❞ حوار مع صديقي الملحد
هل الدين افيون ..؟
قال لي صاحبي الدكتور وهو يغمز بعينيه :
وما رايك في الذين يقولون ان الدين افيون ...!!
وانه يخدر الفقراء والمظلومين ليناموا على ظلمهم وفقرهم ويحلموا بالجنة والحور العين ..
في حين يثبت الاغنياء على غناهم باعتبار انه حق ..
وان الله خلق الناس درجات ...؟.
وما رايك في الذين يقولون ان الدين لم ينزل من عند الله ..
وانما هو طلع من الارض من الظروف والدواعي الاجتماعية ليكون سلاحاً لطبقة على طبقة ..؟
وهو يشير بذلك الى الماديين وافكارهم ..
قلت :
ليس ابعد من الخطأ القائل بان الدين افيون .. فالدين في حقيقته اعباء وتكاليف وتبعات ..
وليس تخفيفاً وتحللاً .. وبالتالي ليس مهرباً من المسئوليات وليس افيوناً ..
وديننا عمل وليس كسل ..
( وقل اعملوا فسيرى الله عملكم )
ونحن نقول بالتوكل وليس التواكل ..
والتوكل يقتضي عندنا العزم واستفراغ الوسع ..
وبذل غاية الطاقة والحيلة .
ثم التسليم بعد ذلك لقضاء الله وحكمه .
( فاذا عزمت فتوكل على الله )
العزم اولاً ..
والنبي يقول لمن اراد ان يترك ناقته سائبة توكلاً على حفظ الله ( اعقلها وتوكل )
أي ابذل وسعك اولا فثبتها في عقالها ثم توكل ..
والدين صحو وانتباه ويقظة . ومحاسبة للنفس ومراقبة للضمير ..
في كل فعل وفي كل كلمة وكل خاطر . وليس هذا حال اكل الافيون .
انما اكل الافيون الحقيقي هو المادي الذي ينكر الدين هرباً من تبعاته ومسئولياته .
ويتصور ان لحظته ملكه . وانه لاحسيب ولا رقيب ولا بعث بعد الموت ..
فيفعل ما يخطر على باله . وأين هذا الرجل من المتدين المسلم الذي يعتبر نفسه مسئولاً عن سابع جار ..
واذا جاع فرد في امته او ضربت دابة عاتب نفسه بانه لم يقم بواجب الدين في عنقه ..
وليس صحيحاً ان ديننا خرج من الارض .. من الظروف والدواعي الاجتماعية ..
ليكون سلاحاً لطبقة على طبقة وتثبيتاً لغنى الاغنياء وفقر الفقراء ..
والعكس هو الصحيح ...
فالاسلام جاء ثورة على الاغنياء والكانزين المال والمستغلين الظالمين ..
فامر صراحة بالا يكون المال دولة بين الاغنياء يحتكرونه ويتداولونه بينهم ..
وانما يكون حقاً للكل ..
( والذين يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقونها في سبيل الله فبشرهم بعذاب اليم )
والانفاق يبدا من زكاة اجبارية ( 2،5 ) في المائة ..
ثم يتصاعد اختيارياً الى كل ما في الجيب وكل ما في اليد .
فلا تبقي لنفسك الا خبزك .. كفافك ..
( يسألونك ماذا ينفقون قل العفو )
والعفو هو كل ما زاد على الكفاف والحاجة ..
وبهذا جمع الاسلام بين التكليف الجبري القانوني والتكليف الاختياري القائم على الضمير ..
وهذا اكرم للانسان من نزع املاكه بالقهر والمصادرة ..
ووصل إلى الانفاق إلى ما فوق التسعين في المائة بدون ارهاق ..
ولم يأت الاسلام ليثبت ظلم الظالمين . بل جاء ثورة صريحة على كل الظالمين .
وجاء سيفاً وحربا على رقاب الطواغين والمستبدين ..
اما التهمة التي يسوقها الماديون بأن الدين رجعي وطبقي بدليل الايات ..
( والله فضل بعضكم على بعض في الرزق )
( ورفعنا بعضهم فوق بعض درجات )
فنحن نرد بان هذه الايات تنطبق على لندن وباريس وبرلين وموسكو ..
بمثل ما تنطبق على القاهرة ودمشق وجدة ..
واذا مشينا في شوارع موسكو فسوف نجد من يسير على رجليه ..
ومن يركب بسكليت . ومن يركب عربة موسكوفتش ..
ومن يركب عربة زيم فاخرة ..
وماذا يكون هذا الا التفاضل في الرزق بعينه والدرجات والرتب الاقتصادية ..
والتفاوت بين الناس حقيقة جوهرية ..
ولم تستطع الشيوعية ان تلغي التفاوت ..
ولم يقل حتى غلاة المادية والفوضوية بالمساواة ..
والمساواة غير ممكنة فكيف نساوي بين غير متساويين ..
الناس يولدون من لحظة الميلاد غير متساوين في الذكاء والقوة والجمال والمواهب ..
يولدون درجات في كل شيء ..
واقصى ما طمعت فيه المذاهب الاقتصادية هي المساواة في الفرص وليس المساواة بين الناس ..
ان يلقى كل واحد نفس الفرصة في التعليم والعلاج والحد الادنى للمعيشة ..
وهو نفس ما تحض عليه الاديان ..
اما الغاء الدرجات والغاء التفاوت فهو الظلم بعينه والامر الذي ينافي الطبيعة ..
والطبيعة تقوم كلها على اساس التفاضل والتفاوت والتنوع في ثمار الارض وفي البهائم وفي الناس ..
في القطن نجد طويل التيلة . وقصير التيلة ..
وفي الحيوان والانسان نجد الرتب والدرجات والتفاوت اكثر ..
هذا هو قانون الوجود كله .. التفاضل ..
وحكمة هذا القانون واضحة . فلو كان جميع الناس يولدون بخلقة واحدة وقالب واحد ونسخة واحدة ..
لما كان هناك داع لميلادهم اصلا .
وكان يكفي ان نأتي بنسخة واحدة فتغني عن الكل ..
وكذلك الحال في كل شيء ..
ولانتهي الامر إلى فقر الطبيعة وافلاسها ..
وانما غنى الطبيعة وخصبها لايظهر الا بالتنوع في ثمارها وغلاتها والتفاوت في الوانها واصنافها ..
ومع ذلك فالدين لم يسكت على هذا التفاوت بين الاغنياء والفقراء ..
بل امر بتصحيح الاوضاع وجعل للفقير نصيباً من مال الغني .
وقال ان هذا التفاوت فتنة وامتحان ..
( وجعلنا بعضكم لبعض فتنة اتصبرون )
سوف نرى ماذا يفعل القوي بقوته .
هل ينجد بها الضعفاء او يضرب ويقتل ويكون جباراً في الارض ...؟
وسوف نرى ماذا يفعل الغني بغناه ..
هل يسرف ويطغى ..؟ او يعطف ويحسن ..؟
وسوف نرى ماذا يفعل الفقير بفقره ..
هل يحسد ويحقد ويسرق ويختلس ..
او يعمل ويكد ويجتهد ليرفع مستوى معيشته بالشرع والعدل ..
وقد امر الدين بالعدل وتصحيح الاوضاع بالمساواة بين الفرص ..
وهدد بعذاب الاخرة وقال ان الاخرة ستكون ايضاً درجات اكثر تفاوتاً لتصحيح ما لم يجر تصحيحه في الارض .
(( وللاخرة اكبر درجات واكبر تفضيلا ))
وللذين يتهمون الإسلام بالرجعية السياسية نقول إن الإسلام أتى بأكثر الشرائع تقدمية في نظم الحكم .
احترام الفرد في الإسلام بلغ الذروة .. وسبق ميثاق حقوق الإنسان وتفوق عليه .. فماذا يساوي الفرد الواحد في الإسلام إنه يساوي الإنسانية كلها .
( من قتل نفا بغير نفس أو فساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعا ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعا ) .
لا تغني المنجزات ولا الإصلاحات المادية ولا التعمير ولا السدود ولا المصانع .. إذا قتل الحاكم فردا واحدا ظلما في سبيل هذا الإصلاح ، فإنه يكون قد قتل الناس جميعا.
ذروة في احترام الفرد لم يصل إليها مذهب سياسي قديم أو جديد .. فالفرد في الإسلام له قيمة مطلقة بينما في كل المذاهب السياسية له قيمة نسبية .. والفرد في الإسلام آمن في بيته .. وفي أسراره " لا تجسس ولا غيبة " آمن في ماله ورزقه وملكيته وحريته .
كل شيء حتى التحية حتى إفساح المجلس حتى الكلمة الطيبة لها مكان في القرآن .
وقد نهى القرآن عن التجبر والطغيان والإنفراد بالحكم .
وقال الله للنبي " وهو من هو في كماله وصلاحيته " .
( وما أنت عليهم بجبار ) .
( فذكر إنما أنت مذكر .. لست عليهم بمسيطر ) .
( إنما المؤمنون إخوة ) .
ونهى عن عبادة الحاكم وتأليه العظيم :
( لا يتخذ بعضنا بعضا أربابا من دون الله ) .
( وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه ) .
ونهى عن الغوغائية وتملق الدهماء والسوقة والجري وراء الأغلبية المضللة وقال أن :
( بل أكثر الناس لا يعلمون ) .
( بل أكثرهم لا يعقلون ) .
( أكثر الناس لا يؤمنون ) .
( إن يتبعون إلا الظن وإن هم إلا يخرصون ) . " يكذبون "
( إن هم إلا كالأنعام بل هم أضل ) .
ونهى عن العنصرية والعرقية :
( إن أكرمكم عند الله أتقاكم ) .
( هو الذي خلقكم من نفس واحدة ) .
وبالمعنى العلمي كان الإسلام تركيبا جدليا جامعا بين مادية اليهودية وروحانية المسيحية ، بين العدل الصارم الجاف الذي يقول : السن بالسن والعين بالعين . وبين المحبة والتسامح المتطرف الذي يقول : من ضربك على خدك الأيمن فأدر له الأيسر .
وجاء القرآن وسطا بين التوراة التي حرفت حتى أصبحت كتابا ماديا ليس فيه حرف واحد عن الآخرة ، وبين الإنجيل الذي مال إلى رهبانية تامة ، ونادى القرآن بناموس الرحمة الجامع بين العدل والمحبة فقال بشرعية الدفاع عن النفس ولكنه فضل العفو والصفح والمغفرة .
( ولمن صبر وغفر إن ذلك لمن عزم الأمور ) .
وإذا كانت الرأسمالية أطلقت للفرد حرية الكسب إلى درجة استغلال الآخرين .. وإذا كانت الشيوعية سحقت هذه الحرية تماما .. فإن الإسلام قدم الحل الوسط .
( للرجال نصيب مما اكتسبوا وللنساء نصيب مما اكتسبن ) .
الفرد حر في الكسب ولكن ليس له أن يأخذ ثمرة أرباحه كلها .. وإنما له فيها نصيب .. وللفقير نصيب يؤخذ زكاة وإنفاقا من 2.5 في المائة إلى 90% جبرا واختيارا .. وهذا النصيب ليس تصدقا وتفضلا وإنما هو حق الله في الربح .. وبهذه المعادلة الجميلة حفظ الإسلام للفرد حريته وللفقير حقه .
ولهذا أصاب القرآن كل الصواب حينما خاطب أمة الإسلام قائلا :
( وكذلك جعلناكم أمة وسطا ) .
فقد اختار الإسلام الوسط العدل في كل شيء .
وهو ليس الوسط الحسابي وإنما الوسط الجدلي أو التركيب الذي يجمع النقيضين " اليمين واليسار " ويتجاوزهما ويزيد عليهما .. ولذلك ليس في الإسلام يمين ويسار وإنما فيه " صراط " الاعتدال الوسط الذي نسميه الصراط المستقيم من خارج عنه باليمين أو اليسار فقد انحرف .
