❞ "*كنت أعود إلى زنزانتي بعد ساعات التحقيق المركبة يقودني جلاد فظ، يطاردني بالسياط والسباب. وفي الزنزانة التي تشبه القبر، اتكىء بظهري إلى جدارها الحجري، واهن الجسد، معذب الرّوح منهك الحواس من شدة الضرب والتعذيب. أضع رأسي بين ركبتي، أختبئ من نفسي ومن العيون التي ترقبني. أتمنى ألا يرى ضعفي أحد من رفقاء المحنة. لكنّ عجزي مفضوح رغم العتمة، الخور يتسلل حتى يسيطر على ذاتي المحطمة.. ❝ ⏤خولة حمدى
❞ *كنت أعود إلى زنزانتي بعد ساعات التحقيق المركبة يقودني جلاد فظ، يطاردني بالسياط والسباب. وفي الزنزانة التي تشبه القبر، اتكىء بظهري إلى جدارها الحجري، واهن الجسد، معذب الرّوح منهك الحواس من شدة الضرب والتعذيب. أضع رأسي بين ركبتي، أختبئ من نفسي ومن العيون التي ترقبني. أتمنى ألا يرى ضعفي أحد من رفقاء المحنة. لكنّ عجزي مفضوح رغم العتمة، الخور يتسلل حتى يسيطر على ذاتي المحطمة. ❝
❞ ثم كان ﷺ يتشهد دائما في هذه الجلسة ، ويُعلم أصحابه أن يقولوا ( التحيات لله والصلوات الطيبات ، السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته ، السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين ، أشهد ان لا إله إلا الله ، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله)وكان يخفف هذا التشهد جداً كأنه على الرَّضْفِ ـ وهي الحجارة المحماة ـ ولم يُنقل عنه في حديث قط أنه صلى عليه وعلى آله في هذا التشهد ، ثم كان ينهض مكبراً على صدور قدميه وعلى ركبتيه معتمداً على فخذه كما تقدم ، ثم كان يقرأ الفاتحة وحدها ، ولم يثبت عنه ﷺ أنه قرأ في الركعتين الأخريين بعد الفاتحة شيئا ، وكان ﷺ إذا جلس في التشهد الأخير ، جلس متوركا ، وكان يُفضي بوركه إلى الأرض ، ويُخرج قدمه من ناحية واحدة ، فهذا أحد الوجوه الثلاثة التي رويت عنه في التورك ، والوجه الثاني : إذا جلس قدم رجله اليسرى ونصب اليمنى ، وقعد على مقعدته ، والوجه الثالث : أنه كان يجعل قدمه اليسرى بين فخذه وساقه ، ويفرش قدمه اليمنى ، وكان يضع يده اليمنى على فخذه اليمنى ، ويضم أصابعه الثلاث وينصب السبابة ، وفي لفظ يقبض أصابعه الثلاث ، ووضع يده اليسرى على فخذه اليسرى ، وكان يبسط ذراعه على فخذه ولا يُجافيها ، فيكون حد المرفق عند آخر فخذه ، وأما اليسرى فممدودة الأصابع على الفخذ اليسرى ، ثم كان ﷺ يُسلم بعد التشهد الأخير عن يمينه ويقول ( السلام عليكم ورحمة الله ) وعن يساره كذلك .. ❝ ⏤محمد ابن قيم الجوزية
❞ ثم كان ﷺ يتشهد دائما في هذه الجلسة ، ويُعلم أصحابه أن يقولوا ( التحيات لله والصلوات الطيبات ، السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته ، السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين ، أشهد ان لا إله إلا الله ، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله)وكان يخفف هذا التشهد جداً كأنه على الرَّضْفِ ـ وهي الحجارة المحماة ـ ولم يُنقل عنه في حديث قط أنه صلى عليه وعلى آله في هذا التشهد ، ثم كان ينهض مكبراً على صدور قدميه وعلى ركبتيه معتمداً على فخذه كما تقدم ، ثم كان يقرأ الفاتحة وحدها ، ولم يثبت عنه ﷺ أنه قرأ في الركعتين الأخريين بعد الفاتحة شيئا ، وكان ﷺ إذا جلس في التشهد الأخير ، جلس متوركا ، وكان يُفضي بوركه إلى الأرض ، ويُخرج قدمه من ناحية واحدة ، فهذا أحد الوجوه الثلاثة التي رويت عنه في التورك ، والوجه الثاني : إذا جلس قدم رجله اليسرى ونصب اليمنى ، وقعد على مقعدته ، والوجه الثالث : أنه كان يجعل قدمه اليسرى بين فخذه وساقه ، ويفرش قدمه اليمنى ، وكان يضع يده اليمنى على فخذه اليمنى ، ويضم أصابعه الثلاث وينصب السبابة ، وفي لفظ يقبض أصابعه الثلاث ، ووضع يده اليسرى على فخذه اليسرى ، وكان يبسط ذراعه على فخذه ولا يُجافيها ، فيكون حد المرفق عند آخر فخذه ، وأما اليسرى فممدودة الأصابع على الفخذ اليسرى ، ثم كان ﷺ يُسلم بعد التشهد الأخير عن يمينه ويقول ( السلام عليكم ورحمة الله ) وعن يساره كذلك. ❝
❞ إشتري جنتك (الشيخ هشام المحجوبي المراكشي)
بسم الله الرحمن الرحيم
وصلتي حالة مؤلمة لطفل يتيم إسمه محسن، يعاني الفقر الشديد و يعمل في أشق المهن رغم أنه طفل ، و في يوم عمل سقط عليه باب حديدي ثقيل فهشم له قدمه ، ما دفع الأطباء لبثر القدم و هو الآن يحتاج لرجل إصطناعية ثمنها و ثمن تركيبها أكثر من سبعين ألف درهم مغربي ، ما يعادل سبعة آلاف أورو ، أناشد إخواننا و نحن قريبون من بداية السنة الهجرية و بداية موعد إخراج الزكاة أن ينظروا في حال هذا اليتيم و لو بمئة درهم ، و يكفيك فضلا أن الله تعالى سيحفظ عليك جوارحك و جوارح أحباءك في هذه الدنيا ، فالجزاء من جنس العمل و يجعلك رفيق النبي صلى الله عليه وسلم في الفردوس الأعلى في الجنة قال النبي صلى الله عليه وسلم (أنا و كافل اليتيم كهاتين فجمع بين السبابة و الوسطى) و ينبغي الإشارة إلى أنه يجوز إخراج الزكاة قبل وقتها للمصلحة فقد اخد النبي صلى الله عليه وسلم زكاة حولين من عمه العباس و هذا رقم هذا اليتيم لمن أراد أن يعاين هذه الحالة بنفسه 0690173888
In the name of Allah, the Most Merciful, the Most Compassionate.
