دليل الكتب والمؤلفين ودور النشر والفعاليات الثقافيّة ، اقتباسات و مقتطفات من الكتب ، أقوال المؤلفين ، اقتباسات ومقاطع من الكتب مصنّفة حسب التخصص ، نصيّة وصور من الكتب ، وملخصات للكتب فيديو ومراجعات وتقييمات 2025
تكملية (دقهلية "" "وسيناوي) : كانت دقهلية تغفو في هدوء، متعبة من يوم طويل من الحفظ والمذاكرة، تفيق عندما سمعت صوت الشيخ سيد، ينادي عليها بلطف. فتحت عينيها ببطء، شعرت بالراحة حينما تذكرت أنه قد حان وقت تسميع وردها. ابتسم بفرحه،فهي دائماً تتذكر وعدها لشيخ حسان. نهضت من مكانها واتجهت إليه، تسير بخطوات ثابتة. كان هناك صف من الطلاب، ولم يتبقَ سوى ثلاثة منهم، بما فيهم هي. شعرت بنبضات قلبها تتسارع قليلاً، ليس خوفاً، بل رغبة في إثبات نفسها أمام الشيخ الذي أثرت كلماته في روحها بعمق. عندما جاء دورها، جلست أمام الشيخ، متماسكة وواثقة، وبدأت تسمع وردها بصوت مملوء بالتحدي والإصرار. كان في عينيها بريق خاص وهي تقرأ، وكأن كل كلمة تحفظها تعني لها شيئًا عظيمًا. انتهت من وردها، وانتقلت إلى زميلها محمد، الذي كان دائمًا يكمل لها تسميع ما فات. محمدكان ينظر إليها نظرة مليئة بالدهشة، مستغرباً من التحول الذي طرأ عليها. أخيرًا، سألها بنبرة مشوبة بالاستفهام والفضول: "هتصحي ايه النهارده؟ صفحة واحدة؟" شعرت دقهلية بشيء من الفخر يملأ قلبها، لكنها حاولت إخفاءه بنبرة عادية، وقالت بثقة: "لاء، السورة كلها." اتسعت عينا محمد بدهشة، لم يكن يتوقع هذه الإجابة، فهز رأسه قليلاً وكأنه يحاول استيعاب ما قالته للتو: "السورة كبيرة، هتنسي بسرعة، وبعدين انتي بقالك أسبوعين من يوم شيخ سيناء كان هنا، وانتي بتحفظي. هو قالك إيه؟" شعرت دقهلية بتغير في ملامحها، كأن شيئًا يخصها بشدة تم الاقتراب منه، وردت بنبرة دفاعية، لكنها مملوءة بالغموض: "وانت مالك؟ وبعدين مش بحفظ وبسمع." استمر محمد في النظر إليها، يحاول فك لغز التغير السريع الذي طرأ عليها: "ايوه، ما انا مستغرب. انتي كنتي في الجزء التاني، سورتك القيامة، وفضلتي شهور فيها. وأول لما هو كلمك، تاني يوم أخدتيها كلها، وكل يوم بتصحي سورة كاملة، أو سورتين، والغريبة إنك بتحفظي." نظرت دقهلية إلى الأرض للحظة، ثم رفعت رأسها بسرعة، وكأنها قد قررت ألا تخفي شعورها بالفخر: "عادي، ما كنتش عاوزة. ودلوقتي مهتمة أوي، وهختم القرآن. انت خايف لأسبقك مش كدا؟ يعني الفرق من أسبوعين كان كبير، أومال دلوقتي لاء، أربع أجزاء بس." نظر محمد إليها بنوع من التحدي، لكن بداخل هذا التحدي كان هناك اعتراف بأنه يشعر بشيء من الفخر بها، وربما أيضًا غيرة طفيفة: "طب ياختي، خدي السورة كلها." ابتسمت دقهلية بخفة، كانت تلك الابتسامة تفيض بالثقة والتحدي: "أيوه." أخذ محمد نفسًا عميقًا، ثم نظر إليها بنظرة تشير إلى أنه يدرك الآن أنها تغيرت حقًا، وقال بنبرة أكثر جدية: "طب اقرئي." بدأت دقهلية تقرأ بصوت هادئ لكنه مليء بالإصرار، وكأنها تؤكد لنفسها قبل الآخرين أنها قادرة على فعل ما ظنته يومًا مستحيلاً: "بسم الله الرحمن الرحيم حمٓ ( 1 ) وَٱلْكِتَٰبِ ٱلْمُبِينِ ( 2 ) إِنَّآ أَنزَلْنَٰهُ فِى لَيْلَةٍ مُّبَٰرَكَةٍ ۚ إِنَّا كُنَّا مُنذِرِينَ ( 3 ) فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ ( 4 ) أَمْرًا مِّنْ عِندِنَآ ۚ إِنَّا كُنَّا مُرْسِلِينَ ( 5 ) رَحْمَةً مِّن رَّبِّكَ ۚ إِنَّهُۥ هُوَ ٱلسَّمِيعُ ٱلْعَلِيمُ ( 6 ) رَبِّ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَآ ۖ إِن كُنتُم مُّوقِنِينَ ( 7 ) لَآ إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ يُحْىِۦ وَيُمِيتُ ۖ رَبُّكُمْ وَرَبُّ ءَابَآئِكُمُ ٱلْأَوَّلِينَ ( 8 ) بَلْ هُمْ فِى شَكٍّ يَلْعَبُونَ ( 9 ) فَٱرْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِى ٱلسَّمَآءُ بِدُخَانٍ مُّبِينٍ ( 10 ) يَغْشَى ٱلنَّاسَ ۖ هَٰذَا عَذَابٌ أَلِيمٌ ( 11 ) رَّبَّنَا ٱكْشِفْ عَنَّا ٱلْعَذَابَ إِنَّا مُؤْمِنُونَ ( 12 ) أَنَّىٰ لَهُمُ ٱلذِّكْرَىٰ وَقَدْ جَآءَهُمْ رَسُولٌ مُّبِينٌ ( 13 ) ثُمَّ تَوَلَّوْا۟ عَنْهُ وَقَالُوا۟ مُعَلَّمٌ مَّجْنُونٌ ( 14 ) إِنَّا كَاشِفُوا۟ ٱلْعَذَابِ قَلِيلًا ۚ إِنَّكُمْ عَآئِدُونَ ( 15 ) يَوْمَ نَبْطِشُ ٱلْبَطْشَةَ ٱلْكُبْرَىٰٓ إِنَّا مُنتَقِمُونَ ( 16 ) ۞ وَلَقَدْ فَتَنَّا قَبْلَهُمْ قَوْمَ فِرْعَوْنَ وَجَآءَهُمْ رَسُولٌ كَرِيمٌ ( 17 ) أَنْ أَدُّوٓا۟ إِلَىَّ عِبَادَ ٱللَّهِ ۖ إِنِّى لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ ( 18 ) ظلت دقهلية تقرأ بصوت هادئ ومسترسل، غارقة في بحر من السكينة، بينما محمد يصحح لها الأخطاء الصغيرة التي تتسلل أحيانًا في تلاوتها. كانت تعيد الآيات مرارًا حتى تتقنها تمامًا. وعندما انتهت أخيرًا من السورة، همست بصوت مملوء بالتقوى والخشوع: "صدق الله العظيم." ابتسم محمد برضا واضح على وجهه، وأخذ نفسًا عميقًا، ثم قال بنبرة مازحة لكنها مليئة بالفخر: "كويس كده خلصتي." لم ترد دقهلية، بل اكتفت بابتسامة صغيرة، كانت تشعر برضى داخلي يعمق في قلبها، كأنها قطعت خطوة أخرى نحو تحقيق ما كانت تراه يومًا مستحيلًا. نهضت من مكانها، واتجهت نحو الخارج، متجهة إلى بيتها بخطوات واثقة وثابتة. خلال الفترة التالية، ظلت دقهلية على هذا الحال، تسهر الليالي وهي مجتهدة في المذاكرة وحفظ القرآن، حتى أنها كانت تتأمل الآيات بتدبر، محاولة أن تفهم المعاني العميقة التي تحملها كل كلمة. كانت تسعى بجد لملء قلبها بالقرآن، وكأنها تبحث عن نور يهديها في ظلمات الحياة. مع انتهاء الامتحانات، بدأت منال، والدة دقهلية، تلاحظ التغيير الجذري الذي طرأ على ابنتها. كانت تراقبها بصمت وهي تتحول من تلك الفتاة الهادئة المترددة إلى شابة مفعمة بالثقة والإصرار. لم يكن التغيير يقتصر على الهدوء والكلام المتزن، بل تعداه ليشمل اهتمام دقهلية الكبير بالقرآن، شيء كان يبهر منال ويثير فيها شعورًا عميقًا بالفخر. كان الشيخ سيد يتصل بمنال مرارًا، يمدح في ابنتها التي أصبحت نموذجًا يحتذى به بين طلابه. أخبرها بأن دقهلية تفوقت بشكل ملحوظ على جميع زملائها، وأنها إذا استمرت على هذا النهج، فسوف تتمكن من المشاركة في المسابقة القرآنية الكبرى في القاهرة. كانت كلمات الشيخ تملأ قلب منال بالسعادة، ولكنها كانت تعلم أن الفضل يعود في ذلك إلى إصرار ابنتها وصبرها. في يوم من الأيام، دخلت منال على دقهلية في غرفتها، كانت دقهلية منهمكة في حفظ القرآن، تردد الآيات بصوت منخفض، تحاول أن تراجع ما حفظته. وقفت منال على عتبة الباب، تراقب ابنتها بصمت، تملؤها السعادة والاعتزاز. كانت الابتسامة تعلو وجه منال، شعرت بدمعة صغيرة تترقرق في عينيها، دمعة الفخر بابنتها التي بدأت تجد طريقها نحو النور. تركت منال ابنتها تكمل حفظها دون أن تقاطعها، ثم انسحبت بهدوء من الغرفة، وهي تحمل في قلبها دعاءً صادقًا بأن يوفق الله دقهلية ويثبتها على طريق الحق. مرّت الأيام حتى ظهرت النتيجة، وعمّ الفرح أرجاء البيت. العائلة كلها تجمعت لتهنئة دقهلية وأخيها، إذ أصبح حلمها أقرب للتحقق. شعرت دقهلية بأن هذا هو الوقت الذي عليها أن تعد العزم فيه لبدء أول خطوة في تحقيق حلمها. كانت في قمة سعادتها عندما رافقها والدها لتقديم ملفها في الثانوية. استمرت في حفظ القرآن والتفوق في دراستها، لكن موعد المسابقة كان يقترب، وكانت تعلم أن هذا هو التحدي الأكبر. مع اقتراب موعد المسابقة، بدأت تظهر المخاوف لدى والدها، الذي رفض في البداية سفرها. شعرت دقهلية بالخيبة وهي ترى أحلامها مهددة، لكن الشيخ'سيد'تدخل، وبدأ بمحاولة إقناع والدها. حتى الأهل وقفوا بجانبها، وخاصة خالاتها اللواتي لم يتوانين عن دعمها. لكن الدور الأكبر كان لوالدتها منال، التي أظهرت إصرارًا شديدًا على إقناع والدها. لولاها، لم يكن ليوافق. بدأ قلب دقهلية ينبض بالحماس، إذ شعرت بأنها تقترب من تحقيق حلمها الكبير. كانت تعد نفسها للسفر عند الفجر مع باقي زملائها. عاشت كل لحظة