انزل اشربه علي القهوه لحد ما تخلص
فتحيه :يا ندامه يا ابني تعمل فينا معروف وتنزل تشرب الشاي تحت والله ما تحصل
رونال:طيب انزل انا بسرعه الحق علشان حضرتك اكيد مشغول
وقبل أن تنزل وجد الشاب الذي معه يستعد للمغادره معاها
فنظرت له باستغراب
فلاول مره يتكلم وقال:حضرتك انا لازم اكون معاكي احسن تحتاجي حاجه
رونال:لا شكرا ده منطقتنا يعني لو محتاجه حاجه هعرف اجيبها
الشاب:اعتبرني اخوكي بس سيف ماكد عليا لازم اكون معاكي لحد ما نطمن عليكي
رونال:لاحول ولاقوة الا بالله هو بالعافيه انا بقول لا
وانا بقول اه كان صوت فتحيه من وراءها فنظرت إليها سريعا رونال :له يا ست الكل لو حد شافه معايا في الحاره هيقولوا ايه
وقبل أن ترد فتحيه رد الشاب :ما تخافيش انا همشي وراءكي من بعيد انا اعرف الأصول كويس يا انسه رونال
رونال:امري لله اتفضل بس من بعيد لبعيد ها
نزلوا سويا وقبل أن يخرجوا من الباب أشار إليها أن تسبقه ففعلت
وهو وراءها في كل خطوه حتي وصلوا المركز
موظفه الاستقبال:اهلا اهلا رورو عاش من شافك
رونال بصدمه عاش من شافك انتي ايه اللي جابك هنا يا نرمين
(نرمين كانت صديقه رونال في الجامعه وظلت الي الان ولكن بينهم رسائل ولم يتقبلوا الا مره واحده من بعد انتهاء جامعتهم)
نرمين:انا شغاله هنا بالليل اصلي نقلت هنا في نفس الشارع
ففرحت رونال وقالت :بجد ده انا ساكنه هنا برضو كده بقا ملكيش حجه هنشوف بعض علطول
نرمين:ما قوليش انتي جايه هنا ليه خير
رونال:تصدقي شفتك ونسيت كل حاجه
انا عربيه خبطتني وعاوزه اعمل اشعه
نرمين :انهي حمار ده اللي عمل كده
رونال:يابت بس بلاش لسانك ده ده واحد من طرفه جيي معايا وأشارت إلي الشاب الذي يقف بعيد وعندما نظرت إليه نرمين احس بطعنه في قلبه وهي ايضا
نرمين:مين المز ده يا بت
رونال:مااعرفش ده جاي من عند مديري
نرمين:لا استني مش انتي قولتلي من طرف اللي خبطك ازاي دلوقتي من طرف المدير
رونال:ده موضوع يطول شرحه خليني اعمل الاشعه علشان الدكتور مستني عن فتحيه
نرمين:طيب خشي علشان الدكتور همشي ولما تطلعي حاسبي
رونال:ماشي يا ستي
دخلت رونال الي الغرفه واقترب الشاب من نرمين
وقال :اتفضلي فلوس الاشعه وأخرج من جيبه خمسه الآلاف جنيه
نرمين:حضرتك اولا هي هتطلع تحسبني وثانيا حتي لو المبلغ ده كبير اوووي يا.....