ولم يقيدنا القرآن بدستور سياسي محدد أو منهج مفصل للحكم لعلم الله بأن الظروف تتغير بما يقتضي الاجتهاد في وضع دساتير متغيرة في الأزمنة المتغيرة ، وحتى يكون الباب مفتوحا أمام المسلمين للأخذ والعطاء من المعارف المتاحة في كل عصر دون انغلاق على دستور بعينه .
ولهذا اكتفى القرآن بهذه التوصيات السياسية العامة السالفة كخصائص للحكم الأمثل .. ولم يكبلنا بنظرية وهذا سر من أسرار إعجازه وتفوقه وليس فقرا ولا نقصا فيه .
وتلك لمسة أخرى من تقديمة القرآن التي سبقت كل التقديمات .
ونرد على القائلين بأن الدين جمود وتحجر .. بأن الإسلام لم يكن أبدا دين تجمد وتحجر وإنما كان دائما وأبدا دين نظر وفكر وتطوير وتغيير بدليل آياته الصريحة .
( قل سيروا في الأرض فانظروا كيف بدأ الخلق ) .
( فلينظر الإنسان مم خلق .. خلق من ماء دافق .. يخرج من بين الصلب والترائب )
( أفلا ينظرون إلى الإبل كيف خلقت وإلى السماء كيف رفعت وإلى الجبال كيف نصبت وإلى
لأرض كيف سطحت ) .
أوامر صريحة بالنظر في خلق الإنسان وفي خلق الحيوان وفي خلق الجبال وفي طبقات الأرض وفي السماء وأفلاكها .. والتشريح والفسيولوجيا والبيولوجيا وعلم الأجنة .
أوامر صريحة بالسير في الأرض وجمع الشواهد واستنباط الأحكام والقوانين ومعرفة كيف بدأ الخلق .. وهو ما نعرفه الآن بعلوم التطور .
ولا خوف من الخطأ .
فالإسلام يكافئ الذي يجتهد ويخطئ بأجر والذي يجتهد ويصيب بأجرين .
وليس صحيحا ما يقال من أننا تخلفنا بالدين وتقدم الغرب بالإلحاد .. والحق أننا تخلفنا حينما هجرنا أوامر ديننا .
وحينما كان المسلمون يأتمرون بهذه الآيات حقا كان هناك تقدم وكانت هناك دولة من المحيط إلى الخليج وعلماء مثل ابن سينا في الطب وابن رشد في الفلسفة وابن الهيثم في الرياضيات وابن النفيس في التشريح وجابر بن حيان في الكيمياء .
وكانت الدنيا تأخذ عنا علومنا .. وما زالت مجمعات النجوم وأبراجها تحتفظ إلى الآن بأسمائها العربية في المعاجم الأوروبية .. وما زالوا يسمون جهاز التقطير بالفرنسية imbique ومنه الفعل من كلمة أمبيق العربية . imbiquer ولم يتقدم الغرب بالإلحاد بل بالعلم .
وإنما وقع الخلط مما حدث في العصور الوسطى من طغيان الكنيسة ومحاكم التفتيش وحجرها على العلم والعلماء وما حدث من سجن غاليليو وحرق جيوردانو برونو .
حينما حكمت الكنيسة وانحرف بها البابوات عن أهدافها النبيلة فكانت عنصر تأخر .. فتصور النقاد السطحيون أن هذا ينسحب أيضا على الإسلام وهو خطأ .. فالإسلام ليس بابوية ولا كهنوت ..
الله لم يقم بينه وبين المسلمين أوصياء ولا وسطاء .
وحينما حكم الإسلام بالفعل كان عنصر تقدم كما شرحنا وكما يقول التاريخ مكذبا هذه المزاعم السطحية .
وآيات القرآن الصريحة تحض على العلم وتأمر بالعلم ولا تقيم بين العلم والدين أي تناقض :
( وقل رب زدني علما ) .
( هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون ) .
( شهد الله أنه لا إله إلا هو والملائكة وأولو العلم ) .
جعل الله الملائكة وأولي العلم في الآية مقترنين بشرف اسمه ونسبته .
وأول آية في القران وأول كلمة كانت " اقرأ " والعلماء في القرآن موعودون بأرفع الدرجات :
( يرفع الله الذين آمنوا منكم والذين أوتوا العلم درجات ) .
وتتكرر كلمة العلم ومشتقاته في القرآن نحوا من ثمانمائة وخمسين مرة .
فكيف يتكلم بعد هذا متكلم عن تناقض بين الدين والعلم أو حجر من الدين على العلم .
والنظر في الدين وتطوير فهمه مطلوب ، وتاريخ الإسلام كله حركات إحياء وتطوير .. والقرآن بريء من تهمة التحجير على الناس وكل شيء في ديننا يقبل التطوير .. ما عدا جوهر العقيدة وصلب الشريعة .. لأن الله واحد ولن يتطور إلى اثنين أو ثلاثة .. هذا أمر مطلق .. وكذلك الشر شر والخير خير .. لن يصبح القتل فضيلة ولا السرقة حسنة ولا الكذب حلية يتحلى بها الصالحون .
وفيما عدا ذلك فالدين مفتوح للفكر والاجتهاد والإضافة والتطوير .
وجوهر الإسلام عقلاني منطقي يقبل الجدل والحوار ويحض على استخدام العقل والمنطق .
وفي أكثر من مكان وفي أكثر من صفحة في القرآن نعثر على التساؤل .. " أفلا يعقلون " .. " أفلا يفقهون " .
وأهل الدين عندنا هم " أولو الألباب " .
( شر الدواب عند الله الصم البكم الذين لا يعقلون ) .
( أفلم يسيروا في الأرض فتكون لهم قلوب يعقلون بها أو آذان يسمعون بها ) .
احترام العقل في لب وصميم الديانة .
والإيجابية عصبها والثورة روحها .
لم يكن الإسلام أبدا خانعا ولا سلبيا .
( وقاتلوا في سبيل الله الذين يقاتلونكم ) .
( إن الله يحب الذين يقاتلون في سبيله صفا كأنهم بنيان مرصوص ) .
والجهاد بالنفس والمال والأولاد .. والقتال والثبات وعدم النكوص على الأعقاب ، ومواجهة اليأس والمصابة والمرابطة في صلب ديننا .
فكيف يمكن لدين بهذه المرونة والعقلانية والعلمية والإيجابية والثورة أن يتهم بالتحجر والجمود إلا من صديق عزيز مثل الدكتور القادم من فرنسا لا يعرف من أوليات دينه شيئا ولم يقرأ في قرآنه حرفا .
من كتاب : حوار مع صديقي الملحد
للدكتور : مصطفى محمود (رحمه الله). ❝ ⏤مصطفى محمود
❞ حوار مع صديقي الملحد
هل الدين افيون .؟
قال لي صاحبي الدكتور وهو يغمز بعينيه :
وما رايك في الذين يقولون ان الدين افيون ..!!
وانه يخدر الفقراء والمظلومين ليناموا على ظلمهم وفقرهم ويحلموا بالجنة والحور العين .
في حين يثبت الاغنياء على غناهم باعتبار انه حق .
وان الله خلق الناس درجات ..؟.
وما رايك في الذين يقولون ان الدين لم ينزل من عند الله .
وانما هو طلع من الارض من الظروف والدواعي الاجتماعية ليكون سلاحاً لطبقة على طبقة .؟
وهو يشير بذلك الى الماديين وافكارهم .
قلت :
ليس ابعد من الخطأ القائل بان الدين افيون . فالدين في حقيقته اعباء وتكاليف وتبعات .
وليس تخفيفاً وتحللاً . وبالتالي ليس مهرباً من المسئوليات وليس افيوناً .
وديننا عمل وليس كسل .
( وقل اعملوا فسيرى الله عملكم )
ونحن نقول بالتوكل وليس التواكل .
والتوكل يقتضي عندنا العزم واستفراغ الوسع .
وبذل غاية الطاقة والحيلة .
ثم التسليم بعد ذلك لقضاء الله وحكمه .
( فاذا عزمت فتوكل على الله )
العزم اولاً .
والنبي يقول لمن اراد ان يترك ناقته سائبة توكلاً على حفظ الله ( اعقلها وتوكل )
أي ابذل وسعك اولا فثبتها في عقالها ثم توكل .
والدين صحو وانتباه ويقظة . ومحاسبة للنفس ومراقبة للضمير .
في كل فعل وفي كل كلمة وكل خاطر . وليس هذا حال اكل الافيون .
انما اكل الافيون الحقيقي هو المادي الذي ينكر الدين هرباً من تبعاته ومسئولياته .
ويتصور ان لحظته ملكه . وانه لاحسيب ولا رقيب ولا بعث بعد الموت .
فيفعل ما يخطر على باله . وأين هذا الرجل من المتدين المسلم الذي يعتبر نفسه مسئولاً عن سابع جار .
واذا جاع فرد في امته او ضربت دابة عاتب نفسه بانه لم يقم بواجب الدين في عنقه .
وليس صحيحاً ان ديننا خرج من الارض . من الظروف والدواعي الاجتماعية .
ليكون سلاحاً لطبقة على طبقة وتثبيتاً لغنى الاغنياء وفقر الفقراء .
والعكس هو الصحيح ..
فالاسلام جاء ثورة على الاغنياء والكانزين المال والمستغلين الظالمين .
فامر صراحة بالا يكون المال دولة بين الاغنياء يحتكرونه ويتداولونه بينهم .
وانما يكون حقاً للكل .
( والذين يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقونها في سبيل الله فبشرهم بعذاب اليم )
والانفاق يبدا من زكاة اجبارية ( 2،5 ) في المائة .
ثم يتصاعد اختيارياً الى كل ما في الجيب وكل ما في اليد .
فلا تبقي لنفسك الا خبزك . كفافك .
( يسألونك ماذا ينفقون قل العفو )
والعفو هو كل ما زاد على الكفاف والحاجة .
وبهذا جمع الاسلام بين التكليف الجبري القانوني والتكليف الاختياري القائم على الضمير .
وهذا اكرم للانسان من نزع املاكه بالقهر والمصادرة .
ووصل إلى الانفاق إلى ما فوق التسعين في المائة بدون ارهاق .
ولم يأت الاسلام ليثبت ظلم الظالمين . بل جاء ثورة صريحة على كل الظالمين .
وجاء سيفاً وحربا على رقاب الطواغين والمستبدين .
اما التهمة التي يسوقها الماديون بأن الدين رجعي وطبقي بدليل الايات .
( والله فضل بعضكم على بعض في الرزق )
( ورفعنا بعضهم فوق بعض درجات )
فنحن نرد بان هذه الايات تنطبق على لندن وباريس وبرلين وموسكو .
بمثل ما تنطبق على القاهرة ودمشق وجدة .
واذا مشينا في شوارع موسكو فسوف نجد من يسير على رجليه .
ومن يركب بسكليت . ومن يركب عربة موسكوفتش .
ومن يركب عربة زيم فاخرة .
وماذا يكون هذا الا التفاضل في الرزق بعينه والدرجات والرتب الاقتصادية .
والتفاوت بين الناس حقيقة جوهرية .
ولم تستطع الشيوعية ان تلغي التفاوت .
ولم يقل حتى غلاة المادية والفوضوية بالمساواة .
والمساواة غير ممكنة فكيف نساوي بين غير متساويين .
الناس يولدون من لحظة الميلاد غير متساوين في الذكاء والقوة والجمال والمواهب .
يولدون درجات في كل شيء .
واقصى ما طمعت فيه المذاهب الاقتصادية هي المساواة في الفرص وليس المساواة بين الناس .
ان يلقى كل واحد نفس الفرصة في التعليم والعلاج والحد الادنى للمعيشة .
وهو نفس ما تحض عليه الاديان .
اما الغاء الدرجات والغاء التفاوت فهو الظلم بعينه والامر الذي ينافي الطبيعة .
