❰ له مجموعة من الإنجازات والمؤلفات أبرزها ❞ التاريخ والوعي الطبقى ❝ ❞ دراسات في الواقعية ❝ ❞ بلزاك والواقعية الفرنسية ❝ الناشرين : ❞ المؤسسة الجامعية للدراسات و النشر و التوزيع ❝ ❞ مطابع دار الأندلس - بيروت ❝ ❱.
أتيلا يوزيف (بالمجرية: József Attila) هو كاتب وشاعر مجري، ولد في 11 أبريل 1905 في بودابست في المجر، وتوفي في 3 ديسمبر 1937 في Balatonszárszó لا نبالغ حين نقول إن أتيلا يوجف من أعظم الشعراء المجريين في القرن العشرين، علما انه لم يعش سوى إثنين وثلاثين عاماً. بذلك لم يشذ عما بات يشبه "القاعدة"، فالكثير من الشعراء المجريين رحلوا مبكراً: شاندور بتوفي (1823-1849) أو أندره آدي (1877-1918) أو ميكلوش رادنوتي (1909-1944). كان القدر قاسياً مع الشاعر الذي ارتمى تحت عجلات قطار، ومع عالم يتوق إلى المزيد من الشعر الرائع سطره شاعر فحل من وزن أتيلا يوجف. ❰ له مجموعة من الإنجازات والمؤلفات أبرزها ❞ مختارات شعرية - أتيلا يوجف ❝ الناشرين : ❞ سنابل للكتاب ❝ ❱.
شاندور بيتوفي (Sándor Petőfi) (اسمه الحقيقي أليكساندر بيتروفيتش وُلد في 1 من يناير 1823م ويُحتمل بشدة أنه توفي في 31 من يوليو 1849م) هو شاعر وثوري ليبرالي مجري . ويعد الشاعر القومي بالمجر، كما أنه أحد الشخصيات الرئيسة في الثورة المجرية عام 1848م. كما أنه مؤلف نشيد نيمزيتي دال (Nemzeti dal) (النشيد الوطني)، الذي قيل عنه بأنه ألهم الثورة في مملكة المجر التي دخلت في حرب من أجل الاستقلال عن الإمبراطورية النمساوية. ومن المحتمل بشدة أنه وافته المنية في معركة شيغيشفار (Battle of Segesvár) وهي إحدى المعارك الأخيرة للحرب. ❰ له مجموعة من الإنجازات والمؤلفات أبرزها ❞ مختارات شعرية ❝ الناشرين : ❞ الدار المصرية للطباعة والترجمة والنشر ❝ ❱.
❰ له مجموعة من الإنجازات والمؤلفات أبرزها ❞ الراية الإنجليزية ❝ ❞ الراية الإنجليزية والمحضر ❝ ❞ الراية الإنجليزية المحضر ل إمره كرتيس ❝ الناشرين : ❞ المدى للإعلام والثقافة والفنون ❝ ❱.
لاسلو ناج شاعر وكاتب ومترجم ورسام هنغاري. ولد في إسكاز في 25 يوليو 1925، توفي في بودابست في 30 يناير 1978. لاسلو ناج هو الأخ الأكبر للأديب الهنغاري إشتفان آغ .من أعماله كتاب السياسة الإسلامية ❰ له مجموعة من الإنجازات والمؤلفات أبرزها ❞ الإسلام والسياسة ❝ الناشرين : ❞ الدار المصرية للطباعة والترجمة والنشر ❝ ❱.
❞ ـ راح فين زمن الشقاوه ده يا حسين دايما علي بالي =يا درش عاش من سمع صوتك ده انا قولت نستنا يا غالي ـ حيح الجو حلو اوي و الزينة اللي ملت الشوارع احلى و احلى و ريحه رمضان اللي هاله علي كل مكان =رمضان دايما غير بيجي ببطئ و بيمشي بسرعه ـ حصل شهر بيطيب القلب و يهدي الروح ليه متكونش طول السنه رمضان =علشان لو ده حصل مش هنحس بحلاوته دلوقتي إحساسنا ده لأنه مره في السنه ـ يمكن المهم انا مش هتنازل عن فانوسي السنه دي =اخ مفيش مهرب يعني ـ نهائي *ابتسم و طلع من ورا ظهر الفانوس اللي كان مخبيه* =كل سنه و انتي طيبه ـ الله ده حلو اوي بجد =لأنه ليكِ يا ست البنات عقبال السنه الجاية ونكون في بيتنا ـ عارف =عرفيني ـ نفسي اول يوم رمضان ده اجمع اهلي و اهلك و صحابي و صحابك ونفطر كلنا سوا اول يوم بذات بحب لمته و اني اقضيه مع اللي بحبهم و ننزل بعد الفطار نولع بومب و صواريخ و سلك نبهدل بيهم الشارع كله بعيداً أننا بنتهزق بعدها بس مش مهم المهم فرحتنا و إحساسنا وقتها =كده محتاجين قرض يا حبيبتي أو مائده افطار ضحكت وانا بقول ـ مش مهم المهم اني نفسي في ده و واثقه فى ربنا أنه هيتحقق =طول ما عشمنا فيه كبير كل اللي بنعوزة هيحصل أن شاءالله ـ اكيد يلا هنزل أنا =خليكي اللي بيحاول يقلدك قرب يطلع ضحكت وقولت له ـ عمرك ما هتبطل بكش يا صقر = و انتي عمرك ما هتبطلي تأثرينى يا قلب الصقر. ❝ ⏤شهد الوليد
❞ ـ راح فين زمن الشقاوه ده يا حسين دايما علي بالي =يا درش عاش من سمع صوتك ده انا قولت نستنا يا غالي ـ حيح الجو حلو اوي و الزينة اللي ملت الشوارع احلى و احلى و ريحه رمضان اللي هاله علي كل مكان =رمضان دايما غير بيجي ببطئ و بيمشي بسرعه ـ حصل شهر بيطيب القلب و يهدي الروح ليه متكونش طول السنه رمضان =علشان لو ده حصل مش هنحس بحلاوته دلوقتي إحساسنا ده لأنه مره في السنه ـ يمكن المهم انا مش هتنازل عن فانوسي السنه دي =اخ مفيش مهرب يعني ـ نهائي *ابتسم و طلع من ورا ظهر الفانوس اللي كان مخبيه* =كل سنه و انتي طيبه ـ الله ده حلو اوي بجد =لأنه ليكِ يا ست البنات عقبال السنه الجاية ونكون في بيتنا ـ عارف =عرفيني ـ نفسي اول يوم رمضان ده اجمع اهلي و اهلك و صحابي و صحابك ونفطر كلنا سوا اول يوم بذات بحب لمته و اني اقضيه مع اللي بحبهم و ننزل بعد الفطار نولع بومب و صواريخ و سلك نبهدل بيهم الشارع كله بعيداً أننا بنتهزق بعدها بس مش مهم المهم فرحتنا و إحساسنا وقتها =كده محتاجين قرض يا حبيبتي أو مائده افطار ضحكت وانا بقول ـ مش مهم المهم اني نفسي في ده و واثقه فى ربنا أنه هيتحقق =طول ما عشمنا فيه كبير كل اللي بنعوزة هيحصل أن شاءالله ـ اكيد يلا هنزل أنا =خليكي اللي بيحاول يقلدك قرب يطلع ضحكت وقولت له ـ عمرك ما هتبطل بكش يا صقر = و انتي عمرك ما هتبطلي تأثرينى يا قلب الصقر. ❝
❞ كل ما أردته من هذه الحياة اللعينه هو أن أستمر في العيش اكثر من أي شخص لا لأنني أحب الحياة بل لاغاظة أولئك الذين تمنوا موتي ... بالنسبة لي اُحس بسعادة مطلقة حين اشاهدهم يحتظرون الواحد تلو الآخر لكن تغير كل شئ في اليوم الذي قابلتها فيه .. ❝ ⏤محمد خالد
❞ كل ما أردته من هذه الحياة اللعينه هو أن أستمر في العيش اكثر من أي شخص لا لأنني أحب الحياة بل لاغاظة أولئك الذين تمنوا موتي .. بالنسبة لي اُحس بسعادة مطلقة حين اشاهدهم يحتظرون الواحد تلو الآخر لكن تغير كل شئ في اليوم الذي قابلتها فيه. ❝
