❞❝
❞ أن القلب الذاكر كالحي في بيوت الأحياء والغافل الميت في بيوت الأموات ولا ريب أن أبدان الغافلين قبور لقلوبهم وقلوبهم فيها كالأموات في القبور ابن القيم . ❝
❞ في سياق هديه ﷺ في حجه .
لما فرض الحج سنة تسع أو عشر بادر إليه ﷺ على الفور سنة عشر ، وهي حجته الوحيدة ، ولا خلاف أنه ﷺ لم يَحُجَّ بعد هجرته إلى المدينة سوى حجة واحدة وهي حَجة الوداع ، ولا خلاف أنها كانت سنة عشر ، ولما عزم رسول الله ﷺ على الحج أعلم الناس أنه حاج ، فتجهزوا للخروج معه ، وسمع ذلك مَن حول المدينة ، فَقَدِمُوا يُريدون الحجَّ مع رسول الله ﷺ ، ووافاه في الطريق خلائق لا يُحصون ، فكانُوا مِن بين يديه ومن خلفه وعن يمينه وعن شماله مد البصر ، وخرج من المدينة نهاراً بعد الظهر لِسِتُ بَقِينَ مِن ذي القعدة بعد أن صلَّى الظهر بها أربعاً ، وخطبهم قبل ذلك خُطبة علمهم فيها الإحرام وواجباته وسننه ، بعد ترجل وادهن ، ولبس إزاره ورداءه ، فنزل بذي الحليفة ، فصلى بها العصر ركعتين ، ثم بات بها وصلى بها المغرب والعشاء والصبح والظهر ، فصلى بها خمس صلوات ، وكان نساؤه كُلهن معه ، وطاف عليهن تِلك الليلة ، فلما أراد الإحرام اغتسل غسلاً ثانياً لإحرامه غير غسل الجماع الأول ، وقَلَّدَ قبل الإحرام بُدَنه بنعلين ، وأشعرّها في جانبها الأيمن فشق صفحة سنامها ، وسلت الدم عنها ، وأهَلَّ ﷺ في مصلاه ، ثم ركب على ناقته ، وأهل أيضاً ، ثم أهل لما استقلت به على البيداء ، وكان يَهِلُّ بالحج والعمرة تارة ، وبالحج تارة ، لأن العمرة جزء منه ، وكان حجه على رحل ، لا في مَحْمِلٍ ، ولا هَوْدَج ، ولا عمَّارية ، وزَامِلته تحته ، ثم إنه ﷺ خيرهم عند الإحرام بين الأنساكِ الثلاثة ، ثم ندبهم عند دنوهم من مكة إلى فسخ الحج والقران إلى العمرة لمن لم يكن معه هَدْي ، ثم حتَّم ذلك عليهم عند المروة ، ثم سار رسول الله ﷺ وهو يُلبي بتلبيته المذكورة والناس معه يزيدون فيها وينقصون ، وهو يُقرهم ولا ينكر عليهم ، ولزم تلبيته ، فلما كانُوا بالروحاء ، رأى حمار وحُشِ عَقيراً ، فقال ( دَعوه فإِنَّه يُوشِكُ أَنْ يَأْتِيَ صاحبه ) فَجَاء صَاحِبُه إِلى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ فَقَالَ يا رَسُولَ اللَّهِ ، شَأْنَكُم بِهَذَا الحِمَارِ ، فَأَمَرَ رسولُ اللهِ ﷺ أَبَا بَكرٍ فَقَسَمَهُ بَيْنَ الرِّفَاقِ ، ثم مضى حتى إذا كان بالأثَايَةِ بين الرُّويثَةِ والعَرْج ، إذا ظبي حَاقِفٌ في ظل فيه سهم ، فأمر رجلاً أن يقف عنده لا يَرِيبه أحد من الناس ، حتى يجاوزوا . ❝
❞ فإنه لا سبيل إلى السعادة والفلاح لا في الدنيا ولا في الآخرة إلا على أيدي الرُسل ، ولا سبيل إلى معرفة الطيب والخبيث على التفصيل إلا من جهتهم ، ولا ينال رضى الله البتة إلا على أيديهم ، فالطيب من الأعمال والأقوال والأخلاق ليس إلا هديهم وما جاؤوا به ، فهم الميزان الراجح الذي على أقوالهم وأعمالهم وأخلاقهم توزن الأقوال والأخلاق والأعمال ، وبمتابعتهم يتميز أهل الهدى من أهل الضلال ، فالضرورة إليهم أعظم من ضرورة البدن إلى روحه ، والعين إلى نورها ، والروح إلى حياتها ، فأي ضرورة وحاجة فرضت ، فضرورة العبد وحاجته إلى الرسل فوقها بكثير ، وما ظنك بمن إذا غاب عنك هديه وما جاء به طرفة عين فسد قلبك وصار كالحوت إذا فارق الماء ووضع في المقلاة ، فحال العبد عند مفارقة قلبه لما جاء به الرسل كهذه الحال ، بل أعظم ، ولكن لا يحس بهذا إلا قلب حي وما لجرح بميت إيلام . ❝