والطبيعة تقوم كلها على اساس التفاضل والتفاوت والتنوع في ثمار الارض وفي البهائم وفي الناس .
في القطن نجد طويل التيلة . وقصير التيلة .
وفي الحيوان والانسان نجد الرتب والدرجات والتفاوت اكثر .
هذا هو قانون الوجود كله . التفاضل .
وحكمة هذا القانون واضحة . فلو كان جميع الناس يولدون بخلقة واحدة وقالب واحد ونسخة واحدة .
لما كان هناك داع لميلادهم اصلا .
وكان يكفي ان نأتي بنسخة واحدة فتغني عن الكل .
وكذلك الحال في كل شيء .
ولانتهي الامر إلى فقر الطبيعة وافلاسها .
وانما غنى الطبيعة وخصبها لايظهر الا بالتنوع في ثمارها وغلاتها والتفاوت في الوانها واصنافها .
ومع ذلك فالدين لم يسكت على هذا التفاوت بين الاغنياء والفقراء .
بل امر بتصحيح الاوضاع وجعل للفقير نصيباً من مال الغني .
وقال ان هذا التفاوت فتنة وامتحان .
( وجعلنا بعضكم لبعض فتنة اتصبرون )
سوف نرى ماذا يفعل القوي بقوته .
هل ينجد بها الضعفاء او يضرب ويقتل ويكون جباراً في الارض ..؟
وسوف نرى ماذا يفعل الغني بغناه .
هل يسرف ويطغى .؟ او يعطف ويحسن .؟
وسوف نرى ماذا يفعل الفقير بفقره .
هل يحسد ويحقد ويسرق ويختلس .
او يعمل ويكد ويجتهد ليرفع مستوى معيشته بالشرع والعدل .
وقد امر الدين بالعدل وتصحيح الاوضاع بالمساواة بين الفرص .
وهدد بعذاب الاخرة وقال ان الاخرة ستكون ايضاً درجات اكثر تفاوتاً لتصحيح ما لم يجر تصحيحه في الارض .
(( وللاخرة اكبر درجات واكبر تفضيلا ))
وللذين يتهمون الإسلام بالرجعية السياسية نقول إن الإسلام أتى بأكثر الشرائع تقدمية في نظم الحكم .
احترام الفرد في الإسلام بلغ الذروة . وسبق ميثاق حقوق الإنسان وتفوق عليه . فماذا يساوي الفرد الواحد في الإسلام إنه يساوي الإنسانية كلها .
( من قتل نفا بغير نفس أو فساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعا ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعا ) .
لا تغني المنجزات ولا الإصلاحات المادية ولا التعمير ولا السدود ولا المصانع . إذا قتل الحاكم فردا واحدا ظلما في سبيل هذا الإصلاح ، فإنه يكون قد قتل الناس جميعا.
ذروة في احترام الفرد لم يصل إليها مذهب سياسي قديم أو جديد . فالفرد في الإسلام له قيمة مطلقة بينما في كل المذاهب السياسية له قيمة نسبية . والفرد في الإسلام آمن في بيته . وفي أسراره " لا تجسس ولا غيبة " آمن في ماله ورزقه وملكيته وحريته .
كل شيء حتى التحية حتى إفساح المجلس حتى الكلمة الطيبة لها مكان في القرآن .
وقد نهى القرآن عن التجبر والطغيان والإنفراد بالحكم .
وقال الله للنبي " وهو من هو في كماله وصلاحيته " .
( وما أنت عليهم بجبار ) .
( فذكر إنما أنت مذكر . لست عليهم بمسيطر ) .
( إنما المؤمنون إخوة ) .
ونهى عن عبادة الحاكم وتأليه العظيم :
( لا يتخذ بعضنا بعضا أربابا من دون الله ) .
( وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه ) .
ونهى عن الغوغائية وتملق الدهماء والسوقة والجري وراء الأغلبية المضللة وقال أن :
( بل أكثر الناس لا يعلمون ) .
( بل أكثرهم لا يعقلون ) .
( أكثر الناس لا يؤمنون ) .
( إن يتبعون إلا الظن وإن هم إلا يخرصون ) . " يكذبون "
( إن هم إلا كالأنعام بل هم أضل ) .
ونهى عن العنصرية والعرقية :
( إن أكرمكم عند الله أتقاكم ) .
( هو الذي خلقكم من نفس واحدة ) .
وبالمعنى العلمي كان الإسلام تركيبا جدليا جامعا بين مادية اليهودية وروحانية المسيحية ، بين العدل الصارم الجاف الذي يقول : السن بالسن والعين بالعين . وبين المحبة والتسامح المتطرف الذي يقول : من ضربك على خدك الأيمن فأدر له الأيسر .
وجاء القرآن وسطا بين التوراة التي حرفت حتى أصبحت كتابا ماديا ليس فيه حرف واحد عن الآخرة ، وبين الإنجيل الذي مال إلى رهبانية تامة ، ونادى القرآن بناموس الرحمة الجامع بين العدل والمحبة فقال بشرعية الدفاع عن النفس ولكنه فضل العفو والصفح والمغفرة .
( ولمن صبر وغفر إن ذلك لمن عزم الأمور ) .
وإذا كانت الرأسمالية أطلقت للفرد حرية الكسب إلى درجة استغلال الآخرين . وإذا كانت الشيوعية سحقت هذه الحرية تماما . فإن الإسلام قدم الحل الوسط .
( للرجال نصيب مما اكتسبوا وللنساء نصيب مما اكتسبن ) .
الفرد حر في الكسب ولكن ليس له أن يأخذ ثمرة أرباحه كلها . وإنما له فيها نصيب . وللفقير نصيب يؤخذ زكاة وإنفاقا من 2.5 في المائة إلى 90% جبرا واختيارا . وهذا النصيب ليس تصدقا وتفضلا وإنما هو حق الله في الربح . وبهذه المعادلة الجميلة حفظ الإسلام للفرد حريته وللفقير حقه .
ولهذا أصاب القرآن كل الصواب حينما خاطب أمة الإسلام قائلا :
( وكذلك جعلناكم أمة وسطا ) .
فقد اختار الإسلام الوسط العدل في كل شيء .
وهو ليس الوسط الحسابي وإنما الوسط الجدلي أو التركيب الذي يجمع النقيضين " اليمين واليسار " ويتجاوزهما ويزيد عليهما . ولذلك ليس في الإسلام يمين ويسار وإنما فيه " صراط " الاعتدال الوسط الذي نسميه الصراط المستقيم من خارج عنه باليمين أو اليسار فقد انحرف .
ولم يقيدنا القرآن بدستور سياسي محدد أو منهج مفصل للحكم لعلم الله بأن الظروف تتغير بما يقتضي الاجتهاد في وضع دساتير متغيرة في الأزمنة المتغيرة ، وحتى يكون الباب مفتوحا أمام المسلمين للأخذ والعطاء من المعارف المتاحة في كل عصر دون انغلاق على دستور بعينه .
ولهذا اكتفى القرآن بهذه التوصيات السياسية العامة السالفة كخصائص للحكم الأمثل . ولم يكبلنا بنظرية وهذا سر من أسرار إعجازه وتفوقه وليس فقرا ولا نقصا فيه .
وتلك لمسة أخرى من تقديمة القرآن التي سبقت كل التقديمات .
ونرد على القائلين بأن الدين جمود وتحجر . بأن الإسلام لم يكن أبدا دين تجمد وتحجر وإنما كان دائما وأبدا دين نظر وفكر وتطوير وتغيير بدليل آياته الصريحة .
( قل سيروا في الأرض فانظروا كيف بدأ الخلق ) .
( فلينظر الإنسان مم خلق . خلق من ماء دافق . يخرج من بين الصلب والترائب )
( أفلا ينظرون إلى الإبل كيف خلقت وإلى السماء كيف رفعت وإلى الجبال كيف نصبت وإلى
لأرض كيف سطحت ) .
أوامر صريحة بالنظر في خلق الإنسان وفي خلق الحيوان وفي خلق الجبال وفي طبقات الأرض وفي السماء وأفلاكها . والتشريح والفسيولوجيا والبيولوجيا وعلم الأجنة .
أوامر صريحة بالسير في الأرض وجمع الشواهد واستنباط الأحكام والقوانين ومعرفة كيف بدأ الخلق . وهو ما نعرفه الآن بعلوم التطور .
ولا خوف من الخطأ .
فالإسلام يكافئ الذي يجتهد ويخطئ بأجر والذي يجتهد ويصيب بأجرين .
وليس صحيحا ما يقال من أننا تخلفنا بالدين وتقدم الغرب بالإلحاد . والحق أننا تخلفنا حينما هجرنا أوامر ديننا .
وحينما كان المسلمون يأتمرون بهذه الآيات حقا كان هناك تقدم وكانت هناك دولة من المحيط إلى الخليج وعلماء مثل ابن سينا في الطب وابن رشد في الفلسفة وابن الهيثم في الرياضيات وابن النفيس في التشريح وجابر بن حيان في الكيمياء .
وكانت الدنيا تأخذ عنا علومنا . وما زالت مجمعات النجوم وأبراجها تحتفظ إلى الآن بأسمائها العربية في المعاجم الأوروبية . وما زالوا يسمون جهاز التقطير بالفرنسية imbique ومنه الفعل من كلمة أمبيق العربية . imbiquer ولم يتقدم الغرب بالإلحاد بل بالعلم .
وإنما وقع الخلط مما حدث في العصور الوسطى من طغيان الكنيسة ومحاكم التفتيش وحجرها على العلم والعلماء وما حدث من سجن غاليليو وحرق جيوردانو برونو .
حينما حكمت الكنيسة وانحرف بها البابوات عن أهدافها النبيلة فكانت عنصر تأخر . فتصور النقاد السطحيون أن هذا ينسحب أيضا على الإسلام وهو خطأ . فالإسلام ليس بابوية ولا كهنوت .
الله لم يقم بينه وبين المسلمين أوصياء ولا وسطاء .
وحينما حكم الإسلام بالفعل كان عنصر تقدم كما شرحنا وكما يقول التاريخ مكذبا هذه المزاعم السطحية .
وآيات القرآن الصريحة تحض على العلم وتأمر بالعلم ولا تقيم بين العلم والدين أي تناقض :
( وقل رب زدني علما ) .
( هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون ) .
( شهد الله أنه لا إله إلا هو والملائكة وأولو العلم ) .
جعل الله الملائكة وأولي العلم في الآية مقترنين بشرف اسمه ونسبته .
وأول آية في القران وأول كلمة كانت " اقرأ " والعلماء في القرآن موعودون بأرفع الدرجات :
( يرفع الله الذين آمنوا منكم والذين أوتوا العلم درجات ) .
وتتكرر كلمة العلم ومشتقاته في القرآن نحوا من ثمانمائة وخمسين مرة .
فكيف يتكلم بعد هذا متكلم عن تناقض بين الدين والعلم أو حجر من الدين على العلم .
والنظر في الدين وتطوير فهمه مطلوب ، وتاريخ الإسلام كله حركات إحياء وتطوير . والقرآن بريء من تهمة التحجير على الناس وكل شيء في ديننا يقبل التطوير . ما عدا جوهر العقيدة وصلب الشريعة . لأن الله واحد ولن يتطور إلى اثنين أو ثلاثة . هذا أمر مطلق . وكذلك الشر شر والخير خير . لن يصبح القتل فضيلة ولا السرقة حسنة ولا الكذب حلية يتحلى بها الصالحون .
وفيما عدا ذلك فالدين مفتوح للفكر والاجتهاد والإضافة والتطوير .
وجوهر الإسلام عقلاني منطقي يقبل الجدل والحوار ويحض على استخدام العقل والمنطق .
وفي أكثر من مكان وفي أكثر من صفحة في القرآن نعثر على التساؤل . " أفلا يعقلون " . " أفلا يفقهون " .
