█ حصريا تحميل كتاب مجاناً PDF اونلاين 2024
❞ النجاح قد يأتي في حلم
جوان كاثلين رولنغ .. هل سمعت بهذا الاسم من قبل ؟
قد يبدو الاسم غريبا , لكنك بالتأكيد تعرفين احد اشهر أعمالها ( هارى بوتر ) تلك القصة الخيالية التي حققت مبيعات مهولة , جعلت من صاحبتها أول مليارديرة عن طريق التأليف حسبما أوردت مجلة ˝ فور بس ˝ المهتمة بعالم المال , في 2007 م أصدرت ˝ جوان ˝ الجزء السابع من روايتها , وأصيب العالم يوم صدور الكتاب بشلل تام ووقف قراؤها بالملايين من كل أرجاء المعمرة في انتظار ساعة طرح الكتاب للجمهور , ولقد بيع منها في الولايات المتحدة فقط في هذا اليوم 12 مليون نسخة !!
فمن هي هذه المرآة ؟ وكيف كانت بدايتها ؟
هي امرأة إنجليزية , عملت فترة في انجلترا , ثم سافرت لفرنسا ثم إلى البرتغال حيث كانت تعمل معلمة في أحدى مدارسها , وهناك تقابلت مع زوجها وأنجبت منه طفلة سمتها ˝ جيسيكا ˝ وبعد سنوات طلقها زوجها وحدث بينهما شجار عنيف ومتكرر , دفعها إلى الالتجاء للسفارة الإنجليزية طلبا للحماية من زوجها السابق
عادت ˝ رولنغ ˝ إلى بريطانيا , وهناك فُجعت بموت أمها , الأمر الذي اثر كثيرا على حالتها النفسية , فعاشت حالة من الإحباط الكبير
, وأقامت في تلك الفترة مع أختها في منزلها بأدنبرة
وفى عام 1995 م – أي في الثلاثين من عمرها – بدأت ˝ رولنغ ˝ بكتابة مغامرات الصبي الساحر ˝ هاري بوتر ˝ الذي تجلى لها أثناء رحلة في القطار
فكانت تحلم وفى في القطار بأبطال خياليين يجسدون أحلامها وأمانيها الطفولية
في ذلك الوقت كان ˝ رولنغ ˝ تعيش على نفقة الدولة عاطلة عن العمل , بل لقد كتبت معظم فصول قصتها على المقاهي كما قالت هي في مقابلة تليفزيونية
وحين انتهت من فصول روايتها دفعت بها إلى أكثر من ناشر فرفضوا نشر الكتاب , حتى بلغ عدد الرافضين لها 12 دار نشر !
لم تيأس ˝ جوان ˝ , وواصلت البحث إلى أن وجدت ناشرا صغيرا وافق على مضض بنشر الكتاب , ومن المضحك إن الذي ضغط علي الناشر لنشر الكتاب هو ابنته ذات الثمانية أعوام , والتي قرأت الرواية , وأعجبت بها جدا !!!
بيد أن الناشر طلب منها طلبا غريبا , وهو أن يكتب الحروف الأولى من اسمها فقط , حتى لا يعرف القارئ أن كاتب هذه القصة امرأة , وذلك لاعتقاده أن القراء سينفرون من قراءة كتاب أطفال كتبته امرأة
وافقت ˝ جون ˝ على طلب الناشر ..وأصبح الكتاب جاهزا كي يطرح في الأسواق
وبالفعل طرحت الرواية في الأسواق بدون دعاية مسبقة لكنها رغم ذلك نجحت نجاحا كبيرا ومُبهرا , وكانت بداية الشهرة والنجاح , حيث تتالت الكتب , وحقق كل واحد منها أرقاما مذهلة تزيد عن سابقه , وأخرجت أربعة أفلام من السلسلة ذات الكتب السبعة , فتكونت إمبراطورية ˝ هاري بوتر ˝ الضخمة
ويعتقد أن كتب ˝ هاري بوتر ˝ قد بيعت أكثر من أربعمائة مليون نسخة حول العالم , وأصبحت ˝ رولنغ ˝ ثرية , فتزوجت من جديد , وأنجبت طفلا آخر , وصارت واحدة من أكثر الشخصيات تأثيرا ونفوذا , بل أن صحيفة ˝ صنداى تايمز ˝ الأمريكية صنفتها في المرتبة 136 على لائحة أثرياء العالم , وال (13) في لائحة أثرى نساء في بريطانيا