There is a sad situation for an orphaned child named Mohsen, who is suffering from extreme poverty and is working in the most difficult of professions despite being a child. One day, while he was working, a heavy iron door fell on him and broke his foot. The doctors were forced to amputate his foot, and he now needs a prosthetic leg, which costs more than seventy thousand Moroccan dirhams, equivalent to seven thousand euros. I appeal to our brothers and sisters, as we are close to the beginning of the new Hijri year and the time for paying Zakat, to consider the situation of this orphan, even if it is with a hundred dirhams. It is enough for you to know that Allah will protect your limbs and the limbs of your loved ones in this world. The reward is commensurate with the deed, and Allah will make you a companion of the Prophet (peace be upon him) in the highest level of Paradise. The Prophet (peace be upon him) said, \"I and the sponsor of the orphan are like these two fingers,\" and it should be noted that it is permissible to pay Zakat before its due time for the benefit of the person in need. The Prophet (peace be upon him) once accepted Zakat from his uncle Abbas before its due time. This is the number of the orphan, for anyone who wants to witness this situation for himself: 0690173888.. ❝ ⏤بستان علم النبوءة
❞ إشتري جنتك (الشيخ هشام المحجوبي المراكشي)
بسم الله الرحمن الرحيم
وصلتي حالة مؤلمة لطفل يتيم إسمه محسن، يعاني الفقر الشديد و يعمل في أشق المهن رغم أنه طفل ، و في يوم عمل سقط عليه باب حديدي ثقيل فهشم له قدمه ، ما دفع الأطباء لبثر القدم و هو الآن يحتاج لرجل إصطناعية ثمنها و ثمن تركيبها أكثر من سبعين ألف درهم مغربي ، ما يعادل سبعة آلاف أورو ، أناشد إخواننا و نحن قريبون من بداية السنة الهجرية و بداية موعد إخراج الزكاة أن ينظروا في حال هذا اليتيم و لو بمئة درهم ، و يكفيك فضلا أن الله تعالى سيحفظ عليك جوارحك و جوارح أحباءك في هذه الدنيا ، فالجزاء من جنس العمل و يجعلك رفيق النبي صلى الله عليه وسلم في الفردوس الأعلى في الجنة قال النبي صلى الله عليه وسلم (أنا و كافل اليتيم كهاتين فجمع بين السبابة و الوسطى) و ينبغي الإشارة إلى أنه يجوز إخراج الزكاة قبل وقتها للمصلحة فقد اخد النبي صلى الله عليه وسلم زكاة حولين من عمه العباس و هذا رقم هذا اليتيم لمن أراد أن يعاين هذه الحالة بنفسه 0690173888
In the name of Allah, the Most Merciful, the Most Compassionate.
There is a sad situation for an orphaned child named Mohsen, who is suffering from extreme poverty and is working in the most difficult of professions despite being a child. One day, while he was working, a heavy iron door fell on him and broke his foot. The doctors were forced to amputate his foot, and he now needs a prosthetic leg, which costs more than seventy thousand Moroccan dirhams, equivalent to seven thousand euros. I appeal to our brothers and sisters, as we are close to the beginning of the new Hijri year and the time for paying Zakat, to consider the situation of this orphan, even if it is with a hundred dirhams. It is enough for you to know that Allah will protect your limbs and the limbs of your loved ones in this world. The reward is commensurate with the deed, and Allah will make you a companion of the Prophet (peace be upon him) in the highest level of Paradise. The Prophet (peace be upon him) said, ˝I and the sponsor of the orphan are like these two fingers,˝ and it should be noted that it is permissible to pay Zakat before its due time for the benefit of the person in need. The Prophet (peace be upon him) once accepted Zakat from his uncle Abbas before its due time. This is the number of the orphan, for anyone who wants to witness this situation for himself: 0690173888. ❝
❞ يوجد تقليد سائد في مجتمعنا يقول إن الزواج قادر على حل معظم مشاكلنا، وأن البعض ما زال يصدق بأن الحب قد يأتي بعد الزواج. لكن ماذا عن الذين قرروا مخالفة هذه القاعدة، والعيش دون زواج؟ هل ستكون نظرة المجتمع لهم مثل نظرته للمتزوجين؟ وهل من قام بإعلان ذلك لعامة الناس كان يريد دعمهم؟
كيف ينظر المجتمع لهذا الشخص الذي لا يتبع خطاهم، والذي لا يريد أن ينعم بأطفال وزوجة؟ بعض الناس يرى بأن وجود أطفال في هذا العالم البائس شاق إذا لم يملك المرء من المال والنفوذ لتسهيل طريقهم. أو أنه يجب أن يعيش مثل غيره كي يكون أبا وهي تكون أما ويعيشون بأبسط الأشياء. لكن ما ذنب الشخص الحاضر لهذا العالم بأن يعيش وفق رؤياكم، ويكافح لكي فقط يستطيع أن يعيش حياة مستقرة؟
هل يهم هذا الشخص رأي الناس الذين يذكرون الآيات التي تتناسب مع رؤيتهم فقط؟ في الحقيقة هذا الشخص لا يهمه على الإطلاق لأنه متصالح مع ذاته لأقصى الحدود. يواجه الكثير من الانتقادات والمتاعب، على الرغم من أنه لم يسبب أذى لأحد. لكن بالنسبة لثقافة القطيع، المخالف لعاداتهم قد يمثل تهديدا محتملا لهم. فيجب أن يتم تحويله أو زعزعة استقراره النفسي لكي يعود نسخة منهم.