وأهل الدين عندنا هم " أولو الألباب " .
( شر الدواب عند الله الصم البكم الذين لا يعقلون ) .
( أفلم يسيروا في الأرض فتكون لهم قلوب يعقلون بها أو آذان يسمعون بها ) .
احترام العقل في لب وصميم الديانة .
والإيجابية عصبها والثورة روحها .
لم يكن الإسلام أبدا خانعا ولا سلبيا .
( وقاتلوا في سبيل الله الذين يقاتلونكم ) .
( إن الله يحب الذين يقاتلون في سبيله صفا كأنهم بنيان مرصوص ) .
والجهاد بالنفس والمال والأولاد . والقتال والثبات وعدم النكوص على الأعقاب ، ومواجهة اليأس والمصابة والمرابطة في صلب ديننا .
فكيف يمكن لدين بهذه المرونة والعقلانية والعلمية والإيجابية والثورة أن يتهم بالتحجر والجمود إلا من صديق عزيز مثل الدكتور القادم من فرنسا لا يعرف من أوليات دينه شيئا ولم يقرأ في قرآنه حرفا .
من كتاب : حوار مع صديقي الملحد
للدكتور : مصطفى محمود (رحمه الله). ❝
❞ حوار مع صديقي الملحد
لماذا لا يكون القرآن من تأليف محمد ؟
قال صاحبي وهو ينتقي عباراته : -
لا أريد أن أجرحك فأنا أعلم اعتزازك بالقرآن و أنا معك في أنه كتاب قيم .. و لكن لماذا لا يكون من تأليف محمد ؟ .. إن رجلاً في عظمة محمد لا يستغرب منه أن يضع كتاباً في عظمة القرآن .. سوف يكون هذا منطقياً أكثر من أن نقول إن الله أنزله .
فإنا لم نر الله ينزل من السماء شيئاً .. و نحن في عصر من الصعب أن نقنع فيه إنساناً بأن هناك ملاكاً اسمه جبريل نزل من السماء بكتاب ليوحي به إلى أحد .
قلت في هدوء : - بل نحن في عصر يسهل فيه تماماً أن نصدق بأن هناك ملائكة لا ترى ، و بأن الحقائق يمكن أن تلقى إلى الإنسان وحياً .. فهم يتكلمون اليوم عن أطباق طائره تنزل على الأرض . كواكب بعيدة و أشعة غير منظورة تقتل ، و أمواج لاسلكية تحدد الأهداف و تضربها .. وصور تتحول إلى ذبذبات في الهواء ثم تستقبل في أجهزة صغيرة كعلب التبغ .. و كاميرات تصور الأشباح .. و عيون ترى في الظلام .. و رجل يمشى على القمر .. و سفينة تنزل على المريخ .. لم يعد غريباً أن نسمع أن الله أرسل ملكاً خفياً من ملائكته.. و أنه ألقى بوحيه على أحد أنبيائه .. لقد أصبح وجود جبريل اليوم حقيقة من الدرجة الثانية .. و أقل عجباً و غرابة مما نرى و نسمع كل يوم .
أما لماذا لا نقول إن القرآن من تأليف محمد عليه الصلاة و السلام .. فلأن القرآن بشكله و عباراته و حروفه و ما احتوى عليه من علوم و معارف و أسرار و جمال بلاغي و دقة لغوية هو مما لا يدخل في قدرة بشر أن يؤلفه .. فإذا أضفنا إلى ذلك أن محمداً عليه الصلاة والسلام كان أمياً ، لا يقرأ و لا يكتب و لم يتعلم في مدرسة و لم يختلط بحضارة ، و لم يبرح شبه الجزيرة العربية ، فإن احتمال الشك و احتمال إلقاء هذا السؤال يغدو مستحيلاً .. و الله يتحدى المنكرين ممن زعموا أن القرآن مؤلف :
قال تعالى: "أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِّثْلِهِ وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُم مِّن دُونِ اللَّهِ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ" [يونس : 38]
استعينوا بالجن و الملائكة وعباقرة الإنس وأتوا بسورة من مثله و مازال التحدي قائماً و لم يأت أحد بشيء ... إلا ببعض عبارات مسجوعة ساذجة سموها "سورة من مثله"... أتى بها أناس يعتقدون أن القرآن مجرد كلام مسجوع .. و لكن سورة من مثله.. أي بها نفس الإعجاز البلاغي و العلمي .. وإذا نظرنا إلى القرآن في حياد و موضوعية فسوف نستبعد تماماً أن يكون محمد عليه الصلاة و السلام هو مؤلفه .
أولاً : لأنه لو كان مؤلفه لبث فيه همومه و أشجانه ، و نحن نراه في عام واحد يفقد زوجه خديجة و عمه أبا طالب و لا سند له في الحياة غيرهما .. و فجيعته فيهما لا تقدر .. و مع ذلك لا يأتي لهما ذكر في القرآن و لا بكلمة .. و كذلك يموت ابنه إبراهيم و يبكيه ، و لا يأتى لذلك خبر في القرآن .. القرآن معزول تماماً عن الذات المحمدية .
بل إن الآية لتأتي مناقضة لما يفعله محمد و ما يفكر فيه .. و أحياناً تنزل الآية معاتبة له كما حدث بصدد الأعمى الذي انصرف عنه النبي إلى أشراف قريش :
( "عَبَسَ وَتَوَلَّى ، أَن جَاءَهُ الْأَعْمَى ،وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ يَزَّكَّى ، أَوْ يَذَّكَّرُ فَتَنفَعَهُ الذِّكْرَى" )
وأحياناً تنزل الآية فتنقض عملاً من أعمال النبي :
("مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَن يَكُونَ لَهُ أَسْرَى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الْأَرْضِ تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيَا وَاللَّهُ يُرِيدُ الْآخِرَةَ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ، لَّوْلَا كِتَابٌ مِّنَ اللَّهِ سَبَقَ لَمَسَّكُمْ فِيمَا أَخَذْتُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ" )
و أحياناً يأمر القرآن محمد بأن يقول لأتباعه ما لا يمكن أن يقوله لو أنه كان يؤلف الكلام تأليفاً :
("قُلْ مَا كُنتُ بِدْعًا مِّنَ الرُّسُلِ وَمَا أَدْرِي مَا يُفْعَلُ بِي وَلَا بِكُمْ إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَى إِلَيَّ وَمَا أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ مُّبِينٌ" )
لا يوجد نبي يتطوع من تلقاء نفسه ليقول لأتباعه لا أدرى ما يفعل بي و لا بكم .. لا أملك لنفسي ضراً و لا نفعاً .. و لا أملك لكم ضراً و لا نفعاً .
فإن هذا يؤدى إلى أن ينفض عنه أتباعه .. و هذا ما حدث فقد اتخذ اليهود هذه الآية عذرا ليقولوا .. ما نفع هذا النبي الذي لا يدرى ماذا يفعل به و لا بنا .. هذا رجل لا جدوى فيه .
مثل هذه الآيات ما كان يمكن أن يؤلفها النبي لو كان يضع القرآن من عند نفسه .
ثانياً : لو نظرنا بعد ذلك في العبارة القرآنية لوجدنا أنها جديدة منفردة في رصفها و بنائها و معمارها ليس لها شبيه فيما سبق من أدب العرب و لا شبيه فيما أتى لاحقاً بعد ذلك .. حتى لتكاد اللغة تنقسم إلى شعر و نثر و قرآن .. فنحن أمام كلام هو نسيج وحده لا هو بالنثر و لا بالشعر .
فموسيقى الشعر تأتى من الوزن و من التقفية فنسمع الشاعر ابن الأبرص الأسدى ينشد:
أقفر من أهله عبيد
فليس يبدى و لا يعيد
هنا الموسيقى تخرج من التشطير و من التقفية على الدال الممدودة ، فهي موسيقى خارجية .. أما موسيقى القرآن فهي موسيقى داخلية:
(" وَالضُّحَى ، وَاللَّيْلِ إِذَا سَجَى" )
لا تشطير و لا تقفية في هذه العبارة البسيطة ، ولكن الموسيقى تقطر منها .. من أين؟ إنها موسيقى داخلية .
اسمع هذه الآيات :
( "قَالَ رَبِّ إِنِّي وَهَنَ الْعَظْمُ مِنِّي وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْبًا وَلَمْ أَكُن بِدُعَائِكَ رَبِّ شَقِيًّا" [مريم : 4]
و هذه الآيات :
" طه ، مَا أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَى ، إِلَّا تَذْكِرَةً لِّمَن يَخْشَى ، تَنزِيلًا مِّمَّنْ خَلَقَ الْأَرْضَ وَالسَّمَاوَاتِ الْعُلَى ، الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى"
فإذا تناولت الآيات تهديداً تحول بناء العبارة و نحتها إلى جلاميد صخر .. و أصبح للإيقاع صلصلة نحاسية تصخ السمع :
"إِنَّا أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا صَرْصَرًا فِي يَوْمِ نَحْسٍ مُّسْتَمِرٍّ ، تَنزِعُ النَّاسَ كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ مُّنقَعِرٍ"
كلمات مثل "صرصراً".. "و منقعر".. كل كلمة كأنها جلمود صخر .. فإذا جاءت الآية لتروى خبراً هائلاً كما في نهاية الطوفان تقاصرت العبارات و كأنها إشارات " مورس " التلغرافية .
و أصبحت الآية كلها كأنها تلغراف مقتضب له وقع هائل :
قال تعالى: "وَقِيلَ يَا أَرْضُ ابْلَعِي مَاءَكِ وَيَا سَمَاءُ أَقْلِعِي وَغِيضَ الْمَاءُ وَقُضِيَ الْأَمْرُ وَاسْتَوَتْ عَلَى الْجُودِيِّ وَقِيلَ بُعْدًا لِّلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ" [هود : 44]
هذا التلون في نحت الألفاظ و في بناء العبارة و في إيقاع الكلمات مع المعاني و المشاعر .. يبلغ في القرآن الذروة و يأتي دائماً منساباً لا تكلف فيه و لا تعمل .
ثالثاً : إذا مضينا في التحليل أكثر فإنا سنكتشف الدقة البالغة و الإحكام المذهل .. كل حرف في مكانه لا تقديم و لا تأخير .. لا تستطيع أن تضع كلمة مكان كلمة ، و لا حرفاً مكان حرف .. كل لفظة تم اختيارها من مليون لفظة بميزان دقيق .
و سنرى أن هذه الدقة البالغة لا مثيل لها في التأليف .. انظر إلى هذه الكلمة " لواقح " في الآية : قال تعالى: ("وَأَرْسَلْنَا الرِّيَاحَ لَوَاقِحَ " )
و كانوا يفسرونها في الماضي على المعنى المجازي بمعنى أن الرياح تثير السحب فتسقط المطر فيلقح الأرض بمعنى " يخصبها " ثم عرفنا اليوم أن الرياح تسوق السحب إيجابية التكهرب و تلقي بها في أحضان السحب سالبة التكهرب فيحدث البرق و الرعد والمطر .. و هي بهذا المعنى "لواقح " أيضا ، و نعرف الآن أيضاً أن الرياح تنقل حبوب اللقاح من زهرة إلى زهرة فتلقحها بالمعنى الحرفي ، ون عرف أخيراً أن المطر لا يسقط إلا بتلقيح قطيرات الماء بذرات الغبار فتنمو القطيرات حول هذه الأنوية من الغبار و تسقط مطراً .. فها نحن أولاء أمام كلمة صادقة مجازياً و حرفياً وعلمياً ، ثم هي بعد ذلك جميلة فنياً و أدبياً و ذات إيقاع حلو .
هنا نرى منتهى الدقة في انتقاء اللفظة و نحتها ، و في آية أخرى :
قال تعالى: "وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُم بَيْنَكُم بِالْبَاطِلِ وَتُدْلُوا بِهَا إِلَى الْحُكَّامِ لِتَأْكُلُوا فَرِيقًا مِّنْ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالْإِثْمِ وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ"
كلمة " تدلوا ".