وفى عام 2001م , اشترت قصرا فاخرا تعودهندسته للقرن التاسع عشر , ويقع ˝كيلى شاسى هاوس ˝ على ضفاف نهر ˝تاى ˝قرب ˝ ابير فلدى ˝ في اسكتلندا , كما تملك ˝ رولنغ ˝ أيضا منزلا يضم 13 غرفة نوم في ˝ ميرشيستون ˝ في ادينبرغ , وبيتا في ˝ كينسنغتون ˝ غرب لندن ب 8 مليون دولار
وفى عام 2006 م , أفادت مجلة ˝ فور بس ˝ الأمريكية أن ˝ رولنغ ˝ هي ثاني أغنى امرأة في العالم , وصنفها في المرتبة 48 على لائحة أكثر المشاهير تأثيرا لعام 2007 م
وكل هذا بفضل حلم جاءها في قطار , حولته بموهبة فذة إلى سلسلة ناجحة , بمختلف المقاييس
لتتحول من امرأة عاطلة مطلقة , تلاحقها ألازمات والمشكلات النفسية والمادية إلى ظاهرة يعجز الكثيرون عن تحليلها . ❝
❞ كان ذلك من زمن بعيد لست أذكره .. ربما كنت أدرج من الثالثة عشرة إلى الرابعة عشرة وربما قبل ذلك .. في مَطَالِعْ المراهقة .. حينما بدأت أتساءل في تمرد :
- تقولون إن الله خلق الدنيا لأنه لابد لكل مخلوق من خالق ولا بد لكل صنعة من صانع ولا بد لكل موجود من موجِد .. صدقنا وآمنا .. فلتقولوا لي إذن مَن خلق الله .. أم أنه جاء بذاته ؟! .. فإذا كان قد جاء بذاته وصحّ في تصوركم أن يتم هذا الأمر .. فلماذا لا يصح في تصوركم أيضاً أن الدنيا جاءت بذاتها بلا خالق وينتهي الإشكال .
كنت أقول هذا فتصفر من حولي الوجوه وتنطلق الألسُن تمطرني باللعنات وتتسابق إليّ اللكمات عن يمين وشمال .. ويستغفر لي أصحاب القلوب التقية ويطلبون لي الهدى .. ويتبرأ مني المتزمتون ويجتمع حولي المتمردون .. فنغرق معاً في جدل لا ينتهي إلا ليبدأ ولا يبدأ إلا ليسترسل .
وتغيب عني تلك الأيام الحقيقة الأولى وراء ذلك الجدل .
إن زهوي بعقلي الذي بدأ يتفتح وإعجابي بموهبة الكلام ومقارعة الحجج التي انفردت بها .. كان هو الحافز دائماً .. وكان هو المشجِع .. وكان هو الدافع .. وليس البحث عن الحقيقة ولا كشف الصواب .
لقد رَفَضْتُ عبادة الله لأني إستغرقت في عبادة نفسي وأُعجبت بومضة النور التي بدأت تومض في فكري مع انفتاح الوعي وبداية الصحوة من مهد الطفولة .
كانت هذه هي الحالة النفسية وراء المشهد الجدلي الذي يتكرر كل يوم . وغابت عني أيضاً أصول المنطق وأنا أعالج المنطق .. ولم أدرك أني أتناقض مع نفسي إذ كيف أعترف بالخالق ثم أقول : ومن خلق الخالق فأجعل منه مخلوقاً في الوقت الذي أسميه خالقاً .. وهي السفسطة بعينها .
ثم إن القول بسبب أول للوجود يقتضي أن يكون هذا السبب واجب الوجود في ذاته وليس معتمداً ولا محتاجاً لغيره لكي يوجد . أما أن يكون السبب في حاجة إلى سبب فإن هذا يجعله واحدة من حلقات السببية ولا يجعل منه سبباً أول .
هذه هي أبعاد القضية الفلسفية التي إنتهت بأرسطو إلى القول بالسبب الأول والمحرك الأول للوجود .
ولم تكن هذه الأبعاد واضحة في ذهني في ذلك الحين .
ولم أكُن قد عرفت بعد من هو أرسطو ولا ما هي القوانين الأولى للمنطق والجدل .
واحتاج الأمر إلى ثلاثين سنة من الغرق في الكتب وآلاف الليالي من الخلوةِ والتأمل والحوار مع النفس وإعادة النظر ثُمَّ إعادة النظر في إعادة النظر ..