الشاب:انا رسلان السيوفي
فشهقت نرمين وقالت انت رسلان السيوفي معقول
رسلان:اه والله انا هو
نرمين :وايه اللي جابك حتتنا
رسلان:لا ده موضوع يطول شرحه ممكن دقيقه من موبايلك
نرمين:معقول رسلان السيوفي مش معاه رصيد في تليفونه
رسلان :معلش نسيت اشحن
نرمين:امري لله خد بس أنجز وقول للي انت هتكلمه أن ده سنترال علشان ما يكلمش هنا تاني
ضحك رسلان واخذ الموبايل ودقيقه وكان موبايله بيرن فكنسل واعطا نرمين تليفونها
رسلان:ده رقمي الخاص لو حبيتي تعرفي انا ايه اللي جابني هنا ابقي كلمني أو رني بس وانا اتصل بيكي
وبعدين يلا خدي فلوس الاشعه بقا
فضحكت نرمين وأخذت منه جزء من الفلوس التي معاه وأعطته الوصل ودلفت الي غرفه وبعدها بدقيقه
جاء عامل البوفيه ومعاه قهوه مضبوطه وقدمها له
رسلان:والله جت في وقتها بس انا ما طلبتش حاجه
عامل البوفيه:مدام نرمين هي اللي قلتي قهوتك مضبوطه
فهمس بين نفسه ودي عرفت ازاي
وفابتسم وعندما رفع رأسه وجد أمامه
يتبع. ❝ ⏤داليا ماجد خاطر (ملكه زماني)
❞ الجزء الخامس
(عفتي والديوث)
بدءت مريم تحكي ودموعها لا تتوقف
انا كنت عايشه مع عائلتي ذيي ذي اي حد لحد مافي جت رساله لوالدتي علي تليفونها بتقول
(جوزك بيخونك وانتي نايمه علي ودنك والدليل اهو )صور كتير كتير اوي لبابا مع ستات كتيره
ماما وقتها انهارت علي قد حبها لبابا علي قد جرحها لما وجهيته وهو ما انكرش وطلبت الطلاق وهو ما اعترضش بس كان شرطه اني اكون معاه وهي تاخد توأمي معاها ولأن ماما ماكنش ليها حد بعد جدي الله يرحمه فوافقت وسابتني وهي مش راضيه
اينعم كان ليسه عندي عشر سنين بعد مش هنسا كلامها ابدا ليا
(حبيبتي يا مريم انا عارفه اني مش مقصره معاكي وكان نفسي اخدك معايا ذي اختك بس يا حبيبتي ابوكي عمره ما هسيبك ليا علشان طول عمره بيحبك انتي عن اختك بس انا دائما هطمن عليكي ودائما تاخدي بالك من نفسك ولو حسيت باي خطر انا موجوده اوعي تترددي انك تجيلي لو نص الليل انا هسيبك ونص روحي معاكي خدي بالك من نفسك )
وسابتني سابتني ومشيت وكأنها اخدت معاها سعادتي وهنايا
بابا كان دائما يرجع متاخر ومش مهتم بيا لا في دراسه ولا حياه كنت دائما مفتقده امي واختي روحي اللي اتاخدت مني غدر بسبب والدي
لحد ما في يوم وبعد تمن سنين كنت رايحه اطلع بطاقه وشفت اللي ما كنتش أتوقعه
~~~~~~~~~~~
عن رونال خرج الدكتور
فتحيه:خير يا دكتور طمني
محمد:ما تقلقيش يا حجه انا شاكك انها كدمه بس لازم تعمل الاشعه دي علشان اتاكد بس وكتب علي اسم الاشعه واعطها لها
فتحيه:طيب يا ابني في مركز علي اول الشارع هتروح تعمل فيه وقلي فين عيادتك
محمد:عيادتي هنا اتنقل عندكم لحد ما نطمن عليها
فتحيه:يعني حضرتك هتستناها لحد ما تجي
محمد :سيف باشا ماكد عليا ما امشي من هنا قبل ما اطمنه عليها
عندك شاي يا حجه ولا انزل اشربه علي القهوه لحد ما تخلص
فتحيه :يا ندامه يا ابني تعمل فينا معروف وتنزل تشرب الشاي تحت والله ما تحصل
رونال:طيب انزل انا بسرعه الحق علشان حضرتك اكيد مشغول
وقبل أن تنزل وجد الشاب الذي معه يستعد للمغادره معاها
فنظرت له باستغراب
فلاول مره يتكلم وقال:حضرتك انا لازم اكون معاكي احسن تحتاجي حاجه
رونال:لا شكرا ده منطقتنا يعني لو محتاجه حاجه هعرف اجيبها