مع أن الحاكم الذي تلقى إليه الأموال في الأعلى و ليس في الأسفل .. لا .. إن القران يصحح الوضع ، فاليد التي تأخذ الرشوة هي اليد السفلى و لو كانت يد الحاكم .. و من هنا جاءته كلمة " تدلوا بها إلى الحكام " لتعبر في بلاغة لا مثيل إلا عن دناءة المرتشي و سفله .
و في آية الجهاد :
قال تعالى: " مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمُ انفِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الْأَرْضِ "
القرآن يستعمل كلمة " اثَّاقلتم " بدلا من تثاقلتم .. يدمج الحروف إدماجاً ، و يلصقها إلصاقاً ليعبر عن جبن الجبناء الذين يلتصقون بالأرض ( و يتربسون ) فيها من الخوف إذا دعوا إلى القتال ، فجاءت حروف الكلمة بالمثل (متربسة) .
و في آية قتل الأولاد من الفقر نراها جاءت على صورتين :
قال تعالى: " وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُم مِّنْ إِمْلَاقٍ نَّحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ "
قال تعالى: "وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلَاقٍ نَّحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُمْ "
و الفرق بين الآيتين لم يأتي اعتباطاً ، و إنما جاء لأسباب محسوبة .. فحينما يكون القتل من إملاق فإن معناه أن الأهل فقراء في الحاضر ، فيقول : نحن ( نرزقكم ) و إياهم .
و حينما يكون قتل الأولاد خشية إملاق فإن معناه أن الفقر هو احتمال في المستقبل و لذا تشير الآية إلى الأبناء فتقول نحن "نرزقهم " و إياكم .
مثل هذه الفروق لا يمكن أن تخطر على بال مؤلف .. و في حالات التقديم و التأخير نجد دائماً أنه لحكمة ، نجد أن السارق مقدم على السارقة في آية السرقة ، في حين أن الزانية مقدمة على الزانى في آية الزنى .. و ذلك لسبب واضح ، أن الرجل أكثر إيجابية في السرقة .. أما في الزنى فالمرأة هي التي تأخذ المبادرة ، من لحظة وقوفها أمام المرآة تضع " البارفان " و لمسات " التواليت " و تختار الفستان أعلى الركبة فإنها تنصب الفخاخ للرجل الموعود .
قال تعالى: "الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ "
قال تعالى:"وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا "
و بالمثل تقديم السمع على البصر في أكثر من 16 مكاناً
( " وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ " )
( " وَجَعَلْنَا لَهُمْ سَمْعًا وَأَبْصَارًا وَأَفْئِدَةً ")
( "أَسْمِعْ بِهِمْ وَأَبْصِرْ ")
(" إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا" )
( "وَمَا كُنتُمْ تَسْتَتِرُونَ أَن يَشْهَدَ عَلَيْكُمْ سَمْعُكُمْ وَلَا أَبْصَارُكُمْ " )
( " لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ" )
دائما السمع أولاً . و لا شك أن السمع أكثر إرهافاً و كمالاً من البصر .. إننا نسمع الجن و لا نراه .. و الأنبياء سمعوا الله و كلموه و لم يره أحد .
و قد تلقى محمد القرآن سمعاً .. والأم تميز بكاء ابنها في الزحام و لا تستطيع أن تميز وجهه .. و السمع يصاحب الإنسان أثناء النوم فيظل صاحياً في حين تنام عيناه ، و من حاول تشريح جهاز السمع يعلم أنه أعظم دقة و إرهافاً من جهاز البصر .
و بالمثل تقديم المال على الولد :
( "يَوْمَ لَا يَنفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ ، إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ" )
( "إِنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلَادُكُمْ فِتْنَةٌ وَاللَّهُ عِندَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ" )
( " لَن تُغْنِيَ عَنْهُمْ أَمْوَالُهُمْ وَلَا أَوْلَادُهُم مِّنَ اللَّهِ شَيْئًا وَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ" )
( "أَيَحْسَبُونَ أَنَّمَا نُمِدُّهُم بِهِ مِن مَّالٍ وَبَنِينَ ، نُسَارِعُ لَهُمْ فِي الْخَيْرَاتِ بَل لَّا يَشْعُرُونَ" )
( "فَلَا تُعْجِبْكَ أَمْوَالُهُمْ وَلَا أَوْلَادُهُمْ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُم بِهَا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا " )
( "اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَبَاتُهُ " )
و الأمثلة على هذا التقديم كثيرة و السر أن المال عند أكثر الناس أعز من الولد .. ثم الدقة و الخفاء و اللطف في الإعراب .
انظر إلى هذه الآية :
( "وَإِن طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا " )
مرة عوملت الطائفتان على أنهما جمع "اقتتلوا" و مرة على أنهما مثنى "فأصلحوا بينهما" والسر لطيف .. فالطائفتان في القتال تلتحمان وتصبحان جمعاً من الأذرع المتضاربة .. في حين أنهما في الصلح تتفصلان إلى اثنين .. و ترسل كل واحدة عنها مندوباً ، و من هنا قال : و إن طائفتان من المؤمنين "اقتتلوا" فأصلحوا "بينهما"!
حتى حروف الجر و الوصل و العطف تأتى و تمتنع في القرآن لأسباب عميقة ، و بحساب دقيق محكم .. مثلاً تأتي كلمة "يسألونك " في أماكن عديدة من القرآن:
(" وَيَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنفِقُونَ قُلِ الْعَفْوَ ")
( "وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي ")
( "يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ " )
دائماً الجواب بكلمة "قل ".. و لكنها حين تأتى عن الجبال :
"وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْجِبَالِ فَقُلْ يَنسِفُهَا رَبِّي نَسْفًا"
هنا لأول مرة جاءت "فقل" بدلاً من "قل ".. و السبب أن كل الأسئلة السابقة كانت قد سئلت بالفعل ، أما سؤال الجبال فلم يكن قد سئل بعد ، لأنه من أسرار القيامة ، و كأنما يقول الله : فإذا سألوك عن الجبال "فقل ".. فجاءت الفاء زائدة لسبب محسوب ..
أما في الآية :
("وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاع ")
هنا لا ترد كلمة "قل " لأن السؤال عن ذات الله .. و الله أولى بالإجابة عن نفسه ..
كذلك الضمير أنا و نحن .
يتكلم الله بضمير الجمع حيثما يكون التعبير عن "فعل " إلهي تشترك فيه جميع الصفات الإلهية كالخلق ، و إنزال القرآن و حفظه :
( "إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ" )
("نَحْنُ خَلَقْنَاكُمْ فَلَوْلَا تُصَدِّقُونَ" )
(" إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ" )
( "أَفَرَأَيْتُم مَّا تُمْنُونَ ، أَأَنتُمْ تَخْلُقُونَهُ أَمْ نَحْنُ الْخَالِقُونَ" )
( "نَّحْنُ خَلَقْنَاهُمْ وَشَدَدْنَا أَسْرَهُمْ وَإِذَا شِئْنَا بَدَّلْنَا أَمْثَالَهُمْ تَبْدِيلًا" )
"ونحن " هنا تعبر عن جمعية الصفات الإلهية و هي تعمل في إبداع عظيم مثل عملية الخلق .
أما إذا جاءت الآية في مقام مخاطبة بين الله وعبده كما في موقف المكالمة مع موسى .. تأتي الآية بضمير المفرد
( "إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدْنِي وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي" )
الله يقول : "أنا" لأن الحضرة هنا حضرة ذات ، و تنبيها منه سبحانه على مسألة التوحيد و الوحدانية في العبادة .
و نجد مثل هذه الدقة الشديدة في آيتين متشابهتين عن الصبر تفترق الواحدة عن الأخرى في حرف اللام .. يقول لقمان لولده :
" وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ"
و في آية أخرى عن الصبر نقرأ :
("وَلَمَن صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ" )
الصبر في الأولى "من عزم الأمور" و في الثانية " لمن عزم الامور".. و سر التوكيد باللام في الثانية أنه صبر مضاعف ، لأنه صبر على عدوان بشري لك فيه غريم ، و أنت مطالب فيه بالصبر و المغفرة و هو أمر أشد على النفس من الصبر على القضاء الإلهي الذي لا حيلة فيه ..
و نفس هذه الملاحظة عن "اللام " نجدها مرة أخرى في آيتين عن إنزال المطر و إنبات الزرع :
( "أَفَرَأَيْتُمُ الْمَاءَ الَّذِي تَشْرَبُونَ ، أَأَنتُمْ أَنزَلْتُمُوهُ مِنَ الْمُزْنِ أَمْ نَحْنُ الْمُنزِلُونَ ، قال تعالى: "لَوْ نَشَاءُ جَعَلْنَاهُ أُجَاجًا " )"أي مالحا"
و في آية ثانية :
( "أَفَرَأَيْتُم مَّا تَحْرُثُونَ ، أَأَنتُمْ تَزْرَعُونَهُ أَمْ نَحْنُ الزَّارِعُونَ ، لَوْ نَشَاءُ لَجَعَلْنَاهُ حُطَامًا ")
في الآية الأولى "جعلناه " أجاجا.. و في الآية الثانية "لجعلناه " حطاما واللام جاءت في الثانية لضرورة التوكيد ، لأن هناك من سوف يدعى بأنه يستطيع أن يتلف الزرع كما يتلفه الخالق ، و يجعله حطاما .. في حين لن يستطيع أحد من البشر أن يدعى أن في إمكانه أن ينزل من سحب السماء مطرا مالحا فلا حاجة إلى توكيد باللام ..
و نفس هذه الدقة نجدها في وصف إبراهيم لربه في القرآن بأنه :
("وَالَّذِي يُمِيتُنِي ثُمَّ يُحْيِينِ" )
( "وَالَّذِي هُوَ يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِ" )
فجاء بكلمة"هو" حينما تكلم عن "الإطعام " ليؤكد الفعل الإلهي ، لأنه سوف يدعي الكل أنهم يطعمونه .. و يسقونه ، على حين لن يدّعي أحد بأنه يميته و محييه كما يميته الله ويحييه .
و نجد هذه الدقة أيضاً حينما يخاطب القرآن المسلمين قائلاً :
( "فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ ")
و يخاطب اليهود قائلاً :
(" اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ ")
فاليهود ماديون لا يذكرون الله إلا في النعمة و الفائدة و المصلحة و المسلمون أكثر شفافية و يفهمون معنى أن يذكر الله لذاته لا لمصلحة ..
و بنفس المعنى يقول الله للخاصة من أولى الألباب :
(" وَاتَّقُونِ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ" )
و يقول للعوام :
( " فَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ ")
لأن العوام لا يردعهم إلا النار ، أما الخاصة فهم يعلمون أن الله أقوى من كل نار ، و أنه يستطيع أن يجعل النار برداً و سلاماً إن شاء .
و نجد مثل هذه الدقة البالغة في اختيار اللفظ في كلام إبليس حينما أقسم على ربه قائلاً :
( "قَالَ فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ" )
أقسم إبليس بالعزة الإلهية و لم يقسم بغيرها ، فأثبت بذلك علمه و ذكاءه ، لأن هذه العزة الإلهية هي التي اقتضت استغناء الله عن خلقه ، فمن شاء فليؤمن و من شاء فليكفر، و لن يضروا الله شيئاً ، فهو العزيز عن خلقه ، الغني عن العالمين .
و يقول الله في حديثه القدسى :
(هؤلاء في النار و لا أبالي ، و هؤلاء في الجنة ولا أبالي )
و هذا مقتضى العزة الإلهية .. وهي الثغرة الوحيدة التي يدخل منها إبليس ، فهو بها يستطيع أن يضل و يوسوس ، لأن الله لن يقهر أحداً اختار الكفر على الإيمان .. و لهذا قال "فبعزتك " لأغوينهم أجمعين .
( " لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ ، ثُمَّ لَآتِيَنَّهُم مِّن بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَن شَمَائِلِهِمْ ")
ذكر الجهات الأربع ، و لم يذكر من فوقهم و لا من تحتهم .. لأن "فوق " الربوبية ، و " تحت " تواضع العبودية .. و من لزم مكانه الأدنى من ربه الأعلى لن يستطيع الشيطان أن يدخل عليه .
ثم ذكر إبليس أن مقعده المفضل للإغواء سوف يكون الصراط المستقيم .. على طريق الخير و على سجادة الصلاة ، لأن تارك الصلاة و السكير و العربيد ليس في حاجة إلى إبليس ليضله ، فقد تكفلت نفسه بإضلاله ، إنه إنسان خرب .. و إبليس لص ذكي ، لا يحب أن يضيع وقته بأن يحوم حول البيوت الخربة .
مثال آخر من أمثلة الدقة القرآنية نجده في سبق المغفرة على العذاب و الرحمة على الغضب في القرآن .. فالله في "الفاتحة" هو الرحمن الرحيم قبل أن يكون مالك يوم الدين .. وهو دائماً يوصف بأنه يغفر لمن يشاء و يعذب من يشاء ... تأتى المغفرة أولاً قبل العذاب إلا في مكانين في آية قطع اليد :
( " يُعَذِّبُ مَن يَشَاءُ وَيَغْفِرُ لِمَن يَشَاءُ ")
لأن العقوبة بقطع اليد عذاب دنيوي .. تليه مغفرة أخروية .. و في كلام عيسى يوم القيامة عن المشركين الذين عبدوه من دون الله .. فيقول لربه :
( "إِن تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِن تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ" )
فلا يقول فإنك أنت الغفور الرحيم تأدباً .. و يذكر ألم العذاب قبل المغفرة .. لعظم الإثم الذي وقعوا فيه .
و نجد هذه الدقة القرآنية مرة أخرى في تناول القرآن للزمن .. فالمستقبل يأتي ذكره على لسان الخالق على أنه ماض .. فأحداث يوم القيامة ترد كلها على أنها ماض :
( "وَنُفِخَ فِي الصُّورِ ")
( "وَانشَقَّتِ السَّمَاءُ فَهِيَ يَوْمَئِذٍ وَاهِيَةٌ" )
( "وَبُرِّزَتِ الْجَحِيمُ لِلْغَاوِينَ" )
( "وَعُرِضُوا عَلَى رَبِّكَ صَفًّا ")
و السر في ذلك أن كل الأحداث حاضرها و مستقبلها قد حدثت في علم الله و ليس عند الله زمن يحجب عنه المستقبل ، فهو سبحانه فوق الزمان والمكان ، و لهذا نقرأ العبارة القرآنية أحياناً فنجد أنها تتحدث عن زمانين مختلفين ، و تبدو في ظاهرها متناقضة مثل :
(" أَتَى أَمْرُ اللَّهِ فَلَا تَسْتَعْجِلُوهُ ")
فالأمر قد أتى و حدث في الماضي .
لكن الله يخاطب الناس بألا يستعجلوه كما لو كان مستقبلًا لم يحدث بعد .. و السر كما شرحنا أنه حدث في علم الله ، لكنه لم يحدث بعد في علم الناس ، ولا تناقض .. و إنما دقة و إحكام ، و خفاء و استسرار ، و صدق في المعاني العميقة .
هذه بعض الأمثلة للدقة البالغة و النحت المحكم في بناء العبارة القرآنية و في اختيار الألفاظ و استخدام الحروف لا زيادة و لا نقص ، و لا تقديم و لا تأخير ، إلا بحساب و ميزان ، و لا نعرف لذلك مثيلاً في تأليف أو كتاب مؤلف ، و لا نجده إلا في القرآن .
أما لمحات العلم فى القران وعجائب الآيات الكونية التى أتت
بالأسرار والخفايا التى لم تكتشف إلا فى عصرنا، والتى لم يعرفهامحمد
! ولا عصره فهى موضوع آخر يطول، وله جلسة أخرى .
من كتاب / حوار مع صديقي الملحد
للدكتور / مصطفى محمود( رحمه الله ). ❝ ⏤مصطفى محمود
❞ حوار مع صديقي الملحد
لماذا لا يكون القرآن من تأليف محمد ؟
قال صاحبي وهو ينتقي عباراته : -
لا أريد أن أجرحك فأنا أعلم اعتزازك بالقرآن و أنا معك في أنه كتاب قيم . و لكن لماذا لا يكون من تأليف محمد ؟ . إن رجلاً في عظمة محمد لا يستغرب منه أن يضع كتاباً في عظمة القرآن . سوف يكون هذا منطقياً أكثر من أن نقول إن الله أنزله .
فإنا لم نر الله ينزل من السماء شيئاً . و نحن في عصر من الصعب أن نقنع فيه إنساناً بأن هناك ملاكاً اسمه جبريل نزل من السماء بكتاب ليوحي به إلى أحد .
قلت في هدوء : - بل نحن في عصر يسهل فيه تماماً أن نصدق بأن هناك ملائكة لا ترى ، و بأن الحقائق يمكن أن تلقى إلى الإنسان وحياً . فهم يتكلمون اليوم عن أطباق طائره تنزل على الأرض . كواكب بعيدة و أشعة غير منظورة تقتل ، و أمواج لاسلكية تحدد الأهداف و تضربها . وصور تتحول إلى ذبذبات في الهواء ثم تستقبل في أجهزة صغيرة كعلب التبغ . و كاميرات تصور الأشباح . و عيون ترى في الظلام . و رجل يمشى على القمر . و سفينة تنزل على المريخ . لم يعد غريباً أن نسمع أن الله أرسل ملكاً خفياً من ملائكته. و أنه ألقى بوحيه على أحد أنبيائه . لقد أصبح وجود جبريل اليوم حقيقة من الدرجة الثانية . و أقل عجباً و غرابة مما نرى و نسمع كل يوم .
أما لماذا لا نقول إن القرآن من تأليف محمد عليه الصلاة و السلام . فلأن القرآن بشكله و عباراته و حروفه و ما احتوى عليه من علوم و معارف و أسرار و جمال بلاغي و دقة لغوية هو مما لا يدخل في قدرة بشر أن يؤلفه . فإذا أضفنا إلى ذلك أن محمداً عليه الصلاة والسلام كان أمياً ، لا يقرأ و لا يكتب و لم يتعلم في مدرسة و لم يختلط بحضارة ، و لم يبرح شبه الجزيرة العربية ، فإن احتمال الشك و احتمال إلقاء هذا السؤال يغدو مستحيلاً . و الله يتحدى المنكرين ممن زعموا أن القرآن مؤلف :
استعينوا بالجن و الملائكة وعباقرة الإنس وأتوا بسورة من مثله و مازال التحدي قائماً و لم يأت أحد بشيء .. إلا ببعض عبارات مسجوعة ساذجة سموها ˝سورة من مثله˝.. أتى بها أناس يعتقدون أن القرآن مجرد كلام مسجوع . و لكن سورة من مثله. أي بها نفس الإعجاز البلاغي و العلمي . وإذا نظرنا إلى القرآن في حياد و موضوعية فسوف نستبعد تماماً أن يكون محمد عليه الصلاة و السلام هو مؤلفه .
أولاً : لأنه لو كان مؤلفه لبث فيه همومه و أشجانه ، و نحن نراه في عام واحد يفقد زوجه خديجة و عمه أبا طالب و لا سند له في الحياة غيرهما . و فجيعته فيهما لا تقدر . و مع ذلك لا يأتي لهما ذكر في القرآن و لا بكلمة . و كذلك يموت ابنه إبراهيم و يبكيه ، و لا يأتى لذلك خبر في القرآن . القرآن معزول تماماً عن الذات المحمدية .
بل إن الآية لتأتي مناقضة لما يفعله محمد و ما يفكر فيه . و أحياناً تنزل الآية معاتبة له كما حدث بصدد الأعمى الذي انصرف عنه النبي إلى أشراف قريش :
لا يوجد نبي يتطوع من تلقاء نفسه ليقول لأتباعه لا أدرى ما يفعل بي و لا بكم . لا أملك لنفسي ضراً و لا نفعاً . و لا أملك لكم ضراً و لا نفعاً .
فإن هذا يؤدى إلى أن ينفض عنه أتباعه . و هذا ما حدث فقد اتخذ اليهود هذه الآية عذرا ليقولوا . ما نفع هذا النبي الذي لا يدرى ماذا يفعل به و لا بنا . هذا رجل لا جدوى فيه .
مثل هذه الآيات ما كان يمكن أن يؤلفها النبي لو كان يضع القرآن من عند نفسه .
ثانياً : لو نظرنا بعد ذلك في العبارة القرآنية لوجدنا أنها جديدة منفردة في رصفها و بنائها و معمارها ليس لها شبيه فيما سبق من أدب العرب و لا شبيه فيما أتى لاحقاً بعد ذلك . حتى لتكاد اللغة تنقسم إلى شعر و نثر و قرآن . فنحن أمام كلام هو نسيج وحده لا هو بالنثر و لا بالشعر .
فموسيقى الشعر تأتى من الوزن و من التقفية فنسمع الشاعر ابن الأبرص الأسدى ينشد:
أقفر من أهله عبيد
فليس يبدى و لا يعيد
هنا الموسيقى تخرج من التشطير و من التقفية على الدال الممدودة ، فهي موسيقى خارجية . أما موسيقى القرآن فهي موسيقى داخلية:
(˝ وَالضُّحَى ، وَاللَّيْلِ إِذَا سَجَى˝ )
لا تشطير و لا تقفية في هذه العبارة البسيطة ، ولكن الموسيقى تقطر منها . من أين؟ إنها موسيقى داخلية .
اسمع هذه الآيات :
( ˝قَالَ رَبِّ إِنِّي وَهَنَ الْعَظْمُ مِنِّي وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْبًا وَلَمْ أَكُن بِدُعَائِكَ رَبِّ شَقِيًّا˝ [مريم : 4]
كلمات مثل ˝صرصراً˝. ˝و منقعر˝. كل كلمة كأنها جلمود صخر . فإذا جاءت الآية لتروى خبراً هائلاً كما في نهاية الطوفان تقاصرت العبارات و كأنها إشارات ˝ مورس ˝ التلغرافية .
و أصبحت الآية كلها كأنها تلغراف مقتضب له وقع هائل :
قال تعالى: ˝وَقِيلَ يَا أَرْضُ ابْلَعِي مَاءَكِ وَيَا سَمَاءُ أَقْلِعِي وَغِيضَ الْمَاءُ وَقُضِيَ الْأَمْرُ وَاسْتَوَتْ عَلَى الْجُودِيِّ وَقِيلَ بُعْدًا لِّلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ˝ [هود : 44]
هذا التلون في نحت الألفاظ و في بناء العبارة و في إيقاع الكلمات مع المعاني و المشاعر . يبلغ في القرآن الذروة و يأتي دائماً منساباً لا تكلف فيه و لا تعمل .
ثالثاً : إذا مضينا في التحليل أكثر فإنا سنكتشف الدقة البالغة و الإحكام المذهل . كل حرف في مكانه لا تقديم و لا تأخير . لا تستطيع أن تضع كلمة مكان كلمة ، و لا حرفاً مكان حرف . كل لفظة تم اختيارها من مليون لفظة بميزان دقيق .