ثُمَّ تقليب الفكر على كل وجه لأقطع فيه الطريق الشائكة من ( الله والإنسان ) إلى ( لغز الحياة ) إلى ( لغز الموت ) إلى ما أكتب من كلمات على درب اليقين ، لم يكن الأمر سهلاً .. لأني لم أشأ أن آخذ الأمر مأخذاً سهلاً .
ولو أني أصغيت إلى صوت الفطرة وتركت البداهة تقودني لأعفيت نفسي من عناء الجدل .. ولقادتني الفطرة إلى الله ..
ولكنني جئت في زمن تَعَقّدِتْ فيه كل شيء وضَعِفَ صوت الفطرة حتى صار همساً وإرتفع صوت العقل حتى صار لجاجة وغروراً واعتداداً ..
والعقل معذور في إسرافه إذ يرى نفسه واقفاً على هرم هائل من المنجزات وإذ يرى نفسه مانحاً للحضارة بما فيها من صناعة وكهرباء وصواريخ وطائرات وغواصات وإذ يرى نفسه قد اقتحم البر والبحر والجو والماء وما تحت الماء .. فتصور نفسه القادر على كل شيء وزج نفسه في كل شيء وأقام نفسه حاكماً على ما يعلم وما لا يعلم .
وغرقت في مكتبة البلدية بطنطا وأنا صبي أقرأ لشبلي شميل وسلامة موسى وأتعرف على فرويد وداروين .
وشغفت بالكيمياء والطبيعة والبيولوجيا .. وكان لي معمل صغير في غرفتي أجضر فيه غاز ثاني أكسيد الكربون وثاني أكسيد الكبريت وأقتل الصراصير بالكلور وأشرِّح فيه الضفادع ، وكانت الصيحة التي غمرت العالم هي .. العلم .. العلم .. العلم .. ولا شيء غير العلم !!
النظرة الموضوعية هي الطريق .
لنرفض الغيبيات ولنكُف عن إطلاق البخور وترديد الخرافات .
من يعطينا دبابات وطائرات ويأخذ منا الأديان والعبادات ؟؟
وكان ما يصلنا من أنباء العلم الغربي باهراً يخطف أبصارنا وكنا نأخذ عن الغرب كل شيء .. الكتب والدواء والملابس والمنسوجات والقاطرات والسيارات .. وحتى الأطعمة المعلبة .. حتى قلم الرصاص والدبوس والإبرة .. حتى نظم التعليم وقوالب التأليف الأدبي من قصة ومسرحية ورواية .. حتى ورق الصحف .
وحول أبطال الغرب وعبقرياته كنا ننسج أحلامنا ومُثُلِنا العليا .. حول باستير وماركوني ورونتجن وأديسون .. وحول نابليون وإبراهام لنكولن .. وكرستوفر كولمبس وماجلان .
كان الغرب هو التقدم ، وكان الشرق العربي هو التخلف والضعف والتخاذل والإنهيار تحت أقدام الإستعمار ، وكان طبيعيّاً أن نتصور أن كل ما يأتينا من الغرب هو النور والحق .. وهو السبيل إلى القوة والخلاص .
ودخلت كلية الطب لأتلقى العلوم بلغة إنجليزية وأدرس التشريح في مراجع إنجليزية وأتكلم مع أستاذي في المشفى باللغة الإنجليزية .. ليس لأن إنجلترا كانت تحتل القناة لكن لسبب آخر مشروع وعادل .. هو أن علم الطب الحديث كان صناعة غربية تماماً .. وما بدأه العرب في هذه العلوم أيام ابن سينا , كان مجرد أوليّات لا تفي بحاجات العصر .
وقد التقط علماء الغرب الخيط من حيث انتهى ابن سينا والباحثون العرب ثم استأنفوا الطريق بإمكانيات متطورة ومعامل ومختبرات وملايين الجنيهات المرصودة للبحث , فسبقوا الأولين من العرب والفُرس والعُجم , وأقاموا صرح علم الطب الحديث والفسيولوجيا والتشريح والباثولوجيا وأصبحوا بحق مرجعاً .
وتعلمت ما تعلمت في كتب الطب .. النظرة العلمية .. وأنه لا يصح إقامة حكم بدون حيثيات من الواقع وشواهد من الحس .