هؤلاء الناس لا يفكرون على الإطلاق، لأن الحياة بها الكثير من المتاعب والمسؤوليات. يعانون من ضغط نفسي مستمر من جراء معاملاتهم اليومية. ويظهر هذا الشخص الذي يقول لهم \"أنا مختلف عنكم\". نحن الذين نبذل مجهودا ونتنازل عن مبادئنا وكرامتنا في سبيل حياة أفضل لأسرتنا، تأتي أنت وتقول هذا الكلام المتخلف!
وهنا تبدأ معركة شاقة وغليان داخلي يدفع الشخص بالسباب وأحيانا أتهامة بالإلحاد. هل لأنه خالف آيات الله أو لم يعترف مطلقا بوجوده؟ إطلاقا هو ليس ملحدا، لكنه يرى الحياة بنظرة مختلفة. لكن الاختلاف بالنسبة لهم سبب كاف للتحويل حياته إلى جحيم.
الناس الذين نشئوا من خلال مفاهيم وعادات لم يفكروا بالتشكيك في أي أمور قد تكون خاطئة. إذا عمل عقلهم قليلا وفكروا خارج المألوف قد يسهل التعامل معهم. لكن في النهاية، طالما ما زلت على قيد الحياة فأنت مهيئ للتعامل معهم في ظروف مختلفة. يجب أن تتظاهر بعكس ما تراه لكيلا تكون منبوذا.
دعونا نحترم اختلافاتنا، ونتعلم من بعضنا البعض. دعونا نكون أكثر انفتاحا على الأفكار الجديدة، وأقل حكما على الآخرين. دعونا نخلق مجتمعا يتقبل الجميع، بغض النظر عن عقائدهم أو عاداتهم.. ❝ ⏤ضياء العجمي
❞ يوجد تقليد سائد في مجتمعنا يقول إن الزواج قادر على حل معظم مشاكلنا، وأن البعض ما زال يصدق بأن الحب قد يأتي بعد الزواج. لكن ماذا عن الذين قرروا مخالفة هذه القاعدة، والعيش دون زواج؟ هل ستكون نظرة المجتمع لهم مثل نظرته للمتزوجين؟ وهل من قام بإعلان ذلك لعامة الناس كان يريد دعمهم؟
كيف ينظر المجتمع لهذا الشخص الذي لا يتبع خطاهم، والذي لا يريد أن ينعم بأطفال وزوجة؟ بعض الناس يرى بأن وجود أطفال في هذا العالم البائس شاق إذا لم يملك المرء من المال والنفوذ لتسهيل طريقهم. أو أنه يجب أن يعيش مثل غيره كي يكون أبا وهي تكون أما ويعيشون بأبسط الأشياء. لكن ما ذنب الشخص الحاضر لهذا العالم بأن يعيش وفق رؤياكم، ويكافح لكي فقط يستطيع أن يعيش حياة مستقرة؟
هل يهم هذا الشخص رأي الناس الذين يذكرون الآيات التي تتناسب مع رؤيتهم فقط؟ في الحقيقة هذا الشخص لا يهمه على الإطلاق لأنه متصالح مع ذاته لأقصى الحدود. يواجه الكثير من الانتقادات والمتاعب، على الرغم من أنه لم يسبب أذى لأحد. لكن بالنسبة لثقافة القطيع، المخالف لعاداتهم قد يمثل تهديدا محتملا لهم. فيجب أن يتم تحويله أو زعزعة استقراره النفسي لكي يعود نسخة منهم.
هؤلاء الناس لا يفكرون على الإطلاق، لأن الحياة بها الكثير من المتاعب والمسؤوليات. يعانون من ضغط نفسي مستمر من جراء معاملاتهم اليومية. ويظهر هذا الشخص الذي يقول لهم ˝أنا مختلف عنكم˝. نحن الذين نبذل مجهودا ونتنازل عن مبادئنا وكرامتنا في سبيل حياة أفضل لأسرتنا، تأتي أنت وتقول هذا الكلام المتخلف!
وهنا تبدأ معركة شاقة وغليان داخلي يدفع الشخص بالسباب وأحيانا أتهامة بالإلحاد. هل لأنه خالف آيات الله أو لم يعترف مطلقا بوجوده؟ إطلاقا هو ليس ملحدا، لكنه يرى الحياة بنظرة مختلفة. لكن الاختلاف بالنسبة لهم سبب كاف للتحويل حياته إلى جحيم.
الناس الذين نشئوا من خلال مفاهيم وعادات لم يفكروا بالتشكيك في أي أمور قد تكون خاطئة. إذا عمل عقلهم قليلا وفكروا خارج المألوف قد يسهل التعامل معهم. لكن في النهاية، طالما ما زلت على قيد الحياة فأنت مهيئ للتعامل معهم في ظروف مختلفة. يجب أن تتظاهر بعكس ما تراه لكيلا تكون منبوذا.
دعونا نحترم اختلافاتنا، ونتعلم من بعضنا البعض. دعونا نكون أكثر انفتاحا على الأفكار الجديدة، وأقل حكما على الآخرين. دعونا نخلق مجتمعا يتقبل الجميع، بغض النظر عن عقائدهم أو عاداتهم. ❝
❞ حوار مع صديقي الملحد .
إذا كان الله قدَّر عليّ أفعالي فلماذا يحاسبني؟
قال صديقي في شماتة وقد تصوّر أنه أمسكني من عنقي وأنه لا مهرب لي هذه المرة :
أنتم تقولون إن الله يُجري كل شيء في مملكته بقضاء وقدر، وإن الله قدَّر علينا أفعالنا ، فإذا كان هذا هو حالي ، وأن أفعالي كلها مقدّرة عنده فلماذا يحاسبني عليها ؟
لا تقل لي كعادتك .. أنا مخيـَّر .. فليس هناك فرية أكبر من هذه الفرية ودعني أسألك :
هل خُـيّرتُ في ميلادي وجنسي وطولي وعرضي ولوني ووطني ؟
هل باختياري تشرق الشمس ويغرب القمر ؟
هل باختياري ينزل عليَّ القضاء ويفاجئني الموت وأقع في المأساة فلا أجد مخرجاً إلا الجريمة ..