و سنرى أن هذه الدقة البالغة لا مثيل لها في التأليف . انظر إلى هذه الكلمة ˝ لواقح ˝ في الآية : قال تعالى: (˝وَأَرْسَلْنَا الرِّيَاحَ لَوَاقِحَ ˝ )
و كانوا يفسرونها في الماضي على المعنى المجازي بمعنى أن الرياح تثير السحب فتسقط المطر فيلقح الأرض بمعنى ˝ يخصبها ˝ ثم عرفنا اليوم أن الرياح تسوق السحب إيجابية التكهرب و تلقي بها في أحضان السحب سالبة التكهرب فيحدث البرق و الرعد والمطر . و هي بهذا المعنى ˝لواقح ˝ أيضا ، و نعرف الآن أيضاً أن الرياح تنقل حبوب اللقاح من زهرة إلى زهرة فتلقحها بالمعنى الحرفي ، ون عرف أخيراً أن المطر لا يسقط إلا بتلقيح قطيرات الماء بذرات الغبار فتنمو القطيرات حول هذه الأنوية من الغبار و تسقط مطراً . فها نحن أولاء أمام كلمة صادقة مجازياً و حرفياً وعلمياً ، ثم هي بعد ذلك جميلة فنياً و أدبياً و ذات إيقاع حلو .
هنا نرى منتهى الدقة في انتقاء اللفظة و نحتها ، و في آية أخرى :
قال تعالى: ˝وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُم بَيْنَكُم بِالْبَاطِلِ وَتُدْلُوا بِهَا إِلَى الْحُكَّامِ لِتَأْكُلُوا فَرِيقًا مِّنْ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالْإِثْمِ وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ˝
كلمة ˝ تدلوا ˝.
مع أن الحاكم الذي تلقى إليه الأموال في الأعلى و ليس في الأسفل . لا . إن القران يصحح الوضع ، فاليد التي تأخذ الرشوة هي اليد السفلى و لو كانت يد الحاكم . و من هنا جاءته كلمة ˝ تدلوا بها إلى الحكام ˝ لتعبر في بلاغة لا مثيل إلا عن دناءة المرتشي و سفله .
و في آية الجهاد :
قال تعالى: ˝ مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمُ انفِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الْأَرْضِ ˝
القرآن يستعمل كلمة ˝ اثَّاقلتم ˝ بدلا من تثاقلتم . يدمج الحروف إدماجاً ، و يلصقها إلصاقاً ليعبر عن جبن الجبناء الذين يلتصقون بالأرض ( و يتربسون ) فيها من الخوف إذا دعوا إلى القتال ، فجاءت حروف الكلمة بالمثل (متربسة) .
و في آية قتل الأولاد من الفقر نراها جاءت على صورتين :
قال تعالى: ˝ وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُم مِّنْ إِمْلَاقٍ نَّحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ ˝
و الفرق بين الآيتين لم يأتي اعتباطاً ، و إنما جاء لأسباب محسوبة . فحينما يكون القتل من إملاق فإن معناه أن الأهل فقراء في الحاضر ، فيقول : نحن ( نرزقكم ) و إياهم .
و حينما يكون قتل الأولاد خشية إملاق فإن معناه أن الفقر هو احتمال في المستقبل و لذا تشير الآية إلى الأبناء فتقول نحن ˝نرزقهم ˝ و إياكم .
مثل هذه الفروق لا يمكن أن تخطر على بال مؤلف . و في حالات التقديم و التأخير نجد دائماً أنه لحكمة ، نجد أن السارق مقدم على السارقة في آية السرقة ، في حين أن الزانية مقدمة على الزانى في آية الزنى . و ذلك لسبب واضح ، أن الرجل أكثر إيجابية في السرقة . أما في الزنى فالمرأة هي التي تأخذ المبادرة ، من لحظة وقوفها أمام المرآة تضع ˝ البارفان ˝ و لمسات ˝ التواليت ˝ و تختار الفستان أعلى الركبة فإنها تنصب الفخاخ للرجل الموعود .
دائما السمع أولاً . و لا شك أن السمع أكثر إرهافاً و كمالاً من البصر . إننا نسمع الجن و لا نراه . و الأنبياء سمعوا الله و كلموه و لم يره أحد .
و قد تلقى محمد القرآن سمعاً . والأم تميز بكاء ابنها في الزحام و لا تستطيع أن تميز وجهه . و السمع يصاحب الإنسان أثناء النوم فيظل صاحياً في حين تنام عيناه ، و من حاول تشريح جهاز السمع يعلم أنه أعظم دقة و إرهافاً من جهاز البصر .
و الأمثلة على هذا التقديم كثيرة و السر أن المال عند أكثر الناس أعز من الولد . ثم الدقة و الخفاء و اللطف في الإعراب .
انظر إلى هذه الآية :
( ˝وَإِن طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا ˝ )
مرة عوملت الطائفتان على أنهما جمع ˝اقتتلوا˝ و مرة على أنهما مثنى ˝فأصلحوا بينهما˝ والسر لطيف . فالطائفتان في القتال تلتحمان وتصبحان جمعاً من الأذرع المتضاربة . في حين أنهما في الصلح تتفصلان إلى اثنين . و ترسل كل واحدة عنها مندوباً ، و من هنا قال : و إن طائفتان من المؤمنين ˝اقتتلوا˝ فأصلحوا ˝بينهما˝!
حتى حروف الجر و الوصل و العطف تأتى و تمتنع في القرآن لأسباب عميقة ، و بحساب دقيق محكم . مثلاً تأتي كلمة ˝يسألونك ˝ في أماكن عديدة من القرآن:
هنا لأول مرة جاءت ˝فقل˝ بدلاً من ˝قل ˝. و السبب أن كل الأسئلة السابقة كانت قد سئلت بالفعل ، أما سؤال الجبال فلم يكن قد سئل بعد ، لأنه من أسرار القيامة ، و كأنما يقول الله : فإذا سألوك عن الجبال ˝فقل ˝. فجاءت الفاء زائدة لسبب محسوب .
أما في الآية :
(˝وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاع ˝)
هنا لا ترد كلمة ˝قل ˝ لأن السؤال عن ذات الله . و الله أولى بالإجابة عن نفسه .
كذلك الضمير أنا و نحن .
يتكلم الله بضمير الجمع حيثما يكون التعبير عن ˝فعل ˝ إلهي تشترك فيه جميع الصفات الإلهية كالخلق ، و إنزال القرآن و حفظه :
˝ونحن ˝ هنا تعبر عن جمعية الصفات الإلهية و هي تعمل في إبداع عظيم مثل عملية الخلق .
أما إذا جاءت الآية في مقام مخاطبة بين الله وعبده كما في موقف المكالمة مع موسى . تأتي الآية بضمير المفرد
الصبر في الأولى ˝من عزم الأمور˝ و في الثانية ˝ لمن عزم الامور˝. و سر التوكيد باللام في الثانية أنه صبر مضاعف ، لأنه صبر على عدوان بشري لك فيه غريم ، و أنت مطالب فيه بالصبر و المغفرة و هو أمر أشد على النفس من الصبر على القضاء الإلهي الذي لا حيلة فيه .
و نفس هذه الملاحظة عن ˝اللام ˝ نجدها مرة أخرى في آيتين عن إنزال المطر و إنبات الزرع :
و في آية ثانية :
( ˝أَفَرَأَيْتُم مَّا تَحْرُثُونَ ، أَأَنتُمْ تَزْرَعُونَهُ أَمْ نَحْنُ الزَّارِعُونَ ، لَوْ نَشَاءُ لَجَعَلْنَاهُ حُطَامًا ˝)
في الآية الأولى ˝جعلناه ˝ أجاجا. و في الآية الثانية ˝لجعلناه ˝ حطاما واللام جاءت في الثانية لضرورة التوكيد ، لأن هناك من سوف يدعى بأنه يستطيع أن يتلف الزرع كما يتلفه الخالق ، و يجعله حطاما . في حين لن يستطيع أحد من البشر أن يدعى أن في إمكانه أن ينزل من سحب السماء مطرا مالحا فلا حاجة إلى توكيد باللام .
و نفس هذه الدقة نجدها في وصف إبراهيم لربه في القرآن بأنه :
(˝وَالَّذِي يُمِيتُنِي ثُمَّ يُحْيِينِ˝ )
( ˝وَالَّذِي هُوَ يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِ˝ )
فجاء بكلمة˝هو˝ حينما تكلم عن ˝الإطعام ˝ ليؤكد الفعل الإلهي ، لأنه سوف يدعي الكل أنهم يطعمونه . و يسقونه ، على حين لن يدّعي أحد بأنه يميته و محييه كما يميته الله ويحييه .
و نجد هذه الدقة أيضاً حينما يخاطب القرآن المسلمين قائلاً :
( ˝فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ ˝)
و يخاطب اليهود قائلاً :
(˝ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ ˝)
فاليهود ماديون لا يذكرون الله إلا في النعمة و الفائدة و المصلحة و المسلمون أكثر شفافية و يفهمون معنى أن يذكر الله لذاته لا لمصلحة .
و بنفس المعنى يقول الله للخاصة من أولى الألباب :
(˝ وَاتَّقُونِ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ˝ )
و يقول للعوام :
( ˝ فَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ ˝)
لأن العوام لا يردعهم إلا النار ، أما الخاصة فهم يعلمون أن الله أقوى من كل نار ، و أنه يستطيع أن يجعل النار برداً و سلاماً إن شاء .
و نجد مثل هذه الدقة البالغة في اختيار اللفظ في كلام إبليس حينما أقسم على ربه قائلاً :
أقسم إبليس بالعزة الإلهية و لم يقسم بغيرها ، فأثبت بذلك علمه و ذكاءه ، لأن هذه العزة الإلهية هي التي اقتضت استغناء الله عن خلقه ، فمن شاء فليؤمن و من شاء فليكفر، و لن يضروا الله شيئاً ، فهو العزيز عن خلقه ، الغني عن العالمين .
و يقول الله في حديثه القدسى :
(هؤلاء في النار و لا أبالي ، و هؤلاء في الجنة ولا أبالي )
و هذا مقتضى العزة الإلهية . وهي الثغرة الوحيدة التي يدخل منها إبليس ، فهو بها يستطيع أن يضل و يوسوس ، لأن الله لن يقهر أحداً اختار الكفر على الإيمان . و لهذا قال ˝فبعزتك ˝ لأغوينهم أجمعين .
( ˝ لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ ، ثُمَّ لَآتِيَنَّهُم مِّن بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَن شَمَائِلِهِمْ ˝)
ذكر الجهات الأربع ، و لم يذكر من فوقهم و لا من تحتهم . لأن ˝فوق ˝ الربوبية ، و ˝ تحت ˝ تواضع العبودية . و من لزم مكانه الأدنى من ربه الأعلى لن يستطيع الشيطان أن يدخل عليه .
ثم ذكر إبليس أن مقعده المفضل للإغواء سوف يكون الصراط المستقيم . على طريق الخير و على سجادة الصلاة ، لأن تارك الصلاة و السكير و العربيد ليس في حاجة إلى إبليس ليضله ، فقد تكفلت نفسه بإضلاله ، إنه إنسان خرب . و إبليس لص ذكي ، لا يحب أن يضيع وقته بأن يحوم حول البيوت الخربة .
مثال آخر من أمثلة الدقة القرآنية نجده في سبق المغفرة على العذاب و الرحمة على الغضب في القرآن . فالله في ˝الفاتحة˝ هو الرحمن الرحيم قبل أن يكون مالك يوم الدين . وهو دائماً يوصف بأنه يغفر لمن يشاء و يعذب من يشاء .. تأتى المغفرة أولاً قبل العذاب إلا في مكانين في آية قطع اليد :
فلا يقول فإنك أنت الغفور الرحيم تأدباً . و يذكر ألم العذاب قبل المغفرة . لعظم الإثم الذي وقعوا فيه .