بحماس وقلق، وتخيلت نفسها في المسابقة، وهي تنافس وتثبت قدرتها. فبعد عودتها من المسابقة، العائلة تستعد لحفل كبير يقام لها و لزميلها محمد ولصديقتها ماجدة، احتفالًا بختمهم للقرآن الكريم. لم تكن دقهلية تصدق نفسها؛ فقد أوفت بوعدها، وخلال شهور قليلة حفظت القرآن كاملاً. ذلك اليوم كان أسعد يوم في حياتها. ليس لأنها ستسافر إلى المسابقة فحسب، بل لأنها ستلتقي سيناوي، التي لم تعرفها من قبل، إلا من خلال حديث الشيخ حسان عنها. كان حماس دقهلية يتضاعف كلما فكرت في هذه المقابلة. وقبل الفجر بقليل، أوصلها والدها إلى المكتب حيث كان عليها أن تنطلق مع زملائها إلى القاهرة. كانت السعادة تغمرها طوال الطريق. لم تفارق الابتسامة وجهها، وكانت تغمض عينيها بين الحين والآخر لتستمتع بشعور الحرية، وكأنها تتنفس أحلامها وهي تتحقق. عندما وصلوا إلى مسجد الأزهر، شعرت بذهول. كانت تشعر وكأنها خرجت أخيرًا إلى عالم جديد، عالم من الفرص والإنجازات. عندما نزلت من الحافلة، شعرت بأنها تخرج من شرنقتها إلى نور الحياة. كانت تدور حول نفسها، تفتح ذراعيها وكأنها تستقبل هذا العالم الجديد بابتسامة عريضة. تنفست بعمق وابتسمت، وشعرت بأن السعادة تغمر قلبها. رغم حماسها، كانت تشعر ببعض القلق وهي تبحث بعينيها عن الشيخ حسان بين الحضور. لكنها لم تجده. جلست بجانب زملائها، ووضعت يدها على خدها، والدموع تترقرق في عينيها. لم تكن تعرف إن كانت دموع الحزن أم الفرح، لكن ما كانت تعرفه هو أنها قطعت شوطًا كبيرًا في حياتها، وأنها قريبة من تحقيق حلمها. بعد فترة، رأت بائع غزل البنات يمر، فاستأذنت من المسؤول عنها أن تذهب لشرائه، لكنه رفض بشدة. جلست بحزن وهي تنظر إلى البائع يبتعد. لكن عندما انشغل المسؤول عنها بالحديث مع الآخرين، لم تستطع مقاومة الرغبة، فانطلقت هي وزميلتها هاجر للحاق بالبائع. شعرت بالمرح والطفولة تعود إليها للحظة، وركضتا حتى تمكنتا من اللحاق بالبائع وشراء ما أرادتاه. كانت تسير مع هاجر حتى صادفت فتاة سمراء تمر بجانبها. كان جمال الفتاة يلفت الأنظار، فوقفوا ينظرون إليها بدهشة. همسوا لبعضهم حول جمال الفتاة وعينيها الساحرتين. لكن عندما حاولوا العودة إلى المسجد، اكتشفوا أنهم أضاعوا الطريق. بدأ الخوف يتسلل إلى قلوبهم، وبكت الفتاة السمراء معهم. دقهلية، بحيرة القلق تملأ صوتها، قالت: "إنتي ضايعة إنتي كمان؟" ردت الفتاة السمراء بحزن وارتباك: "آه، دي أول مرة أجي القاهرة ومش عارفة أرجع إزاي." هاجر قالت بخوف: "إحنا كمان أول مرة نيجي القاهرة." سألتهم الفتاة السمراء بقلق: "طب هنعمل إيه دلوقتي؟" بدأت دقهلية تلتفت يمينًا ويسارًا بقلق، حتى رأت سيارة جيش قريبة. صاحت بفرح: "في عربية جيش هناك! تعالوا." توجهوا نحو السيارة، وسألت دقهلية الضابط عن طريق العودة إلى المسجد الأزهر. لكنه نظر إليهم بسخرية بسبب مظهرهم. ملابسهم كانت واسعة وغير مرتبة، وأياديهم كانت تحمل غزل البنات. أجابهم الضابط ببرود وسخرية: "وإنتوا تايهين؟" ردت هاجر بحزن: "آه، مش عارفين نرجع." ضحك الضابط بقوة وهو يشير إلى غزل البنات في أيديهم: "أكيد مش هتعرفوا، ما إنتوا عيال، ودا اللي في إيدكم إيه؟!" نظرت الفتيات إلى بعضهن بصمت، وشعرن بالخجل. لكن الضابط لم يتوقف عن الضحك حتى جاء قائده. سمع القائد حديث الضابط، فصاح فيه بغضب: "إيه اللي بيحصل هنا؟!" رد الضابط بتوتر: "يا فندم، دول تايهين." صاح القائد بغضب، وعيونه تلمع بالغضب: "أنا بتكلم على كلامك معاهم، مش عليهم! دا أسلوب تتعامل بيه؟ لجأوا ليك عشان تساعدهم، ودورك إنك تحميهم، مش تتريق عليهم!" خفض الضابط رأسه احترامًا واعتذر بصوت مليء بالندم: "آسف يا فندم." لم يعيره القائد أي اهتمام،ولم يقبل اعتذاره،نظره غاضبه اكتفى بها.ثم التفت للفتيات.ءغ بينما كان القائد جاسر يسير بجوار الفتيات، لم تفارق الابتسامة وجهه، رغم أنه لاحظ الحزن والقلق المرتسم على ملامحهن. كان يتساءل عن سبب حزنهن ولكنه اختار أن يبادر بابتسامة هادئة، محاولًا تخفيف التوتر. "انتوا عايزين إيه يا حلوين؟" قال بصوت ناعم وعينين مليئتين بالدفء. نطقت الفتاة السمراء أولًا، مترددة بعض الشيء، لكن بملامح مليئة بالامتنان: "عاوزين المسجد الأزهر." ابتسم القائد بهدوء واستدار في اتجاههن، مشيرًا بيده نحو الطريق: "يلا، وأنا هوصلكم. هو مش بعيد. رايحين تصلوا؟" أجابت دقهليه بصوت مطمئن قليلاً، وقد هدأ القلق الذي كان يعتريها: "احنا جاين المسابقة القرآن." تملكت القائد مشاعر الفخر وهو ينظر إليهن نظرة احترام، ثم قال: "بجد ربنا يحميكم. اسمكوا إيه بقى؟" أجابته الفتيات في نفس الوقت وكأنهن متفقات مسبقاً: "ياسمين." اندهش قليلاً من تزامن ردهما وضحك في سره، ثم تابعت دقهليه بحماسة وهي تشير إلى سيناوي: "سيناوي!" ردت سيناوي بفرح أكبر وقد أضاءت عيناها بشعور خاص: "إيه بجد، انتي دقهليه؟" أجابت دقهليه بحماس مماثل: "أيوه." ردت سيناوي بفخر وهي تضحك: "أنا سيناوي، حفيدة الشيخ حسان." نظرت دقهليه إلى سيناوي بدهشة وقالت: "احلفي!" ابتسمت سيناوي وأضافت بحنان: "أنا مبسوطة إني شوفتك." دقهليه، وقد بدأت تفهم مدى خصوصية هذا اللقاء، سألتها بفضول: "هو قالك على الإسم؟" أجابتها سيناوي وهي تومئ برأسها بابتسامة واسعة: "أيوه، فرحت بيه أوي. انتي توأمي، هو قال لي كده." ابتسمت دقهليه وأخذتها بين ذراعيها بعاطفة جياشة، تحتضنها بشدة كأنها قد عثرت على نصفها الآخر المفقود. كان القائد جاسر يراقب مشهد الفرح الذي امتلأ به الجو بين الفتيات، ورغم أنه لم يفهم سبب تلك السعادة الكبيرة أو الأسماء التي يتبادلنها، إلا أنه لم يستطع إخفاء فضوله. سألهم مازحًا: "إيه حكاية سيناوي ودقهليه دي بقى؟" أجابته الفتاتان مرة أخرى في نفس اللحظة، مما جعله يبتسم بشكل أوسع: "أنا هقولك." ضحك بصوت عالٍ وأردف قائلاً: "طيب، واحدة واحدة. هتقولوا مع بعض إزاي؟" ثم أضاف بابتسامة وهو يعرّف نفسه: "أعرفكوا بنفسي الأول، أنا القائد جاسر." ردت دقهليه بثقة: "وأنا ياسمين." نظر إلى هاجر، التي كانت صامتة طوال الوقت، وسأل: "والقمر اسمه إيه؟" أجابت بخجل: "هاجر." ابتسم لها القائد وقال: "تمام، يلا معايا واسمع قصتكم في الطريق." بينما كنّ يسردن قصصهن للقائد، كانت دقهليه تروي تفاصيل حياتها ثم تقاطعها سيناوي، ويستمر الحديث بينهن بطريقة عفوية، مليئة بالحيوية والبهجة. استمرت الرحلة وسط الضحكات والتعليقات الطريفة، حتى وجدوا أنفسهم قد وصلوا بسرعة. عندما قالت دقهليه بنبرة حزينة: "وصلنا." رد عليها القائد جاسر بابتسامة مائلة وقال: "فعلاً، الطريق خلص بسرعة أوي." ثم أضاف بابتسامة جذابة: "وبما إنكم وفيتوا بالوعد، أنا كمان هأوعدكم." نظرت ياسمين بلهفة وسألت: "بإيه؟" ضحك القائد قائلاً: "واحدة واحدة تتكلم، مش إنتوا الاتنين!" ضحكوا جميعًا بصوت عالٍ، ثم قال مازحًا: "ماشي يا عم! المهم، وعدي ليكم إنكم لما تدخلوا كلية طب، أنا هعلمكم الدفاع عن النفس. إيه رأيكم؟" صاحوا بفرحة كبيرة: "موافقين!" قال القائد بنبرة محبة: "يلا يا قردة، لما تخلصوا المسابقة تعالوا عليا تفرحوني ماشي؟" ردت دقهليه بقلق: "بس الشيخ مش هيوافق." أجابها القائد بلهجة مطمئنة: "خلاص، أنا اللي هاجي ليكم. يلا روحوا، في حد بيشاورلك يا دقهليه." نظرت دقهليه ورأت الشيخ وقالت: "أيوه، دا الشيخ. سلام يا قائد." رد عليها بابتسامة ودية: "سلام يا وردة الياسمين." ابتسمت دقهليه وقالت وهي تشعر بسعادة غامرة: "حلو الاسم ده." أجابها بابتسامة دافئة: "وأنا هناديكي بيه. يلا بسرعة روحي." نظرت إليه دقهليه وقالت بجدية: "هرجعلك تاني، وعد." ابتسم القائد وقال وهو يلوّح لها: "وأنا هستناكي." بعد أن تهرولت نحو الشيخ، تغيرت الأجواء فجأة. كانت ملامح الشيخ غاضبة، عنفه بقوة وكاد أن يضربها هي وهاجر على تأخرهما وابتعادهما دون إذن. في زاوية بعيدة عن الضجيج والأنظار، وقفت سيناوي بملامح قلقة، تجمع بين الاحترام والتوتر، بجوار القائد جاسر الذي لم يمضِ على معرفتهما سوى دقائق معدودة. كان الجو