لماذا يُكرهني الله على فعل ثم يؤاخذني عليه ؟
وإذا قلت إنك حر ، وإن لك مشيئة إلى جوار مشيئة الله ألا تشرك بهذا الكلام وتقع في القول بتعدد المشيئات ؟
ثم ما قولك في حكم البيئة والظروف ، وفي الحتميات التي يقول بها الماديون التاريخيون ؟
أطلق صاحبي هذه الرصاصات ثم راح يتنفس الصعداء في راحة وقد تصوَّر أني توفيت وانتهيت ، ولم يبق أمامه إلا استحضار الكفن..
قلت له في هدوء :
أنت واقع في عدة مغالطات .. فأفعالك معلومة عند الله في كتابه ، ولكنها ليست مقدورة عليك بالإكراه .. إنها مقدَّرة في علمه فقط .. كما تقدِّر أنت بعلمك أن ابنك سوف يزني .. ثم يحدث أن يزني بالفعل .. فهل أكرهته .. أو كان هذا تقديراً في العلم وقد أصاب علمك ..
أما كلامك عن الحرية بأنها فرية ، وتدليلك على ذلك بأنك لم تخيَّر في ميلادك ولا في جنسك ولا في طولك ولا في لونك ولا في موطنك ، وأنك لا تملك نقل الشمس من مكانها .. هو تخليط آخر ..
وسبب التخليط هذه المرة أنك تتصوَّر الحرية بالطريقة غير تلك التي نتصورها نحن المؤمنين ..
أنت تتكلم عن حرية مطلقة .. فتقول .. أكنت أستطيع أن أخلق نفسي أبيض أو أسود أو طويلا أو قصيراً .. هل بإمكاني أن أنقل الشمس من مكانها أو أوقفها في مدارها .. أين حريتي ؟
ونحن نقول له : أنت تسأل عن حرية مطلقة .. حرية التصرف في الكون وهذه ملك لله وحده .. نحن أيضاً لا نقول بهذه الحرية { وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاء وَيَخْتَارُ مَا كَانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ } 68 سورة القصص
ليس لأحد الخيرة في مسألة الخلق ، لأن الله هو الذي يخلق ما يشاء ويختار ..
ولن يحاسبك الله على قِصَرك ولن يعاتبك على طولك ولن يعاقبك لأنك لم توقف الشمس في مدارها ، ولكن مجال المساءلة هو مجال التكليف .. وأنت في هذا المجال حر .. وهذه هي الحدود التي نتكلم فيها ..
أنت حر في أن تقمع شهوتك وتلجم غضبك وتقاوم نفسك وتزجر نياتك الشريرة وتشجع ميولك الخيرة..
أنت تستطيع أن تجود بمالك ونفسك ..
أنت تستطيع أن تصدق وأن تكذب ..
وتستطيع أن تكف يدك عن المال الحرام ..
وتستطيع أن تكف بصرك عن عورات الآخرين ..
وتستطيع أن تمسك لسانك عن السباب والغيبة والنميمة ..
في هذا المجال نحن أحرار ..
وفي هذا المجال نُحاسَب ونُسأل ..
الحرية التي يدور حولها البحث هي الحرية النسبية وليست الحرية المطلقة حرية الإنسان في مجال التكليف..
وهذه الحرية حقيقة ودليلنا عليها هو شعورنا الفطري بها في داخلنا فنحن نشعر بالمسئولية وبالندم على الخطأ ، وبالراحة للعمل الطيب .. ونحن نشعر في كل لحظة أننا نختار ونوازن بين احتمالات متعددة ، بل إن وظيفة عقلنا الأولى هي الترجيح والاختيار بين البديلات ..
ونحن نفرق بشكل واضح وحاسم بين يدنا وهي ترتعش بالحمى ، ويدنا وهي تكتب خطاباً .. فنقول إن حركة الأولى جبرية قهرية ، والحركة الثانية حرة اختيارية .. ولو كنا مسيرين في الحالتين لما استطعنا التفرقة ..
ويؤكد هذه الحرية ما نشعر به من استحالة إكراه القلب على شيء لا يرضاه تحت أي ضغط .. فيمكنك أن تُكره امرأة بالتهديد والضرب على أن تخلع ثيابها .. ولكنك لا تستطيع بأي ضغط أو تهديد أن تجعلها تحبك من قلبها ومعنى هذا أن الله أعتق قلوبنا من كل صنوف الإكراه والإجبار ، وأنه فطرها حرة ..
ولهذا جعل الله القلب والنية عمدة الأحكام ، فالمؤمن الذي ينطق بعبارة الشرك والكفر تحت التهديد والتعذيب لا يحاسب على ذلك طالما أن قلبه من الداخل مطمئن بالإيمان ، وقد استثناه الله من المؤاخذة في قوله تعالى: { إِلاَّ مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإِيمَانِ ٌ} 106 سورة النحل
والوجه الآخر من الخلط في هذه المسألة أن بعض الناس يفهم حرية الإنسان بأنها علو على المشيئة ، وانفراد بالأمر ، فيتهم القائلين بالحرية بأنهم أشركوا بالله وجعلوا له أنداداً يأمرون كأمره ، ويحكمون كحكمه ، وهذا ما فهمته أنت أيضاً .. فقلت بتعدد المشيئات .. وهو فهم خاطئ .. فالحرية الإنسانية لا تعلو على المشيئة الإلهية ..
إن الإنسان قد يفعل بحريته ما ينافي الرضا الإلهي ولكنه لا يستطيع أن يفعل ما ينافي المشيئة ..
الله أعطانا الحرية أن نعلو على رضاه "فنعصيه" ، ولكن لم يعط أحداً الحرية في أن يعلو على مشيئته .. وهنا وجه آخر من وجوه نسبية الحرية الإنسانية ..
وكل ما يحدث منا داخل في المشيئة الإلهية وضمنها ، وإن خالف الرضا الإلهي وجانب الشريعة ..
وحريتنا ذاتها كانت منحة إلهية وهبة منحها لنا الخالق باختياره .. ولم نأخذها منه كرهاً ولا غصباً ..
إن حريتنا كانت عين مشيئته ..
ومن هنا معنى الآية : {وَمَا تَشَاؤُونَ إِلا أَن يَشَاء اللَّهُ } 30 سورة الإنسان
لأن مشيئتنا ضمن مشيئته ، ومنحة منه ، وهبة من كرمه وفضله ، فهي ضمن إرادته لا ثنائية ولا تناقض ، ولا منافسة منا لأمر الله وحكمه ..