سيناوي... دقهلية: مع غروب الشمس، استيقظ آسر من نومه على وقع معدته الخاوية. شعر بالجوع الشديد، فنهض من فراشه بكسل واتجه إلى الحمام ليغتسل سريعًا. بعدها، توجه نحو المطبخ بحثًا عن شيء يسد به جوعه، لكن عبثًا، لم يجد شيئًا. أحس بخيبة أملٍ وهو يتنقل بنظراته بين الأرفف الفارغة والثلاجة المغلقة، فقرر التوجه إلى جدته، رغم إدراكه لحدة استقبالها. ما إن دخل غرفتها حتى صاحت بغضب: "بتعمل إيه عندك؟!" أجابها بصوتٍ خافت، لكنه يحمل في طياته انكسارًا: "بدور على حاجة أكلها، جعان." نظرت إليه نظرة مليئة بالكره والتذمر، قبل أن تتجه ببطء نحو الثلاجة وتفتحها بعنف. أخرجت بعض بقايا الطعام وألقته أمامه قائلة بلهجة قاسية: "كل أحسن تموت وتجبلي مصيبة. مش ناقصة زين وقرفه على المساء. يلا خلّص أكل واغسلهم وادخل أوضتك، يلا!" استجاب آسر لأوامرها دون أن ينبس بكلمة، كانت كلماته تذوب تحت ثقل جوعه. جلس على الطاولة وبدأ يتناول الطعام بشراسة، وكأن معدته قد نسيت طعم الطعام لزمن طويل. بعد انتهائه، قام بتنظيف الأطباق بدقةٍ كما أمرته، ثم عاد إلى غرفته كأنه كان يهرب من العالم. بخطواتٍ هادئة، دخل غرفته وفتح درج مكتبه بهدوء، وأخرج صورة والديه. ضمها إلى صدره بشوقٍ لا يمكن وصفه، وكأنه يستمد منها القوة والحنين في آنٍ واحد. قبل الصورة برفق، كما لو كان يحيي ذكرى لن تموت داخله، ثم وضعها جانبًا. أخذ حقيبته المدرسية وأخرج كراسات الواجب، جلس لينهى فروضه بهدوء وتركيز، غير راغب في ترك أي شيء معلق. بعد إنهاء واجباته، رتب أغراضه بعناية، ثم توجه نحو خزانته وأخرج مذكرة أمه. جلس على فراشه، ينظر إلى الغروب من نافذته، كانت الشمس تختفي ببطء وراء الأفق، مما زاد المشهد جمالًا هادئًا. اتكأ بذراعيه على النافذة، مستمتعًا بتلك اللحظات القصيرة من السكينة، وهو يضم مذكرة بين يديه. بعد فترة قصيرة، اعتدل على فراشه وفتح المذكرة ببطء، متأملًا كل صفحة كأنها تحمل بين طياتها سرًا دفينًا. قلب عدة صفحات حتى وصل إلى آخر ما قرأ. قلب الصفحة ببطء، ليقرأ الكلمات المكتوبة بعناية: "دي قصة أحلى والوردات 12 وردة من محافظات مختلفة. هتعيش معاهم حياة جميلة، زي، ما هما في نفس سني. هعرفك بيهم واحدة واحدة، يلا نبدأ." قلب الصفحة التالية، ولم يجد سوى كلمة واحدة تحتل منتصف الصفحة: "سيناوي." توقف عند الاسم، مشوشًا ومستغربًا، لكنه تابع القراءة، محاولًا أن يفهم سر هذا الاسم الغريب. ..................... في صحراء سيناء، تحت شمسها الحارقة توجد ورده امتنع عنها الماء، كادت أن تدوب فقد ابتعد راويها عنها، وتركها بمفردها هنا تجلس وحيده شارده، عينها تلمع في الشمس بلونها الجذاب كعيون جدها، وشعرها البني الحرير ووجها الصافي، فكانت عروس سيناء الجميلة، كل من رآها يعشقها ويعشق سمارها، تجلس منتظره جدها، في لا تمتلك غيره، بعد وفاة والدها وأمها على يد الارهابين. تمسك عصا في يدها وتلقب بها الرمال،اقترب منها عمها سليمان وجلس بجانبها و يضع يده على شعرها، خاطبها بنبرة يملؤها الحنان: "مالك يا بنتي قاعده لحالك ليه" ياسمين، عند سماعها لأخبار سفر جدها، شعرت بمرارة قاسية تغمر قلبها كالشوكة: "ما فيش يا عمي، مستنيه جدي". نطقت بالكلمات بصوت خافت يملؤه الخيبة، وكانت عيناها تتأمل الأفق بترقب جامد. استمدت ياسمين عزيمتها من فكرة عودته، رغم معرفتها أنه قد يكون تأخر، فكانها تُلقي بكل قلقها على أمل عودته القريب. بصوت هادئ، مفعم بحكمة الأب الذي لم يعُد يملك قدرة التدخل في أقدار الآخرين، قال العم سليمان: "ما انتي عرفه، هو سافر مع الشيخ عبدالله، والشيخ صالح القاهرة، علشان التكريم حفظة كتاب الله". كانت نبرته مشبعة بالواقع، محملة بمسؤولية وحرص، وهو ينظر إلى ياسمين بتعاطف خفي، كمن يحاول أن يخفف من وقع الكلمات على قلبها المتألم. "عرفه يا عمي، وهو قالي قبل ما يسافر". أجابت بصوت يكاد يكون همساً، ممتلئاً بالاستياء الخفي من صمتها الطويل. كان الألم في عينيها يتجلى، وقد جمدت على أمل خائب بأن يبقى لها جزء من الوجود الذي كانت تظن أنه في متناول يدها. "طيب قومي من الشمس دي، صعبه عليكي، لو عوزه تقعدي، روحي تحت الخيمه هناك مع بنت عمك وبنت الشيخ صلاح". قالها العم سليمان وهو يوجهها بنبرة مزيج من الرأفة والأمر، يدرك تماماً كيف يمكن أن تؤثر حرارة الشمس على راحتها. إلا أن نبرة صوته كانت مشوبة بالقلق الذي لم يُفصح عنه، لكونه يعلم جيداً معنى الانتظار الطويل في مثل هذه الظروف. "لاء مش عوزة، عوزه افضل لحالي هنا، روح انتا وما تقلش عليا انا كويسه". ردت ياسمين بصوت يعبق بالإصرار والحزن. كان قلبها يفيض بالاستقلالية التي تبحث عنها، ورغبتها في الانعزال تعكس ألمه الداخلي من الافتقار إلى الأمان والاحتواء. عيناها اللامعتان كانت تعبران عن رغبتها في أن تُركَ وحيدة، تعيش صراعها بعيداً عن العيون المتطفلة. "على راحتك يا بنت اخويا، بس لما جدك يرجع، ليا كلام معاه" قال العم سليمان بصوت هادئ لكن محمل بالجدية. كان تعبيره يُظهر قلقه العميق حول حالة ياسمين، ولكنه أيضاً يعكس التزامه بالاحترام الموروث، مما يجعل صوته ينم عن حكمة وتجربة، وكان يرى فيها تلك الفتاة الصغيرة التي تحتاج إلى دعم لا ينقطع. تركها العم سليمان ومشى بعيداً، بينما جلست ياسمين بمفردها تحت أشعة الشمس الحارقة، تجلس في صمت مضطرب. "ماشي يا جدي بقا تسبني هنا، لحالى كدا، طيب لما ترجع، انى مش هتكلم وياك تاني." كان حديثها إلى نفسها مفعماً بالمرارة والقرار الصارم، تعبر عن مشاعر الخيبة والاستياء من وضعها الحالي. أعادت النظر إليهم عدة مرات، عيناها تتنقلان بين المشهد الذي يمر أمامها وضحك ابن عمها، الذي كان يصل صوته بوضوح إلى مسامعها رغم المسافة. .. كسرت العصا نصفين ووقفت بضيق، وانطلقت إليهم وعيناها لم ترى غير ضحته وهو واقف مع تلك القصيرة...