من حولهما هادئًا، فيما تنتظر ظهور جدها الشيخ حسان. كلما مرت لحظة دون أن تراه، زاد نبض قلبها تسارعًا، كأن الخوف والقلق يتجسدان في دقات قلبها المضطربة. وأخيرًا، بعد لحظات بدت وكأنها ساعات، ظهر الشيخ حسان. خطواته كانت واثقة، لكنه عندما اقترب منها، عانقت عيناه نظرات عتاب صارمة. وكأن عينيه كانتا تقولان كل شيء دون الحاجة إلى كلمات. سيناوي لم تستطع مواجهة نظراته، فخفضت رأسها نحو الأرض ببطء، وكأنها تحمل على كتفيها ثقل الخطأ الذي ارتكبته. تساقطت دموعها بصمت، تمزج بين الندم والخوف، لتغرق وجهها الصغير الذي ارتسم عليه الحزن. اقترب منها جدها بحنان غير متوقع، وصوته كان هادئًا لكنه مليء بالألم: "زعلى منك خوف عليكي، لو ما كانش راجل كويس ما كنتوش هنا، وانتوا أول مرة تسافروا، وامانة في رقبتنا." كانت كلماته كبلسمٍ على جرح قلبها. رفعت رأسها قليلاً وهي تشعر أن الجد، رغم عتابه، كان قلقًا عليها أكثر من أي شيء آخر. القائد جاسر الذي كان يراقب هذا المشهد من بعيد، لم يستطع إلا أن يشعر بمزيج من الاحترام والتقدير للشيخ. بادر قائلاً بنبرة مليئة بالاحترام والاعتراف: "عندك حق يا شيخ، وأنا قولت لهم كده، بس الشيخ اللي مع دقهليه كان بيعاملها بعنف جامد." قالها وهو يشير نحو دقهليه التي كانت في مسافة غير بعيدة، متجمدة في مكانها تحت وطأة غضب شيخها. نظر الشيخ حسان نحو دقهليه، ورأى دموعها وارتعاشها، فاشتعل قلبه بعاطفة جياشة: "أنا هروح أكلمه، حبيت البنت دي أوي ويعز عليا دموعها، زي حفيدتي بالظبط." ابتسم القائد جاسر بصدق، وعيناه تكشفان عن مشاعر أخوة غير متوقعة: "وأنا والله شوفت فيها أختي وبنتي." هز الشيخ حسان رأسه موافقًا، ثم استأذن قائلاً: "راجع ليك يا ولدي، هروح أشوف دقهليه." القائد جاسر نظر إليه بود وأجاب بأسف: "آسف يا شيخ، عندي خدمة لازم أرجع لها. بس بعد المسابقة هكون هنا علشان أسلم عليكوا." هز الشيخ حسان رأسه بتفهم: "تمام يا ولدي، اسمك إيه؟" ابتسم القائد وقال بفخر: "جاسر، مقدم في الجيش." ابتسم الشيخ حسان بدعاء من قلبه: "مع السلامة يا ولدي، ربنا يحميك. ولينا كلام مع بعض كتير." أجاب القائد وهو يلوح له بابتسامة ودية: "أكيد، اتشرفت بمعرفتك. سلام، روح شوفها." ثم ألقى القائد جاسر التحية الأخيرة قبل أن يختفي من المشهد، تاركًا وراءه أثرًا من الاحترام والطمأنينة في نفوس الجميع. الشيخ حسان ألقى نظرة أخيرة على القائد جاسر قبل أن يلتفت نحو دقهليه، مصممًا على تهدئة الوضع وإعادة الابتسامة إلى وجه الفتاة التي أثرت في قلبه. توجه الشيخ حسان نحو دقهليه وهاجر، اللتين كانتا تقفان متوترتين، والدموع تغمر وجوههما. لم تستطع دقهليه حبس دموعها بعد العنف الذي تعرضت له من شيخها، وشعرت أنها لم تعد قادرة على التنفس بسبب الخوف والحزن. كانت تحاول أن تبدو قوية، لكن قلبها كان ينهار. وصل الشيخ حسان واقترب منهما بخطوات هادئة وواثقة، حاملاً معه إحساساً بالطمأنينة. بمجرد أن وصل إليهما، وضع يده بلطف على كتف دقهليه، التي لم تستطع منع نفسها من النظر إلى الأرض، وكأنها تتمنى أن تختفي. قال بصوت مليء بالحزم والحنان في آنٍ واحد: "ما تزعليش يا بنتي، أنا هنا، شيخيك اللي زعقلك بيعرف غلطك. أنتِ زي بنتي، وأنا مش هرضى حد يعاملك بالشكل ده." رفعت دقهليه ببطء رأسها، وابتسمت ابتسامة حزينة، لكنها كانت ممتنة لكلماته. أما هاجر، فقد كانت تمسك بيدها بقوة، وكأنها تحاول نقل الأمان إليها. اقترب الشيخ حسان من الشيخ سيد الذي كان واقفاً على مسافة، وقال له بحدة، لكن بصوت منخفض كي لا يجذب الأنظار: "البنات دول أمانة في رقبتنا، وما يصحش نعاملهم بالشكل ده. هاتلي دقهليه وهاتلي هاجر، وهفهم هما ليه جايين هنا. بهدوء الغلط، عمر ما كان حله بالصوت العال والضرب. " الشيخ سيد، الذي كان لا يزال غاضباً بعض الشيء، أومأ برأسه دون أن يتحدث. كانت ملامحه تدل على أنه أدرك خطأه، لكنه لم يكن يريد الاعتراف بذلك علناً. عاد الشيخ حسان إلى الفتاتين وقال بصوت دافئ: "يلا يا بنات، خلاص، الأمور اتصلحت. ادخلوا واتطمنوا، الشيخ مش هيزعق تاني." ابتسمت دقهليه وهاجر له، وشعرتا بأن الأمور بدأت تتحسن، وأن الألم الذي شعرتا به بدأ يتلاشى ببطء. أثناء مغادرتهن، التفتت دقهليه نحو الشيخ حسان وقالت له بصوت مرتعش لكنه مليء بالامتنان: "شكراً يا جدي، وعد مني إني مش هخيب ظنك." ابتسم الشيخ حسان وأجابها برقة: "عارف يا بنتي، وأنا واثق فيكي." ثم توجهت الفتاتان نحو وجهتهما، وقلوبهما مليئة بالطمأنينة والثقة، مستعدتين لمواجهة المسابقة، وهما تعلمان أن لديهما من يدعمهما ويحميهما. كانت الشمس تسكب نورها على الأرض بحنان، كما لو أنها تهمس للسماء بلطف قبل أن تشتد وتصل إلى ذروتها. أشعتها تلامس الأفق برفق، تنساب فوق الحقول والطرقات، فتغمر العالم بضوء ذهبي ناعم يتسلل عبر الأشجار ويعانق المباني. كان الهواء يحمل دفء الشمس، ولكن دون أن يكون حارًا، وكأن الطبيعة بأسرها تستيقظ من سباتها الليلي على وقع هذا الضوء الذي ينمو تدريجيًا. السماء صافية، تمتد بصفاء أزرق عميق، وكأنها ساحة واسعة تنتظر ما سيأتي. في تلك اللحظات الهادئة في المسجد الأزهري الشامخ. تجمعت الفتيات في صفوف منظمة بجوار شيوخهن، استعدادًا لبداية المسابقة. سيناوي وقفت بجانب جدها، تتطلع بنظرات مليئة بالتفاؤل، بينما كان قلبها ينبض بحماس وثقة. إلى جوارها، كانت دقهليه تتنفس بعمق، متوترة بعض الشيء، لكنها تحاول الحفاظ على هدوئها. عندما نظر إليها الشيخ حسان بعينين مليئتين بالثقة والحنان، شعرت بقليل من الراحة تتسرب إلى قلبها، رغم أن قلبها لم يتوقف عن الخفقان بسرعة. بدأت المسابقة، وبدأت سيناوي تتلو القرآن بصوت هادئ ورخيم. كلماتها تملأ القاعة بسمفونية روحانية أذهلت الجميع، بينما كان جدها ينظر إليها بفخر لا يمكن إخفاؤه. انتهت سيناوي من تلاوتها بنجاح، وابتسامة الرضا على وجهها تشع كالشمس التي تشرق بعد ليلة طويلة. جلست بجوار جدها تنتظر دور دقهليه، التي بدأت هي الأخرى في التلاوة. كانت الكلمات تنساب من فمها، تحمل معها كل توترها ورغبتها في النجاح. مرت دقائق المسابقة وكأنها ساعات طويلة على دقهليه. عندما انتهت، جلست بجوار سيناوي، والتوتر يغادر جسدها شيئًا فشيئًا، لتحل محله الراحة والانتظار المشوب بالأمل. بعد انتهاء المسابقة وإعلان النتائج، انفجرت الفتيات بالفرح عندما عرفن مراكزهما: سيناوي حازت على المركز الأول، بينما حصلت دقهليه على المركز الخامس. كانت الفتاتان تقفزان فرحًا، تمسك دقهليه بيد سيناوي بقوة، وكأنها لا تصدق ما حدث. الركض في ساحات الأزهر، وأصوات ضحكاتهما المتداخلة، كان كأنهما عادتا طفلتين صغيرتين. مرَّ الشيخ حسان عليهما بابتسامة مطمئنة، وتوجه نحو الشيخ الذي كان مع دقهليه ليطلب إذنه بأخذها في نزهة قصيرة مع حفيدته. بعد موافقة الشيخ، قادهم الشيخ حسان إلى مكان خاص حيث كان القائد جاسر ينتظر. كان واقفًا هناك، يبدو عليه أنه ينتظر الفتاتين بفارغ الصبر. عندما رآهما، ابتسم ابتسامة عريضة وقال: "أهلاً، ألف مبروك يا أبطال." دقهليه ابتسمت بتواضع وقالت بخجل: "شكراً يا قائد." القائد جاسر، بروح الأبوة والأخوة التي غمرت حديثه: "دا أقل واجب يا وردة الياسمين. يلا، انتي وهيا، سجلي رقمي." نظرت دقهليه إلى الهاتف الجديد الذي أهداهما إياه القائد، ثم تساءلت بارتباك: "بس هو مش فيه خط." ضحك القائد جاسر قائلاً وهو يهز رأسه: "لاء، فيه كل حاجة. وكمان رصيد. وعملت لكل واحدة صفحة خاصة بيها، وممنوع تغيروا الرقم، مفهوم؟" سألت سيناوي بدهشة وحيرة، وهي ترفع حاجبيها: "يعني ايه الصفحة دي؟ مش فاهمة." رد القائد جاسر، بابتسامة مرحة، لكنه جدي في نفس الوقت: "بعد إذن الشيخ طبعاً، أنا عملت كده علشان تقدروا تتواصلوا بسهولة. تعالى بقى، هعلمكوا عليها، وأعرفكوا كل حاجة. يلا." جلسوا معًا لمدة ساعة ونصف تقريبًا، والوقت يمر بسرعة وكأنهم في عالم آخر، بعيد عن الضغوط والمسابقة. كان القائد جاسر يشرح لهما كيفية استخدام الهواتف، بينما كانت الفتاتان تتابعانه بتركيز وحماس، وكأنهما تستعدان لمرحلة جديدة من حياتهما. لكن كل شيء جميل لابد أن ينتهي. جاء موعد الرحيل، وبدأ الوداع يخيم على الأجواء. سيناوي، التي كانت تشعر ببعض الحزن، ودعت دقهليه بعناق دافئ، واعتذرت عن عدم قدرتها على حضور حفل تكريمها. في البداية، شعرت دقهليه بالحزن، لكن الشيخ حسان طمأنها ووعدها بأن اللقاء سيتجدد في وقت قريب. كما أنه أكد لها أن سيناوي ستتمكن من مهاتفتها كل يوم، مما أعاد بعض الراحة إلى قلبها. ودعوا بعضهم بوعد اللقاء مرة أخرى، وانطلقت كل واحدة إلى بلدها، تاركتين وراءهما ذكرى جميلة لا تُنسى. القائد جاسر عاد إلى عمله، محملًا بالذكريات والوعود التي قطعها للفتيات، وتاركًا أثرًا عميقًا في نفوس الجميع. كان الليل قد خيّم تماماً عندما وصلت سيناوي مع جدها إلى القرية بعد رحلة طويلة. استيقظت بصوت هادئ لجدها يناديها بلطف لتسير نحو البيت. كانت تشعر بثقل النوم على جفونها، لكن حبها لجدها جعلها تفيق بسرعة وتمشي بجانبه. أنس، الذي كان ينتظر عند مدخل البيت، جاء لمساعدتهم في حمل الأغراض مع أخيه. في الصباح، استيقظت سيناوي على رنين هاتفها، فتحته بلهفة ورأت رسالة من دقهليه تتمنى لها التوفيق في يومها. شعرت بالامتنان والفرح، وسرعان ما ردّت عليها بابتسامة متفائلة. وعدتها دقهليه بأن ترسل فيديو الحفلة ليشاهدها الجدّ عبر الهاتف، وأغلقت المكالمة بعد أن اتفقتا على التفاصيل. نهضت سيناوي بعد الصلاة، مليئة بالطاقة، وركضت بسرعة نحو خيمة جدها. وبينما كانت تمر بالقرب من أنس، الذي كان جالسًا يقرأ في كتاب الله، لم تلتفت إليه بل واصلت ركضها نحو الداخل. أنس لم يكن يستطيع إخفاء شعور الضيق الذي تملكه، فقد كان ينتظر منها ولو نظرة، ولكنها مرت كأنها لم تره. عندما وصلت إلى داخل الخيمة، وجدت جدها يقرأ القرآن بصوت هادئ ومطمئن. وضعت سيناوي نفسها بجواره، وقبلت رأسه، وبدأت تحكي له عن المكالمة التي جرت بينها وبين دقهليه. أثناء حديثها، سمعا صوتاً يستأذن بالدخول. توقف الحديث للحظة، ثم سمح الجدّ للزائر بالدخول. دخل أنس وهو يحمل في عينيه بعضاً من الحيرة والضيق، وجلس بجوار الجد، يبارك لـ سيناوي على نجاحها. كانت سيناوي تشكره بصوت خافت، لكن لم يكن بإمكانها إخفاء ضيقها. لاحظ أنس هذا في نبرة صوتها، كما لاحظ أنها لم تنطق باسمه أثناء الحديث، مما زاد من شعوره بالاضطراب. نظر أنس إلى الهاتف الذي كان في يدها، وسأل الجد بتوتر: "اي دا يا جدي؟" أجابه الجد بهدوء: "محمول يا ولدي، كان هدية ليها عن النجاح." أنس، الذي بدا عليه بعض الحيرة، سأل بحدة: "وليه جبتهولها؟" ابتسم الشيخ حسان بحنان وقال: "مش أنا اللي جبتهولها، دا كان هدية من شخص غالي." أنس، وقد ازداد فضوله: "هو مين الشخص الغالي دا؟ أنا اعرفه؟" أجابه الجد بابتسامة مريحة: "لاء، ما تعرفوش، أنا يدوب عرفته يومها." شعر أنس ببعض الغيرة وقال: "ولحق بقا غالي؟" ضحك الشيخ حسان بلطف وأجاب: "أنا عندي نظرة في الناس، هتشككش في كلامي ولا إيه." تراجع أنس وقال بأسف: "لاء، حقك عليا يا جدي، أنا ما قصدتش." لكن الجد، الذي لاحظ انزعاجه، حاول تهدئته: "ما تشيلش هم، أنا قادر أحميها، وانت ركز في حياتك وبس." قال أنس بنبرة هادئة: "ما فيش حاجة يا جدي، بس كنت عايز أبارك لبنت عمي، وكنت هقولها بره، لكنها دخلت على طول من غير سلام." كان أنس ينظر إلى سيناوي، التي أدارت وجهها بعيداً عنه، وكأنها تهرب من أي مواجهة. وقف أنس واستأذن: "بالإذن أنا، سلام." ودعه الجد قائلاً: "سلام يا ولدي." التفت الجد نحو سيناوي وقال لها بحنان: "ليه كدا يا بنتي؟" أجابت وهي تنظر إلى الأرض: "انت عارف يا جدي، أنا ما اقدرش اخبي مشاعري، ودا أحسن ليا وليه." هز الجد رأسه بحكمة وقال: "طيب، هاتي المصحف من وراكي علشان نقرا مع بعض، يكون جدتك حضرت الفطور." أخذت سيناوي المصحف وبدأت تقرأ بصوت خاشع إلى جانب جدها، حتى دخلت الجدة، وقطعت القراءة مؤقتاً لتناول الطعام. بعد أن أنهوا وجبتهم، عادوا لمواصلة تلاوة القرآن معاً، حيث عمّت السكينة والهدوء أرجاء الخيمة. ............. بمجرد أن انتهى القائد جاسر من مهمته في المنطقة، كان قد استعاد نوعاً من الروتين والانضباط العسكري. استمر في أداء واجباته بكامل التفاني، مع حرصه على الحفاظ على الروح العالية بين رجاله. كانت الأيام تمر بوتيرة سريعة، بين الاجتماعات الميدانية والتنسيق مع باقي الوحدات. لم يكن يفكر في الرحيل بشكل جدي حتى قرب موعد انتهاء خدمته. كان القائد جاسر شخصية محبوبة ومحترمة بين رجاله. قادهم بحكمة وحزم، وكان دوماً يستمع إلى مشاكلهم ويحرص على أن يشعروا بأنهم ليسوا فقط جنوداً، بل جزءاً من عائلته العسكرية. في اليوم الأخير من خدمته في المنطقة، وقف جاسر أمام رجاله في الساحة، متأملاً الوجوه التي أصبحت مألوفة بالنسبة له. حمل في عينيه نظرة عميقة، مزيجاً من الاعتزاز والحنين. تحدث إلى رجاله بكلمات بسيطة لكنها كانت تحمل معانٍ كبيرة: "الوقت اللي قضيناه هنا كان مليان تحديات، لكن بفضل الله، وبفضلكم كلكم، قدرنا نعدّيها. اليوم حان وقت إني أرجع للقطاع، بس عايزكم تفضلوا بنفس القوة والروح اللي عرفتها فيكم." رجاله وقفوا أمامه في صفوف منتظمة، وكانوا يعلمون أن رحيله يعني غياب قائد كان سنداً لهم. بعد الانتهاء من كلماته، قام بتحية عسكرية، وتقدموا نحوه ليودعوه واحداً تلو الآخر. بعد ساعات قليلة، انطلق جاسر مع فرقته نحو القطاع، حيث كانت تنتظره مهمات جديدة، وربما تحديات أكبر. لكنه كان مستعداً لأي شيء، فخدمته لوطنه كانت دائماً في المقدمة. ورغم أنه غادر المكان، إلا أن أثره بقي محفوراً في قلوب رجاله، الذين تعلموا منه الكثير. بعودته إلى القطاع، شعر القائد جاسر بامتنان كبير لتلك الفترة التي قضاها، لكنها لم تكن نهاية لرحلته العسكرية. .......................... في تلك الليلة الهادئة، عادت دقهليه إلى منزلها، متعبة ولكن مليئة بالفرح لما حققته من نجاح. استقبلتها والدتها بنظرات فضولية، تنتظر أن تسمع تفاصيل يومها. بدأت دقهليه تخبرها بكل شيء، عن الحفل والهدايا والتكريم، لكنها تجنبت ذكر لقائها بالقائد. كانت تعلم أن والدتها لن ترضى بذلك. عندما لاحظت والدتها أن ابنتها أخفت جزءاً من القصة، بدأت تعنفها قائلة: "ليه ما قلتيش كل حاجة؟ ومين اللي جبلك التلفون. ومين القائد اللي بيرن عليكى دا، ويسأل وصلتى ولا لاء، ليه خبيتى عني مقابلتك للقائد؟" دقهليه، التي شعرت ببعض التوتر، حاولت تهدئتها قائلة: "يا أمي، دي كانت هدية زي باقي الهدايا، خدت لابتوب ومبلغ مالي، وكمان هدايا تانية." ثم تنفست بعمق و قصت عليها كيف تعرفت بالقائد. استمرت الأم في توبيخها قليلاً، لكنها في النهاية قبلت عذر دقهليه وتركت الأمر يمر. مر اليوم التالي بسعادة وهدوء، حتى بزغ الصباح الذي طالما انتظرته دقهليه. كانت متحمسة للغاية، فاليوم هو يوم تكريمها وحفل القرآن. قفزت من فراشها بسرعة، واندفعت نحو والدتها كي تتناول إفطارها وتستعد للذهاب إلى المكتب لتحضير نفسها لهذا اليوم المميز. بعد فترة قصيرة، كانت دقهليه تخرج من البيت، تركض بسرعة في الشوارع، متجاهلة نظرات الناس المندهشة من اندفاعها. لم تكن تهتم كثيرًا بما يفكر فيه الآخرون، بل كانت تركز فقط على تحقيق حلمها. وصلت بسرعة إلى مكان التجمع، حيث كان الجميع يستعدون للمشاركة في الحفل. وقفت في الصف الأول بجوار ماجدة ومحمد، اللذين كانا بدورهما متحمسين لهذا اليوم. كان الجو مليئًا بالتوقعات والترقب. مع اقتراب موعد بدء الحفل، اصطف الطلاب في صفوف متساوية ومنظمة، وهم يهتفون بالأناشيد الدينية، ويحملون لوحات مكتوبة عليها آيات قرآنية وأسماء الطلاب المكرمين. تحركت المسيرة باتجاه مكان الحفل، الذي أقيم أمام المسجد الكبير في المنطقة. حضر كبار الشخصيات من الحي، بما في ذلك المحافظ ونائب مجلس الشعب، بالإضافة إلى الأهالي الذين تجمعوا لمشاهدة الحفل. كان الجو مليئًا بالحماس والفخر. بدأ الحفل بتلاوة القرآن الكريم، ثم