والقول بالحرية بهذا المعنى لا ينافي التوحيد ، ولا يجعل لله أنداداً يحكمون كحكمه ويأمرون كأمره .. فإن حرياتنا كانت عين أمره ومشيئته وحكمه ..
والوجه الثالث للخلط أن بعض من تناولوا مسألة القضاء والقدر والتسيير والتخيير .. فهموا القضاء والقدر بأنه إكراه للإنسان على غير طبعه وطبيعته وهذا خطأ وقعت فيه أنت أيضاً .. وقد نفى الله عن نفسه الإكراه بآيات صريحة :
{إِن نَّشَأْ نُنَزِّلْ عَلَيْهِم مِّن السَّمَاء آيَةً فَظَلَّتْ أَعْنَاقُهُمْ لَهَا خَاضِعِينَ} 4 سورة الشعراء
والمعنى واضح .. أنه كان من الممكن أن نُكره الناس على الإيمان بالآيات الملزمة ، ولكننا لم نفعل .. لأنه ليس في سنتنا الإكراه ..
{ لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَد تَّبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ } 256 سورة البقرة
{ وَلَوْ شَاء رَبُّكَ لآمَنَ مَن فِي الأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا أَفَأَنتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُواْ مُؤْمِنِينَ } 99 سورة يونس
ليس في سُنة الله الإكراه ..
والقضاء والقدر لا يصح أن يُفهم على أنه إكراه للناس على غير طبائعهم .. وإنما على العكس ..
الله يقضي على كل إنسان من جنس نيته .. ويشاء له من جنس مشيئته ، ويريد له من جنس إرادته ، لا ثنائية ... تسيير الله هو عين تخيير العبد ، لأنه الله يسيِّر كل امرئ على هوى قلبه وعلى مقتضى نياته ..
{ مَن كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الْآخِرَةِ نَزِدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ وَمَن كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الدُّنْيَا نُؤتِهِ مِنْهَا } 20 سورة الشورى
{ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ فَزَادَهُمُ اللّهُ مَرَضاً } 10 سورة البقرة
{ وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدًى } 17 سورة محمد
وهو يخاطب الأسرى في القرآن :
{ إِن يَعْلَمِ اللّهُ فِي قُلُوبِكُمْ خَيْرًا يُؤْتِكُمْ خَيْرًا مِّمَّا أُخِذَ مِنكُمْ } 70 سورة الأنفال
الله يقضي ويقدِّر ، ويجري قضاءه وقدره على مقتضى النية والقلب .. إن شراً فشر وإن خيراً فخير..
ومعنى هذا أنه لا ثنائية .. التسيير هو عين التخيير .. ولا ثنائية ولا تناقض ..
الله يسيِّرنا إلى ما اخترناه بقلوبنا ونياتنا، فلا ظلم ولا إكراه ولا جبر ، ولا قهر لنا على غير طبائعنا ..
{ فَأَمَّا مَن أَعْطَى وَاتَّقَى . وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى . فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى . وَأَمَّا مَن بَخِلَ وَاسْتَغْنَى . وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى . فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى } 5 سورة الليل
{ وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللّهَ رَمَى } 17 سورة الأنفال
هنا تلتقي رمية العبد والرمية المقدَّرة من الرب ، فتكون رمية واحدة.. وهذا مفتاح لغز القضاء والقدر .. على العبد النية، وعلى الله التمكين، إن خيراً فخير، وإن شراً فشر..
والحرية الإنسانية ليست مقداراً ثابتاً ، ولكنها قدرة نسبية قابلة للزيادة ..
الإنسان يستطيع أن يزيد من حريته بالعلم .. باختراع الوسائل والأدوات والمواصلات استطاع الإنسان أن يطوي الأرض ، ويهزم المسافات ، ويخترق قيود الزمان والمكان .. وبدراسة قوانين البيئة استطاع أن يتحكم فيها ويسخرها لخدمته، وعرف كيف يهزم الحر والبرد والظلام ، وبذلك يضاعف من حرياته في مجال الفعل ..
العلم كان وسيلة إلى كسر القيود والأغلال وإطلاق الحرية ..
أما الوسيلة الثانية فكانت الدين .. الاستمداد من الله بالتقرب منه .. والأخذ عنه بالوحي والتلقي والتأييد .. وهذه وسيلة الأنبياء ومن في دربهم ..
سخّر سليمان الجن وركب الريح وكلّم الطير بمعونة الله ومدده ..
وشق موسى البحر .. وأحيا المسيح الموتى .. ومشى على الماء .. وأبرأ الأكمه والأبرص والأعمى ..
ونقرأ عن الأولياء أصحاب الكرامات الذين تُطوى لهم الأرض وتكشف لهم المغيبات ..
وهي درجات من الحرية اكتسبوها بالاجتهاد في العبادة والتقرب إلى الله والتحبب إليه .. فأفاض عليهم من علمه المكنون ..
إنه العلم مرة أخرى ..
ولكنه هذه المرة العلم "اللدني" ..
ولهذا يُلخص أبو حامد الغزالي مشكلة المخيَّر والمسيَّر قائلاً في كلمتين :
الإنسان مخيَّر فيما يعلم ..
مسيَّر فيما لا يعلم ..
وهو يعني بهذا أنه كلما اتسع علمه اتسع مجال حريته .. سواء كان العلم المقصود هو العلم الموضوعي أو العلم اللدنِّي ..
ويخطئ المفكرون الماديون أشد الخطأ حينما يتصورون الإنسان أسير الحتميات التاريخية والطبقية .. ويجعلون منه حلقة في سلسلة من الحلقات لا فكاك له ، ولا مهرب من الخضوع لقوانين الاقتصاد وحركة المجتمع ، كأنما هو قشة في تيار بلا ذراعين وبلا إرادة ..