وأن العلم يبدأ من المحسوس والمنظور والملموس وأن العلم ذاته هو عملية جمع شواهد واستخراج قوانين ، وما لا يقع تحت الحس فهو في النظرة العلمية غير موجود ، وأن الغيب لا حساب له في الحكم العلمي .
بهذا العقل العلمي المادي البحت بدأت رحلتي في عالم العقيدة وبالرغم من هذه الأرضية المادية والإنطلاق من المحسوسات الذي ينكر كل ما هو غيب فإني لم أستطع أن أنفي أو أستبعد القوة الإلهية .
كان العلم يقدم صورة عن الكون بالغة الإحكام والإنضباط .. كل شيء من ورقة الشجر إلى جناح الفراشة إلى ذرة الرمل فيها تناسق ونظام وجمال الكون كله مبني وفق هندسة وقوانين دقيقة .
وكل شيء يتحرك بحساب من الذرة المتناهية في الصغر إلى الفلَك العظيم إلى الشمس وكواكبها إلى المجرة الهائلة التي يقول لنا الفَلك إن فيها أكثر من ألف مليون مجرة .
كل هذا الوجود اللامتناهي من أصغر إلكترون إلى أعظم جرم سماوي كنت أراه أشبه بمعزوفة متناسقة الأنغام مضبوطة التوزيع كل حركة فيها بمقدار .. أشبه بالبدن المتكامل الذي فيه روح .
كان العلم يمدني بوسيلة أتصور بها الله بطريقة مادية .
وفي هذه المرحلة تصورت أن الله هو الطاقة الباطنة في الكون التي تنظمه في منظومات جميلة من أحياء وجمادات وأراضٍ وسماوات .. هو الحركة التي كشفها العلم في الذرة وفي البروتوبلازم وفي الأفلاك ..
هو الحيوية الخالقة الباطنة في كل شيء ..أو بعبارة القديس توماس " الفعل الخالص الذي ظل يتحول في الميكروب حتى أصبح إنساناً ومازال يتحول وسيظل يتحول إلى ما لانهاية " .
والوجود كان في تصوري لامحدوداً لانهائياً . إذ لا يمكن أن يحد الوجود إلا العدم .. والعدم معدوم .. ومن هنا يلزم منطقياً أن يكون الوجود غير محدود ولانهائي .
ولا يصح أن نسأل .. مَن الذي خلق الكون . إذ أن السؤال يستتبع أن الكون كان معدوماً في البداية ثم وُجِد .. وكيف يكون لمعدوم كيان ؟! .
إن العدم معدوم في الزمان والمكان وساقط في حساب الكلام ولا يصح القول بأنه كان .
وبهذا جعلت من الوجود حدثاً قديماً أبدياً أزلياً ممتداً في الزمان لا حدود له ولا نهاية .
وأصبح الله في هذه النظرة هو الكل ونحن تجلياته .
الله هو الوجود .. والعدم قبله معدوم .
هو الوجود المادي الممتد أزلاً وأبداً بلا بدء وبلا نهاية .
وهكذا أقمت لنفسي نظرية تكتفي بالموجود .. وترى أن الله هو الوجود .. دون حاجة إلى افتراض الغيب والمغيبات .. ودون حاجة إلى التماس اللامنظور .
وبذلك وقعت في أسر فكرة وحدة الوجود الهندية وفلسفة سبينوزا .. وفكرة برجسون عن الطاقة الباطنة الخلاّقة ..
وكلها فلسفات تبدأ من الأرض .. من الحواس الخمس .. ولا تعترف بالمغيبات ، ووحدة الوجود الهندية تمضي إلى أكثر من ذلك فتلغي الثنائية بين المخلوق والخالق .. فكل المخلوقات في نظرها هي عيني الخالق .
وفي سفر اليوبانيشاد صلاة هندية قديمة تشرح هذا المعنى في أبيات رقيقة من الشعر ...
إن الإله براهماً الذي يسكن قلب العالم يتحدث في همس قائلاً :
إذا ظن القاتل أنه قاتل ......
والمقتول أنه قتيل .........
فليسا يدريان ما خفي من أساليبي ....
حيث أكون الصدر لمن يموت ........
والسلاح لمن يقتل .......
والجناح لمن يطير ......
وحيث أكون لمن يشك في وجودي ......
كل شيء حتى الشك نفسه ....
وحيث أكون أنا الواحد .....
وأنا الأشياء .....