بدأت اختبارات الطلاب الذين تم تكريمهم، حيث تلى كل منهم بصوته الجميل، أو ألقى خطبة دينية، في أجواء من الروحانية والإجلال. بعد ذلك، بدأت فقرات الحفل الأخرى التي شارك فيها بقية الطلاب. عند نهاية الحفل، قام المحافظ وكبار الحي بتوزيع الجوائز القيمة على الطلاب المتفوقين، وتكريمهم أمام الجميع. كما تم توزيع هدايا صغيرة على جميع الطلاب الذين حفظوا كتاب الله، وسط أجواء من الفخر والفرح. بعد انتهاء الحفل، اصطحب الأهالي أبناءهم إلى منازلهم، يحملون الهدايا التي حصلوا عليها. دقهليه كانت قد حصلت على سرير، غسالة، مبلغ مالي، براويز، مصحف، وشهادة تقدير، وهو نفس ما حصل عليه ماجدة ومحمد. عندما عادت دقهليه إلى المنزل، اتفقت مع والدتها على ترتيب الهدايا، لكنها فوجئت بشرط والدتها: "هتاخدي السرير ليكي، لكن الغرفة تفضليها لأخواتك." ابتسمت دقهليه على الفور ووافقت دون تردد. كانت سعيدة بأن تستقل بغرفتها الصغيرة، خاصة بعد أن قامت والدتها بإخراج الكراسي منها لتوفير مساحة أكبر لها. شعرت أخيرًا أن لديها مكانًا خاصًا بها، مكانًا تستقر فيه وتفكر في مستقبلها. مرت أيام دقهلية بسعادة تامة، تنبض بالحيوية والأمل في كل لحظة. كانت تشعر بأن حياتها قد بدأت تأخذ مسارًا أكثر وضوحًا بعد نجاحها في حفل التكريم واحتفاظها بعلاقتها الوثيقة مع سيناوي وجدها. لكن المفاجآت لم تتوقف. ذات يوم، وبينما كانت تتصفح صفحات التواصل الاجتماعي الخاصة بها، لفت نظرها رسالة غريبة من فتاة تبحث عن توأم لها. استغربت دقهلية في البداية، لكنها شعرت باندفاع غريب للاطلاع على محتوى الرسالة. بدأت تقرأ الكلمات بعناية، وكلما تعمقت أكثر، زادت دهشتها وفرحتها. لم تكن دقهلية وحدها هي وسيناوي، بل يبدو أن هناك فتاة أخرى تبحث عنهم. أصبحوا الآن ثلاثًا، لكن المفاجأة لم تتوقف هنا. كان آسر يقلب الصفحة وهو مفعم بالحماس، متشوقًا لمعرفة من تكون الفتاة الثالثة وما قصتها، وكيف ستتشابك حياتها مع سيناوي ودقهلية. تدفقت الأسئلة في ذهنه: ما الذي سيحدث؟ ما دور كل من سيناوي ودقهلية؟ هل هناك مزيد من الأسرار المخفية في تلك المذكرة؟ بينما كانت تلك الأفكار تسيطر عليه، شعر جسده يضعف من التعب. السهر المتواصل وقلة الطعام استنزفته بشدة، ولم يعد لديه الطاقة لمواصلة القراءة. كان عقله يشتعل بالفضول، لكن جسده أثقلته الحاجة إلى الراحة. قرر، على مضض، أن يؤجل اكتشاف باقي القصة حتى الصباح، مطمئنًا بأن الغد يوم الجمعة، يوم الإجازة. قبل أن يخلد إلى النوم، راودته فكرة: "هل سيتصل بي عمي زين غدًا؟ أم أنه سيظل مختفيًا كما كان طوال هذا الأسبوع؟" كانت تلك التساؤلات تحوم حوله بينما استلقى على فراشه. غياب عمه طوال الأسبوع أثار قلقه، فقد اعتاد سماع صوته بانتظام. استسلم آسر للنوم على أمل أن يحمل الغد إجابات ليس فقط عن المذكرة، بل أيضًا عن عمه الغائب. استيقظ آسر فجأة على صوت جدته العالي يتردد في أرجاء المنزل. كانت تصرخ بصوت حاد أشبه بالخناجر تخترق الهدوء الذي كان يحاول العثور عليه في نومه: "يلا قوم! طول الليل نايم ومفيش فايدة منك! قوم شوف وراك إيه بدل ما تفضل نايم!" كان صوته داخله يرتجف، لكن تعود على هذا النمط من حياتها، تلك الحدة التي لا تخفف عنها أبدًا. نهض من فراشه بتثاقل، عيناه لا تزالان تبحثان عن بقايا حلمٍ لم يكتمل. تجاهل صوتها المرتفع وهو يمشي نحو المطبخ ليشرب بعض الماء، في محاولة لتهدئة نفسه. بعد قليل، بينما يجلس وحيدًا على الأريكة في غرفة المعيشة، رن هاتفه فجأة. نظر إلى الشاشة، فإذا بالاسم يظهر: "زين". زين، صديق والده، الوحيد الذي اعتاد أن يسأله عن أحواله ويطمئن عليه دائمًا. رفع الهاتف وفتح الخط: "آلو، عمه زين؟" قال آسر بصوتٍ منخفض، يحاول إخفاء تعب اليوم. أجابه زين بحنان: "إزايك يا آسر؟ وحشتني. كل حاجة كويسة معاك؟ طمني عليك." ابتسم آسر ابتسامة صغيرة، رغم أنه يعلم أن الحياة لم تكن على ما يرام مؤخرًا. لكنه لم يعرف كيف يخبره عما بداخله. وتلك الجدته تجلس أمامه تستمع لما يقول بعيون تشع غضب. "أنا بخير يا عمه زين، كله تمام. شكراً ليك إنك بتسأل." أجابه آسر بهدوء. رد زين بجديه: "لو في حاجة عاوز تقولها، أنا موجود يا آسر. ما تنساش إني هنا دايمًا." "عارف يا عمه زين، شكرًا بجد. هكلمك بعدين." أنهى آسر المكالمة بلطف وأغلق الهاتف. بعد انتهاء المكالمة، أحس آسر بثقل يضغط على صدره. استجمع شتات نفسه واتجه نحو غرفته، أغلق الباب خلفه بإحكام، وكأن هذا الباب هو الحاجز الوحيد بينه وبين العالم الخارجي. جلس على طرف سريره، ثم مد يده إلى المذكرة التي تركها في الليلة السابقة. أمسك المذكرة بين يديه بحذر، كأنها مفتاح لحياة أخرى. تنهد بعمق وفتح الصفحة حيث توقف. قلب الصفحة ببطء، وعيناه متسمرتان على الكلمات التي كانت تنتظره. عاد ذلك الفضول ليشتعل بداخله، وعاد السؤال يراوده: من تكون "الفتاة الثالثة"؟ وهل ستكمل المذكرة ما بدأته أمه، أم ستتركه يبحث عن الأجوبة في سيل من الصفحات الفارغة؟ بدأ يقرأ بحذر واهتمام، منتظرًا أن تكشف المذكرة له أسرارها. . ❝ ⏤ياسمين خاطر
كانت دقهلية تغفو في هدوء، متعبة من يوم طويل من الحفظ والمذاكرة، تفيق عندما سمعت صوت الشيخ سيد، ينادي عليها بلطف. فتحت عينيها ببطء، شعرت بالراحة حينما تذكرت أنه قد حان وقت تسميع وردها. ابتسم بفرحه،فهي دائماً تتذكر وعدها لشيخ حسان. نهضت من مكانها واتجهت إليه، تسير بخطوات ثابتة. كان هناك صف من الطلاب، ولم يتبقَ سوى ثلاثة منهم، بما فيهم هي. شعرت بنبضات قلبها تتسارع قليلاً، ليس خوفاً، بل رغبة في إثبات نفسها أمام الشيخ الذي أثرت كلماته في روحها بعمق. عندما جاء دورها، جلست أمام الشيخ، متماسكة وواثقة، وبدأت تسمع وردها بصوت مملوء بالتحدي والإصرار. كان في عينيها بريق خاص وهي تقرأ، وكأن كل كلمة تحفظها تعني لها شيئًا عظيمًا. انتهت من وردها، وانتقلت إلى زميلها محمد، الذي كان دائمًا يكمل لها تسميع ما فات. محمدكان ينظر إليها نظرة مليئة بالدهشة، مستغرباً من التحول الذي طرأ عليها. أخيرًا، سألها بنبرة مشوبة بالاستفهام والفضول: "هتصحي ايه النهارده؟ صفحة واحدة؟" شعرت دقهلية بشيء من الفخر يملأ قلبها، لكنها حاولت إخفاءه بنبرة عادية، وقالت ....... [المزيد]
❞ هديل مثنى الشرطي لدي مجموعه من الاشعار والقصص لم اعرضها من قبل على منصات التواصل لذ سيكون اول ضهور لها على هاذه المكتبه وبمشاركتها معكم . وهناك بعض الكلام الذي كتب بقلمي واحياناً حِكَم ومن ثمه أَنطلق منها بسرد الاحاديث الجميله . حقاً سوف تستمتعون كثيراً وشكراً لكل الداعمين وَ الناضرين .🕹💪🏻 نتوكل على الله وها هنا تبدأ مسيرتنا ✅ ش ك /هديل مثنى الشرطي. : . ❝ ⏤هديل مثنى الشرطي
هديل مثنى الشرطي
لدي مجموعه من الاشعار والقصص لم اعرضها من قبل على منصات التواصل لذ سيكون اول ضهور لها على هاذه المكتبه وبمشاركتها معكم . وهناك بعض الكلام الذي كتب بقلمي واحياناً حِكَم ومن ثمه أَنطلق منها بسرد الاحاديث الجميله . حقاً سوف تستمتعون كثيراً وشكراً لكل الداعمين وَ الناضرين .🕹💪🏻 نتوكل على الله وها هنا تبدأ مسيرتنا ✅
❞ ملخص كتاب "قد نفسك أولا" كيف تصنع قيادة ملهمة تبدأ بمعرفة نفسك؟ 📕 فائدة من كتاب "قد نفسك أولا": 1. السيطرة على الأفكار والمشاعر الداخلية : يشير الكتاب إلى أن التحدي الأكبر للقادة ليس فقط في التعامل مع العوامل الخارجية، مثل الضغوط والتحديات المهنية، بل في التغلب على الضوضاء الداخلية، المتمثلة في القلق والأفكار السلبية. القدرة على التحكم في هذه العوامل الداخلية تمنح القائد وضوحًا في التفكير واتزانًا في اتخاذ القرارات.. ❝ ⏤مجموعة من المؤلفين
يشير الكتاب إلى أن التحدي الأكبر للقادة ليس فقط في التعامل مع العوامل الخارجية، مثل الضغوط والتحديات المهنية، بل في التغلب على الضوضاء الداخلية، المتمثلة في القلق والأفكار السلبية. القدرة على التحكم في هذه العوامل الداخلية تمنح القائد وضوحًا في التفكير واتزانًا في اتخاذ القرارات.