والكلمة التي يرددونها ولا يتعبون من ترديدها وكأنها قانون : "حتمية الصراع الطبقي" وهي كلمة خاطئة في التحليل العلمي ، لأنه لا حتميات في المجال الإنساني ، وإنما على الأكثر ترجيحات واحتمالات .. وهذا هو الفرق بين الإنسان ، وبين التروس ، والآلات والأجسام المادية .. فيمكن التنبوء بخسوف الشمس بالدقيقة والثانية ، ويمكن التنبؤ بحركاتها المستقبلة على مدى أيام وسنين .. أما الإنسان فلا يمكن أن يعلم أحد ماذا يُضمر وماذا يُخبئ في نياته ، وماذا يفعل غداً أو بعد غد .. ولا يمكن معرفة هذا إلا على سبيل الاحتمال والترجيح والتخمين ، وذلك على فرض توفر المعلومات الكافية للحكم ..
وقد أخطأت جميع تنبؤات كارل ماركس ، فلم تبدأ الشيوعية في بلد متقدم كما تنبأ ، بل في بلد متخلف ، ولم يتفاقم الصراع بين الرأسمالية والشيوعية ، بل تقارب الاثنان إلى حالة من التعايش السلمي ، وأكثر من هذا فتحت البلاد الشيوعية أبوابها لرأس المال الأمريكي .. ولم تتصاعد التناقضات في المجتمع الرأسمالي إلى الإفلاس الذي توقعه كارل ماركس ، بل على العكس ، ازدهر الاقتصاد الرأسمالي ووقع الشقاق والخلاف بين أطراف المعسكر الاشتراكي ذاته ..
أخطأت حسابات ماركس جميعها دالة بذلك على خطأ منهجه الحتمي .. ورأينا صراع العصر الذي يحرك التاريخ هو الصراع اللاطبقي بين الصين وروسيا ، وليس الصراع الطبقي الذي جعله ماركس عنوان منهجه .. وكلها شواهد على فشل الفكر المادي في فهم الإنسان والتاريخ ، وتخبطه في حساب المستقبل .. وجاء كل ذلك نتيجة خطأ جوهري ، هو أن الفكر المادي تصوَّر أن الإنسان ذبابة في شبكة من الحتميات .. ونسي تماماً أنّ الإنسان حر .. وأن حريته حقيقة ..
أمّا كلام الماديين عن حكم البيئة والمجتمع والظروف ، وأن الإنسان لا يعيش وحده ولا تتحرك حريته في فراغ ..
نقول ردّاً على هذا الكلام : إن حكم البيئة والمجتمع والظروف كمقاومات للحرية الفردية إنما يؤكد المعنى الجدلي لهذه الحرية ولا ينفيه .. فالحرية الفردية .. لا تؤكد ذاتها إلا ّ في وجه مقاومة تزحزحها..
أما إذا كان الإنسان يتحرك في فراغ بلا مقاومة من أي نوع فإنه لا يكون حراً بالمعنى المفهوم للحرية، لأنه لن تكون هناك عقبة يتغلب عليها ويؤكد حريته من خلالها ..
كتاب حوار مع صديقي الملحد
للدكتور مصطفى محمود رحمه الله. ❝ ⏤مصطفى محمود
❞ حوار مع صديقي الملحد .
إذا كان الله قدَّر عليّ أفعالي فلماذا يحاسبني؟
قال صديقي في شماتة وقد تصوّر أنه أمسكني من عنقي وأنه لا مهرب لي هذه المرة :
أنتم تقولون إن الله يُجري كل شيء في مملكته بقضاء وقدر، وإن الله قدَّر علينا أفعالنا ، فإذا كان هذا هو حالي ، وأن أفعالي كلها مقدّرة عنده فلماذا يحاسبني عليها ؟
لا تقل لي كعادتك . أنا مخيـَّر . فليس هناك فرية أكبر من هذه الفرية ودعني أسألك :
هل خُـيّرتُ في ميلادي وجنسي وطولي وعرضي ولوني ووطني ؟
هل باختياري تشرق الشمس ويغرب القمر ؟
هل باختياري ينزل عليَّ القضاء ويفاجئني الموت وأقع في المأساة فلا أجد مخرجاً إلا الجريمة .
لماذا يُكرهني الله على فعل ثم يؤاخذني عليه ؟
وإذا قلت إنك حر ، وإن لك مشيئة إلى جوار مشيئة الله ألا تشرك بهذا الكلام وتقع في القول بتعدد المشيئات ؟
ثم ما قولك في حكم البيئة والظروف ، وفي الحتميات التي يقول بها الماديون التاريخيون ؟
أطلق صاحبي هذه الرصاصات ثم راح يتنفس الصعداء في راحة وقد تصوَّر أني توفيت وانتهيت ، ولم يبق أمامه إلا استحضار الكفن.
قلت له في هدوء :
أنت واقع في عدة مغالطات . فأفعالك معلومة عند الله في كتابه ، ولكنها ليست مقدورة عليك بالإكراه . إنها مقدَّرة في علمه فقط . كما تقدِّر أنت بعلمك أن ابنك سوف يزني . ثم يحدث أن يزني بالفعل . فهل أكرهته . أو كان هذا تقديراً في العلم وقد أصاب علمك .
أما كلامك عن الحرية بأنها فرية ، وتدليلك على ذلك بأنك لم تخيَّر في ميلادك ولا في جنسك ولا في طولك ولا في لونك ولا في موطنك ، وأنك لا تملك نقل الشمس من مكانها . هو تخليط آخر .
وسبب التخليط هذه المرة أنك تتصوَّر الحرية بالطريقة غير تلك التي نتصورها نحن المؤمنين .
أنت تتكلم عن حرية مطلقة . فتقول . أكنت أستطيع أن أخلق نفسي أبيض أو أسود أو طويلا أو قصيراً . هل بإمكاني أن أنقل الشمس من مكانها أو أوقفها في مدارها . أين حريتي ؟
ونحن نقول له : أنت تسأل عن حرية مطلقة . حرية التصرف في الكون وهذه ملك لله وحده . نحن أيضاً لا نقول بهذه الحرية ﴿ وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاء وَيَخْتَارُ مَا كَانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ ﴾ 68 سورة القصص
ليس لأحد الخيرة في مسألة الخلق ، لأن الله هو الذي يخلق ما يشاء ويختار .