و نجد هذه الدقة القرآنية مرة أخرى في تناول القرآن للزمن . فالمستقبل يأتي ذكره على لسان الخالق على أنه ماض . فأحداث يوم القيامة ترد كلها على أنها ماض :
و السر في ذلك أن كل الأحداث حاضرها و مستقبلها قد حدثت في علم الله و ليس عند الله زمن يحجب عنه المستقبل ، فهو سبحانه فوق الزمان والمكان ، و لهذا نقرأ العبارة القرآنية أحياناً فنجد أنها تتحدث عن زمانين مختلفين ، و تبدو في ظاهرها متناقضة مثل :
(˝ أَتَى أَمْرُ اللَّهِ فَلَا تَسْتَعْجِلُوهُ ˝)
فالأمر قد أتى و حدث في الماضي .
لكن الله يخاطب الناس بألا يستعجلوه كما لو كان مستقبلًا لم يحدث بعد . و السر كما شرحنا أنه حدث في علم الله ، لكنه لم يحدث بعد في علم الناس ، ولا تناقض . و إنما دقة و إحكام ، و خفاء و استسرار ، و صدق في المعاني العميقة .
هذه بعض الأمثلة للدقة البالغة و النحت المحكم في بناء العبارة القرآنية و في اختيار الألفاظ و استخدام الحروف لا زيادة و لا نقص ، و لا تقديم و لا تأخير ، إلا بحساب و ميزان ، و لا نعرف لذلك مثيلاً في تأليف أو كتاب مؤلف ، و لا نجده إلا في القرآن .
أما لمحات العلم فى القران وعجائب الآيات الكونية التى أتت
بالأسرار والخفايا التى لم تكتشف إلا فى عصرنا، والتى لم يعرفهامحمد
! ولا عصره فهى موضوع آخر يطول، وله جلسة أخرى .
من كتاب / حوار مع صديقي الملحد
للدكتور / مصطفى محمود( رحمه الله ). ❝
❞ وقديمًا قال عمر بن الخطاب \"لو عثرت دابة في العراق لرأيت نفسي مسؤولًا عما حدث لها\" وهي قولة حق ..
فما يجري في أي مجتمع هو محصلة أفعال أفراده وكل منهم مسؤول بحسب مكانه تصاعديًا من القاعدة إلى القمة ..
إن ما يحدث لنا هو نحن ..
وكل واحد لا يقابل في الطريق إلا نفسه ..
المجرم تتسابق إليه مناسبات الإجرام ..
والفاضل الخير تتسابق إليه مناسبات الخير والعطاء ..
ومثل ما تجود أيدينا تجود أرضنا وتجود سماؤنا لأن الذي خلق الكون خلق له القوانين الحافظة التي يزدهر بها طالما كان ناميًا والقوانين الهادمة له إذا دب فيه الفساد ونخر فيه السوس ..
وبنية المجتمع مثل بنية الجسم هي في نماء وازدهار طالما غلبت فيها عوامل الانسجام والنظام والصحة فإذا غلب الاضطراب والفوضى والمرض تداعت إلى تراب ..
فلا تلوموا القدر ..
ولا تحتجوا على السماء ..
ولا تقولوا ظلمنا ربنا بهذه الكوارث ..
بل قولوا ربنا ظلمنا أنفسنا ..
ولينظر كل منا ماذا يفعل في دولة نفسه وإلى أي جانب من رغباته ينحاز .. إلى لذاته العاجلة وإلى منفعته الذاتية أم إلى نجدة المحروم ونصرة الضعيف ..
إلى الأصنام المادية يتوجه؟! ..
أم إلى القيم ..
أم إلى رب القيم!! ..
ثم لينظر ماذا يفعل لا ماذا يقول ..
وماذا يخفي لا ماذا يعلن ..
وحينئذ سيعرف الجواب على سؤاله ..
لماذا كل هذه الكوارث؟! ... ❝ ⏤مصطفى محمود
❞ وقديمًا قال عمر بن الخطاب ˝لو عثرت دابة في العراق لرأيت نفسي مسؤولًا عما حدث لها˝ وهي قولة حق .
فما يجري في أي مجتمع هو محصلة أفعال أفراده وكل منهم مسؤول بحسب مكانه تصاعديًا من القاعدة إلى القمة .
إن ما يحدث لنا هو نحن .
وكل واحد لا يقابل في الطريق إلا نفسه .
المجرم تتسابق إليه مناسبات الإجرام .
والفاضل الخير تتسابق إليه مناسبات الخير والعطاء .
ومثل ما تجود أيدينا تجود أرضنا وتجود سماؤنا لأن الذي خلق الكون خلق له القوانين الحافظة التي يزدهر بها طالما كان ناميًا والقوانين الهادمة له إذا دب فيه الفساد ونخر فيه السوس .
وبنية المجتمع مثل بنية الجسم هي في نماء وازدهار طالما غلبت فيها عوامل الانسجام والنظام والصحة فإذا غلب الاضطراب والفوضى والمرض تداعت إلى تراب .
فلا تلوموا القدر .
ولا تحتجوا على السماء .
ولا تقولوا ظلمنا ربنا بهذه الكوارث .
بل قولوا ربنا ظلمنا أنفسنا .
ولينظر كل منا ماذا يفعل في دولة نفسه وإلى أي جانب من رغباته ينحاز . إلى لذاته العاجلة وإلى منفعته الذاتية أم إلى نجدة المحروم ونصرة الضعيف .
إلى الأصنام المادية يتوجه؟! .
أم إلى القيم .
أم إلى رب القيم!! .
ثم لينظر ماذا يفعل لا ماذا يقول .
وماذا يخفي لا ماذا يعلن .
وحينئذ سيعرف الجواب على سؤاله .
لماذا كل هذه الكوارث؟!. ❝
❞ مسلسل جرح العائلة (الحلقة الرابعة)
علي: هل تمزح معنا زواج ماذا؟! وأمي لم يمر علي وفاتها سوا أسبوعين فقط.
الأب: ولكن أنا أريد أن أتزوج هل سوف تمنعني؟!!!
ترك علي والده وذهب إلي غرفته لكي يأخد أغراضه ويذهب من هذا المنزل لأن هذا المنزل من غير والدته مثل جهنم.
ترك علي المنزل وذهب عند صديقه مروان مرة آخري.
دخل علي عند مروان وعندما رآه مروان أندهش أنه أتي بعد وفاة والدته بأسبوعين فقط.
مروان: تعازي لك.
علي : شكراً.
مروان: اعتذر لك يا صديقي لم أستطع أن آتي إليك ولكن انت تعلم ظروف العمل هنا.
علي: لا تعتذر يا صديقي انا أعلم كل شيء.
مروان: لماذا أتيت بهذه السرعة.
علي: المنزل أصبح مثل جهنم من غير أمي.
مروان: ماذا حدث؟!
علي: والدي يريد أن يتزوج.
مروان : كيف هذا هل بهذه السرعة؟!
علي: هذا الرجل لا يحبنا.
مروان: لا تحزن يا صديقي لا تعود إليه مرة آخري.
علي: حاضر يا صديقي سوف أذهب لكي أنام وارتاح قليلاً.
ذهب علي لكي ينام ويستريح ولكن عقله لا يستطيع أن يتوقف عن التفكير كيف والده يفعل هذا وكيف هو سوف يكمل حياته من غير والدته وكيف لا تكون معه وكيف سوف يعمل ويتزوج وأين المكان، لا يستطيع أن يتوقف عقله عن التفكير.
وفي اليوم التاني علم من أخته أن والده تزوج والتي تزوج بها صغيره السن جدا تعجب علي من والده وقال كيف يتزوج من واحده في سن أولاده لا يعلم ماذا يفعل ولكن هذا والده ترك كل شيء خلفه وقال لا يهمني وقرر أن يكمل حياته ولم يعود مره آخري إلي ذلك المنزل.
ذهب علي للعمل وكان منتظم وبدأ في كسب النقود وكان سعيد للغايه.
بعد مرور شهر
باب السكن يطرق بشده
فتح مروان الباب وقال من الطارق
شرطي: هل يسكن هنا علي؟!
مروان: نعم ولكن هو في العمل الأن.
في أثناء الحديث دخل علي
علي: السلام عليكم ورحمه الله وبركاته، ماذا يحدث هنا!!
مروان: الشرطي يسأل عنك.
علي: ماذا يوجد حضرت الشرطي!!؟
الشرطي : والدك قدم شكوي عليك انك سرقت منه المال و مجوهرات زوجته.
انتظروا الحلقه الخامسه
بقلم هويدا صبري
#أسيرةـالليل. ❝ ⏤Howayda Sabry
❞ مسلسل جرح العائلة (الحلقة الرابعة)
علي: هل تمزح معنا زواج ماذا؟! وأمي لم يمر علي وفاتها سوا أسبوعين فقط.
الأب: ولكن أنا أريد أن أتزوج هل سوف تمنعني؟!!!
ترك علي والده وذهب إلي غرفته لكي يأخد أغراضه ويذهب من هذا المنزل لأن هذا المنزل من غير والدته مثل جهنم.
ترك علي المنزل وذهب عند صديقه مروان مرة آخري.
دخل علي عند مروان وعندما رآه مروان أندهش أنه أتي بعد وفاة والدته بأسبوعين فقط.
مروان: تعازي لك.
علي : شكراً.
مروان: اعتذر لك يا صديقي لم أستطع أن آتي إليك ولكن انت تعلم ظروف العمل هنا.
علي: لا تعتذر يا صديقي انا أعلم كل شيء.
مروان: لماذا أتيت بهذه السرعة.
علي: المنزل أصبح مثل جهنم من غير أمي.
مروان: ماذا حدث؟!
علي: والدي يريد أن يتزوج.
مروان : كيف هذا هل بهذه السرعة؟!
علي: هذا الرجل لا يحبنا.
مروان: لا تحزن يا صديقي لا تعود إليه مرة آخري.
علي: حاضر يا صديقي سوف أذهب لكي أنام وارتاح قليلاً.
ذهب علي لكي ينام ويستريح ولكن عقله لا يستطيع أن يتوقف عن التفكير كيف والده يفعل هذا وكيف هو سوف يكمل حياته من غير والدته وكيف لا تكون معه وكيف سوف يعمل ويتزوج وأين المكان، لا يستطيع أن يتوقف عقله عن التفكير.
وفي اليوم التاني علم من أخته أن والده تزوج والتي تزوج بها صغيره السن جدا تعجب علي من والده وقال كيف يتزوج من واحده في سن أولاده لا يعلم ماذا يفعل ولكن هذا والده ترك كل شيء خلفه وقال لا يهمني وقرر أن يكمل حياته ولم يعود مره آخري إلي ذلك المنزل.
ذهب علي للعمل وكان منتظم وبدأ في كسب النقود وكان سعيد للغايه.
بعد مرور شهر
باب السكن يطرق بشده
فتح مروان الباب وقال من الطارق
شرطي: هل يسكن هنا علي؟!
مروان: نعم ولكن هو في العمل الأن.
في أثناء الحديث دخل علي
علي: السلام عليكم ورحمه الله وبركاته، ماذا يحدث هنا!!
مروان: الشرطي يسأل عنك.
علي: ماذا يوجد حضرت الشرطي!!؟
الشرطي : والدك قدم شكوي عليك انك سرقت منه المال و مجوهرات زوجته.
❞ ماذا يفعل من لا انعكاس له؟!
ماذا يفعل من تركه ظله في وضح النهار؟!
كيف يعيش من لاظل له بين عالم يفتخر بالظلال؟!
لماذا لم تعلمني كيف أعيش بعدك يا أبي؟!
لماذا لم تعلمني كيف أصنع انعكاسي بدونك؟!
وكيف أحتفظ بظلي بعدك؟!. ❝ ⏤فاطمة الدفعي
❞ ماذا يفعل من لا انعكاس له؟!
ماذا يفعل من تركه ظله في وضح النهار؟!
كيف يعيش من لاظل له بين عالم يفتخر بالظلال؟!
لماذا لم تعلمني كيف أعيش بعدك يا أبي؟!
لماذا لم تعلمني كيف أصنع انعكاسي بدونك؟!
وكيف أحتفظ بظلي بعدك؟!. ❝