يُبرز الكتاب أهمية ممارسات مثل التأمل وتمارين التنفس كوسائل فعالة في تهدئة العقل وزيادة التركيز. هذه الممارسات لا تساعد فقط في التخلص من التوتر، بل تفتح المجال أمام التفكير الإبداعي، مما يمكن القادة من إيجاد حلول مبتكرة واتخاذ قرارات أكثر حكمة.
يوضح الكتاب أن القيادة الحقيقية لا تبدأ بإدارة فريق أو توجيه الآخرين، بل بتطوير الذات أولًا. القادة العظماء يعملون على تنمية مهاراتهم الذاتية، وضبط أفكارهم، والتعامل مع نقاط ضعفهم قبل أن يسعوا للتأثير في من حولهم. هذا يعزز من مصداقيتهم ويجعل تأثيرهم أكثر استدامة.
يعيد الكتاب تعريف القيادة على أنها ليست مجرد منصب أو سلطة، بل رحلة شخصية نحو التأثير الإيجابي. القائد الحقيقي هو من يستطيع أن يجد القوة والحكمة داخل نفسه، ومن ثم يستخدمها لصنع تغيير إيجابي في بيئته. هذا المفهوم يشجع على التحول من القيادة التقليدية التي تركز على التحكم، إلى قيادة تعتمد على الإلهام والتوجيه الأخلاقي.
يؤكد الكتاب أن العزلة ليست مجرد انقطاع عن الآخرين، بل هي وسيلة فعالة لإعادة التركيز على الأهداف والتفكير العميق في القرارات. تمنح العزلة القائد فرصة لتقييم ذاته، وتقوية شجاعته الأخلاقية، مما يساعده على اتخاذ قرارات صائبة مبنية على رؤية واضحة.
يبرز الكتاب أن القيادة الفعالة لا تقتصر على تحقيق إنجازات قصيرة المدى، بل تهدف إلى خلق تأثير إيجابي مستدام. من خلال تطوير الذات والوضوح الداخلي، يصبح القائد أكثر قدرة على إلهام الآخرين، وتعزيز بيئة إيجابية تدعم النمو والنجاح المشترك.
خطوات البحث العلمي الأسس، المراحل، والأدوات : المقدمة يُعد البحث العلمي أحد الركائز الأساسية التي يعتمد عليها التقدم العلمي في مختلف المجالات. إنها عملية منطقية تستهدف الحصول على معرفة جديدة أو تطوير المعرفة الموجودة. وتكمن أهمية البحث العلمي في توفير حلول عملية ونظريات علمية جديدة في شتى المجالات. في هذا السياق، يتطلب البحث العلمي اتباع خطوات منهجية محددة تبدأ من اختيار الموضوع وصولًا إلى كتابة التقرير النهائي. كل خطوة من هذه الخطوات لها أهمية خاصة في ضمان دقة النتائج و مصداقية البحث. يهدف هذا البحث إلى توضيح الخطوات الأساسية التي يجب على الباحث اتباعها لتحقيق نتائج علمية دقيقة، مع إبراز الأدوات والمنهجيات المناسبة في كل مرحلة من مراحل البحث. وتتمثل إشكالية البحث في التساؤل التالي: ما هي الخطوات التي يجب أن يتبعها الباحث العلمي لضمان نجاح البحث وكيف تساهم هذه الخطوات في تحسين جودة البحث العلمي؟ الإجابة على هذه التساؤلات تعتمد على المنهج التحليلي الوصفي الذي يستعرض الخطوات المختلفة لإجراء البحث العلمي بشكل منظم وموثوق. المبحث الأول: التخطيط المبدئي للبحث العلمي المطلب الأول: اختيار موضوع البحث وصياغة المشكلة تبدأ خطوات البحث العلمي باختيار موضوع البحث، ويعتبر هذا من أهم القرارات التي يتخذها الباحث، حيث يجب أن يكون الموضوع ملائمًا ومُهمًا من الناحية العلمية. يتطلب اختيار الموضوع دراسة شاملة للموضوعات الموجودة في الأدبيات العلمية السابقة، لتحديد ما تم دراسته، وكذلك لتحديد الفجوات التي يمكن للباحث تغطيتها. بعد تحديد الموضوع، يأتي دور صياغة المشكلة البحثية، وهي السؤال أو التحدي الذي يهدف الباحث إلى إيجاد إجابة له. يجب أن تكون المشكلة البحثية واضحة ودقيقة، بحيث يتمكن الباحث من جمع البيانات اللازمة لإجراء دراسة فعّالة. إذا لم يتم صياغة المشكلة بشكل دقيق، فقد يؤدي ذلك إلى تشويش الهدف النهائي للبحث. كما ينبغي أن يكون الموضوع قابلاً للبحث والتحليل بناءً على الأدوات المتاحة. لذا، يعتبر اختيار الموضوع وصياغة المشكلة من أهم المراحل في البحث العلمي. المطلب الثاني: تحديد أهداف البحث وأسئلته بعد تحديد المشكلة البحثية، يأتي دور تحديد أهداف البحث، التي توضح ما يسعى الباحث لتحقيقه من خلال دراسته. تحدد هذه الأهداف الإطار العام للبحث وتساعد في توجيه كافة الأنشطة المستقبلية المتعلقة بالبحث. كما تساهم في بناء الفرضيات والقرارات الخاصة بجمع البيانات. وتعد أسئلة البحث ضرورية أيضًا في توجيه البحث بشكل دقيق، فهي تحدد المواضيع التي يجب على الباحث دراستها بشكل منهجي. الأسئلة البحثية يجب أن تكون واضحة، محددة، وقابلة للتحقيق من خلال الأدوات البحثية المناسبة. بعد تحديد الأهداف والأسئلة، ينبغي على الباحث أن يتحقق من أن الأسئلة تتماشى مع أهداف البحث وتدعمها. يتم في هذه المرحلة أيضًا تحديد نطاق البحث الزمني والمكاني، مما يُمكّن الباحث من تزويد المجتمع الأكاديمي بأجوبة دقيقة حول المشكلة التي يعكف على دراستها. المطلب الثالث: مراجعة الأدبيات وتحديد الفرضيات تُعتبر مراجعة الأدبيات خطوة أساسية في البحث العلمي، حيث يُمكّن هذا الجزء الباحث من الاطلاع على الدراسات السابقة ذات الصلة بمشكلة البحث. تساعد هذه المراجعة في فهم الموضوع بشكل أعمق، كما تُسهم في تحديد الفجوات البحثية التي يمكن للباحث سدّها من خلال دراسته. توفر مراجعة الأدبيات كذلك إطارًا نظريًا للبحث، حيث يمكن للباحث تحديد النظريات والمفاهيم التي قد تدعم أو تتحدى فرضياته. بعد هذه المراجعة، يُحدد الباحث الفرضيات التي سيختبرها خلال الدراسة. الفرضية هي توقع أو تفسير مبدئي يقدمه الباحث بناءً على الأدلة الحالية أو المعرفة السابقة. ومن الضروري أن تكون الفرضيات قابلة للاختبار باستخدام الأدوات المناسبة. ومن خلال تحديد الفرضيات، يكون الباحث قد وضع الأساس الذي سيرتكز عليه في مراحل البحث التالية من جمع البيانات وتحليلها. المبحث الثاني: جمع البيانات وتحليلها المطلب الأول: اختيار المنهج البحثي المنهج البحثي هو الخطة الرئيسية التي سيتبعها الباحث لجمع البيانات وتحليلها. اختيار المنهج البحثي يعتمد على نوع البيانات التي يحتاجها الباحث للإجابة على أسئلة البحث. إذا كان البحث كمّيًا، فإنه يعتمد على البيانات العددية التي يمكن تحليلها باستخدام الإحصاءات. أما إذا كان البحث نوعيًا، فيركز على جمع البيانات الوصفية مثل المقابلات أو الملاحظات التي تساهم في فهم الظواهر بشكل أعمق. كما أن بعض الدراسات قد تعتمد على المنهج المختلط الذي يجمع بين الأساليب الكمية والنوعية. من خلال اختيار المنهج المناسب، يضمن الباحث أن تكون البيانات التي يتم جمعها قابلة للتحليل بشكل دقيق وموضوعي. يعزز المنهج المختار من قدرة الباحث على التحقق من صحة الفرضيات واستخلاص نتائج دقيقة. المطلب الثاني: أدوات جمع البيانات بعد اختيار المنهج، يأتي دور تحديد أدوات جمع البيانات التي ستمكن الباحث من الحصول على المعلومات الضرورية. تختلف الأدوات بناءً على المنهج البحثي المتبع. في البحث الكمي، غالبًا ما يُستخدم الاستبيان أو المقاييس لجمع البيانات من عدد كبير من الأفراد، بحيث يمكن تحليل البيانات باستخدام الأساليب الإحصائية. بينما في البحث النوعي، قد يُستخدم الباحث المقابلات الشخصية أو المجموعات المركزة لجمع بيانات مفصلة حول تجارب الأفراد. علاوة على ذلك، هناك أدوات أخرى مثل الملاحظة المباشرة أو تحليل المحتوى التي تستخدم لجمع بيانات دقيقة حول السلوكيات والاتجاهات. من الضروري أن تكون أدوات جمع البيانات مصممة بشكل يتناسب مع أسئلة البحث وأهدافه، حتى تساهم في تحقيق نتائج صحيحة وقابلة للتحليل. المطلب الثالث: تحليل البيانات واستخلاص النتائج بعد جمع البيانات، يمر الباحث إلى مرحلة تحليل البيانات، حيث يتم معالجة المعلومات بشكل دقيق ومنهجي للوصول إلى نتائج علمية. في الأبحاث الكمية، يُستخدم التحليل الإحصائي لمعالجة البيانات من خلال برامج مثل SPSS أو Excel. أما في الأبحاث النوعية، يُعتمد على التحليل الموضوعي أو التحليل السردي الذي يعتمد على فهم البيانات بناءً على سياقها. يقوم الباحث في هذه المرحلة بفحص النتائج المتاحة ومقارنة الإجابات مع الفرضيات التي وُضعت في بداية البحث. يتم أيضًا استنتاج الروابط والأنماط بين المتغيرات المختلفة، مما يساعد في التوصل إلى إجابة فعّالة على أسئلة البحث. عملية التحليل تُعد من أهم المراحل في البحث العلمي لأنها تؤثر مباشرة في صحة النتائج المستخلصة، وبالتالي في مصداقية البحث. المبحث الثالث: كتابة تقرير البحث العلمي المطلب الأول: هيكل التقرير البحثي كتابة التقرير البحثي هي المرحلة التي تنظم فيها الأفكار والنتائج بطريقة منظمة ودقيقة. يبدأ التقرير عادة بمقدمة تعرض المشكلة البحثية وأهداف البحث. يلي ذلك مراجعة الأدبيات التي تساهم في