، مشهد الضحك الذي لم تستطع تحمله أشعل فيها نار الغضب، فكانت خطواتها مليئة بالعناد والانزعاج. عندما اقتربت ياسمين، تحول وجه أنس من الضحك إلى تجاعيد القلق، وبدت عليه ملامح الاستفهام والضيق. "خير يا ياسمين عوزه اي". قالها بنبرة متجهمة ومثقلة، كمن يتوقع توجيه اتهام له، بينما كان يعاني من الانزعاج الذي يظهره الوضع الحالي. "انتا واقف بتضحك كدا ليه معاها". صرخت ياسمين بنبرة ممزوجة بالغيرة والاستفهام. كان غضبها يتصاعد كبركان خامد، بينما تراقب تصرفات أنس التي لا تتوافق مع مشاعرها المتأججة، مما جعل صوتها ينفجر بالتساؤل الذي يخترق صمتها. "أنا واقف مع اختي، اي مش شيفاها، والا شيفه بس رغد". كان رد أنس حافلاً بالتبرير، لكنه لم يخفِ القلق الذي بدأ يظهر على وجهه. كان يحاول أن يهدئ من نفسه بينما يواجه غضب ياسمين، وكأنه يضع جداراً بينه وبين عاصفة المشاعر التي اجتاحت اللقاء. "بس انتا بتضحك مع دي، مش اختك، وبعدين انتا". قالتها ياسمين بحدة، وكأن كلماتها كانت سكاكين تنغرز في قلب أنس. كانت تريد أن تفهم، بل أن تصرخ في وجهه بكل الألغاز التي تملأ رأسها، في محاولة يائسة لكسر الصمت الذي يشكل بينها وبين الحقيقة. بضيق ملحوظ، أجاب أنس: "وانتي مالك، اضحك اعيط انتي عاوزه اي، مش كل لما تشوفيني تيحي تجري عليا، وتفضلي تحققي معايا، انتي اختي بلاش اشيلك من مكانتك دي، علشان ما عنديش غيرها ليكي، تمام يلا روحي العبي يا صغير". كان صوته مشوباً بالاستفزاز والاستياء، وكأنه يحاول دفعها بعيداً عن دائرة تأثيره. بينما كان أنس يغادر غاضباً، بدأت سميحة ورغد يتفحصان ياسمين من بعيد، وضحكهما الصاخب يملأ الفضاء. "دارت سميحة حول ياسمين وهي توكزها في ذراعها، وتتكلم بنبرة متأخرة بسخرية، قالت سميحة: "يا حرام كل يوم من دا". ضحكت بصوت مرتفع وهي تضرب يدها في يد رغد، مما جعل مشاعر ياسمين تتصاعد إلى قمة الانهيار. "انتي مش بتحرمي كل يوم يهينك، وبيفهمك انك اخته، اكيد مش زي، بس اخته محرمه عليه بس، وبس انتي بقا بتحلمي باكتر من كدا، وكل دا مافيش منه فيده، علشان مش هيتجوزك يا ياسمين ريحي نفسك، ولو حصل هيكون شفقه". قالت سميحة بصوت متعجرف، في حين كانت ضحكتها وصوتها الساخر يضيفان جرحاً آخر إلى قلب ياسمين، ويجعلانها تعيش خيبة أمل مريرة. "ابعدي عن أنس علشان هو ليا أنا، وقريب أوي، هنتجوز، يعني ما لكيش مكان وصتنا، يلا يا سميحة، المكان دا بقا كاتم على نفسي". قالت رغد بنبرة مليئة بالفخر والتمرد، وكأنها تخبر ياسمين بمكانتها الجديدة وتضع حداً للتحديات التي تواجهها. "يلا حبيتي، باي ياسمين". أضافت سميحة، وقد أصبحت نبرتها تحمل توديعاً باردًا، وكأنها تحاول دفع ياسمين بعيداً عن مشهدها المزعج، وتركها في حالة من الانهيار العاطفي. جلست ياسمين على الأرض تحت الخيمة، تبكي بحرقة، بينما اقتربت منها جدتها زينب بحنان عميق. "مالك يا بنت مختار، حالك مش عجبني، فيكي اي". سألت زينب بصوت ملئه القلق والاحتواء، وكانها تبحث عن سبب لتلك الدموع التي تذرف دون توقف. "مافيش يا جدتي انا كويسة، بس جدي وحشتيني، وكنت عوزاه يرجع". أجابت ياسمين بصوت مهزوز، تعكس كلماتها إحساسًا بالافتقاد والوحشة، وهي تحاول أن تُخفى أوجاعها في محاولة للتماسك. "سميحة ورغد عملولك حاجه" سألت الجدة زينب بقلق متزايد، وكأنها تبحث عن أسباب مباشرة لحالة ياسمين، عسى أن تجد شيئاً يعيد لها هدوءها. "لاء". أجابت ياسمين بشدة، محاولة كبت مشاعرها حتى لا تكشف عن المزيد من أوجاعها. "أمال مالك". سألت زينب، وقد اتسعت عيناها بشعور من الإشفاق والاهتمام، حيث كانت تحاول أن تستفسر بعمق عن السبب الحقيقي لتلك الحالة. "قولت ما فيش" ردت ياسمين محبطة، وهي تحاول أن تبعد عن نفسها أي مشكلة إضافية. "طب تعالي معايا يلا، نروح نصلي، ونقرأ قرآن لحد لما جدتك يرجع". اقترحت زينب، وقد بدا في صوتها قدر كبير من الحنان والعطاء، وكأنها تحاول تقديم طوق نجاة لياسمين، لإخراجها من أزمتها النفسية. قامت ياسمين مع جدتها ودخلوا المنزل، بعيداً عن الخيمة التي كانت تشعر فيها بالقلق. أمضت الليل مع جدتها، مستهدفةً الراحة التي لم تجدها في غيرها. وفي صباح اليوم التالي، كانت تنتظر بقلق وصول جدها، الذي لم يصل بعد. حين عاد الجد حسان إلى الخيمة، اكتشف ياسمين نائمة، فطلب من أنس الخروج بهدوء وجلس بجوارها. عند استيقاظ ياسمين من لمسته، احتضنته قائلة: "جدي وحشتيني". وقد امتلأ صوتها بالحنين والحب، محاولةً التمسك بشعور الأمان الذي كان يشع منها. "إنتي كمان يا سيناوي". قالها الجد بحنان، ولكن عندما نطق الاسم الغريب، استفسرت ياسمين باندهاش: "اي الاسم دا ياجدي". كان اهتمامها بالحقيقة العائلية يظهر من خلال عينيها المتسائلتين. "دا اسمك، اختارته ليكي اختك، ولا اقول توئمك وشبهك". قال الجد حسان بلهجة مليئة بالحب والحنان، كاشفًا عن تفاصيل كانت خافية على ياسمين. تأثرت ياسمين بشدة، وكانت الدهشة والارتباك يسيطران على ملامح وجهها، حتى انفجرت بصراخ مليء بالصدمة: "بابا كان متجوزه!". فجاء صرخها كصرخة استنكار من عمق المشاعر المخبأة. ضحك الجد حسان بصوت عميق ومريح، بينما سحبها بلطف لتجلس بجانبه بعد وقوفها المفاجئ. بدأ يتحدث بهدوء، كما لو كان يخفف من وقع الصدمة، قائلاً: "اقعدي بس وأنا هقولك". عينيه مليئتان بالود، وهو يهدئ من روعها ويستعد لقص القصة التي ستعيد لها توازنها النفسي. قص عليها كل شيء بوضوح، بدءًا من خروجه من سيناء، مرورًا بما حدث في الطريق، والتكريم الذي ناله، ومقابلته بأختها كما دعا واتفاقه معها. "دا كل اللي حصل، وهي اللي اختار الاسم دا ليكي". أنهى حديثه بطمأنينة، مؤكدًا أن كل شيء كان بتوجيه من الأخت. "وهي هيكون اسمها إي بقا؟". سألت ياسمين بفضول، وقد امتلأت عيناها بالأمل والحماس. "دقهليه"، أكمل الجد حسان بتأكيد محبب. "يعني أنا هشوفها يوم المسابقة". قالت ياسمين بحماسة شديدة، كأنها تستعد للقاء يشبع جوعها العاطفي ويعوض فقدانها. "أيوه، دا لو ختمت القرآن، أنا وصيت عليها الشيخ إنه يهتم بيها، ويساعدها ولو نفذت الوعد وختمت، يجبها المسابقة بأي طريقة، أصل قال إن أبوها صعب إنه يوافق إنها تسافر". قال الجد بحماس، مشيرًا إلى أهمية الوفاء بالوعد، وكأن هذا الوعاء من الأمل هو بمثابة مفاتيح الأمل التي تفتح أمام ياسمين أبواب المستقبل. "أنا هدعي كل يوم ربنا، إنها تنفذ وعدها وأبوها يوافق". قالت سيناوي بعزم وإصرار، وكأن دعاءها هو السلاح الذي ستواجه به العقبات. "وانتي بقا حصل اي معاكي". انتقل الجد حسان إلى موضوع آخر، محاولًا فهم حالة سيناوي. "أنا". بدأت سيناوي بتردد، ثم قررت أن تفتح قلبها. "أيوه انتي، عمك قالي وأنا داخل وكمان أنس". قال الجد حسان بلهجة مليئة بالقلق، محاولًا أن يخفف من وطأة الحديث. انزلت سيناوي رأسها بحزن عميق، فتقدم الجد حسان ليرفع رأسها برفق، قائلاً بنبرة حنونة: "مالك يا قلب جدك، بتبكي ليه؟" "أصل يا جدي اللى حصل". بدأت سيناوي في سرد ما جرى بتفاصيله، وكأنها تفرغ كل همومها وآلامها، تحدثت عن مشاعرها بصدق وعفوية، فقد