ولن يحاسبك الله على قِصَرك ولن يعاتبك على طولك ولن يعاقبك لأنك لم توقف الشمس في مدارها ، ولكن مجال المساءلة هو مجال التكليف . وأنت في هذا المجال حر . وهذه هي الحدود التي نتكلم فيها .
أنت حر في أن تقمع شهوتك وتلجم غضبك وتقاوم نفسك وتزجر نياتك الشريرة وتشجع ميولك الخيرة.
أنت تستطيع أن تجود بمالك ونفسك .
أنت تستطيع أن تصدق وأن تكذب .
وتستطيع أن تكف يدك عن المال الحرام .
وتستطيع أن تكف بصرك عن عورات الآخرين .
وتستطيع أن تمسك لسانك عن السباب والغيبة والنميمة .
في هذا المجال نحن أحرار .
وفي هذا المجال نُحاسَب ونُسأل .
الحرية التي يدور حولها البحث هي الحرية النسبية وليست الحرية المطلقة حرية الإنسان في مجال التكليف.
وهذه الحرية حقيقة ودليلنا عليها هو شعورنا الفطري بها في داخلنا فنحن نشعر بالمسئولية وبالندم على الخطأ ، وبالراحة للعمل الطيب . ونحن نشعر في كل لحظة أننا نختار ونوازن بين احتمالات متعددة ، بل إن وظيفة عقلنا الأولى هي الترجيح والاختيار بين البديلات .
ونحن نفرق بشكل واضح وحاسم بين يدنا وهي ترتعش بالحمى ، ويدنا وهي تكتب خطاباً . فنقول إن حركة الأولى جبرية قهرية ، والحركة الثانية حرة اختيارية . ولو كنا مسيرين في الحالتين لما استطعنا التفرقة .
ويؤكد هذه الحرية ما نشعر به من استحالة إكراه القلب على شيء لا يرضاه تحت أي ضغط . فيمكنك أن تُكره امرأة بالتهديد والضرب على أن تخلع ثيابها . ولكنك لا تستطيع بأي ضغط أو تهديد أن تجعلها تحبك من قلبها ومعنى هذا أن الله أعتق قلوبنا من كل صنوف الإكراه والإجبار ، وأنه فطرها حرة .
ولهذا جعل الله القلب والنية عمدة الأحكام ، فالمؤمن الذي ينطق بعبارة الشرك والكفر تحت التهديد والتعذيب لا يحاسب على ذلك طالما أن قلبه من الداخل مطمئن بالإيمان ، وقد استثناه الله من المؤاخذة في قوله تعالى: ﴿ إِلاَّ مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإِيمَانِ ٌ﴾ 106 سورة النحل
والوجه الآخر من الخلط في هذه المسألة أن بعض الناس يفهم حرية الإنسان بأنها علو على المشيئة ، وانفراد بالأمر ، فيتهم القائلين بالحرية بأنهم أشركوا بالله وجعلوا له أنداداً يأمرون كأمره ، ويحكمون كحكمه ، وهذا ما فهمته أنت أيضاً . فقلت بتعدد المشيئات . وهو فهم خاطئ . فالحرية الإنسانية لا تعلو على المشيئة الإلهية .
إن الإنسان قد يفعل بحريته ما ينافي الرضا الإلهي ولكنه لا يستطيع أن يفعل ما ينافي المشيئة .
الله أعطانا الحرية أن نعلو على رضاه "فنعصيه" ، ولكن لم يعط أحداً الحرية في أن يعلو على مشيئته . وهنا وجه آخر من وجوه نسبية الحرية الإنسانية .
وكل ما يحدث منا داخل في المشيئة الإلهية وضمنها ، وإن خالف الرضا الإلهي وجانب الشريعة .
وحريتنا ذاتها كانت منحة إلهية وهبة منحها لنا الخالق باختياره . ولم نأخذها منه كرهاً ولا غصباً .
إن حريتنا كانت عين مشيئته .
ومن هنا معنى الآية : ﴿وَمَا تَشَاؤُونَ إِلا أَن يَشَاء اللَّهُ ﴾ 30 سورة الإنسان
لأن مشيئتنا ضمن مشيئته ، ومنحة منه ، وهبة من كرمه وفضله ، فهي ضمن إرادته لا ثنائية ولا تناقض ، ولا منافسة منا لأمر الله وحكمه .
والقول بالحرية بهذا المعنى لا ينافي التوحيد ، ولا يجعل لله أنداداً يحكمون كحكمه ويأمرون كأمره . فإن حرياتنا كانت عين أمره ومشيئته وحكمه .
والوجه الثالث للخلط أن بعض من تناولوا مسألة القضاء والقدر والتسيير والتخيير . فهموا القضاء والقدر بأنه إكراه للإنسان على غير طبعه وطبيعته وهذا خطأ وقعت فيه أنت أيضاً . وقد نفى الله عن نفسه الإكراه بآيات صريحة :
﴿إِن نَّشَأْ نُنَزِّلْ عَلَيْهِم مِّن السَّمَاء آيَةً فَظَلَّتْ أَعْنَاقُهُمْ لَهَا خَاضِعِينَ﴾ 4 سورة الشعراء
والمعنى واضح . أنه كان من الممكن أن نُكره الناس على الإيمان بالآيات الملزمة ، ولكننا لم نفعل . لأنه ليس في سنتنا الإكراه .
والقضاء والقدر لا يصح أن يُفهم على أنه إكراه للناس على غير طبائعهم . وإنما على العكس .
الله يقضي على كل إنسان من جنس نيته . ويشاء له من جنس مشيئته ، ويريد له من جنس إرادته ، لا ثنائية .. تسيير الله هو عين تخيير العبد ، لأنه الله يسيِّر كل امرئ على هوى قلبه وعلى مقتضى نياته .
﴿ وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدًى ﴾ 17 سورة محمد
وهو يخاطب الأسرى في القرآن :
﴿ إِن يَعْلَمِ اللّهُ فِي قُلُوبِكُمْ خَيْرًا يُؤْتِكُمْ خَيْرًا مِّمَّا أُخِذَ مِنكُمْ ﴾ 70 سورة الأنفال
الله يقضي ويقدِّر ، ويجري قضاءه وقدره على مقتضى النية والقلب . إن شراً فشر وإن خيراً فخير.