دعم الإطار النظري للبحث. في هذه المرحلة، يُشرح المنهج المستخدم في جمع البيانات وتحليلها، وتُعرض النتائج التي تم التوصل إليها، ثم تأتي المناقشة التي تتضمن تفسيرًا للنتائج ومقارنتها بالفرضيات الأصلية. تُختتم الدراسة بتوصيات بناءً على النتائج التي أظهرتها الدراسة. من الضروري أن يكون التقرير مكتوبًا بلغة علمية وسهلة الفهم، مع مراعاة توثيق جميع المراجع وفقًا للمعايير المعترف بها، مثل أسلوب APA أو MLA. المطلب الثاني: مناقشة النتائج والتوصيات في هذه المرحلة، يُناقش الباحث النتائج التي توصل إليها ويقارنها مع الدراسات السابقة أو الفرضيات التي تم طرحها في بداية البحث. إذا كانت النتائج تدعم الفرضيات، يقوم الباحث بشرح وتفسير هذه النتائج بالتفصيل. وإذا كانت النتائج مخالفة للتوقعات، يقدم الباحث تفسيرات محتملة لهذا التباين، مع الأخذ بعين الاعتبار العوامل المؤثرة في النتائج. بالإضافة إلى ذلك، يجب على الباحث تقديم التوصيات بناءً على النتائج التي تم التوصل إليها، سواء في سياق التطبيقات العملية أو الأبحاث المستقبلية التي يمكن أن تستكمل أو توسع الدراسة. المطلب الثالث: المراجع والمصادر يجب أن يحتوي التقرير على توثيق دقيق للمراجع التي استخدمها الباحث في جميع مراحل البحث. يتطلب هذا التوثيق العلمي اتباع أسلوب معترف به مثل APA أو MLA. من خلال هذا التوثيق، يضمن الباحث مصداقية البحث العلمي، ويوفر للقارئ إمكانية الرجوع إلى المصادر الأصلية للتحقق من صحة المعلومات. كما أن هذا التوثيق يُعد من الركائز الأساسية في العمل الأكاديمي، حيث يضمن حقوق الملكية الفكرية للمؤلفين. المبحث الرابع: التحديات التي تواجه الباحثين أثناء البحث العلمي المطلب الأول: التحديات في اختيار الموضوع أحد التحديات الرئيسية التي قد يواجهها الباحث هو اختيار موضوع البحث المناسب. قد يواجه الباحث صعوبة في تحديد نطاق البحث أو في إيجاد موضوع جديد لم يتم دراسته من قبل. ولتجاوز هذه المشكلة، يجب أن يقوم الباحث بمراجعة الأدبيات الحالية وتحليل الفجوات البحثية التي يمكنه استكشافها. كما ينبغي أن يكون الموضوع ملائمًا للاحتياجات الاجتماعية أو العلمية وأن يتماشى مع الاهتمامات الشخصية للباحث. تساعد هذه الإجراءات في تسهيل تحديد الموضوع وضمان جودة البحث. المطلب الثاني: جمع البيانات والتحليل المرحلة التالية التي يمكن أن تشكل تحديًا هي جمع البيانات. قد يواجه الباحث صعوبة في الحصول على المعلومات الدقيقة أو الموثوقة، خاصة في البحوث التي تتطلب عينة كبيرة أو معلومات حساسة. كما قد يواجه تحديات في تحليل البيانات، خاصة عندما تكون البيانات غير متجانسة أو تحتوي على بيانات مفقودة. يتطلب هذا النوع من التحديات جهدًا إضافيًا من الباحث لضمان دقة البيانات وتحليلها بشكل علمي. المطلب الثالث: مواجهة المشكلات الأخلاقية من أهم التحديات في البحث العلمي هي المشكلات الأخلاقية التي قد تواجه الباحث أثناء جمع البيانات أو تفسير النتائج. يتطلب البحث العلمي أن يلتزم الباحث بالمبادئ الأخلاقية المتعلقة بحماية خصوصية الأفراد، والحصول على موافقة المشاركين، وضمان الشفافية في جميع مراحل البحث. تتطلب هذه الجوانب الالتزام بقوانين أخلاقية صارمة، لضمان مصداقية البحث وحماية حقوق المشاركين. الخاتمة من خلال هذا البحث، يتبين أن البحث العلمي هو عملية معقدة تتطلب إتمام مراحل منظمة وممنهجة تبدأ من اختيار الموضوع و صياغة المشكلة وصولًا إلى كتابة التقرير النهائي. إن اتباع الخطوات المنهجية الدقيقة يساعد الباحث على الحصول على نتائج علمية موثوقة. كما أن التحديات التي قد يواجهها الباحث في مختلف المراحل هي جزء لا يتجزأ من عملية البحث، ويتطلب التعامل معها قدرًا من المرونة و الاحترافية. إن البحث العلمي هو أداة رئيسية لتطوير المعارف، ويجب على الباحثين اتباع الخطوات العلمية الصحيحة لضمان الوصول إلى نتائج دقيقة وقابلة للتطبيق في الواقع. المصادر والمراجع مصطفى كامل، أساسيات البحث العلمي، القاهرة، دار الفجر، 2007. أحمد عبد الله، خطوات البحث العلمي وأدواته، عمان، دار الفكر العربي، 2012. سلوى حسن، تقنيات كتابة البحث العلمي، بيروت، دار الزهراء، 2015. إبراهيم الفقي، أسس التفكير العلمي، القاهرة، دار التوفيق، 2010. حسن عبد الله، منهجية البحث العلمي، الكويت، دار الكتب العلمية، 2014. اعداد الباحث حسوني محمد عبد الغني . ❝ ⏤nas adrar
المقدمة يُعد البحث العلمي أحد الركائز الأساسية التي يعتمد عليها التقدم العلمي في مختلف المجالات. إنها عملية منطقية تستهدف الحصول على معرفة جديدة أو تطوير المعرفة الموجودة. وتكمن أهمية البحث العلمي في توفير حلول عملية ونظريات علمية جديدة في شتى المجالات. في هذا السياق، يتطلب البحث العلمي اتباع خطوات منهجية محددة تبدأ من اختيار الموضوع وصولًا إلى كتابة التقرير النهائي. كل خطوة من هذه الخطوات لها أهمية خاصة في ضمان دقة النتائج و مصداقية البحث. يهدف هذا البحث إلى توضيح الخطوات الأساسية التي يجب على الباحث اتباعها لتحقيق نتائج علمية دقيقة، مع إبراز الأدوات والمنهجيات المناسبة في كل مرحلة من مراحل البحث. وتتمثل إشكالية البحث في التساؤل التالي: ما هي الخطوات التي يجب أن يتبعها الباحث العلمي لضمان نجاح البحث وكيف تساهم هذه الخطوات في تحسين جودة البحث العلمي؟ الإجابة على هذه التساؤلات تعتمد على المنهج التحليلي الوصفي الذي يستعرض الخطوات المختلفة لإجراء البحث العلمي بشكل منظم وموثوق. المبحث الأول: التخطيط المبدئي للبحث العلمي المطلب الأول: ....... [المزيد]
الثقافة العربية والتحديات الراهنة: مقدمة: تُعد الثقافة العربية جزءًا أساسيًا من الهوية الوطنية للأمة العربية، حيث تمثل مجموعة من القيم والمفاهيم التي تحدد سلوك الأفراد وتعبّر عن تاريخهم وذاكرتهم الجماعية. ومع تطور العولمة وانتشار الثقافات الأجنبية، خاصة الغربية، تواجه الثقافة العربية العديد من التحديات التي تهدد استمراريتها وفرادتها. في هذا السياق، يهدف هذا البحث إلى تحليل التحديات التي تواجه الثقافة العربية في العصر الحديث، مع التركيز على تأثير العولمة الثقافية على اللغة العربية والأدب. كما يسعى البحث إلى تقديم حلول عملية للمحافظة على الهوية الثقافية العربية وتعزيز دور الثقافة العربية في ظل هذه التحولات العالمية. تكمن الإشكالية الرئيسية في كيفية مواجهة الثقافة العربية لهذه التحديات المعاصرة التي تهدد وجودها، خاصة في ظل العولمة التي تروج لثقافات أخرى على حساب الثقافة المحلية. كيف يمكن للثقافة العربية الحفاظ على هويتها في ظل هذه التحديات، وكيف يمكن للأدب العربي واللغة أن يلعبا دورًا فاعلًا في هذا السياق؟ للإجابة على هذه الإشكالية، سيعتمد البحث على المنهج التحليلي لفحص تأثير العولمة على الثقافة العربية من خلال دراسة الأدب العربي والنصوص الثقافية ذات الصلة. كما سيتم استخدام المنهج الوصفي لفهم أبعاد تأثير العولمة على الهوية الثقافية العربية، بالإضافة إلى المنهج المقارن لمقارنة تأثير العولمة في الثقافة العربية مع تأثيرها في ثقافات أخرى. المبحث الأول: التحديات الداخلية للثقافة العربية المطلب الأول: التحديات المتعلقة باللغة العربية تعتبر اللغة العربية من أهم أبعاد الثقافة العربية، وهي الركيزة الأساسية التي تعبر عن الهوية الفكرية للأمة العربية. تواجه اللغة العربية في الوقت الراهن العديد من التحديات بسبب استخدام اللغات الأجنبية، وخاصة الإنجليزية، في شتى المجالات الأكاديمية والإعلامية. يعكس تراجع اللغة العربية في بعض المجالات ضعفًا في استثمارها كأداة للمعرفة والبحث. بالإضافة إلى ذلك، فإن استخدام المصطلحات الأجنبية بشكل متزايد في الأدب والمجالات العلمية يهدد بضعف تأثير اللغة العربية في السياقات المعرفية المعاصرة. لذلك، تصبح الحاجة ماسة إلى تجديد اللغة العربية لتواكب العصر الحديث مع الحفاظ على أصالتها. المطلب الثاني: تأثير العولمة على الهوية الثقافية تواجه الثقافة العربية تحديات كبيرة نتيجة العولمة التي تساهم في انتشار الثقافات الغربية وفرض نمط حياة موحد عالميًا. العولمة الثقافية تؤثر في تشكيل الهوية الثقافية، حيث يتزايد التفاعل مع الثقافات الغربية على حساب الثقافة العربية. هذا التفاعل يساهم في تقليد الأنماط الغربية في الموضة، الفنون، والأيديولوجيات، مما يهدد الاستمرارية الثقافية للأجيال الجديدة. من الضروري أن يتم تعزيز الهوية الثقافية العربية من خلال إعادة