إنه إله يشبه النور الأبيض .. واحد .. وبسيط .. ولكنه يحتوى في داخله على ألوان الطيف السبعة ، وعشت سنوات في هذا الضباب الهندي وهذه الماريجوانا الصوفية ومارست اليوجا وقرأتها في أصولها وتلقيت تعاليمها على أيدي أساتذة هنود .
وسيطرَت عليَّ فكرة التناسخ مدة طويلة وظهرت روايات لي مثل ( العنكبوت ) و ( الخروج من التابوت ) ، ثم بدأت أفيق على حالة من عدم الرضا وعدم الإقتناع .
واعترفت بيني وبين نفسي أن هذه الفكرة عن الله فيها الكثير من الخلط . ومرة أخرى كان العلم هو دليلي ومنقذي ومرشدي ، عكوفي على العلم وعلى الشريحة الحية تحت الميكروسكوب قال لي شيئاً آخر .
وحدة الوجود الهندية كانت عبارة شعرية صوفية .. ولكنها غير صادقة ..
والحقيقة المؤكدة التي يقولها العلم أن هناك وحدة في الخامة لا أكثر .. وحدة في النسيج والسُنن الأولية والقوانين .. وحدة في المادة الأولية التي بُنيَ منها كل شيء .. فكل الحياة من نبات وحيوان وإنسان بنيت من تواليف الكربون مع الآيدروجين والأكسجين .. ولهذا تتحول كلها إلى فحم بالإحتراق .. وكل صنوف الحياة تقوم على الخلية الواحدة ومضاعفاتها .
ومرة أخرى نتعلم من الفلَك والكيمياء والعلوم النووية أن الكربون ذاته وكذلك جميع العناصر المختلفة جاءت من طبخ عنصر واحد في باطن الأفران النجمية الهائلة هو الآيدروجين .
الآيدروجين يتحول في باطن الأفران النجمية إلى هليوم وكربون وسليكون وكوبالت ونيكل وحديد إلى آخر قائمة العناصر وذلك بتفكيكه وإعادة تركيبه في درجات حرارة وضغوط هائلة ، وهذا يرد جميع صنوف الموجودات إلى خامة واحدة .. إلى فتلة واحدة حريرية غُزِل منها الكون في تفصيلات وتصميمات وطُرُز مختلفة .
والخلاف بين صنف وصنف وبين مخلوق ومخلوق هو خلاف في العلاقات الكيفية والكمية .. في المعادلة والشفرة التكوينية .. لكن الخامة واحدة .. وهذا سر الشعور بالنَسَب والقرابة والمصاهرة وصلة الرحم بين الإنسان والحيوان وبين الوَحش ومُروِضه وبين الأنف التي تشم والوهرة العاطرة وبين العين ومنظر الغروب الجميل .
هذا هو سر الهارموني والإنسجام ، إن كل الوجود أفراد أسرة واحدة من أب واحد ، وهو أمر لا يستتبع أبداً أن نقول إن الله هو الوجود , وأن الخالق هو المخلوق فهذا خلط صوفيّ غير وارد .
والأمر شبيه بحالة الناقد الذواقة الذي دخل معرضاً للرسم فاكتشف وحدة فنية بين جميع اللوحات .. واكتشف أنها جميعاً مرسومة على الخامة نفسها .. وبذات المجموعة الواحدة من الألوان , وأكثر من هذا أن أسلوب الرسم واحد .
والنتيجة الطبيعية أن يقفز إلى ذهن الناقد أن خالق جميع هذه اللوحات واحد . وأن الرسّام هو بيكاسو أو شاجال أو موديلياني .. مثلاً ، فالوحدة بين الموجودات تعني وحدة خالقها .
ولكنها لا تعني أبداً أن هذه الموجدات هي ذاتها الخالق ، ولا يقول الناقد أبداً إن هذه الرسوم هي الرسّام ، إن وحدة الوجود الهندية شطحة صوفيّة خرافية .. وهي تبسيط وجداني لا يصادق عليه العلم ولا يرتاح إليه العقل .
وإنما تقول النظرة العلمية المتأملة لظواهر الخلق والمخلوقات , إن هناك وحدة بينها .. وحدة أسلوب ووحدة قوانين ووحدة خامات تعني جميعها أن خالقها واحد لم يشرك معه شريكاً يسمح بأسلوب غير أسلوبه .
وتقول لنا أيضاً إن هذا الخالق هو عقل كلّي شامل ومحيط , يُلهم مخلوقاته ويهديها في رحلة تطورها ويسلّحها بوسائل البقاء , فهو يخلق لبذور الأشجار الصحراوية أجنحةً لتستطيع أن تعبر الصحاري الجرداء بحثاً عن ماء وعن ظروف إنبات موالية .