ومعنى هذا أنه لا ثنائية . التسيير هو عين التخيير . ولا ثنائية ولا تناقض .
الله يسيِّرنا إلى ما اخترناه بقلوبنا ونياتنا، فلا ظلم ولا إكراه ولا جبر ، ولا قهر لنا على غير طبائعنا .
﴿ فَأَمَّا مَن أَعْطَى وَاتَّقَى . وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى . فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى . وَأَمَّا مَن بَخِلَ وَاسْتَغْنَى . وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى . فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى ﴾ 5 سورة الليل
هنا تلتقي رمية العبد والرمية المقدَّرة من الرب ، فتكون رمية واحدة. وهذا مفتاح لغز القضاء والقدر . على العبد النية، وعلى الله التمكين، إن خيراً فخير، وإن شراً فشر.
والحرية الإنسانية ليست مقداراً ثابتاً ، ولكنها قدرة نسبية قابلة للزيادة .
الإنسان يستطيع أن يزيد من حريته بالعلم . باختراع الوسائل والأدوات والمواصلات استطاع الإنسان أن يطوي الأرض ، ويهزم المسافات ، ويخترق قيود الزمان والمكان . وبدراسة قوانين البيئة استطاع أن يتحكم فيها ويسخرها لخدمته، وعرف كيف يهزم الحر والبرد والظلام ، وبذلك يضاعف من حرياته في مجال الفعل .
العلم كان وسيلة إلى كسر القيود والأغلال وإطلاق الحرية .
أما الوسيلة الثانية فكانت الدين . الاستمداد من الله بالتقرب منه . والأخذ عنه بالوحي والتلقي والتأييد . وهذه وسيلة الأنبياء ومن في دربهم .
سخّر سليمان الجن وركب الريح وكلّم الطير بمعونة الله ومدده .
وشق موسى البحر . وأحيا المسيح الموتى . ومشى على الماء . وأبرأ الأكمه والأبرص والأعمى .
ونقرأ عن الأولياء أصحاب الكرامات الذين تُطوى لهم الأرض وتكشف لهم المغيبات .
وهي درجات من الحرية اكتسبوها بالاجتهاد في العبادة والتقرب إلى الله والتحبب إليه . فأفاض عليهم من علمه المكنون .
إنه العلم مرة أخرى .
ولكنه هذه المرة العلم "اللدني" .
ولهذا يُلخص أبو حامد الغزالي مشكلة المخيَّر والمسيَّر قائلاً في كلمتين :
الإنسان مخيَّر فيما يعلم .
مسيَّر فيما لا يعلم .
وهو يعني بهذا أنه كلما اتسع علمه اتسع مجال حريته . سواء كان العلم المقصود هو العلم الموضوعي أو العلم اللدنِّي .
ويخطئ المفكرون الماديون أشد الخطأ حينما يتصورون الإنسان أسير الحتميات التاريخية والطبقية . ويجعلون منه حلقة في سلسلة من الحلقات لا فكاك له ، ولا مهرب من الخضوع لقوانين الاقتصاد وحركة المجتمع ، كأنما هو قشة في تيار بلا ذراعين وبلا إرادة .
والكلمة التي يرددونها ولا يتعبون من ترديدها وكأنها قانون : "حتمية الصراع الطبقي" وهي كلمة خاطئة في التحليل العلمي ، لأنه لا حتميات في المجال الإنساني ، وإنما على الأكثر ترجيحات واحتمالات . وهذا هو الفرق بين الإنسان ، وبين التروس ، والآلات والأجسام المادية . فيمكن التنبوء بخسوف الشمس بالدقيقة والثانية ، ويمكن التنبؤ بحركاتها المستقبلة على مدى أيام وسنين . أما الإنسان فلا يمكن أن يعلم أحد ماذا يُضمر وماذا يُخبئ في نياته ، وماذا يفعل غداً أو بعد غد . ولا يمكن معرفة هذا إلا على سبيل الاحتمال والترجيح والتخمين ، وذلك على فرض توفر المعلومات الكافية للحكم .
وقد أخطأت جميع تنبؤات كارل ماركس ، فلم تبدأ الشيوعية في بلد متقدم كما تنبأ ، بل في بلد متخلف ، ولم يتفاقم الصراع بين الرأسمالية والشيوعية ، بل تقارب الاثنان إلى حالة من التعايش السلمي ، وأكثر من هذا فتحت البلاد الشيوعية أبوابها لرأس المال الأمريكي . ولم تتصاعد التناقضات في المجتمع الرأسمالي إلى الإفلاس الذي توقعه كارل ماركس ، بل على العكس ، ازدهر الاقتصاد الرأسمالي ووقع الشقاق والخلاف بين أطراف المعسكر الاشتراكي ذاته .
أخطأت حسابات ماركس جميعها دالة بذلك على خطأ منهجه الحتمي . ورأينا صراع العصر الذي يحرك التاريخ هو الصراع اللاطبقي بين الصين وروسيا ، وليس الصراع الطبقي الذي جعله ماركس عنوان منهجه . وكلها شواهد على فشل الفكر المادي في فهم الإنسان والتاريخ ، وتخبطه في حساب المستقبل . وجاء كل ذلك نتيجة خطأ جوهري ، هو أن الفكر المادي تصوَّر أن الإنسان ذبابة في شبكة من الحتميات . ونسي تماماً أنّ الإنسان حر . وأن حريته حقيقة .
أمّا كلام الماديين عن حكم البيئة والمجتمع والظروف ، وأن الإنسان لا يعيش وحده ولا تتحرك حريته في فراغ .
نقول ردّاً على هذا الكلام : إن حكم البيئة والمجتمع والظروف كمقاومات للحرية الفردية إنما يؤكد المعنى الجدلي لهذه الحرية ولا ينفيه . فالحرية الفردية . لا تؤكد ذاتها إلا ّ في وجه مقاومة تزحزحها.
أما إذا كان الإنسان يتحرك في فراغ بلا مقاومة من أي نوع فإنه لا يكون حراً بالمعنى المفهوم للحرية، لأنه لن تكون هناك عقبة يتغلب عليها ويؤكد حريته من خلالها .
كتاب حوار مع صديقي الملحد
للدكتور مصطفى محمود رحمه الله. ❝