ترسيخ قيم التراث الثقافي وتعميق الفهم للأدب والفن العربي الذي يمثل ملامح هذه الهوية. المطلب الثالث: ضعف استثمار الثقافة العربية في التعليم والإعلام على الرغم من أهمية الثقافة العربية، إلا أن الاستثمار في تعزيز هذه الثقافة من خلال التعليم والإعلام لا يزال ضعيفًا مقارنة بالمجالات الأخرى. المؤسسات التعليمية العربية لا تولي اهتمامًا كافيًا لتدريس الأدب العربي التقليدي والمعاصر، مما يؤدي إلى ضعف الوعي الثقافي لدى الأجيال الجديدة. كما أن وسائل الإعلام لا تساهم بما فيه الكفاية في نشر ثقافة عربية حقيقية، بل تركز غالبًا على محتوى أجنبي يعزز الثقافة الغربية. لتجاوز هذه المشكلة، من الضروري تعزيز استخدام الإعلام العربي في نشر الفكر الأدبي والفني العربي، وتوفير برامج تعليمية تعزز من الهوية الثقافية للطلاب. المبحث الثاني: التحديات العالمية وتأثيرها على الثقافة العربية المطلب الأول: العولمة الثقافية وتأثيرها على الثقافة العربية تعتبر العولمة من أبرز التحديات العالمية التي تواجه الثقافة العربية اليوم، حيث ساعدت العولمة في انتشار ثقافات متعددة، أبرزها الثقافة الغربية التي تؤثر بشكل ملحوظ في المجتمعات العربية. هذا التأثير المتزايد يأتي من خلال وسائل الإعلام، الإنترنت، والأفلام، حيث تروج هذه الثقافات لأنماط حياة لا تتناسب مع الهوية الثقافية العربية. وعلى الرغم من الفوائد التي قد تحققها العولمة، مثل الانفتاح على التقنيات الحديثة، فإنها تساهم أيضًا في تقويض الأصالة الثقافية في العالم العربي. المطلب الثاني: هيمنة الثقافة الغربية على وسائل الإعلام تلعب وسائل الإعلام دورًا كبيرًا في تشكيل ثقافة المجتمعات اليوم. في العالم العربي، أصبحت وسائل الإعلام تُهيمن عليها القنوات الغربية، مما أدى إلى انتشار ثقافات جديدة لا تتناسب مع القيم والتقاليد العربية. غالبًا ما تُستورد البرامج والمسلسلات الأجنبية التي تروج لمفاهيم بعيدة عن الهوية الثقافية العربية. بالإضافة إلى ذلك، تُعتبر اللغة الأجنبية المستخدمة في هذه البرامج عاملاً آخر يعزز من تأثير هذه الهيمنة الثقافية، حيث تُظهر وسائل الإعلام الغربية بشكل متزايد المفاهيم الثقافية التي قد تتناقض مع القيم العربية. المطلب الثالث: تأثير التكنولوجيا على الهوية الثقافية العربية من التحديات الكبرى التي تواجه الثقافة العربية في العصر الحديث هو التطور التكنولوجي السريع الذي يساهم في نشر ثقافات متنوعة عبر الإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي. بينما توفر هذه الأدوات فرصًا للتعلم والتطور، فإنها أيضًا تساهم في تشتيت الانتباه عن الثقافات المحلية. إن التركيز على التكنولوجيا الحديثة قد يساهم في تقليل الاهتمام بالثقافة العربية، مما يهدد بانعزال الأجيال الجديدة عن تراثهم الثقافي والفني. لذا، ينبغي للثقافة العربية أن تستفيد من هذه التقنيات الحديثة لدعم وتوسيع نطاق الأدب والفنون العربية. المبحث الثالث: الأدب العربي في مواجهة التحديات المعاصرة المطلب الأول: الأدب العربي ودوره في الحفاظ على الهوية الثقافية يعد الأدب العربي أحد أبرز أوجه التعبير عن الهوية الثقافية للعالم العربي. من خلال الأدب، يتمكن الكاتب العربي من نقل القيم والمفاهيم التي تعكس الهوية الثقافية للأمة. لكن الأدب العربي اليوم يواجه تحديات كبيرة، خصوصًا في ظل تأثير العولمة والتغيرات المجتمعية. لتجاوز هذه التحديات، يجب على الأدب العربي أن يسعى إلى إبراز القيم الثقافية الأصيلة، وتعزيز مفهوم المقاومة الثقافية ضد التيارات الثقافية الوافدة. المطلب الثاني: الأدب العربي في عصر العولمة والذكاء الاصطناعي تُعد التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي من أبرز التحديات التي تواجه الأدب العربي المعاصر. فقد ظهرت أشكال جديدة من الكتابة الأدبية باستخدام الذكاء الاصطناعي، مما أتاح إمكانيات جديدة لكتابة القصص وتقديم الأفكار. لكن هذا التوجه يثير تساؤلات حول تأثير هذه الأدوات على الهوية الأدبية العربية. يحتاج الأدب العربي إلى توظيف هذه التقنيات في معالجة قضايا الثقافة والهويات بشكل يضمن الحفاظ على جوهر الأدب العربي من دون التأثر بشكل مفرط بالتوجهات الغربية. المطلب الثالث: الأدب العربي كأداة لمقاومة العولمة الثقافية يعتبر الأدب العربي أداة فعالة في مقاومة التأثيرات الثقافية الغربية السلبية. عبر الأدب، يستطيع الكتاب العرب أن يعبروا عن قضايا اجتماعية، سياسية، وثقافية تتعلق بالعالم العربي، كما أنهم يمكنهم أن ينقلوا الهموم والتحديات التي تواجه المجتمعات العربية في العصر الحديث. إن تجديد الأدب العربي لمواضيعه وأساليبه يُعتبر من أبرز سبل المقاومة الثقافية، حيث يشكل الأدب العربي ساحة للتعبير عن الهوية والنضال ضد الهيمنة الثقافية الخارجية. الخاتمة: في الختام، يُمكن القول إن الثقافة العربية تواجه تحديات كبيرة ومعقدة في العصر الراهن نتيجة لتأثير العولمة الثقافية وامتداد الثقافة الغربية في مختلف المجالات. ورغم هذه التحديات، تبقى الثقافة العربية ذات خصائص فريدة تشكل هوية المجتمعات العربية، وهذه الهوية لا يمكن أن تكون محصنة ضد التغيرات العصرية إلا من خلال فهم عميق للمخاطر التي تهددها والبحث عن سبل لحمايتها. في هذا البحث، تم تسليط الضوء على التحديات التي تواجه الثقافة العربية من خلال دراسة تأثير العولمة على اللغة العربية والأدب، وكذلك على الهوية الثقافية بشكل عام. إنه لا شك في أن اللغة العربية هي العمود الفقري للثقافة العربية، ومن هنا تبرز أهمية الحفاظ عليها وتعزيز دورها في مجالات التعليم والإعلام. كذلك، يلعب الأدب العربي دورًا رئيسيًا في التعبير عن الهوية الثقافية ومقاومة التأثيرات الأجنبية، ويجب على الكتاب والمثقفين العرب أن يطوروا الأدب ليواكب التغيرات العالمية مع الحفاظ على القيم الثقافية الأصيلة. كما يتعين على المؤسسات العربية أن تتبنى سياسات فعالة في تعزيز الثقافة المحلية والعمل على تجديدها بما يتناسب مع العصر الحديث. لقد تم التأكيد في هذا البحث على أن الهوية الثقافية العربية ليست مسألة ثابتة بل هي في حالة تطوير مستمر. وبدون شك، فإن الحفاظ على الهوية الثقافية يتطلب مساهمة جماعية من الحكومات والمثقفين والمجتمع المدني، بهدف بناء مجتمع عربي قادر على التعامل مع العولمة والاحتفاظ بأصالته الثقافية. ومن خلال التعليم، الإعلام، والبحث العلمي، يمكن لنا الحفاظ على ثقافتنا وتعزيز مكانتها عالميًا. في النهاية، يتعين على العرب مواجهة تحديات العصر بمنهج علمي وثقافي مستنير، مع استمرار دعم الأدب العربي واللغة العربية، لتظل الثقافة العربية قادرة على التفاعل مع العالم الحديث دون أن تفقد ارتباطها بجذورها التاريخية والتراثية. المراجع: الجابري، محمد عابد. الديمقراطية وحقوق الإنسان في الفكر العربي المعاصر. دار المعرفة، 1998. د. الجهني، علي. العولمة وتأثيرها على الثقافة العربية. المجلة الثقافية العربية، 2005. البغدادي، أحمد. الأدب العربي في العصر الحديث: تحديات ومفارقات. دار الفكر العربي، 2010. علي، حسن. اللغة العربية وتحديات العصر. دار الشروق، 2014. أبو زيد، نصر حامد. فكر اللغة العربية في العصور الحديثة. المؤسسة العربية للدراسات، 2002. اعداد الباحث حسوني محمد عبد الغني . ❝ ⏤nas adrar
مقدمة: تُعد الثقافة العربية جزءًا أساسيًا من الهوية الوطنية للأمة العربية، حيث تمثل مجموعة من القيم والمفاهيم التي تحدد سلوك الأفراد وتعبّر عن تاريخهم وذاكرتهم الجماعية. ومع تطور العولمة وانتشار الثقافات الأجنبية، خاصة الغربية، تواجه الثقافة العربية العديد من التحديات التي تهدد استمراريتها وفرادتها. في هذا السياق، يهدف هذا البحث إلى تحليل التحديات التي تواجه الثقافة العربية في العصر الحديث، مع التركيز على تأثير العولمة الثقافية على اللغة العربية والأدب. كما يسعى البحث إلى تقديم حلول عملية للمحافظة على الهوية الثقافية العربية وتعزيز دور الثقافة العربية في ظل هذه التحولات العالمية. تكمن الإشكالية الرئيسية في كيفية مواجهة الثقافة العربية لهذه التحديات المعاصرة التي تهدد وجودها، خاصة في ظل العولمة التي تروج لثقافات أخرى على حساب الثقافة المحلية. كيف يمكن للثقافة العربية الحفاظ على هويتها في ظل هذه التحديات، وكيف يمكن للأدب العربي واللغة أن يلعبا دورًا فاعلًا في هذا السياق؟ للإجابة على هذه الإشكالية، سيعتمد البحث على المنهج التحليلي لفحص ....... [المزيد]