كان الجد حسان ليس مجرد جد، بل صديقها قبل أن يكون ولي أمرها. نصحها الجد حسان بابتعادها عن أنس وأخته سميحه ورغد، وأكد على أهمية الاهتمام بدروسها، حيث الامتحانات بعد أسبوعين. وافقت سيناوي على الفور، وقد غمرتها السعادة كأنها تجد طريقًا للخلاص من مشكلاتها، وتحمل في قلبها الأمل في الغد الأفضل. مر الوقت بسرعة، وها هي سيناوي تنتهي من آخر امتحاناتها، شعور بالإنجاز يملأ قلبها. دخلت الخيمة وهي تنادي بصوت عالٍ، محملة بالأمل في سماع صوت جدها الحبيب. "جدي! جدي!". ارتفعت نبرات صوتها بفرح وهي تبحث عن وجهه بين الحضور. وقفت فجأة، عيناها تتسلقان الوجوه حتى استقرت على أنس، الذي كان جالسًا بجانب جدها. لم يكن قد ظهر منذ آخر مرة، عندما كانت تحاول تجنبه، ولم يسأل عنها بدوره. لاحظ الجد حسان نظرة سيناوي، فأعطاها إشارة واضحة: "تعالى يا سيناوي". توجه أنس نحو الجد، قائلاً باستغراب: "أي يا جدي؟" الجد حسان بهدوء: "في أي يا ولدي، بنادي عليها". أنس مندهش: "بس أنت قلت سيناوي". الجد حسان اجابه مؤكدا: "أيوه، دا اسمها الجديد. أختها اختارته ليها، وأنا وافقت عليه". أنهى كلامه وهو يمسك بيد سيناوي، بلمسة دافئة، ويقول: "تعالى حبيبتي". جلست سيناوي بجوار جدها، عيناها تتفحص أنس، وقالت بضيق: "أنت بس يا جدي اللي من حقك تقولي كدا، مش حد تاني، حتى لو أخويا". "كويس لأنه مش عجبني، بعد إذنك يا جدي". قالها أنس بحنق، مستديرًا ليفتح مسافة بينه وبين سيناوي. رد الجد حسان بهدوء: "مع السلامة يا ولدي". ثم نظر إلى سيناوي بجدية: "تعالي هنا، ليه قلتي كدا، لابن عمك يا بنتي عيب". "أي يا جدي، إحنا هنفضل نتكلم عنه طول اليوم؟" ردت، وهي تحاول تغيير مجرى الحديث، مشيرة إلى أنها تريد التركيز على شيء آخر. "لا، عملتي إيه؟" سأل الشيخ حسان بفضول، محاولًا معرفة تفاصيل يومها. سردت سيناوي لجدها كل ما حدث خلال اليوم، ومرت اللحظات بين الضحك واللعب، حيث انضمت إليهم الجدّة زينب، مضيفةً لمسة من الحنان والعطاء. أسرت لحظات السعادة قلب سيناوي، وقد جعلتها هذه اللحظات تشعر بالانتماء والراحة وسط عائلتها المحبة. مرّت الأيام بسرعة بينما كانت سيناوي منشغلة بالتحضير للمسابقة، وهي تتجنب أنس وتغمر نفسها في المذاكرة والدعاء. كان قلبها يخفق بانتظار اليوم الكبير، اليوم الذي حلمت به طوال الشهور الماضية. كان اليوم الذي ستتأكد فيه من قدرتها على الوفاء بوعدها وإثبات نفسها. في صباح يوم المسابقة، كانت سيناوي قد استعدت مبكرًا، مفعمة بالحماس والتوتر. نظرها كان يتنقل بين حقيبتها المجهزة بعناية وبين وجه جدها، الذي بدا متحمسًا ومساندًا. هما الاثنان كانا يعلمون أن الرحلة طويلة ومتعبة، حيث سيستغرق الوصول إلى القاهرة عدة ساعات، إلا أن الأمل في الفوز والمنافسة كان يدفعها للمضي قدمًا دون أن تشعر بالتعب. عندما وصلا إلى القاهرة، استضافهم الشيخ مصطفى في بيته. كانت الليلة هادئة، ولكنها حملت في طياتها مشاعر مختلطة بين القلق والترقب. نامت سيناوي بصعوبة، حيث لم يكن بمقدورها إيقاف تفكيرها في الغد؛ اليوم الذي سيجمعها بأختها التي لم ترها من قبل. مع أول إشراقة للشمس في اليوم التالي، قفزت سيناوي من سريرها بحماس شديد، تستنشق الهواء بعمق وكأن اليوم هو بداية جديدة في حياتها. كانت ترتدي ملابسها بسرعة، وسمعت صوت جدها يناديها، فقفزت نحو الباب لتلحق به. ابتسامة سعادة لم تفارق وجهها وهي تمشي بجانب جدها نحو المسجد الذي سيعقد فيه المسابقة. قلبها كان ينبض بالحماسة، ولكن خلف تلك الحماسة كان هناك توتر خفي لا تستطيع تجاهله. عند وصولهم إلى المسجد، امتلأ المكان بالمتسابقين والحضور. نظرت سيناوي حولها، بحثًا بعينيها عن شخص يشبهها، عن توأمها الذي لطالما حلمت برؤيتها. التفت إليها جدها ولاحظ توترها وقال بلطف: "لسه ما جاتش، الشيخ سيد لسه على وصول". سيناوي بلهفة: "هيتأخروا؟" الجد حسان مطمئنًا: "لاء، على وصول إن شاء الله. تعالى اقعدي هنا مع زمايلك". سيناوي بتردد: "أنا ما أعرفش حد هنا يا جدي". ابتسم الجد وهو يشير نحو مجموعة من الطلاب: "دول زمايلك، سلمي عليهم. أنا هروح مع الشيخ مصطفى جوه وساعة وراجع". سيناوي بحزن طفيف: "ماشي يا جدي". شعرت بوحدة مفاجئة تغمر قلبها، وهي تراقب جدها يغادرها لتبقى وحيدة وسط حشد من الغرباء. بدأت تمرّ اللحظات ببطء شديد، وكلما وصلت حافلة جديدة أمام المسجد، تدور بعينيها باحثة عن وجه تعرفه، عن أختها. لكن مع كل مرة، تشعر بخيبة الأمل، فقد كانت كل تلك الوجوه غريبة عليها. شعرت بأنها محاصرة بين الأمل واليأس، ولم يكن هناك شيء يخفف عنها. بعد فترة من الانتظار، قررت سيناوي أن تمشي قليلاً لتتخلص من توترها. خطت خطوات بطيئة، متأملة في الأجواء من حولها، إلى أن لفت انتباهها بائع غزل البنات، وهناك فتاتان تشتريان منه. دون أن تدري، اندفعت نحو البائع بسرعة، واصطدمت بإحدى الفتيات دون قصد، مما جعلها تعتذر بخجل. بمجرد أن أخذت غزل البنات، شعرت بالسعادة تغمرها وكأن شيئًا بسيطًا قد أعاد لها الأمل، ولكن تلك الفرحة لم تدم طويلًا؛ فقد ضاعت بين الزحام ولم تعرف كيف تعود إلى المسجد. بدأت تنظر حولها بتوتر، متمنية أن تجد طريق العودة. في تلك اللحظة، رأت الفتاتين اللتين اصطدمت بهما في السابق تتجهان نحوها." شعرت بالاطمئنان. ولا تعرف لماذا؟ فقد ارتاحت لهم. التقت عيناهما، وكان الشعور بالاندهاش ممزوجًا بالفرح الذي لا يوصف. سعادة سيناوي كانت غامرة، وكأنها قد وجدت جزءًا مفقودًا من روحها. .................. أنهى آسر قراءة قصة "سيناوي"، لكنه لم يشعر بالرضا الكامل، بل ازداد فضوله. تملكه إحساس بالارتباك وهو ينظر إلى المذكرة بين يديه، فتساءل بصوتٍ خافت: "أين باقي القصة؟ لماذا كتبت أمي نصفها فقط؟ أريد أن أعرف من تكون دقهلية؟ وكيف يمكن أن تكون توأمها؟" في تلك اللحظة، شعر وكأن المذكرة تحمل أسرارًا أكثر مما كان يتصور. بقلبٍ مفعم بالفضول، بدأ يقلب الصفحات مجددًا، باحثًا عن أي إشارة أخرى. قلب الصفحة التالية، لكنه لم يعثر على شيء، كانت الصفحة فارغة تمامًا. حاول ألا يستسلم للإحباط وواصل تقليب الصفحات بحماس متزايد. فجأة، رأى كلمة واحدة مكتوبة بخط واضح في منتصف الصفحة التالية: "دقهلية." ارتسمت على وجهه ابتسامة عريضة، وفرح بشدة وكأن تلك الكلمة الصغيرة كانت المفتاح الذي ينتظره. انتابه شعور بأن المغامرة بدأت بالفعل. بدون تردد، قلب الصفحة التالية بشغف ليكتشف ما تخفيه المذكرة عن "دقهلية" وقصتها. ................. في أحد الأحياء الشعبية، كان هناك بيت كبير يمتزج فيه الصخب بصمت أركانه. في غرفة مشتركة، تجلس وردة حزينة، الفتاة ذات الخمسة عشر ربيعاً، وقد أظلمت عينيها بدموعها. تأمل كتابها بوجه شاحب، نالت منه صفحاتها المتجعدة من كثرة الاستخدام. كان الامتحان النهائي للعام الدراسي قد حلّ على أبواب الصباح، وهي في الصف الثالث الإعدادي. تئن من تحت وطأة الوقت الذي يتسرب كالرمل بين أصابعها، يحطم حلمها في أن تصبح طبيبة، حلم يوشك على التلاشي بسبب تهاونها وتأجيلها. بصوت عالٍ، انفجرت تلك الوردة بالبكاء، دموعها تنهمر على وسادتها، قلقها يشتد كلما تذكرت حجم المذاكرة المتراكمة. أطلق صوت نحيبها صرخات صامتة عبر أركان البيت، كأنها تدعو المساعدة في زمن ضائع. دخلت الأم منال، قلقها يظهر في كل حركة من حركاتها، عيونها المتعبة تبحث عن الكلمات التي قد تسهم في تهدئة ابنتها. لقد نصحتها مراراً، لكنها لم تصغِ، ظنت تلك الوردة أن والدتها لا تحبها، بسبب شدة نصائحها وإصرارها. ولكن الآن، بعد أن ضاع الوقت، تغيرت مشاعر منال من الغضب إلى الضعف. حاولت أن تجد الكلمات الصحيحة، لكن محاولاتها كانت دائماً تبوء بالفشل. جلست الأم بجانب ابنتها، محاولة أن تمنحها دفء حضورها. بلهجة حانية، قالت: "مالكِ، في أي؟" أجابت دقهليه بصعوبة، بين شهقاتها ودموعها: "الوقت خلص مني، وأنا لسه ماخلصتش مذاكرة، وكل اللي ذاكرته نسيته." تنهدت منال وقالت بحنو: "طيب قومي صلي ركعتين وادعي ربنا في صلاتك، كدا بخشوع، وإن شاء الله هتفهمي. يلا، وبعدين أنا قولت لك ذاكري، بتقولي أي، أنا بذاكر اهو، أنا بعمل، أنا عارفة أنا بعمل إيه، مش دا كلامك؟" زاد بكاء دقهليه، دفنت وجهها في فراشها، بينما وضعت الأم يدها على شعرها الأسود الطويل المتموج، وقالت بحزم لطيف: "يلا قومي استحمي، عشان تفوقي، وتصلي، وتعالي اسرح لك شعرك، وتأكلي لقمة، وبعدين تذاكري ساعتين، وتقومي تنامي، وأنا هصحيكي قبل الفجر بساعة، تصلي وتفضلي تذاكري لحد معاد الامتحان." أجابت دقهلية بنبرة مكتئبة: "مش هتلحق." ردت الأم بصوت مشجع: "لاء، هتلحقي، استعيني بالله، يلا يا حبيبتي قومي، بلاش تتعبي قلبي معاكي." لم يتوقف صوت البكاء، وشهقاتها تتعالى. أمسكَت الأم يد ابنتها برفق، قادتْها إلى الحمام، ووجهت إليها نصائحها بصوت حازم: "يلا خلصي، ومتعيطيش في الحمام، أحسن والله العظيم هادخلك بالمقشة." أجابت دقهليه بصوت باكٍ: "حاضر." ردت الأم بلهجة تهدئ من روعها: "حاضر، وانتي بتعيطي يا حبيبتي." ردت دقهلية بحزن. "حاضر يا ماما، هجيب هدومي." أجابتها الأم، وهي تذهب لتحضر ملابس لها: "ادخلي وأنا هجيبلك." عادت الأم، وهي تنادي على دقهلية، وصوتها مفعم بالقلق: "يلا يا ياسمين بسرعة، لسه سمعاكي بتعيطي ليه؟" دقهلية، وهي تخرج من الحمام، ردت بصوت شبه هادئ: "مش بعيط، خلاص، أنا طالعة." توجهت الأم لإعداد الطعام لأطفالها، بينما أبنها الأكبر قادم من المدرسة، في الصف الأول الثانوي. بعد لحظات، خرجت دقهلية نحو أمها، تخاطبها بنبرة هادئة: "أنا خلصت، هروح أصلي." بعد أن انتهت من الاستحمام، خرجت إلى المطبخ حيث كانت أمها، منال، قد أعدت لها العشاء. وقفت أمام أمها، التي تقدمت إليها وهي تحمل الاطباق، قالت لها بحنان: "يلا يكون خلصت الأكل؛ تاكلي وأنا بعملك شعرك." أجابت دقهلية بصوت متعب: "ماشي." توجهت دقهلية إلى غرفتها، حيث كانت أخواتها الصغرى يلعبن. نادت على ريهام، أختها الصغيرة، وقالت: "ريهام، خدي سعاد ونور وريم وخرجي بره، عايزة أصلي." ردت ريهام، وهي تقفز بمرح: "حاضر، بس بسرعة، عايزة أكمل لعب." أجابت ورده بنبرة حازمة: "يلا، اخرجي بلا لعب، يلا يا أختي، نقصه هي." اعترضت ريهام بشيء من التذمر: "إيه، مش خلص امتحانات؟ وبكره هكبر زيك علشان هروح الإعدادي." قالت دقهلية بصوت جاد: "انتي مش خلصتي." ردت ريهام بتحدٍ: "أيوه، خلصت." صرخت دقهلية، وهي توجه نداءً إلى والدتها: "ماما، شوفي بنتك مش عايزة تخرج." أجابت الأم بصوت صارم: "ريهام." "نعم، يا ماما." الأم، وهي ترفع صوتها أكثر: "هتخري ولا أجيلك؟" أجابت ريهام، وهي تتوجه إلى الخارج مع أخواتها: "هخرج، يلا يا سعاد." بدأت سعاد بالاعتراض: "عاوزة ألعب." فأجابت ريهام، وهي تسحب سعاد بيدها: "أنتي حرة، لما تتضربي." ركضت ريهام مع أخواتها إلى الخارج، تاركة دقهلية في هدوء نسبى. ريهام التي كانت تبلغ من العمر اثني عشر عاماً، وسعاد تسع سنوات، ونور سبع سنوات، وريم خمس سنوات. انتهت من صلاتها. وخرجت كي تتناول طعامها. وعندنا انتهت أمها من تمشيط شعرها، قامت كي تذاكر قليلا. بعد فتره وجيزه؛ تدخل الأم منال، وتقف بجوارها وهي تخاطبها: "يلا قومي نامي' والفجر تكملي يلا" إستمعت لكلام أمها، وقامت كي ترتاح قليلا. وضعت رأسها على الوسادة وغطت في نوم عميق حتى الفجر. قامت قبل أمها،بعد أن انتهت دقهلية من صلاتها، خرجت لتناول طعام الإفطار الذي أعدته والدتها، منال. جلست دقهلية على الطاولة، وابتسمت الأم قائلة: "ذاكرتي كويس؟" أجابت دقهلية: "أيوه، يا ماما، خلصت." ردت منال بتركيز ودعم: "أيوه، امسكي، كلي براحتك. المدرسة مش بتعدى؛ دا خطوتين، وركزي كويس، واعملي اللي عليكي، وسيبي الباقي على ربنا." قالت دقهلية، وهي تنهض: "حاضر، أنا خلصت. راحة مع السلامة." ردت منال، وهي تودع ابنتها: "في رعاية الله، يا بنتي. ربنا ينجحك أنتِ وكل مسلم، يا رب." مرت ساعات قليلة، وعادت دقهلية إلى البيت، مغمورة بفرحها، وقد تأكدت من نجاحها. رحبت الأم بفرحها، وقالت لها: "يلا، غيري، وقعدي ذاكري. لسه عندك كم امتحان." أجابت دقهلية: "بعد بكره جبر وإنجليزي، وآخر يوم دراسات ودين." قالت الأم منال، وهي تجهز نفسها للقيام: "يلا، روحي ذاكري." أجابت دقهلية: "لا، أنا هروح المكتب الأول، أسمع، وبعدين أجي أذاكر." قالت منال، بتفهم: "ماشي." دخلت دقهلية إلى غرفتها لتغير ملابسها، وأخذت مصحفها، متجهة إلى الكتاب لحفظ كتاب الله. بعد فترة قصيرة، دخلت إلى المكتب، وقفت في دورها لتسمع للشيخ، وكان هناك الكثير أمامها. جلست على الأرض، تراجع ما حفظته، تسارع الزمن، وهي تتمنى أن يأتي دورها بسرعة. تجولت بذاكرتها في الأيام القليلة الماضية، وتذكرت كيف تغيرت حياتها بفضل هذا الشيخ الجليل. كل شيء بدا مختلفاً الآن، فقد جاء الوقت الذي ستضع فيه لمسات جديدة على مستقبلك. ................... كان الصياح يملأ الأجواء في البيت، وصرخات ياسمين تتعالى في كل أرجاء المنزل، متسربة من داخل غرفتها. منال، الأم، تتقدّم نحوها، مشبوبة بالغضب، ويدها ترتفع لتصفع وجه ابنتها بقوة، مما جعلها تقع على الأرض. كانت منال تلتقط شعر ياسمين وتضغط بقبضتها، متفجرة بالحنق: "إيه، إيه، أنتي مفكرة نفسك كبرتي عليا ولا إيه؟ شوية العيال اللي ماشية معاهم دول، وحيات اللي جابوك، لو لمحتك بتكلميهم تاني لأموتك. سمعه؟" استجابت ياسمين، بينما دموعها تتساقط بحرقة، بصوت متردد: "هما مش وحشين، وهكلمهم." أضافت منال بغلظة، وهي تشد شعر ابنتها: "أنتي بتردي عليا يا كلبة؟ وطيب خذي بقى." أجابت ياسمين، وهي تتألم: "آه، آه، حرام عليكي. إنتي بتكرهيني كدا ليه؟ آه، علشان مش بتحبي العلية، وأنا شبهة كرهتيني. أنا عارفة إنك عمرك ما حبّيتيني." ابتعدت منال عن ابنتها، والصدمة تعلو وجهها. ثم نطقت بحزن، تنفث ما في صدرها: "أنا، يا ياسمين، بكرهك؟ ليه؟ عملتلك إيه علشان تفكري كدا؟ علشان خايفة عليكي، وعوزاكي تكوني ناجحة. أبقى بكرهك؟ وهما اللي بيحبّوك، مش كدا؟ وعايزينك تتجوزي بدري بدري زي عيالهم، وأنا عايزاكي تكوني دكتورة، بلاش، يا ستي، مدرسة. أي حاجة، المهم تتعلمي. الجهل وحش. أنا قدامك، ما حدش علمي. نفسي اتعلم. قولت يا بت، تعالى على نفسك، واقفي في ظهر عيالك دول اللي ليكي. هما حيقوا اللي انتي ما عرفتيش تعمليه، ولا حد رضي يعملولك دا جزاتي. عايزاكي تكوني نظيفة، تتجوزي جوازة نظيفة. شوفيني، وشوفي خالتك. شوفي الفرق. شوفي أبوكي بيعمل إيه فيا وفيكم، وشوفي أزواجهم بيعملوا إيه. العلام هما اتعلموا، أقل وحدة فيهم مش محتاجة جوزها يصرف عليها، بتشتغل وبتصرف على نفسها. وهوا اللي بيحتاجها. عايزاكم تكونوا أحسن منهم كمان. وإنتي عايزة ترمي نفسك في الأرض، ماشية مع شوية ناس، مش بتفكر غير في الجواز والحب والهيافة. وهتعملي إيه في الامتحان اللي بعد أسبوعين دا؟ وهتعملي إيه، وإنتي مش بتفتحي كتاب؟ وتقولين بضربك ليه؟ دا هكسر عضمك، ويلا على المكتب، ما تقعديش في الدار، يلا." صرخت ياسمين، وهي تمسح دموعها: "مش رايحة، مش عايزة أروح، أنا كبرت. هروح أعمل إيه؟ هقرأ من هنا، في البيت، مش راح مكان، هيه." صرخت منال، وهي تتوعدها: "يامين بالله إن ما خرجتي دلوقتي وروحتي، لأقوم أخلص عليكي النهاردة. أصل إنتي قليلة الأدب، وعايزة تتربي من أول وجديد." دخلت ياسمين إلى المطبخ، وهي تبرطم بكلمات غاضبة، صاحت الأم منال: "إنتي بتعملي إيه عندك جوة؟" أجابت ياسمين، وهي ترتب الأكل: "هاكل، إيه، ما كلتش كمان." ردت منال، وهي تتصاعد غضباً: "اطفحي ويلا غوري." أخرجت ياسمين الزيت ووضعته على النار، غير منتبهة أن الزيت أوقعته على يدها، فصرخت بقوة. ركضت منال إليها، ممسكةً بيدها المصابة، ووضعتها في الماء المثلج، ثم اصطحبتها إلى الوحدة الصحية. كان الحرق من الدرجة الأولى، وسوف يلتئم قريباً مع العلاج المناسب. عادت منال إلى المنزل، وأعطت ياسمين المصحف، قائلة: "يلا على المكتب." أخذت ياسمين المصحف، وسارت بصمت، كانت تمشي قليلاً وتوقف كثيراً حتى وصلت متأخرة جداً. كان الجميع قد انتهى من التسميع ويجلسون حول الشيخ، وكان هناك عدد كبير من المشايخ أيضاً. كان شكلهم وملابسهم غريبين عليها، وشعرت بالقلق من مواجهة هذا العدد الكبير. وقفت ياسمين بعيداً في زاوية الغرفة، منتظرةً إشارات الشيخ. بعد لحظات، أشار لها الشيخ بالوقوف على جانب، وأرسل إليها زميلًا أكبر منها بقليل، فقد كان يفوقها في عدد أجزاء القرآن التي حفظها، وإن كان ليس في السن. وقف زميلها أمامها، مزمجراً ومتجهم الوجه، ونطق بغضب: "اقعدي علشان أسمعلك، ناقصك أنا أف. أنا ما صدقت أخلص، والله لو غلطي غلطة واحدة، لأقوله إنك مش حافظه. عاوز أروح أكمل الحفلة، يا باي." أجابت ياسمين، وهي تحاول ضبط أعصابها: "بقولك إيه، أنا على آخر نقطة. وبعدين والله، هروح أقول للشيخ على كلامك دا، وشوف هو هيعمل فيك إيه قدامهم. طب أنا إيدي اتعورت، وكنت عند الدكتورة علشان كدا تأخرت، إيه بقى حجتك على كلامك دا؟" رد زميلها بحدة، وهو يضغط على أعصابه: "اسكتي يا بت، واخلصي سمعي. عارف إن لسانك طويل، يلا قولي." بدأت ياسمين تتلو ما تحفظه، ولكنها كانت مرتبكة، ولم تكن قد حفظت بشكل كامل. حاولت معه كثيراً رغم تذمره، لكنه كان غير صبور، فقرر أن يتركها ويتوجه نحو الشيخ قائلاً: "مش حافظه." كان يجلس بجوار الشيخ شيخ ذو لحية بيضاء وعيون عميقة، جميلة، لا تعرف لونها. نظرت ياسمين إلى الشيخ باهتمام واستغراب، فابتسم لها الشيخ الآخر وأشار إليها برفق. عندما همَّ الشيخ بالخروج، لحقه الشيخ الأكبر وهو يقول: "بعد إذنك يا شيخنا." رد الشيخ، وهو يلتفت إلى الشيخ حسان: "اتفضل يا شيخ حسان." في تلك الزاويه هادئة تحت ضوء خافت يتراقص على جدرانها القديمة، جلس الشيخ حسان بوجهه المتجعد الذي يحمل سنينًا من الحكمة والتجارب، إلى جوار الشيخ سيد. كانت ياسمين واقفة بجوارهم، عينها على الأرض، وقد أطبق الصمت على شفتيها. كانت تحاول أن تخفي توترها، لكن اهتزاز أطرافها الخفيف كان يفضح ما بداخلها. الشيخ بحركة بطيئة ووقار، نظر إلى الشيخ حسان وقال بصوت منخفض يحمل في طياته احترامًا عميقًا: "تفضل يا شيخ حسان." ابتسم الشيخ حسان بهدوء، ابتسامة كانت تحمل مزيجًا من الحنان والاحترام، وقال بصوت هادئ ولكنه مليء بالقوة: "غصب عني سمعت حديثك مع هذا الفتى. جلوسي جوراكم كان بيخليني أسمع كل كلمة، وتسمح لي بأن أتكلم معاها قليلاً؟" تردد الشيخ لثوانٍ، ثم أومأ برأسه وقال بإيجاز: "تفضل." لكن الشيخ حسان، بشفتيه المتحركتين بخفة، أضاف: "يستحسن على انفراد." مرة أخرى، أومأ الشيخ موافقًا وأشار بيده إلى زاوية الغرفة وقال: "هنجلس هنا." نادى الشيخ على الفتى محمد الذي كان واقفًا عند الباب، وقد ارتسمت على وجهه ملامح الاهتمام والحرص على تنفيذ الأوامر. "محمد، هات كرسي للشيخ حسان." تحرك محمد على