وهو يزود بيضة البعوضة بكيسين للطفو لتطفو على الماء لحظة وضعها ولا تغرق . وما كان من الممكن للبعوضة أن تدرك قوانين أرشميدس للطفو فتصنع لبيضها تلك الأكياس .
وإنما هو العقل الكلي الشامل المحيط الذي خلق .. هو الذي يزود كل مخلوق بأسباب حياته .. وهو خالق متعالٍ على مخلوقاته .. يعلم ما لا تعلم ويقدر على ما لا تقدر ويرى ما لا ترى ، فهو واحد أحد قادر عالم محيط سميع بصير خبير .. وهو متعال يعطي الصفات ولا تحيط به صفات .
* * *
والصلة دائماً معقودة بين هذا الخالق ومخلوقاته فهو أقرب إليها من دمها الذي يجري فيها ، وهو المبدِع الذي عزف الإبداع هذه المعزوفة الكونية الرائعة ، هو العادل الذي أحكم قوانينها وأقامها على نواميس دقيقة لا تخطئ ، وهكذا قدم لي العلم الفكرة الإسلامية الكاملة عن الله .
* * *
أما القول بأزلية الوجود لأن العدم معدوم والوجود موجود , فهو جدل لفظي لا يقوم إلا على اللعب بالألفاظ ، والعدم في واقع الأمر غير معدوم ، وقيام العدم في التصور والفكر ينفي كونه معدوماً .
والعدم هو على الأكثر نفي ٌ لما نعلم ولكنه نفياً مطلقاً مساوياً للمحو المطلق . وفكرة العدم المطلق فرضية مثل فرضية الصفر الرياضي .. ولا يصح الخلط بين الإفتراض والواقع ولا يصح تحميل الواقع فرضاً نظرياً , فنقول اعتسافاً إن العدم معدوم , ونعتبر أن هذا الكلام قضية وجودية نبني عليها أحكاماً في الواقع .. هذا تناقض صريح وسفسطة جدلية ، وبالمثل القول بأن الوجود موجود .. هنا نفس الخلط .. فالوجود تجريد ذهني والموجود واقع حسيّ ..
وكلمة العدم وكلمة الوجود تجريدات ذهنية كالصفر ،واللانهاية لا يصح أن نخلط بينها وبين الواقع الملموس المتعيَّن ،والكون الكائن المحدد أمام الحواس ،، الكون إذن ليس أزليا ً،، وإنما هو كون مخلوق كان لا بد له بدء بدليل آخرمن قاموس العلم هو ما نعرفه باسم القانون الثاني للديناميكا الحرارية ،، ويقرر هذا القانون أن الحرارة تنتقل من الساخن إلى البارد من الحرارة الأعلى إلى الحرارة الأدنى حتى يتعادل المستويان فيتوقف التبادل الحراري .
ولو كان الكون أبديا أزليا بدون ابتداء لكان التبادل الحراري قد توقف في تلك الآباد الطويلة المتاحة وبالتالي لتوقفت كل صور الحياة ولبردت النجوم وصارت بدرجة حرارة الصقيع والخواء حولها وانتهى كل شيء ،،إن هذا القانون هو ذاته دليل على أن الكون له بدء .
والقيامة الصغرى التي نراها حولنا في موت الحضارات وموت الأفراد وموت النجوم وموت الحيوان والنبات وتناهي اللحظات والحُقَبْ والدهور .. هي لمحة أُخرى تدلنا على القيامة الكبرى التي لابد أن ينتهي إليها الكون ..
إن العلم الحَق لم يكن أبداً مناقضاً للدين بل إنه دالٌ عليه مؤكَد بمعناه .
وإنما نصف العلم هو الذي يوقع العقل في الشبهة والشك ..
وبخاصة إن كان ذلك العقل مزهوّاً بنفسه معتدّاً بعقلانيته .. وبخاصة إذا دارت المعركة في عصر يتصور فيه العقل أنه كلّ شيء .. وإذا حاصرت الإنسان شواهد حضارة ماديّة صارخة تزأر فيها الطائرات وسفن الفضاء والأقمار الصناعيّة .. هاتفةً كلّ لحظة :
أنا المادة ....
أنا كل شيء ....