الشاب:اعتبرني اخوكي بس سيف ماكد عليا لازم اكون معاكي لحد ما نطمن عليكي
رونال:لاحول ولاقوة الا بالله هو بالعافيه انا بقول لا
وانا بقول اه كان صوت فتحيه من وراءها فنظرت إليها سريعا رونال :له يا ست الكل لو حد شافه معايا في الحاره هيقولوا ايه
وقبل أن ترد فتحيه رد الشاب :ما تخافيش انا همشي وراءكي من بعيد انا اعرف الأصول كويس يا انسه رونال
رونال:امري لله اتفضل بس من بعيد لبعيد ها
نزلوا سويا وقبل أن يخرجوا من الباب أشار إليها أن تسبقه ففعلت
وهو وراءها في كل خطوه حتي وصلوا المركز
موظفه الاستقبال:اهلا اهلا رورو عاش من شافك
رونال بصدمه عاش من شافك انتي ايه اللي جابك هنا يا نرمين
(نرمين كانت صديقه رونال في الجامعه وظلت الي الان ولكن بينهم رسائل ولم يتقبلوا الا مره واحده من بعد انتهاء جامعتهم)
نرمين:انا شغاله هنا بالليل اصلي نقلت هنا في نفس الشارع
ففرحت رونال وقالت :بجد ده انا ساكنه هنا برضو كده بقا ملكيش حجه هنشوف بعض علطول
نرمين:ما قوليش انتي جايه هنا ليه خير
رونال:تصدقي شفتك ونسيت كل حاجه
انا عربيه خبطتني وعاوزه اعمل اشعه
نرمين :انهي حمار ده اللي عمل كده
رونال:يابت بس بلاش لسانك ده ده واحد من طرفه جيي معايا وأشارت إلي الشاب الذي يقف بعيد وعندما نظرت إليه نرمين احس بطعنه في قلبه وهي ايضا
نرمين:مين المز ده يا بت
رونال:مااعرفش ده جاي من عند مديري
نرمين:لا استني مش انتي قولتلي من طرف اللي خبطك ازاي دلوقتي من طرف المدير
رونال:ده موضوع يطول شرحه خليني اعمل الاشعه علشان الدكتور مستني عن فتحيه
نرمين:طيب خشي علشان الدكتور همشي ولما تطلعي حاسبي
رونال:ماشي يا ستي
دخلت رونال الي الغرفه واقترب الشاب من نرمين
وقال :اتفضلي فلوس الاشعه وأخرج من جيبه خمسه الآلاف جنيه
نرمين:حضرتك اولا هي هتطلع تحسبني وثانيا حتي لو المبلغ ده كبير اوووي يا...
الشاب:انا رسلان السيوفي
فشهقت نرمين وقالت انت رسلان السيوفي معقول
رسلان:اه والله انا هو
نرمين :وايه اللي جابك حتتنا
رسلان:لا ده موضوع يطول شرحه ممكن دقيقه من موبايلك
نرمين:معقول رسلان السيوفي مش معاه رصيد في تليفونه
رسلان :معلش نسيت اشحن
نرمين:امري لله خد بس أنجز وقول للي انت هتكلمه أن ده سنترال علشان ما يكلمش هنا تاني
ضحك رسلان واخذ الموبايل ودقيقه وكان موبايله بيرن فكنسل واعطا نرمين تليفونها
رسلان:ده رقمي الخاص لو حبيتي تعرفي انا ايه اللي جابني هنا ابقي كلمني أو رني بس وانا اتصل بيكي
وبعدين يلا خدي فلوس الاشعه بقا
فضحكت نرمين وأخذت منه جزء من الفلوس التي معاه وأعطته الوصل ودلفت الي غرفه وبعدها بدقيقه
جاء عامل البوفيه ومعاه قهوه مضبوطه وقدمها له
رسلان:والله جت في وقتها بس انا ما طلبتش حاجه
عامل البوفيه:مدام نرمين هي اللي قلتي قهوتك مضبوطه
فهمس بين نفسه ودي عرفت ازاي
وفابتسم وعندما رفع رأسه وجد أمامه
يتبع. ❝
❞ إعلم أن شرعنا مضبوط الأصول ، محروس القواعد ، لا خلل فيه ولا دخل ، وكذلك كل الشرائع ، إنما الآية في المُبتدعين ، في الدين أو الجُهال .. ❝ ⏤أبو الفرج عبد الرحمن بن الجوزي
❞ إعلم أن شرعنا مضبوط الأصول ، محروس القواعد ، لا خلل فيه ولا دخل ، وكذلك كل الشرائع ، إنما الآية في المُبتدعين ، في الدين أو الجُهال. ❝