الفور، جلب كرسيًا ووضعه في المكان الذي أشار إليه الشيخ. كل هذا كان يجري أمام عيني ياسمين، التي كانت تراقب كل شيء دون أن تجرؤ على رفع رأسها. كانت تشعر بثقل كبير على كتفيها، وكأن نظراتهم المثقلة بالأسئلة قد زادت من وزن العالم على روحها. جلس الشيخ حسان بهدوء، ثم طلب كرسيًا آخر لها لتجلس بجواره. محمد أطاع دون تردد، ووضع الكرسي بجانب الشيخ حسان. نظر الشيخ حسان إلى ياسمين بعينيه اللتين تشعان بحكمة العمر وقال بلطف: "اقعدي يا بنتي." رفعت ياسمين رأسها ببطء، وعيناها تلمعان بخوف وقلق، وقالت بصوت خافت: "عليه." بابتسامة تشجيع من الشيخ حسان، قال: "أيوه، يلا اقعدي." جلست ياسمين بتردد، ويديها ترتجفان قليلاً، وكأنها تخشى أن يقرأ الشيخ حسان أفكارها المبعثرة. "اسمك إيه بقى؟" سأل الشيخ حسان بصوت دافئ. همست ياسمين وهي تحاول أن تخفي ارتباكها: "ياسمين." ابتسم الشيخ حسان ابتسامة واسعة، وكأن هذا الاسم قد أضاء شيئًا في قلبه، وقال: "اسمك جميل، تعرفي إن اسمك على اسم حفيدتي؟" نظرت ياسمين إليه باندهاش، وعيناها اتسعتا قليلاً، وقالت: "بجد؟" ضحك الشيخ حسان بخفة وأجاب: "أيوه، وضحك عليكي ليه؟" احمرّ وجه ياسمين من الحرج، وكأنها شعرت بالخجل من نفسها، وقالت بصوت منخفض: "مش قصدي بس..." قاطعه الشيخ حسان بلطف: "بس إيه؟" تنهدت ياسمين ببطء، وكأنها تحمل همًا ثقيلًا على صدرها وقالت: "أنا مش بحب اسمي أصلاً." نظرة الشيخ حسان أصبحت أكثر دفئًا، وقال بصوت مفعم بالعاطفة: "ليه كده بس؟ دا اسم جميل، دا أنا بنفسي اللي مختار الاسم دا لحفيدتي." أحست ياسمين بأن هذه الكلمات تحمل دفئًا غريبًا يخفف من حدة مشاعرها المتضاربة، وقالت وهي تحاول أن تخفي ابتسامتها: "يعني زي..." لم يكمل الشيخ حسان جملته، بل نظر إليها مباشرة وقال بحكمة: "إزاي بقى؟" ردت ياسمين بصوت منخفض وكأنها تتحدث إلى نفسها: "علشان جدي هو اللي مسميني." ضحك الشيخ حسان ضحكة قصيرة وقال بتقدير: "فعلاً، تبقى زيك. وتعرفي إن في حاجات كمان مشتركة بينكم غير اسمك؟" نظرت ياسمين إليه بتساؤل، وقالت: "إيه هي؟" أخذ الشيخ حسان نفسًا عميقًا وقال بصوت متزن: "عنادك وعصبيتك. طريقة كلامك مع محمد زميلك من شوية، ونظرتك ليه، فكرتني بيها أوي، كأنها هي اللي واقفة قدامي." لم تستطع ياسمين أن تخفي ابتسامة صغيرة تسللت إلى شفتيها وقالت بخجل: "أنا شكلي هحبها أوي." ابتسم الشيخ حسان بحنان وقال: "وهي كمان هتفرح أوي إن في حد زيها." أحست ياسمين في تلك اللحظة أنها قد وجدت شيئًا كانت تفتقده بشدة، شيئًا يشبه الدفء العائلي الذي لطالما حلمت به، وكأن الشيخ حسان قد نجح في بناء جسر من الثقة بينها وبينه، بل بينها وبين نفسها. نظرت ياسمين إلى الشيخ حسان بنظرة حائرة، وقالت بصوت يحمل خيطًا من التردد: "إنتَ من فين يا شيخ؟ أصل كلامك غريب شوية... وكمان شكلك." ضحك الشيخ حسان ضحكة قصيرة، مليئة بالود والتسامح، وقال بصوت رزين: "أنا من سيناء." تغيرت ملامح ياسمين فجأة، وبدت الابتسامة تلمع على وجهها كأنها وجدت شيئًا مألوفًا بين غموض الكلمات، وقالت بحماس: "بجد؟" أومأ الشيخ حسان برأسه بثقة، وقال بنبرة لا تخلو من الدفء: "أيوه، مالك وقفتي ليه كده؟ وإيه سر الفرحة دي؟" شعرت ياسمين بتدفق مفاجئ من المشاعر داخلها، ذكريات قديمة ربما أو أحلام كانت قد دفنتها في قلبها الصغير. قالت بصوت مليء بالفضول: "يعني بتشوف الضباط على طول، مش كده؟" ابتسم الشيخ حسان بحزن خفيف، وقال ببطء: "أيوه، وابني مختار... أبو ياسمين، كان متطوع في الجيش." سكت الشيخ للحظة، كأنه يستجمع قواه ليتابع، بينما عينا ياسمين امتلأتا بتساؤلات لا تنتهي. استجمعت شجاعتها وسألته بحذر: "قصدك إيه بـ كان؟" تنهد الشيخ حسان بصوت عميق، شعرت معه ياسمين بأن ثقلًا كبيرًا قد انزاح عن صدره. قال بنبرة ثقيلة تعكس عمق الحزن في قلبه: "اقعدي الأول." ترددت ياسمين لوهلة، ثم جلست بهدوء، وقد تملكتها مشاعر مختلطة بين الترقب والخوف مما سيقوله. تابع الشيخ حسان بنبرة تحمل مزيجًا من الحزن والفخر: "ابني استشهد وهو في الخدمة. الإرهابيين هجموا على الكمين، وماتوا كلهم من سنتين. وياريت كده وبس، لأ، في ناس كتير من أهالي سيناء ماتوا بسبب الهجوم، ومنهم سعاد، مرات ولدي مختار، ماتت بعديه بأسبوع." وضعت ياسمين يدها على قلبها، وهي تهمس بحزن: "الله يرحمهم. يعني هي دلوقتي يتيمة." ارتسمت على وجه الشيخ حسان نظرة حازمة، وكأن كلمتها أيقظت فيه إحساس المسؤولية العميقة تجاه حفيدته. قال بلهجة قاطعة: "يتيمة وأنا موجود؟ كيف؟ أنا أبوها وأمها والدنيا كلها." أحست ياسمين بالخجل، وكأنها قد تسببت دون قصد في جرح مشاعره. قالت وهي تحاول إصلاح ما بدر منها: "مش قصدي، آسفة... ربنا يخليك ليها." تبدلت ملامح الشيخ حسان إلى مزيج من الحنان والدفء، وقال بلطف: "عندك كام سنة يا بنتي؟" ردت ياسمين بصوت خافت: "15 سنة." ظهرت على وجه الشيخ حسان ابتسامة مفاجئة، وكان يحاول كتم ضحكة غير متوقعة، وقال ممازحًا: "إنتِ بتضحكي على إيه؟" تلعثمت ياسمين وهي تحاول أن تفهم سبب ضحكته وقالت: "قصدك يعني علشان جسمي مليان وسني صغير؟" هز الشيخ حسان رأسه نافيًا، وقال وهو يبتسم: "لأ يا بنتي." لم تستطع ياسمين كتمان فضولها أكثر، فسألته بصوت مليء بالاستغراب: "أمال إيه؟" أجابها الشيخ حسان بهدوء: "علشان هي قدك بالتمام." فتحت ياسمين عينيها على وسعهما وقالت بذهول: "بجد؟" ابتسم الشيخ حسان وأومأ برأسه وقال: "أيوه، عندها 15 سنة هي كمان." سألت ياسمين بحماس: "هي مولودة إمتى؟" رد الشيخ حسان وهو يتذكر يوم ولادة حفيدته: "يوم 3/8." قالت ياسمين بسرعة وكأنها تتحدث مع نفسها: "آه هي." لاحظ الشيخ حسان حماسها المتزايد، فمال نحوها وقال بحزم: "صوتك يا بنتي، المشايخ بيبصوا علينا." تلعثمت ياسمين وهي تشعر بالإحراج، وقالت بصوت منخفض: "آسفة، والله آسفة." أومأ الشيخ حسان برأسه وقال برفق: "اقعدي." جلست ياسمين مرة أخرى، لكن الفرحة التي كانت تغمر قلبها لم تتوقف، وقالت وهي تبتسم: "علشان في حاجة كمان مشتركة بينا." رفع الشيخ حسان حاجبيه متسائلًا وقال: "وإيه هي بقى؟" قالت ياسمين بفرح واضح: "يعني أنا وهي توأم... اتولدنا في نفس اليوم." ابتسم الشيخ حسان بحرارة، وقال مداعبًا: "يبقى أنا كمان جدك، وهتسمعي كلامي، بس بشرط." ردت ياسمين بسرعة وبحماس: "موافقة عليه!" ابتسم الشيخ حسان بمكر وقال: "مش لسه تسمعيه الأول؟" قالت ياسمين بثقة: "موافقة عليه من غير ما أسمع." ضحك الشيخ حسان وقال: "إنتِ في الجزء الكام؟" أجابت ياسمين بتردد: "التاني." ارتسمت على وجه الشيخ حسان ملامح العتاب وقال بلطف: "ليه كده؟ هزعل منك. هي بقى أشطر منك وختمته كله مرتين." ردت ياسمين بتحدي: "أنا هسبقها وهختمه أكتر منها، وأكون أنا الأول." ابتسم الشيخ حسان بفخر وقال: "يلا وريني همتك. ودا شرطي إنك تختمي القرآن في أسرع وقت قبل رمضان، علشان هيكون في مسابقة في مصر، وهي هتكون فيها. وأعرفكوا على بعض. قولتي إيه؟" أومأت ياسمين بحماس، وعيناها تلمعان بالتصميم، وشعرت في تلك اللحظة أنها قد وجدت في الشيخ حسان شيئًا لم تكن تعلم أنها تبحث عنه؛ مرشدًا وروحًا حانية، تقودها نحو طريق أكثر وضوحًا وثقة. أجابت بحزن وخوف: "بس رمضان بعد ست شهور،هلحق إزاى" تحدث الشيخ حسان بنبرة مشجعه مليئة بالحنان والإصرار: "لاء هتلحقي، انا هقولك ازاي تنظمي وقتك، بس قبل اي حاجه تعالي نحضر الحفله" سألته باستغراب: "ايوه دي حفلة اي" الشيخ حسان رد عليها بحنان: "دا مولد النبوي الشريف، وكمان في اربع ختموا القرآن،وفي حفله صغيره، كدا ليهم بعد آذان العصر" سألته بخوف والدموع تملأ عيناها و الحزن مختلط في نبرة صوتها: "انت هتدخل،مش كدا" فهم الشيخ حسان مقصدها فقال بحنان وهو يمسك يدها:" أكيد هدخل،بس وانت معايا،وبعدين بعد الحفلة، عاوز اتكلم معاكي،وتحكي عن اصابة ايدك،وعن حزن اللي في قلبك، والخوف اللي في عينك" أنزلت رأسها بأسى وحزن وقالت: "دي حكاية طويلة... اوي" ابتسم لها بحنان وقال: "وأنا جاهز اسمعها كلها بعد الحفلة يلا بينا" يمسك بيدها بأحكام، وهو يدخل الساحه الكبيره مره اخري،جلس في مكانه مره ثانيه،و اجلسها أمامه ابتعد الفتاه قليلا كي تسمح لها بالجلوس،تحت استغراب جميع الطلاب،فكانت تجلس في مقدمة الصف الاول،امام قدمه. تم توزيع الهدايا،والحلوى على الجميع.وكان لها نصيب أكبر،رأت أختيها الصغيرتان في آخر صف،ذهبت لهم وأخذتهم ومعها في الأمام.ابتسم لها الشيخ وأعطى لكل واحده حصتها من الحلوي والهدايا، رغم ان الهدايا كانت المتفوقين،لكنه أعطى لها كنوع من التشجيع. رفع أذان العصر نزلوا للمسجد وبعد انتهاء من الصلاه أقيمت الحفله بداخل المسجد، فكانت جميلة جدا مليئة بذكر الله وأصوات المشايخ الرائعة في التلاوي، تم توزيع الهدايا لهم والفرحة تعم المسجد بأكملة. في تلك الزاوية البعيدة من المسجد، حيث تجتمع الروحانية والسكون في مكان واحد، كان الشيخ حسان يجلس بهدوء على كرسيه الخشبي المتين، وتحيط به هالة من الهيبة التي تشع من وجهه الهادئ وعينيه الثاقبتين. كانت ياسمين تجلس أمامه، تشعر بمزيج من الفضول والقلق يتصارع داخلها، فهذه المرة الأولى التي تتحدث فيها مع رجل بمثل هذه الخبرة والحكمة. كان شعورها أشبه بمن يقف على حافة عالم مجهول، لا يعرف ماذا ينتظره. تبادلا الحديث بحرية أكبر، وتنامى بينهما شعور بالراحة والانفتاح. كانت ياسمين تشعر بأنها وجدت شخصاً يمكنها أن تثق به وتفتح له قلبها. تقدم الشيخ حسان منها، وقدم لها هديه كانت تنظر له باستغراب. "دا ايه" الشيخ حسان بحنان: "دا مصحف كان لابني مختار، كان معاه وقت الاستشهاد، علشان كدا تلاقي عليه دمه، انا بقرأ فيه، وما فيش معايا أغلى منه، علشان كدا، دا هديتك، هأخدها منك يوم المسابقة، تكوني ختمتي القرآن." عندما قدم لها الشيخ حسان المصحف، شعرت بأن حياتها قد تغيرت. لقد أصبحت تحمل مسؤولية جديدة وكأنها وُلدت من جديد. وعدته بصوت مليء بالإصرار: "أوعدك إني أختمه قبل المعاد كمان." تنفس بعمق ثم أضافت: "بس المصحف دا هيفضل معايا لحد لما اجيلك بنفسي" الشيخ حسان باستغراب: "هتيجي فين" ياسمين بجديه وعزم: "سيناء وقتها بس هرده ليك" الشيخ حسان بحب ونبرة مشجعه: "وانا هستناكي يا ياسمين" "بس هتجي بس علشان تجبيه" تغمض عيناه وتتذكر حلمها ثم تنفست بهدوء وقالت بعزيمه: "لاء علشان هحقق حلمي، وأكون دكتورة، واشتغل هناك" نظر إليها الشيخ حسان بعينيه اللتين تملأهما الحكمة، وقال بهدوء: "وأنا هستناكي يا دكتوره. ودي كمان حاجة مشتركة بينكم" ثم، وكأنهما جزء من قصة مشتركة، قالت ياسمين بابتسامة: "قولها إنها هتوحشني، وبتمني اليوم دا يجي بسرعة، ونتقابل." ابتسم الشيخ حسان وقال برقة: "السلام وصل، وأنا مستنيكي... سلام يا ياسمين." ردت عليها بدعابه ومكر: "دا ليها ولا ليها" ابتسم لها بهدوء، فنطقت مع ابتسامة جميلة: "يعني لازم تفرق بينا، مثل نادي عليا ب دقهليه، وانا قهولها يا سيناوي" ضحك بصوت عال، التفت المشايخ على صوته،فقال لها: "حلو الاسم دا، أنا هقولها عليه سلام يا دقهليه" دقهليه بحزن على فراقة: "سلام يا شيخنا" وقفت دقهلية لتغادر، لكن قلبها كان مليئًا بالأمل والتطلع إلى المستقبل. كانت تشعر بأنها ليست وحدها، وأن هناك من ينتظرها، ليس فقط لتحقيق حلمها، ولكن أيضًا لبناء حياة جديدة مليئة بالإنجازات والمحبة. . ❝ ⏤ياسمين خاطر
مع غروب الشمس، استيقظ آسر من نومه على وقع معدته الخاوية. شعر بالجوع الشديد، فنهض من فراشه بكسل واتجه إلى الحمام ليغتسل سريعًا. بعدها، توجه نحو المطبخ بحثًا عن شيء يسد به جوعه، لكن عبثًا، لم يجد شيئًا. أحس بخيبة أملٍ وهو يتنقل بنظراته بين الأرفف الفارغة والثلاجة المغلقة، فقرر التوجه إلى جدته، رغم إدراكه لحدة استقبالها. ما إن دخل غرفتها حتى صاحت بغضب: "بتعمل إيه عندك؟!" أجابها بصوتٍ خافت، لكنه يحمل في طياته انكسارًا: "بدور على حاجة أكلها، جعان." نظرت إليه نظرة مليئة بالكره والتذمر، قبل أن تتجه ببطء نحو الثلاجة وتفتحها بعنف. أخرجت بعض بقايا الطعام وألقته أمامه قائلة بلهجة قاسية: "كل أحسن تموت وتجبلي مصيبة. مش ناقصة زين وقرفه على المساء. يلا خلّص أكل واغسلهم وادخل أوضتك، يلا!" استجاب آسر لأوامرها دون أن ينبس بكلمة، كانت كلماته تذوب تحت ثقل جوعه. جلس على الطاولة وبدأ يتناول الطعام بشراسة، وكأن معدته قد نسيت طعم الطعام لزمن طويل. بعد انتهائه، قام بتنظيف الأطباق بدقةٍ كما أمرته، ثم عاد إلى غرفته كأنه كان يهرب من العالم. بخطواتٍ هادئة، دخل غرفته ....... [المزيد]