مقال / اللــــــّـــــه
من كتاب / رحلتي من الشك إلى الإيمان
للدكتور / مصطفى محمود ( رحمه الله ) . ❝
❞ متن أصول المالكية تأليف أبي الحسن هشام المحجوبي الحسني المراكشي و أبي مريم عبدالكريم صكاري المرابطي الصحراوي
بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله معلم الأصول و الصلاة و السلام على خير رسول و على آله و صحبه أهل القلب العقول و اللسان السؤول و بعد.
مقدمة في بيان أهمية أصول المالكية :
إعلم أرشدك الله أن أحكام المذهب فرع من أصوله و أن العلم بالمذهب لا يتأتى إلا بمعرفة أصوله , فالعلم هو معرفة الدليل و قانونه ,أما التقليد فليس بعلم ولا يجوز إلا للعاجز, وكل من يعلم الناس الفروع و يهمل الأصول فهو فاقد للمنهج العلمي الذي عليه أئمة أمتنا المجيدة من زمن الصحابة إلى زمننا هذا ويعتبر عند أهل العلم مقلدا بعيدا عن سبيل العلم فمن حرم الأصول حرم الوصول,
سبب تأليف هذا المتن:
اعلم أرشدك الله أن التأليف يشرع لمصلحة ملحة فيها منفعة لدين و طلبة علومه كجمع المتفرق و تفريق المجتمع و اختصار المطول و تطويل المختصر و تفصيل المبهم و تيسير المعقد , و بما أن طلبة العلم المبتدئين في بلدنا و غيره يحتاجون لمتن واضح مختصر أولي في بيان مبادئ أصول الإمام مالك أقبلنا بتوفيق الله و تيسيره على تأليف هذا المتن المختصر الذي جمعنا فيه أهم أصول الإمام مالك بأسلوب واضح و ميسر و بضبط لتعاريف أصول المالكية حتى يسهل لنا تدريس طلبتنا المبتدئين أصول مذهب أهل بلدنا راجين من الله القبول و التوفيق و النجاح و الوصول لكل طالب أصول.
مصادر أصول المالكية:
إعلم أرشدك الله أن أهم أصول المالكية خمسة عشر دليلا مستمدة من القرآن و السنة و فهم الصحابة و اللغة العربية و المنطق و طريقة الامام مالك و كبار تلامذته في الاستدلال و تخريج الأحكام الشرعية , و تعتبر هذه الأصول صراطا مستقيما و طريقا مهتديا قويما في فهم دين الله تعالى˝ وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا˝ سورة النساء , و أول من يدخل في المؤمنين المؤمنون من أهل المدينة عند نزول الآية في عهد الصحابة و التابعين و أتباع التابعين, و من أواخر أعلام هذه التلة المباركة امام دار الهجرة الامام مالك بن أنس المتوفى سنة تسعة و سبعين و مئة بعد هجرة رسول الله صلى الله عليه و سلم.
ملخص في أصول المالكية:
إعلم أرشدك الله أن مدار فتاوى أئمة المالكية من خمسة عشر أصلا ينبغي لطالب العلم ضبطها حتى يتقن المسالك الصحيحة للإستدلال و تخريج الأحكام ,
أولا: القرآن الكريم وهو لغة المقروء من كثرة قراءته و قيل المجموع من القرية ,
و شرعا: هو كلام الله المعصوم المتواتر في نقله المتعبد في تلاوته المنزل على قلب محمد صلى الله عليه و سلم مفرقا في ثلاث و عشرين سنة.
ثانيا : السنة النبوية:
وهي لغة :الطريقة المعتادة
و شرعا: هي ما أضيف إلى النبي صلى الله عليه وسلم من قول أو فعل أو تقرير أو صفة خلقية أو خلقية
ثالثا: الإجماع
و هو لغة : الإتفاق و قيل القصد
و شرعا: هو اتفاق علماء الأمة على حكم ديني
رابعا: القياس
وهو لغة : التقدير و التمثيل
و شرعا : هو رد واقعة غير منصوص عليها إلى واقعة منصوص عليها لاتفاق بينهما في العلة و بالتالي الحكم.
خامسا: عمل أهل المدينة
و معناه كل حكم شرعي تواتر عليه أهل المدينة زمن الصحابة و أولادهم و أولاد أولادهم فهذا الأصل هو قطعي عند الامام مالك يقدمه على الظني عند التعارض كحديث الآحاد و القياسات الظنية.
سادسا: المصلحة المرسلة
و هي الوسيلة التي فيها مصلحة راجحة أو مطلقة و لم يرد دليل خاص يبيحها أو يمنعها
سابعا: الإستحسان
و هو لغة الإعجاب بالشيء
و شرعا : هو ترجيح حكم على حكم بقرينة شرعية أو استثناء حكم جزئي من حكم كلي بقرينة شرعية.
ثامنا : مذهب الصحابي
و هو العمل بفتوى الصحابي إذا لم تخالف نصا أو صحابيا آخر.
تاسعا: العرف
وهو كل ما اعتاده جماعة من الناس و كان متطردا ولم يخالف نصا فالعادة شريعة محكمة
عاشرا: شرع من قبلنا
و هو العمل بشرائع الأنبياء من قبلنا إذا أقرها قرآننا و سنة نبينا بالتصريح أو السكوت.
إحدى عشر: سد الذرائع
و هو منع ما كان مباحا لإفضائه إلى حرام, فما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب و ما لا يتم المندوب إلا به فهو مندوب و ما لا يتم المحظور إلا به فهو محظور و ما لا يتم المكروه إلا به فهو مكروه و ما لا يتم المباح إلا به فهو مباح
إثنا عشر : الإستصحاب
وهو لغة: طلب الملازمة
وشرعا: الرجوع إلى الإستدلال بالدليل العام عند إفتقاد الدليل الخاص
ثلاثة عشر: الناسخ و المنسوخ
و هو رفع حكم دليل متقدم بدليل متأخر عنه و ينسخ القرآن القرآن و ينسخ القرآن السنة و تنسخ السنة السنة و لا تنسخ السنة القرآن لأن الظني لا ينسخ القطعي و يجوز أن ينسخ الظني الظني و القطعي القطعي و القطعي الظني.
أربعة عشر: مراعاة الخلاف
و هو قول المجتهد بلازم قول مخالفه مراعاة للخلاف
خمسة عشر: المسالك التي يسلكها المالكية عند تعارض النصوص
يبدأون رضي الله عنهم بالجمع بين النصوص فإن تعذر الجمع بينها يسلكون مسلك الناسخ و المنسوخ فإن لم يقفوا على التاريخ سلكوا مسلك الترجيح و هو العمل بدليل و ترك الاخر لقرينة شرعية فإن تعذر الترجيح قال الإمام :˝ لا أدري و أخبر بها من وراءك˝
خاتمة:
و في الأخير هذا ما جاد الله به علينا في هذا المتن المختصر فمن وجد خيرا فليدعوا لنا و لوالدينا و لشيوخنا و من وجد غير ذلك فليستغفر لنا و لينصحا و الله من ورائنا محيط
حرر بجبال مراكش أوريكة تاريخ :الثلاثاء15 جمادى الأول 1445هـ في منزل خويدم ربه أبي الحسن هشام المحجوبي الحسني المراكشي
و صلى الله و سلم على معلم الأصول و على آله و صحبه و أتباعه أهل العلم و التزكية و الوصول . ❝
❞ ما اشتهر من أن القرآن الكريم كان يكتب على أدوات خشنة مثل الأحجار والأكتاف وجريد النخل لا يمثل كل الحقيقة. وإنما يمثل جزءاً من حقيقة الأدوات التي كتب عليها القرآن الكريم. وما جاء في البخاري على لسان زيد بن ثابت (فتتبعت القرآن أجمعه من الأعساب...الخ) إنما جاء في مجال تتبع القرآن وجمعه في عهد الصديق. وذلك لإشهاد وإشراك كل من عنده شيء ولو كان مكتوباً على قطعة عظم أو حجر أو نحوه، ويحمل على صعوبة ودقة المنهج المتبع من قبل اللجنة بريادة زيد وحرصهم على ألا يتركوا شيئاً كتب عليه القرآن ولو قطعة حجر أو عظم كتب عليه القرآن لطارئ طرأ أو كتبه صحابي لنفسه بحالة فردية بعيداً عن مؤسسة كُتَّاب الوحي التي كان يشرف عليها النبي بنفسه، ولم يصدر ذلك منه في مجال التأليف والجمع في العهد النبوي، حيث ثبت عنه في مجال التأليف في عهد النبي قوله >كنا عند رسول الله نؤلف القرآن من الرقاع< والرقاع كما فسرها العلماء جمع رقعة وهي إما من جلد أو ورق أو كاغد . ❝